فصل: باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب الجنايات

أورد الجنايات عقيب الرهن؛ لأن كل واحد منهما للوقاية والصيانة، فإن الرهن وثيقة لصيانة المال وحكم الجناية لصيانة النفس، ألا ترى إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولكم في القصاص حياة‏}‏ ولما كان المال وسيلة لبقاء النفس قدم الرهن على الجنايات بناء على تقدم الوسائل على المقاصد كذا في أكثر الشروح قال في غاية البيان ولكن قدم الرهن؛ لأنه مشروع بالكتاب والسنة بخلاف الجناية؛ لأنها محظورة، فإنها عبارة عما ليس للإنسان فعله ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ هذا ليس بشيء؛ لأن المقصود بالبيان في كتاب الجنايات إنما هو أحكام الجنايات دون أنفسها ولا شك أن أحكامها مشروعة ثابتة بالكتاب والسنة وأيضا فلا معنى لتأخيرها من هذه الحيثية، ثم إن الجناية في اللغة اسم لما تجنيه من شيء أي تكسبه وهي في الأصل مصدر جنى عليه شرا جناية وهو عام في كل ما يقبح ويسوء إلا أنه في الشرع خص بفعل محرم حل بالنفوس والأطراف والأول يسمى قتلا وهو فعل من العباد تزول به الحياة‏.‏ والثاني يسمى قطعا وجرحا هذا زبدة ما في الكتاب والشروح‏.‏ الكلام في الجناية من أوجه‏:‏ الأول في معرفة مشروعيتها، والثاني في سبب وجوبها، والثالث في تفسيرها لغة، والرابع في تفسيرها عند الفقهاء، والخامس في ركنها والسادس في شرطها، والسابع في حكمها‏.‏ أما الأول فهو معرفة مشروعيتها لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص‏}‏ الآية‏.‏ وقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «العمد قود والقتل عدوان» وسبب مشروعية القصاص رفع الفساد في الأرض وأما معناها لغة فهي في اللغة اسم لما يجنيه المرء من شر وما اكتسبه تسمية للمصدر من جنى عليه شرا وهو عام إلا أنه خص بما يحرم من الفعل وأصله من جنى الثمر وهو أخذه من الشجرة وأما في الشرع فهو اسم لفعل محرم شرعا سواء كان من مال أو نفس لكنه في عرف الفقهاء يراد به عند إطلاقه اسم الجناية الواقعة في النفس والأطراف من الآدمي والجناية الواقعة في المال تسمى غصبا والجناية الواقعة من المحرم أو في الحرم على الصيد جناية المحرم‏.‏ وأما ركنه فهو القتل وهو فعل مضاف إلى العباد تزول به الحياة بمجرد العادة‏.‏ وأما شرطه فالمماثلة والمعادلة في الاستيفاء؛ لأن المماثلة مشروطة في أجزية السيئات وضمان العدوانات لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها‏}‏ ولأن في إيجاب الناقض بخسا بحق المظلوم‏.‏ وفي إيجاب الزيادة جور على الظالم والنجس غير مشروع والحيف حرام فكان الإنصاف والانتصاف في إيجاب المماثلة إلا أنه سقط اعتبار المماثلة في محال الأفعال في الأنفس في نوع ضرورة وهو أن قتل الواحد بطريق الاجتماع غالب وجودا ويظهر من الأفراد نادرا وقوعها فقتل الجماعة بالواحد، ولو اعتبرنا المماثلة في محل الأفعال لأدى إلى فتح باب العدوان وسد باب القصاص وأية فائدة في شرع القصاص فسقط اعتبار المماثلة في الأنفس للضرورة وبقيت المماثلة في الأطراف معتبرة، فإن الإجماع على إتلاف الطرف ليس بغالب بل هو نادر‏.‏

وأما حكمه فهو وجوب القصاص والدية والإثم، قال محمد رحمه الله تعالى القتل على ثلاثة أوجه‏:‏ عمد وخطأ وشبه عمد، فالعمد وهو أن يتعمد ضربه بسلاح وما يجري مجراه مما له حد يقطع ويجرح؛ لأن العمد والقصد مما لا يوقف عليه ولكن الضرب بآلة جارحة قابلة قاطعة دليل على القتل فيقام مقام العمد، ثم آلة القتل على ضربين آلة السلاح وغير السلاح أما السلاح فكل آلة جارحة كالسيف والسكين ونحوهما فيقتل به وهو عمد محض، ولو قتله بحديد لا حد له، نحو أن يضربه بعمود أو بصنجة حديد أو نحاس أو صفر فعلى رواية الطحاوي يكون عمدا محضا؛ لأن الحديد إذا لم يجرح يكون عمدا لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا قود إلا من حديد» والحديد أصل في القتل به وأنه منصوص عليه في إيجاب القود به والحكم في المنصوص عليه يتعلق بعين النص لا بالمعنى والنص الوارد في الحديد والسيف يكون واردا فيما هو في معناه في الاستعمال دلالة والنحاس يستعمل منه السلاح كما يستعمل من الحديد فيكون الحكم فيه ثابتا بدلالة النص لا بعينه، ولو ضربه بصنجة رصاص لا يكون عمدا؛ لأنه لا يستعمل منه استعمال الحديد وهو السلاح، وأما غير السلاح كالليطة والمروة والرمح الذي لا سنان فيه ونحوه إذا جرحه فهو عمد محض؛ لأنه إذا فرق الأجزاء عمل عمل السيف؛ لأنه حصل ما هو المقصود من الحديد بما هو معتاد له فلا تكون شبهة العمد اعتبار قصور الآلة ولهذا قال إذا أحرق رجلا بالنار يقتل به؛ لأن النار تفرق الأجزاء وتبعضها وتعمل عمل الحديد، وأما شبه العمد وهو القتل بآلة لم توضع له، ولم يحصل به الموت غالبا مثل السوط الصغير والعصا الصغيرة ونحوه‏.‏ فأما القتل بالعصا الكبير وبكل آلة مثقلة يحصل بها الموت غالبا لكنها غير جارحة قاطعة بل هي مدققة مكسرة وهو شبه العمد عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى خلافا لهم لما يأتي‏.‏ وأما الخطأ وهو ما لو تعمد شبها فيصيب آدميا أو يقصده فيظنه صيدا أو حربيا، فإذا هو مسلم ونوع ما هو ملحق بالخطأ كالنائم إذا انقلب على إنسان فقتله، وكذا القتل بطريق التسبب كحفر البئر ووضع الحجر في الطريق الممر؛ لأنه إذا تسبب للقتل صار كالموقع والدافع ولما لم يقصد القتل هو كالخطأ في الحكم ولا يكون فيما دون النفس شبه العمد؛ لأن ما دون النفس لا يختص إتلافه بآلة دون آلة بل يختص بآلة جارحة قاطعة، فأما القتل يختص بآلات بعضها جارحة قاطعة وبعضها لا يختلف حكم النفس باختلاف الآلات، وأما حكمها فسيأتي، ولا يخفى أن القتل على خمسة أوجه‏:‏ عمد وخطأ وشبه عمد وما أجري مجرى الخطأ والقتل بسبب، قال صاحب النهاية وجه الانحصار في هذه الخمسة هو أن القتل إذا صدر عن إنسان لا يخلو إما أن حصل بسلاح أو بغير سلاح، وإن حصل بسلاح إما أن يكون به قصد القتل أو لا، فإن كان فهو عدوان، وإن لم يكن فهو خطأ، وإن لم يكن بسلاح فلا يخلو إما أن يكون جاريا مجرى الخطأ أو لا، فإن كان فهو شبه العمد، وإن لم يكن فلا يخلو إما أن يكون معه قصد التأديب أو الضرب أو لا‏.‏ فإن كان فهو شبه العمد، وإن لم يكن فلا يخلو إما أن يكون جاريا مجرى الخطأ أو لا، فإن كان فهو الخطأ، وإن لم يكن فهو القتل بسبب وبهذا الاختصار يعرف تفسير كل واحد منها ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ فيه خلل أما أولا فلأنه جعل القتل خطأ مخصوصا بما حصل بسلاح، وليس كذلك إذ لا شك أن القتل الخطأ كما يكون بسلاح يكون أيضا بما ليس بسلاح كالحجر العظيم والخشبة العظيمة وأما ثانيا فلأن قوله، وإن لم يكن جاريا مجرى الخطأ فهو القتل بسبب ليس بتام؛ لأن ما لا يكون جاريا مجرى الخطأ لا يلزم أن يكون القتل بسبب ألبتة بل يجوز أن يكون القتل بخطإ محض أيضا فلا يتم الحصر في القتل بسبب ولما تنبه صاحب العناية لما في وجه الحصر الذي ذكره صاحب النهاية من القصور، قال في بيان قول المصنف القتل على خمسة أوجه وذلك أنا استقرينا فوجدنا ما يتعلق به شيء من الأحكام المذكورة أحد هذه الأوجه المذكورة، ونقل ما ذكر صاحب النهاية من وجه الحصر، فقال وضعفه وركاكته ظاهران من غير تفصيل وبيان، والمراد بيان قتل يتعلق به الأحكام قال جمهور الشراح إنما قيد به؛ لأن أنواع القتل من حيث هو قتل من غير نظر إلى ضمان القتل وعدم ضمانه أكثر من خمسة أوجه كقتل المرتد والقتل قصاصا والقتل رجما والقتل بقطع الطريق وقتل الحربي حتى قال بعضهم ونظير هذا ما قاله محمد رحمه الله تعالى في كتاب الأيمان‏.‏ الأيمان ثلاثة، ولم يرد جنس الأيمان؛ لأنها أكثر من ثلاثة يمين بالله تعالى ويمين بالطلاق ويمين بالعتاق والحج والعمرة وإنما أراد بذلك الأيمان بالله تعالى ا هـ‏.‏ قال قاضي خان أقول‏:‏ فيما قالوا نظر إذ الظاهر أن شيئا من أنواع القتل لا يخرج عن الأوجه الخمسة المذكورة في الكتاب بل يدخل كل من ذلك في واحد من تلك الأوجه، فإن ما ذكره من قتل المرتد وقتل الحربي والقتل قصاصا أو رجما أو بقطع الطريق يكون قتلا عمدا إن تعمد القاتل ضرب المقتول بسلاح وما أجري مجرى السلاح، ويكون شبه عمد إن تعمد ضربه بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح ويكون خطأ إن لم يكن بطريق التعمد بل كان بطريق الخطإ إلى غير ذلك من الأوجه المذكورة وإنما تكون تلك الأنواع المباحة من القتل خارجة عن الأحكام المذكورة لهذه الأوجه الخمسة فلا معنى للقول بأن أنواع القتل أكثر من خمسة، وإن قلت‏:‏ كيف يتصور خروج تلك الأنواع من الأحكام للأوجه الخمسة للقتل إلا من نفس هذه الأوجه، وحكم الشيء ما يترتب عليه ويلزمه قلت‏:‏ قد يكون ترتب الحكم على شيء مشروطا بشرط، ألا ترى أنهم جعلوا وجوب القود من أحكام القتل العمد مع أنه له شروط كثيرة منها كون القاتل عاقلا بالغا إذ لا يجب القود على الصبي والمجنون أصلا ومنها أن لا يكون المقتول جزء القاتل حتى لو قتل الأب ولده عمدا لا يجب عليه القصاص‏.‏ وكذا لو قتلت الأم ولدها، وكذا الجد والجدة، ومنها أن يكون المقتول ملك القاتل حتى لا يقتل المولى بعبده، ومنها كون المقتول معصوم الدم مطلقا فلا يقتل مسلم ولا ذمي بالكافر الحربي ولا بالمرتد لعدم العصمة أصلا ولا بالمستأمن في ظاهر الرواية؛ لأن عصمته ما ثبتت مطلقة بل مؤقتة إلى غاية مقامه في دار الإسلام صرح بذلك كل ما في عامة المعتبرات فكذا كون القتل بغير حق شرطا لترتيب كل من الأحكام المذكورة للأوجه الخمسة من القتل، وليس شيء مما ذكروا من الأحكام من هذه الأنواع المذكورة لها بناء على أن انتفاء شرط تلك الأحكام وهو كون القتل معصوم الدم وكون القتل بغير حق لا يقدح في شيء فالأظهر أن مراد المصنف بقوله والمراد بيان قتل يتعلق به الأحكام هو التنبيه على أن المقصود بالبيان في كتاب الجنايات إنما هو أحوال بغير حق إذ هو الذي يكون من الجنايات ويترتب عليه أحكامها دون أحوال مطلق القتل، وإن كان الأوجه الخمسة المذكورة تتناول كل ذلك‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏موجب القتل عمدا وهو ما تعمد ضربه بسلاح ونحوه في تفريق الأجزاء كالمحدد من الحجر والخشب والنار الإثم والقود عينا‏)‏ أي القتل الموصوف بهذه الصفة يوجب الإثم والقصاص متعين، قال السغناقي القتل فعل يضاف إلى العباد تزول به الحياة‏.‏ وفي المنتقى ذكر ما يعرف به العمد من غيره قال محمد رجل تعمد أن يضرب يد رجل أو شيئا منه بالسيف فأخطأ فأصاب عنقه وأبان رأسه فهو عمد، ولو أراد أن يضرب يد رجل أو شيئا منه بالسيف فأخطأ فأصاب عنق غيره فهو خطأ؛ لأنه أصاب غير ما تعمد، وفي الأول أصاب ما تعمد؛ لأنه قصد إتلاف طرف ذلك الرجل، ولو رمى قلنسوة على رأسه فأصاب عنق غيره فهو خطأ، وكذلك لو قصد ضرب القلنسوة فأصابه السيف فهو خطأ، ولو رمى رجلا فأصاب حائطا، ثم رجع السهم فأصاب الرجل فهو خطأ؛ لأنه أخطأ في إصابة الحائط ورجوع السهم مبني على إصابة الحائط لا على الرمي السابق؛ لأنه آخر السببين والحكم يضاف في آخر السببين وجودا، وقد تخلل بين الرمي والإصابة الأخيرة إصابة الحائط فقطع حكم الإصابة الأخيرة على الرمي السابق، ولو لف ثوبا فضرب به رأس إنسان فشجه موضحة فهو عمد سواء اقتصر على الشجة أو مات؛ لأنه أصاب ما تعمد به، وقد عملت الآلام عملها أثرت في الظاهر والباطن جميعا، وقد مات من غير أن يجرح قال صار خطأ، وقال محمد في الديات رجل ضرب رجلا بسيف بغمده فخرق السيف الغمد فقتله قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا قود عليه، وقال محمد إن كان الغمد يقتل لو ضرب به وحده يقتل؛ لأن الغمد لا يقصد به إلا الضرب إذا كان يقتل به وهو قاصد إلى القتل، وقد أصاب المقتل فوجب القصاص لأبي حنيفة أنه أصاب الضرب دون القتل؛ لأن الغمد لا يقصد به إلا الضرب عادة فصورة الخطإ هو أن يصيب خلاف ما قصد‏.‏

وروى أبو يوسف عن أبي حنيفة رحمهما الله تعالى رجل ضرب رجلا بإبرة أو بشيء يشبه الإبرة تعمدا فقتله فلا قود عليه، وإن ضربه بمسلة أو نحوها فعليه القود؛ لأن الإبرة مما لا يقصد بها القتل عادة، وإن كانت الآلة جارحة؛ لأن آلة الخياطة دون القتل، فإذا تمكنت فيه شبهة عدم العمدية امتنع وجوب ما لا يجامع فأما المسلة فهي آلة جارحة يقصد بها القتل، وفي رواية أخرى عنه أنه إن غرز بالإبرة في المقتل فعليه القود وإلا فلا؛ لأن غرز الإبرة في المقتل يقصد به القتل لا التأديب‏.‏

وفي الفتاوى الكبرى ضرب بحديد أو ذهب أو فضة أو شبهه أو نحاس أو رصاص أو صفر فجرحه ومات أنه يقتل، وإن رماه بصنجة ألف درهم فجرحه أو لم يجرحه فمات منه قتل، ولو ضرب بعصا رأسها مضبب بالحديد، وقد أصاب الحديد حتى جرحه أو أزهق سائر جسده أو ضربه بقفة حديد أو شبهه أو بقدر حديد فمات منه قتل، وهذا كله على قياس ظاهر الرواية على ما بينا‏.‏ ولو ضربه بعصا من خشب قاد معه أو بحجر غير ممدود لا يقتل، وإن كان ممدودا حتى جرحه يقتل وعن أبي حنيفة في المجرد لو ألقى رجلا في الماء، ثم أخرج وبه رمق فمكث أياما حتى مات يقتل به، وإن كان يجيء ويذهب حتى مات لم يقتل، ولو قمط رجلا وألقاه في البحر فغرق تجب الدية، ولو سبح سباحة، ثم غرق لا دية عليه؛ لأنه غرق بعجزه وفي الأول نظر جيد‏.‏

وفي الفتاوى الكبرى ما يجب القصاص في سبب دون سبب لف ثوبا فضرب به رأس رجل فشجه موضحا وجب القصاص، ولو مات لا يجب القصاص، ولو مات من ذلك يجب القصاص وما يجب في سببه ومسببه أن شجه موضحة بحديد فيها قصاص، وإن مات منها يجب القصاص وعلى عكسه ما لا يجب في سبب ولا في مسببه أن يجرحه بخشبة عظيمة فلا يجب القصاص، ولو مات كذلك، وفي الأجناس وما ليس بسلاح فيما دون النفس عمد واعترض بأن قوله موجب هذا أثر العمد والأثر متأخر وفصل بين المبتدإ وهو قوله موجبه وخبره وهو قوله والإثم بأجنبي وهو قوله أن يتعمد الضمير جاز أن يرجع إلى المضاف وأن يرجع إلى المضاف إليه، والضمير إذا احتمل فسد المعنى على أحد الاحتمالين فيتعين الإظهار بأن يقول العمد أن يتعمد وعبر بقوله موجبه دون أن يقول حكمه وأثره ليفيد أن صفته الوجوب وقد يجاب بأن المقصود الأحكام لا الحقائق فكذا قدم الحكم على التعريف، وهذا فصل بغير أجنبي فلا يضر والضمير يرجع إلى الأقرب وهو القتل؛ لأنه محل للتعمد فلا فساد‏.‏ قوله ضربه أي ضرب المقتول قالوا فيخرج فيما دون النفس قوله ضربه أي ضرب المقتول قاله قاضي زاده أقول‏:‏ برد على المقتول في المنتقى كما نقله في المحيط إذا تعمد أن يضرب يد رجل فأخطأ فأصاب عنق ذلك الرجل، فإن بان رأسه وقتله فهو عمد وفيه القود، وإن أصاب عنق غيره فهو خطأ، ووجه الورود أنه لم يتعمد القتل بل تعمد ضرب اليد وجرى عمدا فظهر أن الشرط، ولو للقطع لا لتقييد القتل كما قالوا أما اشتراط العمد فلأن الجناية لا تتحقق دونها ولا بد منها ليترتب عليها العقوبة لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» الحديث‏.‏

وأما اشتراط السلاح فلأن العمد هو القصد وهو فعل قد لا يوقف عليه؛ لأنه أمر يخفى فأقيم استعمال الآلة القاتلة غالبا مقامه، وظاهر هذا أنه إذا قتل بهذه الآلة، ثم قال لم أقصد قتله لم يقبل منه والمنقول أنه لا يقبل منه قال في المجرد قتلت فلانا بسيفي ثم قال إنما أردت غيره فأصابته درئ عنه القصاص ولا يخفى عدم الورود؛ لأنه قال ضربه لا أن يتعمد قتله؛ لأن الشرط تعمد للضرب لا تعمد للقتل بدليل تعمد قطع اليد أقول‏:‏ فيه بحث وهو أن هذا القدر من التعليل يشكل بما إذا استعمل الآلة القاتلة في القتل الخطإ كما إذا رمى شخصا بسهم أو ضربه بسيف يظنه صيدا، فإذا هو آدمي أو يظنه حربيا، فإذا هو مسلم، وهذا في نوع الخطإ في القصد، وكذا إذا رمى عرضا بآلة قاتلة فأصاب آدميا، وهذا في نوع الخطإ في الفعل، فإن استعمال الآلة القاتلة الذي جعل دليلا على القصد قد تحقق هناك أيضا مع أنه ليس بعمد بل هو خطأ محض على ما نصوا عليه قاطبة، فإن قلت‏:‏ المراد باستعمال الآلة القاتلة في التعليل المذكور استعمالها لضرب المقتول لا استعمالها فيه أيضا لضرب المقتول لكن الخطأ في وصف المقتول، فإن قلت‏:‏ المراد استعمالها لضرب المقتول من حيث إنه آدمي لا استعمالها لضربه مطلقا، وفي نوع الخطإ في القصد لم يتحقق الحيثية المذكورة قلت‏:‏ كون الاستعمال من هذه الحيثية أمر مضمر راجع إلى النية والقصد فلا يوقف عليه كما لا يوقف على العمد فلا بد من دليل آخر خارجي فتدبر، وذكر قاضي خان أنه لا يشترط الجرح في الحديد وما يشبه الحديد من النحاس وغيره في ظاهر الراوية‏.‏

وأما الإثم فلقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها‏}‏ الآية، أقول‏:‏ لقائل أن يقول الدليل خاص والمدعى عام؛ لأن إيجاب القتل المؤثم والقود لا ينفك عن لزوم المأثم والآية المذكورة مخصوصة بقتل المؤمن اللهم إلا أن يقال الآية المذكورة، وإن أفادت المأثم في قتل المؤمن عمدا فقط بعبارتها إلا أنها تفيد المأثم في قتل الذمي أيضا بدلا بناء على ثبوت العصمة بين المسلم والذمي نظرا إلى التكليف أو الدار كما سيأتي تفصيله، فإن قيل بقي خصوص الدليل مع عموم المدعى من جهة أخرى وهي أن المذهب عن أهل السنة والجماعة أن المؤمن لا يخلد في النار، وإن ارتكب كبيرة، ولم يثبت والظاهر أن المراد بمن يقتل في الآية المذكورة هو المستحل بدلالة خالدا فيها فكان القتل بدون الاستحلال خارجا عن مدلول الآية قلنا لا نسلم ظهور كون المراد بمن يقتل في الآية المذكورة هو المستحل لجواز أن يكون المراد بالخلود المذكور فيها هو المكث الطويل كما ذكر في التفاسير فلا ينافي التعميم مذهب أهل السنة والجماعة، ولئن سلم كون المراد بذلك هو المستحل كما ذكر في الكتب الكلامية وفي التفاسير أيضا ففي الآية دلالة على عظم تلك الجناية وتحقق الإثم في قتل المؤمن عمدا بدون الاستحلال أيضا وإلا لما لزم من استحلاله الخلود في النار‏.‏

وأما القود فلقوله عليه الصلاة والسلام العمد قود ولقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر‏}‏ الآية إلا أنه يتقيد بوصف العمد لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «العمد قود» أي موجبه يعني أن ظاهر الآية يوجب القود بالقصاص أينما يوجد القتل ولا يفصل بين العمد والخطإ إلا أنه تقيد بوصف العمدية بالحديث المشهور الذي تلقته الأمة بالقبول وهو قوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ «العمد قود» أي موجبه قود، كذا في الشروح قال صاحب الكفاية بعد ذلك لا يقال إن قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «العمد قود» لا يوجب التقييد؛ لأنه تخصيص بالذكر فلا يدل على نفي ما عداه؛ لأنا نقول لو لم يوجب هذا الخبر تقييد الآية لم يكن القود موجب العمد فقط فلا يكون لذكر لفظ العمد فائدة ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ سؤال ظاهر الورود وينبغي أن يخطر ببال كل ذي فطرة سليمة ولكن لم أر أحدا سواه حاول ذكره وأما جوابه فمنظور فيه عندي لجواز أن يكون سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن حكم العمد فقط بأن كانت الجناية قتل العمد فصار قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «العمد قود» جوابا عن سؤالهم ففائدة ذكر لفظ العمد حينئذ تطبيق الجواب للسؤال ومع هذا الاحتمال كيف يتعين تقييد كتاب الله بالحديث المزبور‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏إلا أن يعفون‏)‏ يعني يجب القصاص إلا أن يعفو الأولياء فيسقط القصاص بعفوهم ولا يجب شيء هذا إذا كان العفو بغير بدل، وإن كان ببدل يجب المشروط ويتعين بالصلح لا بالقتل قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى الواجب أحدهما لا بعينه ويتعين باختيار الولي ولنا ما تلونا وروينا من قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «العمد قود» فيقتضي أن جنس العمد وجود القود لا للمال ومن جعله موجبا للمال فقد زاد عليه وهو لا يجوز وإلى هذا المعنى أشار ابن عباس رضي الله عنهما بقوله العمد قود لا مال فيه ولأن المال لا يصلح موجبا لعدم المماثلة بينه وبين الآدمي صورة ومعنى إذ الآدمي خلق مكرما ليتحمل التكليف ويشتغل بالطاعة وليكون خليفة الله تعالى في الأرض والمال خلق لإقامة مصالحه ومبتذلا له في حوائجه فلا يصلح جابرا وقائما مقامه والقصاص يصلح للمماثلة صورة؛ لأنه قتل بقود، وكذا معنى؛ لأن المقصود بالقتل الانتقام‏.‏ والثاني فيه كالأول ولهذا سمي قصاصا وبه تحصل منفعة الأحياء بكونه زاجرا فلا يكون موجبا للمال ولهذا يضاف ما يوجب من المال في قتل العمد إلى الصلح، ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا تعقل العاقلة عمدا ولا صلحا»، ولو كان عمدا موجبا للمال لما أضافه إلى الصلح والمراد بما روي ثبوت الخيار للمولى عند إعطاء القاتل الدية وتخييره لا ينافي رضا الآخر في غير الواجب، وهذا كما يقال للدائن خذ بدينك إن شئت دراهم، وإن شئت دنانير، وإن شئت عروضا ومعناه أن لا يأخذ غير حقه إلا برضا المدين، وهذا شائع في الكلام‏.‏ ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا تأخذ إلا سلمك أو رأس مالك» أي لا تأخذ إلا سلمك عند المضي في العقد ولا تأخذ إلا رأس مالك عند التفاسخ فخيره ومعلوم أنه لا يأخذ رأس ماله إلا برضا الآخر؛ لأن الفسخ لا يتم إلا باتفاقهم، فإذا كان المراد بالحديث ذلك أو احتمله لا يبقى حجة، والذي يدلك على ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال كان القصاص في بني إسرائيل، ولم تكن الدية فأنزل الله هذه الآية ‏{‏كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏فمن عفي له من أخيه شيء‏}‏ والعفو في أن يقبل الدية في العمد ‏{‏ذلك تخفيف من ربكم‏}‏ فيما كان كتب على من كان قبلكم فأخبر أن بني إسرائيل لم تكن فيهم دية أي كان ذلك حراما عليهم أخذه عوضا عن الآدمي ويتركوه فخفف الله تعالى عن هذه الأمة ونسخ ذلك بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن عفي له من أخيه شيء‏}‏ الآية ونبه النبي صلى الله عليه وسلم عن هذه الجهة بل بينها بقوله من قتل له قتيل فهو بالخيار بين أن يقتص أو يعفو ويأخذ الدية التي أبيحت لهذه الأمة وجعل لهم أخذها إذا أعطوها وعن أنس بن مالك‏:‏ «أن عمة الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها، فقال عليه الصلاة والسلام حين اختصموا إليه كتب الله القصاص»، ولم يخير، ولو كان المال واجبا به لخير إذ من وجب له أخذ شيئين على الخيار لا يحكم له بأحدهما معينا وإنما يحكم بأن يختار أيهما شاء والذي يحققه أن الولي إن عفا عن القصاص قبل اختيار القصاص صح عفوه‏.‏ ولو لم يكن هو الواجب بالقتل لما صح عفوه قبل تعينه واختياره إذ العفو عن الشيء قبل وجوبه باطل، فإن كان القصاص هو الواجب الأصلي لا ينفرد الولي بالعدول عنه إلى المال بدلا عنه؛ لأنه معاوضة ولا يجبر أحد على المعاوضة كما في سائر الحقوق ولهذا لو ترك المولى القصاص بمال آخر غير الدية كالدار ونحوها من الأعيان لا يجبر القاتل على الدفع وأن فيه إحياء نفسه ولا نسلم أن المضطر الذي ذكره يجبر على الشراء بحيث يدخل في ملكه من غير رضاه وإنما نقول يأثم إذا ترك الشراء مع القدرة عليه ومات، وكذا نقول هنا أيضا يأثم، ثم إذا لم يخلص نفسه مع القدرة عليه‏.‏ وقوله والآدمي قد يضمن بالمال كما في الخطإ قلنا وجوب الضمان في الخطإ ضرورة صون الدم عن الإهدار باعتبار أنه مثل له، وهذا لأنه لما تعذر العقوبة وهو القصاص لعدم الجناية صير إليه لصون الدم عن الإهدار، ولولا ذلك لتخلط كثير من الناس وأدى إلى التفاني ولأن النفس محترمة فلا تسقط حرمتها بعذر الخاطئ كما في المال فيجب المال صيانة لها عن الإهدار ولا يقال وجوب القصاص لا ينافي وجوب المال ولا العدول إليه من غير رضا الجاني، ألا ترى أن رجلا لو قطع يد رجل وهي صحيحة ويد القاطع شلاء فالمقطوع يده بالخيار إن شاء أخذ الأرش، وإن شاء قطع يده الشلاء‏.‏ وكذا لو عفا أحد الأولياء بطل حق الباقين في القصاص ووجب لهم الدية، ولو أنه وجب بالجناية لما وجب بغير رضاهم؛ لأنا نقول إنما كان لهم ذلك لتعذر استيفاء حقهم كاملا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏لا الكفارة‏)‏ أي لا تجب الكفارة بقتل العمد، وقال الشافعي رحمه الله تجب اعتبارا بالخطإ بل أولى؛ لأنها شرعت تمحو الإثم وهو في العمد أكثر فكان أدعى إلى إيجابها ولنا أن الكفارة دائرة بين العبادة والعقوبة فلا بد من أن يكون سببها أيضا دائرا بين الحظر والإباحة لتعلق العبادة بالمباح والعقوبة بالمحظور وقتل العمد كبيرة محض فلا تناط به كسائر الكبائر مثل الزنا والسرقة والربا قال تاج الشريعة، فإن قلت‏:‏ يشكل بكفارة قتل صيد المحرم، فإنه كبيرة محضة ومع هذا تجب فيه الكفارة قلت‏:‏ هو جناية على المحل، ولهذا لو اشترك رجلان في قتل صيد الحرم يلزم جزاء واحد، ولو كان جناية الفعل لوجب جزاءان والجناية على المحل يستوي فيها العمل والخطأ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ في الجواب بحث أما أولا فلأنه لا يدفع السؤال المذكور؛ لأن مورده مضمون الدليل المزبور وهو الكفارة لا تناط بما هو كبيرة محضة لا أصل المدعى وهو أنه لا كفارة في القتل العمد، فإذا سلم كون قتل صيد الحرم كبيرة محضة يلزم أن يشكل الدليل المزبور به سواء كان في جناية الفعل أو جناية المحل‏.‏ وكون الجناية على المحل يستوي فيها العمد والخطأ إنما يفيد لو ورد السؤال على أصل المدعى، فإنه يمكن الجواب عنه حينئذ بأن ما قلناه في جناية الفعل دون جناية المحل وقتل صيد الحرم من قبيل الثانية دون الأولى وأما ثانيا فلأنه قد تقرر في كتب أصول الفقه أن الكفارة جزاء الفعل من كل الوجوه لا جزاء المحل أصلا فلو كان قتل صيد الحرم جناية على المحل لا جناية الفعل لزم أن لا تصلح الكفارة لكون الكفارة جزاء الفعل من كل الوجوه لا جزاء المحل أصلا ولا يمكن قياسه على الخطإ؛ لأنه دونه في الإثم فشرعه لدفع الأدنى لا يدل على دفع الأعلى ولأن في قتل العمد وعيدا محكما ولا يمكن أن يقال يرتفع المأثم فيه بالكفارة مع وجود الشدة في الوعيد بنص قاطع لا شبهة فيه ومن ادعى ذلك محكما فيه بلا دليل ولأن الكفارة من المقدورات فلا يجوز إثباتها بالقياس على ما عرف في موضعه ولأن قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فجزاؤه جهنم‏}‏ الآية كل موجبه إذ هو مذكور في سياق الجزاء للشرط فتكون الزيادة عليه نسخا ولا يجوز بالرأي‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وشبهه وهو أن يتعمد ضربه بغير ما ذكر الإثم والكفارة على القاتل ودية مغلظة على العاقلة لا القود‏)‏ أي موجب القتل شبه العمد الإثم والكفارة على القاتل والدية المغلظة على العاقلة ولا يوجب القصاص‏.‏ وقوله وهو أن يتعمد ضربه بغير ما ذكر أي بغير ما ذكر في العمد والذي في العمد هو المحدد وغيره هو الذي لا حد له من الأدلة وكالحجر والعصا وكل شيء ليس له حد يفرق الأجزاء وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى‏.‏ وفي شرح الطحاوي شبه العمد عند الإمام تعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا هو في معنى السلاح في تفريق الأجزاء قال محمد ويكون قصده الضرب والتأديب، وقالا إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد وشبه العمد أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا ولهما أن معنى العمدية يتقاصر باستعمال آلة لا تقتل غالبا؛ لأنه يقصد به التأديب، أما التي تقتل غالبا كالسيف فكان عمدا فوجب القود، ألا ترى أنه عليه الصلاة والسلام رض بين حجرين رأس يهودي ورض رأس صبي بين حجرين، وكذا قتل المرأة التي قتلت امرأة بمسطح وهو عمود الفسطاط ولأبي حنيفة رحمه الله تعالى قوله عليه الصلاة والسلام ألا إن قتيل خطإ العمد قتيل السوط والعصا والحجر وفيه دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون خلفة في بطونها أولادها وبإطلاقه يتناول العصا الكبير والكلام في مثلها ولأن قضية القتل أمر مبطن لا يعرف إلا بدليل وهو استعمال الآلة القاتلة على ما بينا، وهذه الآلة لا تصلح دليلا على قصد القتل؛ لأنها غير موضوعة له ولا مستعملة فيه إذ لا يمكن القتل بها على غفلة منه ولا يقع القتل بها غالبا فقدمت العمدية كذلك فصار كالعصا الصغير، وهذا؛ لأن ما يوجب القصاص وهو الآلة المحدودة لا يختلف بين الصغير منهما والكبير؛ لأن الكل صالح للقتل لتخريب البنية ظاهرا وباطنا فكذا ما لا يوجب القصاص وجب أن يسوى بين الصغير والكبير منه حتى لا يوجب الكل القصاص؛ لأنه غير معد للقتل ولا صالح له لعدم نقض البنية ظاهرا وكان في قصد القتل شك لما فيه من القصور والقصاص نهاية في العقوبة فلا يجب مع الشك‏.‏ وما روياه من رض اليهودي يحتمل أن النبي صلى الله عليه وسلم علم أن اليهودي كان قاطع الطريق إذا قتل بسوط أو عصا أو غيره بأي شيء كان يقتل به حدا ويحتمل أنه جعله كقاطع الطريق لكونه ساعيا في الأرض بالفساد فقتله حدا كما يقتل قاطع الطريق، فإن ذلك جائز أن يلحق به على ما بينا في قاطع الطريق‏.‏ وأما حديث المرأة، فقال عبيد بن فضيلة عن المغيرة بن شعبة «أن امرأتين ضربت إحداهما الأخرى بعمود الفسطاط فقتلتها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدية على عصبة القاتلة وقضى فيما في بطنها بغرة، فقال الأعرابي أغرم من لا طعم ولا شرب ولا صاح فاستهل ومثل ذلك يطل، فقال أسجع كسجع الأعراب، وفي رواية قال هذا من إخوان الكهان» من أجل سجعه فعلم بذلك أن ما روياه غير صحيح والذي يدل على ذلك حمل بن مالك على زعمهم، فإنهم قالوا‏:‏ «قال حمل بن مالك كنت بين بنتي امرأتي فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل به» هكذا رووه، وقال ابن المسيب عن أبي سلمة عن أبي هريرة‏:‏ «اقتتلت امرأتان من هذيل فضربت أحدهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقضى أن دية جنينها عبد وقضى بدية المرأة على عاقلتها وورثها ولدها، فقال حمل بن مالك بن النابغة يا رسول الله أغرم من لا شرب ولا أكل ولا نطق ولا استهل ومثل ذلك يطل، فقال عليه الصلاة والسلام هذا من إخوان الكهان»، وهذا هو المشهور عن حمل بن مالك فكيف يصح أن يتصور عنه خلاف ذلك‏.‏ ثم لا فرق عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى بين أن يموت بضربة واحدة وبين أن يوالي عليه ضربات حتى مات كل ذلك شبه عمد لا يوجب القصاص واختلفوا على قولهما في الموالاة، وقال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى يصير عمدا بها فوجب القصاص، ولو ألقاه من جبل أو سطح أو غرقه في الماء أو خنقه حتى مات كان ذلك شبه عمد عنده وعندهما عمد وإنما كان إثما في شبه العمد؛ لأنه ارتكب محرما في دينه قاصدا له وإنما وجبت الكفارة به؛ لأنه خطأ من وجه فيدخل تحت النص على الخطإ أقول‏:‏ المتبادر من قوله لدخوله تحت الخطإ أن هذه الكفارة إنما وجبت في شبه العمد باعتبار الدخول، فإن قلت‏:‏ يرد عليه أن تعين الكفارة لدفع الذنب الأدنى بالشرع لا تعينها كما قالوا في العمد إذ لا شك أن شبه العمد أعلى ذنبا من الخطإ المحض، فإن الجاني في شبه العمد قد قصد الضرب وفي الخطإ لم يقصد الضرب، وقد يجاب بأن ذنب شبه العمد دائر بين الأدنى والأعلى فإلحاقه بالأدنى أولى طلبا للتخفيف فلذا وجبت فيه الكفارة، وذكر صاحب الهداية أن صاحب الإيضاح قال في الإيضاح وجدت في كتب أصحابنا أن الكفارة في شبه العمد لا تجب على قول أبي حنيفة رحمه الله تعالى، فإن الإثم كامل وتناهيه يمنع شرع الكفارة؛ لأن ذلك من باب التخفيف وجوابه على الظاهر أن يقول إنه إثم الضرب؛ لأنه قصده لا إثم القتل؛ لأنه لم يصدقه، وهذه الكفارة تجب بالقتل وهو فيه مخطئ ولا تجب بالضرب، ألا ترى أنها لا تجب بالضرب بدون القتل وبعكسه تجب فكذا عند اجتماعهما يضاف الوجوب إلى القتل دون الضرب‏.‏ وأما وجوب الدية فلما روينا وإنما وجبت على العاقلة؛ لأنه خطأ من وجه على ما بينا فيكون معذورا فيتحقق التخفيف كذلك ولأنها تجب بنفس القتل فتجب على العاقلة كما في الخطإ ولهذا أوجبها عمر رضي الله عنه في ثلاث سنين ويتعلق بهذا القتل حرمان الميراث كالخطإ بل أولى؛ لأنه جزاء القتل وهو أولى بالمجازاة لوجود القصد منه إلى الفعل فحاصله أنه كالخطإ إلا في حق الإثم وصفة التغليظ في الدية على ما تبين من بعد إن شاء الله‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والخطأ وهو أن يرمي شخصا ظنه صيدا أو حربيا، فإذا هو مسلم أو عرضا فأصاب آدميا وما جرى بمجراه كالنائم إذا انقلب على رجل فقتله الكفارة والدية على العاقلة‏)‏ قوله وهو أن يرمي شخصا إلى آخره تفسير لنفس الخطإ، فإنه على نوعين خطأ في القصد وخطأ في الفعل، وقد بين النوعين بقوله وهو أن يرمي شخصا ظنه صيدا أو حربيا، فإذا هو مسلم تفسير للخطإ في القصد لا في الفعل حيث أصاب ما رمى وإنما أخطأ في القصد أي الظن حيث ظن المسلم حربيا ولا الآدمي صيدا‏.‏ وقوله أو عرضا فأصاب آدميا هذا بيان للخطإ في الفعل دون القصد فيكون معذورا أقول‏:‏ في عبارة الشارح والمصنف هنا تسامح، فإنه قال في تفسير الخطإ في القصد وهو أن يرمي شخصا يظنه صيدا إلى آخره‏.‏ وقال في تفسير الخطإ في الفعل وهو أن يرمي عرضا فيصيب آدميا ولا يخفى أن كل واحد من نوعي الخطإ غير منحصر فيما ذكره في تفسيره بل الذي ذكره في تفسير كل واحد منهما جزء من جزئياته فكان أخص منه جدا فلم يصلح؛ لأن يكون تفسيرا له فكان الظاهر أن يقال في كل واحد منهما وهو نحو أن يرمي إشارة إلى العموم كما تداركه صاحب الوقاية حيث قال‏:‏ وفي الخطإ قصدا كرميه مسلما ظنه صيدا أو حربيا فعلا كرميه عرضا فأصاب آدميا ا هـ‏.‏ ثم إن صدر الشريعة قال في شرح الوقاية الخطأ ضربان خطأ في القصد وخطأ في الفعل فالخطأ الذي في الفعل أن يقصد فعلا فيصدر منه فعل آخر كما إذا رمى الغرض فأخطأ فأصاب غيره هذا هو الخطأ في الفعل وأما الخطأ في القصد هو أن لا يكون الخطأ في الفعل وإنما يكون الخطأ في قصده، فإن قصد بهذا الفعل حربيا لكن أخطأ في ذلك القصد وهو الغرض حيث لم يكن قصده ا هـ‏.‏ ورد عليه صاحب الإصلاح والإيضاح حيث قال الخطأ في الفعل أن لا يصدر عنه الفعل الذي قصده بل فعل آخر، وليس كذلك، فإنه إذا رمى عرضا فأصابه ثم رجع عنه أو تجاوز عنه إلى ما وراءه فأصاب رجلا يتحقق الخطأ في الفعل والشرط المذكور هاهنا مفقود في الصورتين، ثم إن أخطأ من وجه آخر حيث اعتبر القصد فيه وذلك غير لازم، فإذا سقط من يده خشبة أو لبنة فقتل رجلا يتحقق الخطأ في الفعل ولا قصد فيه ا هـ‏.‏ وقول المؤلف عرضا هذا معطوف على قيد‏.‏ وظاهره أن الرمي معتبر في الخطإ في الفعل، وليس كذلك، فإنه لو سقط منه خشبة أو لبنة فقتل رجلا هذا خطأ في الفعل ولا رمي‏.‏ وقوله كنائم انقلب على رجل تفسير لما جرى مجرى الخطإ؛ لأن هذا ليس بخطإ حقيقة ولما وجد فعله حقيقة وجب عليه ما أتلفه كفعل الطفل فجعله كالخطإ؛ لأنه معذور كالمخطئ وإنما كان حكم المخطئ ما ذكره لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة إلى أهله‏}‏، وقد قضى به عمر رضي الله تعالى عنه في ثلاث سنين بمحضر من الصحابة من غير نكير فصار إجماعا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والقتل بسبب كحافر البئر وواضع الحجر في غير ملكه الدية على العاقلة لا الكفارة‏)‏ أي موجب القتل بسبب الدية على العاقلة لا الكفارة أما وجوب الدية فلأنه سبب التلف وهو متعد فيه بالحفر فجعل كالدافع الملقي فيه فتجب فيه الدية صيانة للأنفس فتكون على العاقلة؛ لأن القتل بهذا الطريق دون القتل بالخطإ فيكون معذورا فتجب على العاقلة تخفيفا عنه كما في الخطإ بل أولى لعدم القتل منه مباشرة ولهذا لا تجب الكفارة فيه، وفي الأصل لو كان على دابة فوطئ دابته إنسان فقتله، وفي الينابيع أو سقط من سطح على إنسان فقتله هذا كله قتل خطإ ومباشرة، وفي شرح الطحاوي والكفارة تحرير رقبة في حق القادر وصيام شهرين متتابعين في حق غير القادر، ولو أفطر يوما يجب الاستئناف ولا يجوز إلا بنية من الليل ولا إطعام فيه فتعتبر القدرة وقت الأداء لا وقت الوجوب ا هـ‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والكل يوجب حرمان الإرث إلا هذا‏)‏ أي كل نوع من أنواع القتل التي تقدم من عمد وشبهه وخطإ وما أجري مجراه يوجب حرمان الإرث إلا القتل بسبب، فإنه لا يوجب ذلك كما لا يوجب الكفارة، وقال الشافعي هو ملحق بالخطإ في أحكامه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وشبه العمد في النفس عمد فيما سواها‏)‏؛ لأن إتلاف ما دون النفس لا يختص بآلة دون آلة فلا يتصور فيه شبه العمد بخلاف النفس على ما بينا والذي يدلك على هذا ما روي عن أنس بن مالك‏:‏ «أن عمة الربيع لطمت جارية فكسرت ثنيتها فطلبوا إليهم العفو فأبوا والأرش فأبوا إلا القصاص واختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقصاص، فقال‏:‏ إنس بن النضر أتكسر ثنية الربيع والذي بعثك بالحق نبيا لا تكسر ثنيتها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم فعفوا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره»، ووجه دلالته على ما نحن فيه أننا علمنا أن اللطمة لو أتت على النفس لا توجب القصاص ورأيناها فيما دون النفس قد أوجبته بحكمه عليه الصلاة والسلام فثبت بذلك أن ما كان من النفس شبه عمد فهو عمد فيما دونها ولا يتصور أن يكون شبه عمد، والله أعلم‏.‏

باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه

لما فرغ من بيان أنواع القتل شرع في تفصيل ما يوجب القصاص من القتل وما لا يوجبه في باب على حدة قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏يجب القصاص بقتل كل محقون الدم على التأبيد عمدا‏)‏ لما بينا وشرط أن يكون المقتول محقون الدم على التأبيد ليدفع شبهة الإباحة عنه؛ لأن القصاص نهاية في العقوبة، فيستدعي الكمال في الجناية، فلا يجب مع الشبهة واحترز بذلك عن المستأمن، فإنه غير محقون الدم على التأبيد قال في العناية‏:‏ وفيه البحث من أوجه الأول أن العفو مندوب إليه وذلك ينافي وصف القصاص بالوجوب الثاني أن حقن الدم على التأبيد غير متصور؛ لأن غاية ما يتصور منه أن يكون للمسلم في دار الإسلام، وهو يزول بالارتداد والعياذ بالله تعالى الثالث أنه منقوض بمسلم قتل ابنه المسلم، فإنها موجودة فيه، ولا قصاص الرابع أن قيد التأبيد لثبوت المساواة، وإذا قتل المستأمن مسلما وجب القصاص ولا مساواة والجواب عن الأول أن المراد بالوجود ثبوت الاستيفاء ولا منافاة بينه وبين العفو وعن الثاني أن المراد بالحقن على التأبيد ما هو بحسب الأصل والارتداد عارض لا يعتبر ورجوع الحربي أصل لا عارض وعن الثالث بأن القصاص ثابت لكنه انقلب لشبهة الأبوة وعن الرابع بأن التفاوت إلى نقصان غير مانع عن الاستيفاء بخلاف العكس وفي الكافي القصاص واجب بقتل كل محقون الدم على التأبيد وليس بينهما شبهة الملك ولا شبهة الحرية يعني به ليس المقتول بولده ولا هو عبده ولا له عليه شيء من الرق ويقتل، فإن كان القاتل سليما والمقتول به مغمى عليه أو مبرسما أو مقطوعا أو أعمى أو مقطوع الجوارح أو أشل الجوارح أو كان صبيا أو مجنونا، فإنه يقتل به وفي العيون ضرب رجلا بسيف في غمده فخرق السيف الغمد وقتله قال أبو حنيفة لا قصاص عليه وقال محمد‏:‏ إن كان الغمد لو ضرب به وحده قتل قتل به وفي الكبرى والفتوى على قول أبي حنيفة قال محمد في الجامع الصغير‏:‏ إذا حمي التنور فألقى فيها إنسانا أو ألقاه فيما لا يستطيع الخروج منه فأحرقته النار يجب القصاص فوضع المسألة يصير إلى أن الإحماء يكفي، وإن لم يكن فيه نار قال البقالي في فتاويه‏:‏ هو الصحيح وفي البقالي إذا ألقاه في النار ثم أخرجه وبه رمق فبقي أياما مريضا من ذلك حتى مات قتل به، وإن كان يجيء ويذهب وفي الخانية فمكث أياما لم يزل صاحب فراش، وإن كان يجيء ويذهب فلا وفي الجامع الصغير أيضا وذكر شيخ الإسلام في شرح ديات الأصل إن غرق إنسانا بالماء إن كان الماء قليلا لا يقبل منه غالبا ويرجى منه النجاة في الغالب فمات من ذلك فهو خطأ العمد عندهم جميعا فأما إذا كان الماء عظيما إن كان بحيث يمكنه النجاة منه بالسباحة بأن كان غير مشدود ولا مثقل، وهو يحسن السباحة فمات، فإنه يكون خطأ العمد، وإن كان بحيث لا يمكنه النجاة فعلى قول أبي حنيفة هو خطأ العمد فلا قصاص وعلى قولهما هو عمد محض ويجب القصاص وفي الخانية ولو ألقاه في الماء فغرق من ساعته لا قصاص فيه في قول أبي حنيفة وفي قول صاحبيه يجب القصاص‏.‏

وفي المنتقى عن أبي يوسف عن أبي حنيفة رمى رجلا من سفينة في بحر أو في دجلة أو غرق كما وقع فعلى عاقلته الدية، وإن كان حين ألقاه سبح ساعة ثم غرق فلا دية فيه ولو ألقاه من سطح أو جبل أو ألقاه في بئر فعلى قول أبي حنيفة هذا خطأ العمد، وأما على قولهما إن كان موضعا يرجى منه النجاة غالبا فهو خطأ، وإن كان لا ترجى منه النجاة غالبا فهو عمد محض يجب القصاص به عندهما وفي الخلاصة لو جرح رجلا جراحة لا يتوهم معها النجاة وجرح آخر جراحة أخرى فالقاتل هو الذي جرحه جراحة لا يتوهم معها النجاة هذا إذا كانت الجراحتان متعاقبتين، فإن كانتا معا وكلاهما قاتلة يقتلان به وكذلك لو جرح رجلا جراحة لا يتوهم معها النجاة هذا إذا كانت الجراحتان متعاقبتين، فإن كانتا معا وكلاهما قاتلة يقتلان به وكذلك لو جرح رجلا جراحتين والآخر جراحة واحدة كلا منها قاتلة وإذا جرح رجلا حتى مات فعلى قول أبي حنيفة لا قصاص عليه، ولكن إن اعتاد ذلك، فالإمام يقتله حدا، وهو نظير الساحر إذا تاب، وأما على قولهما إن دام على الخنق حتى مات فعليه القصاص كما لو قتله بحجر عظيم أو خشبة عظيمة، وإن كان ترك الخنق قبل الموت ثم مات بعد ذلك، فإنه ينظر إن دام على الخنق مقدارا لا يموت الإنسان منه غالبا فلا قصاص‏.‏

وفي الظهيرية ولو قمط رجلا ثم أغلى له ماء في قدر يثخنه حتى صار كأنه نارا وألقاه في الماء فسلخ فمات قتل به، وإن كان الماء حارا لا يغلي غليا شديدا فألقاه فيه ثم مكث ساعة ثم مات وقد سقط جلده قتل به وإلا فلا، وإن هو أخرج من القدر في هذه الوجوه وقد انسلخ فمات من ساعته أو يومه أو مكث أياما يخاف عليه من ذلك قتل به، وإن عاش حتى يجيء ويذهب ومات من ذلك لم يقتل وعليه الدية، وهذا قياس قول أبي حنيفة ولو ألقاه في ماء بارد في يوم شات فمات ساعة ألقاه فعليه الدية، وكذلك لو أخذه فجعله في سطح في يوم شديد البرد فلم يزل حتى مات من البرد وكذلك لو قطه فجعله في الثلج، ولو أن رجلا قمط رجلا أو صبيا ثم وضعه في الشمس فلم يخلص حتى مات من حر الشمس فعليه الدية، ولو أن رجلا أدخل رجلا في بيت وأدخل معه سبعا وأغلق عليه الباب وأخذ الرجل السبع فقتله لم يقتل به ولا شيء عليه وكذا لو نهشته حية أو لسعته عقرب وكذا لو قمط صبيا فألقاه في الشمس أو في يوم بارد حتى مات على عاقلته الدية، ولو ضرب إنسانا ضربة لا أثر لها في نفس لا يضمن شيئا نص الإمام السرخسي‏.‏

وفي مجموع النوازل رجل صاح بآخر فجاءه فمات من صيحته تجب فيه الدية، ولو سلخ جلد وجهه ففيه الدية وإذا سقى رجلا سما فمات من ذلك فهو على ثلاثة أوجه إما أن يكون أوجره على كره أو أكرهه على شربه حتى شرب أو ناوله وشربه من غير أن يكرهه عليه، فإن أوجره إيجارا أو ناوله وأكرهه على شربه حتى شرب فلا قصاص وعلى عاقلته الدية وفي الذخيرة ذكر المسألة في الأصل مطلقا من غير خلاف ولم يفصل بين ما إذا كان مقدرا يقتل مثله غالبا أو لا يقتل، وهذا الجواب لا يشكل على قول أبي حنيفة وذلك؛ لأن القتل حصل بحال لا يخرج لا من حيث الحقيقة ولا من حيث الاعتبار فكان خطأ العمد على مذهبه، وأما على قول أبي يوسف ومحمد فمن مشايخنا من قال الجواب عندهما على التفصيل إن كان ما أوجره من السم مقدار ما يقتل مثله غالبا كان عمدا محضا، وإن كان قدرا لا يقتل مثله غالبا، فإنه يكون خطأ العمد ومن مشايخنا من قال بأنه على قولهم جميعا يكون خطأ العمد سواء كان مما يقتل مثله غالبا أو لا يقتل، وكان كمن أوجر رجلا سقمونيا لا تحتمله النفوس فمات لا يكون عمدا محضا وإذا تناوله فشرب من غير إكراه لم يكن عليه قصاص ولا دية سواء علم الشارب بكونه سما أو لم يعلم وفي الخانية لا قصاص عليه ولا دية؛ لأنه شرب باختياره إلا أن الدافع خدعه فلا يجب عليه إلا التعزير والاستغفار‏.‏

ومن دفع سكينا إلى رجل فقتل به نفسه لم يكن على الدافع شيء وفي فتاوى الخلاصة أدخل نائما أو مغمى عليه أو صبيا في بيته فسقط عليه البيت ضمن في الصبي والمعتوه دون النائم، وإن أدخل إنسانا في بيت حتى مات جوعا أو عطشا لا يضمن شيئا عند أبي حنيفة وعندهما تجب الدية وفي الكبرى إذا طين على آخر بيتا حتى مات جوعا أو عطشا لم يضمن شيئا في قول أبي حنيفة وقالا عليه الدية وفي الخانية قال محمد يعاقب الرجل وعلى عاقلته الدية وفي الظهيرية، ولو أن رجلا أخذ رجلا فقيده وحبسه حتى مات جوعا قال محمد أوجعه عقوبة والدية على عاقلته والفتوى على قول أبي حنيفة أنه لا شيء عليه وفي المنتقى سئل محمد عن رجل ألقى رجلا حيا في قبر ومات قال فيه دية وفي الذخيرة يقاد فيه؛ لأنه قتله عمدا وفي الكبرى، ولو ألقاه حيا في قبر يقتل به؛ لأنه قتله عمدا، وهذا قول محمد والفتوى أنه على عاقلته الدية وفي الظهيرية والفتوى على قول أبي حنيفة وفي المجرد روى الحسن بن زياد عن أبي حنيفة فلان قتله بحديدة أو قال بالسيف ثم قال إنما أردت غيره فأصابته درئ عنه القتل‏.‏

وفي المنتقى إذا قال الرجل قتلنا فلانا بأسيافنا متعمدين ثم قال كان معي غيري لم يصدق وقتل به، ولو قال قتلت فلانا متعمدا بحديدة فلما أخذ بذلك قال كنت يومئذ غلاما لم يصدق وقتل به، ولو قال ضربت فلانا بالسيف متعمدا ثم قال لا أدري مات منها أم لا ولكنه مات وقال الولي مات من ضربتك فالقول قول القاتل وعليه نصف الدية وفي المنتقى إذا قطع حلقوم الرجل وبقي شيء قليل من الحلقوم وفيه الروح فقتله رجل آخر فلا قود عليه؛ لأن، هذا ميت، ولو مات ابنه بعد ذلك، وهو على تلك الحالة ورثه ابنه ولم يرث هو من ابنه وفي الظهيرية رجل نائم، وهو صحيح البدن فذبحه إنسان وقال ذبحته، وهو ميت، فإنه يقتل به قياسا وفي الاستحسان تجب الدية، ولو شق بطن رجل وخرج أمعاءه كلها وسقطت على الأرض إلا أنه صحيح بعد فقتله رجل فلا قود عليه وفي الخانية رجل عدا على رجل فشق بطنه وأخرج أمعاءه ثم ضرب رجل عنقه بالسيف عمدا فالقاتل هو الذي ضرب العنق عمدا، وإن كان خطأ تجب الدية وعلى الذي شق البطن ثلث الدية، وإن كان نفذ إلى الجانب الآخر يجب ثلثا الدية؛ لأنهما حاشيتان في كل منهما ثلث الدية، هذا إذا كان مما يعيش بعد الشق يوما أو بعض يوم، فإن كان الشق بحال لا يتوهم معه وجود الحياة، ولم يبق معه إلا اضطراب الموت، فالقاتل هو الذي شق البطن فيقتص في العمد وتجب الدية في الخطأ، ولو قتل رجلا، وهو في النزع فقتل القاتل به، وإن كان يعلم أنه لا يعيش وسيأتي شيء من هذا الجنس وفي فصل متفرقات الإسبيجابي إذا شهد الشهود أنه ضربه فلم يزل صاحب فراش حتى مات، فإن كان عمدا فعليه القصاص وفي الجناية رجل جرح رجلا جراحة وآخر جراحة عمدا ثم صالح المجروح أحدهما عن الجرح وما يحدث منه على مال ثم مات منهما جميعا عليه نصف الدية لوليه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ويقتل الحر بالحر وبالعبد‏)‏ وقال الشافعي رحمه الله تعالى‏:‏ لا يقتل الحر بالعبد لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏الحر بالحر والعبد بالعبد‏}‏ فهذا يقتضي مقابلة الجنس بالجنس ومن ضرورة المقابلة أن لا يقتل الحر بالعبد؛ ولأن القصاص يقتضي المساواة ولا مساواة بينهما إذ الحر مالك والعبد مملوك والمالكية أمارة القدرة والمملوكية أمارة العجز ولنا العمومات نحو قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس‏}‏ وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏كتب عليكم القصاص في القتلى‏}‏ وقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «العمد قود» ولا يعارض بما تلي؛ لأن فيه مقابلة مقيدة وفيما تلونا مقابلة مطلقا فلا يحمل على المقيد على أن مقابلة الحر بالحر لا تنافي الحر بالعبد؛ لأنه ليس فيه إلا ذكر لبعض ما شمله العموم على موافقة حكمه وذلك لا يوجب تخصيص ما بقي ألا ترى أنه قابل الأنثى بالأنثى دليل على جريان القصاص بين الحرة والأمة وفائدة هذه المقابلة في الآية على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما كانت بين بني النضير وبني قريظة مقابلة وكان بنو قريظة أقل منهم عددا، وكان بنو النضير أشرف عندهم فتراضوا على أن العبد من بني النضير بمقابلة الحر من بني قريظة والأنثى منهم بمقابلة الذكر من بني قريظة فأنزل الله تعالى الآية ردا عليهم وبيانا على أن الجنس يقتل بجنسه على اختلاف مواضعتهم من القبيلتين جميعا فكانت اللام لتعريف العهد لا لتعريف الجنس؛ ولأنهما مستويان في العصمة إذ هي بالدين عنده وبالدار عندنا، وهي المعتبرة فيجري القصاص بينهما حسما لمادة الفساد وتحقيقا لمعنى الزجر، ولو اعتبرت المساواة في غير العصمة في النفس لما جرى القصاص بين الذكر والأنثى والقصاص يجب باعتبار أنه آدمي ولم يدخل في الملك من، هذا الوجه بل هو منفي على أصل الحرية من، هذا الوجه؛ ولهذا يقتل العبد بالعبد وكذا يقتل العبد بالحر، ولو كان مالا لما قتل وكذلك عجزه وموته وبقاء أثر كفره حكمي فلا يؤثر ذلك في سقوط العصمة ولا يؤثر شبهة، ولو أورث شبهة لما جرى القصاص بين العبيد بعضهم ببعض ووجوب القصاص في الأطراف يعتمد المساواة في الجزء المبان بعد المساواة في العصمة؛ ولهذا لا تقطع الصحيحة بالشلاء وفي النفس لا يشترط ذلك حتى يقتل الصحيح بالزمن والمفلوج ولا مساواة بين أطراف الحر والعبد إلا في العصمة فأظهرن أثر الرق فيها دون النفس لما أن العبد من حيث النفس آدمي مكلف خلق معصوما‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والمسلم بالذمي‏)‏ يعني يقتل المسلم بالذمي وقال الشافعي‏:‏ لا يقتل به لما أخرجه علي بن أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال‏:‏ «لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده» الحديث ولنا ما تلونا من كتاب الله وما روينا من السنة، فإنه بإطلاقه يتناوله وقد صح عن عبد الرحمن بن سلمة ومحمد بن المنكدر‏:‏ «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل من المسلمين قد قتل معاهدا من أهل الذمة فأمر به فضرب عنقه فقال‏:‏ إنا أولى من وافى بذمته» والقصاص يعتمد العصمة على ما بينا في العبد وقد وجدت نظرا إلى الدار وإلى التكليف؛ ولأن شرط التكليف القدرة على ما كلف به ولا يتمكن من إقامة ما كلف به إلا بدفع أسباب الهلاك عنه وذلك بأن يكون محرم التعرض ولا نسلم أن الكفر مبيح بنفسه بل بواسطة الحراب ألا ترى أن من لا يقاتل منهم لا يحل قتله كالشيخ الفاني، وقد اندفع الحراب بعقد الذمة فكان معصوما بلا شبهة؛ ولهذا يقتل الذمي بالذمي، ولو كان في عصمته خلل لما قتل الذمي بالذمي كما لا يقتل المستأمن بالمستأمن وقد قال علي رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا وذلك بأن تكون معصومة بلا شبهة كالمسلم؛ ولهذا يقطع المسلم بسرقة مال الذمي، ولو كانت في عصمته شبهة لما قطع كما لا يقطع في سرقة مال المستأمن؛ لأن المال تبع للنفس وأمر المال أهون من النفس، فلما قطع بسرقته كان أولى أن يقتل بقتله؛ لأن أمر النفس أعظم من المال‏.‏ ألا ترى أن العبد لا يقطع بسرقة مال مولاه ويقتل بقتل مولاه لما ذكرنا والذي يدلك على ما قلنا أن الذمي لو قتل ذميا ثم أسلم القاتل قبل أن يقتل قتل به فعلم أن المراد به الحربي إذ هو لا يقتل به مسلم ولا ذمي ولا يقال معناه لا يقتل ذو عهد مطلقا أي لا يحل قتله فيكون ابتداء كلام؛ لأنا نقول، هذا لا يستقيم لوجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن ذا عهد مفرد وقد عطف على جملة فيأخذ الحكم منها؛ لأن المعطوف الناقص يأخذ الحكم من المعطوف عليه التام كما يقال قام زيد وعمرو أو يقال قتل زيد بعمرو وخالد أي‏:‏ كلاهما قام أو قتل ولا يجوز أن يقدر له خبر آخر والظاهر أن المعنى يأبى ذلك؛ لأن المراد بسوق الكلام الأول نفي القتل قصاصا لا نفي مطلق القتل فكذا الثاني تحقيقا للعطف إذ لا يجوز ذلك ألبتة في المفرد ألا ترى إلى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وما يستوي الأعمى والبصير‏}‏ أن المنفي الاستواء في البصر والعمى لا في كل وصف؛ ولهذا أجري القصاص بينهما لاستوائهما في العصمة وكذا نقصان حال الكافر بكفره لا يزيل عصمته فلا عبرة به كسائر الأوصاف الناقصة كالشلل والأنوثة ولا نسلم أن كفره مبيح للقتل بل حرابه هو المبيح، وقد ذكرناه غير مرة بخلاف ما ذكر من الملك والأخت من الرضاع، فإنه مبيح للوطء، وإنما امتنع في الأخت المذكورة بعارض فأورث شبهة‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولا يقتلان بمستأمن‏)‏ أي لا يقتل المسلم ولا الذمي بحربي دخل دارنا بأمان؛ لأن دمه ليس بمحقون على التأبيد فانعدمت المساواة وكذا كفره باعث على الحراب لقصده الرجوع إلى دار الحرب ويقتل المستأمن بالمستأمن قياسا لوجود المساواة بينهما ولا يقتل استحسانا لوجود المبيح قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والرجل بالمرأة والكبير بالصغير والصحيح بالأعمى والزمن وناقص الأطراف وبالمجنون‏)‏ يعني يقتل الرجل الصحيح بهؤلاء، وهو معطوف على ما تقدم من قوله ويقتل الحر بالحر إلخ لا على ما يليه من قوله ولا يقتلان بمستأمن، وإنما جرى القصاص بينهم لوجود المساواة بينهم في العصمة والمساواة فيها هي المعتبرة في، هذا الباب، ولو اعتبرت فيما وراءها لانسد باب القصاص ولظهر الفتن‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والولد بالوالد‏)‏ لما تلونا وروينا من العمومات ولما ذكرنا من المعاني قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولا يقتل الرجل بالولد‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا يقاد الوالد بولده ولا السيد بعبده»؛ ولأن الوالد لا يقتل ولده غالبا لوفور شفقته فيكون ذلك شبهة في سقوط القصاص؛ ولأن الأب لا يستحق العقوبة بولده؛ لأنه سبب لإحيائه فمن المحال أن يكون الولد سببا لإفنائه؛ ولهذا لا يقتله إذا وجده في صف المشركين مقاتلا أو زانيا، وهو محصن، وهذا؛ لأن القصاص يستحقه الوارث بسبب انعقد للميت خلافه، ولو قتل به كان القاتل هو الابن نيابة وطولب بالفرق بين هذا وبين من زنى بابنته، وهو محصن، فإنه يرجم أجيب بأن الرجم حق الله على الخصوص بخلاف القصاص لا يقال فيجب أن يحد إذا زنى بجارية ابنه؛ لأنا نقول ثبت له حق الملك بقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «أنت ومالك لأبيك» قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والأم والجد والجدة كالأب‏)‏ سواء كان من جهة الأب أو من جهة الأم؛ لأنه جزؤهم فالنص الوارد في الأب يكون واردا فيهم دلالة فكانت الشبهة شاملة للجميع في جميع صور القتل وقال مالك رحمه الله تعالى إن قتله ضربا بالسيف فلا قصاص عليه لاحتمال أنه قصد تأديبه، وإن كان ذبحه ذبحا فعليه القصاص؛ لأنه عمد لا شبهة فيه ولا تأويل بل جناية الأب أغلظ؛ لأن فيه قطع الرحم فصار كمن زنى بابنته حيث يرجم كما لو زنى بالأجنبية والحجة عليه ما روينا وما بينا وليس هذا كالزنا ببنته؛ لأن الأب لوفور شفقته يجتنب ما يضر ولده بل يتحمل الضرر عنه حتى يسلم ولده فهذا هو العادة الفاشية بين الناس فلا يتوهم أن يقصد قتل ولده، فإن وجد ما يدل على ذلك فهو من العوارض النادرة فلا يتغير بذلك القواعد الشرعية ألا ترى أن السفر لما كان فيه المشقة غالبا كان له أن يترخص برخصة المسافرين فلا يتغير ذلك بما يتفق فيه لبعضهم من الراحة ولا كذلك الزنا‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وبعبده ومدبره ومكاتبه وبعبد ولده وبعبد ملك بعضه‏)‏ يعني لا يقتل بهؤلاء لما روينا؛ ولأنه لو وجب القصاص لوجب له كما إذا قتله غيره ولا يجوز له أن يوجب على نفسه عقوبة وكذا لا يستوجب ولده القصاص عليه لما بينا والقصاص لا يتجزأ فيسقط في البعض لأجل أنه ملك البعض فيسقط في الكل لعدم التجزؤ قال رحمه الله‏:‏ تعالى ‏(‏وإن ورث قصاصا على أبيه سقط‏)‏ لما ذكرنا أن الابن لا يستوجب العقوبة على أبيه وصورة المسألة فيما إذا قتل الأب أخ امرأته ثم ماتت امرأته قبل أن يقتص به، فإن ابنه يرث القصاص الذي لها على أبيه فسقط لما ذكرنا كما إذا قتل امرأته وليس لها ابن إلا ابنها منه فيسقط القصاص‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإنما يقتص بالسيف‏)‏ وقال الشافعي رحمه الله تعالى يقتص بمثل ما قتل إن قتله بفعل مشروع، وإن قتله بغير فعل مشروع كلواطة يتخذ له خشبة ويفعل به كما فعل ولنا ما رواه سفيان من قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا قود إلا بالسيف»، وهو نص على نفي استيفاء القود بغير السيف فكيف يلحق به دلالة ما كان سلاحا من غير السيف وهل يتصور أنه يدل كلام واحد على نفي شيء وإثباته معا والحق أن يكون المراد بالسيف في الحديث المزبور السلاح مطلقا بطريق الكتابة كما أشار إليه المصنف بقوله والمراد به السلاح وصرح به صاحب الكافي والكفاية حيث قالا ولنا قوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «لا قود إلا بالسيف» والمراد بالسيف السلاح هكذا فهمت الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقال في النهاية، فإن قيل يحتمل أن يكون المراد من الحديث لا قود يجب إلا بالسيف لا أن يكون معناه لا قود يستوفى قلنا القود اسم لفعل هو جزاء القتل دون ما يجب شرعا، وإن حمل عليه كان مجازا؛ ولأن القود قد يجب بغير السيف كالقتل بالنار والإبرة فلم يمكن حمله عليه لوجود وجوب القود بدون القتل بالسيف، وإنما السيف مخصوص بالاستيفاء ا هـ‏.‏ وما رواه كان مشروعا ثم نسخ كما نسخت المثلة أو يكون اليهودي ساعيا في الأرض بالفساد فيقتل كما يراه الإمام ليكون أردع، وهذا هو الظاهر؛ ولأن اليهودي كان أخذ المال ألا ترى إلى ما روي في الخبر عن أنس بن مالك أنه قال عدا يهودي على جارية فأخذها بما معها الحديث، وهذا شأن قطاع الطريق، وهذا يقتل بأي شاء الإمام ويؤيد، هذا المعنى ما روي‏:‏ «أنه عليه الصلاة والسلام قتل اليهودي بخلاف ما كان قتل به الجارية» والاستيفاء إما أن يكون بحكم الإرث أو الملك أو بحكم السلطنة والولاية والمستحق للقصاص والدية الورثة مثل ما يستحق ماله على فرائض الله تعالى‏.‏ يدخل في ذلك الزوج والزوجة والوارث يقوم مقام المورث في استحقاق كل ما كان له من الأملاك والحقوق إلا أن الدية تجب حقا للميت ابتداء حتى تقضى منها ديونه وتنفذ وصاياه ثم تثبت للورثة بطريق الخلافة والوراثة عند أبي حنيفة رضي الله عنه حتى لو أقام واحد من الورثة البينة على القصاص لا يملك أن يقتص وحده ولا ينفرد أحدهم بالاستيفاء إذا كانوا كبارا حتى يجتمعوا؛ لأنا لو أطلقنا للبعض الاستيفاء مع غيبة الباقين يؤدي إلى إبطال حق الباقين في الاستيفاء وكذلك ليس للسلطان استيفاؤه مع الكبير عنده خلافا لهما حجتهم أن ملك القصاص ثابت في المحل للكل بدليل أنهم يملكون الاعتياض والعفو عنه ويستوفى بحكم الملك عن الاختيار، ولو مات أحدهم يورث نصيبه وهذه فوائد الملك وثمراته وملك الصغير معصوم محترم وأثر العصمة أن لا يقدر أحد على إبطاله إلا بعوض له إذ استيفاؤه معجلا منجزا يكون منتظما دافعا للمفسدة، وهي صون القود وحفظه عن نظيره فالفوات إليها إما بجهة الغيبة أو بجهة الموت، فإن مدة الصبا مدة مديدة والموت في هذه المدة المديدة غير نادر وتغييب القاتل نفسه على وجه لا يطلع أحد عليه مخافة على نفسه غالب وليس بنادر‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏مكاتب قتل عمدا وترك وفاء ووارثه سيده فقط أو لم يترك وفاء له وارث يقتص‏)‏ أما الأول، وهو ما إذا ترك وفاء ولا وارث له سوى المال فالمذكور هنا هو قولهما وعن محمد رحمه الله تعالى لا يجب القصاص؛ لأن سبب الاستحقاق قد اختلف؛ ولأن المولى يستحقه بالولاية بأن مات حرا أو بالملك إن مات عبدا فاشتبه الحال فلا يستحق؛ لأن اختلاف السبب كاختلاف المستحق فيسقط أصلا كما إذا كان له وارث غير المولى فصار كما لو قال لغيره بعني هذه الجارية بكذا وقال المولى زوجتها منك لا يحل له وطؤها لاختلاف الحكم ولهما أن المولى هو المستحق للقصاص على التقديرين بيقين، وهو معلوم فلا يضر مجرد اختلاف السبب؛ لأن السبب لا يراد لذاته، وإنما يراد لحكمه وقد حصل بخلاف المستشهد به لاختلاف حكم السببين ولا يدري بأيهما يحكم فلا يثبت الحل بدون تعيين السبب، وأما الثاني، وهو ما إذا لم يترك وفاء له وارث غير المولى فلأنه مات رقيقا لانفساخ الكتابة بموته لا عن وفاء فظهر أنه قتل عبدا عمدا فيكون القصاص للمولى بخلاف معتق البعض إذا قتل ولم يترك وفاء له حيث لا يجب القصاص؛ لأن العتق في البعض لا يفسخ بموته عاجزا؛ ولأن الاختلاف في أنه يعتق كله أو بعضه ظاهر فأشبه المستحق فأورث ذلك شبهة كالمكاتب إذا قتل عن وفاء أقول‏:‏ فيه نظر؛ لأنه قد مر من قبل أن أصل أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله هو أن اختلاف السبب الذي لا يفضي إلى منازعة ولا إلى الاختلاف، الحكم لا يبالي به؛ ولهذا كان للمولى القصاص عندهما فيما إذا قتل المكاتب عمدا وليس له وارث سوى المال وترك وفاء فكيف يتم تعليل عدم وجوب القصاص عند أبي حنيفة في مسألة معتق البعض إذا مات عاجزا بأن المولى يستحق القصاص في بعضه بالولاية وفي بعضه بالملك فلا يثبت له الاستحقاق بسببين مختلفين ولا إفضاء إلى المنازعة على مقتضى، هذا التعليل ولا إلى الاختلاف في الحكم فمن أين لا يثبت له الاستحقاق عنده بمجرد اختلاف السبب ثم أقول‏:‏ لعل المراد بقولهم بخلاف معتق البعض إذا مات ولم يترك وفاء فأما إذا كان له وارث غير المولى يرشد إليه ذكر مخالف هذه المسألة في حيز قوله، وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار إلى آخره فحينئذ يصح تتميم ما حمله المصنف في تعليله بقوله؛ لأن العتق في البعض لا ينفسخ بالعجز بأن يقال فالمولى يستحق القصاص في البعض المملوك بالملك والوارث يستحقه في البعض المعتق بالإرث فيكون السببان راجعين إلى الشخصين فيبالي باختلافهما للإفضاء إلى المنازعة تأمل تقف‏.‏ واشتراط الوارث وقع اتفاقا، فإنه إذا لم يكن له وارث أيضا الحكم كذلك لموته رقيقا، وذكر ذلك لينبه على أنه لا فرق بين أن يكون له وارث أو لم يكن بخلاف المسألة الأولى قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن ترك وفاء ووارثا لا‏)‏ أي لا يقتص، وهذا بالإجماع، وإن اجتمع المولى والوارث لاشتباه من له الحق؛ لأنه إن مات حرا كما قال علي وابن مسعود رضي الله عنهما فالقصاص للوارث، وإن مات عبدا كما قال زيد بن ثابت رضي الله عنه فالقصاص للمولى قال ابن قاضي زاده على عبارة الهداية أقول‏:‏ أطلق الوارث هاهنا ولم يقيده بالحر وقيده في الصورة الآتية حيث قال‏:‏ وإن لم يترك وفاء وله ورثة أحرار، وكان الأولى أن يعكس الأمر، فإنه إذا كان الوارث هاهنا رقيقا فالظاهر أنه يجب القصاص للمولى عند أبي حنيفة وأبي يوسف لكون حق الاستيفاء للمولى خاصة إذ لا ولاية للأرقاء على استيفاء القصاص فلم يشتبه من له الحق هاهنا، وأما إذا كانت الورثة أرقاء في الصورة السابقة فيجب القصاص للمولى وحده في قولهم جميعا كما إذا كانت ورثته أحرارا؛ لأنه مات عبدا في تلك الصورة والتقييد بالأحرار يشعر بكون الحكم في الأرقاء خلاف ذلك على أن مفهوم المخالفة معتبر عندنا أيضا في الروايات كما صرحوا به، فإن قلت‏:‏ الرقيق لا يكون وارثا؛ لأن الرق أحد الأمور الأربعة التي تمنع عن الإرث كما تقرر في علم الفرائض فلا احتياج إلى تقييد الوارث بالحر بل لا وجه له لإشعاره بكون الرقيق أيضا وارثا قلت‏:‏ المراد بالوارث هنا من كان من شأنه أن يرث والرقيق كذلك؛ لأنه يرث عند زوال الرق لا من يرث بالفعل فيحتمل التقييد بالحرية وإلا يلزم أن لا يتم تقييد الورثة بالأحرار في الصورة الآتية أيضا مع أنها قيدت بها في الكتاب بل في أصل الجامع الصغير للإمام الرباني‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن قتل عبد الرهن لا يقتص حتى يجتمع الراهن والمرتهن‏)‏؛ لأن الراهن لا يليه لما فيه من إبطال حق المرتهن في الدين؛ لأنه لو قتل القاتل لبطل حق المرتهن في الدين لهلاك الرهن بلا بدل وليس للراهن أن يستوفي تصرفا يؤدي إلى بطلان حق الغير وذكر في العيون والجامع الصغير لفخر الإسلام أنه لا يثبت لهما القصاص، وإن اجتمعا فجعلاه كالمكاتب الذي ترك وفاء وارثا ولكن الفرق بينهما ظاهر، فإن المرتهن لا يستحق القصاص؛ لأنه لا ملك له ولا وفاء فلا يشبه من له الحق بخلاف المكاتب على ما بينا وفي العيون العبد المرهون إذا قتل عمدا، فإن اجتمعا على القصاص فلهما أن يقتصا في قول أبي حنيفة وأبي يوسف ويكون المستوفى هو الراهن وقال محمد وزفر لا قصاص وعلى القاتل القيمة وفي الينابيع روى هشام عن أبي حنيفة وأبي يوسف أنه يؤخذ من القاتل قيمته ويكون رهنا مكانه وروى ابن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة أنهما إذا اتفقا على القصاص وقيمته أقل من الدين أو مثله فلهما ذلك، وإن اختلفا فلهما قيمته وتكون رهنا مكانه ثم على قول أبي يوسف إذا اجتمعا على القصاص سقط الدين عن المرتهن في الرواية الظاهرة، وإن اجتمعا على أخذ القيمة يرجع المرتهن على الراهن بدينه كالعبد الموصى بخدمته‏.‏ ولو قال المؤلف، وإن قتل عبد فيه حقان تامان لا يقتص حتى يجتمعا لكان أولى وأخصر أما كونه أولى فلأنه يشمل العبد الموصى برقبته لإنسان وبخدمته لآخر وغيره وقولنا حقان ليفيد أنه إذا كانا مالكين فلا بد من اجتماعهما وكونه أخصر أظهر وقولنا تامان ليخرج العبد المبيع المقتول قبل القبض كما سيأتي وفي فتاوى الفضلي الموصى به إذا قتل قبل أن يقبل الموصى له الوصية فلا قصاص للوارث ولا للموصى له إن اتفقا أنه مات قبل قبول الموصى له ثم بعد ذلك ينظر إن قبل الموصى له الوصية رجع على القاتل بقيمته ولا ترجع الورثة بذلك والموصى برقبته لرجل وبخدمته لآخر إذا قتل عمدا فلا قصاص فيه إلا أن يجتمعا وفي الكبرى إن اتفقا بطل حق صاحب الخدمة ويستوفيه صاحب الرقبة، وإن لم يرض صاحب الخدمة، فإنه تجب القيمة على القاتل ويشتري بها عبدا آخر ويكون حاله مثل حال الأول وفي القدوري قال أبو يوسف العبد الممهور إذا قتل قبل قبض المرأة وبدل الخلع إذا قتل قبل قبض الزوج وبدل الصلح عن دم العمد إذا قتل في يد الغاصب عمدا، فإن شاء المالك اقتص من القاتل، وإن شاء ضمن الغاصب قيمة عبده ثم يرجع الغاصب على القاتل، وإن قتل العبد المبيع قبل القبض فالقصاص للمشتري إن أجاز البيع؛ لأنه المالك، وإن نقص فللبائع؛ لأن البيع ارتفع وظهر أنه المالك‏.‏ وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى وفي العيون وفي فتاوى الفضلي العبد المبيع إذا قتل قبل القبض عمدا يخير المشتري بين المضي والرد، فإن اختار المضي فله أن يقتص ولكن لا يكون له الاستيفاء إلا بعد نقد الثمن فقد جوزوا إجازة البيع بعد الموت هنا، ولو رد المشتري المبيع، للبائع أن يقتص في قول أبي حنيفة وإذا أدى الثمن قال أبو يوسف لا يقتص البائع، وعند محمد تجب القيمة في الوجهين لاشتباه المستحق وفي نوادر ابن سماعة عن محمد رجل قطع يد عبد رجل أو شجه رجل ثم إن المولى باعه ثم رد عليه بعيب بقضاء قاض أو وهبه المولى من إنسان ثم رجع في الهبة بقضاء أو بغيره ثم مات العبد من الجناية، فإن مولى العبد يرجع على الجاني بجميع قيمته وفي نوادر بشر عن أبي يوسف لو أن أمة قطعت يدها خطأ وباعها المولى من إنسان على أنه بالخيار وردت على المولى فماتت عنده من القطع فعلى القاطع قيمتها تامة، وإن كان القطع عمدا درأت القصاص استحسانا وفي نوادر داود بن رشيد عن محمد عبد قطع رجل يده ثم مات ثم اختلف القاطع والمولى في قيمته يوم القطع فقال القاطع كانت قيمته يوم القطع ألفي درهم فالقول قول القاطع، فإن غرم ذلك أو لم يغرم حتى تلفت اليد ومات فعلى قاطع اليد وعاقلته الدية‏.‏ وأما النفس فلا يصدق واحد منهما عليها فيغرم القاتل قيمة النفس يوم تلفت ويكون على العاقلة ألف وخمسمائة منها أرش اليد رجل فقأ عيني عبد وقطع الآخر رجله أو يده فبرئ، وكانت الجناية عنهما معا فعليهما قيمته أثلاثا ويأخذان العبد فيكون بينهما على قدر ذلك وكذلك لو كانت جراحة من اثنين معا جراحة هذا في عضو وجراحة هذا في عضو يستغرق ذلك القيمة كلها، فإنه يدفعه إليهما ويغرمان القيمة على قدر أرش جنايتهما ويكون بينهما على ذلك، وإن مات منهما والجناية خطأ فعلى كل واحد منهما أرش جراحته على حدة من قيمة عبد صحيح وما بقي من النفس عليهما نصفان، وإن علم أن إحدى الجراحتين قبل الأخرى وقد مات منهما فعلى الجارح الأول أرش جراحته من قيمته صحيحا وعلى الجارح الثاني أرش جراحته من قيمته مجروحا الجراحة الأولى وما بقي من قيمته فعليهما نصفان، وإن برئ منهما والجراحة الأخرى تستغرق القيمة والأولى تستغرق القيمة فعلى الأول أرش جراحته وعلى الثاني أرش جراحته وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف رجل حمل على عبد رجل مختوما ورجل آخر حمل عليه مختومين، وكان بغير إذن المولى فمات من ذلك كله فعلى صاحب المختوم ثلث القيمة وعلى صاحب المختومين ثلثا القيمة، وهو قول أبي حنيفة‏.‏

وفي نوادر هشام عن أبي يوسف رجل قتل رجلا فجاء رجل وادعى أنه عبده وأقام البينة وشهدوا أنه كان عبده فأعتقه، وهو حر اليوم، فإن كان له وارث قضى لوارثه بالقصاص في العمد وبالدية في الخطأ، وإن لم يكن له وارث فلمولاه قيمته في الخطأ والعمد‏.‏ وفي الذخيرة عبد مقطوع اليد جاء إنسان وقطع رجله إن قطع من هذا الجانب فعلى القاطع نقصان قيمة العبد المقطوعة يده، وإن قطعها من الجانب الآخر فعليه نصف قيمة العبد المقطوع يده وفي مختصر الكافي وعلى هذا‏:‏ البائع إذا قطع يد العبد المبيع قبل التسليم إلى المشتري فيسقط نصف الثمن، ولو كان العبد مقطوع اليد فقطع البائع يده الثانية قبل التسليم يغرم النقصان ويسقط من المشتري بقدره من الثمن حتى لو انتقض ثلث لسقط ثلث الثمن، وكذلك لو كان مكان قطع اليد فقء العين وفي الظهيرية، ولو كان العبد مقطوع اليد فقطع إنسان يده الأخرى كان على قاطع اليد الثانية نقصان قيمته مقطوع اليد‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ولأبي المعتوه القود والصلح لا العفو بقتل وليه‏)‏ يعني إذا قتل رجل قريبا للمعتوه فلولي المعتوه استيفاء القصاص وله أن يصالح؛ لأن له تمام الشفقة والرأفة وله ولاية على المعتوه فقام مقامه؛ ولأن في الصلح منفعة المعتوه قال جمهور الشراح، هذا إذا صالحا على مثل الدية أما إذا صالحا على أقل من الدية لم يجز ويجب كمال الدية ولنا فيه نظر؛ لأن لفظ محمد في الجامع الصغير مطلق حيث جوز صلح أبي المعتوه وعن دم قريبه مطلقا؛ لأنه قال وله أن يصالح من غير قيد بقدر الدية فينبغي أن يجوز الصلح على أقل من الدية عملا بإطلاقه، وإنما جاز صلحه على المال؛ لأنه أنفع للمعتوه من القصاص فإذا جاز استيفاء القصاص فالصلح أولى والنفع يحصل بالقليل والكثير‏.‏ ألا ترى أن الكرخي قال في مختصره وإذا وجب لرجل على رجل قصاص في نفس أو فيما دونها فصالح صاحب الحق من ذلك على مال، فذلك جائز قليلا كان المال أو كثيرا كان ذلك دون دية النفس أو أرش الجراحة أو أكثر إلى هنا لفظ صاحب العناية أقول‏:‏ نظره ساقط جدا، فإن لأصحاب التخريج من المشايخ صرف إطلاق كلام المجتهد إلى التقييد إذا اقتضاه الفقه كما صرحوا به وله نظائر كثيرة في مسائل الفقه والله تعالى أعلم‏.‏ أما القتل فلأن القصاص شرع للتشفي ودرك الثأر، وكل ذلك راجع إلى النفس بولايته ولاية على نفسه فيليه كالإنكاح بخلاف الأخ وأمثاله حيث لا يكون لهم استيفاء قصاص وجب للمعتوه؛ لأن الأب لوفور شفقته جعل التشفي الحاصل للابن؛ ولهذا يعد ضرر ولده ضرا على نفسه، وأما العفو فلا يصح؛ لأنه إبطال لحقه بلا عوض ولا مصلحة فلا يجوز، وكذلك إن قطعت يد المعتوه عمدا لما بينا والوصي كالأب في جميع ما ذكرنا إلا في القتل، فإنه لا يقتل؛ لأن القتل من باب الولاية على النفس حتى لا يملك تزويجه ويدخل تحت، هذا الإطلاق الصلح عن النفس واستيفاء القصاص في الطرف إذا لم يسر القود في النفس وذكر في كتاب الصلح أن الوصي لا يملك الصلح في النفس؛ لأنه فيها بمنزلة الاستيفاء، وهو لا يملك الاستيفاء وجه المذكور هنا‏.‏ وهو المذكور في الجامع الصغير أن المقصود من الصلح المال والوصي يتولى التصرف فيه كما يتولى الأب بخلاف القصاص؛ لأن القصد التشفي، وهو مختص بالأب ولا يملك العفو؛ لأن الأب لا يملكه في النفس؛ لأن المقصود متحد، وهو التشفي، وفي الاستحسان يملكه؛ لأن الأطراف يسلك فيها مسلك الأموال؛ لأنها خلقت وقاية للأنفس كالمال فكان استيفاؤه بمنزلة التصرف فيه، والقاضي بمنزلة الأب فيه في الصحيح ألا ترى أن من قتل ولا ولي له يستوفيه السلطان والقاضي بمنزلته فيه، وهذا أولى والصبي كالمعتوه لما عرف في موضعه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏والقاضي كالأب والوصي يصالح فقط والصبي كالمعتوه‏)‏ يعني أن القاضي يملك استيفاء القصاص في الصغير الذي لا ولي له، وهو قول المتأخرين من أصحابنا وذكر الناطفي أنه لا يملك والوصي يملك الصلح ولا يملك استيفاء القصاص، هذا الكلام فيما إذا كان المجني عليه مولى الصغير أو المعتوه فلو جنى صغير أو مجنون على نفس أو طرف وأراد الأب أن يصالح عن ذلك فله ذلك وقوله والوصي يصالح فقط، هذا إذا كان القصاص في النفس، وأما إذا كان في الأطراف ففي رواية الأصل ليس له ذلك، وعلى رواية الجامع الصغير له ذلك وذكر شيخ الإسلام أنه يملك ذلك على وجه الاستحسان وقوله والصبي كالمعتوه يعني ولي الصبي يملك ما قدمناه في أن ولي المعتوه يملكه وفي العيون إذا ثبت القتل عليه ثم جنى القاتل قال محمد‏:‏ في القياس يقتل وفي الاستحسان تؤخذ منه الدية‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وللكبار القود قبل كبر الصغار‏)‏ يعني إذا كان القصاص مشتركا بأن قتل رجل وله أولاد كبار وصغار فللكبار أن يقتلوا القاتل قبل أن يبلغ الصغار، وهذا عند أبي حنيفة وقالا ليس لهم ذلك حتى يبلغ الصغار؛ لأن القصاص مشترك بينهم؛ ولأن الكبار ليس لهم ولاية على الصغار حتى يستوفوا حقهم فتعين التأخير كما لو كان الكل كبارا وفيهم كبير غائب أو كان أحد الوليين غائبا في العبد المشترك بخلاف ما إذا عفا الكبير حيث صح عفوه، وإن بطل حق الصغير في القصاص، فإنه بطل بعوض فجعل كلا بطلان ولأبي حنيفة ما روى أن عبد الرحمن بن ملجم حين قتل عليا قتل به، وكان في أولاد علي صغار، وكان بمحضر من الصحابة من غير نكير فحل محل الإجماع؛ ولهذا لو استوفى بعض الأولياء القتل بنفسه لا يضمن شيئا، ولو لم يكن له ذلك لضمن كما لو قتل من وجب عليه القصاص أجنبي فافترقا وبخلاف ما إذا كان بين الموليين وأحدهما صغير؛ لأن سبب الملك أو الولاء، وهو غير متكامل وفي مسألتنا القرابة، وهي متكاملة قال الشارح؛ ولأنه حق لا يتجزأ؛ لأن سببه، وهي القرابة لا تتجزأ أقول‏:‏ في تمام الاستدلال بعدم تجزؤ سبب القصاص، وهو القرابة على عدم تجزؤ القصاص نفسه فيه خفاء؛ لأن العقل لا يجد محذورا في كون السبب بسيطا والمسبب مركبا كيف والظاهر أن القرابة التي لا تتجزأ كما أنها سبب لاستحقاق القصاص في القتل العمد كذلك هي سبب أيضا لاستحقاق الدية في القتل الخطأ مع أنه لا شك أن الدية تتجزأ؛ لأنها مال، والمال يتجزأ بلا ريب، فالأظهر في بيان كون القصاص حقا لا يتجزأ ما ذكر في الكافي ومعراج الدراية تقرير دليل الإمامين، وهو أن القتل غير متجزئ ثم إن بعض الفضلاء طعن في قولهم هاهنا إن سبب القصاص هو القرابة حيث قال كيف يكون سببه القرابة، وهو يثبت للزوج والزوجة ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ نعم السبب للزوج والزوجة هو الزوجية وفي العتق والمعتقة هو الولاء دون القرابة إلا أن الظاهر أن قولهم هاهنا، وهو القرابة إما بناء على التغليب ليكون أولياء القتل في الأكثر قرابة، وإما بناء على أنهم أرادوا بالقرابة هاهنا الاتصال الموجب للإرث دون حقيقة القرابة فيعم الكل وقيدنا محل الخلاف بكون القصاص بين الأخوين فلو كان بين الأب والأولاد الصغار أو بيت الجد والأولاد الصغار فللأب والجد أن يستوفي القصاص بالإجماع وفي الجامع هذه المسألة على وجهين إما أن يكون القتل عمدا أو خطأ، فإن كان خطأ، فإن كان الشريك الكبير أبا الصغير كان له أن يستوفي جميع الدية حصة نفسه بحكم الملك وحصة الصغير بحكم الولاية، وإن كان الشريك الكبير أخا أو عما ولم يك وصيا للصغير يستوفي حصة نفسه ولا يستوفي حصة الصغير، وإن كان القتل عمدا إن كان الشريك الكبير أبا كان له أن يستوفي القصاص بالإجماع، وإن كان الشريك الكبير أجنبيا بأن قتل عبد، وهو مشترك بين أجنبيين أحدهما صغير والآخر كبير ليس للأجنبي أن يستوفي القصاص بالإجماع وفي المنتقى إلا أن يكون الصغير ابنا فيستوفى حينئذ، وإن كان الشريك الكبير أخا أو عما فعلى قول أبي حنيفة له أن يستوفي القصاص قبل بلوغ الصغير وعلى قولهما ليس له ذلك حتى يبلغ الصغير، وعلى، هذا الاختلاف إذا كان الشريك الكبير معتوها أو مجنونا والكبير أخو المعتوه أو عمه وأراد السلطان أن يستوفي حصة الصغير مع الكبير لا شك أن على قول أبي حنيفة له ذلك، وأما على قولهما ليس له ذلك وأجمعوا على أن القصاص إذا كان كله للصغير ليس للأخ الكبير ولاية الاستيفاء والعبد المشترك بين صغير وكبير إذا قتل عمدا حتى وجب القصاص فأراد الكبير أن يستوفي القصاص بعض مشايخنا قال إنه على الخلاف وبعضهم قال لا يستوفيه الكبير بالإجماع رجل له عبدان قتل أحدهما الآخر عمدا فللولي أن يستوفي القصاص من القاتل ذكره محمد في آخر إعتاق الأصل في باب جناية الرقيق قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن قتله بمر يقتص إن أصابه الحديد وإلا لا كالخنق والتغريق‏)‏، هذا إذا أصابه بحد الحديد من غير خلاف، وإن أصابه بظهرها أو بالعود لا كالخنق والتغريق فهو على الخلاف الذي ذكرناه في أول الباب والمر عود في طرفها حديدة قال العيني المر بفتح الميم وتشديد الراء، وهو خشبة طويلة في رأسها حديدة عريضة من فوقها خشبة عريضة يضع الرجل رجله عليها ويحفر بها الأرض وبالفارسية تسمى بيل‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن جرح رجلا عمدا فصار ذا فراش حتى مات يقتص‏)‏ يعني إذا جرح إنسان آخر فصار المجروح صاحب فراش حتى مات، فإنه يقتص من الجارح؛ لأن الجرح سبب ظاهر لموته فيحال الموت عليه ما لم يوجد ما يقطعه كحز الرقبة أو البرء منه قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن مات بفعل نفسه وزيد وأسد وحية ضمن زيد نصف الدية‏)‏؛ لأن فعل الأسد والحية جنس واحد لكونه هدرا في الدنيا والآخرة وفعله بنفسه جنس آخر لكونه هدرا في الدنيا معتبرا في الآخرة حتى يأثم به وفعل زيد معتبر في الدنيا والآخرة فصارت ثلاثة أجناس هدر مطلقا ومعتبر مطلقا ومعتبر من وجه دون وجه، وهو فعله بنفسه فيكون الثابت فعلا واحدا فيجب على زيد ثلث الدية ثم إن كان فعل زيد عمدا تجب عليه الدية في ماله وإلا فعلى العاقلة لما عرف في موضعه، وفي المبسوط وغيره المشاركة في القتل لا يخلو إما أن يشارك القاتل من لا يكون فعله مضمونا أو يشاركه من يكون فعله مضمونا، فإن شاركه من لا يكون فعله مضمونا كالسبع والبهيمة والحربي والمرتد أو جرح إنسان نفسه ثم جرحه آخر أو قطع الإمام يد السارق في سرقة ثم قطع آخر يده أو جرحه ومات فلا قصاص على القاتل بالإجماع، وإن شاركه من يكون فعله مضمونا كالخاطئ والصبي والمجنون فلا قصاص على واحد منهما، ولو كان مكان العمد خطأ تجب دية واحدة، ولو جرحه رجلان عامدا ثم مات أحد الجارحين ثم مات المجروح أو رمى رجلان إلى آخر فمات أحدهما ثم أصاب السهمان فمات من ذلك هل يجب القصاص على الحي قال بعضهم يجب؛ لأن فعل كل واحد منهما موجب وقال بعضهم‏:‏ لا يجب؛ لأن فعل أحدهما إنما ينعقد موجبا بعد الإصابة فلا ينعقد أحدهما موجبا بانفراده‏.‏ رجلان قتلا رجلا أحدهما بالسيف، والآخر بالعصابة يقضى بالدية على عاقلة صاحب العصا والقصاص على صاحب السيف وفي المبسوط أصله أن النفس متى تلفت بجنايات ووجب المال، فإنه ينظر إن تلفت بجنايات بني آدم فالعبرة فيها بعدد الجاني ولا عبرة بعدد الجنايات في حق الضمان حتى لو جرح واحد عشر جراحات خطأ وجرحه آخر واحدة خطأ فالدية عليهما نصفان؛ لأن فعل الإنسان في نفسه معتبر؛ لأنه لا ينقلب عن حكمه في الدنيا، وهو القصاص والدية أو الإثم في الآخرة فاعتبر عدد الجاني لا عدد الجنايات؛ لأن كل جناية تصلح أن تكون سبب الموت لو انفردت والعلة لا تترجح بالزيادة من جنسها فاعتبر الكل جناية واحدة وإذا تلفت بجنايات البهائم وبجنايات بني آدم فلا عبرة بعدد الجنايات؛ لأن فعل البهائم هدر أصلا؛ لأنه لا يناط به حكم ما فاعتبر جنايات البهائم كلها كجناية واحدة؛ لأن حكم الكل واحد، وهو الهدر، هذا كرجل به جروح ودماميل قاتلة فجرحه رجل آخر فمات من الكل يضمن الجارح نصف الدية ويرفع النصف ويسقط عنه اعتبار عدد الدماميل؛ لأنها مهدرة، ولو قطع رجل يده ولصاحبه فشجه وعقره كلب فكسر رجله وافترسه سبع فعلى القاطع نصف الدية؛ لأن النفس تلفت بجنايات أربع واحدة فصار كأنها تلفت بجنايتين إحداهما معتبرة والأخرى مهدرة‏.‏ ولو قطع يده رجل وجرحه آخر وجرح هو أيضا نفسه وافترسه سبع ضمن القاطع ربع الدية والجارح ربعها؛ لأن النفس تلفت بجنايات أربعة ثنتان منها من بني آدم وهما معتبرتان وواحدة من غير بني آدم، وهي مهدرة فقد تلفت بجناية كل واحد من الأجنبيين ربعه وقد سبق بيانه‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن أشهر على المسلمين سيفا وجب قتله‏)‏ ولا شيء بقتله لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «من شهر على المسلمين سيفا فقد أبطل دمه»؛ ولأن دفع الضرر واجب فوجب عليهم قتله إذا لم يكن دفعه إلا به ولا يجب على القاتل شيء؛ لأنه صار باغيا بذلك وكذا إذا أشهر على رجل سلاحا فقتله أو قتله غيره دفعا عنه فلا يجب بقتله شيء لما بينا ولا يختلف بين أن يكون بالليل أو بالنهار في المصر أو خارج المصر؛ لأنه لا يلحقه الغوث بالليل ولا في خارج المصر، فكان له دفعه بالقتل بخلاف ما إذا كان في المصر نهارا وفي النوادر يغسل ويصلى عليه وعن الثاني يغسل ولا يصلى عليه قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن شهر على رجل سلاحا ليلا أو نهارا في المصر أو غيره أو شهر عليه عصا ليلا أو نهارا في غيره فقتله المشهور عليه فلا شيء عليه‏)‏ لما بينا من المنقول والمعقول قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن شهر عصا نهارا في مصر فقتله المشهور عليه قتل به‏)‏؛ لأن العصا خفيفة والغوث غير منقطع في المصر فكان بالقتل معتديا، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى ظاهر؛ لأنه ليس كالسلاح عنده وقيل عندهما يحتمل أن يكون على الخلاف المذكور في العمد؛ لأنه كالسلاح عندهما حتى يجب القصاص بالقتل به، وقد بيناه وقيل، هذا في الزمان المتقدم أما اليوم إذا شهر عليه العصا في مصر وقتله لا شيء عليه؛ لأن الناس تركوا الإغاثة والغوث‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏وإن شهر المجنون على غيره سلاحا فقتله المشهور عليه عمدا تجب الدية‏)‏ وعلى هذا، الصبي والدابة وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى لا تجب الدية في الصبي والمجنون وقال الشافعي رحمه الله تعالى لا يجب الضمان في الكل؛ لأنه قتله دافعا عن نفسه فصار كالبالغ العاقل، وهذا؛ لأنه يصير محمولا على قتله بفعله كأن قال له اقتلني وإلا قتلتك وكون الدابة مملوكة للغير لا تأثير له في وجوب الضمان كالعبد إذا شهر سيفا على رجل فقتله، فإنه لا يجب الضمان فكذا، هذا فصار كالعبد إذا صال على الحر فقتله ولأبي يوسف إن فعل الصبي والمجنون معتبر أصلا حتى لا يعتبر في حق وجوب الضمان؛ لأن جناية العجماء جبار وكذا عصمتها لحقها وعصمة الدابة لحق المالك فكان فعلهما مسقطا لحقهما لعصمتهما فلا يضمنان ويضمن الدابة بخلاف الصيد إذا صال على المحرم أو صيد الحرم على الحلال؛ لأن الشارع أذن في قتله ولم يوجب علينا تحمل أذاه ألا ترى أن الخمس الفواسق أباح قتلها مطلقا لتوهم الأذى منها فما ظنك إذا تحقق الأذى ومالك الدابة لم يأذن فيجب الضمان وكذا عصمة عبد الغير لحق نفسه وفعله محظور فتسقط به عصمته ولنا أن الفعل من هذه الأشياء غير متصف بالحرمة فلم يقع بغيا فلا تسقط العصمة به لعدم الاختيار الصحيح؛ ولهذا يجب القصاص على الصبي والمجنون بقتلهما، فإذا لم تسقط كان قضيته أن يجب القصاص؛ لأنه قتل نفسا معصومة إلا أنه لا يجب القصاص لوجود المبيح، وهو دفع الشر فتجب الدية قال رحمه الله‏:‏ تعالى ‏(‏ولو ضربه الشاهر فانصرف فقتله الآخر قتل القاتل‏)‏ معناه إذا شهر رجل على رجل سلاحا فضربه الشاهر فانصرف ثم إن المضروب، وهو المشهور عليه ضرب الضارب، وهو الشاهر فقتله فعليه القصاص؛ لأن الشاهر لما انصرف بعد الضرب عاد معصوما مثل ما كان؛ لأن حل دمه كان باعتبار شهره وضربه، فإذا رجع على وجه لا يريد ضربه ثانيا اندفع شره فلا حاجة إلى قتله لارتفاع شره بدونه فعادت عصمته، فإذا قتله بعد ذلك، فقد قتل رجلا معصوما ظلما فيجب عليه القصاص‏.‏

قال رحمه الله‏:‏ ‏(‏ومن دخل عليه غيره ليلا فأخرج السرقة فاتبعه فقتله فلا شيء عليه‏)‏ لقوله عليه الصلاة والسلام‏:‏ «قاتل دون مالك» أي لأجل مالك؛ ولأن له أن يمنعه بالقتل ابتداء فكذا له أن يسترد به انتهاء إذا لم يقدر على أخذه منه، ولو علم أنه لو صاح عليه يطرح ماله فقتله مع ذلك يجب عليه القصاص؛ لأن قتله بغير حق، وهو بمنزلة المغصوب منه إذا قتل الغاصب حيث يجب عليه القصاص؛ لأنه يقدر على دفعه بالاستعانة بالمسلمين والقاضي فلا تسقط عصمته بخلاف السارق، والذي لا يندفع بالصياح والله تعالى أعلم‏.‏