فصل: فصل في صلح الورثة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البحر الرائق شرح كنز الدقائق ***


كتاب الصلح

‏(‏هو عقد يرفع النزاع‏)‏ وسببه سبب المعاملات تعلق المقدور بتعاطيه وركنه الإيجاب والقبول الموضوعان له وشرطه كون المصالح عليه معلوما إن كان يحتاج إلى قبضه والمصالح عنه حقا يجوز الاعتياض عنه ولو غير مال كالقصاص معلوما كان أو مجهولا لا ما لا يجوز الاعتياض عنه كحق الشفعة وحد القذف والكفالة بالنفس، وطلب الصلح كاف عن القبول من المدعى عليه إن كان المدعى به مما لا يتعين بالتعيين وإن كان مما يتعين فلا بد من قبول المدعى عليه ويشترط شرائط ذلك العقد الملحق به من بيع وإجارة وحكمه في جانب المصالح عليه وقوع الملك فيه للمدعي سواء كان المدعى عليه مقرا أو منكرا وفي المصالح عنه وقوع الملك فيه للمدعى عليه إن كان مما يحتمل التمليك كالمال وكان المدعى عليه مقرا به وإن كان مما لا يحتمل التمليك كالقصاص، ووقوع البراءة كما إذا كان منكرا مطلقا والجهالة فيه إن كانت تفضي إلى المنازعة كوقوعها فيما يحتاج إلى التسليم منعت صحته وإلا لا فبطل إن كان المصالح عليه أو عنه مجهولا يحتاج إلى التسليم كصلحه بعد دعواه مجهولا على أن يدفع له مالا ولم يسمه‏.‏

‏(‏وهو جائز بإقرار وسكوت وإنكار‏)‏ فلو أنكر ثم صالح ثم أقر لا يلزمه ما أقر به وكذا لو أقام بينة بعد صلحه لا تقبل ولو أقام بينة على إقرار المدعي أنه لا حق له قبله قبل الصلح أو قبل القبض، والصلح بعد الحلف لا يصح كالصلح مع المودع بعد دعوى الاستهلاك وصلح الأب عن مال الصبي جائز كيفما كان إن لم يكن له بينة وإلا لا قوله ‏(‏فإن وقع عن مال بمال بإقرار اعتبر بيعا‏)‏ إن كان على خلاف الجنس إلا في مسألتين الأولى إذا صالح من الدين على عبد وصاحبه مقر بالدين وقبض العبد ليس له المرابحة من غير بيان، الثانية إذا تصادقا على أن لا دين بطل الصلح كما لو استوفى عين حقه ثم تصادقا أن لا دين فلو تصادقا على أن لا دين لا يبطل الشراء وإن وقع على جنسه فإن كان بأقل من المدعى فهو حط وإبراء وإن كان بمثله فهو قبض واستيفاء وإن كان بأكثر فهو ربا وإذا اعتبر بيعا ثبتت أحكامه ‏(‏فيثبت به الشفعة والرد بالعيب وخيار الرؤية ويفسده جهالة الأجل والبدل‏)‏ إن كان مما يحتاج إلى التسليم‏.‏ ‏(‏وإن استحق بعض المصالح عنه أو كله رجع المدعي بحصة ذلك من العوض أو كله ولو استحق المصالح عليه أو بعضه رجع بكل المصالح عنه أو ببعضه وإن وقع عن مال بمنفعة اعتبر إجارة‏)‏ فثبت أحكامها ‏(‏فيشترط التوقيت‏)‏ فيما يحتاج إليه كخدمة العبد وسكنى الدار بخلاف صبغ الثوب وركوب الدابة وحمل الطعام فالشرط بيان تلك المنفعة ‏(‏وتبطل بموت أحدهما‏)‏ إن عقدها لنفسه وكذا بفوات المحل قبل الاستيفاء ولو كان بعد استيفاء البعض بطل فيما بقي ويرجع بالمدعى بقدره ولو كان الصلح على خدمة عبد فقتل إن كان القاتل المولى بطل وإلا ضمن قيمته واشترى بها عبدا يخدمه إن شاء كالموصى بخدمته بخلاف المرهون حيث يضمن المولى بالإتلاف والعتق وإنما يعتبر إجارة إذا وقع على خلاف المدعى به فإن ادعى دارا فصالحه على سكناها شهرا فهو استيفاء لبعض حقه لا إجارة فتصح إجارته للمدعى عليه‏.‏

‏(‏والصلح عن سكوت وإنكار فداء في حق المنكر ومعاوضة في حق المدعي‏)‏ فبطل الصلح على دراهم بعد دعوى دراهم إذا تفرقا قبل القبض ‏(‏فلا شفعة إن صالحا عن داريهما ويجب لو صالحا على داريهما‏)‏ ولا يحل للمدعي ما أخذه إن كان كاذبا ولا يبرأ المدعى عليه كذلك مما عليه وإن برئ قضاء إلا إذا أبرأه المدعي عما بقي ‏(‏ولو استحق المتنازع فيه رجع المدعي بالخصومة‏)‏ مع المستحق ‏(‏ورد البدل ولو بعضه فبقدره ولو استحق المصالح عليه أو بعضه رجع إلى الدعوى في كله أو بعضه‏)‏ إلا إذا كان مما لا يتعين بالتعيين وهو من جنس المدعى به فحينئذ يرجع بمثل ما استحق ولا يبطل الصلح كما إذا ادعى ألفا فصالحه على مائة وقبضها فإنه يرجع عليه بمائة عند استحقاقها سواء كان الصلح بعد الإقرار أو قبله كما لو وجدها ستوقة أو نبهرجة بخلاف ما إذا كان من غير الجنس كالدنانير هنا إذا استحقت بعد الافتراق فإن الصلح يبطل وإن كان قبله رجع بمثلها ولا يبطل الصلح كالفلوس ‏(‏وهلاك بدل الصلح قبل التسليم كاستحقاقه في فصل الإقرار وفصل الإنكار والسكوت‏)‏ وإن ادعى حقا في دار مجهولا فصولح على شيء ثم استحق بعض الدار لم يرد شيئا من العوض وإن ادعى دارا فصالحه على قطعة منها لم يصح حتى يزيد درهما في بدل الصلح أو يلحق به ذكر البراءة عن دعوى الباقي والله أعلم‏.‏

فصل ‏[‏جواز الصلح عن دعوى المال‏]‏

‏(‏الصلح جائز عن دعوى المال‏)‏ مطلقا ‏(‏والمنفعة‏)‏ كصلح المستأجر مع المؤجر عند إنكاره الإجارة أو مقدار المدة المدعى بها أو الأجرة وكذا الورثة إذا صالحوا الموصى له بالخدمة على مال مطلقا أو المنافع إن اختلف جنسها فإنه يجوز لا إن اتحد وإن صالحوه على ثوب فوجد به عيبا كان له رده والرجوع بالموصى به وليس له بيع المصالح عليه قبل قبضه وله الاستبدال به قبل قبضه إن كان مما لا يتعين بالتعيين ولو اشترى الوارث منه الخدمة لم يجز ولو قال أعطيتك هذه الدراهم مكان خدمتك أو عوضا عنها أو بدلا أو على أن تتركها جاز صلحا كقوله أهب لك هذه الدراهم على أن تهب لي خدمتك بشرط قبض الدراهم ولو كان الوارث اثنين فصالحه أحدهما على عشرة دراهم على أن جعل له خدمة هذا الخادم خاصة دون شريكه لم يجز‏.‏ ولو باع الورثة العبد فأجاز صاحب الخدمة البيع بطلت خدمته ولم يكن له في الثمن حق كدفعه بجناية بخلاف المرتهن إذا أجاز بيع الراهن كان الثمن رهنا ولو قتل العبد وأخذوا قيمته كان عليهم أن يشتروا بها عبدا للخدمة وصلحهم معه على شيء قبل الشراء جائز كصلحهم بعدما قطعت إحدى يديه وأخذ أرشها ولو كان الموصى به غلة العبد فصولح على دراهم جاز وإن كانت غلته أكثر وصلح أحدهم على أن الغلة له غير جائز وإن كانت الوصية له بغلة مدة معينة وله هنا الإجارة بخلاف الموصى له بالسكنى والخدمة وصلحهم مع الموصى له بغلة نخلة بعدما خرجت جائز بشرط القبض إن كان إحدى علتي الربا موجودة ويحرم الفضل إن وجد العلتان وصلحهم هنا معه على غلة نخلة أخرى أو غلة عبده مدة معلومة غير جائز وصلحهم مع الموصى له بما في بطن أمته الحامل على دراهم معلومة جائز بخلاف بيعه وصلح أحدهم على أن يكون له خاصة وإذا ولدت ميتا هنا بطل الصلح بخلاف ما لو ضرب إنسان بطنها فألقت جنينا ميتا والأرش لهم ومضي أكثر مدة الحمل قبل وضعها مبطل للصلح كصلح الأجنبي على أن يكون له والصلح في كل جناية فيها قصاص على ما قل من المال أو كثر جائز‏.‏ ولو صالحه من الجراح أو الجراحة أو الضربة أو القطع أو الشجة أو اليد على شيء ثم برئ فهو جائز وإن مات بطل وعليه الدية في ماله وإن كان الجرح خطأ فعلى عاقلته إلا إذا صالحه عنه وما يحدث منه فهو ماض عاش أو مات وصلح المريض المجروح عن العمد نافذ مطلقا وعن الخطأ من الثلث إن كان فيه حط وصلحه عن أصبع قطعه عمدا أو خطأ على شيء لا يوجب براءته عن أصبع أخرى شلت كصلحه عن موضحة فصارت منقلة فإنه يجب أرشها وهو عشر ونصف من الدية وصلح أحد الورثة من حصته مع القاتل عمدا على شيء صحيح ولا شيء للبقية منه وكل ما يصلح أن يكون صداقا في النكاح يصلح أن يكون عوضا في الصلح عن القصاص وله التصرف في بدله قبل قبضه وتجب قيمته لو هلك كما لو استحق ولا يبطل الصلح ويرده بالعيب الفاحش ويرجع بقيمته لا باليسير كالصداق ولو ظهر البدل حرا وجب على القاتل الدية في ماله كوجوب مهر المثل في الصداق ولو اختلفا في البدل فالقول للقاتل مع يمينه بخلاف الصداق يرجع فيه إلى مهر المثل ونظير الأول الخلع وصلح أحد الورثة مع القاتل خطأ يوجب شركة البقية معه إن شاءوا إلا أن يشاء المصالح أن يعطيهم ما خصهم من الأرش كالدين المشترك ولو صالحه من الخطأ على عوض بغير عينه لم يجز وكذا المكيل والموزون‏.‏ وهلاك بدل الصلح هنا قبل قبضه أو استحقاقه موجب نسخه وله رده بالعيب ولو يسيرا وليس له التصرف فيه قبل قبضه كالبيع وصلحه عن دم العمد على منفعة كالسكنى والخدمة لمدة معلومة جائز كالصداق بخلاف ما في بطن أمته أو غلة نخلة ولو لمدة معلومة بخلاف الخلع عليه فإنه صحيح وتجب الدية إذا فسدت التسمية لا القود بخلاف على خمر أو خنزير لا يجب شيء والصلح عن القود على عفو عن القود صحيح ولا يصلح العفو عنه أن يكون صداقا فالكلية المتقدمة غير منعكسة وللأب أن يصالح عن دم عمد واجب لابنه الصغير أو المعتوه على الدية ولا يجوز حطه منها ولو يسيرا بخلاف البيع بالغبن اليسير وكذلك الوصي فيما دون النفس له الصلح كالاستيفاء وليس له الأمران في النفس والإمام كالأب لا الوصي وصلح المولى عن عبده القاتل عمدا مع أحد الورثة على دفع نفس العبد يوجب شركة البقية أو الفداء وصلحه عن أمته القاتلة خطأ مع أحدهم على دفع ولدها الحادث اختيار من المولى للفداء فترجع البقية عليه بحصتهم من الدية وصلحه مع القاطعة يده عمدا على أن يتزوجها صحيح إن لم يمت منها فإن مات بطل وعليها الدية في مالها ولها مهر المثل وإن خطأ فعلى عاقلتها ولا ترث منه وصلحها مع زوجها الجارح لها عمدا على أن يخلعها صحيح إلا إذا ماتت فعليه الدية ولا شيء له من مهر المثل وعلى أن يطلقها كذا والطلاق رجعي وصلح المكاتب القاتل عمدا على شيء صحيح إن لم يرد في الرق وإن رد بطل المال عنه إلا إذا أعتق ولو كان به كفيل أخذ للحال ولو كان للمقتول وليان فصالح المكاتب أحدهما ثم عجز تأخر نصيب المصالح إلى عتقه ولغيره مطالبة المولى بالدفع بحصته أو بالفداء وصلح المأذون القاتل عمدا عن نفسه غير صحيح وعن عبده صحيح وسقط القود في الكل وتأخر في الأول إلى ما بعد العتق‏.‏

‏(‏والصلح عن الحدود لا يصح‏)‏ ولو عن حد القذف ولو عن الإبراء عنه بخلاف صلحه بعد دعوى السرقة عليه على أن أبرأه عنها فإنه صحيح وعلى أن يقر له بها فأقر فإن كانت العين قائمة تتعين بالتعيين فالصلح جائز وإن كانت مستهلكة أو دراهم لا تتعين فباطل إن كان المسروق دراهم وإن اختلف الجنس فصحيح ولو في حالة الاستهلاك وصلحه بعد دعواها أن هذا ولده لتتركها باطل كصلح رجل مع من تعدى على طريق العامة كبناء ظلة إلا إذا كان إماما بخلاف الطريق الخاص ولا يسقط به حق الباقين إلا برضاهم‏.‏

‏(‏وجاز الصلح عن دعوى النكاح‏)‏ سواء كان هو المدعي أو هي ولو صالحها على أن تقر به جاز ويجب المال ويكون ابتداء نكاح فيحتاج إلى الشهود ‏(‏و‏)‏ صح عن دعوى ‏(‏الرق وكان‏)‏ في حق المدعي ‏(‏عتقا على مال‏)‏ وفي حق الآخر دفعا للخصومة فصح على جوازه في الذمة إلى أجل كالكتابة ولا ولاء للمدعي إلا أن يقيم بينة بعده فتقبل في ثبوت الولاء لا في كونه رقيقا وكذا في كل موضع أقام بينة بعد الصلح لا يستحق المدعى به كما قدمناه وتصح الكفالة ببدل الصلح هنا بخلافها ببدل الكتابة ولو أقامت بينة بعد صلحها معه على أنه أعتقها قبل الصلح أو أنها حرة الأصل رجعت عليه بما أخذه ولو أقامتها أن فلانا أعتقها قبله لا تقبل ولا يصح الصلح عن دعوى العتق من العبد على المولى ويصح لو دفع العبد للمولى على إمضاء العتق كما تقدم وتقبل بينة العبد بعده على العتق والأمة كالعبد وإذا ادعى المكاتب أن مولاه أعتقه قبل الأداء فصالحه على حط النصف من بدل الكتابة ثم أقام بينة أنه كان أعتقه قبل ذلك فالصلح باطل والصلح عن المغصوب الهالك على أكثر من قيمته قبل القضاء بالقيمة جائز فلا تقبل بينة الغاصب بعده على أن قيمته أقل مما صالح عليه ولا رجوع للغاصب لو تصادقا بعده على أنها أقل‏.‏ ‏(‏ولو أعتق موسر عبدا مشتركا فصالح الشريك على أكثر من نصف قيمته لا‏)‏ يجوز كالصلح في الأول بعد القضاء بالقيمة، وصلح رب العين مع الغاصب بعد استهلاك آخر على أقل من القيمة صحيح وللغاصب الرجوع على المستهلك بجميع القيمة ويتصدق بالفضل وللمالك صلح المستهلك على الأقل ولا يتصدق بشيء وصح تأجيل بدل المغصوب المصالح عليه بعد إباقه إذا كان مما لا يتعين إلا إذا كان مكيلا أو موزونا موصوفا مؤجلا فهو فاسد كما لو لم يكن مؤجلا وفارقه قبل التعيين وإن كان بعينه لم يبطل بالافتراق قبل القبض وإن كان المصالح عنه المغصوب قائما جاز تأجيل بدله مطلقا وكان بيعا ولو ادعى الغاصب عدم إباقه وأنه في بيته والمولى إباقه ثم صالحه على طعام مؤجل جاز عملا بقول الغاصب لكون العوض مستحقا عليه ولدعواه الصحة كشرائه عبدا أقر بحريته نظرا إلى زعم البائع وقبول قوله في مقداره ولو كان المغصوب مكيلا قائما فالصلح على موزون مؤجل صحيح وعلى مكيل نسيئة لا وإن كان مستهلكا لا يجوز نسيئة مطلقا إلا على طعام مثله فيجوز ولو مؤجلا مطلقا إلا على أكثر منه فلا ولو حالا‏.‏ ولو غصب مكيلا أو موزونا ولو مما لا يتعين فصالحه منه على نصفه أو نصف مثله والمغصوب قائم جاز إن كان المغصوب غائبا كهلاكه ويجب على الغاصب رد الباقي على المغصوب منه وإن كان حاضرا وهو مقر به فصالحه على نصفه بشرط البراءة من الباقي لا يجوز ويلزمه دفع الكل لأن المغصوب القائم بعد الإبراء منه يكون أمانة ولا يكون ملكا للغاصب وإن كان عرضا كعبد وثوب فصالحه على نصفه وهو غائب لا يجوز مقرا كان الغاصب أو منكرا وأحد الشريكين في العرض إذا صالح الغاصب له من نصيبه على دراهم أو دنانير بعد استهلاكه شركه فيه الآخر كالدين المشترك وعلى عرض خير القابض إن شاء أعطاه نصفه أو ربع قيمة العرض بخلاف ما لو اشترى بنصيبه ثوبا فإنه يخير بين دفع نصيبه أو دفع نصف القيمة لكونه مبنيا على الاستقصاء والصلح على المماكسة وإن كان قائما حاضرا أو غائبا لا يشاركه الآخر كما لو باع أحدهما حصته ولا يكون الغاصب مقرا بهذا الصلح للمصالح معه فلا يكون مقرا للشريك بالطريق الأولى وإن كان المغصوب مكيلا أو موزونا فصالحه أحدهما على غير جنسه وهو غائب شاركه الآخر كالمستهلك وإن كان حاضرا مقرا به لا أو منكرا لا ولو ادعيا أن هذه الدار ميراث أبيهما فصالح رب الدار أحدهما لم يشاركه الآخر سواء كان المصالح منكرا أو مقرا‏.‏

‏(‏ومن وكل رجلا بالصلح عنه فصالح لم يلزم الوكيل ما صالح عليه‏)‏ والمال لازم للموكل إذا كان عن دم عمدا وعلى بعض ما يدعيه من الدين ولو بعد الإقرار إلا أن يضيفه الوكيل أو كان عن مال بمال على إقرار وعلى إنكار لا يلزمه مطلقا والأمر بالصلح أمر بالضمان فله الرجوع عليه إن أدى بغير أمره كالخلع بخلاف الأمر بالنكاح لصحتهما من الأجنبي بلا أمر بخلافه وهو على أوجه إن صالح بمال وضمنه تم وهو متبرع لا شيء له من المصالح عنه بل هو للذي في يده مقرا كان أو منكرا إلا إذا كان عن عين والمدعى عليه مقر فهي للمصالح وكذا إن صالحه على مال نفسه كألفي هذا وعبدي صح ولزمه التسليم وكذا لو قال صالح فلانا على ألف وسلمها وإن لم يسلمها فهو موقوف إن أجازه المدعى عليه جاز ولزمه الألف وإلا بطل إلا إذا قال صالحني ففرق بينه وبين صالح فلانا والخامس أن يقول صالح فلانا على هذه الألف أو على هذا العبد من غير نسبة له فهو كالإضافة إلى نفسه وفي صالحتك على ألف اختلف المشايخ منهم من جعله موقوفا ومنهم من جعله نافذا والأول أولى ولو استحق العوض في الوجوه كلها أو وجد زيوفا أو ستوقة لم يرجع على المصالح ويرجع بالدعوى إلا إذا ضمن المصالح ا هـ‏.‏ والله أعلم‏.‏

باب الصلح في الدين

وكل شيء وقع عليه ‏(‏الصلح‏)‏ وهو من جنس ما يستحقه المدعي على المدعى عليه ‏(‏بعقد المداينة‏)‏ أي البيع بالدين لم يحمل على المعاوضة وإنما هو ‏(‏أخذ لبعض حقه وإسقاط للباقي فلو صالح عن ألف على نصفه أو على ألف مؤجل‏)‏ أو خمسمائة مؤجلة أو عن ألف جياد على خمسمائة زيوف حالة أو مؤجلة أو عن ألف مؤجلة على ألف حالة مقبوضة أو عن ألف سود على ألف بيض مقبوضة أو عن ألف درهم ومائة دينار على مائة درهم حالة أو مؤجلة أو عن ألف مؤجلة بدل الكتابة على خمسمائة حالة ‏(‏جاز‏)‏ وعن ألف مؤجلة على خمسمائة حالة في غير المكاتب أو عن ألف درهم على دنانير مؤجلة أو عن ألف سود على خمسمائة بيض أو عن ألف على طعام موصوف في الذمة مؤجل أو غير مؤجل غير مقبوض لم يجز والأصل أنه متى كان الذي وقع عليه الصلح أدون من حقه قدرا أو وصفا أو في إحداهما فهو إسقاط للبعض واستيفاء للباقي وإن كان أزيد منه بمعنى أنه دخل فيه ما لا يستحق من وصف أو ما هو بمعنى الوصف كتعجيل المؤجل وعن اختلاف الجنس فهو معاوضة ويجوز الصلح بدراهم عن دراهم مجهولة في الذمة ‏(‏ومن له على آخر ألف فقال أد غدا نصفه على أنك بريء من الفضل ففعل برئ وإلا لا‏)‏ وكذا لو قال وأنت بريء من الزيادة على أنك إن لم تدفعها إلي غدا فلا تبرأ عن الباقي ولو قال أبرأتك عن كذا على أن تعطيني كذا فإنه يبرأ وإن لم يؤد غدا وكذا لو قال أد إلي كذا على أنك بريء من باقيه ولم يوقت ولو قال إن أديت إلي خمسمائة أو إذا أديت أو متى أديت فأنت بريء من الباقي لم يصلح مطلقا لعدم صحة تعليق البراءة بصريح الشرط بخلاف ما إذا كان بمعناه ‏(‏ومن قال لآخر لا أقر لك بما لك حتى تؤخره عني أو تحط‏)‏ بعضه ‏(‏ففعل صح‏)‏ إن قال ذلك سرا وإن قال علانية يؤخذ به ولو ادعى ألفا فجحده فقال أقرر لي بها على أن أحط منها مائة أو على أن حططت منها مائة فأقر جاز بخلاف قوله على أن أعطيك مائة لأن الإقرار لا يستحق به البدل ولو قال إن أقررت لي حططت منها مائة فأقر صح الإقرار لا الحط كذا في المجتبى والله أعلم

فصل في الدين المشترك

الدين المشترك بسبب متحد كثمن مبيع بيع صفقة واحدة عينا واحدة أو أعيانا بلا تفصيل ثمن أو قيمة عين مشتركة مستهلكة أو بدل قرض أو دين موروث صالحه أحدهما عن نصيبه فإن كان على غير جنس الدين خير الشريك إن شاء اتبع المديون بحصته أو شريكه فإن اختار اتباع شريكه خير المصالح إن شاء دفع له حصته من المصالح عليه وإن شاء ضمن له ربع الدين ولا فرق بين كون الصلح عن إقرار أو سكوت أو إنكار والحيلة في اختصاصه به دون رجوع الشريك عليه أن يهبه الغريم قدر دينه وهو يبرئه عن دينه أو يبيعه الطالب شيئا يسيرا بقدر نصيبه ثم يبرئه عن الدين ويأخذ ثمن المبيع وإن صالحه على جنسه خير الشريك إن شاء اتبع المديون أو شاركه ثم يرجعان بالباقي على الغريم كما لو قبض فلو اختار متابعة الغريم ثم توي نصيبه بأن مات الغريم مفلسا رجع على القابض بنصف ما قبض ولو من غيره‏.‏ ولو اشترى بنصيبه شيئا ضمنه ربع الدين إن شاء كالاستئجار بنصفه وحدوث دين للمطلوب على أحدهما حتى التقيا قصاصا كالقبض كتزوجه المديونة بدراهم مطلقة وكغصب أحدهما منه عينا وهلكت عنده أو شراء فاسدا كذلك بخلاف الدين المتقدم على أحدهما قبل وجوب المشترك إذا صار قصاصا لا يكون قبضا كتزوجه المديونة على نصيبه وكإتلاف أحدهما متاع المطلوب وصلحه عليه عن جناية عمد وكإبراء أحدهما نصيبه أو عن بعضه واقتسما ما بقي بالحصة فليس بقبض فلا يضمن لشريكه شيئا ولو أجله أحدهما فإن لم يكن واجبا بعقد كل واحد منهما بأن ورثا دينا مؤجلا فالتأجيل باطل وإن كان واجبا بإدانة أحدهما فإن كانا شريكين شركة عنان فإن أخر الذي ولي الإدانة صح تأجيله في جميع الدين وإن أخر الذي لم يباشرها لم يصح في حصته أيضا وإن كانا متفاوضين وأجل أحدهما أيهما أجل صح تأجيله كتأجيل الوكيل بالبيع الثمن وإن حط أحدهما إن كان عاقدا جاز حطه بعضا وكلا ويضمن نصيب شريكه إن حط الكل وإن صالح أحدهما عن عين اختص به وإن لم يكن عاقدا يجوز في نصيبه لا في نصيب شريكه كذا في فتاوى قاضي خان وإذا صالح أحد ربي السلم عن المشترك بينهما شركة خاصة عن نصيبه على ما دفع من رأس المال توقف على إجازة شريكه فإن رد بطل أصلا وبقي المسلم فيه على حاله وإن أجاز نفذ عليهما فيكون نصف رأس المال بينهما وباقي الطعام بينهما سواء كان المال مخلوطا أو لا وإن كانا شريكين مفاوضة جاز ولو في الجميع وعنانا توقف أيضا إن لم يكن من تجارتهما والله أعلم

فصل في صلح الورثة

‏(‏ولو أخرجت الورثة أحدهم عن عرض أو عقار بمال أو عن ذهب بفضة أو على العكس صح قل أو كثر‏)‏ حملا على المبادلة لا إبراء إذ هو عن الأعيان باطل كذا أطلق الشارحون هنا والذي تعطيه عبارات الكتب المشهورة التفصيل فإن كان الإبراء عنها على وجه الإنشاء فإما أن يكون عن العين أو عن الدعوى بها فإن كان عن العين فهو باطل من جهة أن له الدعوى بها على المخاطب وغيره صحيح من جهة الإبراء عن وصف الضمان ولهذا قال في الذخيرة قالوا إن عبدا في يد رجل لو قال له رجل برئت منه كان بريئا منه ولو قال أبرأتك منه كان له أن يدعيه وإنما أبرأه من ضمانه ا هـ‏.‏ وإن كان عن الدعوى فإن كان بطريق الخصوص كما إذا أبرأه عن دعوى هذه العين فإنه لا تسمع دعواه بالنسبة إلى المخاطب وتسمع بالنسبة إلى غيره ولهذا قال الولوالجي في فتاويه قبيل كتاب الإقرار رجل ادعى على رجل دارا أو عبدا ثم قال المدعي للمدعى عليه أبرأتك عن هذه الدار أو عن خصومتي في هذه الدار أو في دعواي في هذه الدار فهذا كله باطل حتى لو ادعى ذلك تسمع ولو أقام البينة تقبل بخلاف ما إذا قال برئت لا تقبل بينته بعده وكذلك إذا قال أنا بريء من هذا العبد أو خرجت فليس له أن يدعي بعده لأن أبرأتك عن خصومتي في هذه الدار خاطب الواحد فله أن يخاصم غيره بخلاف قوله برئت لأنه أضاف البراءة إلى نفسه مطلقا فيكون هو بريئا‏.‏ ا هـ‏.‏ وإن كان بطريق التعميم فله الدعوى على المخاطب وغيره ولهذا قال في القنية افترق الزوجان وأبرأ كل واحد منهما صاحبه عن جميع الدعاوى وللزوج أعيان قائمة لا تبرأ المرأة منها وله الدعوى لأن الإبراء إنما ينصرف إلى الديون لا الأعيان ا هـ‏.‏ وإن كان الإبراء على وجه الإخبار كقوله هو بريء مما لي قبله فهو صحيح متناول للدين والعين فلا تسمع الدعوى وكذا إذا قال لا ملك لي في هذه العين ذكره في المبسوط والمحيط فعلم أن قوله لا أستحق قبله حقا مطلقا ولا استحقاقا ولا دعوى يمنع الدعوى بحق من الحقوق قبل الإقرار عينا كان أو دينا قال في المبسوط ويدخل في قوله لا حق لي قبل فلان كل عين أو دين وكل كفالة أو جناية أو إجارة أو حد فإن ادعى الطالب بعد ذلك حقا لم تقبل بينته عليه حتى يشهدوا أنه بعد البراءة لأن بهذا اللفظ استفاد على العموم ا هـ‏.‏ ولا يشترط في صلح أحد الورثة المتقدم أن تكون أعيان التركة معلومة لكن إن وقع الصلح عن أحد النقدين بالآخر يعتبر التقابض في المجلس غير أن الذي في يده بقية التركة إن كان جاحدا يكتفى بذلك القبض لأنه قبض ضمان فينوب عن قبض الصلح وإن كان مقرا غير مانع يشترط تجديد القبض ولو صالحوه عن النقدين وغيرهما بأحد النقدين لا يصح الصلح ما لم يعلم أن ما أعطوه أكثر من نصيبه من ذلك الجنس إن كانوا متصادقين وإن أنكروا وراثته جاز مطلقا بشرط التقابض فيما يقابل النقد منه وإن لم يعلم قدر نصيبه من ذلك الجنس فالصحيح أن الشك إن كان في وجود ذلك في التركة جاز الصلح وإن علم وجود ذلك في التركة لكن لا يدري أن بدل الصلح من حصتها أقل أو أكثر أو مثله فسد كذا في فتاوى قاضي خان‏.‏ ولو كان بدل الصلح عرضا جاز مطلقا ولو كان نقدين جاز مطلقا بشرط التقابض في المجلس ولو كان في التركة دين على الناس فأخرجوه ليكون الدين لهم بطل وإن شرطوا أن يبرأ الغرماء منه صح ولو كان على الميت دين يحيط بطل الصلح والقسمة إلا أن يضمن الوارث الدين بشرط أن لا يرجع في التركة أو يضمن أجنبي بشرط براءة الميت أو يؤدوا دينه من مال آخر وإن لم يكن مستغرقا صح الصلح والقسمة ويرفعون منها قدر الدين حتى لا يحتاجون إلى نقض القسمة والأولى أن لا يفعلوا ذلك حتى يقضوا الدين فإذا أخرجوا واحدا فحصته تقسم بين البقية على السواء إن كان ما أعطوه من مالهم غير الميراث وإن كان مما ورثوه فعلى قدر ميراثهم وقيده الخصاف بأن يكون عن إنكار أما إذا كان عن إقرار فهو بينهم على السواء مطلقا وصلح أحدهم عن بعض الأعيان صحيح وصلح أحدهم عن دعوى أجنبي حقا في التركة مع غيبة البقية جائز ويكون متبرعا في حصة شركائه كالأجنبي وإن كان صالح على أن يكون حق المدعي له دون غيره فهو جائز فإن أثبته سلم له وإلا بطل الصلح في حصة الشركاء ويرجع على المدعي بحصة ذلك من البدل والموصى له بمنزلة الوارث فيما قدمناه وإذا صالحوا أحدهم ثم ظهر للميت دين أو عين لم يعلموها هل يكون داخلا في الصلح فيه قولان مذكوران في فتاوى قاضي خان قدم أنه لا يكون داخلا ويكون ذلك الدين والعين بين جميع الورثة وقد ذكر في أول الفتاوى أنه يقدم ما هو الأشهر فكان هو المعتمد وعلى قول من يقول بالدخول فإن كان الظاهر دينا فله الصلح كأنه وجد في الابتداء وإن كان عينا لا ولو ادعت الزوجة ميراثها صح الصلح على أقل من نصيبها أو مهرها ولا يطيب لهم إن علموا ذلك فإن أقامت بينة بطل الصلح

‏(‏فروع‏)‏

ادعى أرضا أنها وقف ولا بينة له فصالحه المنكر لقطع الخصومة جاز ويطيب له إذا كان صادقا وفي الأجناس لا يصح لأن فيه معنى البيع وبيع الوقف لا يصح وكل صلح بعد صلح فالثاني باطل وكذا الصلح بعد الشراء والشراء بعد الشراء جائز ولو أقام بينة بعد الصلح عن إنكار أن المدعي قال قبله ليس لي قبل فلان حق فالصلح ماض ولو قال بعده ما كان لي قبله حق بطل ادعى مالا أو غيره فجاء رجل واشترى ذلك من المدعي يجوز الشراء في حق المدعي ويقوم مقامه في الدعوى فإن استحق شيئا من ذلك كان له وإلا فلا فإن جحد المطلوب ولم يكن له بينة فله أن يرجع على المدعي والصلح عن الدعوى الفاسدة يصح وعن الباطلة لا والفاسدة ما يمكن تصحيحها والصلح عن دعوى حق الشرب أو حق الشفعة أو حق وضع الجذوع ونحوه يجوز على الأصح لأن الأصل متى توجهت اليمين نحو الشخص في أي حق كان فافتدى اليمين بدراهم يجوز وكذا لو ادعى قبله تعزيرا بأن قال كفرني أو أضللني أو رماني بسوء ونحوه حتى توجهت اليمين ونحوه فافتداها بدرهم يجوز على الأصح‏.‏ وكذا لو صالحه من يمينه على عشرة أو من دعواه الكل في المجتبى ولو قال المدعى عليه إن حلفت أنها لك دفعتها فحلف المدعي ودفع المدعى عليه الدراهم إن كان دفع إليه بحكم الشرط فهو باطل وللدافع أن يسترد ولو استقرض من رجل دراهم بخارية ببخارى أو اشترى سلعة بدراهم بخارية ببخارى فالتقيا ببلدة لا يوجد فيها البخارية قالوا يؤجل قدر المسافة ذاهبا وجائيا ويستوثق منه بكفيل والصلح مع المودع على أقسام أحدها أن ينكر الاستيداع ثم تصالحا على معلوم جاز الصلح ثانيها أن يقر به فطالبه بها وادعى أنه استهلكها فسكت المدعى عليه ثم تصالحا جاز أيضا ثالثها أن يدعي عليه الاستهلاك والآخر يدعي الرد أو الهلاك لا يجوز الصلح وعليه الفتوى كصلحه بعد حلفه ورابعها إذا ادعى المودع الرد أو الهلاك وصاحب المال ساكت لا يصدقه ولا يكذبه فيه قولان لا يجوز في قول أبي يوسف ويجوز في قول محمد كذا في فتاوى قاضي خان وفي الخلاصة من آخر الدعوى لو استعار من آخر دابة فهلكت فأنكر رب الدابة الإعارة فصالحه المستعير على مال جاز فلو أقام المستعير بينة بعد ذلك على العارية وقال إنها هلكت قبلت بينته وبطل الصلح وفيها من آخر الصلح إذا أقر الوصي أن عنده ألف درهم للميت وللميت ابنان فصالح أحدهما من حقه على أربعمائة لم يجز وإن كان استهلكها ثم صالح جاز وفي مجموع النوازل امرأة وقعت بينها وبين زوجها مشاجرة فتوسط المتوسطون بينهما للمصالحة فقالت المرأة لا أصالحه حتى يعطيني خمسين درهما يحل لها ذلك لأن لها عليه حقا من المهر وغيره والله أعلم

كتاب المضاربة

‏(‏هي شركة في الربح بمال من جانب وعمل من جانب‏)‏ فلو شرط كل الربح لأحدهما لا يكون مضاربة ويجوز التفاوت في الربح وإذا كان المال من اثنين فلا بد من تساويهما فيما فضل من الربح حتى لو شرط لأحدهما الثلثان وللآخر الثلث فيما فضل فهو بينهما نصفين لاستوائهما في رأس المال وركنها اللفظ الدال عليها كقوله دفعت إليك هذا المال مضاربة أو مفاوضة أو معاملة أو خذ هذا المال واعمل به على أن لك من الربح نصفه أو ثلثه أو قال ابتع به متاعا فما كان من فضل فلك كذا أو خذ ذلك بالنصف بخلاف خذ هذه الألف واشتر بها هرويا بالنصف ولم يزد عليه فليس بمضاربة بل إجارة فاسدة له أجر مثله إن اشترى وليس له البيع إلا بأمر وشرطها أن يكون رأس المال من الأثمان وهو معلوم ويكفي الإعلام بالإشارة فإن اختلفا في مقدار رأس المال عند قسمة الربح فالقول للمضارب مع يمينه والبينة لرب المال‏.‏ وأما المضاربة بدين فإن كان على المضارب فلا يصح وما اشتراه له والدين في ذمته وإن كان على غيره بأن قال اقبض مالي على فلان ثم اعمل به مضاربة فهو جائز وإن كان مكروها لأنه شرط لنفسه منفعة قبل العقد كما في المبسوط ولو قال اقبض ديني على فلان ثم اعمل به مضاربة فعمل قبل أن يقبض كله ضمن ولو قال فاعمل به لا يضمن وكذا بالواو لأن ثم للترتيب فلا يكون مأذونا بالعمل إلا بعد قبض الكل بخلاف الفاء والواو فإنه يكفي قبل القبض ولو قال اقبض ديني لتعمل به مضاربة لا يكون مأذونا ما لم يقبض الكل ولو قال اشتر لي عبدا بنسيئة ثم بعه واعمل بثمنه مضاربة فاشتراه ثم باعه وعمل فيه جاز ولو قال رب المال للغاصب أو المستودع أو المبضع اعمل بما في يدك مضاربة بالنصف جاز الثالث أن يكون رأس المال مسلما إلى المضارب بخلاف الشركة الرابع أن يكون الربح بينهما شائعا كالنصف والثلث لا سهما معينا يقطع الشركة كمائة درهم أو مع النصف عشرة الخامس أن يكون نصيب كل منهما معلوما فكل شرط يؤدي إلى جهالة الربح فهي فاسدة وما لا فلا مثل أن يشترط أن تكون الوضيعة على المضارب أو عليها فهي صحيحة وهو باطل السادس أن يكون المشروط للمضارب مشروطا من الربح حتى لو شرط له شيئا من رأس المال أو منه ومن الربح فسدت‏.‏ وحكمها أنه أمين بعد دفع المال إليه ووكيل عند العمل وشريك عند الربح وأجير عند الفساد فله أجر مثله والربح كله لرب المال إلا في الوصي إذا أخذ مال الصغير مضاربة وشرط لنفسه عشرة دراهم فإنه لا أجر له إذا عمل كذا في أحكام الصغار ولا ضمان عليه إذا فسدت بالهلاك بغير صنعه وغاصب عند الخلاف ومستقرض عند اشتراط كل الربح له ومستبضع عند اشتراطه لرب المال فلا ربح له ولا أجر ولا ضمان عليه بالهلاك وإنما تصح بما تصح به الشركة وهي الدراهم والدنانير إلا الفلوس النافقة وأما التبر فإن كان في موضع يروج به كالأثمان تجوز به وإلا فلا كالمكيل والموزون ولو دفع إليه عرضا وقال بعه واعمل بثمنه مضاربة جاز وشرط العمل على رب المال لا يصح سواء كان المالك عاقدا أو غير عاقد كالصغير والمعتوه وكذا أحد الشريكين إذا دفع المال مضاربة بشرط أن يعمل شريكه مع المضارب إن كان المال من شركتهما وإلا فهي جائزة إن كانت شركة عنان وإن كانت مفاوضة لا تصح مطلقا وإذا شرط أن يتصرف في المال مع المضارب فإن كان العاقد ليس أهلا للمضاربة في ذلك المال تفسد كالمأذون إذا دفع ماله مضاربة وشرط عمله مع المضارب وإن كان العاقد ممن يجوز أن يأخذ ماله مضاربة لم تفسد كالأب والوصي إذا دفعا مال الصغير مضاربة وشرطا عملهما معه بجزء من الربح وإن شرط المأذون عمل مولاه فسدت إن لم يكن عليه دين وإلا صحت كالمكاتب إذا شرط عمل مولاه فإنه يصح مطلقا

‏(‏ويبيع‏)‏ المضارب في المضاربة الصحيحة ‏(‏بالنقد والنسيئة ويشتري ويوكل ويسافر‏)‏ برا وبحرا ولو دفع إليه في بلدة على الظاهر ويأذن لعبد المضاربة في التجارة ولا يزوج عبدا ولا أمة كالشريك عنانا ومفاوضة بخلاف الأب والوصي يملكان تزويج الأمة ‏(‏وله الإبضاع والإيداع‏)‏ واستئجار العمال للأعمال واستئجار المنازل لحفظ الأموال واستئجار السفن والدواب وله أن يرهن ويرتهن لها وله أن يستأجر أرضا بيضاء ويشتري ببعض المال طعاما ليزرعها أو ليغرس فيها نخلا أو شجرا ولو أخذ نخلا أو شجرا معاملة على أن ينفق في تلقيحها أو تأبيرها من المال لم يجز عليها وإن قال له اعمل برأيك ولا يملك الاستدانة فإن رهن شيئا من المضاربة ضمن ولو أذنه رب المال في ذلك كان الدين عليهما نصفين ولو أخر المضارب الثمن جاز على رب المال ولا يضمن بخلاف الوكيل الخاص ولو حط بعض الثمن إن كان لعيب طعن فيه المشتري وكان ما حط حصته أو أكثر يسيرا جاز وإن كان لا يتغابن الناس في الزيادة يصح ويضمن ذلك من ماله لرب المال وكان رأس المال ما بقي على المشتري ويحرم على المضارب وطء جارية المضاربة والدواعي ولو أذن له رب المال في ذلك‏.‏ ولو تزوج المضارب جارية بتزويج صاحب المال إياه إن لم يكن في المال ربح جاز وإن كان فيه ربح لا يجوز ومتى جاز خرجت الجارية عن المضاربة وليس له أن يشارك إلا أن يقول له اعمل برأيك ولو عقد مضاربة وكذا ليس له أن يخلط مال المضاربة بماله ولا بمال غيره إلا أن يقول له اعمل برأيك وليس له أن يعمل ما فيه ضرر ولا ما لا يعمله التجار ولا أن يبيع إلى أجل لا يبيعه التجار وليس لأحد المضاربين أن يبيع أو يشتري بغير إذن صاحبه ولو اشترى بيعا فاسدا مما يملك بالقبض فليس بمختلف وما اشتراه على المضاربة ولو اشترى بما لا يتغابن الناس في مثله يكون مخالفا سواء قيل له اعمل برأيك أولا ولو باع بهذه الصفة فهو جائز في قول أبي حنيفة خلافا لهما كالوكيل بالبيع المطلق وليس له أن يقرض ولا أن يأخذ سفتجة كذا في الفتاوى الظهيرية وله أن يحتال وإن كان الثاني أعسر من الأول كذا في فتاوى قاضي خان فالقرض والاستدانة لا يملكهما إلا بصريح الإذن ولا يكفي قوله اعمل برأيك وإذا صرح بالاستدانة كانت شركة وجوه‏.‏ وإذا اشترى بأكثر من المال كانت الزيادة له ولا يضمن بهذا الخلط الحكمي ولو كان المال دراهم فاشترى بغير الأثمان كان لنفسه وبالدنانير للمضاربة لأنهما جنس هنا ولو كان في يده عرض لها فاشترى شيئا لها لبيع العرض وينقد الثمن لم يجز حالا كان الثمن أو مؤجلا لأنه استدانة ولا بد أن يشتري متاعا في يده مثله من جنسه وصفته وقدره ولا يملك المضارب في الفاسدة شيئا من ذلك إلا الإيداع كذا في الفوائد التاجية ولم يتعد عما عينه إن كان التعيين مقيدا من بلد وسلعة ووقت ومعامل كما في الشركة فإن تعدى صار ضامنا فإذا اشترى بعده كان له ولو لم يشتر حتى عاد إلى الوفاق برئ من الضمان وعاد المال مضاربة ولو عاد إليه في البعض كان مضاربة فيه اعتبارا للجزء بالكل ولو كان التقييد غير مفيد كسوق من مصر لا يتقيد به إلا إذا صرح بالنهي وكان مفيدا في الجملة كالسوق بخلاف ما إذا لم يكن مفيدا أصلا كنهيه عن بيع الحال فلا يعتبر‏.‏ وقوله خذ مضاربة تعمل به في مصر أو لتعمل به أو فاعمل به أو بالنصف بمصر أو في مصر أو على أن تعمل بمصر تقييد فلا يتجاوزه كقوله على أن تشتري به الطعام أو فاشتر به الطعام أو لتشتري به الطعام أو خذه بالنصف مضاربة في الطعام أو على أن تشتري من فلان وتبيع منه بخلاف واعمل به في مصر أو على أن تشتري به من أهل الكوفة أو من الصيارفة وتبيع منهم ليس بتقييد بالنسبة إلى أهل الكوفة فله البيع من غير أهلها ومن غير الصيارفة تقييد بالنسبة إلى المكان والصرف فليس له أن يخرج من الكوفة ولا أن يعمل في غير الصرف وليس له أن يشتري من يعتق على رب المال بقرابة أو يمين فلو اشتراه كان لنفسه بخلاف الوكيل بالشراء له أن يشتريه إلا إذا قامت قرينة على خلافه كقوله اشتر لي عبدا أبيعه أو أستخدمه أو جارية أطؤها ولا من يعتق عليه إذا كان في المال ربح وضمن إن فعل والمراد من الربح هنا أن يكون قيمة العبد المشترى أكثر من رأس المال سواء كان في جملة مال المضاربة ربح أو لم يكن حتى لو كان المال ألفا فاشترى بها المضارب عبدين قيمة كل واحد منهما ألف فأعتقهما المضارب لا يصح عتقه‏.‏ وأما بالنسبة إلى استحقاق المضارب فإن يظهر في الجملة ربح حتى لو أعتقهما رب المال في هذه الصورة صح وضمن نصيب المضارب منهما وهو خمسمائة موسرا كان أو معسرا كذا في الفتاوى الظهيرية وإن لم يظهر ربح بالمعنى المذكور جاز شراؤه لعدم ملكه فإن ازدادت قيمته عن رأس المال عتق نصيب المضارب ولم يضمن لرب المال وسعى المعتق في قيمة نصيب رب المال ولو اشترى الشريك من يعتق على شريكه أو الأب أو الوصي من يعتق على الصغير نفذ على العاقد والمأذون إذا اشترى من يعتق على المولى فإنه يصح ويعتق عليه إن لم يكن مستغرقا بالدين وإلا لا فإن كان مع المضارب ألف بالنصف واشترى بها جارية قيمتها ألف فوطئها فجاءت بولد يساوي ألفا فادعاه ثم بلغت قيمة الغلام ألفا وخمسمائة نفذت دعوة المضارب فيه لظهور الربح فيه وقبله لا لعدم ظهوره إذ قيمة كل لا تزيد على رأس المال ولزمه عقرها لإقراره بوطئها ويكون في مال المضاربة كذا في المحيط بخلاف ما إذا عتق الولد ثم ظهرت الزيادة حيث لا ينفذ إعتاقه السابق لأنه إنشاء فيشترط وجود الملك وقته كما لو أعتق عبد الغير ثم ملكه لا ينفذ عتقه أما الدعوة فإخبار لا يشترط وجوده وقته كما لو أقر بحرية عبد الغير ثم ملكه يعني اشتراه فإنه ينفذ وإذا نفذت لا ضمان على المضارب في حصة رب المال من الولد سواء كان موسرا أو معسرا لأن النفوذ بالملك ولا صنع له فيه وعتق من الولد حصة المضارب عند أبي حنيفة فقط وولاء الولد بين المضارب ورب المال بالحصة وخير رب المال إن شاء استسعى الغلام في ألف ومائتين وخمسين وإن شاء أعتقه‏.‏ ثم إذا قبض رب المال الألف له أن يضمن المضارب نصف قيمة الأم لظهور أن الجارية ربح فنفذت دعوة المضارب فيها أيضا وصارت أم ولد له ولا فرق بين كونه موسرا أو معسرا لأنه ضمان تملك وهو لا يختلف بهما ولا يتوقف على التعدي لأنه ضمان تمليك بخلاف ضمان الولد فإنه ضمان عتق وهو يعتمد التعدي ولم يوجد ولو لم تزد قيمة الولد على ألف وزادت قيمة الأم حتى صارت ألفا وخمسمائة صارت الجارية أم ولد للمضارب ويضمن لرب المال ألفا ومائتين وخمسين إن كان موسرا وإن كان معسرا فلا سعاية عليها لأن أم الولد لا تسعى وما لم يصل إلى رب المال رأس ماله فالولد رقيق ثم يأخذ منه مائتين وخمسين على أنه نصيبه من الربح ولو زادت قيمتها بأن صارت قيمة كل واحد ألفي درهم عتق الولد وصارت أم ولد له ويؤخذ رأس المال منه وهو ألف وما بقي من قيمة الجارية وهو ألف درهم ويضمن له عقر مائة درهم وإذا استوفي ذلك من المضارب فللمضارب أن يستوفي من ربح الولد مقدار ألف ومائة فعتق الولد منه بذلك المقدار وبقي من الولد مقدار تسعمائة ربح بينهما لكل واحد أربعمائة وخمسون فما أصاب المضارب عتق وما أصاب رب المال سعى فيه الولد كذا في البدائع ولو ادعى رب المال أنه ابنه لا المضارب فهو ابنه والجارية أم ولد له ولا يضمن للمضارب شيئا من عقر وقيمة والله سبحانه وتعالى أعلم

باب المضارب يضارب

قوله‏:‏ ‏(‏فإن ضارب المضارب بلا إذن لم يضمن ما لم يعمل الثاني‏)‏ يعني ربح أو لا حتى لو ضاع في يده قبل العمل لا ضمان على أحد وكذا لو غصب من الثاني فالضمان على الغاصب فقط ولو استهلك الثاني المال أو وهبه كان الضمان عليه دون الأول وإذا عمل الثاني خير رب المال إن شاء ضمن الأول رأس ماله وإن شاء ضمن الثاني وإن اختار رب المال أن يأخذ الربح ولا يضمن ليس له ذلك كذا في المبسوط فإن ضمن الأول صحت المضاربة بينه وبين الثاني وكان الربح على ما شرطا وإن ضمن الثاني رجع بما ضمن على الأول وصحت بينهما وكان الربح بينهما وطاب للثاني ما ربح دون الأول وإن كانت إحداهما فاسدة أو كلاهما فلا ضمان على واحد منهما وللعامل أجر المثل على المضارب الأول ويرجع به الأول على رب المال والوضيعة على رب المال والربح بين الأول ورب المال على الشرط بعد أخذ الثاني أجرته إذا كانت المضاربة الأولى صحيحة وإلا فللمضارب الأول أجر مثله ولو دفع الثاني مضاربة إلى ثالث وربح الثاني أو وضع فإن قال الأول للثاني اعمل فيه برأيك فلرب المال أن يضمن أي الثلاثة شاء ويرجع الثالث على الثاني والثاني على الأول والأول لا يرجع على أحد إذا ضمنه رب المال وإلا لا ضمان على الأول وضمن الثاني والثالث كذا في المحيط‏.‏

‏(‏قوله‏:‏ فإن دفع بإذن بالثلث وقيل ما رزق الله بيننا نصفان فللمالك النصف وللأول السدس وللثاني الثلث‏)‏ يعني ضارب بإذن رب المال وإنما كان له النصف بشرطه فبقي النصف وقد شرط المضارب للثاني الثلث فكان له السدس وطاب الربح للجميع لأن عمل الثاني عمل عن المضارب كالأجير المشترك إذا استأجر آخر بأقل مما استؤجر ونظير ما في الكتاب لو قال ما كان في ذلك من رزق فهو بيننا نصفان أو قال خذ هذا المال مضاربة بالنصف كذا في الهداية والنهاية قوله ‏(‏ولو قيل ما رزق الله تعالى بيننا نصفان فللثاني ثلثه والباقي بين الأول والمالك نصفان‏)‏ أي لو قال رب المال ذلك والمسألة بحالها لأن المشروط ما رزق الله المضارب وهو هنا الثلثان فيقسم بينهما وللثاني الثلث الباقي بالشرط ونظيره ما ربحت في هذا من شيء أو ما كان لك فيه من فضل الربح أو ما كسبت فيه من كسب أو ما رزقت فيه من شيء أو ما صار لك فيه من ربح وكذا لو شرط للمضارب الثاني أكثر من الثلث أو أقل منه فما بقي بعدما يأخذ منه فهو بين رب المال الأول والفرق بينهما أن في الأول شرط نصف الربح جميعه لأنه أضاف الرزق إلى المال وفي الثاني أضافه إلى المضارب قوله ‏(‏ولو قال له ما ربحت بيننا نصفان ودفع بالنصف فللثاني النصف واستويا فيما بقي‏)‏ ولا فرق بين هذه الصورة وما قبلها إلا من حيث اشتراط المضارب للثاني فإن في الأولى شرط له الثلث فكان ما بقي بينهما وفي الثاني شرط له النصف فكان النصف الباقي بينهما قوله‏.‏ ‏(‏ولو قيل ما رزق الله فلي نصفه أو ما كان من فضل فبيننا نصفان فدفع بالنصف فللمالك النصف وللثاني النصف ولا شيء للأول ولو شرط للثاني ثلثيه‏)‏ والمسألة بحالها ‏(‏ضمن الأول للثاني سدسا‏)‏ ظاهر حكما وتعليلا قوله ‏(‏وإن شرط للمالك ثلثه ولعبده ثلثه على أن يعمل منه ولنفسه ثلثه صح‏)‏ أي لعبد المالك على أن يعمل مع المضارب واشتراط الثلث للعبد اشتراط لمولاه وكان العبد مأذونا له فتكون حصته من الربح للمولى إن لم يكن على العبد دين وإلا فهو لغرمائه إن شرط عمله وإلا فهو للمولى وقوله على أن يعمل معه عادي وليس بقيد بل يصح الشرط ويكون لسيده وإن لم يشترط عمله وقيد برب المال لأن عبد المضارب لو شرط له شيء من الربح ولم يشترط عمله لا يجوز ويكون ما شرط له لرب المال إن كان على العبدين وإلا لا يصح سواء شرط عمله أو لا ويكون للمضارب وقيد بكون العاقد المولى لأن المأذون لو عقدها مع أجنبي وشرط عمل مولاه لا يصح إن لم يكن عليه دين والأصح وشمل قوله العبد ما لو شرط للمكاتب بعض الربح فإنه يصح وكذا لو كان مكاتب المضارب لكن بشرط أن يشترط عمله فيهما وكان المشروط للمكاتب له لا لمولاه وإن لم يشترط عمله لا يجوز وعلى هذا غيره من الأجانب فتصح المضاربة وتكون لرب المال ويبطل الشرط والولد والمرأة كالأجانب هنا كذا في النهاية وقيد باشتراط عمل العبد لأن اشتراط عمل رب المال مع المضارب مفسد لها‏.‏ وكذا اشتراط عمل المضارب مع مضاربه أو عمل رب المال مع الثاني كذا في المحيط بخلاف المكاتب إذا دفع ماله مضاربة وشرط عمل مولاه معه لا يفسد مطلقا فإن عجز قبل العمل ولا دين عليه فسدت ولو دفع المكاتب ماله مضاربة إلى مولاه يصح كذا في المحيط وإذا كان الاشتراط للعبد اشتراطا لمولاه فاشتراط بعض الربح لقضاء دين المضارب أو لقضاء دين رب المال جائز بالأولى ويكون المشروط للمشروط له قضاء دينه كذا في النهاية ولا يجبر على دفعه لغرمائه ولو شرط بعض الربح للمساكين أو للحج أو في الرقاب لم يصح ويكون لرب المال ولو شرط البعض لمن شاء المضارب فإن شاء المضارب لنفسه أو لرب المال صح الشرط وإن شاءه لأجنبي لم يصح كذا في المحيط واشتراط أن يكون للعبد ربح في مقابلة عمله اتفاقي لأنه لو شرط عمل رب المال مع المضارب ولم يذكر له شيء من الربح فإنه صحيح سواء كان على العبدين أو لا يكون العبد مضاربا في حق المولى فإن كان العبد مديونا فحصته من الربح لغرمائه وإن لم يكن فحصته لمولاه وكذلك مكاتبه ومن لم تقبل شهادته

قوله ‏(‏وتبطل بموت أحدهما‏)‏ لكونها وكالة وهي تبطل بالموت قوله ‏(‏وبلحوق المالك مرتدا‏)‏ لأنه بمنزلة الموت وإنما لم يجعل المضارب بمنزلة الوكيل فيما لو دفع إليه الثمن قبل الشراء وهلك في يده بعد الشراء فإن الوكيل يرجع به على الموكل ثم لو هلك ما أخذه منه ثانيا لا يرجع به مرة أخرى بخلاف المضارب يرجع به على رب المال مرة بعد أخرى إلى أن يصل الثمن إلى البائع لأن شراء الوكيل يوجب الثمن عليه للبائع وله على الموكل فإذا رجع على الموكل بعد الشراء صار مقتضيا ما استوجبه دينا عليه وصار مضمونا عليه بالقبض فيهلك من ضمانه وأما المضارب إذا رجع على رب المال فما يقبضه يكون أمانة فإذا هلك كان على رب المال فيرجع مرة بعد أخرى وفيما إذا اشترى بمال المضاربة عروضا ثم عزل لا ينعزل وإن علم والوكيل ينعزل وسيأتي الفرق بينهما وفيما إذا عاد رب المال بعد اللحوق مسلما فالمضارب على مضاربته بخلاف الوكيل والفرق أن محل التصرف خرج عن ملك الموكل ولم يتعلق به حق الوكيل بخلاف المضارب قيد بلحوق المالك لأن المالك لو ارتد ولم يلحق فتصرفه موقوف وأشار إلى أن المضارب لو ارتد فالمضاربة على حالها اتفاقا حتى لو اشترى وباع وربح أو خسر ثم قتل على ردته أو مات أو لحق بدار الحرب فإن التصرف جائز والربح بينهما على ما شرطا، والعهدة في جميع تصرفه على رب المال في قول أبي حنيفة

قوله ‏(‏وينعزل بعزله إن علم‏)‏ أي ينعزل المضارب بعزل رب المال إن علم به لأنه وكيل وإن لم يعلم لا والمراد بالعلم ما يستفاد من خبر رجلين مطلقا أو واحد عدل إن كان فضوليا وإلا فخبر مميز قوله ‏(‏وإن علم والمال عروض باعها ثم لا يتصرف في ثمنها ولا يملك المالك فسخها في هذه الحالة‏)‏ لأن للمضارب حقا في الربح قيد بالمضاربة لأن أحد الشريكين إذا فسخ الشركة ومالها أمتعة قالوا يصح فسخه بخلاف المضاربة كذا في فتاوى قاضي خان من الشركة والمراد من العرض هنا أن يكون خلاف جنس رأس المال والدراهم والدنانير جنسان هنا فإذا كان رأس المال دراهم وعزله ومعه دنانير له بيعها بالدراهم استحسانا وله بيع العروض بعد العزل بالنقد والنسيئة وإن نهاه رب المال عن النسيئة كما لا يصح نهيه عن المسافرة في الروايات المشهورة وكما لا يملك عزله لا يملك تخصيص الإذن لأنه عزل من وجه كذا في النهاية وشمل كلامه العزل الحكمي حتى لو كان له بيع العروض بعد موت رب المال حقيقة أو حكما ولا ينعزل في الحكمي إلا بالعلم بخلاف الوكيل حيث ينعزل في الحكمي وإن لم يعلم لأنه حق له بخلاف المضارب

قوله ‏(‏ولو افترقا وفي المال ديون وربح أجبر على اقتضاء الديون‏)‏ لأنه كالأجير والربح كالأجرة وطلب الدين من تمام تكملة العمل فيجبر عليه قوله ‏(‏وإلا لا يلزمه الاقتضاء‏)‏ أي وإن لم يكن في المال ربح لكونه وكيلا متبرعا ولا جبر عليه قوله ‏(‏يوكل المالك عليه‏)‏ أي على الاقتضاء لأنه لا يتمكن من المطالبة إلا بتوكيله لكونه غير عاقد والوكيل بالبيع والمستبضع كالمضارب يجبران على التوكيل قوله ‏(‏والسمسار يجبر على التقاضي‏)‏ وهو بكسر الأول المتوسط بين البائع والمشتري وجمعه سماسرة يبيع ويشتري للناس بأجر من غير أن يستأجر ولو استؤجر على البيع والشراء لا يجوز لعدم قدرته عليه والحيلة في جوازها أن يستأجره يوما للخدمة فيستعمله في البيع والشراء إلى آخر المدة ولو عمل من غير شرط وأعطاه شيئا لا بأس به وبه جرت العادة وإنما أجبر على طلب الثمن من المشتري واستيفائه لأنه من جملة عمله

قوله ‏(‏وما هلك من مال المضاربة فمن الربح فإن زاد الهالك على الربح لم يضمن المضارب‏)‏ لكونه أمينا سواء كان من عمله أو لا قوله ‏(‏وإن قسم الربح وبقيت المضاربة ثم هلك المال أو بعضه ترادا الربح ليأخذ المالك رأس ماله وما فضل فهو بينهما وإن نقص لم يضمن‏)‏ لأن قسمة الربح قبل قبض رأس المال موقوفة فإذا قبض رب المال رأس ماله نفذت القسمة وإن هلك ما أعد لرأس المال كانت القسمة باطلة وتبين أن المقسوم كان رأس المال قوله ‏(‏وإن قسم الربح وفسخت ثم عقداها فهلك المال لم يترادا‏)‏ وهذه مفهوم قوله وبقيت المضاربة لأن الأولى قد انتهت بالفسخ وهي الحيلة النافعة للمضاربة والله أعلم‏.‏