فصل: فصل في الجنين

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


فصل في الجنين

لما ذكر أحكام الجناية المتعلقة بالآدمي شرع في بيان أحكامها المتعلقة بالآدمي من وجه دون وجه وهو الجنين بيان ذلك ما ذكر شمس الأئمة السرخسي في أصوله أن الجنين ما دام مجتنا في البطن ليس له ذمة صالحة لكونه في حكم جزء من الأم لكنه منفرد بالحياة بعد إلا أن يكون نفسا له ذمة فباعتبار هذا الوجه يكون أهلا لوجوب الحق له من عتق أو إرث أو نسب أو وصية وباعتبار الوجه الأول لا يكون أهلا لوجوب الحق عليه فأما بعدما يولد فله ذمة صالحة ولهذا لو انقلب على مال إنسان أتلفه يكون ضامنا له ويلزمه مهر امرأته بعقد الولي، جنين على وزن فعيل بمعنى مفعول وهي مجنون أي مستور من جنه إذا ستره من باب طلب والجنين اسم للولد في بطن أمه ما دام فيه والجمع أجنة، فإذا ولد يسمى وليدا ثم رضيعا إلى غير ذلك قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا تجب غرة نصف عشر الدية‏)‏ الغرة الخيار غرة المال خياره كالفرس والبعير البخت والعبد والأمة ألفا درهم وقيل‏:‏ إنما سمي ما يجب في الجنين غرة؛ لأنه أول مقدار ظهر في باب الدية وغرة الشيء أوله كما سمي أول الشهر غرة وسمي وجه الإنسان غرة؛ لأنه أول شيء يظهر منه والمراد بنصف عشر الدية دية الرجل لو كان الجنين ذكرا وفي الأنثى دية عشر المرأة وكل منهما خمسمائة درهم‏.‏ ولهذا لم يبين في المختصر أنه ذكر أو أنثى؛ لأن دية المرأة نصف دية الرجل فالعشر من ديتها قدر نصف العشر من دية الرجل والقياس أن لا يجب شيء في الجنين؛ لأنه لم يتحقق جناية والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق ولهذا لا يجب في جنين البهيمة إلا نقصان الأم إن نقصت وإلا فلا يجب شيء والقياس أن لا يجب كمال الدية؛ لأنه بضربه منع حدوث الحياة فيه فيكون بذلك كالمزهق للروح ولهذا المعنى وجبت قيمة ولد المغرور، فإنه منع من حدوث الرق فيه وكذلك وجب على المحرم قيمة بيض الصيد في كسره وجه الاستحسان ما روي‏:‏ «أن امرأة من هذيل ضربت بطن امرأة بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة» كذا وجدته بخط شيخي وفي المنتقى رجل ضرب بطن امرأته فألقت جنينا حيا ثم مات ثم ألقت جنينا ميتا ثم ماتت الأم بعد ذلك وللرجل الضارب بنت من غير هذه المرأة وليس له ولد من هذه التي ولدت ولها إخوة من أبيها وأمها فعلى عاقلة الأب دية الولد الذي وقع حيا ثم مات ترث من ذلك أمه السدس وما بقي فلأخت هذا الولد من أبيه وعلى والده كفارتان في الولد الواقع حيا وكفارة في أمه والولد الذي سقط ميتا ففيه غرة على عاقلة الأب خمسمائة ويكون للأم من ذلك السدس أيضا وما بقي فلأخت هذا الولد من أبيه أيضا فلو كان الرجل ضرب بطنها بالسيف عمدا فقطع البطن ووقع أحد الولدين حيا وبه جراحة السيف ثم مات ووقع الآخر ميتا وبه جراحة السيف أيضا ثم ماتت الأم من ذلك فعلى الرجل القود في الأم وعلى عاقلته دية الولد الحي وغرة الجنين الميت‏.‏ قال محمد في الجامع الصغير وأطلق في قوله امرأة قال في السراجية فشمل الحرة مسلمة كانت أو كافرة ويكون بدل الجنين بين الورثة وفي الكافي هذا إذا تبين خلقه أو بعض خلقه وفي شرح الطحاوي أو كانت أمة علقت من سيدها والكفارة في الجنين تجب في سنة واحدة وفي شرح الطحاوي ولو ألقت جنينين تجب غرتان، وإن كان أحدهما خرج حيا ثم مات والآخر خرج ميتا تجب غرة ودية وعلى الضارب الكفارة، وإن ماتت الأم ثم خرج الجنينان تجب دية الأم وحدها إلا إذا خرج الجنينان ثم ماتا تجب عليه ثلاث ديات فاعتبر على هذا القياس، وإن كان في بطنها جنينان فخرج أحدهما قبل موت الأم وخرج الآخر بعد موت الأم وهما ميتان تجب الغرة في الذي خرج قبل موت الأم ولا يرث من دية أمه شيئا وترث الأم من ديته والجنين الآخر وهو الذي خرج بعد موت أمه لا يرث من أحد ولا يورث عنه قال‏:‏ وإن كان الذي خرج بعد موت الأم خرج حيا ثم مات ففيه الدية كاملة وفي شرح الطحاوي ولو خرج الولد حيا ثم مات تجب ديتان قال ويرث هذا الجنين من دية أمه وهل يرث هذا الجنين الأول وهو الذي خرج ميتا قبل موت الأم ينظر إن كان الآخر حيا لا يرث، وإن لم يكن حيا يرث‏.‏ قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن ألقته حيا فمات فدية‏)‏ أي تجب دية كاملة؛ لأنه أتلف آدميا خطأ أو شبه عمد فتجب فيه الدية كاملة قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن ألقت ميتا فماتت الأم فدية وغرة‏)‏ لما روينا ولأنهما جنايتان فيجب فيهما موجبهما وهذا لما عرف أن الفعل يتعدد بتعدد دائره فصار كما إذا رمى فأصاب شخصا ونفذت منه إلى آخر فقتله، فإنه يجب عليه ديتان إن كان خطأ، وإن كان الأول عمدا يجب القصاص في الأول وفي الثاني الدية‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن ماتت فألقته ميتا فدية فقط‏)‏ وقال الشافعي تجب الغرة مع الدية؛ لأن الجنين مات بضربته ظاهرا فصار كما إذا ألقته ميتا وهي بالحياة ولنا أن موت الأم سبب لموته ظاهرا؛ لأن حياته بحياتها وتنفسه بتنفسها فيتحقق بموتها فلا يكون في معنى ما ورد به النص إذ الاحتمال فيه أقل فلا يجب شيء بالشك، وإن ألقته حيا بعدما ماتت تجب ديتان دية الأم ودية الولد؛ لأنه كما إذا ألقته حيا وماتت‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وما يجب فيه يورث عنه ولا يرث الضارب فلو ضرب بطن امرأته فألقت ابنه ميتا فعلى عاقلة الأب غرة ولا يرث منها‏)‏، وإنما يورث؛ لأنه نفس من وجه على ما بينا والغرة بدله فيرثها وارثه ولا يرث الضارب من الغرة شيئا؛ لأنه قاتل مباشرة ظلما ولا ميراث للقاتل بهذه الصفة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وفي جنين الأمة لو ذكرا نصف عشر قيمته لو كان حيا وعشر قيمته لو أنثى‏)‏ وقال الشافعي يجب فيه عشر قيمة الأم؛ لأنه جزء من وجه وضمان الأجزاء يومئذ بمقدارها من الأصل ولهذا وجب في جنين الحرة عشر ديتها بالإجماع وهو الغرة ولنا أنه بدل نفسه فلا يقدر بغيره إذ لا نظير له في الشرع والدليل على أنه بدل نفسه أن الأمة أجمعت على أنه لا يشترط فيه نقصان الأصل ولو كان ضمان الطرف لما وجب إلا عند نقصان الأصل ويؤيد ذلك أن ما يجب في جنين الحرة موروث ولو كان بدل الطرف لما ورث والحر والعبد لا يختلفان في ضمان الطرف؛ لأنه لا يورث، وإنما يختلفان في ضمان النفس ولو كان ضمان الطرف لما ورث في الحر، فإذا ثبت أنه ضمان النفس كان دية مقدرة بنفس الجنين لا بنفس غيره كما في سائر المضمونات ولا نسلم أن الغرة مقدرة بدية الأم بل بدية نفس الجنين إذ لو كان حيا تجب نصف عشر ديته إن كان ذكرا وعشر ديته إن كان أنثى فكذا في جنين الأمة يجب بتلك النسبة من قيمته؛ لأن كل ما كان بقدر دية الحر فهو مقدر من قيمة العبد فيجب نصف عشر قيمته إن كان ذكرا وعشر قيمته إن كان أنثى هذا دية الحر إذا كان الجنين من غير مولاها ومن غير مغرور‏.‏ وأما إذا كان من أحدهما ففيه الغرة المذكورة في جنين الحرة ذكرا كان أو أنثى كما تقدم وفي نوادر ابن سماعة رجل قال لأمته الحبلى‏:‏ أحد الولدين اللذين في بطنك حر فضرب إنسان بطنها فألقت جنينين ميتين غلام وجارية قال على الجاني غرة وذلك خمسمائة وعليه أيضا في الغلام ربع عشر قيمته لو كان حيا وعليه في الجارية نصف خمسمائة ونصف عشر قيمتها وفي العيون هشام عن أبي يوسف في رجل اشترى أمة حاملا فلم يقبضها حتى أعتق ما في بطنها ثم ضرب إنسان بطنها فألقت غلاما ميتا فالمشتري بالخيار إن شاء أخذ الأمة بجميع الثمن وأتبع الجاني بأرش الجنين أرش حر فيكون له الفضل طيبا، وإن شاء فسخ البيع في الأمة ولزمه الولد بحصته من الثمن ولو كان للجنين أب حر كان أرش الجنين لوالده في الوجهين جميعا ولا شيء للمشتري وفي التتمة وسئل يوسف بن محمد البلالي عن رجل زنى بجارية الغير فأحبلها ثم احتال هو وامرأته فأسقطا الحمل من الجارية وماتت الجارية بذلك السبب ما الحكم في ذلك وما يجب عليهما فقال‏:‏ أما الجارية، فإنه يجب عليه ضمانها إذا ماتت بذلك السبب وفي الحمل الغرة إن كان ميتا، وإن سقط وهو حي ثم مات فإنه يجب قيمته، وإن كان الحمل ماء ودما فإنه لا يجب فيه شيء وفي المنتقى قال أبو حنيفة وأبو يوسف إذا ضرب الرجل بطن امرأته فألقت جنينا ميتا فلا كفارة عليه ولا يرث منه‏.‏ وإن ألقت جنينا ميتا قد استبان من خلقه شيء ثم ماتت هي من تلك الضربة ثم ألقت جنينا حيا ومات ففي الأول الغرة وفي الأم الدية وفي الجنين الثاني الدية كاملة وفي النسفية سئل عن مختلعة حامل مضت عدتها بإسقاط الولد هل للزوج أن يخاصمها في هذا الحمل فقال‏:‏ إن أسقطته بفعلها وجب عليها للزوج غرة قيمتها خمسمائة درهم نقرة خالصة ولا يسقط شيء من ذلك لميراثها؛ لأنها قاتلة فلا ترث وسئل أبو القاسم عن امرأة شربت الدواء فألقت جنينها ميتا أو حملت حملا ثقيلا فألقت جنينا ميتا أن على عاقلتها خمسمائة درهم في سنة واحدة لوارث الحمل أبا كان أو غيره، وإن لم يكن لها عاقلة فهي في مالها في سنة وفي الحاوي وذلك لزوجها؛ لأنه هو الوارث قاله يوسف بن عيسى وفي جامع الفتاوى ولو لم يعلم أنه ذكر أو أنثى يؤخذ بالمتيقن كالخنثى المشكل، ضاع الجنين ولا يمكنها تقويمه باعتبار قيمته وهيئاته ووقع التنازع في قيمته القول للضارب؛ لأنه المنكر كما لو قتل عبدا خطأ ووقع التنازع في قيمته وعجز القاضي عن تقويمه باعتبار حاله كان القول للضارب كذا في شرح الهداية للعيني‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن حرره سيده بعد ضربه فألقته فمات ففيه قيمته حيا‏)‏‏.‏ ولا تجب الدية، وإن كان بعد العتق؛ لأن الوجوب بالضرب والضرب صادفه وهو رقيق فتجب قيمته حيا؛ لأنه صار قاتلا له وهو حي فاعتبرنا حالتي السبب والتلف فأوجبنا عليه القيمة باعتبار حالتي السبب وهو الضرب؛ لأنه رقيق حينئذ وأوجبنا عليه جميع قيمته باعتبار حالة التلف كأنه ضربه في الحال وكان ينبغي أن يجب ما نقص بضربه إلى أن يوجد العتق كما لو قطع يد عبد أو جرحه فأعتقه المولى ثم مات يجب عليه أرش اليد والجرح وما نقص من قيمته إلى العتق؛ لأن العتق يقطع السراية لكن اعتبر فيه الحالتان فجعل كأن الضرب لم يوجد في حق الجنين؛ لأن المقصود بالضرب الأم فأوجبنا القيمة دون الدية؛ لأنه صار قاتلا له بالضرب الأول فصار كما لو رمى عبدا فأعتقه المولى ثم وقع عليه السهم فمات، فإنه تجب عليه القيمة للمولى؛ لأن الرمي ليس بجناية ما لم يتصل بالمحل فلا يجب فيه شيء بدون الاتصال بخلاف القطع والجرح؛ لأنه جناية في الحال والعتق يقطع السراية ومع هذا تجب القيمة دون الدية؛ لأنه يصير قاتلا له من وقت الرمي؛ لأنه الفعل المملوك له وقال فخر الإسلام قال بعض مشايخنا معنى قوله ضمن أي الدية وقوله ولا تجب الدية ليس هو في الجامع الصغير ووجه أن الضرب وقع على الأم فلم يعتبر جناية في الجنين إلا بعد الانفصال حيا ولذلك لم تنقطع سرايته بخلاف من جرح فأعتقه مولاه‏.‏ وقال بعضهم بل المراد به حقيقة القيمة؛ لأن الجناية قد تمت منه لكن لا يعتبر في حق الجنين مقصودا إلا بعد الانفصال فأشبه الرمي الذي تم من الرامي ولا يعتبر في حق المرمى إليه إلا بعد الإصابة وقيل هذا عندهما وعند محمد تجب قيمته ما بين كونه مضروبا إلى كونه غير مضروب؛ لأن القطع قاطع السراية وقيد بقوله بعد ضربه؛ لأنه لو حرره قبل الضرب فألقته حيا فالواجب الدية على قولهما وعلى قول الإمام تجب قيمته ما بين كونه مضروبا إلى كونه غير مضروب واختلف المشايخ لمن يكون هذا المقدار قال بعضهم لورثة هذا الجنين وقال بعضهم للمولى كذا في التتارخانية‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولا كفارة في الجنين‏)‏ وقال الشافعي رحمه الله تجب الكفارة؛ لأنه نفس من وجه فتجب احتياطا لما فيها من العبادة ولنا أن الكفارة فيها معنى العقوبة؛ لأنها شرعت زاجرة وفيها معنى العبادة؛ لأنها تتأدى بالصوم وقد عرف وجوبها في النفس المطلقة فلا تتعداها؛ لأن العقوبة لا يجري فيها القياس وقول الشافعي فيه تناقض؛ لأنه يعتبره جزءا حتى أوجب عليه عشر قيمة الأم وهاهنا اعتبره نفسا حتى أوجب فيه الكفارة ونحن اعتبرناه جزءا من وجه ولهذا لم يجب فيه كل البدل فكذا لا تجب فيه الكفارة؛ لأن الأعضاء لا كفارة فيها إلا إذا تبرع بها هو؛ لأنه ارتكب محظورا، فإذا تقرب بها إلى الله تعالى كان أفضل ويستغفر الله تعالى مما صنع من الجريمة العظيمة‏.‏ والجنين الذي استبان بعض خلقه في جميع ما ذكرنا من الأحكام كالتام لإطلاق ما روينا ولأنه ولد في حق الأحكام كأمومية الولد وانقضاء العدة به والنفاس وغير ذلك فكذا في حق هذا الحكم ولأنه يتميز من العلقة والدم فلا بد منه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن شربت دواء لتطرحه أو عالجت فرجها حتى أسقطته ضمن عاقلتها الغرة إن فعلت بلا إذن‏)‏؛ لأنها ألقته متعدية فيجب عليها ضمانه وتتحمل عنها العاقلة لما بينا ولا ترث هي من الغرة شيئا؛ لأنها قاتلته بغير حق والقاتل لا يرث بخلاف ما إذا فعلت ذلك بإذن الزوج حيث لا تجب الغرة لعدم التعدي ولو فعلت أم الولد ذلك بنفسها حتى أسقطت فلا شيء عليها لاستحالة وجوب الدين على المملوك لسيده ولو استحقت وجب للمولى غرة؛ لأنه تبين أنه ليس بمالك لهما وأنه مغرور وولد المغرور حر الأصل وهي متعدية بذلك الفعل فصارت قاتلة للجنين فتجب الغرة له ويقال للمستحق إن شئت سلم الجارية، وإن شئت افدها؛ لأنه الحكم في جناية المملوك وفي جامع الفتاوى وفي نوادر رستم امرأة شربت دواء لتسقط ولدها عمدا فألقت جنينا حيا ثم مات فعلى العاقلة الدية ولا ترث منه شيئا وعليها الكفارة، وإن ألقت جنينا ميتا فعلى عاقلتها غرة ولا ترث منه شيئا وعليها الكفارة‏.‏ وقال أبو بكر في هذه الصورة‏:‏ إنها إذا أسقطت سقطا ليس عليها إلا التوبة والاستغفار، وإن كان جنينا فعليها غرة وتأويله إذا شربت دواء يوجب سقوط الولد وتعمدت ذلك وفي المنتقى رواية مجهولة امرأة شربت دواء فأسقطت وكانت شربت لغير ذلك يعني لغير إسقاط الولد فعليها الغرة ولا كفارة عليها في قول أبي حنيفة ومحمد ولا ترثه وقال بعضهم عليها الكفارة وهذا الجواب من زيادات الحاوي وفي المنتقى سئل أبو بكر عن حامل أرادت أن تلقي العلقة لغلبة الدم قال يسأل أهل الطب عن ذلك إن قالوا يضر بالحمل لا تفعل، وإن قالوا لا يضر تفعل وكذا الحجامة والفصد قال الفقيه وسمعت ممن يعرف ذلك الأمر قال لا ينبغي لها أن تفعل ما لم يتحرك الولد، فإذا تحرك فلا بأس بالحجامة ما لم تقرب الولادة، فإذا قربت فلا يفعل، وأما الفصد فالامتناع في حال الحبل أفضل؛ لأنه يخاف على الولد إلا أن يدخل الأم ضرر بين في تركه‏.‏

وفي فتاوى النسفي سئل عن مختلعة وهي حامل احتالت لإسقاط العدة بإسقاط الولد قال إن سقط بفعلها وجب عليها الغرة ويكون ذلك للزوج وفي الحاوي وهي لا ترث منه؛ لأنها قاتلة‏.‏

قال الأب إذا ضرب ابنه الصغير تأديبا فعطب من ذلك ينظر إن ضربه حيث لا يضرب للتأديب فعليه الدية والكفارة عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد لا شيء عليه وفي نوادر بشر عن أبي يوسف أن عليه كفارة وعلى هذا الخلاف الوصي إذا ضرب الصغير تأديبا وفي الكبرى، وإن كان ضربه المعلم في الموضع المعتاد فمات لا يضمن هو ولا الأب ولا الوصي في قولهم جميعا وكذا المؤدب الذي يعلمه الكتابة إذا ضربه بإذن والده لا ضمان عليه وعليه الكفارة في قولهما وهذا إذا كان ضربه المعلم في موضع معتاد وفي رواية مجهولة لا كفارة عليهما والفتوى على الأول والزوج إذا ضرب زوجته حيث تضرب للتأديب مثل ما تضرب حال نشوزها يضمن بالإجماع والأب والوصي إذا سلما الصغير إلى معلم يعلمه القرآن أو علما آخر فضربه المعلم للتعليم فلا ضمان على المعلم ولا على الأب والوصي وفي المنتقى عن أبي حنيفة وأبي يوسف أن عليه الكفارة، وإن ضربه حيث لا يضرب أو فوق ضرب التعليم فالمعلم ضامن قال هشام في نوادره قلت‏:‏ لمحمد إن لم يكن الأب قال له في أمر الضرب شيئا قال يضمن المعلم وفي رواية في بعض النسخ إن ضرب الصغير إنما يضمن على قول أبي حنيفة إذا كان للتأديب أما إذا ضربه لتعليم القرآن لا يضمن كالمعلم، فإذا لا فرق بين ضرب المعلم بإذن الأب وبين ضرب الأب إذا كان للتعليم وذكر شمس الأئمة الحلواني في شرح كتاب الإجارات أن في ضرب الأب ابنه وفي ضرب الزوج زوجته روايتين عن محمد في رواية يضمن وفي رواية لا يضمن، وأما الوالدة إذا ضربت ولدها الصغير للتأديب فلا شك أنها تضمن على قول أبي حنيفة وقد اختلف المشايخ فيه على قولهما قال بعضهم لا تضمن وقال بعضهم هي ضامنة؛ لأن الضرب تصرف في النفس وليس لها ولاية التصرف في النفس أصلا وفي كتاب العلل للزوج أن يضرب امرأته على ترك الصلاة وللأب أن يضرب ابنه على ترك الصلاة وذكر مسألة المعلم إذا ضرب الصغير بإذن الأب على الاتفاق قال نحو ما ذكرنا قال محمد ثمة وهذا عندنا‏.‏

وفي العيون إذا قال لرجلين اضربا مملوكي هذا مائة سوط فليس لأحدهما أن يضربه المائة كلها، فإن ضربه أحدهما تسعة وتسعين وضربه الآخر سوطا واحدا ففي القياس يضمن ضارب الأكثر وفي رواية لا يضمن وهو نظير ما لو قال لامرأتيه إن أكلتما هذا الخبز فأنتما طالقتان فأكلتاه، وإن أكلت إحداهما عامته والأخرى بقيته لا تطلق استحسانا‏.‏

وفي الكبرى المحترف إذا ضرب التلميذ فمات إن كان ضربه بأمر أبيه أو وصيه لا يضمن إذا كان في الموضع المعتاد لو ضرب امرأته على المضجع أو في أدب فماتت يضمن إجماعا وعليه الكفارة هما فرقا بينها وبين الأب، فإن ضرب الأب لمنفعة الابن وضرب المرأة لمنفعة الزوج‏.‏

وفي المنتقى رجل قتل عمدا وله أخ معروف فأقر أخوه بابن المقتول وادعى ذلك الابن وهو كبير، فإن للمقر به القود وقال أبو الفضل هذا الجواب خلاف ما في الأصل وفي نوادر هشام عن أبي يوسف رجل ادعى أنه عبده وأقام البينة وشهد الشهود أنه كان عبده فأعتقه وهو حر اليوم، فإن كان له وارث قضي لوارثه بالقصاص في العمد وبالدية في الخطأ، وإن لم يكن له وارث فلمولاه قيمته في العمد والخطأ‏.‏

وفي نوادر ابن سماعة قال سمعت أبا يوسف يقول في رجل في يده صبي صغير فقطع الرجل يد الصبي عمدا ثم قال القاطع هو عبدك وقال الذي في يده هو ابني لا أصدقه على ذلك، ولو قال هذه المقالة قبل موت المجني عليه فعلى الجاني القود‏.‏

وفي المنتقى رجل جرح فقال فلان قتلني ثم أقام وارثه بينة على رجل آخر أنه قتله قبلت بينته وذكر بعد ذلك هذه المسألة عن أبي يوسف رجل قال فلان جرحني فأقام ابن له بينة على ابن له آخر أنه جرحه خطأ، فإني أقبل البينة على الابن وأحرمه عن الميراث بذلك فلما أجزنا ذلك في الميراث جعلنا الدية على عاقلته قال هشام سمعت محمدا يقول في رجل أدخل نائما أو مغمى عليه في بيته فسقط البيت عليه قال لا يضمن إلا في المعتوه والصبي‏.‏

وفي المنتقى رجل فقأ عيني عبد وقطع الآخر رجله أو يده فبرأ وكانت الجناية منهما معا فعليهما قيمته أثلاثا ويأخذان العبد فيكون بينهما على قدر ذلك وكذلك كل جارحة من اثنين معا جراحة هذا في عضو وجراحة الآخر في عضو تستغرق ذلك القيمة كلها، فإنه يدفعه إليهما ويغرمان قيمته على قدر أرش جراحتهما ويكون بينهما على ذلك، وإن مات منهما والجراحة خطأ فعلى كل واحد منهما فعلى الجارح الأول أرش جراحته من قيمته مجروحا بالجراحة الأولى وما بقي من قيمته فعليهما نصفان، وإن برأ منهما والجراحة الأخيرة تستغرق القيمة والجراحة الأولى لا تستغرق فعلى الأول أرش جراحته وعلى الثاني قيمته مجروحا بالجرح الأول ويدفع العبد إليه، وإن كانت الجراحة الأولى هي التي تستغرق القيمة فعلى الجارح الثاني أرش جراحته‏.‏

ومن أمسك رجلا حتى جاء آخر وقتله عمدا أو خطأ فلا شيء على الممسك عندنا وعلى القاتل القصاص في العمد والدية في الخطأ وهي مسألة كتاب الديات وعلى هذا من أمسك رجلا حتى جاء آخر وأخذ دراهمه فضمان الدراهم على الآخذ عندنا لا على الممسك‏.‏

وفي الخانية لو وطئ جارية إنسان بشبهة أو أزال بكارتها فعلى قول أبي يوسف ومحمد ينظر إلى مهر مثلها فيزاد إلى نقصان بكارتها إن كان أكثر يجب ذلك ويدخل الأقل في الأكثر ولو أن صبيا زنى في صبية وأذهب عذرتها كان عليه المهر بإزالة البكارة لو كانت المرأة بالغة مستكرهة، وإن كانت مطاوعة لا يجب المهر؛ لأنه لو وجب على الصبي كان لولي الصبي أن يرجع بذلك عليها كما لو أمر صبيا بشيء يلحقه ضمانه كان لولي الصغير أن يرجع على الآمر فلا يفيد تضمين الصغير ولو أن امرأة بالغة غصبها فزنى بها وأذهب عذرتها بأمرها كان على الصبي مهرها؛ لأن أمر الأمة لم يصح في حق مولى الأمة، حريق وقع في محلة فهدم رجل دار غيره بغير أمر صاحبه وبغير أمر السلطان حتى ينقطع عن داره ضمن ولم يأثم ابن سماعة عن محمد حر معه سيف وعبد معه عصا فالتقيا وضرب كل واحد منهما صاحبه حتى قتله وماتا ولا يدري أيهما بدأ بالضرب فليس على ورثة الحر ولا على مولى العبد شيء، وإن كان السيف بيد العبد والعصا بيد الحر فعلى عاقلة الحر نصف قيمة العبد ولا شيء لورثة الحر على مولى العبد، وإن كان بيد كل واحد منهما عصا وضرب كل واحد منهما الآخر وشجه موضحة ثم ماتا ولا يدري من الذي بدأ بالضرب فعلى عاقلة الحر قيمة العبد صحيحا لمولاه ثم يقال لمولاه ادفع من ذلك قيمة الشجة إلى ولي الحر وهذا استحسان والقياس أن لا يكون له شيء منه بشر بن الوليد عن أبي يوسف في رجل ضرب كل واحد منهما صاحبه هذا بالسيف وهذا معه عصا فماتا ولا يدري أيهما بدأ قال على صاحب العصا نصف دية صاحب السيف على عاقلته وليس لصاحب العصا شيء، وإذا جرح الرجل عمدا بالسيف فأشهد المجروح بالسيف على نفسه أن فلانا لم يجرحه ثم مات المجروح من ذلك هل يصح هذا الإشهاد قالوا هذا على وجهين إما أن تكون جراحة فلان معروفة عند القاضي وعند الناس أو غير معروفة، فإن لم تكن معروفة كان الإشهاد صحيحا وفي الذخيرة، وإن أقام الورثة بينة بعد ذلك على أن فلانا جرحه لم تقبل هذه البينة‏.‏

وفي التجريد ولو أمر رجل عشرة رجال أن يضرب كل واحد منهم عبده سوطا ففعلوا ثم إن آخر ضرب سوطا ولم يأمره فمات العبد من ذلك كله فعلى الذي لم يؤمر أرش ما نقص بضربه مضروبا عشرة أسواط وعليه أيضا جزء من أحد عشر جزءا من قيمته مضروبا أحد عشر سوطا ولو أن المولى ضربه بيده عشرة أسواط ثم ضربه هذا الرجل سوطا ومات فعليه نقصان سوطه ونصف قيمته مضروبا أحد عشر سوطا وفي الجامع الصغير عن محمد فيمن اجتمع عليه الصبيان أو المجانين يريدون قتله وفي الحاوي أو أخذ ماله ولا يقدر على دفعهم إلا بالقتل قال ليس له أن يقتلهم ولو قتل تجب عليه الدية قال المعلى قلت‏:‏ لمحمد إن صاحبنا يقول بالضمان وعنى أنه أبو مطيع قال المعلى كنت في الطواف، فإذا محمد بن الحسن فقال يا خراساني القول ما قال صاحبكم قال الشيخ وبه يفتي، وكان نصير يقضي بالضمان في الصبي والمجنون والبهيمة إذا قتله الرجل دافعا وكان الفقيه أبو بكر يفتي بعدم الضمان قال الفقيه أبو الليث هذا القول يخالف ما قيل في الروايات الظاهرة وفي فتاوى الذخيرة أمة الرجل إذا ارتدت والعياذ بالله تعالى فقتلها رجل فلا شيء على القاتل هكذا ذكر محمد وفي غيرها أن على القاتل قيمتها وفي النسفية سئل عمن سعى فيه إلى السلطان وأخذ من الرجل مالا ظلما هل يضمن للساعي قال نعم وروي هذا عن زفر وأخذ به كثير من مشايخنا لما فيه من المصلحة فتاوى الخلاصة‏.‏ من سعى برجل إلى السلطان حتى غرمه لا يخلو من ثلاثة أوجه أحدها إن كانت السعاية بحق بأن كان يؤذيه ولا يمكنه دفع الأذى إلا بالرفع إلى السلطان أو كان فاسقا لا يمتنع عن الفسق بالأمر بالمعروف وفي مثل هذا لا يضمن الساعي‏.‏ الثاني‏:‏ أن يقول إن فلانا وجد كنزا أو لقطة وظهر أنه كاذب ضمن إلا إذا كان السلطان عادلا لا يغرم بمثل هذه السعايات أو قد يغرم وقد لا يغرم لا يضمن الساعي الثالث إذا وقع في قلبه أن فلانا يجيء إلى امرأته فرفع إلى السلطان فغرمه السلطان ثم ظهر كذبه فعندهما لا يضمن الساعي وعند محمد يضمن وقال صدر الإسلام في كتاب اللقطة والفتوى على قول محمد لغلبة السعاية في زماننا وقيل سواء قال صدقا أو كذبا إن لم يكن محتسبا وليس للسلطان حق الأخذ على قياس قول محمد إذا أمر الأعوان بأخذ المال باعتبار الظاهر لا يجب واعتبار السعاية يجب أما إذا لم يأمر الأعوان ولكن أراه بيته وأخذ من بيته شيئا لا يضمن وقال الشيخ الإمام لا يضمن الجاني مطلقا قال الفقيه أبو الليث الساعي لا يضمن أيضا والمشايخ المتأخرون منهم القاضي الإمام علي السغدي والحاكم عبد الرحمن وغيرهما أفتوا بوجوب الضمان على الساعي هكذا اختار الصدر الشهيد وهو أصح ولو قال عند السلطان‏:‏ إن لفلان قوسا جيدا أو جارية حسناء والسلطان يأخذ فأخذ يضمن ولو كان الساعي عبدا يطلب بعد العتق ولو اشترى شيئا فقيل له اشتريت بثمن غال فسعى عند ظالم وأخذه إن كان قال صدقا لا يضمن، وإن كان كذبا يضمن‏.‏ وقال في الجامع الصغير قال أبو نصر الدبوسي فيمن قطع يد عبده أو قتله أن عليه التعزير وفي الفتاوى عن خلف قال سألت أسد بن عمرو عمن ضربه بيده أو رجله ومات منه قال هذا شبه العمد‏.‏

وفي المنتقى عن محمد قال في رجل قصد أن يضرب آخر بالسيف فأخذ المضروب السيف من يده فقطع السيف أصابع الآخر قال إن كان من غير المفصل فعلى الجاذب الدية، وإن كان من المفصل فعليه القصاص‏.‏

وفي المنتقى رجل قتل عمدا وله ابنان وامرأة فعفت المرأة عن الدم ثم إن أحد الابنين قتل القاتل وهو يعلم العفو فعليه الدية في ماله في ثلاث سنين يدفع عنه من ذلك ما كان له على قاتل الأب، وأما إذا قتل أحدهما أبا عمدا وقتل الآخر أمه عمدا فللأول أن يقتل الثاني بالأم ويسقط القصاص عن الأب؛ لأن القصاص الأول لما قتل صار القصاص موروثا بين الابن الآخر وبين الأم للأم من ذلك الثمن، فإن قتل الآخر الأم صار الثمن الذي ورثته الأم من الأب ميراث الأول فسقط ضرورة، وإذا جنى على مكاتب إنسان ثم دبره مولاه لانهدار السراية بل تكون السراية مضمونة على الجاني بعد التدبير ولو كاتبه أو أعتقه هدرت السراية أيضا، وإذا جنى على مكاتب إنسان ثم أدى المكاتب فعتق ثم مات المكاتب من تلك الجناية فعلى الجاني قيمة المكاتب لا الدية، وإن مات حرا‏.‏

وقال في المنتقى رجل شهد له رجلان أنه قتل ابن هذا فلانا وشهد آخران لهذا الرجل أيضا أنه قتل ابن هذا فلانا وسميا ابنا آخر له غير الذي سمياه الأولان وزكي الفريق الأول ولم يزك الفريق الثاني فدفع المشهود عليه إلى المشهود له ليقتله فقال المشهود له أنا أقتلك بابني الذي لم تزك الشهود على قتله ولا أقتلك بابني الذي زكي الشهود على قتله ثم قتله فلا شيء عليه‏.‏ وإن قال لم يقتل ابني الذي زكي الشهود على قتله، وإنما قتل ابن آخر لي فقتله كان عليه الدية استحسانا وفي القياس عليه القتل‏.‏

وفي المنتقى قال محمد في نصراني شهد عليه نصرانيان أنه قتل ابن هذا النصراني عمدا فقضي عليه بالقصاص ودفع إليه ليقتله فأسلم، فإني أدرأ عنه القتل وأجعل عليه الدية وروى الحسن عن أبي حنيفة في مسلم قطع يد عبد النصراني عمدا فأقام العبد بينة على النصراني أن مولاه كان أعتقه قبل أن يقطع هذا المسلم يده قبلت شهادتهم على العتق ولا يقضى له بالقصاص وله نصف القيمة والله تعالى أعلم بالصواب‏.‏

باب ما يحدث الرجل في الطريق

لما فرغ من بيان أحكام القتل مباشرة شرع في بيان أحكامه تسببا وقدم الأول لكونه أصلا؛ لأنه قتل بلا واسطة ولكونه أكثر وقوعا فكان أمس حاجة إلى معرفة أحكامه قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن أخرج إلى طريق العامة كنيفا أو ميزابا أو جرصنا أو دكانا فلكل نزعه‏)‏ أي لكل أحد من أهل المرور الخصومة مطالبة بالنقض كالمسلم البالغ العاقل الحر وكالذمي؛ لأن لكل منهم المرور بنفسه وبدوابه فتكون له الخصومة بنفسه كما في الملك المشترك بخلاف العبيد والصبيان المحجور عليهم حيث لا يؤمر بالهدم بمطالبتهم؛ لأن مخاصمة المحجور عليهم لا تعتبر في ماله بخلاف الذمي هذا إذا بنى لنفسه قيد بما ذكر ليحترز عما إذا بنى للمسلمين كالمسجد ونحوه فلا ينتقض كذا روي عن محمد رحمه الله‏.‏ وقال إسماعيل الصفار إنما ينقض بخصومته إذا لم يكن له مثل ذلك، فإن كان له مثله لا يلتفت إلى خصومته؛ لأنه لو أراد به إزالة الضرر عن الناس لبدأ بنفسه وحيث لم يزل ما في قدرته علم أنه متعنت قال في العناية الكنيف المستراح والميزاب والجرصن قيل هو البرج وقال فخر الإسلام جذع يخرجه الإنسان من الحائط ليبني عليه ثم الكلام في هذه المسألة في ثلاثة مواضع أحدها في أنه هل يحل له إحداثه في الطريق أم لا والثاني في الخصومة في منعه من الإحداث فيه ورفعه بعده والثالث في ضمان ما تلف بهذه الأشياء أما الإحداث فقال شمس الأئمة إن كان الإحداث يضر بأهل الطريق فليس له أن يحدث ذلك، وإن كان لا يضر بأحد لسعة الطريق جاز له إحداثه فيه ما لم يمنع منه؛ لأن الانتفاع في الطريق بغير أن يضر بأحد جائز فكذا ما هو مثله فيلحق به إذا احتاج إليه، فإذا أضر بالمار لا يحل لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا ضرر ولا ضرار في الإسلام» وهذا نظير من عليه الدين، فإنه لا يسعه التأخير إذا طالبه صاحبه فلو لم يطالبه جاز له تأخيره وعلى هذا القعود في الطريق للبيع والشراء يجوز إن لم يضر بأحد، وإن أضر لم يجز لما قلنا، وأما الخصومة فيه فقال أبو حنيفة لكل واحد من عرض الناس أن يمنعه من الوضع وأن يكلفه الرفع بعد الوضع سواء كان فيه ضررا ولم يكن إذا وضع بغير إذن الإمام لافتياته على رأيه؛ لأن التدبير في أمور العامة إلى الإمام العرض بالضم الناحية والمراد واحد من الناس وعلى قول أبي يوسف لكل واحد أن يمنعه من ذلك وعلى قول محمد ليس لأحد أن يمنعه قبل الوضع ولا بعده إذا لم يكن فيه ضرر الناس؛ لأنه مأذون له في إحداثه شرعا ألا ترى أنه يجوز له ذلك إن لم يمنعه أحد والمانع منه متعنت فلا يمكن من ذلك‏.‏ فصار كما لو أذن له الإمام بل أولى؛ لأن إذن الشارع أحرى ولاية وأقوى كالمرور حتى لا يجوز لأحد أن يمنعه وجوابه أن هذا انتفاع بما لم توضع له الطريق فكان لهم منعه، وإن كان جائزا في نفسه بخلاف المرور فيه؛ لأنه انتفاع بما وضع له فلا يكون لأحد منعه قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وله التصرف في النافذ إلا إذا أضر‏)‏ أي له أن يتصرف بإحداث الجرصن وغيره مما تقدم ذكره في الطريق النافذ إذا لم يضر بالعامة معناه إذا لم يمنعه أحد وقد ذكرناه والخلاف الذي فيه فلا نعيده قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وفي غيره لا يتصرف فيه إلا بإذنهم‏)‏ أي في غير النافذ من الطريق لا يتصرف أحد بإحداث ما ذكرنا إلا بإذن أهله؛ لأن الطريق التي ليست بنافذة مملوكة لأهلها فهم فيها شركاء ولهذا يستحقون بها الشفعة والتصرف في الملك المشترك من الوجه الذي لم يوضع له لا يملك إلا بإذن الكل أضر بهم أو لم يضر بخلاف النافذ؛ لأنه ليس لأحد فيه ملك فيجوز الانتفاع به ما لم يضر بأحد ولأنه إذا كان حق العامة فيتعذر الوصول إلى إذن الكل فجعل كل واحد كأنه هو المالك وحده في حق الانتفاع ما لم يضر بأحد ولا كذلك غير النافذ؛ لأن الوصول إلى إرضائهم ممكن فيبقى على شركته حقيقة وحكما وفي المنتقى إنما يؤمر برفع هذه الأشياء إذا علم حدوثها فلو كانت قديمة فليس لأحد حق الرفع، وإن لم يدر حال هذه الأشياء تجعل قديمة وهذا هو الأصل‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن مات أحد بسقوطها فديته على عاقلته كما لو حفر بئرا في طريق أو وضع حجرا فتلف به إنسان‏)‏ أي إذا مات إنسان بسقوط ما ذكره من كنيف أو ميزاب أو جرصن فديته على عاقلة من أخرجه إلى الطريق؛ لأنه تسبب للهلاك متعديا في إحداث ما تضرر به المارة بإشغال هواء الطريق به أو بإحداث ما يحول بينهم وبين الطريق وكذا إذا عثر بنقضه إنسان ولو عثر بما أحدث به هو رجل فوقع على آخر فماتا فديتهما على عاقلة من أحدثه؛ لأن الواقع كالمدفوع على الآخر ولو سقط الميزاب فأصاب ما كان في الداخل رجلا فقتله فلا ضمان على أحد؛ لأنه وضع ذلك في ملكه فلا يكون متعديا فيه، وإن أصابه ما كان خارجا فيه يضمن، وإن لم يعلم أخارجا أم داخلا؛ لأنه إن كان خارجا ضمن، وإن كان داخلا لا يضمن ففي القياس لا يضمن بالشك؛ لأن فراغ ذمته ثابت بيقين وفي الشغل شك وفي الاستحسان يضمن النصف؛ لأنه في حال يضمن الكل وفي حال لا يضمن شيئا فيضمن النصف ولا يقال ينبغي أن يضمن ثلاثة أرباع الدية؛ لأنه يضمن في حالة النصف وهو ما إذا أصابه الطرفان فينتصف فيكون مع النصف الأول ثلاثة أرباع؛ لأن أحوال الإصابة حالة واحدة فلا تتعدد لاستحالة اجتماعهما بخلاف حالة الجرحين‏.‏

ولو أشرع جناحا إلى الطريق ثم باع الكل فأصاب الجناح رجلا فقتله أو وضع خشبة في الطريق ثم باع الخشبة وتركها المشتري حتى عطب بها إنسان فالضمان على البائع؛ لأن فعله لم ينفسخ بزوال ملكه وهو الموجب بخلاف الحائط المائل إذا باعه بعد الإشهاد عليه ثم سقط في ملك المشتري على إنسان حيث لا يضمن البائع ولا المشتري؛ لأن المشتري لم يشهد عليه وهو شرط الحائط المائل وفي حق البائع قد بطل الإشهاد الأول؛ لأن الملك شرط لصحة الإشهاد فيبطل بخروجه عن ملكه؛ لأنه لا يتمكن من نقض ملك الغير وفيما نحن فيه إنما يضمن بإشغال الطريق لا باعتبار الملك والإشغال باق بعد البيع ألا ترى أن ذلك الإشغال لو حصل من غير مالك كالمستأجر أو المعير أو الغاصب يضمن وفي الحائط لا يضمن غير المالك‏.‏

ولو استأجر رب الدار الفعلة لإخراج الجناح أو الظلة فوقع قبل أن يفرغوا من العمل فقتل إنسانا فالضمان عليهم؛ لأن التلف بفعلهم؛ لأن العمل لا يكون مسلما إلى رب الدار قبل فراغهم منه فانقلب فعلهم قتلا حتى وجبت عليهم الكفارة ويحرمون من الإرث بخلاف ما تقدم من المسائل من إخراج الجناح أو الميزاب أو الكنيف إلى الطريق فقتل إنسانا بسقوطه حيث لا تجب فيه الكفارة ولا يحرم الإرث؛ لأنه تسبب وهنا مباشرة القتل غير داخل في عقده فلم يستند فعلهم إليه فاقتصر عليهم قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى هذا على وجوه أما إن قال لهم ابنوا لي جناحا على فناء داري، فإنه ملكي ولي منه حق إشراع الجناح إليه من القديم ولم تعلم الفعلة ثم ظهر بخلاف ما قال ثم سقط فأصاب شيئا فالضمان على الآجر ويرجعون بالضمان على الآمر قياسا واستحسانا سواء سقط قبل الفراغ من العمل أو بعده؛ لأن الضمان وجب على الفاعل بأمر الآمر فكان له أن يرجع به عليه كما لو استأجر شخصا ليذبح له شاة ثم استحقت الشاة بعد الذبح كان للمستحق أن يضمن الذابح ويرجع الذابح به على الآمر فكذا هذا، وأما إذا قال لهم اشرعوا لي جناحا على فناء داري وأخبرهم أنه ليس له حق الشرع في القديم أو لم يخبرهم حتى بنوا ثم سقط فأتلف شيئا إن سقط قبل الفراغ من العمل فالضمان عليهم ولم يرجعوا به على الآمر قياسا، وإن سقط بعد الفراغ من العمل فكذلك في جواب القياس؛ لأن المستأجر أمرهم بما لا يملك مباشرته بنفسه وقد علموا فساد أمره فلم يحكم بالضمان على المستأجر كما لو استأجر رجلا ليذبح شاة جار له وأعلمه فذبح ثم ضمن الذابح للجار لم يرجع به على الآمر وكذا لو استأجرهم ليبنوا له بيتا في وسط الطريق ثم سقط وأتلف شيئا لم يرجعوا به على الآمر وفي الاستحسان يكون الضمان على الآمر؛ لأن هذا الأمر صحيح من حيث إنه لا يجوز بيعه فمن حيث إن الأمر صحيح يكون إقرار الضمان على الآمر بعد الفراغ من الفعل ومنه حيث إنه فاسد يكون الضمان على العامل قبل الفراغ من العمل عملا بها وإظهار شبهة الصحة بعد الفراغ من العمل أولى من إظهاره قبل الفراغ؛ لأن أمر الآمر إنما لا يصلح من حيث إنه لا يملك الانتفاع بفناء داره، وإنما حصل له ذلك بعد الفراغ من العمل‏.‏

قوله كما لو حفر بئرا في طريق فتلف به إنسان أي القتل بسقوط الميزاب ونحوه كالقتل بحفر البئر ووضع الحجر في الطريق؛ لأن كل واحد منهما قتل بسبب حتى لا تجب فيه الكفارة ولا يحرم الميراث فيكون حكمه كحكمه فيما ذكرناه قوله‏:‏ حفر إلى آخره حفر بئرا في الطريق فجاء آخر وحفر طائفة في أسفلها ثم وقع فيها إنسان ومات في القياس يضمن الأول وبه أخذ محمد وفي الاستحسان يجب الضمان عليهما أثلاثا‏.‏

ولو حفر بئرا ثم جاء آخر ووسع رأسها فسقط فيها إنسان ومات كان الضمان عليهما أثلاثا قالوا تأويل المسألة أن الثاني وسع رأسها بحيث يعلم الناس أن الواقع إنما وقع في موضع بعضه من حفر الأول وبعضه من حفر الثاني أما إذا وسع الثاني رأسها بحيث إنه إنما وقع في موضع حفر الثاني كان الضمان على الثاني، وإن لم يدر فالضمان عليهما قاضي خان قوله حفر إلى آخره سقط إنسان فقال الحافر إنه ألقى نفسه وكذبه الورثة في ذلك كان القول قول الحافر في قول أبي يوسف آخرا وهو قول محمد؛ لأن الظاهر أن البصير يرى موضع قدميه، وإن كان الظاهر أن الإنسان لا يوقع نفسه إلا إذا وقعت له شدة فلا يجب الضمان بالشك قوله حفر بئرا في الطريق ثم كساها بالتراب أو بخضر أو بما هو من جنس الأرض يضمن الأول ولو غطى رأسها وجاء آخر ورفع الغطاء فوقع فيها إنسان ضمن الأول وقال قاضي خان قيد بقوله فتلف فيه فلو لم يمت من ذلك بل مات جوعا أو عطشا أو غما هل يضمن الحافر لم يذكر محمد هذا وقد ذكر أبو يوسف في الإملاء خلافا فقال على قول أبي حنيفة لا يضمن الحافر إذا مات جوعا فالجواب كما قال أبو حنيفة فأما إذا مات غما، فإنه يضمن الحافر وفي الكبرى والفتوى على قول أبي حنيفة رحمه الله وفي الذخيرة وقال محمد يضمن في الحالتين هذا إذا كان الحفر في طريق المسلمين فأما إذا كان الحفر في فناء داره فوقع فيه إنسان فمات هل يضمن إن كان الفناء لغيره يكون ضامنا، وأما إذا حفر في ملكه أو كان له حق الحفر في القديم فكذا الجواب لا يضمن، وإن لم يكن ملكا له ولكن كان لجماعة المسلمين أو كان شركا بأن كان في سكة غير نافذة، فإنه يضمن قال في المنتقى فناء دار الرجل ما كان في داره يحتاج إليه وإن كان في عرض سكته أو أعرض منها فأما إذا أمر رجلا أن يحفر له بئرا في أصل حائط جاره وفنائه فهذا كله فناء الآمر وفناء جاره الذي هو فناء له فهو فناؤهما، وإن كانت السكة غير نافذة فأمر بالحفر في موضع ليس له فيه منفعة ولا يحتاج إليه الدار وهذا ليس بفنائه، وإذا أوقع إنسان نفسه في البئر فلا ضمان على الحافر شرح الطحاوي‏.‏

ومن حفر بئرا على قارعة الطريق فوقع فيها دابة أو إنسان فتلف فالضمان على الحافر ولو جاء إنسان فدفعه وألقاه في البئر وهلك فالضمان على الدافع دون الحافر‏.‏

وفي الخانية رجل حفر بئرا في ملكه ثم سقط إنسان فقتل الساقط ذلك الإنسان أو الدابة كان الساقط ضامنا دية أو قيمة من كان فيها، وإن كان البئر في الطريق كان الضمان على حافر البئر، فإذا حفر في ملك نفسه فسقوطه لا يكون ضامنا إلى الحافر وكان تلف السقوط عليه مضافا إلى الساقط، وإذا حفر الرجل بئرا في طريق المسلمين ثم آخر حفر طائفة أخرى في أسفلها ثم وقع إنسان ومات، فإنه ينبغي في القياس أن يضمن الأول وبه أخذ محمد واختلف المشايخ في جواب الاستحسان فمنهم من قال جواب الاستحسان أن يكون الضمان على الأول والثاني ومنهم من قال جواب الاستحسان أن يكون الضمان على الثاني خاصة إلا أن أصحابنا أخذوا بالقياس وكان كمن حفر بئرا على قارعة الطريق فجاء إنسان ووضع في البئر سلاحا ثم جاء إنسان ووقع على السلاح ومات من ذلك، فإن الضمان على الحافر وسئل بعضهم عمن حفر في صحراء قرية التي هي لأهل القرية وهي مبيت دوابهم حفيرة يضع فيها الحنطة والشعير بغير إذن الباقين فجاء رجل وأوقد في الحفيرة نارا كستها وذلك أيضا بغير إذن الباقين فوقع فيها حمار فاحترق بالنار فالضمان على من يجب فقال على الحافر قال وهذا قياس ما نقل عن أصحابنا في كتاب الديات أن من حفر بئرا على قارعة الطريق وألقى رجل فيها حجرا بعدما وقع في البئر رجل فأصابه الحجر الذي في البئر فمات إن الدية على الحافر ومثله لو وضع رجل حجرا على الأرض بقرب البئر فتعقل فيها إنسان ووقع فهلك فالدية على من وضع الحجر كأنه ألقاه في البئر فمات ولو كان كذلك كان الضمان على الدافع وكذلك هاهنا هذا إذا وضع الحجر واضع فأما إذا لم يضعه أحد ولكن كان الحجر راسخا فتعقل به إنسان ووقع في البئر ومات فالضمان على الحافر؛ لأنه متعد في التسبب وكان بمنزلة الماشي إذا وقع في البئر ولم يعلم بالبئر فالضمان على الحافر، وإن كان الماشي دافعا نفسه في البئر وأنه مباشر والحافر متسبب وفي الظهيرية، وإن كان الحجر لم يضعه أحد لكنه حميل السيل جاء به فالضمان على الحافر ومن هذا الجنس ما ذكر في المنتقى رجل حفر بئرا على قارعة الطريق فجاء إنسان وزلق بماء صبه رجل آخر على الطريق ووقع في البئر ومات فالضمان على الذي صب الماء، فإن كان الماء ماء السماء فعلى صاحب البئر‏.‏

وإذا حفر الرجل بئرا في طريق مكة في الفيافي والمفازات في غير ممر الناس فوقع فيه إنسان، فإنه لا ضمان له وهذا بخلاف ما لو حفر في الطريق، فإنه يصير ضامنا، فإذا حفر بئرا على قارعة الطريق فوقع إنسان فسلم من الوقعة وطلب الخروج منها فتعلق حتى إذا كان في وسطها سقط وعطب فلا ضمان ولو مشى في أسفلها فعطب بصخرة فيها فإن كانت الصخرة في موضعها من الأرض فلا ضمان، وإن كان صاحب البئر قلعها من موضعها ووضعها في ناحية البئر فعلى صاحب البئر هكذا ذكر في المنتقى شرح الطحاوي‏.‏

وإذا حفر الرجل بئرا في الطريق فسقط فيه رجل فتعلق به آخر وتعلق الثاني بثالث وسقطوا جميعا وماتوا جميعا فهو على ثلاثة أوجه إن ماتوا من وقوعهم ولم يقع بعضهم على بعض أو من وقوعهم ووقع بعضهم على بعض وقد علم كيفية الموت أو لم يعلم كيف ماتوا، فإن ماتوا من وقوعهم ولم يقع بعضهم على بعض فدية الأول على الحافر؛ لأنه كالدافع ودية الثاني على الأول؛ لأن الثاني مباشر ودية الثالث على الثاني، وإذا خرجوا أحياء وأخبروا عن حالهم ثم ماتوا فموت الأول على سبعة أوجه إما إن مات من وقوعه لا غير فديته على الحافر، وإن مات من وقوع الثاني عليه فديته هدر؛ لأنه قاتل لنفسه بجره، وإن مات من وقوع الثالث عليه فديته على الثاني؛ لأنه هو جر الثالث، وإن مات من وقوع الثاني والثالث فنصف ديته هدر ونصفها على الثاني، وإن مات من وقوعه ووقوع الثالث عليه فالنصف على الحافر والنصف على الثاني، وإن مات من وقوعه ووقوع الثاني والثالث فالثلث هدر؛ لأنه قتل نفسه بجر الثاني عليه والثلث على الحافر؛ لأنه كالدافع والثلث على الثاني بجر الثالث مباشرة، وأما الحكم في الثاني، فإن مات بوقوع الثالث عليه فديته هدر؛ لأنه جره إلى نفسه، وإن مات من وقوع الأول عليه فديته على الأول؛ لأنه صار كالدافع للثاني في البئر، وإن مات من وقوع الأول والثالث معا فنصف ديته هدر لجره الثالث إلى نفسه ونصفها على عاقلة الأول لجر الأول له وإيقاعه في البئر،‏.‏ وأما دية الثالث فعلى الثاني لجر الثاني له هذا إذا كان يدرى حال وقوعهم فأما إذا كان لا يدرى فلا يخلو إما أن يكون بعضهم على بعض أو وجدوا متفرقين، فإن كانوا متفرقين فدية الثالث على الثاني ودية الثاني على الأول ودية الثالث على الثاني وهو قول محمد رحمه الله تعالى وفي قول آخر لم يبين محمد قائله في الأصل ويقال هو قول أبي يوسف وهو الاستحسان أن دية الأول أثلاثا ثلث على صاحب البئر وثلث على الثاني؛ لأنه جر الثالث عليه وثلث هدر؛ لأن الأول هو الذي جر الثاني ودية الثاني نصفان نصف على الأول؛ لأنه هو الذي جره ونصف هدر؛ لأنه جر الثالث إلى نفسه ودية الثالث على الثاني عبد حفر بئرا على قارعة الطريق فجاء إنسان ووقع فيها فعفا عنه الولي ثم وقع فيها آخر فعلى المولى أن يدفع كله أو يفديه في قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد يدفع إليه نصف؛ لأنهما وقعا معا فعفا عنه أحد الوليين رجل مات وترك دارا وعليه من الدين ما يستغرق قيمتها فحفر فيها ورثته فهو ضامن لنقصان الحفر للغرماء، فإن وقع فيها إنسان فعليه ضمان ذلك على عاقلته‏.‏

وفي المنتقى محمد عن أبي يوسف في عبد حفر بئرا ثم أعتقه مولاه ثم وقع العبد المعتق في البئر ومات قال على المولى قيمته لورثته قال محمد لا أرى عليه شيئا ولو أعتقه المولى أولا ثم حفر ووقع فيها فلا شيء على المولى بلا خلاف‏.‏

وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف مكاتب حفر بئرا في الطريق ثم قتل إنسانا فقضي عليه بقيمته ثم وقع في البئر إنسان ومات قال يشارك الساقط في البئر الذي أخذ القيمة فيها قال وكذلك المدبر قال، وإذا جاء ولي الساقط في البئر فأخذ الذي أخذ قيمة المدبر من مولاه لم يكن بينه وبينه خصومة ولا أقبل بينة عليه، وإنما أقبل بينة على مولى المدبر، فإذا زكت كذا على المولى يرجع على الذي أخذ القيمة بنصفها وفي التجريد ولو كان الحافر مدبرا أو أم ولد وقضي على المولى بقيمة واحدة تعتبر القيمة يوم الحفر ولا يعتبر بزيادة القيمة ونقصانها، وأما المكاتب فتلزمه الجنايات وتعتبر قيمته يوم الحفر ولو كان الحافر عبدا فالجنايات كلها في رقبته ويخاطب المولى بالدفع أو الفداء بجميع الأروش، فإن أعتقه المولى بعد الحفر قبل الوقوع ثم لحقته الجنايات فعلى المولى قيمته يوم عتق يشترك فيها أصحاب الجنايات التي كانت بعد العتق وقبله يضرب في ذلك كل واحد بقدر أرش جنايته ولو لم يعتق ولكن وقع واحد ومات فيدفع به ثم وقع ثان وثالث فيشتركوا مع المدفوع إليه الأول في رقبته بقدر حقوقهم ولو أن عبدا قتل إنسانا ودفعه المولى به ثم وقع إنسان في بئر كان حفرها العبد قبل ذلك عند الدافع فالعبد يدفع نصفه إلى ولي الساقط في البئر أو يفديه بالدية ولو عفا ولي الساقط في البئر لم يدفع إلى المولى شيء من العبد ولا خصومة في هذه المسألة بين المولى الأول، وإنما يخاصم الذي في يده العبد‏.‏

وفي الخانية ولو أن رجلا حفر بئرا في سوق العامة أو بنى فيه دكانا فعطب به شيء، فإن فعل ذلك بإذن الإمام لا يكون ضامنا وبغير إذنه يكون ضامنا كما لو أوقف دابته في السوق في موضع معد للدابة فأوقف الدابة في ذلك الموضع إن عينوا ذلك الموضع بإذن السلطان فعطب لا يكون ضامنا، وإن لم يكن بإذن السلطان كان ضامنا؛ لأن السلطان إذا أذن بذلك يخرج ذلك الموضع عن أن يكون طريقا فتعين لإيقاف الدواب وبغير إذن السلطان لا يخرج من أن يكون طريقا ولو أن مدبرا حفر بئرا في الطريق ثم أعتقه المولى أو مات المولى حتى عتق المدبر بموته ثم أوقع نفسه كان للمشتري قيمته على البائع وكذا لو كان المدبر عبدا وأعتقه المولى وقد ذكر هذه المسألة على الخلاف بين أبي يوسف ومحمد‏.‏

وإذا حفر الرجل نهرا في غير ملكه فأكثر من ذلك النهر ماء يغرق أرضا أو قرية كان ضامنا ولو كان في ملكه فلا ضمان رجل سقى أرضه من نهر العامة وكان على نهر العامة أنهار صغار مفتوحة فوهاتها ودخل الماء في الأنهار الصغار وفسد بذلك أرض قوم قال شيخ الإسلام الأجل ظهير الدين يكون ضامنا؛ لأنه أجرى الماء فيها‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولو بهيمة فضمانها في ماله‏)‏ أي لو كان الهالك في البئر أو بسقوط الجرصن بهيمة يكون ضمانها في ماله؛ لأن العاقلة لا تتحمل ضمان المال وإبقاء الميزاب واتخاذ الطين في الطريق بمنزلة إلقاء الحجر والخشبة؛ لأن كل واحد من ذلك مسبب بطريق من التعدي بخلاف ما إذا كان في ملكه لعدم التعدي وبخلاف ما إذا كنس الطريق فعطب بموضع كنسه إنسان حيث لم يضمن؛ لأنه ليس بمتعد فيه؛ لأنه لم يحدث فيه شيئا، وإنما قصد إماطة الأذى عن الطريق حتى لو جمع الكناسة في الطريق فعطب بها إنسان ضمن لوجود التعدي بشغله الطريق ولو وضع حجرا فنحاه غيره عن موضعه فتلف به نفس أو مال كان ضمانه على من نحاه؛ لأن فعل الأول قد انتسخ وكذا إذا صب الماء في الطريق أو رش أو توضأ فعطب به نفس أو مال يضمن؛ لأنه متعد فيه بخلاف ما إذا فعل ذلك في سكة غير نافذة وهو من أهلها أو قعد فيه أو وضع خشبة أو متاعه؛ لأن الكل واحد من أهله أن يفعل ذلك لكونه من ضرورات السكن كما في الدار المشتركة بخلاف الحفر؛ لأنه ليس من ضرورات السكن فيضمن ما عطب به كالدار المشتركة غير أنه لا يضمن في السكة ما نقص بالحفر وفي الدار المشتركة يضمن؛ لأن لشريكه ملكا حقيقة في الدار حتى يبيع نصيبه ويقسم بخلاف السكة قالوا هذا إذا رش ماء كثيرا بحيث يزلق منه عادة، وأما إذا لم يجاوز المعتاد لا يضمن ولو تعمد المرور في موضع الصب مع علمه به لا يضمن الراش؛ لأنه هو الذي خاطر بنفسه فصار كمن وثب في الطريق من جانب إلى جانب فوقع فيها بخلاف ما إذا كان بغير علمه بأن كان ليلا أو أعمى وقيل يضمن مع العلم أيضا إذا رش جميع الطريق؛ لأنه مضطر إلى المرور فيه وكذا الحكم في الخشبة الموضوعة في الطريق في جميع أجزاء الطريق أو بعضه ولو رش فناء حانوت بإذن صاحبه فضمان ما عطب على الآمر استحسانا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن‏)‏ ‏(‏جعل بالوعة في طريق بأمر السلطان أو في ملكه أو وضع خشبة فيها‏)‏ أي في الطريق ‏(‏أو قنطرة بلا إذن الإمام فتعمد الرجل المرور عليها‏)‏ ‏(‏لم يضمن‏)‏ أما بناء البالوعة بأمر الإمام أو في ملكه ووضع الخشبة فلأنه ليس بمتعد، وأما بناء القنطرة فلأن الباني فوت حقا على غيره، فإن التدبير في وضع القنطرة من حيث تعيين المكان للإمام فكانت جناية بهذا الاعتبار فتعمد رجل المرور عليها لم يضمن ووضع الخشبة والقنطرة وإن وجد التعدي منه فيهما لكن تعمده المرور عليهما يسقط النسبة إلى الواضع؛ لأن الواضع متسبب والمار مباشر فصار هو صاحب علة فلا يعتبر التسبب معه وقد بيناه فيما مضى، وإن استأجر أجراء يحفرون له في غير فنائه فضمانه على المستأجر ولا شيء على الآجر إن لم يعلموا أنه في غير فنائه؛ لأن أمره قد صح إذا لم يعلموا فنقل فعلهم إلى الآمر؛ لأنهم مغرورون من جهته فصار كما إذا أمر أجيرا بذبح هذه الشاة فذبحها ثم ظهر أن الشاة لغيره يضمن المأمور ويرجع به على الآمر لكونه مغرورا من جهته وهنا يجب الضمان على المستأجر ابتداء؛ لأن كل واحد منهما متسبب والأجير غير متعد والمستأجر متعد فترجح جانبه، فإن علموا بذلك فالضمان على الآجر؛ لأن أمره لم يصح؛ لأنه لا يملك أن يفعل بنفسه ولا غرور من جهته لعلمهم بذلك فبقي الفعل مضافا إليهم ولو قال لهم هذا فنائي وليس لي حق الحفر فيه فحفروا فمات فيه إنسان فالضمان على الأجراء قياسا؛ لأنهم علموا بفساد الأمر فلم يغرهم وفي الاستحسان الضمان على المستأجر؛ لأن كونه فناء لهم بمنزلة كونه مملوكا له لانطلاق يده بالتصرف فيه من إلقاء الطين والحطب وربط الدابة والركوب وبناء الدكان فكان آمرا بالحفر في ملكه ظاهرا بالنظر إلى ما ذكرنا فكذا ينقل إليه وقال شيخ الإسلام إذا كان الطريق معروفا أنه للعامة ضمنوا سواء قال لهم أو لا، وإذا استأجر الرجل أجيرا ليحفر له بئرا فحفر له الأجير ووقع فيها إنسان ومات فهذا على وجهين الأول أن يستأجر الأجير ليحفر له بئرا في الطريق، فإنه على وجهين‏:‏ الأول أن يكون طريقا معروفا لعامة المسلمين يعرفه كل أحد وفي هذا الوجه يجب الضمان على الأجير سواء علمه المستأجر بذلك أو لم يعلمه، وإن كان الطريق لعامة المسلمين إلا أنه طريق غير مشهور، فإن أعلم المستأجر الأجير بأن هذا الطريق لعامة المسلمين فكذا الجواب أيضا فأما إذا لم يعلم فالضمان على الآمر لا على الأجير وهذا بخلاف ما لو استأجر أجير الذبح شاة فذبحها ثم علم أن الشاة لغير الآمر فإن الضمان على الأجير أعلمه المستأجر بأن الشاة لغيره أو لم يعلمه ثم يرجع إذا لم يعلم، الوجه الثاني إذا استأجره ليحفر له بئرا في الفناء وقد تقدم بيانه وفي الفتاوى والخلاصة إذا استأجر رجلا ليبني له أو ليحدث له شيئا في الطريق أو يخرج حائطا فما عطب به من نفس أو مال فذلك على المستأجر دون الأجير استحسانا إلا إذا سقط من يده لبن فأصاب إنسانا فقتله تجب الدية على عاقلة الذي سقط من يده وعليه الكفارة وفي السغناقي من حفر بئرا على قارعة الطريق فجاء آخر وخاطر بنفسه ووثب من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر ووقع فيه ومات لم يضمن الحافر شيئا‏.‏

وفي المنتقى رجل جاء بقوم إلى طريق من طرق المسلمين وقال احفروا لي هنا بئرا أو قال ابنوا لي هنا ولم يقل غيره، فإن ضمان ما عطب به من ذلك على الآمر دون الفاعل ذكر المسألة مطلقا وتأويلها ما إذا لم يكن الطريق مشهورا لعامة المسلمين ولم يعلمه المستأجر بذلك كما ذكر شيخ الإسلام وذكر عقيب هذه المسألة رجل جاء لقوم وقال احفروا في هذا الطريق بئرا ولم يقل لي ولم يقل أستأجر على ذلك وظنوا أنه الآمر وكذلك لو أدخلهم دارا وقال لهم احفروا فيها فحفروا وظنوا أنها دار الآمر فهو على أن يقول إن استأجرهم على ذلك وذكر بعد هذا بشر بن الوليد عن أبي يوسف رجل استأجر عبدا فحفر له في غير فنائه فالضمان في رقبة العبد علم العبد بذلك أم لا‏.‏

ولو استأجر مكاتبا أو عبدا محجورا عليه لحفر بئر فوقعت البئر عليهما وماتا فالضمان على المستأجر في الحر لا في المكاتب ويضمن قيمة العبد لمولاه، فإذا أخذ القيمة دفع المولى القيمة إلى ورثة الحر والمكاتب فيضرب ورثة الحر في قيمته بثلث الدية وورثة المكاتب بثلث قيمة المكاتب ثم يرجع المالك على المستأجر بقيمة العبد مرة فيسلم له وللمستأجر أن يرجع على عاقلة الحر بثلث قيمة العبد ويأخذ أولياء المكاتب من الحر ثلث قيمة المكاتب ثم يؤخذ من المكاتب مقدار قيمته فيكون بين ورثة الحر والمستأجر يضرب ورثة الحر بثلث ديته والمستأجر بثلث قيمة العبد‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن حمل شيئا في الطريق فسقط على إنسان ضمن‏)‏ سواء تلف بالوقوع أو بالعثرة به بعد الوقوع؛ لأن حمل المتاع في الطريق على رأسه أو على ظهره مباح له لكنه مقيد بشرط السلامة بمنزلة الرمي إلى الهدف أو الصيد‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فلو كان رداء قد لبسه فسقط لا‏)‏ أي لو كان المحمول رداء قد لبسه فسقط على إنسان فعطب به لا يضمن والفرق بينه وبين الشيء المحمول أن الحامل يقصد حفظه فلا يخرج بالتقييد بوصف السلامة واللابس يقصد حفظ ما يلبسه فيخرج بالتقييد بوصف السلامة فجعل في حقه مباحا مطلقا وعن محمد إذا لبس زيادة على قدر الحاجة وما لا يلبس عادة كاللبد والجوالق والدرع من الحديد في غير الحرب ضمن؛ لأنه لا ضرورة إلى لبسه وسقوط الضمان باعتبارهما لعموم البلوى‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏مسجد لعشيرة فعلق رجل منهم قنديلا أو جعل فيها بواري أو حصاة فعطب به رجل لم يضمن، وإن كان من غيرهم ضمن‏)‏ وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا لا يضمن في الوجهين؛ لأن هذه قربة يثاب عليها الفاعل فصار كأهل المسجد وكما لو كان بإذنهم وهذا؛ لأن بسط الحصير وتعليق القنديل من باب التمكين من إقامة الصلاة فيه فيكون من باب التعاون على البر والتقوى فيستوي فيه أهل المسجد وغيرهم وله أن التدبير فيما يتعلق بالمسجد لأهله دون غيرهم كنصب الإمام واختار المتولي رفع بابه وإغلاقه وتكرار الجماعة حتى لا يعتد بمن سبقهم في حق الكراهة وبعدهم يكره فكان فعلهم مباحا مطلقا من غير قيد بشرط السلامة وفعل غيرهم مقيد بها وقضية القربة لا تنافي الغرامة إذا أخطأ الطريق كما إذا انفرد بالشهادة على الزنا وكما إذا وقف على الطريق لإماطة الأذى ولدفع المظالم فعثر به غيره يؤجر على ذلك ويغرم والطريق فيه الاستئذان من أهله وقال الحلواني أكثر المشايخ أخذوا بقولهما وعليه الفتوى وعن ابن سلام باني المسجد أولى بالعمارة والقوم أولى بنصب الإمام والمؤذن‏.‏ وعن الإسكافي أن الباني أحق به قال أبو الليث وبه نأخذ إلا أن ينصب شخصا والقوم يرون من هو أصلح لذلك وفي الجامع الصغير أو حصيرا وفي الذخيرة أو حفر بئرا فعطب به إنسان لا شيء عليه، وإن كان الحافر من غير العشيرة ضمن ذلك كله هذا هو لفظ هذا الكتاب وفي الأصل يقول، وإذا احتفر أهل المسجد في مسجدهم بئرا لماء المطر أو علقوا فيه قناديل أو جعلوا فيه حبا يصب فيه الماء أو طرحوا فيه حصا أو ركبوا فيه بابا فلا ضمان عليهم فيمن عطب بذلك فأما إذا أحدث هذه الأشياء من هو من غير أهل المحلة فعطب به إنسان فهذا على وجهين إما أن يفعلوا بغير إذن أهل المحلة إن أحدثوا شيئا أو حفروا بئرا فعطب فيها إنسان، فإنهم يضمنون بالإجماع فأما إذا وضعوا حبا ليشربوا منه الماء أو بسطوا حصيرا أو علقوا قناديل بغير إذن أهل المحلة فتعقل إنسان بالحصير فعطب أو وقع القنديل وأحرق ثوب إنسان أو أفسده قال أبو حنيفة إنهم يضمنون وقال أبو يوسف ومحمد لا يضمنون قال الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني وأكثر مشايخنا أخذوا بقولهما في هذه المسألة وعليه الفتوى قال فيه أيضا إذا قعد الرجل في المسجد لحديث أو نام فيه أو قام فيه بغير الصلاة أو مر فيه مار لحاجة من الحوائج فعثر به إنسان فمات قال أبو حنيفة رحمه الله بأنه ضامن وقال أبو يوسف ومحمد بأنه لا ضمان عليه إلا أن يمشي فيه على إنسان فأما إذا قعد لعبادة بأن كان ينتظر الصلاة أو كان قعد للتدريس وتعليم القضاء وللاعتكاف أو قعد لذكر الله تعالى وتسبيحه وقراءة القرآن فعثر به إنسان فمات هل يضمن على قول أبي حنيفة لا رواية لهذا في الكتاب والمشايخ المتأخرون اختلفوا فيه فمنهم من يقول يضمن عند أبي حنيفة وإليه ذهب أبو بكر الرازي وقال بعضهم لا يضمن وإليه ذهب أبو عبد الله الجرجاني فأما إذا كان يصلي فعثر به إنسان فلا ضمان عليه سواء كان يصلي الفرض أو التطوع السغناقي قال الفقيه أبو جعفر سمعت أبا بكر البلخي يقول إن جلس لقراءة القرآن معتكفا في المسجد لا يضمن عندهم جميعا وذكر فخر الإسلام والصدر الشهيد في الجامع الصغير إن جلس للحديث فعطب به رجل يضمن بالإجماع؛ لأنه غير مباح له الذخيرة وفي المنتقى رواية مجهولة‏.‏

وإذا فرش الرجل فراشا في المسجد ونام عليه فعثر رجل بالنائم فلا ضمان ولو عثر بالفراش فهو ضامن وفيه أيضا رواية مجهولة‏.‏

إذا بنى مسجدا في طريق المسلمين بغير أمر السلطان فعطب بحائطه فهو ضامن في قول أبي حنيفة وكذلك في قول أبي يوسف إذا كان في طريق الأمصار حيث يكون تضييقا أو إضرارا، وإن كان في الصحراء بحيث لا يضر بالطريق غير أنه في أفنية المصر فلا ضمان عليه استحسانا ولو أن رجلا أخرج من داره مسجدا وبنى كان أولى الناس من أهل المحلة وغيرهم بإصلاحه والإسراج وليس لأحد أن يشركه فيه إلا بإذنه وعن أبي يوسف برواية بشر عن أبي حنيفة لأهل المسجد أن يهدموا مسجدهم ويهدموا بناءه وليس لغيرهم أن يفعل ذلك إلا برضاهم‏.‏

قال محمد في الجامع الصغير في رجل جعل قنطرة على نهر بغير إذن الإمام فمر عليها رجل متعمدا فوقع فعطب فلا ضمان عليه هكذا ذكر المسألة هنا واعلم أن هذه المسألة على وجهين أما إذا كان النهر مملوكا له أو لم يكن مملوكا فلو كان مملوكا له فلا ضمان وإن صار مسببا للتلف؛ لأنه غير متعد في هذا السبب، وإن لم يكن النهر مملوكا له فهذا على وجهين إن كان نهرا خاصا لأقوام مخصوصين فلا ضمان عليه إن كان تعمد المرور عليها، وإن لم يتعمد المرور عليها وفي الكافي بأن كان أعمى أو مر ليلا فهو ضامن وصار الجواب فيه كالجواب فيما إذا حفر بئرا في ملك إنسان فوقع فيها إنسان أما إذا كان نهرا عاما لجماعة مسلمين وقد فعل ذلك بغير إذن الإمام فالجواب فيه كالجواب فيما لو نصب جسرا أو قنطرة على نهر خاص لأقوام معينين هكذا ذكر في ظاهر الرواية وروي عن أبي يوسف في غير رواية بشر إلا إذا كان النهر عاما لجماعة مسلمين، فإنه لا ضمان على واضع القنطرة والجسر سواء، علم الماشي عليه فانخرق به فمات إن تعمد المرور عليها لا ضمان على واضع القنطرة، وإن لم يعلم المار به ضمن كمن نصب خشبة في طريق فمر به كان ضامنا قالوا إن كانت الخشبة الموضوعة صغيرة بحيث لا يوطأ على مثلها لا يضمن واضعها؛ لأن الوطء على مثل هذه الخشبة بمنزلة تعمد الزلق، وإن كانت الخشبة كبيرة يوطأ على مثلها يضمن واضعها هذا إذا كان النهر خاصا لأقوام مخصوصين، فإن كان النهر لعامة المسلمين في ظاهر الرواية يكون ضامنا وعن أبي يوسف أنه يكون ضامنا قال التمرتاشي لو ضاق المسجد بأهله لهم أن يمنعوا من ليس من أهله من الصلاة وفي العيني على الهداية ولا يمتنع أن يكون المسجد لعامة المسلمين ويختص أهله بتدبيره ألا ترى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ مفاتيح الكعبة من بني شيبة فأمره الله تعالى أن يردها إليهم بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها‏}‏‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن‏)‏ ‏(‏جلس فيه‏)‏ أي في المسجد ‏(‏رجل منهم فعطب به آخر‏)‏ ‏(‏ضمن إن كان في غير وقت الصلاة، وإن كان فيها لا‏)‏ وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا لا يضمن على كل حال وقد تقدم بيان ذلك لهما أن المساجد بنيت للصلاة والذكر قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وأنتم عاكفون في المساجد‏}‏، فإذا بنيت لها لا يمكنه أداء الصلاة مع الجماعة إلا باستنظارها فكان الجلوس فيه من ضرورتها فيباح له ولأن المنتظر للصلاة في الصلاة لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «المنتظر للصلاة في الصلاة ما دام ينتظرها» وتعليم الفقه وقراءة القرآن عبادة كالذكر وله أن المسجد بني للصلاة وغيرها من العبادة تبع بدليل أن المسجد إذا ضاق على المصلي كان له أن يزعج القاعد عن موضعه حتى يصلي فيه وإن كان القاعد مشتغلا بذكر الله تعالى أو بالتدريس أو معتكفا، وليس لأحد أن يزعج المصلي من مكانه الذي سبق إليه لما أنه بني لها واسمه يدل عليه؛ لأن المسجد اسم لموضع السجود وفي العادة أيضا لا يعرف بناء المسجد إلا للصلاة، فإذا كان كذلك فلا بد من إظهار التفاوت بينهما فكان الكون فيه في حق الصلاة مباحا مطلقا من غير تقييد بشرط السلامة وفي حق غيرها مقيد بشرط السلامة ليظهر التفاوت بين الأصل وبين التبع ولا يبعد أن يكون الفعل قربة مقيدا بشرط السلامة ألا ترى أن من وقف في الطريق لإصلاح ذات البين قربة في نفسه ومع هذا مقيد بالسلامة في الصحيح وذكر صدر الإسلام أن الأظهر ما قالاه؛ لأن الجلوس من ضرورة الصلاة فيكون ملحقا بها؛ لأن ما ثبت ضرورة لشيء يكون حكمه كحكمه وفي العيني على الهداية وبه أخذ مشايخنا وفي الذخيرة بقولهما يفتى وذكر شمس الأئمة أن الصحيح من مذهب أبي حنيفة أن الجالس لانتظار الصلاة لا يضمن، وإنما الخلاف في عمل لا يكون له اختصاص بالمسجد كقراءة القرآن ودرس الفقه والحديث والله أعلم‏.‏

فصل ‏[‏في الحائط المائل‏]‏

لما ذكر رحمه الله تعالى أحكام القتل الذي يتعلق بالإنسان مباشرة وتسببا شرع في بيان أحكام القتل الذي يتعلق بالجماد وهو الحائط المائل وكان من حقها أن تؤخر عن مسائل جميع الحيوانات تقديما للحيوان على الجماد إلا أن الحائط المائل لما ناسب الجرصن والروشن والجناح والكنيف وغيرها ألحق مسائله بها ولهذا عبر بلفظ الفصل لا بلفظ الباب كذا في النهاية وغيرها قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏حائط مال إلى طريق العامة ضمن ربه ما تلف به من نفس أو مال إن طالب بنقضه مسلم أو ذمي ولم ينقضه في مدة يقدر على نقضه‏)‏ وهذا استحسان والقياس أن لا يضمن وهو قول الشافعي رحمه الله تعالى؛ لأنه لم يوجد منه صنع هو فعل ولا مباشرة علة ولا مباشرة شرط أو سبب والضمان باعتبار ذلك فصار كما إذا لم يشهد عليه وبطل نقضه منه ووجه الاستحسان ما روي عن علي وعن شريح والنخعي وغيرهم من أئمة التابعين ما قلناه ولأن الحائط لما مال فقد أشغل هواء الطريق بملكه ورفعه في قدرته، فإذا طولب برفعه لزمه ذلك، فإذا امتنع مع التمكن منه صار متعديا فيلزمه موجبه ولأن الضرر الخاص يجب تحمله لدفع الضرر العام كالكفار إذا تترسوا بالمسلمين ثم ما تلف به من النفوس تحمله العاقلة لئلا يؤدي إلى الإجحاف وقال محمد لا تتحمل العاقلة حتى يشهد الشهود على ثلاثة أشياء على التقدم في النقض وعلى أنه مات بالسقوط عليه وعلى أن الدار لفلان وما تلف به من الأموال فضمانه عليه؛ لأن العاقلة لا تتحمل المال‏.‏ والشرط الطلب للنقض منه دون الإشهاد، وإنما ذكر الإشهاد ليتمكن من إثباته عند الجحود أو جحود العاقلة فكان من باب الاحتياط ويفتح الطلب بكل لفظ يفهم منه طلب النقض من أن يقول حائطك هذه مخوف أو مائل فاهدمه حتى لا يسقط وكذلك لو قال اشهدوا أني تقدمت إلى هذا الرجل في هدم حائطه هذا يصح أيضا ولو قال ينبغي لك أن تهدمه فليس هذا بطلب ولا إشهاد ويشترط أن يكون طلب التفريغ إلى من له ولاية النقض كالمالك والأب والجد والوصي في ملك الصغير والعبد التاجر كان عليه دين أو لا وإلى الراهن في الدار المرهونة؛ لأنه القادر على الهدم وإلى المكاتب ثم إن تلف حال بقاء الكتابة تجب عليه قيمته لتعذر الدفع وبعد العتق على عاقلة المولى وبعد الحجر لا يجب على أحد لعدم قدرة المكاتب ولعدم الإشهاد على المولى ولو تقدم إلى من يسكن أو للمرتهن أو للمولى لا يعتبر حتى لو سقط وأتلف شيئا لا يضمن الساكن ولا المالك ويشترط دوام القدرة إلى وقت السقوط حتى لو خرج عن ملكه بالبيع بعد الإشهاد برئ عن الضمان لعدم قدرته على النقض ولا يصح الإشهاد قبل أن يميل لانعدام سببه وسوى في المختصر بين أن يطالب بالنقض مسلم أو ذمي؛ لأن حق المرور للكل بخلاف العبيد والصبيان لعدم قدرتهم على النقض إلا إذا أذن لهم المولى في الخصومة فحينئذ جاز طلبهم وإشهادهم؛ لأنهم التحقوا بالبالغ ثم بعد الإشهاد تكون الخصومة عند سلطان أو نائبه‏.‏ ولو جن بعد الإشهاد مطبقا أو ارتد ولحق فقضى القاضي به ثم عاد مسلما ورد عليه الدار ثم سقط الحائط بعد ذلك وأتلف إنسانا كان هدرا وكذا لو أفاق المجنون وكذا إذا ردت عليه بعيب أو خيار شرط أو خيار رؤية لا يجب الضمان إلا بإشهاد مستقبل ولو كان بعض الحائط صحيحا وبعضه واه فأشهد عليه فسقط الواهي وغير الواهي وقتل إنسانا يضمن صاحب الحائط إلا أن يكون الحائط طويلا بحيث وهي بعضه ولم يوه البعض فحينئذ يضمن ما أصاب الواهي ولا يضمن ما أصابه الذي لم يوه؛ لأنه إذا كان كذلك صار بمنزلة حائطين أحدهما صحيح والآخر مائل وأشهد عليهم فلم يسقط المائل وسقط الصحيح فيكون هدرا وفيه أيضا اللقيط له حائط مائل وأشهد عليه فسقط الحائط وأتلف إنسانا كان دية القتيل في بيت المال؛ لأن ميراثه يكون لبيت المال‏.‏

وكذا الكافر إذا أسلم، وإذا كان الرجل على حائط له والحائط مائل أو غير مائل فسقط الرجل بالحائط من غير فعله وأصاب إنسانا فقتله كان ضامنا لما هلك بالحائط إن كان أشهد عليه في نقضه ولا ضمان عليه فيما سواه، وإن كان هو الذي سقط من أعلى الحائط على إنسان من غير أن يسقط به الحائط وقتل إنسانا كان هو ضامنا دية المقتول، وإن مات الساقط بمن كان في الطريق، فإن كان يمشي في الطريق فلا ضمان عليه؛ لأنه غير متعد في المشي، وإن كان واقفا في الطريق قائما أو قاعدا كانت دية الساقط عليه قيد بقوله طولب بنقضه؛ لأنه لو سقط وأتلف قبل أن يطالب بنقضه لا يضمن وفي شرح الطحاوي ولو أنكرت العاقلة أن تكون الدار له لا عقل عليهم ولا يضمن حتى يشهدوا على التقويم عليه وعلى أنه مات من سقوط الحائط عليه وأن الدار له، فإذا أنكرت العاقلة واحدا من هذه الأشياء الثلاثة فلا تعقل ولو أقر رب الدار بهذا الإشهاد الثلاثة تلزم في ماله ولا تجب على العاقلة‏.‏

وفي المنتقى رجل ادعى دارا في يد رجل وفيها حائط مائل يخاف سقوطه من الذي يقدم إليه فيه ويشهد عليه بعد بينة المدعي قال يؤخذ الذي في يده الدار بنقضه ويشهد عليه بميله وهو بمنزلة دار ادعاها وأقام البينة لم يترك البينة، فإنه يتقدم بنقضه الذي في يده ثم زكيت البينة ضمن تقدم له القيمة قال في الجامع الصغير أشهد عليه في حائط مائل له فذهب يطلب من يهدمه وكان في ذلك حتى سقط الحائط لا يضمن شيئا وفيه أيضا رجل أشهد عليه في حائط مائل إلى دار رجل فسأل صاحب الحائط المائل من القاضي أن يؤجله يومين أو ثلاثة أو ما أشبه ذلك ففعل القاضي ذلك ثم سقط الحائط وأتلف شيئا كان الضمان واجبا على صاحب الحائط ولو وجد التأجيل من صاحب الدار فوقع الحائط في مدة التأجيل وأفسد شيئا لا يجب الضمان ولو سقط الحائط بعد مدة التأجيل كان ضامنا وفيه أيضا رجل أشهد عليه في حائط مائل في الطريق الأعظم وطلب صاحب الحائط من القاضي أن يؤجله يوما أو يومين أو ثلاثة ففعل القاضي ذلك ثم سقط الحائط المائل فأتلف شيئا كان الضمان واجبا وكذلك في هذه المسألة ولو لم يؤخره القاضي ولكن أخره الذي أشهد عليه لا يصح لا في حق غيره ولا في حق نفسه وفي نوادر ابن رستم مسجد مائل حائطه فأشهد على الذي بناه، فإن وقع ذلك على رجل فقتله فالدية على العاقلة‏.‏

ولو أشرع المكاتب كنيفا أو جناحا من حائط مائل إلى طريق المسلمين ثم أدى الكتابة وعتق ثم وقع ذلك على إنسان فقتله كان على المكاتب الأقل من دية المقتول ومن قيمته يوم الإشراع قال في الكتاب لو أن رجلا أعتقه مولاه لعتاقة رجل وأبوه عبد أشهد عليه في حائط مائل فلم ينقضه حتى عتق الأب ثم سقط الحائط وقتل إنسانا فديته على عاقلة الأب ولو سقط قبل عتق الأب فالدية على عاقلة الأم بمثله ولو أشرع كنيفا ثم عتق أبوه ثم وقع الكنيف على إنسان وقتله فالدية على عاقلة الأم رجل أشهد عليه في حائط مائل فسقط في الطريق وعثر رجل بنقض الحائط ومات فديته على عاقلة صاحب الحائط وهذا قول محمد وفي شرح الطحاوي ولو أشهد على حائط فسقط فما سقط بنقضه، فإنه يضمن في قول أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف ما تلف بالنقض لا يضمن إلا إذا أشهد على النقض ولو سقط الحائط على رجل فقتله أو عثر رجل بنقض الحائط ومات ثم عثر رجل بالقتيل فلا ضمان عليه ولا على عاقلة صاحب الحائط ولو كان مكان الحائط جناح أخرجه إلى الطريق فوقع على الطريق فعثر إنسان بنقضه فمات وعثر رجل آخر بالقتيل ومات أيضا فدية القتيلين جميعا على صاحب الجناح حائط مائل لرجل أشهد عليه في الحائط ثم إن صاحب الحائط وضع جرة لغيرة على الحائط فسقط الحائط ورميت الجرة وأصابت إنسانا فقتلته فدية المقتول على صاحب الحائط ولو عثر بالجرة وبنقضها أحد فلا ضمان على أحد ولو باع الدار بيد الإشهاد عليه في الحائط ثم رد المشتري الدار بخيار رؤية أو بخيار شرط أو بخيار عيب بقضاء القاضي وفي الخانية أو غيره ثم سقط الحائط على إنسان وقتله، فإنه لا ضمان عليه وفي الخانية إلا بإشهاد مستقبل بعد الرد ولو كان الخيار للبائع ثم سقط الحائط وأتلف شيئا كان ضامنا؛ لأن خيار البائع لا يبطل ولاية الإصلاح فلا يبطل الإشهاد ولو أسقط البائع خياره وأوجب البيع بطل الإشهاد؛ لأنه أزال الحائط عن ملكه وفي إخراج الكنيف والجناح والميزاب لا يبطل الضمان بشيء من هذه الأشياء وفي الكافي لا ضمان على المشتري؛ لأنه لم يشهد عليه في الهدم، فإذا أشهد على المشتري بعد شرائه فهو ضامن وفي شرح الطحاوي ولو مال إلى سكة غير نافذة فالخصومة إلى واحد من أهل السكة ولو مال إلى دار جاره فالخصومة إلى صاحب تلك الدار، وإن مستعيرا أو مستأجرا فالإشهاد إلى السكان وليس إلى غيرهم‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن بناه مائلا ابتداء ضمن ما تلف بسقوطه بلا طلب‏)‏؛ لأنه تعدى بالبناء فصار كإشراع الجناح ووضع الحجر وحفر البئر في الطريق أطلق المؤلف في الميلان ولم يفرق بين يسيره وفاحشه وفي المنتقى إن كان يسيرا وقت البناء لا يضمن؛ لأن الجدار لا يخلو عن يسير الميلان، وإن كان فاحشا يضمن، وإن كان لم يتقدم أحد يطلب منه النقض ولو شغل الطريق بأن أخرج جذعا فيها فهو على التفصيل ومن المشايخ من لا يفصل في الجذع ولا في الميلان وفي المنتقى قال محمد حائط مائل تقدم إلى صاحبه فيه فلم يهدمه حتى ألقته الريح فهو ضامن وليس هذا كحجر وضعه إنسان على الطريق وقلبه الريح من موضع إلى موضع فعثر به إنسان، فإنه لا يضمن، وإذا أقرت العاقلة أن الدار له ضمنوا الدية كما لو أقر بجناية خطأ وصدقته العاقلة في ذلك وكذلك الجناح والميزاب يشرعه الرجل من داره في الطريق فوقع على إنسان ومات وأنكرت العاقلة أن تكون الدار له وقالوا إنما أمر رب الدار بإخراج الجناح فلا ضمان عليهم إلا أن تقام البينة أن الدار له وذلك؛ لأن إخراج الجناح من الدار التي في يده إنما يوجب الضمان على العاقلة إذا أخرجه من داره إلى الطريق لا بالبينة ولا بإقرار العاقلة كأن أقر رب الدار أن الدار له وكذبته العاقلة لا يعقل وفي قاضي خان رجل تقدم إليه في حائط مائل له فلم ينقضه حتى وقع على حائط جاره وهدمه فهو ضامن لحائط الجار ويكون ربها بالخيار إن شاء ضمنه قيمة حائطه والنقض له، وإن شاء أخذ النقض وضمنه النقصان ولو أراد أن يجبره على البناء كما كان ليس له ذلك وفي الكافي وما تلف بوقوع الأول والثاني فعلى مالك الأول ولم يذكر محمد رحمه الله قيمة الحائط حكي عن الشيخ الإمام شمس الأئمة الحلواني قال تقوم الدار وحيطانها محيطة بها‏.‏

وكذلك قال في المنتقى إن أرسل دابته في زرع غيره وأفسد ضمن قيمة الزرع وطريق معرفة قيمته أن تقوم الأرض مع الزرع الثابت فيضمن حصة الزرع، وإذا ضمن قيمة حائطه كان النقض للضامن فلو جاء إنسان وعثر بنقض الحائط فالضمان على عاقلته المتقدم عليه وهذا على قول محمد، وإن عثر بنقض الحائط الثاني قيل يضمن صاحب الحائط الأول ولو أن الحائط الأول حين وقع على الحائط الثاني وهدمه وقع الحائط الثاني على رجل وقتله لا ضمان على صاحب الحائط الثاني، وإنما الضمان على عاقلة صاحب الحائط الأول قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن مال إلى دار رجل فالطلب إلى ربها‏)‏؛ لأن الحق له على الخصوص، وإذا كان يسكنها غيره كان له أن يطالبه؛ لأن له المطالبة بإزالة ما شغل هواها قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏فإن أجله أو أبرأه صح‏)‏ بخلاف الطريق إن أجله صاحب الدار أو أبرأه جاز تأجيله وإبراؤه حتى لو سقط في الإبراء وقبل مضي المدة في التأجيل لا يضمن؛ لأن الحق له على ما ذكرناه بخلاف ما إذا مال للطريق العام فأجله القاضي أو من أشهد عليه أو أبرأه لا يصح التأجيل والإبراء لما ذكرنا وقوله إلى دار رجل مثال وليس بقيد حتى لو مال العلو إلى الأسفل أو الأسفل إلى العلو فالحكم كذلك كذا في قاضي خان‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏حائط بين خمسة أشهد على أحدهم فسقط على رجل ضمن خمس الدية دار بين ثلاثة حفر أحدهم فيها بئرا أو بنى حائطا فعطب به رجل ضمن ثلثي الدية‏)‏ وهذا عند الإمام وقالا يضمن النصف في الصورتين؛ لأن التلف بنصيب من أشهد عليه يعتبر وبنصيب من لم يشهد عليه هدر وفي الحفر باعتبار ملكه غير متعد باعتبار ملك شريكه متعد وكانا قسمين فانقسما نصفين عليهما وللإمام أن الموت حصل بعلة واحدة وهي القتل فيضاف التلف إلى العلة الواحدة ثم يقسم على أربابها بقدر الملك، فإن قيل الواحد من الشركاء لا يقدر أن يهدم شيئا من الحائط فكيف يصح تقدمه إليه قلنا إن لم يتمكن من هدم نصيبه يتمكن من إصلاحه بالمرافعة إلى الحاكم وبه يحصل الغرض وهو إزالة الضرر وفي المحيط قال يقدر على هدم نصيبه بحكم الحاكم ومطالبة الباقين بالنقض فيكون قادرا على النقض بهذا الطريق ولم يذكر الفرق للإمام بين المسألتين حيث يضمن خمس الدية وفي الحائط ويضمن ثلثي الدية فيما إذا حفر وبنى في دار والفرق بينهما أن كل حجر وضعه أو حفره فهو متعد في ثلثي الوضع والحفر وليس متعديا في الثلث فلهذا يضمن الثلثين وقوله حائط بين خمسة ودار بين ثلاثة مثال وليس بقيد وفي الظهيرية والحائط إذا كان مشتركا بين اثنين فأشهد على أحدهما فهو بمنزلة ما لو أشهد على أحد الورثة‏.‏

وفي المنتقى رجل مات وترك دارا وعليه من الدين ما يستغرق قيمتها وفيها حائط مائل إلى الطريق ولا وارث للميت غير هذا الابن فالتقدم في حائطه إليه، وإن كان لا يملكها، فإن وقع التقدم بعد التقدم إليه كانت الدية على عاقلة الأب دون عاقلة الابن، فإن كان الحائط المائل بين خمسة نفر أخماسا وتقدم إلى أحدهم بالنقض ثم سقط على إنسان، فإنه يضمن المتقدم إليه خمس الدية ويجب على عاقلته ويهدر أربعة أخماس وهو حصة شركائه وهذا قول أبي حنيفة وقال أبو يوسف ومحمد بأن الشريك الحاضر المتقدم إليه يضمن نصف الدية فتجب ذلك على عاقلته ويهدر النصف ذكر المسألة في الجامع الصغير على هذا الوجه وذكر هذه المسألة في الأصل ولم يذكر فيها خلافا‏.‏

قال في الجامع الصغير أيضا إذا كانت الدار بين ثلاثة نفر حفر أحدهم في هذه الدار المشتركة بئرا ووقع فيها إنسان ومات قال على عاقلة الحافر عند أبي حنيفة ثلث دية المقتول وعلى قول أبي يوسف ومحمد يجب على الحافر نصف الدية وهذه المسألة مذكورة في الأصل من غير خلاف والخلاف في هاتين المسألتين من خصائص الجامع الصغير‏.‏

وفي السغناقي، وإذا وضع الرجل على حائطه شيئا فوقع ذلك الشيء فأصاب إنسانا فلا ضمان عليه فيه؛ لأنه وضعه على ملكه وهو لا يكون متعديا فيما يحدثه في ملكه سواء كان الحائط مائلا أو غير مائل وفي المنتقى ولو أن رجلا بنى حائطا مائلا بين رجلين أثلاثا تقدم إلى صاحب الثلث فيه ثم سقط على رجل وقتله صرعا فعليه ثلث الدية بلا خلاف وهو بمنزلة حمار حمل عليه إنسان عشرة أقفزة وحمل الآخر عليه خمسة أقفزة وكل ذلك بغير إذن المولى فمات الحمار من ذلك تجب القيمة أثلاثا وهو بمنزلة رجل أخذ بنفس إنسان وأخذ آخر بنفسه الآخر فمات المأخوذ من ذلك وهناك يجب الضمان كذا هنا هذا إذا وقع الحائط على حر ولو وقع الحائط على عبد إن قتله غما، فإن قيمته عليهما أثلاثا‏.‏ وإن جرحته الحائط ومات العبد من الجراحة فالجراحة عليهما أثلاثا والنفس عليهما نصفين، فإن جرحه الحائط ثم مات من الغم والجراحة، فإن الجراحة عليهما أثلاثا نصف ما بقي من النفس وهو حصة الغم بينهما أثلاثا أيضا والنصف الآخر وهو حصة الجراحة بينهما نصفين عن أبي حنيفة في حائط مائل لرجلين أشهد عليهما وحائط مائل لرجل أشهد عليه سقطا على إنسان فقتلاه فنصف الدية على الرجل الذي له الحائط ونصف الدية على رجلين وروى الحسن بن زياد فسقطا على الرجلين فماتا فالدية عليهما مطلقا وقال أبو يوسف ومحمد إن مات من جرح جرحه الحائط فالدية عليهم أثلاثا، وإن مات من ثقلهما فالدية عليهما نصفين ولا يضمن إذا لم يكن متعديا فأما إذا وضع في ملكه عرضا حتى خرج طرفه منه إلى الطريق إن سقط فأصاب الطرف الخارج منه شيئا، فإنه يضمن‏.‏ وكان الجواب فيه كالجواب في إخراج الميزاب وكذلك لو كان الحائط مائلا وكان ممكن وضع الجذع عليه طولا حتى لم يخرج شيء منه إلى الطريق ثم سقط ذلك الجذع على إنسان ومات، فإنه لا يضمن هكذا ذكر في الكتاب وأطلق الجواب إطلاقا ومن مشايخنا من قال هذا إذا كان الحائط مائلا إلى الطريق ميلا يسيرا غير فاحش فأما إذا مال ميلا فاحشا، فإنه يضمن وذلك؛ لأن الميلان إذا كان غير فاحش بحيث يوجد ذلك القدر وقت البناء يكون وجوده وعدمه بمنزلة؛ لأن الجدار قلما يخلو عن قليل ميلان يكون له إلى الطريق فأما إذا كانا ميلا فاحشا بحيث يحترز منه عند البناء في الأصل، فإنه يضمن إذا سقط ذلك على إنسان إن لم يتقدم إليه بالرفع؛ لأنه متى وضع الجذع طولا على الحائط المائل فيعتبر بما لو شغل الهواء بغير واسطة ولو شغل هواء الطريق بواسطة بأن أخرج الجذع عن الحائط فسقط فأصاب إنسانا كذا هذا‏.‏ ومنهم من قال الجواب فيه كما أطلقه محمد لا يضمن في الحالتين ولو كان الوضع بعدما تقدم إليه في الحائط ثم سقط الجذع فأصاب إنسانا يقول بأنه يضمن كذا في المنتقى والله تعالى أعلم‏.‏