فصل: الدرة البيضاء

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة **


 الشعائر الخاصة للطريقة الرفاعية

وللطريقة الرفاعية مشاعر خاصة كشأن كل الطرق الصوفية وإليك أهم هذه الشعائر والعقائد‏.‏‏.‏

1ـ من أهم ما يميز الطريقة الرفاعية هو التتلمذ لكل شيخ، بنقل الشعراني أيضًا عن الرفاعي أنه قال‏:‏

‏"‏من تمشيخ عليكم فتتلمذوا له، فإن مد يده لكم لتقبلوها فقبلوا رجله‏.‏‏.‏ ومن تقدم عليكم فقدموه وكونوا آخر شعرة في الذنب، فإن الضربة الأولى تقع في الرأس‏"‏ ‏(‏الطبقات الكبرى ص141‏)‏‏.‏

2ـ تبنت الطريقة مذهب التفويض في الأسماء والصفات زاعمة أنه مذهب السلف، ولكن الرفاعيين مع ذلك يخالفون ذلك ويؤولون تأويل الأشاعرة فيزعمون أن الله لا يوصف بفوقية أو سفلية وليس في جهة من الجهات، ولا يثبتون ما أثبته الله لنفسه، وكذلك يقولون بوجوب القليد الفقهي‏.‏‏.‏ ‏(‏الطريقة الرفاعية ص42‏)‏‏.‏

3ـ ويجعلون السماع والمواجيد والتواجد من الصراخ وغيره مما درج عليه أهل التصوف دينًا ويكفرون من يقول ببدعية ذلك أو يعيبه‏.‏ قالوا ‏"‏وإن من أنكر ذلك فقد كفر، لأنه عاب خيرًا أمر الله به، ومن عاب ما أمر الله به فهو كافر‏"‏ ‏(‏الطريقة الرفاعية ص64،78‏)‏‏.‏

4ـ أنكر أحمد الرفاعي ما قاله الحلاج ونفى أن يكون وليًا أو واصلًا حيث قال‏:‏ ‏"‏أي سادة تفرقت الطوائف شيعًا، وأحميد ‏(‏يعني نفسه‏)‏ بقي مع أهل الذل والانكسار والمسكنة والاضطرار، إياكم والكذب على الله {‏ومن أظلم ممن افترى على الله كذبًا‏}‏[الأنعام: 21]‏.‏ ينقلون عن الحلاج أنه قال‏:‏ أنا الحق‏.‏ أخطأ بوهمه، لو كان على الحق ما قال أنا الحق، يذكرون له شعرًا يوهم الوحدة كل ذلك ومثله باطل، ما رآه رجلًا واصلًا أبدًا، ما أراه شرب، ما أراه حضر، ما أراه سمع إلا رنة وطنينًا، فأخذهم الوهم من حال إلى حال، وما زاد قربًا ولم يزدد خوفًا فهو ممكور‏.‏ إياكم والقول بهذه الأقاويل إن هي إلا أباطيل‏"‏‏.‏‏.‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏البرهان المؤيد ص26‏)‏‏.‏

وهذه أقوال صريحة في رفض أقوال الحلاج الكفرية، والتمسك بالحق والحكم على قائلها بما حكم به أهل الإسلام جميعًا في عصره أنه كافر زنديق وأنه يستحق القتل والصلب الذي وقع له‏.‏

ويستطرد الرفاعي أيضًا مبينًا أن حال الأولياء الصادقين لا تكون كحال فرعون الذي قال أنا ربكم الأعلى‏.‏‏.‏ وليست كذلك كحال نمرود الذي قال ‏{‏أنا أحيي وأميت‏}‏ [البقرة: 258]. فيقول‏:‏

‏"‏درج السلف على الحدود بلا تجاوز‏.‏ بالله عليكم هل يتجاوز الحد إلا الجاهل وهل يدوس عنوة في الجب إلا الأعمى‏!‏ ما هذا التطاول وذلك التطاول ساقط بالجوع‏.‏ ساقط بالعطش‏.‏ ساقط بالنوم‏.‏ ساقط بالوجع‏.‏ ساقط بالفاقة‏.‏ ساقط بالهرم‏.‏ ساقط بالعناء‏.‏ أين هذا التطاول من صدمة صوت ‏{‏لمن الملك اليوم}‏‏ [غافر: 16].‏ العبد متى تجاوز حده مع إخوانه يعد في الحضرة ناقصًا‏.‏ التجاوز علم نقص ينشر على رأس صاحبه‏.‏ يشهد عليه بالغفلة‏.‏ يشهد عليه بالزهو‏.‏ يشهد عليه بالحجاب‏.‏ يتحدث القوم بالنعم لكن مع ملاحظة الحدود الشرعية‏.‏ الحقوق الإلهية تطلبهم في كل قول وفعل‏.‏ الولاية ليست بفرعونية‏.‏ ولا بنمرودية قال فرعون أنا ربكم الأعلى‏.‏ وقال قائد الأولياء وسيد الأنبياء ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏(‏لست بملك‏)‏ نزع ثوب التعالي والإمرة والفوقية‏.‏ كيف يتجرأ على ذلك العارفون‏:‏ والله يقول ‏{‏وامتازوا اليوم أيها المجرمون‏}‏ ‏[‏يس‏:‏ 59‏]‏‏.‏ وصف الافتقار إلى الله وصف المؤمنين‏.‏ قال تعالى ‏{‏يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله‏}‏ [فاطر: 15]. هذا الذي أقوله علم القوم‏.‏ تعلموا هذا العلم‏.‏ فإن جذبات الرحمن في هذا الزمان قلت‏.‏ اصرفوا الشكوى إلى الله في كل أمر‏.‏ العاقل لا يشكو لا إلى ملك ولا إلى سلطان‏.‏ العاقل كل أعماله لله‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏البرهان المؤيد ص26‏)‏‏.‏

وهذا كلام جيد جيدًا في رفض دعاوي الصوفية وشطحهم ولكن أتباعه اليوم يخالفون هذا تمامًا فيترضون على ابن عربي ومن على شاكلته ويطبعون أقوال هؤلاء جنبًا إلى جنب مع أقوال الرفاعي‏.‏‏.‏ ويعتذرون عما قاله الحلاج وغيره أنه من الشطح ولا يصرحون بما صرح لنا في إبعاد قائل هذه الأقوال من الدين‏.‏ وبذلك يتناقضون على عاداتهم في قولهم أحيانًا في رفض الدعوى والشطح، وفي نشرهم لهذه الدعاوي وترضيهم على فاعليها‏.‏

5ـ ومن المشاعر الخاصة بالطريقة الرفاعية أيضًا الخلوة الأسبوعية السنوية وتبدأ عندهم في اليوم الحادي عشر من المحرم كل عام، ومن شروطها أن لا يأكل المريد طعامًا أخذ من ذي روح، ويذكر المريد في اليوم الأول لا إله إلا الله بعدد معلوم واليوم الثاني الله الله، والثالث وهاب وهاب، والرابع حي حي والخامس مجيد مجيد‏.‏‏.‏ والسادس معطي معطي‏.‏‏.‏ والسابع قدوس قدوس، وكل ذلك بعدد معلوم، وكذلك أن يقول المريد بعد كل صلاة من صلوات هذا الأسبوع ‏(‏اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي الطاهر الزكي وعلى آله وصحبه وسلم‏)‏ يقول ذلك مائة مرة،وزعموا أن لهذه الخلوة فتوحات محمدية، وعنايات أحمدية لا تحصى وأن من فعلها شاهد من البراهين العظيمة وكأن له شأن عظيم ‏(‏الطريقة الرفاعية ص115‏)‏‏.‏

* ولا يخف أن هذه الخلوة في هذا الوقت المخصوص بدعة ضلالة وكل بدعة في النار كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأنها تشريع جديد لم يأذن به الله ولا رسوله، وأن فيها مشابه لصيام النصارى الذين يصومون عن ذوات الأرواح، وأن فيها تقربًا من الرافضة حيث يخصص الحادي عشر من محرم من كل عام بذلك حيث تنتهي مشاعر الرافضة الخاصة ليدخل مشاعر الرفاعية ولعل ذلك السبب في قولهم إن الرفاعي تأتي منزلته بعد الأئمة الاثني عشر مباشرة ‏(‏الطريقة الرفاعية ص127‏)‏‏.‏

وأما تخصيصهم كل يوم بذكر خاص فهو بدعة، وأما ذكرهم الله بالاسم المفرد فقط الله، حي، مجيد فبدعة عظيمة ولم يرد ذكر الله بالاسم المفرد مطلقًا‏.‏‏.‏ بل لا يذكر الله إلا بجملة مفيدة نحو ‏(‏لا إله إلا الله‏)‏ فهي جملة ‏(‏وسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله‏)‏، ونحو ذلك فكلها جمل تفيد معنى تعظيمًا، فكل من ذكر الله باسم فرد من أسمائه فهو مبتدع، ولذلك لا يستغرب على هؤلاء المبتدعة أن يروا في خلواتهم هذه النيران الشيطانية التي يحسبونها أنوارًا ملائكية رحمانية وما هي كذلك لأن الله لا يشرق نوره إلا في قلوب الصالحين المتبعين للحق من عباده‏.‏

6ـ ومن مشاعر الطريقة الخاصة أيضًا جواز المحاضرة وربط الروح بأرواح من شاء استحضار روحه من كافر ومسلم ‏(‏الطريقة الرفاعية ص120‏)‏ وكذلك من مشاعرهم ما يسمى بالاستفاضة وهي ربط قلب المريد بقلب الشيخ طلبًا لإفاضة العلم الباطني إليه، وهذه بدعة صوفية معلومة‏.‏ ففي التربية الصوفية يطلب من المريد أن يستحضر روح شيخه عند الذكر ويتمثله أمامه ويطلب من شيخه أن يربط روحه بروح الرسول الذي يزعمون أنه يفيض العلوم والأسرار على قلوب شيوخ الصوفية‏.‏ والحق أن هذه العملية عملية شيطانية لأن المريد الذي يغيب عقله بالذكر المبتدع الذي يذكره آلاف المرات وعشرات الآلاف حتى يكل عقله ودماغه وهو في كل ذلك يحاول استحضار صورة شيخه أمامه، وقد يكون هذا في ظلام دامس فإن هذا هو الوقت المناسب ليدخل الشيطان إليه زاعمًا أنه هو شيخه وأنه يراه الآن، وأنه يربط الآن قلبه بقلب الرسول ليفيض عليه العلوم والأسرار الإلهية، ويبدأ الشيطان يلقي في قلوب هؤلاء وساوسه الإبليسية فيوهم الواحد منهم أنه الآن صاعد إلى السماء، وأن هذا هو عرش الله، وهذا هو كرسيه هذه هي الأرض، وأن قد أصبحت الحبيب والعظيم وصاحب الهمة وما إلى ذلك من هذا النفح الشيطاني حتى يتصور المسكين فعلًا أنه وصل إلى مكان القرب من الله، وأن السماوات قد أصبحت طوع أمره، والأرض أصبحت كالخلخال برجله، وأنه يستطيع أن يقول للشيء كن فيكون‏.‏‏.‏ وهكذا يكون المريد الذي دخل الخلوة، وذكر هذه الأذكار المبتدعة، وقطع نفسه بالظلام على هذا النحو يعود بنفس أخرى وحال أخرى غير الحال التي دخل بها‏.‏

وهذا سر قولهم إن لهذه الخلوة أسرارًا وبراهين عظيمة، ولو علموا أنهم يربطون قلوبهم بالشياطين لعرفوا الحق المبين وأنهم نهوا عن سلوك الطرق المعوجة لأنه لا توصل إلا إلى الهاوية والضلال المبين‏.‏

7ـ وقد جعل الرفاعية الفضيلة العظمى والشرف الأسمى لهم على سائر الفرق ببركة الرفاعي فإن الله قد أبرد لأتباعه النيران، وأزال لهم فاعلية السموم، وألان لهم الحديد، وأذل لهم السباع والحيات والأفاعي، وأخضع لهم طغاة الجن ‏(‏الطريقة الرفاعية ص134‏)‏‏.‏ ولذلك فإنهم في موالدهم ومؤتمراتهم العامة يأتون بمن يشعل النار ويدخلها إلى فمه، ومن ينفخ نارًا من فمه على هيئة التنين‏.‏‏.‏ ومن يحمل الأفاعي ويلعب بها، ونحو ذلك من الشعبذات والخزعبلات التي لا يكاد يخلو منها قوم من أقوام أهل الشرك كالهنادك والفرس، وغيرهم ‏(‏اقرأ الفصل الخاص بمناظرة ابن تيمية للبطائحية الرفاعية‏)‏‏.‏

 الرفاعية في طور جديد

في النصف الأول من القرن الثالث عشر الهجري تزعم الطريقة الرفاعية رجل يسمى محمد مهدي الصيادي الرفاعي، الذي رفع نفسه إلى مرتبة الغوثية الكبرى، ودعا الناس إلى طريقته واقتفاء أثره، وزعم أنه سالك سبيل جده مؤسس الطريقة الرفاعية، ولكنه جاء بما لم يسبقه أحد من الدعاوي في علو منزلته، والحق أنني لم أجد أجرأ منه على مدح نفسه وكذبه فيما نسبه إلى الله ورسوله من تعظيم نفسه إلا أحمد التجاني وابن عربي، وإليك بعضًا من نصوصه في هذا الصدد‏.‏‏.‏

 الدرة البيضاء

ألف كراسة صغيرة سماها ‏(‏الدرة البيضاء‏)‏ ملأها بالجهل والغباء، وبدأها للأسف بقوله ‏"‏أمرني بكتابتها وإذاعتها حبيبي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏"‏ ‏(‏المجموعة النادرة ص8‏)‏ وزعم في هذه الرسالة أن الله خلق الرسول من نوره ‏(‏المجموعة النادرة ص15‏)‏ فأشرك بالله سبحانه وتعالى‏.‏ وأن على المسلم أن يشفق على الخلق كلهم فخالف أمر الله القائل ‏{‏يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 73‏]‏‏.‏ ومن جملة مزاعمه في هذه الكراسة دعوة الناس إلى الاستمداد وطلب الإغاثة والإعانة من الأنبياء والأولياء ‏(‏المجموعة النادرة ص18‏)‏ فدعا بذلك إلى الشرك بالله سبحانه وتعالى، ودعا إلى العمل بأي رأي فقهي لأن اختلاف الأئمة رحمة ‏(‏المجموعة النادرة ص23‏)‏ ودافع عن ابن عربي واصفًا إياه بأنه العارف الشيخ محيي الدين ابن عربي طيب الله ثراه ‏(‏المجموعة النادرة ص26‏)‏‏.‏ وزعم أن آل الرسول من أجزائه النورانية ‏(‏المجموعة النادرة ص26‏)‏ وبالتالي فهم أجزاء من الله حسب زعمه أن الرسول مخلوق من نور الله‏.‏‏.‏ وقسم في هذه الرسالة الأولياء فجعل منهم المجاذيب وأهل الشطح والأميين‏.‏‏.‏ وجعل نفسه في آخر هذه الكراسة أفضل الأولياء في زمنه على الإطلاق حيث يقول عن نفسه‏:‏ ‏"‏الاختصاص رحمة من الله تعالى للعبد لا بسعي ولا بعمل ولا برأي، ولا بِجَعْلٍ يختص الله برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم‏:‏ هو عطاء رباني، ومنح صمداني، وفضل أسبغ في القدم، قبل أن تتعين النسم، والعناية قسم، فأهل الاختصاص جذبتهم يد المشيئة الربانية، بمحض الفضل والعناية الصمدانية، إلى أقصى المراتب العلية وهذا المنح الباهر، والفضل الوافر، هو اليوم حصتي، ومنصته منصتي، أقامني الله في هذه المنزلة إمامًا، واختارني لرتبة هذه الخصوصية ختامًا، وكشف لي مخبآت الغيب باطلاع من كرمه، وجليل نعمه، ففهمت أسرار الرموز الفرقانية وسبرت خفايا دقائق البطون القرآنية، ولم تبرح تترقى همتي بكشف تلك الحجب اللطيفة، وبشق ديباجات هاتيك المحاضر الشريفة، فأنا اليوم ولربي الحمد والشكر، وله الإحسان والبر، كنز الفيوضات الطاهرة المحمدية، وسجل العلوم المقدسة النبوية، وهذه النوبة نوبتي، تتقلب في وراث منزلتي، وخدام قدمي إلى ما شاء الله، بهذا بشرت من صاحب الوعد الصادق، وقرأته في صحف الرموزات العلوية التي طفحت بدقائق الحقائق، سينشر علم ظهور حالي بعد هذا الخفاء في الأكوان ويبرز بروز الشمس من بطن ليل الطمس للعيان، وتعكف على بابي القلوب والأرواح، ويسري سر إرشادي في الجبال والأودية والبطاح ولم يمس شأن نهجي المبارك غبار دنيوي، ولم يرجع منه حرف إلى قصد نفساني بل كله لله‏"‏ ‏(‏المجموعة النادرة ص37‏)‏ ا‏.‏هـ‏.‏‏.‏

وبعد أن مدح نفسه بكل ما استطاع من نعوت يقول‏:‏ ‏"‏جاءت لي بذلك البشرى المحمدية الصحيحة والعناية النبوية الصريحة بوساطة روح سلطان الأولياء وزعيمهم وسيد منصتهم وكريمهم مولانا السيد أحمد الرفاعي الحسيني‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ منه بلفظه ‏(‏المجموعة النادرة ص37‏)‏‏.‏

2ـ برقمة البلبل‏.‏

وتكاد تكون كل الوسائل التي ألفها هذا الصياد الرفاعي على هذا النحو ولكن في رسالة أخرى سماها ‏(‏برقمة البلبل‏)‏ أتى فيها بما لم يسبقه به أحد من الكذب، ولا أظن أن لاحقًا يستطيع مجاراته أيضًا في مثل هذا الكذب السمج حيث يقول في أول رسالته هذه أنه كان في سنة 1252هـ في مكة المكرمة في بيت الله الحرام، وأنه سمع بلبلًا يتكلم مع بلبل آخر وعلى حد تعبيره ‏(‏يبرقم‏)‏ بلغة فهمها لأنه زعم أن رجلًا من رجال الغيب كان قد علمه لغة البلابل، فزعم أن أحد البلبلين كان يتكلم مع صديقه فأخبره أن أولاد آدم كلهم مكرمون، وجميعهم مرحومون وأنه لا يجوز أن نحتقر ذرة واحدة منهم، وأن منهم أيضًا أولياء عارفين، وأن من هؤلاء الأولياء قسم يتصرفون في العالم؛ ومن جملة ما يتصرفون فيه الطير فيقول البلبل لصديقه ‏(‏ومنهم المتصرفون في وفيك وفي عالم الأكوان والنائبون بإذن الله عن نبي الرحمن‏)‏ ثم يستطرد الصيادي الرفاعي في هذيانه الصوفي فيزعم أن أحد البلابل قال لصديقه‏:‏ إن هذا الرجل الملتحف بكسائه الرث المستقبل الكعبة ‏(‏يعني نفسه‏)‏ هو من آل الرسول وقد فهم لغتنا وعرف ما قلناه وهو نائب الرسول الآن في هذا الوقت، وهو عالم الزمان وشيخ الأوان‏.‏‏.‏ فقال البلبل الآخر إذن تعال نتبرك به ونقبل قدميه‏.‏‏.‏

ويستطرد الصيادي الرفاعي قائلًا إن البلبلين جاءا إليه، وعكفا عليه، وسألاه الدعاء، وأنهما أخبراه بعد ذلك أنه إمام الدين، وسيد الأولياء وإن نوره لا يعدله نور، وإن مدده سيعم الأمصار والأقطار حيث تشب قلوب الحاسدين له بنار، وتنفلت عليه ألسنة الجاحدين ‏(‏كذا‏.‏‏.‏‏)‏‏.‏‏.‏

ويستطرد الصيادي قائلًا بأن البلبلين أخبراه أن الله قد كتب صحيفة منزلته ووضعها فوق مقام إبراهيم فقام الصيادي من فوره وأخذ الصحيفة وفرح بما وجد فيها حسب زعمه من إطناب الله في الثناء عليه، ومدحه له وتبشيره إياه بظهور طريقته وعلو شأنه‏.‏ يقول الصيادي هذا‏:‏

‏"‏وقد طبت بالله تعالى حين قرأت ما في الصحيفة المباركة بشأني، وبشأن ظهور أمر طريقي، وكدت أطير سرورًا لما امتن الله تعالى علي به من إطناب في الألقاب فيها ما نصه بلفظه‏:‏ هذا غريب الغرباء أبو البراهين، وأحد آل طه ويس‏.‏ خلف الأئمة الهادين‏.‏ بقية أعيان العترة الطاهرين، سيف الرسالة المسلول على أهل الضلالة‏.‏ المجدد الأكمل‏.‏ الأشعث الأغبر‏.‏ سنجنجل الحكمة والفراسة المحمدية‏.‏ رافع ألوية الشريعة الطاهرة الأحمدية‏.‏ باني مباني أحكام الطريقة المرضية الرفاعية‏.‏ شيخ الأئمة‏.‏ نور المدد المصطفوي الذي سيتجلى به الظلمة‏.‏ الرفاعي الثاني‏.‏ الإمام الأوحد الرباني‏.‏ طلسم البرهان المحمدي الذي لا يدافع‏.‏ معنى ناطقة البيان النبوي الذي لا ينازع‏.‏ بحر الفتح‏.‏ هادم الدعوى والشطح‏.‏ الفتى ابن الفتى‏.‏ محمد مهدي بهاء الدين‏.‏ باب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في العصر‏.‏ وجه علي في الدهر‏.‏ الفقير الغني‏.‏ الضعيف القوي‏.‏ الخفي الظاهر‏.‏ العاجز القادر‏.‏ شمس الإفاضة المصطفوية للذرات كلها من التحق بها سلم ومن أبغضه عن جحد أو حسد ندم ومن آذى نوابه وأحبابه لم يقم‏.‏ ولو التفت عليه المحافل، وسارت لأمره الكتائب، وصفت له الصفوف، ومرت لديه من قناطير الذهب المقنطرة الألوف‏.‏ هذه آيه الله المخبأة في دفتر الغيب ينتفع بقراءة فحواها، والاندماج في ظل معناها، كل من لله في عناية، يصل به الله ويقطع، ويعطي ويمنع، ويرفع ويضع، هذا الزاهد الواجد، الآبد الماجد، هذا بركة الله في الكون‏.‏ هذا الممهد هذا الموطد‏.‏ هذا القائم لله، ولإعلاء كلمة الله، ولخدمة رسول الله، لا لغرض من أغراض الأكوان، ولا لعلو، ولا لغلو، ولا لتقدم، ولا لترفع، ولا لعظمة نفسانية، بل هو بحر مطمطم رباني، وكنز مطلسم سبحاني، أفيض له مددنا بواسطه ‏(‏كذا والصواب‏:‏ بوساطة‏)‏، جده سر الوجود وبارقة النظم الأول في كيانتي النسقين الطموس والشهود ‏(‏محمد‏)‏ ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا سيد عشاق رسول الله، وسيد محابيب الله اليوم في ملك الله عليه سلام الله ورضوان الله‏.‏ وهناك غبت عني، وأخذت مني، وذبت معنى، وترقرقت مهنى، وانطمست بوجودي وظهرت بمجدي‏"‏ انتهى منه بلفظه ‏(‏برقة البلبل من المجموعة النادرة ص77ـ79‏)‏‏.‏

ولا يكتفي الصيادي بهذا الكذب الأبلج على الله سبحانه وتعالى فإن الله لم يخاطب أحدًا بمثل هذا الخطاب المزعوم، فخطاب الله لصفوة أوليائه وهم الرسل صلوات الله وسلامه عليهم لم يكن فيه عشر معشار هذا المدح بل كان عامته تأديبًا وعتابًا؛ كمثل قوله لنوح‏:‏ ‏{‏يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 46‏]‏‏.‏ وذلك لمجرد قول نوح‏:‏ ‏{‏رب إن ابني من أهلي‏}‏ ‏[‏هود‏:‏ 46‏]‏‏.‏ وكذلك قوله لإبراهيم‏:‏ ‏{‏لا ينال عهدي الظالمين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 124‏]‏‏.‏ عندما طلب إبراهيم أن يكون من ذريته أئمة‏.‏‏.‏ وقوله لمحمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏{‏إنك لا تهدي من أحببت‏}‏ ‏[‏القصص‏:‏ 56‏]‏‏.‏ وقوله سبحانه وتعالى‏:‏ ‏{‏ليس لك من الأمر شيء‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 128‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏عفا الله عنك لم أذنت لهم‏}‏ ‏[‏التوبة‏:‏ 43‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏عبس وتولىّ‏}‏ ‏[‏عبس‏:‏1‏]‏‏.‏ وقوله‏:‏ ‏{‏وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 37‏]‏‏.‏ هذا بعض من خطاب الله في قرآنه لرسله فانظر كيف يزعم هذا الصيادي أن الله كتب في صحيفة له ‏"‏هذا أبو البراهين، هذا سيف الرسالة المسلول على أهل الضلالة‏.‏‏.‏ هذا الإمام الأوحد الرباني‏.‏‏.‏ باني مباني الطريقة المرضية الرفاعية‏.‏‏.‏ هذا شمس الإفاضة المصطفوية للذرات كلها‏.‏‏.‏‏"‏‏.‏‏.‏ الخ، هذا الكفر والضلال وهذا الكذب الصريح‏.‏‏.‏ ومثل هذا لو كان يسمى باللغة تجوزًا مدحًا فإن أسقط الساقطين ينزه أن يمدح غيره بمثل هذا الكلام فلو أن شاعرًا متملقًا كاذبًا قام يمدح رجلًا بمثل هذه الأوصاف لاستحق السقوط واللعنة، ولرمي بالتزلف والجهالة والمبالغة الممقوتة، ورفع الإنسان الحقير عن مكانته‏.‏ فكيف يسوغ أن ينسب مثل هذا الكلام الحقير الذي يقع في آخر سلم المدح الممجوج فينسب إلى رب العباد سبحانه وتعالى‏؟‏ أيليق أن ينسب مثل هذا التزلف الحقير لله جل وعلا‏.‏‏.‏‏؟‏

ولا يكتفي الصيادي بالكذب المكشوف هذا على رب العالمين فيكمل بعد ذلك كذبه على سيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيقول أنه بعد أن قرأ هذه الرسالة ‏(‏الربانية‏)‏ التي كانت فوق مقام إبراهيم انجلى له مظهر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم ناداه قائلًا‏:‏

‏"‏قد ملأناك علمًا وفهمًا ومددًا وقدره بهاء وعرفانًا ونورًا وحظًا كبيرًا، ورفعنا لك منبرًا لا يسقط، ووهبناك ناطقة تتدرج كتائب مددها في الأكوان فلا تسكت إلى يوم الدين، أنت هو القبول عندنا، المؤيد بنورنا، المبارك بعلمنا، المنصور بمددنا، نوالي من والاك، ونعادي من عاداك، ونصون بعون الله من حاماك، يرفع علمك من أفلاذ بيتنا حبيب لنا فأعد عليه نظر حنانك، وعلمه رقرقة قلبك وناطقة لسانك، ولا توافق أهل البدعة، ولا تلايم أرباب الدعوى، ولا تجنح بالقلب ولا باللسان إلى القول بالوحدة المطلقة، ولا تتعمق بالكلام على الذات والصفات، ولا تعمل الفكر في المتشابهات، خذ ما أخذ أجدادك الآل الطاهرين، وسر سير الصحابة، واتبع مناهج السلف، ووافق إمامًا ترتضيه من أئمة المذاهب المتبعة اليوم، فالأربعة على حق ولا تقلد غير نبيك، وتحقق بالحب لله ولكتابه ولرسوله، ولا تشق العصا، ولا تجمع القلوب عليك بل اجمعها على الله، وعلى شريعة نبيك، وعليك بمشرب جدك السيد أحمد الرفاعي، واثبت على طريقته فإنها الطريقة المحمدية الحقة‏.‏‏.‏

واعلم أنك اليوم خاتمة الصديقين وشيخ الطريقة القويمة المحمدية ثم الأحمدية‏.‏‏.‏ وأنت سيد الآل فمن دونهم وصل علي وسلم‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ منه بلفظه ‏(‏البرقمة ص83‏)‏‏.‏

ويزعم الصيادي أنه بعد أن سمع خطاب الرسول هذا غاب عن نفسه ستة أشهر كاملة، لا يصحو إلا أوقات الفروض فقط، وأنه شكر الله بعد ذلك إذ جاءته هذه النعمة الكبرى على يد طير صغير ‏(‏برقمة البلبل ص82‏)‏‏.‏‏.‏ فانظر إلى هذا الإسناد العجيب ‏"‏حدثنا الصيادي حدثنا البلبل قال الله تعالى‏.‏‏.‏‏"‏ فأين نضع هذا البلبل يا علماء الحديث وعلماء الأصول‏.‏‏.‏ هل هو عدل ضابط، وهل الذي يحدث عن بلبل أيضًا يكون عدلًا ضابطًا‏.‏‏.‏ وليتهم لم يقحموا اسم الله واسم رسوله في هذه الخرافات الممقوتة والمدح الكاذب لأنفسهم‏!‏ وليتهم إذا أرادوا هذا العلو في الأرض وأكل أموال الناس بالباطل سلكوا غير هذا السبيل‏!‏ فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العظيم‏.‏