فصل: كتاب صَلَاة الْمُسَافِرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البدر المنير في تخريج الأحاديث والآثار الواقعة في الشرح الكبير



.الحَدِيث الثَّالِث بعد الْخمسين:

رُوِيَ أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «إِذا أَتَى أحدكُم الصَّلَاة وَالْإِمَام عَلَى حَال فليصنع كَمَا يصنع الإِمَام».
هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ فِي جامعه بِهَذَا اللَّفْظ من رِوَايَة الْحجَّاج، عَن أبي إِسْحَاق، عَن هُبَيْرَة- هُوَ ابْن يريم- عَن عَلّي. وَعَن عَمْرو بن مرّة، عَن ابْن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ بن جبل قَالَا:
قَالَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: «إِذا أَتَى...» الحَدِيث مثله سَوَاء.
وَهَذَا إِسْنَاد ضَعِيف ومنقطع؛ لِأَن الْحجَّاج- هُوَ ابْن أَرْطَاة وَهُوَ ضَعِيف- يُدَلس عَن الضُّعَفَاء، وَعبد الرَّحْمَن لم يسمع من معَاذ كَمَا ذَكرْنَاهُ قبل هَذَا آنِفا، وَسلف فِي أثْنَاء بَاب الْأَذَان أَيْضا.
قَالَ التِّرْمِذِيّ: هَذَا حَدِيث غَرِيب لَا نعلم أحدا أسْندهُ إِلَّا مَا رُوِيَ من هَذَا الْوَجْه، وَالْعَمَل عَلَى هَذَا عِنْد أهل الْعلم قَالُوا: إِذا جَاءَ الرجل وَالْإِمَام ساجد فليسجد وَلَا تُجزئه تِلْكَ الرَّكْعَة إِذا فَاتَهُ الرُّكُوع مَعَ الإِمَام. وَاخْتَارَ عبد الله بن الْمُبَارك أَن يسْجد مَعَ الإِمَام، وَذكر عَن بَعضهم فَقَالَ: لَعَلَّه أَن لَا يرفع رَأسه من تِلْكَ السَّجْدَة حَتَّى يغْفر لَهُ.
وَقَالَ عبد الْحق فِي أَحْكَامه: حَدِيث عَلّي ضَعِيف، وَإسْنَاد حَدِيث معَاذ مُنْقَطع. وَلم يبين مَوضِع الْعلَّة مِنْهُمَا، وَقد بيناها كَمَا أسلفناه لَك.
وَفِي مُسْند الإِمَام أَحْمد من حَدِيث عَمْرو بن مرّة، عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي لَيْلَى، عَن معَاذ قَالَ: «أحيلت الصَّلَاة ثَلَاثَة أَحْوَال...» فَذكر الحَدِيث إِلَى أَن قَالَ: «وَكَانُوا يأْتونَ الصَّلَاة وَقد سبقهمْ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَعْضِهَا فَكَانَ الرجل يُشِير إِلَى الرجل إِذا جَاءَ: كم صَلَّى؟ فَيَقُول وَاحِدَة أَو اثْنَتَيْنِ فيصليهما، ثمَّ يدْخل مَعَ الْقَوْم فِي صلَاتهم. قَالَ: فجَاء معَاذ فَقَالَ: لَا أَجِدهُ عَلَى حَال أبدا إِلَّا كنت عَلَيْهَا، ثمَّ قضيت مَا سبقني. قَالَ: فجَاء وَقد سبقه النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِبَعْضِهَا. قَالَ: فَثَبت مَعَه فَلَمَّا قَضَى رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته قَامَ فَقَضَى، فَقَالَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: قد سنّ لكم معَاذ فَهَكَذَا فَاصْنَعُوا».
وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن أبي لَيْلَى قَالَ: «أحيلت الصَّلَاة...» فَذكره. ثمَّ من حَدِيثه عَن معَاذ... فَذكره أَيْضا.
هَذَا آخر الْكَلَام عَلَى أَحَادِيث الْبَاب بِفضل الله وَمِنْه.

.وَأما آثاره:

فستة:

.أَولهَا:

أَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها «أمَّت نسَاء فَقَامَتْ وسطهن».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ أَحْمد، عَن وَكِيع، عَن سُفْيَان، عَن ابْن أبي حَازِم ميسرَة، عَن رائطة الْحَنَفِيَّة «أَن عَائِشَة أَمَّتْ نسْوَة فِي الْمَكْتُوبَة فأمتهن بَينهُنَّ وسطا».
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من هَذَا الْوَجْه وَمن حَدِيث عبد الله بن إِدْرِيس، عَن لَيْث، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا كَانَت تؤذن وتقيم وتؤم النِّسَاء وَتقوم وسطهن».
وَذكره فِي الْمعرفَة عَن الشَّافِعِي فَقَالَ: قَالَ الشَّافِعِي: وَرَوَى لَيْث بن أبي سليم، عَن عَطاء، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا صلت بنسوة الْعَصْر فَقَامَتْ وسطهن».
وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن حزم من حَدِيث زِيَاد بن لَاحق، عَن تَمِيمَة بنت سَلمَة، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا أمت النِّسَاء فَقَامَتْ وسطهن وجهرت بِالْقِرَاءَةِ».

.الْأَثر الثَّانِي:

«أَن أم سَلمَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أمت نسَاء فَقَامَتْ وسطهن».
وَهَذَا الْأَثر رَوَاهُ الشَّافِعِي، عَن ابْن عُيَيْنَة، عَن عمار الدهني، عَن امْرَأَة من قومه يُقَال لَهَا: حجيرة، عَن أم سَلمَة «أَنَّهَا أمتهن فَقَامَتْ وسطا».
وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد بن حزم من هَذَا الْوَجْه وَقَالَ حجيرة بنت حُصَيْن قَالَت: «أمتنَا أم سَلمَة أم الْمُؤمنِينَ فِي صَلَاة الْعَصْر فَقَامَتْ بَيْننَا» وَرَوَاهُ أَيْضا من حَدِيث قَتَادَة عَن أم الْحسن بن أبي الْحسن «أَن أم سَلمَة كَانَت تؤمهن فِي رَمَضَان وَتقوم مَعَهُنَّ فِي الصَّفّ».
قَالَ الشَّافِعِي- رَحِمَهُ اللَّهُ-: وَرَوَى صَفْوَان بن سليم قَالَ: «من السّنة أَن تصلي الْمَرْأَة بِالنسَاء تقوم وسطهن» وَفِي الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث دَاوُد يَعْنِي ابْن الْحصين عَن عِكْرِمَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «تؤم الْمَرْأَة النِّسَاء تقوم وسطهن». قَالَ: وقد روينَا فِيهِ حَدِيثا مُسْندًا فِي بَاب الْأَذَان وَفِيه ضعف.
وَقد أسلفنا هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ أَيْضا، وَأطلق ابْن الصّلاح فِي مشكله أَنه بَاطِل لَا أصل لَهُ وَتَبعهُ النَّوَوِيّ فِي خلاصته.

.الْأَثر الثَّالِث:

«أَن عَائِشَة كَانَ يؤمها عبد لَهَا لم يعْتق يكنى أَبَا عَمرو».
وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه تَعْلِيقا بِغَيْر إِسْنَاد؛ فَقَالَ: «وَكَانَت عَائِشَة يؤمها عَبدهَا ذكْوَان من الْمُصحف». وَأسْندَ هَذَا التَّعْلِيق أَبُو بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة عَن أبي بكر بن أبي مليكَة: «أَن عَائِشَة أعتقت غُلَاما لَهَا عَن دبر فَكَانَ يؤمها فِي رَمَضَان فِي الْمُصحف». وَأسْندَ الشَّافِعِي عَن عبد الْمجِيد بن عبد الْعَزِيز، عَن ابْن جريج، أَخْبرنِي عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكَة: «أَنهم كَانُوا يأْتونَ عَائِشَة بِأَعْلَى الْوَادي هُوَ وَعبيد بن عُمَيْر والمسور بن مخرمَة وناس كثير، فيؤمهم أَبُو عَمْرو مولَى عَائِشَة، وَأَبُو عَمْرو غلامها حِينَئِذٍ لم يعْتق، وَكَانَ إِمَام بني مُحَمَّد بن أبي بكر وَعُرْوَة». وَفِي علل الدَّارَقُطْنِيّ أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث عُرْوَة عَن عَائِشَة «أَنَّهَا دبرت ذكْوَان فَكَانَ يؤمها فِي رَمَضَان فِي الْمُصحف» فَقَالَ يرويهِ هِشَام بن عُرْوَة وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ زفر بن الْهُذيْل وَسَعِيد بن أبي عرُوبَة عَن هِشَام عَن أَبِيه عَن عَائِشَة. وَهُوَ أشبه بِالصَّوَابِ.

.الْأَثر الرَّابِع:

«أَن ابْن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يُصَلِّي خلف الْحجَّاج بن يُوسُف الثَّقَفِيّ».
وَهَذَا الْأَثر صَحِيح رَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه.

.الْأَثر الْخَامِس:

«أَن أَبَا هُرَيْرَة صَلَّى عَلَى ظهر الْمَسْجِد بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد».
وَهَذَا الْأَثر ذكره البُخَارِيّ فِي صَحِيحه بِغَيْر إِسْنَاد فَقَالَ: «وَصَلى أَبُو هُرَيْرَة عَلَى ظهر الْمَسْجِد بِصَلَاة الإِمَام».
وأسنده الشَّافِعِي عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد قَالَ: حَدثنِي صَالح مولَى التوءمة «أَنه رَأَى أَبَا هُرَيْرَة يُصَلِّي فَوق ظهر الْمَسْجِد بِصَلَاة الإِمَام فِي الْمَسْجِد» وَفِي رِوَايَة لَهُ: «فَصَلى فَوق ظهر الْمَسْجِد وَحده بِصَلَاة الإِمَام».
وَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث القعْنبِي، نَا ابْن أبي ذِئْب، عَن صَالح مولَى التوءمة قَالَ: «كنت أُصَلِّي أَنا وَأَبُو هُرَيْرَة فَوق ظهر الْمَسْجِد نصلي بِصَلَاة الإِمَام الْمَكْتُوبَة».
وَابْن أبي ذِئْب رَوَى عَن صَالح بعد الِاخْتِلَاط كَمَا سلف فِي الحَدِيث الْحَادِي بعد الْخمسين من بَاب الْوضُوء.

.الْأَثر السَّادِس:

«أَن عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه كَانَ يدْخل فَيرَى أَبَا بكر فِي الصَّلَاة فيقتدي بِهِ، وَكَانَ أَبُو بكر يَفْعَله».
وَهَذَا الْأَثر لَا يحضرني من خرجه بعد الْبَحْث عَنهُ، والرافعي اسْتدلَّ بِهِ عَلَى أَحْمد فِي اشْتِرَاطه نِيَّة الْإِمَامَة، وَلَو اسْتدلَّ بِصَلَاتِهِ عَلَيْهِ السَّلَام خلف أبي بكر فِي مرض مَوته بعد إِحْرَام أبي بكر لَكَانَ مُوَافقا لما أوردهُ، لَكِن فِيهِ النّظر الَّذِي أسلفناه فِي حَدِيث أنس السالف فِي الْبَاب، فَإِن الرَّافِعِيّ اسْتدلَّ بِهِ عَلَى ذَلِك.
وَذكر الرَّافِعِيّ فِي الْبَاب أَيْضا عَن عَطاء بن أبي رَبَاح «أَنه كَانَ يُصَلِّي الْعشَاء خلف من يُصَلِّي التَّرَاوِيح» وَلَا يلْزَمنِي تَخْرِيجه وَإِن تبرعت بذلك.
قلت: خرجه الشَّافِعِي عَن شَيْخه مُسلم بن خَالِد، عَن ابْن جريج عَنهُ «أَنه كَانَ تفوته الْعَتَمَة فَيَأْتِي وَالنَّاس قيام فَيصَلي مَعَه رَكْعَتَيْنِ، ثمَّ يَبْنِي عَلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ وَأَنه رَآهُ فعل ذَلِك ويعتد بِهِ من الْعَتَمَة». وَمُسلم هَذَا مُخْتَلف فِيهِ.

.كتاب صَلَاة الْمُسَافِرين:

كتاب صَلَاة الْمُسَافِرين:
ذكر فِيهِ رَحِمَهُ اللَّهُ أَحَادِيث وآثارًا.

.أما الْأَحَادِيث:

فسبعة:

.الحديث الأول:

عَن يعْلى بن أُميَّة، قَالَ: «قلت لعمر بن الْخطاب: إِنَّمَا قَالَ الله- تَعَالَى-: إِن خِفْتُمْ وَقد أَمن النَّاس. فَقَالَ: عجبت مِمَّا عجبت مِنْهُ، فَسَأَلت رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ: صَدَقَة تصدق الله بهَا عَلَيْكُم فاقبلوا صدقته».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ مُسلم مُنْفَردا بِهِ بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور إِلَّا أَنه قَالَ فِي أَوله: «قلت لعمر بن الْخطاب: لَيْسَ عَلَيْكُم جنَاح أَن تقصرُوا من الصَّلَاة إِن خِفْتُمْ أَن يَفْتِنكُم الَّذين كفرُوا وَقد أَمن النَّاس...» وَالْبَاقِي مثله، وَقد سلف فِي بَاب الْوضُوء مثله أَيْضا، وَهُوَ الحَدِيث الرَّابِع.

.الحديث الثَّانِي:

عَن عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّهَا قَالَت: «سَافَرت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا رجعت قَالَ: مَا صنعت فِي سفرك؟ قلت: أتممت الَّذِي قصرت وَصمت الَّذِي أفطرت. قَالَ: أَحْسَنت».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ النَّسَائِيّ من حَدِيث أبي نعيم، عَن الْعَلَاء بن زُهَيْر، عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن عَائِشَة «أَنَّهَا اعْتَمَرت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة حَتَّى إِذا قدمت مَكَّة قَالَت: يَا رَسُول الله، بِأبي أَنْت وَأمي، قصرتَ وأتممتُ، وأفطرتَ وصمتُ. قَالَ: أَحْسَنت يَا عَائِشَة. وَمَا عَابَ عليّ».
وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ، عَن الْعَلَاء- الْمَذْكُور- عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة قَالَت: «خرجت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي عمْرَة فِي رَمَضَان فَأفْطر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَصمت، وَقصر وَأَتْمَمْت، فَقلت: يَا رَسُول الله، بِأبي وَأمي، أفطرتَ وصمتُ وقَصرتَ وأتممتُ. فَقَالَ: أَحْسَنت يَا عَائِشَة».
ثمَّ رَوَاهُ من حَدِيث الْقَاسِم بن الحكم، عَن الْعَلَاء، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن عَائِشَة- بِإِسْقَاط الْأسود كَمَا أخرجه النَّسَائِيّ- وَلَفظه: «اعْتَمر رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَنا مَعَه فقصرَ وأتممتُ الصَّلَاة، وأفطرَ وصمتُ، فَلَمَّا دَنَوْت إِلَى مَكَّة قلت: بِأبي أَنْت وَأمي يَا رَسُول الله، قصرتَ وأتممتُ وأفطرتَ وصمتُ. قَالَ: أَحْسَنت يَا عَائِشَة وَمَا عَابَ عليّ» ثمَّ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: الأول مُتَّصِل وَهُوَ إِسْنَاد حسن. قَالَ: وَعبد الرَّحْمَن قد أدْرك عَائِشَة وَدخل عَلَيْهَا وَهُوَ مراهق. وَقَالَ فِي علله كهذه الْمقَالة، وَذكر الطَّحَاوِيّ عَن عبد الرَّحْمَن أَنه دخل عَلَى عَائِشَة بالاستئذان بعد احتلامه.
وَذكر صَاحب والكمال أَنه سمع مِنْهَا، وَخَالف أَبُو حَاتِم فَقَالَ فِي مراسيله: أَدخل عَلَيْهَا وَهُوَ صَغِير وَلم يسمع مِنْهَا.
وَلما سَاقه الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة من حَدِيث أبي نعيم، عَن الْعَلَاء كَمَا سَاقه النَّسَائِيّ قَالَ: كَذَا رَوَاهُ الْقَاسِم بن الحكم عَن الْعَلَاء، وَهُوَ إِسْنَاد صَحِيح مَوْصُول؛ فَإِن عبد الرَّحْمَن أدْرك عَائِشَة. وَقد رَوَاهُ مُحَمَّد بن يُوسُف عَن الْعَلَاء، عَن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة.
قلت: وَقَالَ أَبُو بكر النَّيْسَابُورِي: من قَالَ فِي هَذَا الحَدِيث: عَن عبد الرَّحْمَن، عَن أَبِيه، عَن عَائِشَة. فقد أَخطَأ.
قلت: وَأما أَبُو مُحَمَّد بن حزم فَإِنَّهُ طعن فِيهِ، وَقَالَ: إِنَّه حَدِيث لَا خير فِيهِ. ثمَّ ادَّعَى أَن الْعَلَاء تفرد بِهِ وَأَنه مَجْهُول.
وَهَذَا من أعاجيبه فالعلاء هَذَا مَعْلُوم الْعين وَالْحَال، أما عينه فروَى عَن عبد الرَّحْمَن بن الْأسود ووبرة بن عبد الرَّحْمَن، وَرَوَى عَنهُ وَكِيع وَالْفِرْيَابِي وأَبُو نعيم وَغَيرهم، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين وَغَيره وَأخرج لَهُ النَّسَائِيّ، فَزَالَتْ إِذن عَنهُ جَهَالَة الْعين وَالْحَال.
لَا جرم اعْترض عَلَيْهِ ابْن عبد الْحق فَقَالَ فِيمَا رده عَلَى الْمُحَلَّى: هَذَا حَدِيث صَحِيح بِنَقْل الثِّقَة عَن الثِّقَة، رِجَاله كلهم ثِقَات، وَسَمَاع كل وَاحِد مِمَّن رَوَى عَنهُ مَذْكُور. قَالَ: وَقَول ابْن حزم «أَنه لَا خير فِيهِ» جهل مِنْهُ بالآثار. قَالَ: ودعواه جَهَالَة الْعَلَاء غلط، بل هُوَ ثِقَة مَشْهُور رَوَى عَنهُ الْأَعْلَام، وَوَثَّقَهُ ابْن معِين.
قلت: لَكِن فِي مَتنه نَكَارَة، وَهُوَ كَون عَائِشَة خرجت مَعَه فِي عمْرَة رَمَضَان؛ فَالْمَشْهُور أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لم يعْتَمر إِلَّا أَربع عُمر لَيْسَ مِنْهُنَّ شَيْء فِي رَمَضَان؛ بل كُلهنَّ فِي ذِي الْقعدَة إِلَّا الَّتِي مَعَ حجَّته فَكَانَ إحرامها فِي ذِي الْقعدَة وفعلها فِي ذِي الْحجَّة، هَذَا هُوَ الْمَعْرُوف فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيرهمَا، وتمحل بعض شُيُوخنَا الْحفاظ فِي الْجَواب عَن هَذَا الْإِشْكَال فَقَالَ: لَعَلَّ عَائِشَة مِمَّن خرج مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سَفَره عَام الْفَتْح، وَكَانَ سَفَره ذَلِك فِي رَمَضَان وَلم يرجع من سَفَره ذَلِك حَتَّى اعْتَمر عُمرة الْجِعِرَّانَة، فَأَشَارَتْ بِالْقصرِ والإتمام، وَالْفطر وَالصِّيَام، وَالْعمْرَة إِلَى مَا كَانَ فِي تِلْكَ السفرة.
قَالَ شَيخنَا: وَقد رُوي من حَدِيث ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر فِي رَمَضَان» ثمَّ رَأَيْت بعد ذَلِك عياضًا القَاضِي أجَاب بِهَذَا الْجَواب فَقَالَ: لَعَلَّ هَذِه هِيَ الَّتِي عَملهَا فِي شَوَّال وَكَانَ ابْتِدَاء خُرُوجهَا فِي رَمَضَان. وَظَاهر إِيرَاد أبي حَاتِم بن حبَان أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر فِي رَمَضَان، فَإِنَّهُ قَالَ فِي صَحِيحه: «اعْتَمر عَلَيْهِ السَّلَام أَربع عمر: الأولَى عمْرَة الْقَضَاء سنة الْقَابِل من عَام الْحُدَيْبِيَة وَكَانَ ذَلِك فِي رَمَضَان، ثمَّ الثَّانِيَة حَيْثُ فتح مَكَّة وَكَانَ فتحهَا فِي رَمَضَان، ثمَّ خرج مِنْهَا قبل هوَازن وَكَانَ من أمره مَا كَانَ فَلَمَّا رَجَعَ وَبلغ الْجِعِرَّانَة قسم الْغَنَائِم بهَا وَاعْتمر مِنْهَا إِلَى مَكَّة وَذَلِكَ فِي شَوَّال، وَاعْتمر الرَّابِعَة فِي حجَّته وَذَلِكَ فِي ذِي الْحجَّة سنة عشر من الْهِجْرَة». هَذَا لَفظه، وَاعْترض عَلَيْهِ الْحَافِظ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عبد الْوَاحِد الْمَقْدِسِي فِي كَلَام لَهُ عَلَى هَذَا الحَدِيث وَقَالَ: وهم فِي هَذَا فِي غير مَوضِع. ثمَّ رد عَلَيْهِ بِحَدِيث أنس وَابْن عَبَّاس الآتيين فِي بَاب الْمَوَاقِيت فِي كتَابنَا هَذَا إِن شَاءَ الله، وَرَوَى أَبُو بكر عبد الله بن دَاوُد، عَن ابْن عمر «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام اعْتَمر عمرتين أَو ثَلَاثًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَمَضَان».
وَبَلغنِي عَن بعض الأكابر مِمَّن عاصرت أَنه أنكر هَذَا الحَدِيث من وَجه آخر وَقَالَ: كَيفَ تُتم هِيَ مَعَ مشاهدتها قصر الشَّارِع وَالصَّحَابَة، وَهِي تَقول: «فرضت الصَّلَاة رَكْعَتَيْنِ وَزيد فِي صَلَاة الْحَضَر وأقرت صَلَاة السّفر» وَإِنَّمَا صَحَّ إِتْمَامهَا بعده عَلَيْهِ السَّلَام متأولة مَا تَأَوَّلَه عُثْمَان، وَهَذَا إِنْكَار عَجِيب، وَكَيف يرد الحَدِيث بِفعل أحد الجائزين.
وَمَعْنى «أقرَّت صَلَاة السّفر» فِي جَوَاز الِاقْتِصَار عَلَيْهَا بِخِلَاف صَلَاة الْحَضَر فَإِن الزِّيَادَة فِيهَا متحتمة.

.الحديث الثَّالِث:

«أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمن مَعَه من الْمُهَاجِرين لما حجُّوا قصروا بِمَكَّة وَكَانَ لَهُم بهَا أهل وعشيرة».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث يَحْيَى بن أبي إِسْحَاق، عَن أنس قَالَ: «خرجنَا مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم من الْمَدِينَة إِلَى مَكَّة فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجعْنَا إِلَى الْمَدِينَة. قلت: كم أَقَامَ بِمَكَّة؟ قَالَ: عشرا».
وَلمُسلم: «خرجنَا من الْمَدِينَة إِلَى الْحَج...» ثمَّ ذكر مثله.
قَالَ أَحْمد: إِنَّمَا وَجه هَذَا الحَدِيث أَنه حسب مقَام النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمَكَّة وَمنى، وَإِلَّا فَلَا وَجه لَهُ غير هَذَا- أَي فِي حجَّة الْوَدَاع- وَاحْتج بِحَدِيث جَابر الثَّابِت فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام قدم مَكَّة صَبِيحَة رَابِعَة من ذِي الْحجَّة فَأَقَامَ بهَا الرَّابِع وَالْخَامِس وَالسَّادِس وَالسَّابِع وَصَلى الصُّبْح فِي الْيَوْم الثَّامِن، ثمَّ خرج إِلَى منى وَخرج من مَكَّة مُتَوَجها إِلَى الْمَدِينَة بعد أَيَّام التَّشْرِيق» هَذَا مَعْنَاهُ وَالله أعلم.
قَالَ الرَّافِعِيّ: وَرُوِيَ: «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام دخل مَكَّة عَام حجَّة الْوَدَاع يَوْم الْأَحَد، وَخرج يَوْم الْخَمِيس إِلَى منى كل ذَلِك يقصر».
وَهُوَ كَمَا قَالَ فَإِن الوقفة- شرفها الله- كَانَت يَوْم الْجُمُعَة، وَكَانَ دُخُوله يَوْم الْأَحَد وَخُرُوجه يَوْم الْخَمِيس وَقصر تِلْكَ الْمدَّة، وَلم يحْسب يَوْم الدُّخُول وَلَا يَوْم الْخُرُوج إِلَى منى.

.الحديث الرَّابِع:

أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: «يُقيم المُهَاجر بعد قَضَاء نُسكه ثَلَاثًا».
هَذَا الحَدِيث مُتَّفق عَلَى صِحَّته من حَدِيث الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ، وَاللَّفْظ الْمَذْكُور إِحْدَى رِوَايَات مُسلم، وَلَفظ البُخَارِيّ: «ثَلَاث للمهاجرين بعد الصَّدْر».
قلت: وَكَانَت الْإِقَامَة بِمَكَّة حَرَامًا عَلَى الْمُهَاجِرين، ثمَّ رخص لَهُم رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا الْقدر فَدلَّ عَلَى أَن إِقَامَة الثَّلَاث لَيست إِقَامَة مُؤثرَة.

.الحديث الخَامِس:

«ثَبت أنَّه صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَقَامَ عَام الْفَتْح عَلَى حَرْب هوَازن أَكثر من أَرْبَعَة أَيَّام يقصر» فَروِيَ عَنهُ «أَنه أَقَامَ سَبْعَة عشر».
رَوَاهُ ابْن عَبَّاس وَرُوِيَ عَنهُ «أَنه أَقَامَ تِسْعَة عشر» وَرُوِيَ «أَنه أَقَامَ ثَمَانِيَة عشر» رَوَاهُ عمرَان بن حُصَيْن، وَرُوِيَ «عشْرين».
قَالَ فِي التَّهْذِيب: واعْتمد الشَّافِعِي رِوَايَة عمرَان لسلامتها من الِاخْتِلَاف.
أما رِوَايَة «سَبْعَة عشر» بِتَقْدِيم السِّين، فرواها أَبُو دَاوُد من حَدِيث ابْن عَبَّاس كَمَا ذكره الرَّافِعِيّ بعد هَذَا، ونَقَلْنَاهُ نَحن إِلَى هُنَا، وَلَفظ أبي دَاوُد: عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَقَامَ بِمَكَّة سَبْعَة عشر يقصر الصَّلَاة. قَالَ ابْن عَبَّاس: ومن أَقَامَ سَبْعَة عشر قصر، وَمن أَقَامَ أَكثر أتم». وَإِسْنَاده عَلَى شَرط البُخَارِيّ، وَقد أودعهُ أَبُو حَاتِم بن حبَان فِي صَحِيحه.
وَأما رِوَايَة «تِسْعَة عشر»- بِتَقْدِيم التَّاء عَلَى السِّين- فرواها البُخَارِيّ فِي صَحِيحه من رِوَايَة ابْن عَبَّاس أَيْضا، وَهَذَا لَفظه: عَن ابْن عَبَّاس قَالَ: «أَقَامَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم تِسْعَة عشر يَوْمًا يقصر، فَنحْن إِذا سافرنا تِسْعَة عشر قَصرنَا وَإِن زِدْنَا أتممنا» وَهُوَ من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
وَرَوَاهُ أَحْمد بِلَفْظ: «لما فتح النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة أَقَامَ فِيهَا تسع عشرَة يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ».
وَأما رِوَايَة «ثَمَانِيَة عشر» فرواها أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَلّي بن زيد بن جدعَان، عَن أبي نَضرة، عَن عمرَان بن حُصَيْن قَالَ: «غزوت مَعَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم وَشهِدت مَعَه الْفَتْح فَأَقَامَ بِمَكَّة ثَمَانِي عشرَة لَا يُصَلِّي إِلَّا رَكْعَتَيْنِ يَقُول: يَا أهل الْبَلَد صلوا أَرْبعا فَإنَّا سَفْر» وَرَوَاهَا الْبَيْهَقِيّ أَيْضا.
وَعلي هَذَا تكلم فِيهِ جمَاعَة من الْأَئِمَّة، وَقد عرفت حَاله فِي الْبَاب قبله وَقَالَ غَيره: إِنَّه حَدِيث لَا تقوم بِهِ حجَّة لِكَثْرَة اضطرابه. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ بعد أَن أخرجه بِنَحْوِ مِنْهُ من هَذَا الطَّرِيق: إِنَّه حسن.
وَأما رِوَايَة «عشْرين» فتبع فِي إيرادها الإِمَام، وَلم أرها بعد الْبَحْث عَنْهَا من سنة ثَمَان وَأَرْبَعين وَسَبْعمائة إِلَى سنة إِحْدَى وَسِتِّينَ، فَعَثَرَتْ عَلَيْهَا فِي مُسْند عبد بن حميد وَللَّه الْحَمد.
قَالَ عبد فِي مُسْنده: أبنا عبد الرَّزَّاق، أَنا ابْن الْمُبَارك، عَن عَاصِم، عَن عِكْرِمَة، عَن ابْن عَبَّاس «أَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم لما افْتتح مَكَّة أَقَامَ عشْرين يَوْمًا يقصر الصَّلَاة».
وَجَاء فِي أبي دَاوُد وَابْن مَاجَه والْبَيْهَقِيّ «أَنه أَقَامَ خَمْسَة عشر» لَكِنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى عنعنة ابْن إِسْحَاق وَفِي بعض طرقها إرْسَال، قَالَ أَبُو دَاوُد: رَوَاهُ جماعات، عَن ابْن إِسْحَاق وَلم يذكرُوا فِيهِ ابْن عَبَّاس.
قلت: وأخرجها النَّسَائِيّ من طَرِيق صَحِيحَة مَوْصُولَة وَلَيْسَ فِيهَا ابْن إِسْحَاق.
تَنْبِيهَات:
أَحدهَا: حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور كَانَ فِي إِقَامَته عَلَيْهِ السَّلَام بِمَكَّة لِحَرْب هوَازن عَام الْفَتْح، وَالَّذِي سبق فِي حَدِيث أنس «عشرَة أَيَّام» كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع.
ثَانِيهَا: قَالَ الْبَيْهَقِيّ بعد ذكر اخْتِلَاف الرِّوَايَات عَن ابْن عَبَّاس: أَصَحهَا عِنْدِي رِوَايَة «تسع عشرَة» وَهِي الرِّوَايَة الَّتِي أودعها البُخَارِيّ فِي جَامعه، فأحد من رَوَاهَا- وَلم يخْتَلف عَلَيْهِ فِي علمي- عبد الله بن الْمُبَارك، وَهُوَ أحفظ من رَوَاهُ عَن عَاصِم الْأَحول.
قَالَ: وَيُمكن الْجمع بَين رِوَايَة «ثَمَانِي عشرَة» و«تسع عشرَة» و«سبع عشرَة» بِأَن من رَوَى «تسع عشرَة» عَدَّ يَوْم الدُّخُول ويَوْم الْخُرُوج، وَمن رَوَى «سبع عشرَة» لم يعدهما، وَمن رَوَى «ثَمَان عشرَة» عد أَحدهمَا.
الثَّالِث: من الْعجب أَن الْفَتْوَى عندنَا عَلَى رِوَايَة «ثَمَان عشرَة»
مَعَ مَا فِيهَا من التَّعْلِيل، وَكَانَ يَنْبَغِي أَن تكون الْفَتْوَى بِرِوَايَة تسع عشرَة.
قَالَ الرَّافِعِيّ فِي «تذنيبه»: وَإِنَّمَا اعْتمد الشَّافِعِي عَلَى رِوَايَة «ثَمَان عشرَة» لسلامتها من الِاخْتِلَاف. وَنقل هَذَا فِي الْكتاب عَن صَاحب التَّهْذِيب.
الرَّابِع: اسْتدلَّ الرَّافِعِيّ بِرِوَايَة «عشْرين» عَلَى القَوْل الثَّانِي أَنه يقصر أبدا وَلَيْسَ الدَّلِيل مطابقًا للدعوى، وَيُمكن أَن يجمع بَين هَذِه الرِّوَايَة وَرِوَايَة ثَمَانِيَة عشر بِأَن عد يَوْم الدُّخُول ويَوْم الْخُرُوج، وَقد ذكره كَذَلِك الإِمَام فِي النِّهَايَة.
الْخَامِس: وَقع فِي نِهَايَة إِمَام الْحَرَمَيْنِ نِسْبَة رِوَايَة «سَبْعَة عشر» إِلَى عمرَان بن الْحصين وَرِوَايَة «ثَمَانِيَة عشر» إِلَى ابْن عَبَّاس، وَصَوَابه الْعَكْس كَمَا ذكرته لَك.
السَّادِس: المُرَاد بإقامته- عَلَيْهِ أفضل الصَّلَاة وَالسَّلَام- لِحَرْب هوَازن: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما فتح مَكَّة جمعت هوَازن قبائل الْعَرَب وأرادت الْمسير إِلَى قِتَاله، فَكَانَ عَلَيْهِ السَّلَام مُقيما يتخوف من ذَلِك وينتظرهم ليقاتلهم وَهُوَ يقصر الصَّلَاة فَأَقَامَ الْمدَّة الَّتِي ذكرنَا، وَمِمَّنْ نَص عَلَى ذَلِك من الْفُقَهَاء صَاحب الْبَيَان وَكَذَلِكَ قَالَ الإِمَام فِي نهايته: أَنه عَلَيْهِ السَّلَام لما فتح مَكَّة أَخذ يُرِيد الْمسير إِلَى هوَازن فَكَانَت إِقَامَته عَلَى تَدْبِير الْحَرْب.

.الحديث السَّادِس:

«أَنه عَلَيْهِ السَّلَام أَقَامَ بتبوك عشْرين يَوْمًا يقصر الصَّلَاة».
هَذَا الحَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد عَنهُ عَن عبد الرَّزَّاق، عَن معمر، عَن يَحْيَى- هُوَ ابْن أبي كثير- عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن ثَوْبَان، عَن جَابر قَالَ: «أَقَامَ رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم بتبوك عشْرين يَوْمًا يقصر الصَّلَاة».
قَالَ أَبُو دَاوُد: غير معمر لَا يسْندهُ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: تفرد معمر بروايته مُسْندًا وَرَوَاهُ عَلّي بن الْمُبَارك وَغَيره عَن يَحْيَى، عَن ابْن ثَوْبَان، عَن رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم مُرْسلا وَرُوِيَ عَن يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أنس وَقَالَ: «بضع عشرَة» وَلَا أرَاهُ مَحْفُوظًا.
وَأما أَبُو حَاتِم بن حبَان فَأخْرجهُ فِي صَحِيحه من طَرِيقه، وَمعمر إِمَام مجمع عَلَى جلالته فَلَا يضر تفرده بِهِ.
وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بن حزم: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن ثِقَة وَبَاقِي رُوَاة الْخَبَر أشهر من أَن يسْأَل عَنْهُم.
قلت: وَمُحَمّد قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ: هُوَ من التَّابِعين لَا يسْأَل عَن مثله. وَهُوَ من رجال الصَّحِيحَيْنِ.
وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي خلاصته: هَذَا الحَدِيث صَحِيح عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ وَلَا يقْدَح فِيهِ تفرد معمر؛ فَإِنَّهُ ثِقَة حَافظ فزيادته مَقْبُولَة. وَكَذَا قَالَ فِي شرح الْمُهَذّب: رِوَايَة الْمسند تفرد بهَا معمر بن رَاشد وَهُوَ إِمَام مجمع عَلَى جلالته، وَبَاقِي الْإِسْنَاد عَلَى شَرط الشَّيْخَيْنِ، فَالْحَدِيث إِذن صَحِيح؛ لِأَن الصَّحِيح أَنه إِذا تعَارض فِي الحَدِيث إرْسَال وَإسْنَاد حُكِمَ بالمسند.
قلت: وَرُوِيَ من طَرِيق عَن جَابر بِلَفْظ «بضع عشرَة» رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث أبي إِسْحَاق- يَعْنِي الْفَزارِيّ- عَن أبي أنيسَة، عَن أبي الزبير، عَن جَابر قَالَ: «غزوت مَعَ النَّبِي صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم غَزْوَة تَبُوك فَأَقَامَ بهَا بضع عشرَة فَلم يزدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعَ».
وَرِوَايَة يَحْيَى عَن أنس الَّتِي أسلفناها عَن الْبَيْهَقِيّ ذكرهَا الدَّارَقُطْنِيّ فِي علله إِذْ فِيهَا: أَنه سُئِلَ عَن حَدِيث يَحْيَى بن أبي كثير، عَن أنس «أَقَامَ عَلَيْهِ السَّلَام بتبوك عشْرين يَوْمًا يُصَلِّي صَلَاة الْمُسَافِر» فَقَالَ: يرويهِ الْأَوْزَاعِيّ وَاخْتلف عَنهُ فَرَوَاهُ عَمْرو بن عُثْمَان الْكلابِي، عَن يُونُس، عَن الْأَوْزَاعِيّ مَرْفُوعا. وَالصَّحِيح: عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن يَحْيَى «أَن أنسا كَانَ يفعل ذَلِك» غير مَرْفُوع.
فَائِدَة: تَبُوك- بِفَتْح التَّاء- بَلْدَة مَعْرُوفَة بطرق الشَّام بَينهَا وَبَين دمشق إِحْدَى عشرَة مرحلة وَكَانَت فِي سنة تسع من الْهِجْرَة، وَهِي من آخر غَزَوَاته بِنَفسِهِ وَأقَام عَلَيْهِ السَّلَام بهَا بضعَة عشر يَوْمًا، وَالْمَشْهُور ترك صرف تَبُوك للتأنيث والعلمية، وَوَقع فِي صَحِيح البُخَارِيّ فِي حَدِيث كَعْب فِي أَوَاخِر صَحِيح البُخَارِيّ عَن كَعْب، وَلم يدْرك رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى بلغ تَبُوكا- كَذَا هُوَ بِالْألف فِي جَمِيع النّسخ- تَغْلِيبًا للموضع، وَبَين تَبُوك ومدينة رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم أَربع عشرَة مرحلة، قَالَه كُله النَّوَوِيّ فِي تهذيبه. وَقَالَ ابْن معن فِي تنقيبه: بَينهَا ثَلَاث عشرَة مرحلة. قَالَ: وهُوَ مَوضِع بَين وَادي الْقرى وَالشَّام. قَالَ: وَقيل: تَبُوك اسْم لبركة لبني سعد بن عزْرَة سميت تَبُوكا؛ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَام لما بلغه أَن هِرقل جمع جموعًا ورزق أَصْحَابه لعام، وَخرج مَعَه جذام ولخم وغسان وَوصل أوائلهم إِلَى البلقاء خرج عَلَيْهِ السَّلَام وَسَار حَتَّى وصل إِلَى هَذَا الْمَكَان فَرَأَى أَصْحَابه يحفرون الْبركَة فَقَالَ لَهُم: تبوكونها- أَي تحفرونها- ثمَّ غرز عنزته فِيهَا ثَلَاث دفعات فَجَاشَتْ ثَلَاث عُيُون وَهِي إِلَى الْآن كَذَلِك فسميت تَبُوك لقَوْله: تبوكونها ثمَّ أَقَامَ بهَا عشْرين لَيْلَة وَكَانَت فِي ثَلَاثِينَ ألفا من الْمُسلمين وَعشرَة آلَاف فرس، وَكَانَ هِرقل بحمص فَبعث رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم خَالِد بن الْوَلِيد إِلَيْهِ وَقَالَ فِي كتاب السّير من هَذَا الْكتاب: قيل: إِن تَبُوك هِيَ مَدِينَة أَصْحَاب الأيكة الَّذين بعث إِلَيْهِم شُعَيْب.
قَالَ ابْن دحْيَة فِي خَصَائِص أَعْضَاء سيدنَا رَسُول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسلم: وعدة من حضرها سَبْعُونَ ألفا فِيمَا رَوَى الثِّقَات. ثمَّ عزا رِوَايَة «ثَلَاثِينَ ألفا» إِلَى رِوَايَة الْوَاقِدِيّ فَقَالَ: وَذكر الْوَاقِدِيّ بِسَنَدِهِ إِلَى زيد بن ثَابت ثَلَاثُونَ ألفا والْوَاقِدِيّ كَذَّاب قَالَه أَحْمد، وَزَاد النَّسَائِيّ وضَّاع.