فصل: فصل في الكفارة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


باب الظهار

هو في اللغة مصدر ظاهر امرأته إذا قال لها أنت علي كظهر أمي كذا في الصحاح والمغرب، وفي المصباح قيل إنما خص ذلك بذكر الظهر؛ لأن الظهر من الدابة موضع الركوب والمرأة مركوبة وقت الغشيان فركوب الأم مستعار من ركوب الدابة ثم شبه ركوب الزوجة بركوب الأم الذي هو ممتنع وهو استعارة لطيفة فكأنه قال‏:‏ ركوبك للنكاح حرام علي وكان الظهار طلاقا في الجاهلية فنهوا عن الطلاق بلفظ الجاهلية وأوجب عليهم الكفارة تغليظا في النهي ا هـ‏.‏ والمذكور في كتب الشافعية أنه كان طلاقا في الجاهلية يوجب حرمة مؤبدة لا رجعة فيه، وفي الشريعة ما ذكره بقوله‏:‏ ‏(‏هو تشبيه المنكوحة بمحرمة عليه على التأبيد‏)‏ أراد بالمنكوحة ما يصح إضافة الطلاق إليه من الزوجة وهو أن يشبهها أو عضوا منها يعبر به عنها أو جزءا شائعا منها لما سيأتي وأراد بالمشبه به عضوا يحرم إليه النظر من عضو محرمة عليه على التأبيد لما سنذكره أيضا، وأراد بالزوج المسلم؛ لأنه لا ظهار للذمي عندنا وأطلقه فشمل السكران والمكره والأخرس بإشارته كما في التتارخانية وقيد بالمنكوحة احترازا عن الأمة والأجنبية على ما سيصرح به ولم يقيدها بشيء ليشمل المدخولة وغيرها الكبيرة والصغيرة الرتقاء وغيرها العاقلة والمجنونة المسلمة والكتابية وقيد بالتأبيد؛ لأنه لو شبهها بأخت امرأته لا يكون مظاهرا؛ لأن حرمتها مؤقتة بكون امرأته في عصمته‏.‏ وكذا المطلقة ثلاثا وأطلق الحرمة فشمل الحرمة نسبا وصهرية ورضاعا وأراد بالتأبيد تأبيد الحرمة باعتبار وصف لا يمكن زواله باعتبار وصف يمكن زواله فإن المجوسية محرمة على التأبيد، ولو قال كظهر مجوسية لا يكون ظهارا ذكره في جوامع الفقه؛ لأن التأبيد باعتبار دوام الوصف وهو غير لازم لجواز إسلامها بخلاف الأمية والأختية وغيرهما كذا في فتح القدير والتحقيق أن حرمة المجوسية ليست بمؤبدة بل هي مؤقتة بإسلامها أو بصيرورتها كتابية فلا حاجة إلى ما ذكره كما لا يخفى، ولذا علل في المحيط بأنها ليست بمحرمة على التأبيد وضم إلى المجوسية المرتدة وشمل كلامه التشبيه الصريح والضمني فدخل ما لو ظاهر من امرأته ثم قال للأخرى‏:‏ أنت علي مثل هذه ينوي الظهار فإنه يكون مظاهرا ولو بعد موتها وبعد التكفير باعتبار تضمن قوله لها أنت علي كظهر أمي فالتشبيه فيها باعتبار خصوص وجه الشبه المراد لا باعتبار نفس التشبيه بها‏.‏ وكذا لو كانت امرأة رجل آخر ظاهر زوجها منها فقال‏:‏ أنت علي مثل فلانة ينوي ذلك صح ولو كان بعد موتها، وكذا لو ظاهر من امرأته ثم قال لأخرى‏:‏ أشركتك في ظهارها فالحاصل أن حقيقة الظهار الشرعي تشبيه الزوجة أو جزء شائع منها أو ما يعبر به عن الكل بما لا يحل النظر إليه من المحرمة على التأبيد كذا قالوا، ولو قالوا من محرم دون محرمة صفة لشخص المتناول للذكر والأنثى لكان أولى؛ لأنه لو قال‏:‏ أنت علي كفرج أبي أو قريبي كان مظاهرا؛ إذ فرجهما في الحرمة كفرج أمه كذا في المحيط وينبغي عدم التقييد بالأب والقريب؛ لأن فرج الرجل الأجنبي محرم على التأبيد أيضا وأشار بقوله بمحرمة إلى أن المشبه الرجل؛ لأنه لو كان امرأة بأن قالت‏:‏ أنت علي كظهر أمي أو أنا عليك كظهر أمك فالصحيح كما في المحيط أنه ليس بشيء فلا حرمة ولا كفارة ومنهم من أوجب عليها الكفارة ثم اختلفوا هل هي كفارة يمين أو ظهار ورجح ابن الشحنة أنها كفارة يمين وذكر ابن وهبان تفريعا على القول بوجوب الكفارة أنها تجب بالحنث إن كانت كفارة يمين وإن كانت كفارة ظهار فإن كان تعليقا يجب متى تزوجت به وإن كانت في نكاحه تجب للحال ما لم يطلقها؛ لأنه لا يحل لها العزم على منعه من الجماع‏.‏ ا هـ‏.‏

وفي الخانية، ولو شبهها بمزنية الأب أو الابن قال محمد لا يكون ظهارا، وقال أبو يوسف‏:‏ يكون ظهارا وهو الصحيح، ولو شبهها بأم امرأة أو ابنة امرأة قد زنى بها يكون ظهارا‏.‏ ا هـ‏.‏ ولو قبل أجنبية بشهوة ثم شبه زوجته بابنتها لم يكن مظاهرا عند أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف كذا في الولوالجية فلذا زاد في النهاية لفظة اتفاقا في التعريف وتبعه الشارح وغيره وما في الدراية أنه لو شبهها بأم امرأة زنى بها أبوه أو ابنه كان مظاهرا مشكل؛ لأن غايته أن تكون كأم زوجة أبيه أو ابنه وهي حلال كذا في فتح القدير والظاهر أنه سبق قلم، وقد ظهر لي أنه لا حاجة إلى قيد الاتفاق، أما في تشبيهها بمزنية الأب أو الابن فقد علمت أنه يكون مظاهرا على الصحيح مع أنه لا اتفاق على تحريمها لمخالفة الشافعي، وأما في مسألة تشبيهها بابنة المقبلة بشهوة فلأن حرمة البنت عليه ليست مؤبدة لارتفاعها بقضاء الشافعي بحلها كما في المحيط فارقا بين التقبيل والوطء بأن حرمة الوطء منصوص عليها فلم ينفذ قضاء الشافعي بحل أصول المزنية وفروعها بخلاف التقبيل وعلى هذا لو شبهها بالملاعنة لا يكون مظاهرا؛ لأن حرمتها موقتة بتكذيبه نفسه‏.‏

ولو شبهها بالأخت من لبن الفحل لا يكون مظاهرا؛ لأن حرمتها مؤقتة بقضاء الشافعي بحلها فهي كالمقبلة وبهذا التقرير إن شاء الله تعالى استغنى عما في فتح القدير وأطلق في التشبيه فشمل المعلق ولو بمشيئتها كالطلاق والموقت كأنت علي كظهر أمي يوما أو شهرا فإن أراد قربانها في ذلك الوقت فإنه لا يجوز بغير كفارة ويرتفع الظهار بمضي الوقت كما في الخانية، ولو قال لها‏:‏ أنت علي كظهر أمي كل يوم فهو ظهار واحد، ولو قال‏:‏ في كل يوم، تجدد الظهار كل يوم، فإذا مضى يوم بطل ظهار ذلك اليوم وكان مظاهرا منها في اليوم الآخر وله أن يقربها ليلا، ولو قال لها‏:‏ أنت علي كظهر أمي اليوم وكلما جاء يوم كان مظاهرا منها اليوم وإذا مضى بطل هذا الظهار وله أن يقربها في الليل، فإذا جاء غد كان مظاهرا ظهارا آخر دائما غير موقت، وكذا كلما جاء يوم صار مظاهرا ظهارا آخر مع بقاء الأول، وإذا قال‏:‏ أنت علي كظهر أمي رمضان كله ورجب كله فكفر في رجب سقط ظهار رجب وظهار رمضان استحسانا والظهار واحد وإن كفر في شعبان لم يجز أنت علي كظهر أمي إلا يوم الجمعة ثم كفر إن كفر في يوم الاستثناء لم يجز وإلا يجوز أنت علي كظهر أمي إلى شهر لا يكون مظاهرا قبله كذا في التتارخانية وغيرها وفيها عن أبي يوسف أنت علي كظهر أمي إذا جاء غد كان باطلا، ولو قال‏:‏ أنت علي كظهر أمي أمس كان باطلا ا هـ‏.‏ والفرعان مشكلان؛ لأن الأول من قبيل إضافة الظهار أو تعليقه ا هـ‏.‏ وهما صحيحان كما قدمناه وقد صرح بهما في البدائع والثاني ينبغي أن يكون كالطلاق إن كان نكحها قبل أمس كان مظاهرا الآن وإن كان نكحها اليوم كان لغوا‏.‏ والحاصل أن هنا أربعة أركان‏:‏ المشبه والمشبه والمشبه به وأداة التشبيه‏.‏ أما الأول‏:‏ وهو المشبه وهو بكسر الباء فهو الزوج البالغ العاقل المسلم وزاد في التتارخانية العالم ولا يخفى ما فيه‏.‏ وأما الثاني‏:‏ وهو المشبه بفتح الباء المنكوحة أو عضو منها يعبر به عن كلها أو جزء شائع‏.‏ وأما الثالث‏:‏ وهو المشبه به عضو ولا يحل النظر إليه من محرمة عليه تأبيدا، وأما الرابع وهو الدال عليه وهو ركنه وهو صريح وكناية فالصريح أنت علي كظهر أمي ومني وعندي ومعي كعلي ولم أر حكم ما إذا قال‏:‏ أنت علي كظهر أمي بدون إضافة له وينبغي أن لا يكون مظاهرا لاحتمال أنه قصد أنها كظهر أمه على غيره وأنا منك مظاهر وظاهرت منك من الصريح، وفي التتارخانية وعن أبي يوسف لو قال‏:‏ أنت مني مظاهرة أنه يكون باطلا وشرطه في المرأة كونها زوجة، ولو أمة فلا يصح من أمته ولا من مبانته ولا من أجنبية إلا إذا أضافه إلى التزوج كما سيأتي، وفي الرجل كونه من أهل الكفارة فلا يصح من ذمي وصبي ومجنون؛ لأن الكافر ليس من أهل الكفارة، وفي التتارخانية يلزم الذمي كفارة الظهار إذا ظاهر، وفي صحته عن أبي يوسف نظر إنما نقله المشايخ عن الشافعي‏.‏ والحاصل أنه تعالى قيد بقوله منكم في الآية الأولى وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور‏}‏‏.‏

ولما شرع في بيان الكفارة لم يقيده بقوله منكم فقال ‏{‏والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا‏}‏ لكن لما لم يكن أهلا للكفارة لم يصح ظهاره قال بعضهم‏:‏ والعجب من الشافعي أنه قيد الرقبة بالإيمان ولم يجوز أن يملك الكافر المؤمن وصحح ظهاره فكان تناقضا ورده بعض الشافعية بأنا عينا لكفارته الإطعام ولا يلزم من صحة الظهار أن يكون المظاهر أهلا لكل الأنواع بدليل أن ظهار العبد صحيح عندنا مع أنه ليس أهلا لغير الصوم، ولو ظاهر المسلم ثم ارتد والعياذ بالله تعالى بقي ظهاره عند أبي حنيفة حتى لو أسلم لا يحل القربان إلا بالكفارة وعندهما لا يبقى؛ لأن المرتد ليس أهلا لحكمه وهو الكفارة وله أن الحال حال بقاء حكمه وهو الحرمة لا حال الانعقاد والكفر ليس بمناف للحرمة وحكمه حرمة الوطء ودواعيه إلى غاية الكفارة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ حرم الوطء ودواعيه بأنت علي كظهر أمي حتى يكفر‏)‏ أما حرمة الوطء فبالكتاب والسنة، وأما حرمة الدواعي فلدخولها تحت النص المفيد لحرمة الوطء وهو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏من قبل أن يتماسا‏}‏؛ لأنه لا موجب فيه للحمل على المجاز وهو الوطء لإمكان الحقيقة ويحرم الجماع؛ لأنه من أفراد التماس فيحرم الكل بالنص كذا في فتح القدير، وقد يقال إن الموجب للحمل على المجاز موجود وهو صدق التماس على المس بغير شهوة وليس بمحرم اتفاقا فالتحقيق خلاف ما زعم أنه التحقيق وهو أن الأصل أن الوطء إذا حرم حرم ما كان داعيا إليه؛ لأن طريق المحرم محرم وقد استمر هذا في الاستبراء والإحرام والاعتكاف وخرج في الصوم والحيض عن هذا الأصل لنص صريح وهو أنه «عليه السلام كان يقبل بعض نسائه وهو صائم وكان يقبلها وهي حائض» وحكمته لزوم الحرج لو حرمت الدواعي في الصوم والحيض لكثرة وقوعهما بخلاف غيرهما‏.‏ وعن محمد للمظاهر تقبيلها إذ قدم من سفره بغير شهوة للشفقة والدواعي المباشرة والتقبيل واللمس عن شهوة والنظر إلى فرجها بشهوة كما في البدائع ولا يدخل فيها النظر إليها بشهوة، وفي التتارخانية ولا يحرم النظر إلى ظهرها وبطنها ولا إلى الشعر والصدر، وفي الهداية أن اللفظ الصريح أعني أنت علي كظهر أمي لا يكون إلا ظهارا، ولو نوى به الطلاق لا يصح؛ لأنه منسوخ فلا يتمكن من الإتيان به وهو يقتضي أن الظهار كان طلاقا في الإسلام حتى يوصف بالنسخ مع أنه قال أولا إنه كان طلاقا في الجاهلية وهو يقتضي إن جعله ظهارا ليس ناسخا ولم أر أحدا من شراحها تعرض لذلك، وذكر الإمام فخر الدين الرازي في التفسير الكبير البحث الثاني أن الظهار كان من أشد طلاق الجاهلية؛ لأنه في التحريم أوكد ما يمكن فإن كان ذلك الحكم مقررا في الشرع كانت الآية ناسخة له وإلا لم يعد ناسخا في الشرع إلا في عادة الجاهلية لكن الذي روي أنه «عليه السلام قال لها‏:‏ حرمت أو ما أراك إلا قد حرمت عليه» كالدلالة على أنه كان شرعا فأما ما روي أنه توقف في الحكم فلا يدل على ذلك ا هـ‏.‏ وأشار المصنف إلى أن هذه الحرمة لا ترتفع إلا بالكفارة فلا يبطل الظهار بزوال ملك النكاح ولا ببطلان حل المحلية حتى لو ظاهر منها ثم طلقها بائنا ثم تزوجها لا يحل له وطؤها حتى يكفر، وكذا إذا كانت زوجته أمة وظاهر منها ثم اشتراها، وكذا إذا كانت حرة فارتدت والعياذ بالله تعالى عن الإسلام ولحقت بدار الحرب فسبيت ثم اشتراها، وفي المحيط أسلم زوج المجوسية فظاهر منها قبل عرض الإسلام عليها صح لكونه من أهل الكفارة ا هـ‏.‏

قالوا وللمرأة أن تطالبه بالوطء وعليها أن تمنعه من الاستمتاع بها حتى يكفر وعلى القاضي أن يجبره على التكفير دفعا للضرر عنها بحبس فإن أبى ضربه ولا يضرب في الدين، ولو قال قد كفرت صدق ما لم يعرف بالكذب، وفي التتارخانية إذا أبى عن التكفير عزره بالضرب والحبس إلى أن يكفر أو يطلق ثم اعلم أن تعليقه بمشيئة الله تعالى تبطله، ولو قال إن شاء فلان فالمشيئة إليه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فلو وطئ قبله استغفر ربه فقط‏)‏ أي‏:‏ لو وطئ قبل التكفير لا يجب عليه كفارة لأجل الوطء والواجب الكفارة الأولى لما رواه الترمذي في «المظاهر يواقع قبل أن يكفر قال كفارة واحدة»، وأما الاستغفار فمنقول في الموطإ من قول مالك والمراد منه التوبة من هذه المعصية وهي حرمة الوطء قبل الكفارة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وعوده عزمه على وطئها‏)‏ أي‏:‏ عود المظاهر المذكور في الآية عزمه على وطء المظاهر منها وهو بيان لسبب وجوب الكفارة وقد اختلف فيه أصحابنا على أقوال محكية في البدائع فالعامة على أن السبب مجموع الظهار والعود؛ لأنه المذكور قبل فاء السببية ولأن الكفارة دائرة بين العقوبة والعبادة فلا بد أن يكون سببها دائرا بين الحظر والإباحة حتى تتعلق العقوبة بالمحظور وهو الظهار والعبادة بالمباح وهو العزم على وطئها؛ لأنه نقض للمنكر وقيل الظهار سبب للإضافة والعود شرط وقيل عكسه وقيل هما شرطان والسبب أمر ثالث وهو كون الكفارة طريقا متعينا لإيفاء حقها وكونه قادرا على إيفائه قيل كل منهما شرط وسبب ومن جعل السبب العزم أراد به العزم المؤكد حتى لو عزم ثم بدا له أن لا يطأها لا كفارة عليه لعدم العزم المؤكد لا أنها وجبت بنفس العزم ثم سقطت كما قال بعضهم؛ لأن الكفارة بعد سقوطها لا تعود إلا بسبب جديد كذا في البدائع لكن أورد على من جعل العود وحده سببا أن الحكم يتكرر بتكرر سببه لا شرطه والكفارة تتكرر بتكرر الظهار لا العزم وأنه لو قدمها على العزم صح، ولو كان سببا لم يصح ولكن دفع الثاني بأنها إنما وجبت لرفع الحرمة الثابتة في الذات فتجوز بعد ثبوتها كما قلنا في الطهارة إنها جائزة قبل إرادة الصلاة مع أنها سببها؛ لأنها شرعت لرفع الحدث فتجوز بعد وجوده وأورد على من جعله الظهار فقط أن السبب ما دار بين محظور ومباح وهو محظور فقط فلا يصلح للسببية وسنجيب عنه في الكفارة ولم يظهر لي ثمرة الاختلاف بين الأقوال لاتفاقهم على جواز التكفير بعد الظهار قبل العزم وعلى عدمه قبل الظهار وعلى تكررها بتكرر الظهار وإن لم يتكرر العزم وعلى أنه لو عزم ثم ترك فلا إثم وعلى عدم الكفارة لو أبانها بعده وبعد العزم‏.‏ ومراد المشايخ من قولهم العزم على وطئها العزم على استباحة وطئها لا العزم على نفس الوطء؛ لأنهم قالوا المراد في الآية ‏{‏ثم يعودون‏}‏ بنقض ما قالوا ورفعه وهو إنما يكون باستباحتها بعد تحريمها لكونه ضدا للحرمة لا نفس وطئها ولقد أبعد من قال إن المراد تكرار الظهار؛ لأنه لو كان كذلك لقال تعالى ثم يعيدون ما قالوا من الإعادة لا من العود وتمام تحقيقه في التفسير الكبير للإمام فخر الدين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبطنها وفخذها وفرجها كظهرها‏)‏ أي‏:‏ الأم وهي المشبه به وقدمنا أن المعتبر فيه عضو لا يحل النظر إليه من محرمة تأبيدا وهذه الأعضاء كذلك فخرج عضو يحل النظر إليه كاليد والرجل والجنب فلا يكون ظهارا، وفي الخانية أنت علي كركبة أمي في القياس يكون مظاهرا ولو قال فخذك كفخذ أمي لا يكون مظاهرا ا هـ‏.‏ لفقد الشرط في الثانية من جهة المشبه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وأخته وعمته وأمه رضاعا كأمه‏)‏ أي‏:‏ نسبا لما قدمنا أن المعتبر في المشبه به كونها محرمة تأبيدا نسبا أو صهرا أو رضاعا فخرج من لا تحرم تأبيدا كأخت امرأته وعمتها وخالتها والمرتدة والمجوسية والملاعنة والمقبلة حراما والمطلقة ثلاثا والأخت رضاعا من لبن الفحل خاصة كأن رضع على امرأة لها لبن من زوج له بنت من غير المرضعة فإن الرضيع بعد بلوغه إذا شبه امرأته بهذه البنت لا يكون مظاهرا، وقد أوضحنا ذلك فيما تقدم وما في الدراية معزيا إلى شرح القدوري لو شبهها بأم امرأة زنى بها أبوه أو ابنه كان مظاهرا غلط؛ لأن غايته أن تكون كأم زوجة أبيه أو ابنه وهي حلال والتعبير بالغلط أولى من قوله في فتح القدير مشكل؛ لأنه لا يقال إلا فيما يمكن تأويله، وهذا ليس كذلك وفي البزازية من فصل الخلوة خلا بامرأة ثم قال لزوجته أنت علي كظهر أم تلك المرأة لا يكون مظاهرا والمراد خلا بامرأة أجنبية لا بزوجته؛ لأن أمها حرام بالعقد تأبيدا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ورأسك ووجهك وفرجك ورقبتك ونصفك وثلثك كانت‏)‏ يعني أن المعتبر في المشبه أن يذكر ذاتها أو جزءا شائعا منها أو عضوا يعبر به عن كلها وضابطه ما صح إضافة الطلاق إليه كان مظاهرا به فخرج اليد والرجل فلو قال‏:‏ بطنك علي كظهر أمي لا يكون مظاهرا لانتفاء الشرط من جهة المشبه، وفي الخانية رأسك كرأس أمي لا يكون مظاهرا ا هـ‏.‏ للانتفاء من جهة المشبه به‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن‏)‏ ‏(‏نوى بأنت علي مثل أمي برا أو ظهارا أو طلاقا فكما نوى وإلا لغا‏)‏ بيان للكنايات فمنها أنت علي مثل أمي أو كأمي فإن نوى الكرامة قبل منه؛ لأنه مستعمل فيه فالتقدير أنت عندي في الكرامة كأمي وإن نوى الظهار كان ظهارا بكونه كناية فيه وأشار إلى أن صريحه لا بد فيه من ذكر العضو فحينئذ لا يحتاج إلى النية ولا تصح فيه نية الطلاق والإيلاء؛ لأنها تغيير للمشروع وإذا نوى الطلاق في مسألة الكتاب كان بائنا كلفظ الحرام وإن لم ينو شيئا كان باطلا ولم يتعرض لنية الإيلاء به للاختلاف فأبو يوسف جعله إيلاء؛ لأنه أدنى من الظهار ومحمد جعله ظهارا نظرا إلى أداة التشبيه وصحح أنه ظهار عند الكل؛ لأنه تحريم مؤكد بالتشبيه، وذكر علي ليس بشرط في مسألة الكتاب؛ إذ أنت مثل أمي كذلك كما في الخانية وقيد بالتشبيه؛ لأنه لو خلا عنه بأن قال‏:‏ أنت أمي لا يكون مظاهرا لكنه مكروه لقربه من التشبيه وقياسا على قوله يا أخية المنهي عنه في حديث أبي داود المصرح بالكراهة ولولا التصريح بها لأمكن القول بالظهار فعلم أنه لا بد في كونه ظهارا من التصريح بأداة التشبيه شرعا ومثله قوله يا بنتي يا أختي ونحوه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبأنت علي حرام كأمي ظهارا أو طلاقا فكما نوى‏)‏؛ لأنه لما زاد على المثال الأول لفظة التحريم امتنع إرادة الكرامة وصحت نية الظهار والطلاق ولم يبين ما إذا لم ينو شيئا للاختلاف فمحمد جعله ظهارا وأبو يوسف إيلاء والأول أوجه‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وبأنت علي حرام كظهر أمي طلاقا أو إيلاء فظهار‏)‏؛ لأنه لما زاد على المثال الثاني لفظة الظهار كان صريحا فيه فكان مظاهرا سواء نواه أو نوى الطلاق أو الإيلاء أو لم تكن له نية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا ظهار إلا من زوجته‏)‏ أي‏:‏ ابتداء أطلقها فشملت الحرة والأمة والمدبرة وأم الولد أو بنتها أو مكاتبة أو مستسعاة فلا يصح من أمته موطوءة كانت أو غير موطوءة قنة أو مدبرة أو أم ولد أو ابنتها أو مكاتبة أو مستسعاة؛ لأن النص لم يتناولها؛ لأن حقيقة إضافة النساء إلى رجل أو رجال إنما تتحقق مع الزوجات؛ لأنه المتبادر حتى صح أن يقال هؤلاء جواريه لا نساؤه ولهذا لم تدخل في نص الإيلاء أيضا ولا في قوله‏:‏ ‏{‏وأمهات نسائكم‏}‏ حتى لا تحرم عليه أم أمته قبل وطء أمته واستدل الإمام الرازي في تفسيره على عدم دخول الإماء تحت نسائنا بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو نسائهن‏}‏ والمراد منه الحرائر ولولا ذلك لما صح عطف قوله تعالى‏:‏ ‏{‏أو ما ملكت أيمانهن‏}‏؛ لأن الشيء لا يعطف على نفسه ا هـ‏.‏

قيدنا بالابتداء؛ لأنه في البقاء لا يحتاج إلى كونها زوجة كما قدمنا أنه لو ظاهر من زوجته الأمة ثم ملكها بقي الظهار وكما خرجت الأمة خرجت الأجنبية والمبانة حتى لو علق الظهار بشرط ثم أبانها ثم وجد الشرط في العدة لا يصير مظاهرا بخلاف الإبانة المعلقة، والفرق في البدائع وحاصله أن وقت وجود الشرط صادق في التشبيه فلا ظهار، وأما في الطلاق ففائدة وقوع المعلق بعد تقدم الإبانة تنقيص العدد وتصح إضافته إلى الملك أو سببه كالطلاق بأن قال إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي فإن نكحها كان مظاهرا، وفي التتارخانية لو قال‏:‏ إذا تزوجتك فأنت طالق ثم قال‏:‏ إذا تزوجتك فأنت علي كظهر أمي فتزوجها يكون مظاهرا ومطلقا جميعا، ولو قال‏:‏ إذا تزوجتك فأنت طالق وأنت علي كظهر أمي فتزوجها يقع الطلاق ولا يلزم الظهار في قول أبي حنيفة وقال صاحباه لزماه جميعا، ولو قال لأجنبية‏:‏ إن تزوجتك فأنت علي كظهر أمي مائة مرة فعليه لكل مرة كفارة ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فلو نكح امرأة بغير أمرها فظاهر منها فأجازته بطل‏)‏؛ لأنه صادق في التشبيه في ذلك الوقت ولا يتوقف على الإجازة كالنكاح؛ لأن الظهار ليس بحق من حقوقه حتى يتوقف بتوقفه بخلاف إعتاق المشتري من الغاصب فإنه يتوقف لتوقف الملك وينفذ بنفاذه كما أفاده المصنف في البيوع بقوله وصح عتق مشتر من غاصب بإجازة بيعه؛ لأن الإعتاق حق من حقوق الملك بمعنى أنه إذا ملك العبد ثبت له حق أن يعتقه ما في فتح القدير ويرد عليه الطلاق فإنه على هذا التفسير من حقوق النكاح بمعنى أنه إذا نكحها ثبت له حق أن يطلقها فيقتضي أنه لو طلقها في النكاح الموقوف توقف بتوقفه ونفذ بنفاذه مع أن المصرح به في جامع الفصولين أنه لو طلقها ثلاثا في النكاح الموقوف لم تحرم عليه ولا تقبل الإجازة وصار مردودا ولهذا فسر كون الإعتاق من حقوق الملك بكونه منهيا له في العناية، وهذا لا يرد عليه الطلاق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ أنتن علي كظهر أمي ظهار منهن‏)‏؛ لأنه أضاف الظهار إليهن فكان كإضافة الطلاق إليهن‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وكفر لكل‏)‏ أي‏:‏ لزمه الكفارة لكل واحدة إذا عزم على وطئها؛ لأن الكفارة لرفع الحرمة وهي تتعدد بتعددهن وإنما قال وكفر لكل ولم يكتف بقوله كان مظاهرا منهن؛ لأن مالكا وأحمد قالا يكون مظاهرا من الكل ولكن اكتفيا بكفارة واحدة قيد بالظهار؛ لأنه لو آلى منهن كان موليا منهن وعليه كفارة واحدة؛ لأنها في الإيلاء تجب لهتك حرمة اسم الله تعالى وهو ليس بمتعدد وأشار إلى أنه لو ظاهر من امرأته مرارا في مجلس أو مجالس فعليه لكل ظهار كفارة إلا أن ينوي به الأول كما ذكره الإسبيجابي وغيره، وفي بعض الكتب فرق بين المجلس والمجالس والمعتمد الأول وقدمنا في باب التعليق عن البزازية أن الظهار كالطلاق والعتاق متى علق بشرط متكرر فإنه يتكرر كما لو قال‏:‏ كلما دخلت الدار فأنت علي كظهر أمي يتكرر الظهار بتكرر الدخول بخلاف اليمين والله أعلم‏.‏

فصل في الكفارة

من كفر الله عنه الذنب محاه ومنه الكفارة؛ لأنها تكفر الذنوب وكفر عن يمينه إذا فعل الكفارة كذا في المصباح، وفي القاموس الكفارة ما كفر به من صدقة وصوم ونحوهما‏.‏ ا هـ‏.‏ وفي المحيط أنها منبئة عن الستر لغة؛ لأنها مأخوذة من الكفر وهو التغطية والستر قال الشاعر في ليلة كفر النجوم غمامها أي‏:‏ سترها ا هـ‏.‏ والكلام فيها يقع في مواضع في معناها وقد قدمناه، وفي سببها وهو قسمان‏:‏ سبب مشروعيتها، وسبب وجوبها فالأول‏:‏ ما هو سبب لوجوب التوبة وهو إسلامه وعهده مع الله أن لا يعصيه وإذا عصاه تاب؛ لأنها من تمام التوبة؛ لأنها شرعت للتكفير، والثاني‏:‏ قال في التنقيح سببها ما نسبت إليه من أمر دائر بين الحظر والإباحة يعني بأن يكون مباحا من وجه محظورا من وجه آخر‏.‏ والحاصل أن السبب يكون على وفق الحكم فالقتل خطأ مباح باعتبار عدم التعمد محظور باعتبار عدم التثبت، والإفطار عمدا مباح نظرا إلى أنه يلاقي فعل نفسه الذي هو مملوك له ومحظور لكونه جناية على العبادة، وأما كفارة اليمين فسببها إما اليمين المعقودة للإضافة إليها وهي دائرة بين الحظر والإباحة أو الحنث وهو دائر أيضا، وأما كفارة الظهار فعلى القول بأن المضاف إليه سبب وهو الظهار وهو قول الأصوليين فإنما كان دائرا بين الحظر والإباحة مع أنه منكر من القول وزور باعتبار أن التشبيه يحتمل أن يكون للكرامة فلم يتمحض كونه جناية، وأما على قول من جعل السبب مركبا من الظهار والعود فظاهر لكون الظاهر محظورا والعود مباحا لكونه إمساكا بالمعروف ونقضا للقول الزور والذي يظهر أنه لا ثمرة للاختلاف في سببها؛ لأنهم اتفقوا على أنه لو عجلها بعد الظهار قبل العود جاز، ولو كرر الظهار تكررت الكفارة وإن لم يتكرر العزم، ولو عزم ثم ترك فلا وجوب، ولو عزم ثم أبانها سقطت، ولو عجلها قبل الظهار لم يصح‏.‏ وفي الطريقة المعينة لا استحالة في جعل المعصية سببا للعبادة التي حكمها أن تكفر المعصية وتذهب السيئة خصوصا إذا صار معنى الزجر فيها مقصودا وإنما المحال أن تجعل سببا للعبادة الموصلة إلى الجنة وأما ركنها فالفعل المخصوص من إعتاق وصيام وإطعام على ما سيأتي‏.‏

وأما حكمها فسقوط الواجب عن ذمته وحصول الثواب المقتضي لتكفير الخطايا وهي واجبة على التراخي على الصحيح لكون الأمر مطلقا حتى لا يأثم بالتأخير عن أول أوقات الإمكان ويكون مؤديا لا قاضيا ويتضيق في آخر عمره ويأثم بموته قبل الأداء ولا تؤخذ من تركته إن لم يوص، ولو تبرع الورثة جاز إلا في الإعتاق والصوم كذا في البدائع فإن أوصى كان من الثلث ا هـ‏.‏

وأما أنواعها فخمس‏:‏ كفارة الظهار، وكفارة القتل، وكفارة الفطر وهي مرتبة الإعتاق ثم الصوم ثم الإطعام إلا كفارة القتل فإنه لا إطعام بعد الصوم، وكفارة اليمين وهي مخير فيها كما سيأتي، وكفارة جزاء الصيد وقد تقدم في جنايات الإحرام وزاد في البدائع كفارة الحلق ولكن المذكور في الآية الفدية ‏{‏ففدية من صيام أو صدقة أو نسك‏}‏‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وهو تحرير رقبة‏)‏ أي‏:‏ التكفير المستفاد من قوله حتى يكفر والتحرير من حرر المملوك عتق حرارا من باب ليس وحرره صاحبه ومنه فتحرير رقبة وتحرير بمعنى حر قياس كذا في المغرب فالتحرير بمعنى الإعتاق وهو أولى من قول الهداية عتق رقبة فإنه لو ورث من يعتق عليه فنوى به الكفارة مقارنا لموت المورث لا يجزيه عنها لعدم الصنع منه بخلاف ما إذا نوى عند العلة الموضوعة للملك كالشراء والهبة كما سيأتي والرقبة من الحيوان معروفة وهي في معنى المملوك من تسمية الكل باسم البعض كذا في المغرب، وفي الهداية هي عبارة عن الذات أي‏:‏ الشيء المرقوق المملوك من كل وجه فشمل الذكر والأنثى الصغير والكبير، ولو رضيعا، وفي البدائع فإن قيل الصغير لا منافع لأعضائه فينبغي أن لا يجوز إعتاقه عن الكفارة كالزمن؛ ولذا لا يجوز إطعامه عن الكفارة فكذا إعتاقه، فالجواب عن الأول أن أعضاء الصغير سليمة لكنها ضعيفة وهي بعرض أن تصير قوية فأشبه المريض، وأما إطعامه عن الكفارة فجائز بطريق التمليك لا الإباحة والمسلم والكافر، ولو مجوسيا أو مرتدا أو مرتدة أو مستأمنا، وفي التتارخانية والمرتد يجوز عند بعض المشايخ وعند بعضهم لا يجوز والمرتدة تجوز بلا خلاف ا هـ‏.‏

وأما إعتاق العبد الحربي في دار الحرب فغير جائز عنها كذا في فتح القدير، وفي التتارخانية لو أعتق عبدا حربيا في دار الحرب إن لم يخل سبيله لا يجوز وإن خلى سبيله ففيه اختلاف المشايخ بعضهم قالوا لا يجوز ا هـ‏.‏ وشمل الصحيح والمريض واستثنى في الخانية مريضا لا يرجى برؤه فإنه لا يجوز؛ لأنه ميت حكما ا هـ‏.‏ وفي التتارخانية وأما إعتاق حلال الدم فعن محمد إذا قضي بدمه عن ظهاره ثم عفي عنه لم يجز البقالي إذا أعتق عبدا حلال الدم قد قضي بدمه ثم عفي عنه أو كان أبيض العينين فزال البياض أو كان مرتدا فأسلم فإنه لا يجوز، وفي جامع الجوامع وجاز المديون والمرهون ومباح الدم ويجوز إعتاق الآبق إذا علم أنه حي ا هـ‏.‏

ثم اعلم أنه لا بد أن تكون الرقبة غير المرأة المظاهر منها لما في الظهيرية والتتارخانية أمة تحت رجل ظاهر منها ثم اشتراها وأعتقها عن ظهارها قيل لم تجز في قول أبي حنيفة ومحمد خلافا لأبي يوسف ا هـ‏.‏ ولا بد أن يكون المعتق صحيحا؛ لأنه لو كان مريضا أعتق عبده عن كفارته وهو لا يخرج من ثلث ماله فمات من ذلك المرض لا يجوز عن كفارته وإن أجازت الورثة، ولو أنه برئ من مرضه جاز كذا في التتارخانية وخرج بقوله من كل وجه الجنين إذا أعتقه عنها وولدته لأقل من ستة أشهر فإنه لا يجوز؛ لأنه رقبة من وجه جزء من أجزاء الأم من وجه حتى يعتق بإعتاق الأم كذا في المحيط وقوله من كل وجه متعلق بالمرقوق لا بالمملوك كذا في العناية، وفي المحيط ولو أعتق عبدا قد غصبه أحد جاز عن الكفارة إذا وصل إليه ولو ادعى الغاصب أنه وهبه منه فأقام بينة زور حكم له الحاكم بالعبد لم يجز عتقه عن الكفارة؛ لأنه بمعنى الهالك‏.‏ ولو أعتق عبدا مديونا عن الكفارة واختار الغرماء استسعاء العبد جاز؛ لأن استغراق الدين برقبته واستسعاءه لا يخل بالرق والملك فإن السعاية لم توجب الإخراج عن الحرية فوقع تحريرا من كل وجه بغير بدل عليه ا هـ‏.‏ وفي البدائع، وكذا لو أعتق عبدا رهنا فسعى العبد في الدين فإنه يجوز عن الكفارة ويرجع على المولى؛ لأن السعاية ليست ببدل عن الرق‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم يجز الأعمى ومقطوع اليدين أو إبهاميهما أو الرجلين والمجنون‏)‏؛ لأن الأصل أن فوات جنس المنفعة يمنع الجواز والاختلال والعيب لا يمنع؛ لأن بفوات جنس المنفعة تصير الرقبة فائتة من وجه بخلاف نقصانها فيدخل تحت عدم الجواز ساقط الأسنان؛ لأنه لا يقدر على المضغ كما في الولوالجية ودخل أشل اليدين والرجلين والمفلوج اليابس الشق والمقعد والأصم الذي لا يسمع شيئا على المختار؛ لأنه بمنزلة العمى كما في الولوالجية وشمل مقطوع اليد والرجل من جانب واحد؛ لأن منفعة المشي فائتة، وكذا من كل يد ثلاثة أصابع مقطوعة لفوات منفعة البطش كمقطوع الإبهامين وجاز العنين والخصي والمجبوب خلافا لزفر ومقطوع الأذنين والمذاكير والرتقاء والقرناء والعوراء والعمشاء والبرصاء والرمداء والخنثى وذاهب الحاجبين وشعر اللحية والرأس ومقطوع الأنف والشفتين إذا كان يقدر على الأكل والأصم الذي يسمع إذا صيح عليه؛ لأنه بمنزلة العور وأراد بالجنون المطبق، وكذا المعتوه المغلوب كما في الكافي؛ لأن منفعة العقل أصلية، وأما الذي يجن ويفيق فإنه يجزئ عتقه كذا في الكفاية وأطلقه ومراده إذا أعتقه في حال إفاقته واعلم أنهم اعتبروا هنا فوات جنس المنفعة ولم يعتبروا كمال الزينة واعتبروه في الديات فألزموا بقطع الأذنين الشاخصتين تمام الدية وجوزوا هنا عتق مقطوعهما إذا كان السمع باقيا ومثله فيمن حلقت لحيته فلم تنبت لفساد المنبت والفرق بين البابين أن كمال الزينة مقصود في الحر فباعتبار فواته يصير الحر هالكا من وجه وزائد على ما يطلب من المماليك فباعتبار فواته لا يصير المرقوق هالكا من وجه كذا في فتح القدير‏.‏ فإن قلت إن جنس المنفعة فات في الخصي والمجبوب؛ لأنه لا مني فلا نسل لهما قلت قال في المحيط إنه لم يفت خروج البول ولأن منفعة النسل عائدة إلى العبد لا منفعة للمولى في كون عبده فحلا بل ازدادت قيمته في حق المولى بالخصي والجب فلم تصر الرقبة هالكة من وجه، وفي الولوالجية أن منفعة النسل زائدة على ما يطلب من المماليك وهاهنا فرع حسن من الخانية من كتاب الوكالة رجل وكل رجلا وقال اشتر لي جارية بكذا أعتقها عن ظهاري واشترى عمياء أو مقطوعة اليدين أو الرجلين ولم يعلم بذلك لزم الآخر وكان له أن يرد، ولو علم الوكيل بذلك لا يلزم الآمر ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمدبر وأم الولد‏)‏ أي لا يجوز تحريرهما عن الكفارة لاستحقاقهما الحرية بجهة فكان الرق فيهما ناقصا والإعتاق عن الكفارة يعتمد كمال الرق كالبيع فلذا لا يجوز بيعهما والمكاتب لما كان الرق فيه كاملا جاز إعتاقه عن الكفارة حيث لم يؤد شيئا ولا عبرة هنا بكمال الملك ونقصانه وإنما لم يستلزم نقصان الملك نقصان الرق؛ لأن محل الملك أعم من محل الرق؛ لأن الملك يثبت في الأمتعة وغير الآدمي دون الرق وبالبيع يزول الملك دون الرق والإعتاق يزيلهما وإنما عتق المدبر وأم الولد بقوله كل مملوك أملكه فهو حر دون المكاتب؛ لأن هذه اليمين تقتضي ملكا كاملا لا رقا كاملا والملك فيهما كامل حتى ملك أكسابهما واستخدامهما ووطئ المدبرة وأم الولد، والملك في المكاتب ناقص؛ لأنه ملك نفسه يدا ولذا لا يملك المولى كسبه ويحرم عليه وطء مكاتبته‏.‏ والحاصل أن جواز البيع والإعتاق عن الكفارة يعتمد كمال الرق فجاز بيع المكاتب برضاه وإعتاقه عنها وانعكس فيهما وحل الوطء يعتمد كمال الملك فحرم في المكاتب وانعكس فيهما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والمكاتب الذي أدى شيئا‏)‏ أي‏:‏ لا يجوز تحريره عنها؛ لأنه تحرير بعوض وذكر في الاختيار أن السيد لو أبرأه بدل الكتابة أو وهبه عتق فلو قال‏:‏ لا أقبل صح عتقه ولم يبرأ من بدل الكتابة فينبغي أن لا يجزئ عن الكفارة؛ لأنه عتق ببدل كما لا يخفى وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه إذا أعتق المكاتب عنها بعد أداء البعض صح؛ لأن عتقه معلق بأداء كل البدل فلا يثبت شيء من العتق بأداء البعض كذا في المحيط وما في الكتاب ظاهر الرواية، وفي التتارخانية لو عجز عن أداء بدل الكتابة ثم أعتقه يجوز سواء كان أدى شيئا أو لم يؤد وهي الحيلة لمن أراد أن يعتق مكاتبه بعد أداء البعض كما في الينابيع، وفي كافي الحاكم، ولو أعتق عنها على جعل لم يجزه عنها فإن وهب له الجعل بعد ذلك لم يجز أيضا ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن لم يؤد شيئا أو اشترى قريبه ناويا بالشراء الكفارة أو حرر نصف عبده عن كفارته ثم حرر باقيه عنها صح‏)‏ أما الأول فلما قدمنا أن الرق فيه كامل وإن كان الملك فيه ناقصا وجواز الإعتاق عنها يعتمد كمال الرق لا كمال الملك أشار إلى أن عتق المرهون والمستأجر والموصى بخدمته عنها جائز بالأولى لوجود ملك الرقبة وإن فاتت اليد ودل كلامه على أن الكتابة تنفسخ بإعتاقه لرضاه بذلك لكن قالوا إن الانفساخ ضروري فيتقدر بقدر الضرورة وهو جواز التكفير فتنفسخ الكتابة بالنظر إلى جوازه لا مطلقا بدليل أن الأولاد والأكساب سالمة له ثم اعلم أن السيد لو مات وله مكاتب فأعتقه وارثه عن كفارته لم يجز إجماعا كما نقله الفخر الرازي في التفسير الكبير قال فدل على أن الملك كان فيه ضعيفا ا هـ‏.‏ والفرق على مذهبنا أن المكاتب لا ينتقل إلى ملك الوارث بعد موت سيده لبقاء الكتابة بعد موته فلا ملك للوارث فيه بخلاف سيده حال الكتابة وإنما جاز إعتاق الوارث له لتضمنه الإبراء من بدل الكتابة المقتضي للإعتاق، وأما الثاني أعني ما إذا اشترى قريبه أي‏:‏ محرمه ناويا بالشراء الكفارة ومراده ما إذا دخل محرمه في ملكه بصنع منه فنوى وقت الملك عتقه عن كفارته أجزأه شراء كان أو هبة أو قبول صدقة أو وصية فخرج الإرث فلو نوى وقت موت مورثه إعتاقه عنها لم يجز عنها لعدم الصنع وقيد بكون النية عند الشراء؛ لأنها لو تأخرت عن الصنع لم يجز عنها وما في الخانية من باب عتق القريب لو وكل رجلا بأن يشتري أباه فيعتقه بعد شهر عن ظهاره فاشتراه الوكيل يعتق كما اشتراه ويجزيه عن ظهار الآمر ا هـ‏.‏ فمبني على إلغاء قوله بعد شهر لمخالفته المشروع وهو عتق المحرم عند الشراء‏.‏

وأشار باشتراط النية عند الشراء إلى اشتراط قرانها بعلة العتق لكون الشراء علة لعتق القريب فأفاد أنه لو قال لعبده إن دخلت الدار فأنت حر ناويا كونه عن الظهار وقت التعليق أجزأه وإن تأخرت النية عنه لم يجزه ولا فرق بين أن يصرح بقوله عن ظهاري أو ينوي فلو نوى وقت التعليق أن يكون حرا عن ظهاره ثم نوى أن يكون عن كفارة قتله كان عن الظهار، وكذا لو نوى وقته أن يكون تطوعا ثم نوى عنها لم يصح كذا في البدائع معللا بأن اليمين لا تحتمل الفسخ بناء على أن المنوي كالملفوظ به، وفي التتارخانية وعلى هذا لو قال إن اشتريت هذا العبد فهو حر عن ظهاري ثم قال إن اشتريته فهو حر عن ظهار فلانة ثم قال لامرأة أخرى كذلك ثم اشتراه فهو حر عن ظهار الأولى ا هـ‏.‏

ثم اعلم أنه لو وكل في إعتاقه عبده عن كفارته ثم نوى قبل إعتاق المأمور أن يكون عن جهة أخرى فإنه يجوز فهما من كلام المحيط من باب الإحصار لو بعث المحصر بهدي الإحصار ثم زال وحدث آخر فإن علم أنه يدرك الهدي ونوى أن يكون لإحصاره الثاني جاز، وكذا لو دفع خمسة أصوع طعام لرجل وأمره بالتصدق على عشرة مساكين عن كفارة يمينه فلم يتصدق حتى كفر الآمر وحنث في أخرى ثم تصدق المأمور جاز عن الثانية إذا نواها الآمر، وكذا لو بعث هديا لجزاء صيد ثم أحصر فنوى أن يكون للإحصار، ولو قلد بدنة وأوجبها تطوعا ثم أحصر فنوى أن تكون لإحصاره جاز ا هـ‏.‏

ثم اعلم أنهم جعلوا المعلق هنا علة للعتق مع قولهم إن المعلق لا ينعقد سببا للحال وإنما ينعقد سببا عند وجود الشرط فينبغي على هذا الأصل أن لا تصح النية وقت التعليق وإنما تصح وقت وجود الشرط والحكم فيها بالعكس وجوابه في فتح القدير من كتاب الأيمان من باب اليمين في الطلاق والعتاق وقد ذكروا فيه أنه لو اشترى أم ولده أي‏:‏ من استولدها بنكاح ناويا عن كفارته فإنه لا يجوز؛ لأن العلة الاستيلاد ولم تقارنه النية وأما الثالث أعني ما إذا حرر نصف عبده ثم حرر باقيه قبل المسيس فلكونه أعتق رقبة كاملة بكلامين والنقصان متمكن على ملكه بسبب التحرير عنها ومثله غير مانع كمن أضجع شاة للأضحية فأصابت السكين عينها قيد بقوله حرر باقيه؛ لأنه لو حرر نصفا آخر من رقبة أخرى لا يجوز فلا يجوز تكميل العتق بالعتق من شخص آخر عند أبي حنيفة‏.‏ وأما تكميله بالإطعام كما لو حرر عنها نصف عبد وأطعم عن الباقي لم يجز أيضا عند أبي حنيفة؛ لأنها إنما تتأدى بإعتاق رقبة أو بإطعام مساكين مقدرة ولم يوجد واحد منهما وتكميل العتق بالعتق من شخص آخر لا يجوز فلأن لا يجوز تكميله بالتمليك من جنس آخر أولى وعندهما يجوز؛ لأن العتق عندهما لا يتجزأ فصار معتقا للكل وكان متبرعا بالإطعام كذا في المحيط، ولو حرر عبدين بينه وبين غيره لم يجزه عن الكفارة؛ لأن الواجب تحرير رقبة واحدة وتخليصها عن الرق وهو ما حرر رقبة واحدة ولم يصرف العتق إلى شخص بل حرر نصفا من كل رقبة كما لو فرق طعام مسكين على اثنين، ولو كان شاتان بين رجلين فذبحاهما عن نسكهما أجزأهما؛ لأن الاشتراك في النسك جائز ألا ترى أنه يجزئ البدنة عن سبعة فكان المعتبر في باب النسك مقدار الشاة وقد وجد كذا في المحيط أيضا وخرج بقوله حرر باقيه ما إذا لم يحرر باقيه أصلا فإعتاق النصف لا يكفي عنها عنده وعندهما لما أعتق النصف عتق الكل بلا سعاية فأجزأ عن الكفارة كذا في الكافي‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن حرر نصف عبد مشترك وضمن باقيه أو حرر نصف عبده ثم وطئ التي ظاهر منها ثم حرر باقيه لا‏)‏ أي‏:‏ لا يجزيه عن الكفارة، أما الأول فلأن نصيب صاحبه قد انتقص على ملكه لتعذر باقيه لاستدامة الرق فيه ثم يتحول إليه بالضمان ومثله يمنع الكفارة كالتدبير والمراد بضمان القيمة إعتاق النصف الآخر بعد التضمين وإلا فمجرد الضمان لا يكفي لوضع المسألة ودل كلامه على أنه لو كان معسرا وسعى العبد في بقية قيمته حتى عتق كله لا يجزيه عنها بالأولى، وهذا عند الإمام، وأما عندهما إن كان المعتق موسرا ضمن قيمة نصيب شريكه أجزأه عنها؛ لأنه عتق كله بإعتاق البعض وإن كان معسرا لا يجزئه والخلاف مبني على تجزؤ الإعتاق وعدمه وبما قررناه على أن المعتق إذا كان معسرا لم يجز اتفاقا؛ لأنه عتق بعوض وإن لم يكن البدل حاصلا للمعتق بل لشريكه؛ لأنه المانع أن يلزم العبد بدل في مقابلة تحرير رقبته، وفي الكافي فإن قيل المضمونات تملك عند أداء الضمان مستندا إلى وقت وجود السبب فصار نصيب الساكت ملكا للمعتق زمان الإعتاق فكان النقصان في ملكه لا في ملك شريكه قلنا الملك في المضمون يثبت بصفة الاستناد في حق الضامن والمضمون له لا في حق غيرهما فتمكن النقصان في نصيب الساكت في حق غيرهما والكفارة غيرهما فلم تجز ا هـ‏.‏

والحاصل أن النقصان إن كان على ملك المعتق أجزأه وإن كان على ملك غيره لا يجزئه، وفي فتح القدير أن التعييب ضرورة إقامة المأمور به ليس كالتعييب بصنعه مختارا حتى أنه لو فقأ عين الشاة مختارا عند الذبح نقول لا يجزئه فكان المشترك أولى بالإجزاء من العبد المختص؛ لأن مالك النصف لا يقدر على عتقه إلا بطريق عتق نصفه فحاله أشبه بذابح الشاة من مالكه على الكمال، وجوابه أن المعنى أنه حصل بسبب إقامة الواجب، وهذا القدر كاف في عدم مانعيته لا يتوقف على كونه بحيث لا يمكن إقامة الواجب إلا كذلك فإن الشارع لما أطلق له العتق بمرة ومرة كان لازمه أنه إذا حصل النقص بسببه مطلقا لا يمنع وتمامه فيه، وأما الثاني فعدم الإجزاء قول الإمام لكونه متجزئا عنه وشرط الإعتاق أن يكون قبل المسيس بالنص وإعتاق النصف حصل بعده وعندهما إعتاق النصف إعتاق للكل فحصل الكل قبل المسيس وأورد عليه أن هذا يقتضي أن لا يجوز إعتاق رقبة كاملة بعد المسيس مع أنه جائز وأجيب بأنه قبل المسيس الثاني وبطل إعتاق ذلك النصف عنها كما في النهاية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن لم يجد ما يعتق صام شهرين متتابعين ليس فيهما رمضان وأيام منهية‏)‏ أي‏:‏ إن لم يملك رقبة ولا ثمنها فاضلا عن قدر كفايته؛ لأن قدرها مستحق الصرف فصار كالعدم فمن له خادم يحتاج إلى خدمته لا يجزئه الصوم بخلاف من له مسكن؛ لأنه كلباسه ولباس أهله صرح به في الخزانة، وفي الجوهرة لو كان له عبد للخدمة لا يجوز له الصوم إلا أن يكون زمنا فيجوز ا هـ‏.‏ والضمير في يكن يعود ظاهرا إلى المولى، وفي التتارخانية ومن ملك رقبة لزمه العتق وإن كان محتاجا إليها ا هـ‏.‏ وظاهره أنه يعتقها، ولو كان السيد زمنا فحينئذ يرجع الضمير في كلام الجوهرة للعبد والمعنى إلا أن يكون العبد بحال لا يجزئ عنها ومن الكفاية قدر كفايته للقوت، فإن كان محترفا فقوت يومه والذي لا يعمل قوت شهر، وفي المحيط معسر له دين على الناس أو عبد غائب يجزئه الصوم يريد بالغائب أنه لم يكن مملوكا له فأما إذا كان في ملكه لا يجزئه الصوم؛ لأنه قادر على إعتاقه فأما الدين إذا لم يقدر على أخذه من مديونه فقد عجز عن التكفير بالمال فيجزئه الصوم، أما إذا قدر على أخذه منه لم يجزه الصوم‏.‏ وكذلك امرأة تزوجت على عبد وزوجها قادر على أدائه إذا طالبته بذلك ووجب عليها كفارة لم يجزها الصوم وإن كان له مال ووجب عليه دين مثله يجزئه الصوم بعد ما قضى دينه؛ لأنه غير واجد للمال فأما قبل قضاء الدين فقيل يجزئه؛ لأن محمدا علل وقال بأنه تحل له الصدقة، وهذا إشارة إلى أن ماله ملحق بالعدم حكما لكونه مستحق الصرف إلى الدين كالماء المستحق للعطش وقيل لا يجزئه؛ لأن محمدا ذكر ما يدل عليه؛ لأنه خص الصوم بما بعد قضاء الدين وذلك؛ لأن ملك المديون في ماله كامل بدليل أنه يملك جميع التصرف فيه ا هـ‏.‏ وفي البدائع لو كان في ملكه رقبة صالحة للتكفير يجب عليه تحريرها سواء كان عليه دين أو لم يكن؛ لأنه واجد حقيقة ا هـ‏.‏

وحاصله أن الدين لا يمنع تحرير الرقبة الموجودة ويمنع وجوب شرائطها بمال على أحد القولين، فإن قلت‏:‏ إذا كان عليه كفارتا ظهار لامرأتين وفي ملكه رقبة فقط فصام عن إحداهما ثم أعتق عن ظهار الأخرى هل يجزئه الصوم عن الأولى قلت لم أره صريحا ولكن في المحيط في نظيره ما يقتضي عدم الإجزاء قال عليه كفارتا يمين وعنده طعام يكفي لإحداهما فصام عن إحداهما ثم أطعم عن الأخرى لا يجوز صومه؛ لأنه صام وهو قادر على التكفير بالمال فلا يجزئه ا هـ‏.‏ وبما نقلناه عن المحيط من أن من له عبد غائب في ملكه لا يجزئه الصوم ظهر أن ما ذكره الإمام فخر الدين الرازي عن أصحاب الشافعي استنباطا من تعبيره تعالى بعدم الوجود عند الانتقال إلى الصوم وبعدم الاستطاعة عند الانتقال إلى الإطعام من أنه لو كان له مال غائب فإنه ينتظره ولا يصوم ومن كان مريضا مرضا يرجى برؤه فإنه يطعم ولا ينتظر الصحة ليصوم موافق لمذهبنا أيضا في الصوم لا في الإطعام لما سيأتي وإن كان المال أعم من العبد؛ لأنه لا فرق بين العبد وبين قدر ما يشتري به وأراد بالأيام المنهية الخمسة المعروفة وهي يوما العيد وأيام التشريق؛ لأن الصوم بسبب النهي فيها ناقص فلا يتأدى به الكامل وشهر رمضان في حق الصحيح المقيم لا يسع غير فرض الوقت قيدنا بالمقيم الصحيح؛ لأن المسافر له أن يصوم عن واجب آخر، وفي المريض روايتان كما علم في الأصول في بحث الأمر، وفي اقتصاره على نفي الأيام المنهية وشهر رمضان دلالة على أنه لا يشترط أن لا يكون فيهما وقت نذر صومه؛ لأن المنذور المعين إذا نوى فيه واجبا آخر وقع عما نوى بخلاف رمضان كما علم في الصوم‏.‏ وفي كلامه إشارة إلى أن هذه الأيام لو دخلت على الصوم انقطع التتابع صامها أو لا لإمكان وجود شهرين يصومهما خاليين عنها فلذا قطع النفاس والمرض التتابع وكان حيضها غير قاطع لصوم كفارتها لعدم الإمكان وينبغي أن يكون مخصوصا بكفارة قتلها وفطرها في الحيض؛ لأنها لا تجد شهرين خاليين عن حيضها بخلاف كفارة اليمين فإنها تجد ثلاثة أيام خالية عنه ثم رأيت الفرق مصرحا به في المحيط، وفي البدائع عليها أن تصل أيام القضاء بعد الحيض بما قبله حتى لو لم تصل وأفطرت يوما بعد الحيض استقبلت لتركها التتابع بلا ضرورة بخلاف نفاسها، وهذا مما خالف فيه النفاس الحيض فإن النفاس قاطع للتتابع في صوم كل كفارة لها بخلاف الحيض فإنه غير قاطع في كفارة الفطر والقتل وعن محمد في المنتقى لو صامت شهرا ثم حاضت ثم أيست استقبلت؛ لأنها قدرت على مراعاة التتابع فلزمها التتابع وعن أبي يوسف أنها إذا حبلت في الشهر الثاني بنت كذا في المحيط، فعلى الأول قولهم حيضها غير قاطع في كفارة الشهرين إلا إذا أيست بعده فحينئذ يقطع وأما صوم المضللة عن الكفارة فقد استوفاه في المحيط من الحيض وقد أفاد كلامه أن كل صوم شرط فيه التتابع نصا فحكمه كالكفارة فإذا أفطر فيه يوما بطل ما قبله ولزمه الاستقبال كالمنذور المشروط فيه التتابع معينا أو مطلقا بخلاف المعين الخالي عن اشتراطه فإن التتابع فيه وإن لزم لكن لا يستقبل إذا أفطر فيه يوما كرجب مثلا؛ لأنه لا يزيد على رمضان وحكمه ما ذكرنا كما في فتح القدير من الأيمان‏.‏ وأراد بعدم الوجود عدما مستمرا إلى فراغ صوم الشهرين حتى لو قدر على الإعتاق في اليوم الأخير قبل غروب الشمس وجب عليه الإعتاق وكان صومه تطوعا والأفضل إتمامه وإن أفطر لا قضاء عليه؛ لأنه شرع فيه مسقطا لا ملتزما خلافا لزفر وقيد الصوم بعدم الوجود؛ لأنه غير جائز من القادر على التحرير لترك الواجب في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتحرير رقبة‏}‏؛ إذ المعنى فالواجب عليه تحرير رقبة لا عملا بمفهوم الشرط كما لا يخفى واليسار والإعسار معتبران وقت التكفير أي الأداء لا وقت الوجوب كمذهب أحمد ولا أغلظ الحالين كمذهب الشافعي؛ لأن القدرة إنما يحتاج إليها للأداء فيشترط وجودها وعدمها عند الأداء، وفي المحيط لو صام بالأهلة فاتفق تسعة وخمسين يوما جاز، ولو صام بغير الأهلة تسعة وخمسين يوما يصوم ثانيا؛ لأن الأصل اعتبار الشهر بالأهلة فإن غم الهلال اعتبر كل شهر ثلاثين يوما ا هـ‏.‏ وينبغي أن يقال فاتفق ثمانية وخمسين جاز لجواز كون كل منهما تسعة وعشرين يوما وقد أفاده في التتارخانية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن وطئ فيهما ليلا أو يوما ناسيا أو أفطر استأنف الصوم‏)‏ أي‏:‏ وطء المظاهر منها عند أبي حنيفة ومحمد وقال أبو يوسف الشرط عدم فساد الصوم فلو جامعها ليلا أو نهارا ناسيا لا يستأنف والصحيح قولهما؛ لأن المأمور به صيام شهرين متتابعين لا مسيس فيهما فإذا جامعها في خلالهما لم يأت بالمأمور به وإذا أفطر في خلالهما انقطع التتابع أطلق في الليل فشمل العمد والنسيان كما صرح به في البدائع والتقييد بالعمد في أكثر الكتب اتفاقي لا للاحتراز عنه كما في بعض شروح المجمع فاحترز منه فإنه غلط وقد صرح في غاية البيان والعناية بأنه قيد اتفاقي وقيد بالنسيان في اليوم؛ لأنه لو جامعها نهارا عمدا استأنف اتفاقا لوجود المسيس عندهما ولفساد الصوم عنده وإنما لم يعف عن النسيان في وطء المظاهر منها كما عفي عنه في الصوم؛ لأنه في الصوم على خلاف القياس للحديث فلا يلحق به غيره‏.‏ ولو قال المصنف، ولو جامعها فيهما مطلقا أو أفطر استأنف لكان أولى ومن التطويل أعرى قيدنا بوطء المظاهر منها؛ لأنه لو وطئ غيرها فيهما فإن بطل صومه كأن كان نهارا عامدا دخل تحت قوله أو أفطر فيستأنف وإلا لا وهذا بالاتفاق وقيد بكفارة الظهار؛ لأنه لو وطئ وطئا لا يفسد الصوم في كفارة القتل لم يستأنف كما في الجوهرة وأطلق في الإفطار فشمل ما إذا كان لعذر كسفر أو مرض أو لا كما في العناية‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولم يجز للعبد إلا الصوم‏)‏ أي‏:‏ إلا صوم الشهرين المتتابعين؛ لأن العبد لا يملك وإن ملك والإعتاق والإطعام شرطهما الملك فإن أعتق المولى عنه أو أطعم لم يجز وإن كان بأمره؛ لأنه ليس بأهل للملك فلا يصير مالكا بتمليكه للحديث‏:‏ «لا يملك العبد شيئا» ولا يملكه مولاه ولا يثبت عتقه في ضمنه؛ لأنه إنما يصح إن لو كان تبعا، والإعتاق أصل الأهلية فلا يثبت اقتضاء كذا في الكافي وإذا تعين الصوم للكفارة وقد تعلق بها حق المرأة لم يكن للسيد أن يمنعه بخلاف صوم بقية الكفارات له أن يمنعه عن صومها لعدم تعلق حق عبد بها، وفي فتح القدير من باب جنايات الإحرام ولا يجوز إطعام المولى عنه إلا في الإحصار فإن المولى يبعث عنه ليحل هو فإذا عتق فعليه حجة وعمرة ا هـ‏.‏ ولم يعلل لاستثناء هذه المسألة فإن قلت‏:‏ لم لم يكن الرق منصفا لصوم الكفارات مع أنه منصف نعمة وعقوبة قلت لما فيه من معنى العبادة وهي لم تتنصف بالرق كالصلاة وصوم رمضان وإن كان الغالب في بعضها معنى العقوبة احتياطا ثم رأيت تعليل مسألة دم الإحصار فقال في البدائع لو أحصر العبد بعد ما أحرم بإذن المولى ذكر القدوري في شرح مختصر الكرخي أنه لا يلزم المولى إنفاذ هدي؛ لأنه لو لزمه يلزمه لحق العبد ولا يجب للعبد على مولاه حق فإذا أعتقه وجب عليه وذكر القاضي في شرح مختصر الطحاوي أن على المولى أن يذبح عنه هديا في الحرم فيحل؛ لأن هذا الدم وجب لبلية ابتلي بها العبد بإذن المولى فصار بمنزلة النفقة والنفقة على المولى فكذا دم الإحصار ا هـ‏.‏

وأما كفارة الميت إذا مات وعليه كفارة وأوصى بإخراجها من ثلث ماله فإن كانت كفارة يمين خير الوصي بين الإطعام وبين الكسوة وبين التحرير، وفي كفارة القتل والظهار والإفطار يتعين التحرير إن بلغت قيمته الثلث وإلا تعين الإطعام ولا دخل للصوم في الكل كذا في البدائع فإن قلت‏:‏ هل لنا حر ليس له كفارة إلا بالصوم قلت المحجور عليه بالسفه على قولهما المفتى به لا يكفر إلا بالصوم حتى لو أعتق عنها صح العتق ولا يجزئ عنها ويلزمه الصوم كما في شرح المنظومة من الحجر‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن لم يستطع الصوم أطعم ستين فقيرا كالفطرة أو قيمته‏)‏ أي‏:‏ إن لم يقدر على الصوم لمرض لا يرجى برؤه أو كبر أراد بالإطعام الإعطاء تمليكا؛ لأنه سيصرح بالإباحة؛ ولذا قال في البدائع‏:‏ إذا أراد التمليك أطعم كالفطرة وإذا أراد الإباحة أطعمهم غداء وعشاء وقيد بالفقير؛ لأن الغني لا يجوز إطعامه في الكفارات تمليكا وإباحة ومن له مال وعليه دين لعبد فقير في هذا كما في البدائع وأشار بذكر الفقير إلى أنه المراد في الآية فالمسكين والفقير سواء فيها وأفاد بقوله كالفطرة أي كصدقة الفطر أنه لا يجوز إطعام أصله وفرعه وأحد الزوجين ومملوكه والهاشمي وأنه يجوز إطعام الذمي؛ لأن مصرفها مصرفها وهو مصرف الزكاة إلا الذمي فإنه مصرف فيما عدا الزكاة بخلاف الحربي فإنه ليس بمصرف لشيء، ولو كان مستأمنا‏.‏ ولو دفع بتحر فبان أنه ليس بمصرف أجزأه عندهما خلافا لأبي يوسف كما عرف في الزكاة كما في البدائع وأنه يملك نصف صاع من بر أو صاعا من تمر أو شعير أو دقيق كل كأصله وكذا السويق، واختلفوا هل يعتبر الكيل أو القيمة فيهما كما في صدقة الفطر وأنه لو دفع البعض من الحنطة والبعض من الشعير فإنه جائز إذا كان قدر الواجب كأن يدفع ربع صاع من بر ونصفا من شعير وإنما جاز التكميل بالآخر لاتحاد المقصود وهو الإطعام ولا يجوز التكميل بالقيمة كما لو أدى نصفا من تمر جيد يساوي صاعا من الوسط وأفاد بعطف القيمة أنه لا بد أن تكون من غير المنصوص عليه فلو دفع منصوص عليه عن منصوص آخر بطريق القيمة لم يجز إلا أن يبلغ المدفوع الكمية المقدرة شرعا فلو دفع نصف صاع تمر يبلغ قيمة نصف صاع بر لا يجوز فالواجب عليه أن يتم للذين أعطاهم القدر المقدر من ذلك الجنس الذي دفعه لهم فإن لم يجدهم بأعيانهم استأنف في غيرهم ولا يقال‏.‏

لو أطعم خمسة وكسا خمسة في كفارة اليمين حيث تجوز الكسوة عن الإطعام مع أن كلا منهما منصوص عليه؛ لأنا نقول‏:‏ قال في البدائع‏:‏ لو أطعم خمسة على وجه الإباحة وكسا خمسة فإن كان على وجه المنصوص عليه لا يجوز وإن أخرجه على وجه القيمة فإن كان الطعام أرخص من الكسوة أجزأه وإن كانت الكسوة أرخص من الطعام لم يجزه؛ لأن الكسوة تمليك فجاز أن تكون بدلا عن الإطعام ثم إن كانت قيمة الكسوة مثل قيمة الطعام فقد أخرج قيمة الطعام وإن كانت أغلى فقد أخرج قيمة الطعام وزيادة وإن كانت قيمة الكسوة أرخص لا يكون الطعام بدلا عنه؛ لأن طعام الإباحة ليس بتمليك فلا يقوم مقام التمليك وهو الكسوة؛ لأن الشيء لا يقوم مقام ما هو فوقه، ولو أطعم خمسة وكسا خمسة جاز وجعل أغلاهما ثمنا بدلا عن أرخصهما ثمنا أيهما كان؛ لأن كل واحد منهما تمليك فجاز أن يكون أحدهما بدلا عن الآخر ا هـ‏.‏ وأشار بقوله كالفطرة إلى أنه لو أعطى مسكينا أقل من نصف صاع لا يجزيه كما قدمه الشارح في صدقة الفطر، ونقل أن الجواز قول الكرخي فما نقله هنا من الجواز إما غفلة عما قدمه وإما على قول الكرخي ثم اعلم أن الكفارات كلها لا يجوز إعطاء فقير فيها أقل من نصف صاع حتى فدية الصلاة حتى لو أعطى عن صلاة أقل من المسكين لم يجز كما في المحيط وقد فرق في العناية بين الكفارة وصدقة الفطر وقد علمت أنه مفرع على الضعيف، وفي التتارخانية لو أعطى ستين مسكينا كل مسكين مدا من الحنطة لم يجز وعليه أن يعيد مدا آخر على كل مسكين فإن لم يجد الأولين فأعطى ستين آخرين كل مسكين مدا لم يجز ا هـ‏.‏ وفي المحيط لو أعطى عشرة مساكين كل مسكين مدا مدا ثم استغنى المساكين ثم افتقروا فأعاد عليهم مدا مدا لا يجوز، وكذا لو أدى إلى المكاتبين مدا مدا ثم ردوا إلى الرق ومواليهم أغنياء ثم كوتبوا ثانيا ثم أعاد عليهم لم يجز؛ لأنهم صاروا بحال لا يجوز الأداء إليهم فصاروا كجنس آخر ا هـ‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ لو أمر غيره أن يطعم عنه عن ظهاره ففعل أجزأه‏)‏؛ لأنه طلب منه التمليك معنى والفقير قابض له أولا ثم لنفسه فيتحقق تملكه ثم تمليكه كهبة الدين من غير من عليه الدين إذا سلطه على القبض ولما كان طلب التمليك متنوعا إلى هبة وقرض والأصل البراءة لا رجوع على الآمر في ظاهر الرواية، وفي التتارخانية إن قال الآمر على أن لا رجوع للمأمور فلا رجوع وإن قال على أن ترجع علي رجع عليه وإن سكت الآمر ففي الدين يرجع اتفاقا، وفي الكفارة والزكاة لا يرجع عند أبي حنيفة وعند أبي يوسف يرجع ا هـ‏.‏ والحاصل أنهم فرقوا بين الأمر بقضاء الدين وبين الأمر بأداء الزكاة والتكفير مع أن الكل واجب على الآمر وقد رأيت الفرق في السراج الوهاج من كتاب الوكالة معزيا إلى الإمام الكرخي بأنه لو رجع بلا شرط رجع بأكثر مما أسقط عن ذمة الآمر، ألا ترى أن الوجوب كان من أحكام الآخرة دون الدنيا، ولو ثبت الرجوع بمطلق الآمر لرجع بحق مضمون في الدنيا والآخرة ولا يجوز أن يرجع بأكثر مما أسقط عن ذمته ا هـ‏.‏ وفي البزازية من كتاب الوكالة ذكر ضابطا حسنا لما يرجع بلا شرط وما يرجع بشرط الرجوع فانظره ثمة قيد بالإطعام؛ لأنه لو أمر أجنبيا أن يعتق عنه فأعتق لا يجزئه عندهما خلافا لأبي يوسف والفرق على قولهما أن التمليك بغير بدل هبة ولا جواز لها بدون القبض ولم يوجد القبض في الإعتاق ووجد في الإطعام والكسوة في كفارة اليمين كالإطعام كذا في البدائع وإن كان بجعل سماه أجزأه اتفاقا وإن أعتق عنه بغير أمره لم يجز اتفاقا لوقوعه عن المعتق كذا في الولوالجية وخرج الصوم أيضا فلو أمره أن يصوم عنه فصام لا يجزئه كذا في غاية البيان وقيد الإطعام بالأمر؛ لأنه لو أطعم عنه بلا أمره لا يجزئه لعدم ملكه ولعدم النية، وأما تكفير الوارث عن الميت ففي كفارة اليمين يجوز الإطعام أو الكسوة، وفي كفارة الظهار بالإطعام ولا يجوز التبرع عنه في كفارة القتل؛ لأن التبرع بالإعتاق غير جائز كذا في المحيط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وتصح الإباحة في الكفارات‏)‏ أي‏:‏ في إطعام الكفارات ‏(‏والفدية دون الصدقات والعشر‏)‏ لورود الإطعام في الكفارات والفدية هو حقيقة في التمكين من الطعم وإنما جاز التمليك باعتبار أنه تمكين أما الواجب في الزكاة الإيتاء، وفي صدقة الفطر الأداء وهما للتمليك حقيقة، فإن قلت‏:‏ هل يجوز الجمع بين الإباحة والتمليك لرجل واحد أو لبعض المساكين دون البعض أو أن يعطي نوعا للبعض ونوعا للبعض قلت‏:‏ أما الأول ففي التتارخانية إذا غداه وأعطاه مدا ففيه روايتان واقتصر في البدائع على الجواز؛ لأنه جمع بين شيئين جائزين على الانفراد وإن غداهم وأعطاهم قيمة العشاء أو عشاهم وأعطاهم قيمة الغداء يجوز، وأما الثانية‏:‏ كما إذا ملك ثلاثين وأطعم ثلاثين غداء وعشاء فهو جائز، وأما الثالثة‏:‏ فقال في الكافي ويجوز تكميل أحدهما بالآخر‏.‏ فإن قلت‏:‏ هل المباح له الطعام يستهلكه على ملك المبيح أو على ملك نفسه‏؟‏ قلت‏:‏ إذا صار مأكولا زال ملك المبيح عنه ولم يدخل في ملك أحد ذكره في البدائع قيدنا بالإطعام؛ لأن الإباحة في الكسوة في كفارة اليمين لا تجوز كما لو أعار عشرة مساكين كل مسكين ثوبا كذا في المحيط وجعل الفدية كالكفارة ظاهر الرواية وروى الحسن عن الإمام أنه لا بد من التمليك؛ لأنها تنبئ عنه كفدية العبد الجاني لا بد فيها من تمليك الأرش‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ والشرط غداءان وعشاءان مشبعان أو غداء وعشاء‏)‏ أي‏:‏ الشرط في طعام الإباحة أكلتان مشبعتان لكل مسكين والسحور كالغداء‏.‏ فلو غداهم يومين أو عشاهم كذلك أو غداهم وسحرهم أو سحرهم يومين أجزأه، ولو غدى ستين مسكينا وعشى ستين غيرهم لم يجزه إلا أن يعيد على أحد النوعين منهم غداء أو عشاء، ولو غدى واحدا وعشى آخر لم يجز وقيد بالشبع؛ لأنه لو كان فيهم من هو شبعان قبل الأكل أو صبي ليس بمراهق لا يجزئه واختلف المشايخ فيه ومال الحلواني إلى عدم الجواز، وفي المصباح الأكل معروف والأكل بضمتين وإسكان الثاني للتخفيف المأكول والأكلة بالفتح المرة وبالضم اللقمة والغداء بالمد طعام الغداة والعشاء بالفتح وبالمد طعام العشاء بالكسر والسحور بفتح السين ما يؤكل في السحر ما قبل الصبح وبالضم الأكل وقته وأشار به إلى أنه لا معتبر بعد الشبع إلى مقدار الطعام حتى روي عن أبي حنيفة في كفارة اليمين لو قدم أربعة أرغفة إلى عشرة مساكين وشبعوا أجزأه وإن لم يبلغ ذلك صاعا أو نصف صاع كذا في التتارخانية وإلى أنه لا بد من الإدام في خبز الشعير والذرة ليمكنهم الاستيفاء إلى الشبع بخلاف خبز البر وقد اختلف المشايخ في جواز إطعام خبز الشعير بالإدام بناء على أن محمدا نص على خبز البر في الزيادات فقال البعض‏:‏ لا يجوز بخبز الشعير وبعضهم جوزه مع الإدام وإليه مال الكرخي كما في التتارخانية، وفي الينابيع لو أطعم مائة وعشرين مسكينا في يوم واحد أكلة واحدة مشبعة لم يجز إلا عن نصف الإطعام فإن أعاده على ستين مسكينا أجزأه ا هـ‏.‏

وفي البدائع أوصى بأن يكفر عنه فأطعم الوصي الغداء للعدد المنصوص عليه ثم ماتوا قبل العشاء يستأنف فيغدي ويعشي غيرهم؛ لأنه لا سبيل إلى التفريق ولا يضمن الوصي شيئا؛ لأنه غير متعد؛ إذ لا صنع له في الموت ا هـ‏.‏ وينبغي أن المكفر إذا غدى العدد ثم غابوا أن ينتظر حضورهم أو يعيد الغداء مع العشاء على عدد غيرهم وينبغي في الوصي أن ينتظر لرجاء حضورهم‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن أعطى فقيرا شهرين صح‏)‏؛ لأن المقصود سد خلة المحتاج والحاجة تتجدد بتجدد الأيام فتكرر المسكين بتكرر الحاجة حكما فكان تعدادا حكما قيد بالتمليك؛ لأنه لو أطعم مسكينا غداه وعشاه ستين يوما لا يجزئه في قول أبي يوسف الأخير كما في التتارخانية فيحتاج إلى الفرق بين الإباحة والتمليك في حق الواحد والحق أن لا فرق على المذهب لما في البدائع لو أعطى طعام عشرة مساكين في كفارة اليمين في عشرة أيام لمسكين واحد وغداه وعشاه عشرة أيام أجزأه عندنا، وفي المصباح الخلة بالفتح الفقر والحاجة‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو في يوم لا إلا عن يومه‏)‏ أي‏:‏ لو أعطى فقيرا ثلاثين صاعا في يوم لا يجزئه إلا عن واحد لفقد التعدد حقيقة وحكما لعدم تجدد الحاجة أطلقه فشمل ما إذا أعطاه بدفعة واحدة أو متفرقا على الصحيح كما في المحيط، وفي طعام الإباحة لا يجوز في يوم واحد وإن فرق بلا خلاف كما في التتارخانية والكسوة في كفارة اليمين كالإطعام حتى لو أعطى مسكينا واحدا عشرة أثواب في عشرة أيام يجوز في كفارة اليمين لتجدد الحاجة حكما باعتبار تجدد الزمان، وفي البدائع في كفارة اليمين لو غدى رجلا واحدا عشرين يوما أو عشى واحدا عشرين يوما أجزأه عندنا، وفي المحيط لو أعطى مسكينا عن فدية صوم يومين عليه فعن أبي يوسف روايتان في رواية يجزئه عنهما، وفي رواية لا يجزئه قيل، وهذا قول أبي حنيفة كما في كفارة اليمين‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولا يستأنف بوطئها في خلال الإطعام‏)‏؛ لأن الله تعالى إنما شرط في التحرير والصوم أن يكون قبل التماس ولم يشترطه في الإطعام ولا يحمل المطلق على المقيد وإن وردا في حادثة واحدة بعد أن يكونا حكمين كذا في الكافي إلا أنه منع من الوطء قبله لجواز أن يقدر على الصوم والإعتاق فتنتقل الكفارة إليهما فيتبين أن الوطء كان حراما‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو أطعم عن ظهارين ستين فقيرا كل فقير صاعا صح عن واحد وعن إفطار وظهار وصح عنهما‏)‏؛ لأنه في الأول زاد في قدر الواجب ونقص عن المحل فلا يجوز إلا بقدر المحل؛ لأن النية في الجنس الواحد لغو وفي الجنسين معتبرة، وكذلك لو أطعم عشرة مساكين عن يمينين لكل مسكين صاعا فهو على هذا الخلاف كذا في البدائع أطلقه فشمل ما إذا كان الظهاران لامرأتين أو لواحدة‏.‏ والحاصل أن النقصان عن العدد لا يجوز فالواجب في الظهارين إطعام مائة وعشرين فلا يجوز صرف الواجب إلى الأقل كما لو أطعم ثلاثين مسكينا لكل واحد صاعا فإنه لا يكفي عن ظهار واحد والمراد بالمدفوع البر؛ إذ لو كان تمرا أو شعيرا فموضوع المسألة أعطى لكل فقير صاعين ولا بد من تقييد المسألة بأن يكون دفعها دفعة واحدة أما لو كان بدفعات جاز اتفاقا كما في الكافي معللا بأنه في المرة الثانية كمسكين آخر ورجح في فتح القدير قول محمد بأنه كما يحتاج إلى نية التعيين عند اختلاف الجنس يحتاج إليها لتمييز بعض أشخاص ذلك الجنس وقد اعتبروا ذلك في العتق فإنه لو كان عليه كفارتا ظهار لامرأتين فأعتق عبدا ناويا عن إحداهما صح تعيينه ولم يلغ وحل له وطؤها مع اتحاد الجنس فليصح في الإطعام لثبوت غرضه وهو حلهما معا‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ ولو حرر عبدين عن ظهارين ولم يعين صح عنهما ومثله الصيام والإطعام‏)‏ حتى لو صام عنهما أربعة أشهر أو أطعم عنهما مائة وعشرين مسكينا صح عنهما من غير تعيين؛ لأن الجنس متحد فلا حاجة إلى نية التعيين قيد بقوله عن ظهارين؛ لأنه لو كان عليه كفارة يمين وكفارة ظهار وكفارة قتل فأعتق عبيدا عن الكفارات لا يجزئه عن الكفارة ولو أعتق كل رقبة ناويا عن واحد منها لا بعينها جاز بالإجماع ولا يضر جهالة المكفر عنه كذا في المحيط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ وإن حرر عنهما رقبة أو صام شهرين صح عن واحد وعن ظهار وقتل لا‏)‏؛ لأن نية التعيين في الجنس الواحد لغو، وفي المختلف مفيد فإذا لغا له أن يعين أيهما شاء ويجامع مع تلك المرأة التي عينها وأراد بالرقبة المؤمنة، أما لو أعتق كافرة عن ظهار وقتل كان عن الظهار وإن اختلف الجنس؛ لأن الكافرة لا تصلح لكفارة القتل وجعل له في البدائع نظيرا حسنا هو ما إذا جمع بين المرأة وبنتها أو أختها ونكحهما معا فإن كانتا فارغتين لم يصح العقد على كل منهما وإن كانت إحداهما متزوجة صح في الفارغة، والأصل أن ما اختلف سببه فهو المختلف وما اتحد سببه فهو المتحد فالصلوات كلها من قبيل المختلف حتى الظهرين من يومين وصوم أيام رمضان من قبيل المتحد إن كان في سنة واحدة وإن كان من سنتين فهو من قبيل المختلف‏.‏ ولو نوى ظهرا أو عصرا أو صلاة جنازة لم يكن شارعا في واحدة منهما للتنافي وعدم الرجحان، ولو نوى ظهرا ونفلا لم يكن شارعا أصلا عند محمد للتنافي وعند أبي يوسف يقع عن الفرض؛ لأنه أقوى، ولو نوى صوم القضاء والنفل أو الزكاة والتطوع أو الحج المنذور، والتطوع يكون تطوعا عند محمد لبطلانهما بالتعارض فانصرف إلى النفل وعن أبي يوسف يقع عن الأقوى ترجيحا له عند التعارض، ولو نوى حجة الإسلام والتطوع فهو عن الحجة اتفاقا للقوة عند الثاني ولبطلان الجهة بالتعارض وهي تتأدى بالمطلق ثم اعلم أن من عليه كفارات أيمان أعتق عن إحداهن وأطعم عن أخرى وكسا عن أخرى أو أعتق عنها عبدا ولا ينوي كل واحدة بعينها جاز استحسانا خلافا لزفر نظرا إلى أنهما مختلفان ونحن نقول الجنس متحد فهو كالصوم بخلاف صلاة الظهر؛ لأنه نية التعيين ثمة لم تشترط باعتبار أن الواجب مختلف متعدد بل باعتبار أن مراعاة الترتيب واجبة عليه ولا يمكنه مراعاة الترتيب إلا بنية التعيين حتى لو سقط الترتيب بكثرة الفوائت تكفيه نية الظهر لا غير، كذا في المحيط وهو تفصيل حسن في الصلوات ينبغي حفظه‏.‏ والحاصل أنه إذا نوى شيئين فإن كانا فرضين لم يصح اتفاقا وإن كان أحدهما فرضا والآخر نفلا فعند أبي يوسف يقع عن الأقوى سواء كان الأقوى يتأدى بمطلق النية كالصوم والحج أو لا كالصلاة وعند محمد في الأول يقع عن الفرض؛ لأنه لما بطلت النيتان للتعارض بقي مطلق النية وفي الثاني لم يصح، وفي فتح القدير ومما يعكر على الأصل الممهد ما عن أبي يوسف في المنتقى لو تصدق عن يمين وظهار فله أن يجعله عن أحدهما استحسانا، وقدمنا في باب شروط الصلاة مسائل من هذا النوع فارجع إليه‏.‏ وقولهم هنا لو نوى ظهرا أو عصرا أو صلاة جنازة بواو العطف في صلاة الجنازة؛ لأنها لو كانت بأو لم يصح؛ لأنهم قالوا لو نوى ظهرا أو صلاة جنازة كان عن الظهر كما قدمناه، ثم اعلم أن قولهم أن نية التعيين في الجنس الواحد لغو يرد عليه ما لو كان عليه كفارتا ظهار لامرأتين فأعتق عبدا عن إحداهما صح التعيين وله أن يطأ التي كفر عنها دون الأخرى ولم يجب عنه في فتح القدير وهو بناء على ما فهمه من ظاهر العبارة أن المراد أن نية تعيين بعض الأفراد في الجنس المتحد لغو وقد قرر المراد في النهاية بما يدفع الإيراد فقال أراد به تعميم الجنس بالنية ألا ترى أنه إذا عين ظهار إحداهما للتكفير صح وحل له قربانها كذا في الفوائد الظهيرية والله أعلم‏.‏