فصل: الحَدِيث الْحَادِي عشر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحَدِيث الرَّابِع:

من أَحَادِيث الْبَاب عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الظّهْر وَالْعصر للمطر».
هَذَا الحَدِيث كَرَّرَه الرَّافِعِيّ، وَتبع فِي إِيرَاده الإِمَام، فَإِنَّهُ قَالَ: رَأَيْت فِي بعض الْكتب الْمُعْتَمدَة، وَلم أر أَنا من خرجه كَذَلِك أصلا، وَإِنَّمَا فِي سنَن الْبَيْهَقِيّ مَا نَصه: روينَا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر الْجمع فِي الْمَطَر، ثمَّ رَوَاهُ مَوْقُوفا عَلَيْهِمَا.

.الحَدِيث الْخَامِس:

من أَحَادِيث الْبَاب عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا سفر».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَيْهِ عَنهُ قَالَ: «صَلَّى لنا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَالْعصر وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا فِي غير خوف وَلَا سفر» وَفِي لفظ: «جمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بَين الظّهْر وَالْعصر وبَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي الْمَدِينَة فِي غير خوف وَلَا مطر. قيل لِابْنِ عَبَّاس: مَا أَرَادَ إِلَى ذَلِك؟ قَالَ: أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته».
وَلم يذكر البُخَارِيّ: «الْخَوْف» وَلَا «الْمَطَر» وَلَا «قيل لِابْنِ عَبَّاس...» إِلَى آخِره.
وَرَوَاهُ مَالك فِي موطئِهِ بِلَفْظ: «صَلَّى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَالْمغْرب وَالْعشَاء جَمِيعًا فِي غير خوف وَلَا سفر» قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالك: أُرى ذَلِك كَانَ فِي مطر.
وَفِي رِوَايَة للطبراني فِي أكبر معاجمه: «جمع فِي الْمَدِينَة من غير عِلّة. فَقيل لِابْنِ عَبَّاس: مَا أَرَادَ بذلك؟ فَقَالَ: التَّوَسُّع عَلَى أمته».
فَائِدَة:
قَول الإِمَام مَالك: أُرى- هُوَ بِضَم الْهمزَة- أَي أَظن، وَوَافَقَهُ الشَّافِعِي عَلَيْهِ أَيْضا وَهَذَا ترده الرِّوَايَة السالفة عَن صَحِيح مُسلم: «وَلَا مطر» وَهِي من رِوَايَة حبيب بن أبي ثَابت وَهُوَ إِمَام مُتَّفق عَلَى توثيقه وجلالته وعدالته والاحتجاج بِهِ.
قَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَلم يذكرهَا البُخَارِيّ مَعَ أَن حبيب بن أبي ثَابت من شَرطه. قَالَ: وَلَعَلَّه تَركهَا لمخالفتها رِوَايَة الْجَمَاعَة. قَالَ: وَرِوَايَة الْجَمَاعَة أولَى بِأَن تكون مَحْفُوظَة حَتَّى رِوَايَة الْجُمْهُور: «من غير خوف وَلَا سفر» قَالَ: وَقد روينَا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر الْجمع فِي الْمَطَر. وَقَالَ فِي الْمعرفَة أَيْضا: قَول ابْن عَبَّاس: «أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته» قد يحمل عَلَى الْمَطَر أَي: لَا يلحقهم مشقة الْمَشْي فِي الطين إِلَى الْمَسْجِد.
وَأجَاب الشَّيْخ أَبُو حَامِد فِي تَعْلِيقه عَن رِوَايَة من رَوَى «من غير خوف وَلَا مطر» بجوابين: أَحدهمَا: مَعْنَاهُ وَلَا مطر كثير.
ثَانِيهمَا: فِيهِ يجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ، فَيكون المُرَاد بِرِوَايَة «من غير خوف وَلَا سفر» الْجمع بالمطر، وَالْمرَاد بِرِوَايَة «وَلَا مطر» الْجمع الْمجَازِي وَهُوَ أَن يُؤَخر الأولَى إِلَى آخر وَقتهَا، وَيقدم الثَّانِيَة إِلَى أول وَقتهَا.
قَالَ النَّوَوِيّ فِي شرح الْمُهَذّب: وَيُؤَيّد هَذَا التَّأْوِيل الثَّانِي أَن عَمْرو بن دِينَار رَوَى هَذَا الحَدِيث عَن أبي الشعْثَاء، عَن ابْن عَبَّاس، وَثَبت فِي الصَّحِيحَيْنِ عَن عَمْرو بن دِينَار قَالَ: قلت: يَا أَبَا الشعْثَاء، أَظُنهُ أخر الظّهْر وَعجل الْعَصْر، وَأخر الْمغرب وَعجل الْعشَاء قَالَ: وَأَنا أَظن ذَلِك.
وَأجَاب القَاضِي أَبُو الطّيب فِي تَعْلِيقه وَالشَّيْخ أَبُو نصر فِي تهذيبه وَغَيرهمَا بِأَن قَوْله: «وَلَا مطر» أَي مستدام فَلَعَلَّهُ انْقَطع فِي الثَّانِيَة.
وَنقل صَاحب الشَّامِل هَذَا الْجَواب عَن أَصْحَابنَا، وَأجَاب الْمَاوَرْدِيّ بِأَنَّهُ كَانَ مستظلاًّ بسقف وَنَحْوه، وَهَذِه التأويلات كلهَا لَيست ظَاهِرَة كَمَا قَالَ النَّوَوِيّ، وَالْمُخْتَار مَا أجَاب بِهِ الْبَيْهَقِيّ.
وَمن الْغَرِيب قَول إِمَام الْحَرَمَيْنِ فِي النِّهَايَة أَن ذكر الْمَطَر لم يرد فِي متن الحَدِيث، وَقد عرفت أَنه فِي مَتنه.

.الحَدِيث السَّادِس:

ثَبت «أَن سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم جمع بَين الظّهْر وَالْعصر بِعَرَفَة فِي وَقت الظّهْر، وَجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بِمُزْدَلِفَة فِي وَقت الْعشَاء».
هُوَ كَمَا قَالَ؛ فَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث جَابر الطَّوِيل «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَتَى عَرَفَة فَأذن ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعَصْر وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا» وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث أُسَامَة بن زيد رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «دفع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من عَرَفَة، فَلَمَّا جَاءَ الْمزْدَلِفَة نزل فَتَوَضَّأ، ثمَّ أُقِيمَت الصَّلَاة فَصَلى الْمغرب، ثمَّ أَنَاخَ كل إِنْسَان بعيره فِي منزله، ثمَّ أُقِيمَت الْعشَاء فَصلاهَا وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا».
وَفِي البُخَارِيّ عَن ابْن عمر: «جمع عَلَيْهِ السَّلَام الْمغرب وَالْعشَاء بِجمع، كل وَاحِدَة مِنْهُمَا بِإِقَامَة، وَلم يسبح بَينهمَا وَلَا عَلَى إِثْر كل وَاحِدَة مِنْهُمَا» وَلمُسلم نَحوه.
وَمَعْنى «لم يسبح»: لم يصل النَّافِلَة، والنافلة تسمى سُبحة.

.الحَدِيث السَّابِع:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَيْسَ من الْبر الصّيام فِي السّفر»
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث جَابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سفر فَرَأَى رجلا قد اجْتمع النَّاس عَلَيْهِ وَقد ظلل عَلَيْهِ، فَقَالَ مَا لَهُ؟ قَالُوا: رجل صَائِم. فَقَالَ النَّبِي: لَيْسَ من الْبر أَن تَصُومُوا فِي السّفر». قَالَ شُعْبَة: وَكَانَ يبلغنِي عَن يَحْيَى بن أبي كثير أَنه كَانَ يزِيد فِي هَذَا الحَدِيث أَنه قَالَ: «عَلَيْكُم بِرُخْصَة الله الَّتِي رخص لكم» قَالَ: فَلَمَّا سَأَلته لم يحفظه.
وَقَالَ البُخَارِيّ: «لَيْسَ من الْبر» بِزِيَادَة «من» وَلم يذكر قَول شُعْبَة عَن يَحْيَى.

.الحَدِيث الثَّامِن:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «خِيَار عباد الله الَّذين إِذا سافروا قصروا».
هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق:
أَحدهَا: من حَدِيث جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَفعه: «خياركم من قصر الصَّلَاة فِي السّفر وَأفْطر» ذكره ابْن أبي حَاتِم فِي علله فَقَالَ: سَأَلت أبي عَن حَدِيث رَوَاهُ سهل بن عُثْمَان العسكري، نَا غَالب بن فائد، عَن إِسْرَائِيل، عَن خَالِد، عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر مَرْفُوعا... فَذكره. فَقَالَ أبي: حَدثنَا عبد الله بن صَالح بن مُسلم، أَنا إِسْرَائِيل، عَن خَالِد الْعَبْدي عَن مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر، عَن جَابر مَرْفُوعا قَالَ: وغالب بن فائد مغربي لَيْسَ بِهِ بَأْس.
قلت: وَقَالَ الْأَزْدِيّ: يَتَكَلَّمُونَ فِيهِ.
وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي كتاب الدُّعَاء من حَدِيث ابْن لَهِيعَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر مَرْفُوعا: «خير أمتِي الَّذين إِذا أساءوا اسْتَغْفرُوا وَإِذا أَحْسنُوا اسْتَبْشَرُوا، وَإِذا سافروا قصروا وأفطروا».
الطَّرِيق الثَّانِي: من حَدِيث عُرْوَة بن رُوَيْم قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «خِيَار أمتِي من يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأَنِّي رَسُول الله وَإِذا أَحْسنُوا اسْتَبْشَرُوا، وَإِذا سافروا قصروا».
رَوَاهُ إِسْمَاعِيل بن إِسْحَاق القَاضِي فِي أَحْكَام الْقُرْآن عَلَى مَا حَكَاهُ عبد الْحق فِي أَحْكَامه عَنهُ حَدثنَا نصر بن عَلّي، نَا عِيسَى بن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن عُرْوَة... فَذكره.
وَهَذَا مُرْسل؛ عُرْوَة هَذَا لم يدْرك النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَه أَبُو حَاتِم.
الطَّرِيق الثَّالِث: من حَدِيث سعيد بن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «خِيَار أمتِي من قصر الصَّلَاة فِي السّفر أَو أفطر».
رَوَاهُ إِسْمَاعِيل القَاضِي أَيْضا فِي أَحْكَامه عَن إِبْرَاهِيم بن حَمْزَة، نَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن ابْن حَرْمَلَة، عَن سعيد بِهِ. وَهَذَا أَيْضا مُرْسل.
وَرَوَاهُ الشَّافِعِي أَيْضا عَن ابْن أبي يَحْيَى، عَن ابْن حَرْمَلَة- هُوَ عبد الرَّحْمَن- عَن ابْن الْمسيب قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «خياركم الَّذين إِذا سافروا قصروا الصَّلَاة وأفطروا- أَو قَالَ: لم يَصُومُوا».
وَاعْلَم أَن الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ اسْتدلَّ بِهَذَا الحَدِيث عَلَى أَن الْقصر أفضل من الْإِتْمَام، ويغني عَنهُ فِي الدّلَالَة أَحَادِيث صَحِيحَة مِنْهَا حَدِيث جَابر السالف فِي الحَدِيث الثَّامِن: «عَلَيْكُم بِرُخْصَة الله الَّتِي رخص لكم» وَمِنْهَا حَدِيث يعْلى عَن عمر السالف: «صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته» وَغير ذَلِك من الْأَحَادِيث.

.الحَدِيث التَّاسِع:

«أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَامُ لما جمع بَين الصَّلَاتَيْنِ والى بَينهمَا وَترك الرَّوَاتِب بَينهمَا».
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سلف فِي الحَدِيث السَّابِع من حَدِيث جَابر وَأُسَامَة وَابْن عمر.

.الحَدِيث الْعَاشِر:

«صَحَّ أَنه عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام أَمر بِالْإِقَامَةِ بَينهمَا».
هُوَ كَمَا قَالَ، وَقد سلف فِي الْبَاب من حَدِيث أُسَامَة، لَكِن فِيهِ «أَنه أَقَامَ» وَلم أر فِيهِ الْأَمر بهَا، وَهُوَ كَاف فِي الدّلَالَة؛ لِأَن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهِ عَلَى أَن الْفَصْل الْيَسِير لَا يُؤثر بَين صَلَاتي الْجمع.

.الحَدِيث الْحَادِي عشر:

قَالَ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ: الْمَشْهُور أَنه لَا جمع بِالْمرضِ وَالْخَوْف والوصل؛ إِذْ لم ينْقل أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جمع بِهَذِهِ الْأَشْيَاء مَعَ حدوثها فِي عصره.
وَقَالَ بعد: رُوِيَ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام جمع بِالْمَدِينَةِ من غير خوف وَلَا سفر وَلَا مطر».
هَذَا الحَدِيث قد سلف الْكَلَام عَلَيْهِ قَرِيبا وَلم يُوجد هَكَذَا مجموعًا فِي رِوَايَة، وَإِنَّمَا هُوَ حَاصِل فِي رِوَايَتَيْنِ كَمَا أسلفته لَك، وَأغْرب الْحَمَوِيّ شَارِح الْوَسِيط فَعَزاهُ بِهَذَا اللَّفْظ إِلَى أبي دَاوُد وَلَيْسَ مجموعًا فِيهِ كَذَلِك.
خَاتِمَة:
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَلم يرد نقل عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه جمع بَين الصُّبْح وَغَيرهَا وَلَا بَين الْعَصْر وَالْمغْرب، وهُوَ كَمَا قَالَ، فَمن سبر الْأَحَادِيث جزم بذلك وَلم يتَرَدَّد.

.كتاب الْجُمُعَة:

كتاب الْجُمُعَة:
ذكر فِيهِ أَحَادِيث وآثارًا:

.أما الْأَحَادِيث:

فأحد وَسِتُّونَ حَدِيثا:

.الحديث الأول:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ترك ثَلَاث جمع تهاونًا طبع الله عَلَى قلبه».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَالْبَزَّار فِي مسنديهما، وَأَصْحَاب السّنَن الْأَرْبَعَة، وَالْحَاكِم فِي مُسْتَدْركه، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه من رِوَايَة أبي الْجَعْد الضمرِي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه وَاللَّفْظ الْمَذْكُور لفظ روايتهم إِلَّا التِّرْمِذِيّ فَإِن لَفظه: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات تهاونًا طبع الله عَلَى قلبه» وَإِلَّا إِحْدَى روايتي ابْن حبَان فَإِن لَفظه فِيهَا: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير عذر فَهُوَ مُنَافِق» وَإِلَّا الإِمَام أَحْمد فَإِن لَفظه: «من ترك ثَلَاث جمع تهاونًا من غير عذر طبع الله عَلَى قلبه» وَإِلَّا الْبَزَّار فَإِن لَفظه: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير عذر طبع الله عَلَى قلبه».
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث حسن. وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. وَذكره ابْن السكن فِي سنَنه الصِّحَاح.
فَائِدَة مهمة: اخْتلف فِي اسْم أبي الْجَعْد الضمرِي عَلَى ثَلَاثَة أَقْوَال: أَحدهَا: عَمْرو بن بكر. ثَانِيهَا: أدرع. ثَالِثهَا: جُنَادَة حكاهن الْمُنْذِرِيّ فِي مُخْتَصر السّنَن والمزي فِي أَطْرَافه، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه: سَأَلت مُحَمَّدًا- يَعْنِي البُخَارِيّ- عَن اسْم أبي الْجَعْد الضمرِي فَلم يعرفهُ، وَقَالَ: لَا أعرف لَهُ عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا هَذَا الحَدِيث. قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَلَا نعرفه إِلَّا من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو.
وَذكره ابْن الْجَوْزِيّ فِي جَامع المسانيد فِي تَرْجَمَة من لَا يعرف اسْمه، وَتبع فِي ذَلِك ابْن أبي حَاتِم وَالطَّبَرَانِيّ.
قلت: وَقَول البُخَارِيّ: لَا أعرف لَهُ إِلَّا هَذَا الحَدِيث. قد ذكر الْبَزَّار فِي مُسْنده لَهُ حديثًَا آخر وَهُوَ: «لَا تشد الرّحال إِلَّا إِلَى ثَلَاثَة مَسَاجِد...» الحَدِيث ثمَّ قَالَ: لَا نعلم رَوَى أَبُو الْجَعْد عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَّا هذَيْن الْحَدِيثين.
فَائِدَة ثَانِيَة: أَبُو الْجَعْد فِي الصَّحَابَة ثَلَاثَة هَذَا أحدهم. وثانيهم: أَفْلح أَخُو أبي القعيس عَم عَائِشَة. وثالثهم: الْغَطَفَانِي الْأَشْجَعِيّ وَالِد سَالم بن أبي الْجَعْد اسْمه رَافع مولَى الأشجع.
ثمَّ هَذَا الحَدِيث مَرْوِيّ من طرق أُخْرَى:
أَحدهَا: عَن صَفْوَان بن سليم، قَالَ مَالك: لَا أَدْرِي أعن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أم لَا، أَنه قَالَ: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات من غير عذر وَلَا عِلّة طبع الله عَلَى قلبه» رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن صَفْوَان هَكَذَا.
ثَانِيهَا: عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير ضَرُورَة طبع الله عَلَى قلبه».
رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه فِي آخر كتاب الصَّلَاة، وَالْحَاكِم فِي آخر هَذَا الْبَاب من مُسْتَدْركه ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث شَاهد لحَدِيث أبي الْجَعْد الضمرِي. قَالَ: وَله شَاهد من حَدِيث مُحَمَّد بن عجلَان صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أَلا هَل عَسى أحدكُم أَن يتَّخذ الصُّبَّة من الْغنم عَلَى رَأس ميل أَو ميلين، فيتعذر عَلَيْهِ الْكلأ عَلَى رَأس ميل أَو ميلين فيرتفع حَتَّى تَجِيء الْجُمُعَة فَلَا يشهدها ثمَّ يطبع الله عَلَى قلبه».
قلت: وَفِي إِسْنَاد هَذَا معدي بن سُلَيْمَان وَلم يخرج لَهُ مُسلم، وَإِنَّمَا أخرج لَهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ ابْن حبَان: إِنَّه كَانَ يروي المقلوبات عَن الثِّقَات والملزقات عَن الْأَثْبَات، لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ إِذا انْفَرد. وَقَالَ عبد الْحق: لين الحَدِيث.
فَائِدَة: اخْتلف الْحفاظ أَيّمَا أصح: حَدِيث جَابر هَذَا أَو حَدِيث أبي الْجَعْد السالف، فَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: إِنَّه أشبه من حَدِيث جَابر. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله: إِن حَدِيث جَابر أصح.
فَائِدَة ثَانِيَة: الصُّبة- بِضَم الصَّاد-: الْقطعَة من الْمعز وَالْإِبِل. قَالَه ابْن الْأَثِير فِي جامعه وَقَالَ عبد الْحق: هِيَ الْقطعَة من الْخَيل وَالْإِبِل.
الطَّرِيق الثَّالِث: عَن أبي قَتَادَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات من غير ضَرُورَة طبع الله عَلَى قلبه».
رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَن أبي سعيد، نَا عبد الْعَزِيز بن مُحَمَّد، عَن أسيد عَن عبد الله بن أبي قَتَادَة، عَن أَبِيه بِهِ سَوَاء.
وَرَوَاهُ الْحَاكِم فِي آخر تَفْسِير سُورَة الْجُمُعَة من مُسْتَدْركه من حَدِيث عبد الله بن أبي قَتَادَة، عَن أَبِيه بِهِ سَوَاء. ثمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد. وَفِيمَا قَالَه نظر؛ فَإِن فِي إِسْنَاده يَعْقُوب بن مُحَمَّد الزُّهْرِيّ وَهُوَ واه.
الطَّرِيق الرَّابِع: عَن أبي عبس عبد الرَّحْمَن بن جَابر الْحَارِثِيّ البدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاث مَرَّات تهاونًا طبع الله عَلَى قلبه».
رَوَاهُ أَبُو نعيم فِي معرفَة الصَّحَابَة من حَدِيث عبد الله بن أَحْمد حَدثنِي أبي، نَا الْوَلِيد بن مُسلم قَالَ: سَمِعت يزِيد بن أبي مَرْيَم، عَن عَبَايَة بن رَافع عَنهُ بِهِ، وَهَذَا إِسْنَاد جيد.
الطَّرِيق الْخَامِس: عَن ابْن أبي أوفي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من سمع النداء يَوْم الْجُمُعَة وَلم يأتها ثمَّ سمع النداء وَلم يأتها ثَلَاثًا طبع الله عَلَى قلبه فَجعل قلبه قلب مُنَافِق».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه من حَدِيث ابْن إِسْحَاق، عَن شُعْبَة، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن سعد بن زُرَارَة، عَن ابْن أبي أَوْفَى بِهِ.
وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح، وَرَوَاهُ القَاضِي أَبُو بكر أَحْمد بن عَلّي الْمروزِي فِي كتاب الْجُمُعَة وفَضلهَا. من حَدِيث يَحْيَى بن سعيد، عَن شُعْبَة، عَن مُحَمَّد الْمَذْكُور، عَن عَمه، عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا طبع الله عَلَى قلبه، وَجعل قلبه قلب مُنَافِق».
الطَّرِيق السَّادِس:
عَن أُسَامَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من ترك ثَلَاث جمعات من غير عذر كتب من الْمُنَافِقين».
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ أَيْضا وَفِيه مُحَمَّد بن مُسلم الطَّائِفِي وَفِيه مقَال، ضعفه أَحْمد ووَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره.
الطَّرِيق السَّابِع: عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَت: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «من ترك ثَلَاث جمع من غير عِلّة- أَو قَالَ: عذر- طبع الله عَلَى قلبه».
ذكره ابْن السكن فِي صحاحه.
الطَّرِيق الثَّامِن: عَن أبي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه رَفعه: «من ترك ثَلَاث جمع- وَلَاء من غير عِلّة طبع عَلَى قلبه: مُنَافِق».
سُئِلَ عَنهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله فَقَالَ: إِنَّه وهم، وَالصَّحِيح حَدِيث أبي الْجَعْد الضمرِي.
وَفِي «الْإِقْنَاع» لِابْنِ الْمُنْذر: ثَبت أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «من ترك الْجُمُعَة ثَلَاثًا من غير ضَرُورَة طبع عَلَى قلبه: مُنَافِق».

.الحديث الثَّانِي:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَة بعد الزَّوَال».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه وَلَفظه: «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَة حِين تميل الشَّمْس».
وَلم يخرج مُسلم عَن أنس فِي وَقت صَلَاة الْجُمُعَة شَيْئا.
وَفِي الْمُسْتَدْرك عَن الزبير بن الْعَوام قَالَ: «كُنَّا نصلي الْجُمُعَة مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكُنَّا نَبْتَدِر الْفَيْء فَمَا يكون إِلَّا قدر قدم أَو قدمين» قَالَ: صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ إِنَّمَا خرج البُخَارِيّ حَدِيث أنس بِغَيْر هَذَا اللَّفْظ.

.الحديث الثَّالِث:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «صلوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح كَمَا سلف بَيَانه فِي بَاب الْأَذَان وَغَيره.

.الحديث الرَّابِع:

أَن الْجُمُعَة لم تقم فِي عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا فِي عهد الْخُلَفَاء الرَّاشِدين إِلَّا فِي مَوضِع الْإِقَامَة.
هَذَا حَدِيث صَحِيح مَشْهُور، وَمن تتبع الْأَحَادِيث وجد من ذَلِك عددا كثيرا، وَمن ذَلِك حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَنه قَالَ: «أول جُمُعَة جمعت بعد جُمُعَة فِي مَسْجِد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَسْجِد عبد الْقَيْس بجواثا من الْبَحْرين» رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه، وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد: «بجواثا قَرْيَة من الْبَحْرين» وَفِي أُخْرَى: «قَرْيَة من قرَى عبد الْقَيْس».
«جواثا» مَضْمُومَة، يُقَال بِالْهَمْز وَتَركه، وَذكر ابْن الْأَثِير أَنَّهَا حصن بِالْبَحْرَيْنِ، وَقَالَ الْبكْرِيّ: مَدِينَة.
وَمن ذَلِك حَدِيث عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها: «كَانَ النَّاس ينتابون الْجُمُعَة من مَنَازِلهمْ وَمن العوالي».
اتّفق الشَّيْخَانِ عَلَى إِخْرَاجه.
والعوالي: الْقرى الَّتِي بِقرب من الْمَدِينَة من جِهَة الشرق وأقربها عَلَى أَرْبَعَة أَمْيَال، وَقيل: ثَلَاثَة. وَقيل: اثْنَان. ذكره الرَّافِعِيّ فِي شَرحه للمسند مقدما عَلَى قَول من قَالَ: ثَلَاثَة. وأبعدها عَلَى ثَمَانِيَة.
وَمن ذَلِك حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن كَعْب الْآتِي فِي الْبَاب قَرِيبا، وَأما حَدِيث عليٍّ رَفعه: «لَا جُمُعَة وَلَا تَشْرِيق إِلَّا فِي مصر» فَلَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ للانقطاع ولضعف إِسْنَاده، وَقد ضعفه الإِمَام أَحْمد وَآخَرُونَ.
تَنْبِيه: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ لِلْقَوْلِ الصَّحِيح بِأَن أهل الْخيام النازلين فِي الصَّحرَاء إِذا اتَّخذُوا ذَلِك وطنًا لَا يبرحون عَنهُ شتاء وَلَا صيفًا أَن الْجُمُعَة لَا تجب عَلَيْهِم بِأَن قبائل الْعَرَب كَانُوا مقيمين حول الْمَدِينَة، وَمَا كَانُوا يصلونَ الْجُمُعَة، وَلَا أَمرهم النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا فَإِن اعْترض معترض عَلَى الرَّافِعِيّ فِي هَذَا الِاسْتِدْلَال بِأَن التِّرْمِذِيّ رَوَى فِي جامعه عَن رجل من أهل قبَاء، عَن أَبِيه- وَكَانَ من أَصْحَاب النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «أمرنَا النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن نشْهد الْجُمُعَة من قبَاء» وَرَوَى أَيْضا فِي جامعه وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «الْجُمُعَة عَلَى من آواه اللَّيْل إِلَى أَهله».
فيجاب عَنهُ: بِأَنَّهُ اعْترض بحديثين غير صَحِيحَيْنِ.
أما الأول: فالرجل من أهل قبَاء مَجْهُول. قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَلَا يَصح فِي هَذَا الْبَاب عَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم شَيْء.
وَأما الثَّانِي: فَقَالَ الْبَيْهَقِيّ تفرد بِهِ معارك عَن عبد الله بن سعيد، وَالْأول مَجْهُول.
قلت: لَا بل ضَعِيف فَإِنَّهُ قد رَوَى عَنهُ ثَمَانِيَة. وَالثَّانِي مُنكر الحَدِيث مَتْرُوك. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث إِسْنَاده ضَعِيف، إِنَّمَا يرْوَى من حَدِيث معارك بن عباد، عَن عبد الله بن سعيد المَقْبُري، وَضعف يَحْيَى عبد الله بن سعيد المَقْبُري.
وَقَالَ الإِمَام أَحْمد لِأَحْمَد بن الْحسن لما أورد لَهُ هَذَا الحَدِيث: اسْتغْفر رَبك، اسْتغْفر رَبك.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: وَإِنَّمَا فعل بِهِ أَحْمد هَذَا؛ لِأَنَّهُ لم يعد هَذَا الحَدِيث شَيْئا، وَضَعفه لحَال إِسْنَاده، وَقَالَ البُخَارِيّ: لم يَصح حَدِيثه.
قلت: وَله شَاهد من حَدِيث مُحَمَّد بن جَابر، عَن أَيُّوب، عَن أبي قلَابَة قَالَ: قَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «الْجُمُعَة عَلَى من آواه اللَّيْل» رَوَاهُ لوين عَن مُحَمَّد بن جَابر وقَالَ: سَمِعت رجلا يذكرهُ لحماد بن زيد فتعجب مِنْهُ وَسكت فَلم يقل شَيْئا.

.الحديث الخَامِس:

أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْخُلَفَاء بعده لم يقيموا الْجُمُعَة إِلَّا فِي مَوضِع وَاحِد مَعَ أَنهم أَقَامُوا الْعِيد فِي الصَّحرَاء والبلد للضعفة.
هُوَ كَمَا قَالَ وَمن سبر الْأَحَادِيث وجدهَا كَذَلِك وَقرب من التَّوَاتُر، وَعبارَة الشَّافِعِي- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَقد كَانَت مَسَاجِد عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يَكُونُوا يجمعوا إِلَّا فِي مَسْجِد، فَإِذا كَانَ فِي الْمصر مَسَاجِد أَحْبَبْت أَن تكون الْجُمُعَة فِي مَسْجِدهَا الْأَعْظَم.

.الحديث السَّادِس:

عَن جَابر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «مَضَت السّنة أَن فِي كل أَرْبَعِينَ فَمَا فَوْقهَا جُمُعَة».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سنَنَيْهِمَا من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن، عَن خصيف، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح، عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: «مَضَت السّنة أَن فِي كل ثَلَاثَة إِمَامًا وَفِي كل أَرْبَعِينَ فَمَا فَوق ذَلِك جُمُعَة وأضحى وَفطر، وَذَلِكَ أَنهم جمَاعَة».
وَهَذَا ضَعِيف لَا يَصح الِاحْتِجَاج بِهِ؛ فَإِن عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن ضَعِيف. قَالَ أَحْمد: اضْرِب عَلَى أَحَادِيثه فَإِنَّهَا كذب أَو مَوْضُوعَة. وَقَالَ النَّسَائِيّ: هُوَ لَيْسَ بِثِقَة. وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: مُنكر الحَدِيث. وَقَالَ ابْن حبَان: لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ.
وخصيف هَذَا هُوَ ابْن عبد الرَّحْمَن الْجَزرِي، وَهُوَ مقارب الْأَمر، ضعفه أَحْمد وَغَيره، وَقَالَ ابْن معِين: صَالح. وَلم يعله الْبَيْهَقِيّ بِهِ وَإِنَّمَا أعله بِالْأولِ فَقَالَ فِي سنَنه: هَذَا حَدِيث لَا يحْتَج بِمثلِهِ، تفرد بِهِ عبد الْعَزِيز هَذَا وَهُوَ ضَعِيف. وَقَالَ فِي خلافياته: هَذَا الحَدِيث لَا أرَاهُ يَصح، فَإِنَّهُ لم يَأْتِ بِهِ غير عبد الْعَزِيز بن عبد الرَّحْمَن شيخ من أهل بالس يُضعفهُ أَصْحَاب الحَدِيث. وَقَالَ فِي الْمعرفَة: هَذَا حَدِيث ضَعِيف لَا يَنْبَغِي أَن يحْتَج بِهِ.

.الحديث السَّابِع:

عَن أبي الدَّرْدَاء رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا اجْتمع أَرْبَعُونَ رجلا فَعَلَيْهِم الْجُمُعَة».
هَذَا الحَدِيث غَرِيب، لم أر من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، ولغرابته عزاهُ الرَّافِعِيّ فِي الْكتاب إِلَى صَاحب التَّتِمَّة فَقَالَ: هَذَا الحَدِيث أوردهُ فِي التَّتِمَّة.

.الحديث الثَّامِن:

عَن أبي أُمَامَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «لَا جُمُعَة إِلَّا بِأَرْبَعِينَ».
هَذَا الحَدِيث لَا يحضرني من خرجه من هَذَا الْوَجْه هَكَذَا، وَكَأن الرَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّهُ استغربه؛ فَإِنَّهُ قَالَ: وَذكر القَاضِي ابْن كجُ أَن الحناطي رَوَى عَن أبي أُمَامَة... فَذكره.
قلت: وَالَّذِي يحضرنا من طَرِيق أبي أُمَامَة لَا يُوَافق مَذْهَبنَا؛ فَإِن الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ- فِي خلافياته أَيْضا- رويا عَنهُ مَرْفُوعا: «عَلَى خمسين جُمُعَة، لَيْسَ فِيمَا دون ذَلِك» وَفِي لفظ: «الْجُمُعَة عَلَى الْخمسين وَلَيْسَ عَلَى من دون الْخمسين جُمُعَة».
ثمَّ هُوَ مَعَ ذَلِك ضَعِيف، قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه: هَذَا حَدِيث لَا يَصح إِسْنَاده. وقَالَ فِي «خلافيلاته»: تفرد بِهِ جَعْفَر بن الزبير، وَهُوَ مَتْرُوك الحَدِيث. وَأعله عبد الْحق فِي أَحْكَامه بِجَعْفَر أَيْضا وَقَالَ:
إِنَّه مَتْرُوك. وَاعْترض عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان فَقَالَ: لَو كَانَ جَعْفَر بن الزبير ثِقَة مَا صَحَّ هَذَا الحَدِيث من أجل غَيره من رُوَاته وهم جمَاعَة أَوَّلهمْ: الْقَاسِم الرَّاوِي عَن أبي أُمَامَة وَهُوَ مُخْتَلف فِيهِ، لَكِن عبد الْحق يوثقه ويصحح حَدِيثه- كَمَا فعل التِّرْمِذِيّ- فَلَا يُؤَاخذ بِهِ.
الثَّانِي: هياج بن بسطَام فَهُوَ ضَعِيف الحَدِيث لَيْسَ بِشَيْء. قَالَه يَحْيَى بن معِين، وَقَالَ أَبُو حَاتِم: يكْتب حَدِيثه وَلَا يحْتَج بِهِ.
الثَّالِث: أَن خَالِد بن هياج لَا أعرفهُ فِي شَيْء من كتب الرِّجَال مَذْكُورا بِذكر يَخُصُّهُ، لَكِن ابْن أبي حَاتِم ذكره فِي أثْنَاء تَرْجَمَة، وَذكره ذكرا يمسهُ.
الرَّابِع: النقاش الْمُفَسّر وَهُوَ ضَعِيف، قَالَ طَلْحَة بن مُحَمَّد: كَانَ يكذب فِي الحَدِيث. قَالَ البرقاني: كل حَدِيثه مُنكر.
قَالَ ابْن الْقطَّان: فقد علم أَن تَضْعِيف الحَدِيث بِسَبَب جَعْفَر بن الزبير ظلم؛ إِذْ فَوْقه وَتَحْته من لَعَلَّ الْجِنَايَة مِنْهُ.
وَاعْلَم أَنه ورد إِقَامَة الْجُمُعَة فِيمَا دون ذَلِك، فَفِي الدَّارَقُطْنِيّ أَيْضا من حَدِيث الزُّهْرِيّ عَن أم عبد الله الدوسية رفعته: «الْجُمُعَة وَاجِبَة عَلَى كل قَرْيَة فِيهَا إِمَام وَإِن لم يَكُونُوا إِلَّا أَرْبَعَة» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «الْجُمُعَة وَاجِبَة عَلَى كل قَرْيَة وَإِن لم يَكُونُوا إِلَّا ثَلَاثَة رابعهم إمَامهمْ»
وفِي رِوَايَة لِابْنِ عدي بعد: «وَإِن لم يَكُونُوا إِلَّا أَرْبَعَة» حَتَّى ذكر النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم ثَلَاثَة لكنه حَدِيث ضَعِيف، قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لَا يَصح هَذَا عَن الزُّهْرِيّ، كل من رَوَاهُ عَنهُ مَتْرُوك، وَالزهْرِيّ لَا يَصح سَمَاعه من الدوسية. وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: لَا يَصح فِي عدد الْجُمُعَة شَيْء.