فصل: وَأما آثاره:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحديث السَّابِع:

عَن ابْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يَا أهل مَكَّة لَا تقصرُوا فِي أقل من أَرْبَعَة برد من مَكَّة إِلَى عُسفان وَإِلَى الطَّائِف».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَالْبَيْهَقِيّ فِي سُنَنهمَا من حَدِيث إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش، عَن عبد الْوَهَّاب بن مُجَاهِد بن جبر الْمَكِّيّ، عَن أَبِيه وَعَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يَا أهل مَكَّة لَا تقصرُوا الصَّلَاة فِي أدنَى من أَرْبَعَة برد من مَكَّة إِلَى عُسفان»
وَلَيْسَ فِي روايتهما ذكر «الطَّائِف» وَهَذَا الحَدِيث ضَعِيف لأوجه:
أَحدهَا: أَن إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش فِيهِ مقَال، وَهُوَ عَن غير الشاميين لَيْسَ بشي عِنْد الْجُمْهُور.
ثَانِيهَا: أَن عبد الْوَهَّاب أَجمعُوا عَلَى شدَّة ضعفه، وَنسبه، الثَّوْريّ إِلَى الْكَذِب، وَتَركه الدَّارَقُطْنِيّ، وَقَالَ الْأَزْدِيّ: لَا تحل الرِّوَايَة عَنهُ.
ثَالِثهَا: أَن عبد الْوَهَّاب لم يسمع من أَبِيه، قَالَ وَكِيع: كَانُوا يَقُولُونَ: لم يسمع من أَبِيه شَيْئا.
رَابِعهَا: أَنه رُوِيَ مَوْقُوفا عَلَيْهِ، وَهُوَ الصَّحِيح، فَرَوَاهُ مَالك أَنه بلغه أَن عبد الله بن عَبَّاس كَانَ يَقُول: «تقصر الصَّلَاة فِي مثل مَا بَين مَكَّة والطائف، وَفِي مثل مَا بَين مَكَّة وَجدّة، وَفِي مثل مَا بَين مَكَّة وَعُسْفَان».
قَالَ مَالك: وَذَلِكَ أَرْبَعَة برد.
وَقَالَ الشَّافِعِي: أَنا سُفْيَان، عَن عَمْرو بن دِينَار، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه سُئِلَ: أتقصر الصَّلَاة إِلَى عَرَفَة؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن إِلَى عسفان وإِلَى جدة وَإِلَى الطَّائِف».
قلت: وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَلما ذكر الْبَيْهَقِيّ رِوَايَة الرّفْع قَالَ: هَذَا حَدِيث ضَعِيف، إِسْمَاعِيل بن عَيَّاش لَا يحْتَج بِهِ، وَعبد الْوَهَّاب ضَعِيف بِمرَّة وَالصَّحِيح أَن ذَلِك من قَول ابْن عَبَّاس.
قلت: وَفَاته الْعلَّة الثَّالِثَة وَهِي الِانْقِطَاع، وَمن الْغَرِيب إِخْرَاج ابْن خُزَيْمَة هَذَا الحَدِيث مَرْفُوعا فِي صَحِيحه عَلَى مَا حَكَاهُ ابْن الرّفْعَة عَن القَاضِي أبي الطّيب، وَمن أَوْهَام نِهَايَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ أَنه ذكر فِي حَدِيث جَابر أَن ذَلِك كَانَ فِي فتح مَكَّة، وَالْمَعْرُوف أَنه إِنَّمَا هُوَ فِي غَزْوَة تَبُوك فَتنبه لَهُ. وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ إِيرَاد هَذَا الحَدِيث من طَرِيق ابْن عمر، وَهُوَ من النساخ فاجتنبه.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِفضل الله وَمِنْه.

.وَأما آثاره:

فخمسة:

.الأول:

«أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه منع أهل الذِّمَّة من الْإِقَامَة فِي أَرض الْحجاز وَجوز للمجتازين بهَا الْإِقَامَة ثَلَاث أَيَّام».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ مَالك فِي الْمُوَطَّأ بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيح فَرَوَاهُ عَن نَافِع، عَن أسلم مولَى عمر، عَن عمر «أَنه أجلى الْيَهُود من الْحجاز ثمَّ أذن لمن قدم مِنْهُم تَاجِرًا أَن يُقيم ثَلَاثَة أَيَّام».
قَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أَبَا زرْعَة عَن هَذَا حَيْثُ حَدثنَا بِهِ عَن مَالك، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر فَقَالَ: الصَّحِيح مَا فِي الْمُوَطَّأ.
قلت: وَفِي البُخَارِيّ عَنهُ «أَنه أجلى الْيَهُود وَالنَّصَارَى من أَرض الْحجاز، وَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام لما ظهر عَلَى أَرض خَيْبَر أَرَادَ أَن يخرج الْيَهُود مِنْهَا، وَكَانَت الأَرْض لما ظهر عَلَيْهَا لله وَلِرَسُولِهِ وللمسلمين، فَسَأَلَ الْيَهُود رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتركهم عَلَى أَن يكفوا الْعَمَل وَلَهُم نصف التَّمْر، فَقَالَ لَهُم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: نقركم عَلَى ذَلِك مَا شِئْنَا. وأقروا حَتَّى أجلاهم عمر إِلَى تيماء».

.الْأَثر الثَّانِي:

«أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما أَقَامَ بِأَذربِيجَان سِتَّة أشهر يقصر الصَّلَاة».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَنهُ قَالَ: «ارتج علينا الثَّلج وَنحن بِأَذربِيجَان سِتَّة أشهر فِي غزَاة وَكُنَّا نصلي رَكْعَتَيْنِ».
قَالَ النَّوَوِيّ فِي خلاصته: إِسْنَاده عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ. وَوَقع فِي بعض نسخ الرَّافِعِيّ أَن عمر هُوَ الْفَاعِل لذَلِك وَهُوَ من النساخ فاحذره.
فَائِدَة:
أذربيجان بِهَمْزَة مَفْتُوحَة غير ممدودة، ثمَّ ذال مُعْجمَة سَاكِنة، ثمَّ رَاء مُهْملَة مَفْتُوحَة، ثمَّ بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة، ثمَّ يَاء مثناة تَحت، ثمَّ جِيم، ثمَّ ألف، ثمَّ نون هَذَا هُوَ الْأَشْهر كَمَا قَالَه صَاحب الْمطَالع وَالْأَكْثَر فِي ضَبطهَا، وَعَلِيهِ اقْتصر الْبكْرِيّ فِي مُعْجَمه، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: كَذَلِك تَقوله الْعَرَب، وَكَذَا ذكره صَاحب تثقيف اللِّسَان وَلكنه كسر الْهمزَة. قَالَ صَاحب الْمطَالع: وَمد الْأصيلِيّ والمهلب الْهمزَة مَعَ فتح الذَّال، وَفتح عبد الله بن سُلَيْمَان وَغَيره الْبَاء. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين بن الصّلاح: الْأَشْهر فِيهَا مد الْهمزَة مَعَ فتح الذَّال وَإِسْكَان الرَّاء. قَالَ: والأفصح الْقصر وَإِسْكَان الذَّال، وَهِي نَاحيَة تشْتَمل عَلَى بِلَاد مَعْرُوفَة. وَحَكَى فِيهِ ابْن مكي آذْربيجان قَالَ: وَالنِّسْبَة أذَري وأذْري عَلَى غير قِيَاس. وَنقل ابْن دحْيَة فِي كِتَابه مرج الْبَحْرين عَن الْمُهلب أَنه قَيده فِي شرح البُخَارِيّ: آذْريبجان بِالْمدِّ وَسُكُون الذَّال وَكسر الرَّاء، بعْدهَا يَاء مثناة تَحت، بعْدهَا بَاء مَفْتُوحَة.
وقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: ألفها مَقْصُورَة وذالها سَاكِنة، كَذَلِك قرأته عَلَى أبي مَنْصُور الجواليقى ويغلط من يمده، وَفِي المبتدئين من يقدم الْيَاء الْمُثَنَّاة تَحت عَلَى الْمُوَحدَة وَهُوَ جهل.
قلت: فتحصلنا عَلَى أوجه، ثمَّ نقل ابْن دحْيَة عَن النَّحْوِيين أَنه اسْم اجْتمعت فِيهِ خمس مَوَانِع من الصّرْف وَهِي العجمة والتعريف والتأنيث والتركيب وَالزِّيَادَة، وَعَن ابْن الْأَعرَابِي أَربع وَحذف الْأَخِيرَة قَالَ: وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق النجيرمي: الْكَلَام الفصيح ذربيجان، وَرَأَيْت بِخَط ابْن خلكان فِي حَاشِيَة مُشكل الْوَسِيط لِابْنِ الصّلاح- عَلَى مَا قيل أَنه بِخَطِّهِ- عقب كَلَام ابْن الصّلاح السالف: نَحن بهَا وَلَا نَعْرِف مَا ذكره وَذَلِكَ بلساننا أذربايكان، وأذر هُوَ النَّار، وبايكان عبارَة عَن المقيمين عَلَيْهَا- أَي كَانُوا عابدين عَلَيْهَا فعرب.
فَائِدَة:
وقد جَاءَ عَن غير ابْن عمر الْقصر فِي أَكثر من ذَلِك.
رَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن أنس «أَن أَصْحَاب رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقَامُوا برامهرمز تِسْعَة أشهر يقصرون الصَّلَاة» إِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم فِيهِ عِكْرِمَة بن عمار، وَفِيه أَيْضا عَن أنس «أَنه أَقَامَ بِالشَّام مَعَ عبد الْملك بن مَرْوَان شَهْرَيْن يُصَلِّي صَلَاة الْمُسَافِرين». إِسْنَاده صَحِيح عَلَى شَرط مُسلم فِيهِ عبد الْوَهَّاب بن عَطاء، وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى توثيقه. وَفِيه أَيْضا عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقَامَ بِخَيْبَر أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ» ثمَّ قَالَ: تفرد بِهِ الْحسن بن عمَارَة وَهُوَ غير مُحْتَج بِهِ. وَقَالَ زَكَرِيَّا السَّاجِي: أَجمعُوا عَلَى ترك حَدِيثه.

.الْأَثر الثَّالِث وَالرَّابِع:

لما ذكر الرَّافِعِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف رادًّا عَلَى أبي حنيفَة فِي قَوْله: إِن السّفر الطَّوِيل مسيرَة ثَلَاثَة أَيَّام. ثمَّ قَالَ: فَهَذَا الحَدِيث يَقْتَضِي الترخيص فِي هَذَا الْقدر- يَعْنِي أَرْبَعَة برد وَهُوَ مرحلتان- ثمَّ قَالَ: ورُوِيَ مثل مَذْهَبنَا عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَغَيرهمَا من الصَّحَابَة. انْتَهَى.
أما أثر ابْن عَبَّاس فقد أسلفناه لَك.
وَأما أثر ابْن عمر فقد ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه مَعَ أثر ابْن عَبَّاس فَقَالَ مَا نَصه: «وَسَمَّى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم السّفر يَوْمًا وَلَيْلَة وَكَانَ ابْن عمر وَابْن عَبَّاس يقصران فِي أَرْبَعَة برد وَهِي سِتَّة عشر فرسخًا».
وأسندهما الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث حجاج، ثَنَا لَيْث، حَدثنِي يزِيد بن أبي حبيب، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح «أَن عبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَبَّاس كَانَا يصليان رَكْعَتَيْنِ ويفطران فِي أَرْبَعَة برد فَمَا فَوق ذَلِك».
ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ من حَدِيث مَالك، عَن زيد بن أسلم، عَن أَبِيه «أَن عمر قصر الصَّلَاة إِلَى خَيْبَر» وَمن حَدِيث مَالك أَيْضا، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر «أَنه قصر الصَّلَاة إِلَى خَيْبَر وَقَالَ: هَذِه ثَلَاث فواصل- يَعْنِي ليالٍ».
وَمن حَدِيثه أَيْضا عَن نَافِع، عَن سَالم «أَن أَبَاهُ ركب إِلَى ذَات النصب فقصر الصَّلَاة فِي مسيرَة ذَلِك. قَالَ مَالك: وَبَين ذَات النصب وَالْمَدينَة أَرْبَعَة برد». وَمن حَدِيثه أَيْضا عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم، عَن أَبِيه «أَنه ركب إِلَى ريم فقصر الصَّلَاة فِي مسيرَة ذَلِك قَالَ: وَذَلِكَ نَحْو من أَرْبَعَة برد» وَمن حَدِيثه أَيْضا عَن ابْن شهَاب، عَن سَالم «أَن أَبَاهُ كَانَ يقصر الصَّلَاة فِي مسيرَة الْيَوْم التَّام». وَمن حَدِيثه أَيْضا أَنه بلغه أَن عبد الله بن عَبَّاس كَانَ يَقُول: «تقصر الصَّلَاة فِي مثل مَا بَين مَكَّة والطائف، وَفِي مثل مَا بَين مَكَّة وَجدّة، وَفِي مثل مَا بَين مَكَّة وَعُسْفَان. قَالَ مَالك: وَذَلِكَ أَرْبَعَة برد». وَهَذَا الْأَثر تقدم إِسْنَاده.
ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ عَن مُجَاهِد، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «إِذا سَافَرت يَوْمًا إِلَى اللَّيْل فاقصر الصَّلَاة».
وَرَوَى معمر، عَن أَيُّوب، عَن نَافِع «أَن ابْن عمر كَانَ يقصر فِي أَرْبَعَة برد» وَفِي لفظ «فِي مسيرَة أَرْبَعَة برد».
وَرَوَى وَكِيع، عَن هِشَام بن ربيعَة بن الْغَاز الجرشِي، عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ «قلت لِابْنِ عَبَّاس: أقصر الصَّلَاة إِلَى عَرَفَة؟ قَالَ: لَا، وَلَكِن إِلَى الطَّائِف وَعُسْفَان فَذَلِك ثَمَانِيَة وَأَرْبَعين ميلًا».
وَرَوَى حَمَّاد بن سَلمَة، عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَحميد كِلَاهُمَا عَن نَافِع ووافقها ابْن جريج عَن نَافِع «أَن ابْن عمر كَانَ لَا يقصر فِي أقل من سِتَّة وَتِسْعين ميلًا».
وَرَوَى هِشَام بن الْغَاز، عَن نَافِع، عَن ابْن عمر قَالَ: «لَا تقصر الصَّلَاة إِلَّا فِي الْيَوْم التَّام».
وَرَوَى مَالك، عَن نَافِع، عَنهُ «أَنه كَانَ لَا يقصر الصَّلَاة فِي الْبَرِيد».
وَرَوَى عَنهُ عَلّي بن ربيعَة الْوَالِبِي: «لَا تقصر فِي أقل من اثْنَيْنِ وَسبعين ميلًا».
وَرَوَى عَنهُ ابْنه سَالم بن عبد الله- وَهُوَ أجلُّ من نَافِع وَأعلم بِهِ- «أَنه قصر إِلَى ثَلَاثِينَ ميلًا».
وَرَوَى عَنهُ ابْن أَخِيه حَفْص بن عَاصِم- وَهُوَ أجل من نَافِع- «أَنه قصر إِلَى ثَمَانِيَة عشر ميلًا».
وَرَوَى عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس: «الْقصر إِلَى عسفان وَهِي اثْنَان وَثَلَاثُونَ ميلًا- وَإِذا ورد عَلَى أهلٍ أَو مَاشِيَة فَيتم وَلَا يقصر إِلَى عَرَفَة وَلَا منى».
وَرَوَى مُجَاهِد عَنهُ: «لَا قصر فِي يَوْم إِلَى الْعَتَمَة لَكِن فِيمَا زَاد عَلَى ذَلِك».
وَرَوَى أَبُو حَمْزَة الضبعِي عَنهُ: «لَا قصر إِلَّا فِي يَوْم مُبَاح».
وَرَوَى عَنهُ: «لَا قصر إِلَّا فِي خَمْسَة وَأَرْبَعين ميلًا فَصَاعِدا».
وَعنهُ: «لَا قصر إِلَّا فِي اثْنَيْنِ وَأَرْبَعين ميلًا فَصَاعِدا».
وَعنهُ: «لَا قصر إِلَّا فِي أَرْبَعِينَ ميلًا فَصَاعِدا».
وَعنهُ إِسْمَاعِيل بن أبي أويس: «لَا قصر إِلَّا فِي سِتَّة وَثَلَاثِينَ ميلًا فَصَاعِدا».
ذكر هَذِه الرِّوَايَات عَنهُ ابْن حزم فِي محلاه وَغَيره.
وَقَول الرَّافِعِيّ: «و غَيرهمَا من الصَّحَابَة» قد أسلفناه عَن عمر، وَالشَّافِعِيّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه لم يذكرهُ إِلَّا عَن ابْن عَبَّاس وَابْن عمر، وَكرر ذَلِك مَرَّات، وَكَذَا الْمَاوَرْدِيّ فِي حاويه والْمُوفق الْحَنْبَلِيّ فِي مغنيه قَالَ: وَقد رُوِيَ عَن ابْن عُمر وَابْن عَبَّاس خلاف ذَلِك.
قلت: وَقد أسلفنا ذَلِك عَنْهُمَا وَقد يجمع بَينهمَا. وَرَوَى الْبَيْهَقِيّ عَن عُثْمَان وَابْن مَسْعُود تعلق الْقصر بِالسَّفرِ، لَكِن لَيْسَ فِيهِ التَّحْدِيد بِالْحَدِّ الْمَذْكُور.

.الْأَثر الْخَامِس:

«أَن ابْن عَبَّاس سُئِلَ: مَا بَال الْمُسَافِر يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ إِذا انْفَرد وأربعًا إِذا ائتم بمقيم؟ فَقَالَ: تِلْكَ السّنة».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده، عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن الطفَاوِي، ثَنَا أَيُّوب، عَن قَتَادَة، عَن مُوسَى بن سَلمَة قَالَ: «كُنَّا مَعَ ابْن عَبَّاس بِمَكَّة فَقلت: إِنَّا إِذا كُنَّا مَعكُمْ صلينَا أَرْبعا، وَإِذا رَجعْنَا إِلَى رحالنا صلينَا رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ: تِلْكَ سنة أبي الْقَاسِم صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم». وَكَذَا أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي أكبر معاجمه عَن عبد الله بن أَحْمد، عَن أَبِيه بِهِ سَوَاء، وَهَذَا الْإِسْنَاد رِجَاله كلهم مُحْتَج بهم فِي الصَّحِيح، أخرج البُخَارِيّ لمُحَمد الطفَاوِي وَوَثَّقَهُ ابْن الْمَدِينِيّ وَقَالَ أَحْمد: مُدَلّس.
قلت: قد صرح هُنَا بِالتَّحْدِيثِ، وَعَن أبي زرْعَة: مُنكر الحَدِيث. وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ مُتَّفق عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ قَتَادَة، ومُوسَى بن سَلمَة أخرج لَهُ مُسلم وَوَثَّقَهُ أَبُو زرْعَة.
وَفِي أَفْرَاد صَحِيح مُسلم، عَن مُوسَى بن سَلمَة قَالَ: «سَأَلت ابْن عَبَّاس: كَيفَ أُصَلِّي إِذا كنت بِمَكَّة إِذا لم أصل مَعَ الإِمَام؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ سنة أبي الْقَاسِم».
وَفِي النَّسَائِيّ عَن مُوسَى عَنهُ قَالَ: «تفوتني الصَّلَاة فِي جمَاعَة وَأَنا بالبطحاء مَا ترَى أُصَلِّي؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ سنة أبي الْقَاسِم».
وَفِي مُسْند أَحْمد، عَن مُوسَى قَالَ: «قلت لِابْنِ عَبَّاس: إِذا لم تدْرك الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد كَيفَ تصلي بالبطحاء؟ قَالَ: رَكْعَتَيْنِ تِلْكَ سنة أبي الْقَاسِم».
قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ عقب هَذَا: وَالْإِشَارَة إِلَى صَلَاة الْعِيد. كَذَا قَالَ، ثمَّ عزاهُ إِلَى أَفْرَاد مُسلم، وَمرَاده أَصله لَا لَفظه.
قَالَ الرَّافِعِيّ بعد سياقته لهَذَا الْأَثر: وَالْمَفْهُوم سنة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر. وَهُوَ كَمَا قَالَ.

.باب الْجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر:

ذكر فِيهِ أحد عشر حَدِيثا:

.الحديث الأول:

عَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهما قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جد بِهِ السّير جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أودعهُ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا كَذَلِك، ذكره مُسلم هُنَا وَالْبُخَارِيّ آخر الْحَج وَزَاد فِي أَوله عَن نَافِع «أَن ابْن عمر كَانَ إِذا جد بِهِ السّير جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء بعد أَن يغيب الشَّفق وَيَقُول: كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا جد بِهِ السّير و...» الحَدِيث.
وَمَعْنى جد: أسْرع.

.الحديث الثَّانِي:

عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر فِي السّفر».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته أَيْضا بِلَفْظ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس أخر الظّهْر إِلَى وَقت الْعَصْر ثمَّ نزل فَجمع بَينهمَا، فَإِن زاغت قبل أَن يرتحل صَلَّى الظّهْر ثمَّ ركب» وَأوردهُ الْحَاكِم فِي الْأَرْبَعين الَّتِي خرجها فِي شعار أهل الحَدِيث بِلَفْظ: «صَلَّى الظّهْر وَالْعصر ثمَّ ركب» ثمَّ قَالَ: رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم. وَمرَاده أَصله، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يجمع بَين صَلَاة الْمغرب وَالْعشَاء فِي السّفر» وَفِي رِوَايَة لمُسلم: «كَانَ إِذا أَرَادَ أَن يجمع بَين الصَّلَاتَيْنِ فِي السّفر أخر الظّهْر حَتَّى يدْخل أول وَقت الْعَصْر ثمَّ يجمع بَينهمَا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «إِذا عجل عَلَيْهِ السّفر يُؤَخر الظّهْر إِلَى أول وَقت الْعَصْر فَيجمع بَينهمَا وَيُؤَخر الْمغرب حَتَّى يجمع بَينهَا وَبَين الْعشَاء حِين يغيب الشَّفق».
قَالَ عبد الْحق فِي جمعه: لم يخرج البُخَارِيّ ذكر الْمغرب وَالْعشَاء فِي هَذَا الحَدِيث بِهَذَا اللَّفْظ، إِنَّمَا قَالَ: «كَانَ عَلَيْهِ السَّلَام يجمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء فِي السّفر» وَلم يقل: «إِلَى أول وَقت الْعَصْر» بل قَالَ: «إِلَى وَقت الْعَصْر».

.الحديث الثَّالِث:

ثَبت أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا كَانَ سائرًا فِي وَقت الأولَى أَخّرهَا إِلَى الثَّانِيَة، وَإِذا كَانَ نازلاً فِي وَقت الأولَى قدم الثَّانِيَة إِلَيْهَا.
هُوَ كَمَا قَالَ، أما الْقطعَة الأولَى وَهِي جمع التَّأْخِير فثابتة فِي الصَّحِيحَيْنِ كَمَا عَرفته آنِفا من حَدِيث أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه- وَأما الْقطعَة الثَّانِيَة- وَهِي جمع التَّقْدِيم- فثابت من حَدِيث جَابر الطَّوِيل الْآتِي بِطُولِهِ فِي الْحَج- إِن شَاءَ الله تَعَالَى- فَإِن فِيهِ: «ثمَّ أذن ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الظّهْر، ثمَّ أَقَامَ فَصَلى الْعَصْر وَلم يصل بَينهمَا شَيْئا، وَكَانَ ذَلِك بعد الزَّوَال» كَمَا ستعلمه هُنَاكَ- إِن شَاءَ الله وَقدره- وَهُوَ من أَفْرَاد مُسلم.
وَورد أَيْضا فِي عدَّة أَحَادِيث:
أَحدهَا: فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس، وَقد سقته بِطُولِهِ وَالْكَلَام عَلَيْهِ فِي أَحَادِيث الْمُهَذّب فَرَاجعه مِنْهُ، ونقلنا هُنَاكَ عَن التِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي حَامِد أَحْمد بن عبد الله التَّاجِر الْمروزِي أَنه قَالَ فِيهِ: إِنَّه حسن صَحِيح غَرِيب من حَدِيث ابْن عَبَّاس.
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث كريب وَعِكْرِمَة أَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَلا أخْبركُم عَن صَلَاة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي السّفر؟ قُلْنَا: بلَى. قَالَ: كَانَ إِذا زاغت لَهُ الشَّمْس فِي منزله جمع بَين الظّهْر وَالْعصر قبل أَن يركب، وَإِذا لم تزغ لَهُ فِي منزله سَار حَتَّى إِذا حانت الْعَصْر نزل فَجمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وإِذا حانت الْمغرب فِي منزله جمع بَينهَا وَبَين الْعشَاء، وَإِذا لم تحن فِي منزله ركب حَتَّى إِذا حانت الْعشَاء نزل فَجمع بَينهمَا».
قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَى هَذَا الحَدِيث حجاج، عَن ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي حُسَيْن، عَن كريب وَحده، عَن ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ عُثْمَان بن عمر، عَن ابْن جريج، عَن حُسَيْن، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس. وَرَوَاهُ عبد الْمجِيد، عَن ابْن جريج، عَن هِشَام بن عُرْوَة، عَن حُسَيْن عَن كريب، عَن ابْن عَبَّاس، وَكلهمْ ثِقَات فَاحْتمل أَن يكون ابْن جريج سَمعه أَولا من هِشَام بن عُرْوَة، عَن حُسَيْن كَقَوْل عبد الْمجِيد عَنهُ، ثمَّ لَقِي ابْن جريج حُسَيْنًا فَسَمعهُ مِنْهُ، كَقَوْل عبد الرَّزَّاق وحجاج عَن ابْن جريج قَالَ: حَدثنِي حُسَيْن. وَاحْتمل أَن يكون حُسَيْن سَمعه من كريب وَمن عِكْرِمَة جَمِيعًا عَن ابْن عَبَّاس، فَكَانَ يحدث بِهِ مرّة عَنْهُمَا جَمِيعًا كَرِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَنهُ وَمرَّة عَن كريب وَحده كَقَوْل حجاج وَابْن أبي رواد، وَمرَّة عَن عِكْرِمَة وَحده عَن ابْن عَبَّاس كَقَوْل عُثْمَان بن عمر، وَتَصِح الْأَقَاوِيل كلهَا. ثمَّ رَوَى بأسانيده عَن حُسَيْن، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «كَانَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا زاغت الشَّمْس صَلَّى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا، وَإِذا ارتحل قبل أَن تزِيغ أخرهما حَتَّى يُصَلِّيهمَا فِي وَقت الْعَصْر» وَفِي رِوَايَة لَهُ «كَانَ إِذا نزل منزلا فَزَالَتْ الشَّمْس لم يرتحل حَتَّى يُصَلِّي الظّهْر، وَإِذا ارتحل قبل الزَّوَال صَلَّى كل وَاحِدَة لوَقْتهَا» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «كَانَ إِذا ارتحل حِين تزِيغ الشَّمْس يجمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَإِذا ارتحل قبل ذَلِك أخر ذَلِك إِلَى وَقت الْعَصْر».
ثَانِيهَا: عَن معَاذ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ فِي غَزْوَة تَبُوك إِذا زاغت الشَّمْس قبل أَن يرتحل جمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَإِن ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس أخر الظّهْر حَتَّى ينزل الْعَصْر، وَفِي الْمغرب مثل ذَلِك إِن غَابَتْ الشَّمْس قبل أَن يرتحل جمع بَين الْمغرب وَالْعشَاء، وَإِن ارتحل قبل أَن يغيب الشَّفق أخر الْمغرب حَتَّى ينزل الْعشَاء ثمَّ يجمع بَينهمَا».
رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالْبَيْهَقِيّ وَالْحَاكِم وَابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث قُتَيْبَة بن سعيد، عَن اللَّيْث بن سعد، عَن يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن معَاذ بِهِ وَهَذَا إِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ لكنه فَرد من الْأَفْرَاد، لَا جرم أَن التِّرْمِذِيّ قَالَ إثره: هَذَا حَدِيث حسن غَرِيب تفرد بِهِ قُتَيْبَة لَا نعلم أحدا رَوَاهُ عَن اللَّيْث غَيره. قَالَ: وَالْمَعْرُوف عِنْد أهل الْعلم حَدِيث معَاذ من حَدِيث أبي الزبير. يَعْنِي الَّذِي رَوَاهُ مُسلم وَغَيره وَلَيْسَ فِيهِ جمع التَّقْدِيم.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: لم يرو هَذَا الحَدِيث إِلَّا قُتَيْبَة وَحده. وَقَالَ- فِيمَا حَكَاهُ الْمُنْذِرِيّ-: هَذَا حَدِيث مُنكر وَلَيْسَ فِي تَقْدِيم الْوَقْت حَدِيث قَائِم.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد عَلّي بن حزم: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الطُّفَيْل، وَلَا يعلم أحد من أَصْحَاب الحَدِيث أَن ليزِيد بن أبي حبيب سَمَاعا من أبي الطُّفَيْل.
قلت: وَأثبت أَبُو الْقَاسِم هبة الله اللالكائي سَمَاعه مِنْهُ وَهُوَ مُحْتَمل؛ لِأَن عمره حِين مَاتَ أَبُو الطُّفَيْل أَكثر من أَرْبَعِينَ سنة؛ لِأَنَّهُ ولد سنة ثَلَاث وَخمسين وَمَات أَبُو الطُّفَيْل سنة مائَة، سِيمَا وَيزِيد بن أبي حبيب مِمَّن خرج حَدِيثه فِي الصَّحِيحَيْنِ وَاحْتج بِهِ ابْن حزم فِي مَوَاضِع وَلم يتهم بالتدليس.
وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو سعيد بن يُونُس: لم يحدث بِهَذَا الحَدِيث إِلَّا قُتَيْبَة وَيُقَال: إِنَّه غلط فِيهِ فغيَّر بعض الْأَسْمَاء وَأَن مَوضِع يزِيد بن أبي حبيب أَبُو الزبير.
وَقَالَ قُتَيْبَة بن سعيد: هَذَا الحَدِيث عَلَيْهِ عَلامَة من الْحفاظ كتبُوا عني هَذَا الحَدِيث أَحْمد بن حَنْبَل وَيَحْيَى بن معِين والْحميدِي وَأَبُو بكر بن أبي شيبَة، وَأَبُو خَيْثَمَة. حَتَّى عد سَبْعَة، نَقله ابْن حبَان فِي صَحِيحه عَنهُ.
وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم فِي علله: سَأَلت أبي عَنهُ فَقَالَ: لَا أعرفهُ من حَدِيث يزِيد بن أبي حبيب، وَالَّذِي عِنْدِي أَنه دخل لَهُ حَدِيث فِي حَدِيث.
وَقَالَ الْحَاكِم أَبُو عبد الله فِي عُلُوم الحَدِيث: هَذَا الحَدِيث رُوَاته أَئِمَّة ثِقَات وَهُوَ شَاذ الْإِسْنَاد والمتن، ثمَّ لَا تُعرف لَهُ عِلّة نعلله بهَا، فَلَو كَانَ الحَدِيث عِنْد اللَّيْث، عَن أبي الزبير، عَن أبي الطُّفَيْل لعللنا الحَدِيث، وَلَو كَانَ عِنْد يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الزبير لعللناه بِهِ، فَلَمَّا لم نجد التعليلين خرج عَن أَن يكون معلولاً، ثمَّ نَظرنَا فَلم نجد ليزِيد بن أبي حبيب عَن أبي الطُّفَيْل رِوَايَة، وَلَا وجدنَا هَذَا الْمَتْن بِهَذِهِ السِّيَاقَة عِنْد أحد من أَصْحَاب أبي الطُّفَيْل، وَلَا عِنْد أحد مِمَّن رَوَى عَن معَاذ غير أبي الطُّفَيْل، فَقُلْنَا الحَدِيث شَاذ. وحدثونا عَن أبي الْعَبَّاس الثَّقَفِيّ قَالَ: كَانَ قُتَيْبَة بن سعيد يَقُول لنا: عَلَى هَذَا الحَدِيث عَلامَة أَحْمد بن حَنْبَل وَعلي بن الْمَدِينِيّ وَيَحْيَى بن معِين وَأبي بكر بن أبي شيبَة وَأبي خَيْثَمَة، حَتَّى عد قُتَيْبَة سَبْعَة أسامي من أَئِمَّة الحَدِيث كتبُوا عَنهُ هَذَا الحَدِيث.
قَالَ الْحَاكِم: فأئمة الحَدِيث إِنَّمَا سَمِعُوهُ من قُتَيْبَة تَعَجبا من إِسْنَاده وَمَتنه، ثمَّ لم يبلغنَا عَن أحد مِنْهُم أَنه ذكر للْحَدِيث عِلّة وَلم يذكر لَهُ أَبُو عَلّي الْحَافِظ وَلَا النَّسَائِيّ عِلّة- وهما حَافِظَانِ- فَنَظَرْنَا فَإِذا الحَدِيث مَوْضُوع، وقتيبة ثِقَة مَأْمُون. ثمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ إِلَى البُخَارِيّ قَالَ: قلت لقتيبة بن سعيد مَعَ من كتبت عَن اللَّيْث بن سعد حَدِيث يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الطُّفَيْل؟ قَالَ: كتبته مَعَ خَالِد الْمَدَائِنِي. قَالَ البُخَارِيّ: وَكَانَ خَالِد الْمَدَائِنِي يدْخل الْأَحَادِيث عَلَى الشُّيُوخ. يُرِيد أَنه يدْخل فِي روايتهم مَا لَيْسَ مِنْهَا؛ قَالَه ابْن حزم.
قلت: وخَالِد هَذَا مَتْرُوك، قَالَ البُخَارِيّ: تَركه عَلّي وَالنَّاس.
وَقَالَ أَحْمد: لَا أروي عَنهُ شَيْئا. وَقَالَ ابْن رَاهَوَيْه: كَانَ كذابا. وَقَالَ الْأَزْدِيّ: أَجمعُوا عَلَى تَركه. وَقَالَ يَعْقُوب بن شيبَة: مَتْرُوك الحَدِيث، كل أَصْحَابنَا يجمع عَلَى تَركه سُوَى ابْن الْمَدِينِيّ فَإِنَّهُ كَانَ حسن الرَّأْي فِيهِ.
قلت: قد أسلفنا عَن البُخَارِيّ عَن عَلّي بن الْمَدِينِيّ أَنه تَركه، وَقَالَ ابْن أبي حَاتِم: مَتْرُوك الحَدِيث. وأحرق ابْن معِين مَا كتب عَن خَالِد، وَقَالَ ابْن عدي: لَهُ عَن اللَّيْث بن سعد غير حَدِيث مُنكر، وَاللَّيْث بَرِيء من رِوَايَة خَالِد عَنهُ تِلْكَ الْأَحَادِيث. وَأعله أَبُو مُحَمَّد بن حزم فِي محلاه بأوجه:
أَحدهَا: أَنه لم يَأْتِ هَكَذَا إِلَّا من طَرِيق يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الطُّفَيْل، وَلَا يُعلم أحد من أَصْحَاب الحَدِيث ليزِيد سَمَاعا من أبي الطُّفَيْل، وَقد أسلفنا هَذَا عَنهُ مَعَ جَوَابه.
ثَانِيهَا: أَن أَبَا الطُّفَيْل صَاحب راية الْمُخْتَار، وَذكر أَنه كَانَ يَقُول بالرجعة.
ثَالِثهَا: مَا تقدم عَن البُخَارِيّ.
وَأجَاب عبد الْحق عَن الْعلَّة الثَّانِيَة فَقَالَ: هَذَا لَيْسَ بعلة، وَلَعَلَّ أَبَا الطُّفَيْل كَانَ لَا يعلم بِسوء مَذْهَب الْمُخْتَار، وَإِنَّمَا خرج الْمُخْتَار يطْلب دم الْحُسَيْن وَكَانَ قَاتله حيًّا فَخرج أَبُو الطُّفَيْل مَعَه.
قلت: وَالدَّلِيل عَلَى ذَلِك أَن أَبَا عمر بن عبد الْبر ذكر فِي كِتَابه عَن أبي الطُّفَيْل أَنه كَانَ محبًّا فِي عَلّي، وَكَانَ من أَصْحَابه فِي مشاهده، وَكَانَ ثِقَة مَأْمُونا يعْتَرف بِفضل الشَّيْخَيْنِ إِلَّا أَنه كَانَ يقدم عليًّا، وَأما مَا ذكر عَنهُ من أَمر الرّجْعَة فَلَعَلَّ ذَلِك لم يَصح عَنهُ. وَقَوله: لم يَأْتِ هَذَا الحَدِيث هَكَذَا إِلَّا من طَرِيق يزِيد بن أبي حبيب، عَن أبي الطُّفَيْل. فِيهِ نظر؛ فقد ذكر الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله أَن الْمفضل بن فضَالة رَوَى عَن اللَّيْث، عَن هِشَام بن سعد، عَن أبي الزبير، عَن أبي الطُّفَيْل، عَن معَاذ الْقِصَّة بِعَينهَا، وَقد أخرجهَا ابْن حزم أَيْضا. قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّمَا أَنْكَرُوا من هَذَا رِوَايَة يزِيد عَن أبي الطُّفَيْل، فَأَما رِوَايَة أبي الزبير عَن أبي الطُّفَيْل فَهِيَ مَحْفُوظَة صَحِيحَة. وَهَذِه الطَّرِيقَة الَّتِي أَشَارَ إِلَيْهَا رَوَاهَا أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَفِي إسنادها هِشَام بن سعد وَقد استضعف، وَكَانَ يَحْيَى بن سعيد لَا يحدث عَنهُ، وأعلها ابْن حزم فِي محلاه بِهِ، لَكِن احْتج بِهِ مُسلم وَاسْتشْهدَ بِهِ البُخَارِيّ، وَقَالَ الْعجلِيّ: جَائِز الحَدِيث حسن الحَدِيث. وَقَالَ أَبُو زرْعَة: شيخ مَحَله الصدْق. وَقَالَ عبد الْحق: لم أر فِيهِ أحسن من قَول أبي بكر الْبَزَّار: لم أر أحدا توقف عَن حَدِيث هِشَام بن سعد وَلَا اعتل عَلَيْهِ بعلة بعد توجب التَّوَقُّف عَنهُ. وَقَالَ أَبُو دَاوُد فِي غير سنَنه: إِنَّه حَدِيث مُنكر.
قلت: فتحصلنا عَلَى خمس مقالات فِي هَذَا الحَدِيث للحفاظ إِحْدَاهَا: أَنه حسن غَرِيب. قَالَه التِّرْمِذِيّ.
ثَانِيهَا: أَنه مَحْفُوظ صَحِيح. قَالَه ابْن حبَان وَالْبَيْهَقِيّ.
ثَالِثهَا: أَنه مُنكر. قَالَه أَبُو دَاوُد.
رَابِعهَا: أَنه مُنْقَطع. قَالَه ابْن حزم.
خَامِسهَا: أَنه مَوْضُوع. قَالَه الْحَاكِم.
وأصل حَدِيث أبي الطُّفَيْل عَن معَاذ فِي صَحِيح مُسلم وَهُوَ مَعْدُود من أَفْرَاده وَلَفظه عَنهُ: «جمع رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي غَزْوَة تَبُوك بَين الظّهْر وَالْعصر وَبَين الْمغرب وَالْعشَاء قَالَ: فَقلت: مَا حمله عَلَى ذَلِك؟ فَقَالَ: أَرَادَ أَن لَا يحرج أمته».
وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا، وَأَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه.
ثَالِثهَا: عَن عَلّي بن أبي طَالب رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا ارتحل حِين تَزُول الشَّمْس جمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَإِذا جد بِهِ السّير أخر الظّهْر وَعجل الْعَصْر ثمَّ يجمع بَينهمَا».
رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه من حَدِيث أَحْمد بن مُحَمَّد بن سعيد، عَن الْمُنْذر بن مُحَمَّد، عَن أَبِيه، عَن مُحَمَّد بن الْحُسَيْن بن عَلّي بن الْحُسَيْن قَالَ: حَدثنِي أبي، عَن أَبِيه، عَن جده، عَن عَلّي... فَذكره.
قَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: الْمُنْذر وَمُحَمّد بن الْحُسَيْن لم أجد لَهما ذكرا.
وَفِي مُسْند أَحْمد من زيادات ابْنه عبد الله: ثَنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة، نَا أَبُو أُسَامَة، عَن عبد الله بن مُحَمَّد بن عمر بن عَلّي، عَن أَبِيه، عَن جده «أَن عليًّا كَانَ يسير حَتَّى إِذا غربت الشَّمْس وأظلم نزل فَصَلى الْمغرب، ثمَّ صَلَّى الْعشَاء عَلَى إثْرهَا ثمَّ يَقُول: هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم يصنع».
رَابِعهَا: عَن أنس رَضِيَ اللَّهُ عَنْه قَالَ: «كَانَ إِذا كَانَ فِي سفر فَزَالَتْ الشَّمْس صَلَّى الظّهْر وَالْعصر جَمِيعًا ثمَّ ارتحل».
رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَالْبَيْهَقِيّ، قَالَ النَّوَوِيّ: وَإِسْنَاده صَحِيح. وَذكره صَاحب الإِمام من طَرِيق الْبَيْهَقِيّ وَأقرهُ، وَأما الذَّهَبِيّ فَذكره فِي مِيزَانه فِي تَرْجَمَة إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه عَنهُ عَن شَبابَة، عَن اللَّيْث، عَن عقيل، عَن ابْن شهَاب، عَن أنس مَرْفُوعا- كَمَا سَاقه الْإِسْمَاعِيلِيّ- ثمَّ قَالَ: هَذَا مَعَ نبل رُوَاته مُنكر ثمَّ أعله بِرِوَايَة الصَّحِيح الْمُتَقَدّمَة.
وَرَوَى الْحَاكِم فِي «الْأَرْبَعين الَّتِي خرجها فِي شعار أهل الحَدِيث» عَن أبي الْعَبَّاس الْأَصَم- أحد الثِّقَات الْأَثْبَات- ثَنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق الصغاني قَالَ: أَخْبرنِي حسان بن عبد الله، عَن الْمفضل بن فضَالة، عَن عقيل عَن ابْن شهَاب، عَن أنس: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ إِذا ارتحل قبل أَن تزِيغ الشَّمْس...» الحَدِيث كَمَا سلف وَفِيه «فَإِن زاغت الشَّمْس قبل أَن يرتحل صَلَّى الظّهْر وَالْعصر ثمَّ ركب» ثمَّ قَالَ: أخرجه الشَّيْخَانِ. وَمرَاده: أَصله لَا بِهَذِهِ اللَّفْظَة كَمَا سلف فِي الحَدِيث الثَّانِي من أَحَادِيث الْبَاب، وَهَذِه الزِّيَادَة من الْأَصَم إِلَى أنس كلهم رجال الصَّحِيح.
ثمَّ اعْلَم أَن الْحَافِظ أَبَا مُحَمَّد الْمُنْذِرِيّ لما ذكر حَدِيث ابْن عَبَّاس السالف قَالَ عقبه: وَقد صَحَّ ذَلِك من حَدِيث أنس. ثمَّ سَاقه بِلَفْظ البُخَارِيّ وَمُسلم كَمَا قَدمته وَعَزاهُ إِلَيْهِمَا، وَقد علمت أَنه لَيْسَ فِيهَا الصراحة بِجمع التَّقْدِيم، فَتنبه لَهُ.