فصل: من أقوال أحمد الرفاعي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الفكر الصوفي في ضوء الكتاب والسنة **


 دعوة التجانية إلى الشرك الجلي

والطريقة التجانية كغيرها من الطرق رأس مالها وقطب رحاها في الدين أن تدعو الناس إلى الشرك بالله فبدلًا من دعوة الناس إلى الصلاة الصحيحة، والصوم الصحيح المشروع والحج، والزكاة، والجهاد في سبيل الله قد استبدلوا كل ذلك بوسيلة واحدة وهي الاستغاثة بالمشايخ ودعوتهم من دون الله والالتجاء بهم إلى الله والاعتقاد أن الله لا يقبلهم إلا عن طريق هؤلاء الشيوخ الضالين بزعم أن هؤلاء المشايخ هم أبواب الله، ولا دخول على الله إلا من طريقهم، ولا قبول لتوبة تائب إلا برضاهم، وأي قربان أو زكاة لا تقبل إلا إذا كانت أيدي هؤلاء المشايخ أول من يلتقطها، وأول من يأكلها‏.‏‏.‏ هذا هو دين الصوفية في نهايته إخراج الناس من عبادة الله عز وجل إلى عبادة هؤلاء المشايخ أحياءً وأمواتًا‏.‏‏.‏

قال مؤلف رماح حزب الرحيم‏:‏ ‏"‏وأما كيفية التوسل به ـ رضي الله عنه ـ وبجده ـ صلى الله عليه وسلم ـ فهي أنك مهما أردت حاجة من حوائج الدنيا والآخرة فصل على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بصلاة الفاتح لما أغلق مائة، واهد ثوابها لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قضاء الحاجة التي تريدها ثم تقول‏:‏ يا رب توسلت إليك بجاه القطب الكامل سيدنا أحمد بن محمد التجاني وجاهه عندك أن تعطيني كذا وكذا، وتسمي حاجتك بعينها عشرًا‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏الرماح ج1 ص165‏)‏‏.‏

وهكذا لا يوجهون الناس في الملمات والمهمات إلا إلى التوجه إلى الرسول والتجاني‏.‏‏.‏ وعلى الرغم من أن التوسل إلى الله بالنبي بعد موته بدعة منكرة لم يفعلها أحد من سلف الأمة المشهود لهم بالخير، فإن اقتران اسم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ باسم هذا الدعي الكذاب من أكبر الإثم والزور والجرأة على الله‏.‏‏.‏

والعجيب في أمر التجانية أيضًا أنهم جعلوا التوسل بالأموات عند أتباعهم خاصًا بالرسول والتجاني فقط، وأنه من توسل منهم بغير الرسول والتجاني فإنه يخرج من الطريقة خروجًا نهائيًا وينسلخ منها انسلاخًا كاملًا لا رجعة فيه كما ينسلخ جلد الشاة عن الشاة والبيضة عن الدجاجة؛ ومعلوم أن جلد الشاة إذا سلخ منها يستحيل إعادته إليها وأن بيضة الدجاجة إذا انفصلت عنها يتعزز إعادتها إليها‏.‏‏.‏ فانظر كيف حكموا بأكبر من الردة عن الدين لمجرد أن واحدًا منهم توسل بشيخ غير شيخهم‏.‏

قال مؤلف الدرة الخريدة‏:‏ ‏"‏ومن زار من الإخوان الأحمديين شيخًا من المشايخ حيًا كان أو ميتًا بقصد التوسل به والاستمداد غير شيخنا أبي الفيض ‏(‏شيخهم أبو الفاضل هو أحمد التجاني والفيض في زعمهم هو علم الغيب والخير الذي يفيضه على أتباعه‏)‏‏.‏‏.‏ فقد خرج عن طريقة الأحمدية ولا إذن عنده فيها، بل انسلخ منها انسلاخ الجلد عن النعاج وانفصل عنها انفصال البيض عن الدجاج‏.‏‏.‏‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏الدرة الخريدة‏)‏‏.‏

فانظر كيف يكون الاستعباد والاستبداد وضرب طوق جهنمي عمن وقع في شباكهم أن لا يتصل بشيخ آخر مطلقًا ولا يعلق قلبه به‏.‏

 تفضيل التجاني نفسه على جميع الأولياء

كل شيخ صوفي صاحب طريق يؤثر عنه أنه يفضل نفسه على سائر الأولياء، وذلك حتى يستطيع جلب الناس لطريقته، ويتفانى فيه أتباعه من بعده تعصبًا لشيخهم وترويجًا لطريقتهم، والتجاني لعله أكثرهم جرأة في هذا الصدد، فلم يترك فضلًا مزعومًا لأحد قبله إلا نسبه إلى نفسه، فقد ادعى أنه خاتم الأولياء تقليدًا لمن سبقه من مشايخ التصوف ‏(‏راجع الفصل الخاص بخاتم الأولياء‏)‏ وادعى لنفسه أنه هو الذي يمد جميع الأولياء بالعلوم والمعارف منذ خلق آدم أي قبل أن يخلقه الله وإلى النفخ في الصور‏.‏‏.‏ فهو الذي تنبع منه المعارف والعلوم والأسرار الإلهية ـ حسب زعمه ـ إلى الأولياء السابقين قبل وجوده وإلى جميع الأولياء اللاحقين إلى نهاية العالم‏.‏

1ـ وقال مؤلف بغية المستفيد‏:‏ ‏"‏قال ـ رضي الله عنه ـ إن الفيوض التي تفيض من ذات سيد الوجود ـ صلى الله عليه وسلم ـ تتلقاها ذوات الأنبياء، وكل ما فاض وبرز من ذوات الأنبياء تتلقاه ذاتي، ومني يتفرق على جميع الخلائق من نشأة العالم إلى النفخ في الصور‏.‏‏.‏ وقال‏:‏ لا يتلقى ولي فيضًا من الله تعالى إلا بوساطته ـ رضي الله عنه ـ من حيث لا يشعر به، ومدده الخاص به وإنما يتلقاه من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏بغية المستفيد ص225‏)‏‏.‏

2ـ وقال مؤلف الدرة الخريدة‏:‏ ‏"‏‏.‏‏.‏ فسيدي أبو الفيض أصل جميع الوسائل المتقدمة والمتأخرة، وشيخ المشايخ، وبرزخ البرازخ، والمنبع الذي تنفجر منه العلوم والفيوض والمعارف والأسرار لجميع الأولياء والأقطاب والعارفين والأحباب‏.‏‏.‏‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏الدرة الخريدة ج1 ص26‏)‏‏.‏

وقال في منية المريد‏:‏

لا شك أن شيخنا التجانـي ** مم كل عارف صـــمداني

يعطي ويمنع ويسلب فمن ** كمثله من الورى في ذا الزمن

‏(‏بغية المستفيد ص226‏)‏‏.‏

ولا يخفى أن هذا اعتقاد خرافي ثم هو شرك واضح لأنه رفع للمخلوق إلى مرتبة الخالق فالذي يهب المعارف والعلوم والفقه ويشرح القلوب هو الله سبحانه وتعالى ‏{‏ففهمناها سليمان وكلًا آتينا حكمًا وعلمًا‏}‏ ‏[‏الأنبياء‏:‏ 79‏]‏‏.‏ فهو الذي يفهم سبحانه وتعالى وقال أيضًا سبحانه‏:‏ ‏{‏الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان‏}‏ ‏[‏الرحمن‏:‏ 1‏:‏ 4‏]‏‏.‏ وقال تعالى لرسوله محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏{‏إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 105‏]‏‏.‏ فالله هو الذي يري رسوله وكل ذلك بمدده هو سبحانه وتعالى وفضله ‏{‏فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام‏}‏ ‏[‏الأنعام‏:‏ 125‏]‏‏.‏ فشرح الصدر ونور الفؤاد منه سبحانه وتعالى وليس من التجاني ولا غيره ومن ظن هذا الظن في أنه لا يأتيه علم ولا مدد إلا عن طريق التجاني أو غيره من البشر فلا شك في كفره ومروقه من الدين‏.‏

 أذكارهم وبدعهم الخاصة

هذه أخي المسلم هي أهم القواعد والقضايا التي تقوم عليها الطريقة التجانية إضافة إلى بدعهم الخاصة في الأذكار والعبادات، فقد ابتدعوا صلاة سموها ‏(‏جوهرة الكمال‏)‏ فيها سب للرسول واشترطوا لقراءتها أن يكون قارئها متطهرًا بالطهارة المائية فقط، فلو فقد الماء أو لم يستطع استعماله فلا يجوز له قراءتها فرفعوها بذلك عن منزلة القرآن الكريم والصلاة‏.‏ وهذه الصلاة المبتدعة هي‏:‏

‏"‏اللهم صل على عين الرحمة الربانية‏.‏‏.‏ والياقوتة المتحققة الحائطة بمركز الفهوم والمعاني ونور الأكوان المتكونة الآدمي صاحب الحق الرباني البرق الأسطع بمزون الأرياح المائلة لكل متعرض من البحور والأواني ونورك اللامع الذي ملأت به كونك الحائط بأمكنة المكاني، اللهم صل وسلم على عين الحق التي تتجلى منها عروش الحقائق عين المعارف الأقوم صراطك التام الأسقم، اللهم صل على طلعة الحق بالحق الكنز الأعظم إفاضتك منك إليك إحاطة النور المطلسم ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى آله صلاة تعرفنا بها إياه‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏أحزاب وأوراد التجاني ص13،14‏)‏‏.‏

فهذه الصلاة إلى جوار ركاكة ألفاظها فيها معان سيئة كقوله ‏(‏صراطك التام الأسقم‏)‏‏.‏‏.‏ ‏(‏إحاطة النور المطلسم‏)‏‏.‏‏.‏ ‏(‏ونور الأكوان المتكونة‏)‏‏.‏‏.‏

وبمثل هذه المبتدعات صرفوا الناس عن الصلوات والطيبات الزاكيات التي نطق بها فم الرسول الطاهر ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحرموا المسلمين الأجر الحقيقي واتباع الرسول إلى اتباع هؤلاء المبتدعين المارقين‏.‏

* هذه خلاصة وعجالة لهذه الطريقة التي انتشرت انتشارًا ذريعًا في شمال إفريقية وفي وسطها وغربها، وضمت تحت لوائها ملايين كثيرة من أبناء المسلمين‏.‏ وهذا جانب يسير من واقعها الفعلي وإلا فقد جاء من بنى على هذا الواقع الفاسد، وزعم أنه صاحب الفيضة التجانية الذي بشر به التجاني، وأن أتباعه يدخلون جميعًا الجنة بغير حساب ولو كانوا كفارًا ولو أنهم لم يفعلوا شيئًا قط من الدين، أو استحلوا كل المحرمات لأن الله اختارهم لذواتهم فقط وهذا الشخص هو ‏(‏الحاج إبراهيم السنغالي‏)‏ والذي كان له شأن عظيم، وبسط دعوته تلك في أصقاع كبيرة من القارة الأفريقية‏.‏

 الطريقة الرفاعية

تنسب الطريقة الرفاعية إلى أحمد الرفاعي بن سلطان علي، ويصل أتباعه نسبه إلى موسى الكاظم بن جعفر الصادق إلى علي بن أبي طالب‏.‏ ولد أحمد الرفاعي في قرية ‏(‏حسن‏)‏ بالقرب من أم عبيدة بالعراق 512هـ وتوفي سنة 578هـ ودفن في قرية أم عبيدة‏.‏

ما نسب من كرامات للرفاعي‏:‏

1ـ أشهر ما يعرف عنه زعم أتباعه أنه لما حج عام 555هـ ووقف أمام قبر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال هذين البيتين‏:‏

في حالة البعد روحي كنت أرسلها ** تقبل الأرض عني وهي نائبتي

وهذه دولة الأشباح قد حضـرت ** فامدد يمينك كي تحظى بها شفتي

ويزعم أتباعه أن النبي خرج من قبره ومد له يده من بين حديد شباك القبر فقبلها الرفاعي‏.‏‏.‏ ‏(‏الطريقة الرفاعية ص133‏)‏‏.‏

2ـ وينسبون من كراماته أيضًا أنه إذا كان ألقى الدرس سمعه الأصم والسميع، والقريب والبعيد، وأن الله أحيا له الميت، وأقام له المقعدين، وقلب له الأعيان، وصرفه في الخلق ‏(‏الطريقة الرفاعية ص134‏)‏‏.‏ ويذكرون كذلك أن الله أبرد لأتباعه النيران، وأزال لهم فاعلية السموم‏.‏‏.‏ وألان لهم الحديد، وأذل لهم السباع والأفاعي، وأخضع لهم طغاة الجن، وصرفهم في العوالم، وأطلعهم على عجائب الأسرار‏.‏

3ـ دعا الناس إليه وإلى طريقته بطرق شتى؛ من ذلك قوله‏:‏ ‏"‏إنكار العبد نعمة من موجبات السلب، أنا من الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون‏.‏‏.‏ إن الله إذا وهب عبده نعمة ما استردها، شكر النعمة معرفة قدرها‏"‏ ‏(‏البرهان المؤيد ص28‏)‏‏.‏

وقال أيضًا في بعض مواعظه ودروسه يمدح نفسه ويدعو إلى طريقته‏:‏ ‏"‏أي خاصة أي عامة فاض بحر الكرم ‏(‏ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد‏)‏‏.‏ أنا مأوى المنقطعين، أنا مأوى كل شاة عرجاء انقطعت في الطريق‏.‏ أنا شيخ العواجز أن شيخ من لا شيخ له فلا يتشيخ الشيطان على رجل من أمة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ عهد مني بالنيابة عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عهدًا عامًا إلى يوم القيامة، العرش قبلة الهمم، والكعبة قبلة الجباه، وأحمد قبلة القلوب‏.‏ قال لي حبيبي أنت وجه لا يخزيه الله في أتباعه أبدًا ‏{‏سلام عليك بما صبرتم فنعم عقبى الدار‏}‏ ‏[‏الرعد‏:‏ 24‏]‏‏.‏ هات يا منشد الفتح في حضرة المنجي‏.‏ قل كيف شئت مجلس مأتم ومجلس فرح ‏{‏يولج الليل في النهار‏}‏ ‏[‏فاطر‏:‏ 16‏]‏‏.‏ ‏{‏ألا إلى الله تصير الأمور‏}‏ ‏[‏الشورى‏:‏ 53‏]‏‏.‏ ‏{‏وكفى بالله وليًا‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 45‏]‏‏.‏ عليكم بتقوى الله لا تخرجوا من ساحة التوحيد، ربنا الله لا شريك له نعم الولي ونعم النصير والحمد لله رب العالمين‏"‏ ‏(‏المجالس الرفاعية ص112‏)‏‏.‏

ولا يخفى هنا زعمه أن الرسول خاطبه وكلمه ‏(‏قال لي حبيبي أنت وجه لا يخزيه الله في أتباعه أبدًا‏)‏‏.‏

وقال أيضًا في مقام آخر‏:‏

‏"‏صحبتنا ترياق مجرب، والبعد سم قاتل، أي محجوب تزعم أنك اكتفيت عنا بعلمك، ما الفائدة من علم بلا عمل، ما الفائدة من عمل بلا إخلاص، الإخلاص على حافة طريق الخطر، من ينهض بك إلى العمل‏.‏ من يداويك من سم الرياء، من يدلك على الطريق الأمين بعد الإخلاص ‏{‏أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون}‏ [النحل: 43]. هكذا أنبأنا العليم الخبير، تظن أنك من أهل الذكر، لو كنت منهم ما كنت محجوبًا عنهم لو كنت من أهل الذكر ما حرمت ثمرات الفكر، صدك حجابك، قطعك عملك‏.‏ قال عليه الصلاة والسلام‏:‏ ‏(‏اللهم إني أعوذ بكم من علم لا ينفع‏)‏، لازم أبوابنا، أي محجوب فإن كل درجة وآونة تمضي لك في أبوابنا درجة وإنابة إلى الله تعالى، صحت إنابتنا إلى الله، قال تعالى‏:‏ ‏{‏واتبع سبيل من أناب‏}‏ ‏[‏لقمان‏:‏ 15‏]‏‏.‏ أيها المتصوف لم هذه البطالة صر صوفيًا حتى نقول لك أيها الصوفي‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏البرهان المؤيد ص35‏)‏‏.‏

وكان يقول أيضًا‏:‏ ‏"‏أيها البعيد عنا، الممقوت منا ما هذا يا مسكين، لو كان لنا فيك مقصد يشهد بحسن استعدادك وخالص حبك إلى الله وأهله اجتذبناك إلينا، وحسبناك إلينا‏.‏ شئت وإلا‏.‏‏.‏ لكن الحق يقال‏:‏ حظك منعك، وعدم استعدادك قطعك، لو حسبناك منا ما تباعدت عنا، خذ مني يا أخي علم القلب، خذ مني علم الذوق، خذ مني علم الشوق‏.‏ أين أنت مني يا أخا الحجاب اكشف لي قلبك‏.‏‏.‏‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏البرهان المؤيد ص33‏)‏‏.‏

وقال أيضًا في هذا المعنى‏:‏

‏"‏أقامنا الله أئمة الدعوة بالنيابة عن نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ من اقتدى بنا مسلم، ومن أناب إلى الله بنا غنم، الحق يقال نحن أهل بيت ما أراد سلبنا سالب إلا سلب، ولا نبح علينا كلب إلا جرب، ولا هم على ضربنا ضارب إلا ضرب، ولا تعالى علينا حائط إلا وخرب‏"‏‏!‏‏!‏ ‏(‏البرهان المؤيد ص31‏)‏‏.‏

ومع هذه الأقوال التي كان يذكر نفسه فيها على هذا النحو فقد نقلت عنه أقوال تناقضها حيث يقول‏:‏

‏"‏كل الفقراء رجال هذه الطائفة خير مني، أنا أحميد اللاش، أنا لاش اللاش‏"‏‏.‏‏.‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏البرهان المؤيد ص24‏)‏‏.‏

بل يقول ما هو أبلغ من هذا أيضًا‏:‏

‏"‏أي سادة أنا لست بشيخ، لست بمقدم على هذا الجمع لست بواعظ، لست بمعلم، حشرت مع فرعون وهامان إن خطر لي أني شيخ على أحد من خلق الله برحمته فأكون كأحد المسلمين‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏البرهان المؤيد ص23‏)‏‏.‏

ويقول أيضًا في مجلس آخر‏:‏

‏"‏أيش أنا حتى أدعوك، ما مثلي إلا كمثل ناموسة على الحائط لا قدر لها، حشرت مع فرعون وهامان وقارون وأخذني ما أخذهم أن كان خطر لما في سري أني شيخ هذا الجمع، أو مقدمهم أو من يحكم عليهم، أو ثبت عندي أني فقير منهم، وكيف تدعوه نفسه إلى ذلك من هو لا شيء، ولا يصلح لشيء، ولا يعد بشيء‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏البرهان المؤيد ص52‏)‏‏.‏

ومع كل هذا التبري من الحول والطول فإن أحمد الرفاعي يناقض نفسه كثيرًا حيث يزعم ضد ذلك تمامًا فيقول‏:‏

‏"‏وعدني رسول كرمه أن يأخذ بيد مريدي وحُبي ومن تمسك بي وبذريتي وخلفائي في مشارق الأرض ومغاربها إلى يوم القيامة عند انقطاع الحيل، بهذا جرت بيعة الروح لا يخلف الله وعده، لا تصح المكالمة لمخلوق مع الخالق بعد النبيين والمرسلين الذين كلمهم سبحانه وحيًا أو من وراء حجاب، وإنما وعد إحسانه ينجلي إلى قلوب أوليائه وأحبابه بالرؤيا المنامية، والواسطة المحمدية والإلهام الصحيح الذي لا يخالف ظاهر الشريعة الأحمدية بحال من الأحوال وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏البرهان المؤيد ص82،83‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ كيف لا يكون هذا الوعد المزعوم مخالفًا لظاهر الشريعة وقد أخبرنا سبحانه وتعالى أن خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام طلب ما هو دون هذا الطلب لذريته فلم يعطه الله تبارك وتعالى حيث يقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إمامًا قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 124‏]‏‏.‏

فإذا كان الله سبحانه وتعالى لم يرض أن يعطي إبراهيم عهدًا بأن يكون كل ذريته صالحين أئمة في الدين من بعده فكيف يعطي الرفاعي مثل هذا العهد المزعوم فانظر قوله‏:‏ ‏"‏وعدني رسول كرمه أن يأخذ بيد مريدي ومحبي ومن تمسك به وبذريتي وخلفائه في مشارق الأرض ومغاربها إلى يوم القيامة‏"‏‏!‏‏!‏

ثم ما يدريه أن الله قد أعطاه هذا الوعد‏:‏ يقول الرفاعي إنه بالإلهام والرؤيا المنامية، هل مثل هذا العهد يعطي بإلهام وبرؤيا منامية‏؟‏ وما يدريه أنها رؤيا شيطانية‏.‏‏.‏ وإلهام شيطاني‏.‏‏.‏ وكيف تكون غير ذلك والقرآن بضد ذلك‏.‏‏.‏ بل كيف تكون غير ذلك والرجل يزعم أنه ليس بشيخ وأنه يموت ويحشر مع فرعون وهامان وقارون إن قال إنه شيخ على أحد من الناس فأي كلام من كلامه يصدق‏؟‏

 من أقوال أحمد الرفاعي

وقد نسب صاحب طبقات الصوفية عبدالوهاب الشعراني طائفة من الأقوال لأحمد الرفاعي فيها أمور كثيرة من الباطل ولم أقرأ في كتب الطريقة الرفاعية المؤلفة ما ينفي هذه الأقوال وهاك بعضًا من هذه الأقوال‏:‏

‏"‏‏.‏‏.‏ الكشف قوة جاذبية بخاصيتها نور عين البصيرة إلى فيض الغيب، فيتصل نورها به اتصال الشعاع بالزجاجة الصافية حال مقابلتها المنبع إلى فيضه، ثم يتقاذف نوره منعكسًا بضوئه على صفاء القلب ثم يترقى ساطعًا إلى عالم الفصل فيتصل به اتصالًا معنويًا له أثر في استفاضة نور القلب على ساحة القلب، فيشرق نور العقل على إنسان عين السر، فيرى ما خفي عن الأبصار موضعه ودق عن الأفهام تصوره، واستتر عن الأغيار مرآه‏"‏‏.‏‏.‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏طبقات الشعراني ص141،142‏)‏‏.‏

ونقل عنه أيضًا أنه قال‏:‏

وكان يقول‏:‏ إذا صلح القلب صار مهبط الوحي والأسرار والأنوار والملائكة، ويقول أيضًا‏:‏ إذا صلح القلب أخبرك بما وراءك وأمامك ونبهك على أمر لم تكن تعلمها بشيء دونه‏"‏‏.‏‏.‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏طبقات الشعراني ص141،142‏)‏‏.‏

وهذه نصوص يزعم قائلها أن الصوفي يطلع على حقائق عينية وأسرار وقد بين سابقًا فساد هذا الاعتقاد‏.‏

وقال أيضًا‏:‏ ‏"‏‏.‏‏.‏ إن العبد إذا تمكن من الأحوال بلغ محل القرب من الله تعالى وصارت همته خارقة للسبع السماوات، وصارت الأرضون كالخلخال برجله، وصار صفة من صفات الحق جل وعلا، لا يعجزه شيء وصار الحق تعالى يرضى لرضاه ويسخط لسخطه، قال‏:‏ ويدل لما قلناه ما ورد في بعض الكتب الإلهية يقول الله عز وجل ‏(‏يا بني آدم أطيعوني أطعكم، واختاروني أختركم، وارضوا عني أرض عنكم وأحبوني أحبكم وراقبوني أراقبكم وأجعلكم تقولون لشيء كن فيكون، يا بني آدم من حصلت له حصل له كل شيء ومن فته فاته كل شيء‏)‏‏"‏ ا‏.‏هـ‏.‏ ‏(‏طبقات الشعراني ص142‏)‏‏.‏

ولا يخفى ما في هذا النص من الباطل لأن العبد مهما بلغ من منازل القرب مع الله يبقى عبدًا محكومًا بسنن الله الكونية مفتقرًا إلى الله عز وجل كما كان أحوال الرسل وأولياء الله الصادقين فلم تكن الأرض كالخلخال برجل أحدهم بل كانوا يجوعون، ويمرضون، ويتألمون، ويهزمون أحيانًا، ويسبون ويشتمون، وقد يتوب لله على من يؤذيهم فيكونون مسلمين، كما فعل الله سبحانه بمن قتلوا أفضل أوليائه في أحد وقال رسول الله فيهم ‏(‏كيف يفلح قوم شجو وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى الله عز وجل‏.‏‏.‏‏)‏ فأنزل الله سبحانه وتعالى قوله ‏{‏ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون‏}‏ ‏[‏آل عمران‏:‏ 128‏]‏‏.‏ ‏(‏رواه البخاري‏)‏‏.‏

وأما ما نقله الشعراني هنا عن الرفاعي، وما زعمه أن هذا مكتوب في بعض الكتب الإلهية فما هذه الكتب الإلهية‏؟‏‏.‏‏.‏ ولماذا نهتدي بغير هدي القرآن والسنة وقد نهينا عن ذلك، وهل أنزل الله في هذه الكتب الإلهية المزعومة‏:‏ وأجعلكم تقولون للشيء كن فيكون‏.‏‏.‏ وماذا بقي لله إذن إذا أصبح كل من أطاع الله إلهًا صغيرًا يتصرف في الكون كما يتصرف الله‏.‏‏.‏ ماذا بقي لله من دون صفاته‏.‏‏.‏ لقد سلبوا منه كل صفاته وجعلوها لأنفسهم ولم يرضوا أن يكونوا عبيدًا له سبحانه وتعالى كما أمرهم‏.‏

ومما يدلك على أن المتصوفة يريدون فعلًا الوصول إلى هذا، أعني سلب صفات الله عنه وإلباسها لأنفسهم حتى يكونوا عند الناس آلهة من دون الله، ما نقل هنا الشعراني أيضًا عن الرفاعي والله يعلم هل هذا النقل صحيح أم لا‏؟‏‏:‏ ‏"‏إذا أراد الله عز وجل أن يرقي العبد إلى مقامات الرجال يكلفه بأمر نفسه أولًا، فإذا أدب نفسه واستقامت معه كلفه بأهله، فإذا أحسن إليهم وأحسن عشرتهم، كلفهم بجيرانه وأهل محلته فإن هو أحسن إليهم وداراهم كلفه جهة من البلاد فإن هو داراهم وأحسن عشرتهم، وصلح سريرته مع الله كلفه ما بين السماء والأرض، فإن فيهم خلقًا لا يعلمه إلا الله تعالى، ثم لا يزال يرتفع من سماء إلى سماء حتى يصل إلى محل الغوث، ثم ترتفع صفته إلى أن يصير صفة من صفات الحق تبارك وتعالى، وأطلعه على غيبه حتى لا تنبت شجرة، ولا تخضر ورقة إلا بنظره وهناك يتكلم عن الله تعالى بكلام لا يسعه عقول الخلائق‏"‏ ‏(‏طبقات الشعراني ص143‏)‏ ا‏.‏هـ‏.‏‏.‏

قلت‏:‏ فانظر كيف سيرتقي الصوفي إلى أن يكلفه الله أمر خلائق بين السماء والأرض‏.‏ ولست أدري ماذا سيكلفه الله هناك‏.‏‏.‏ ولكن صاحب هذا القول يزعم أنه سيكون صفة من صفات الحق والحق هنا يعني الله سبحانه وتعالى، يطلع على غيب الله فلا تنبت شجرة، ولا تخضر ورقة إلا بنظره‏.‏‏.‏ باختصار يأخذ مكان الله سبحانه وتعالى، ‏(‏راجع مراتب الأولياء في الفصل الخاص بذلك‏)‏‏.‏

وهكذا يجعل الصوفية غوثهم المزعوم هو القائم في مقام الله يتصرف في هذا الكون أعلاه وأسفله فانظر الغاية التي يريد رجال التصوف أن يوصلوا الناس إليها إنها باختصار صرف الناس عن عبادة الواحد القهار إلى عبادة من يبولون ويتغوطون ويهرفون بما لا يعرفون، ويستمدون علومهم من الجن والشياطين، ويزعمون للناس أنها وحي من رب العالمين‏.‏

وعلى كل حال فتحقيقًا لهذه الأقوال أعني أن الولي قد يكلف بأمر الخلائق فإن الشعراني يزعم أيضًا أن الله قد كلف أحمد الرفاعي بالنظر في أمر الدواب والحيوانات‏.‏‏.‏ ولذلك كان ينهي أصحابه عن قتل القمل فقد رأى بعض مريديه يقتل قملة فقال له‏:‏ لا وأخذك الله شفيت غيظك بقتل قملة‏.‏‏.‏وكذلك زعموا أن الرفاعي كان إذا لقي الكلاب والخنازير بدأهن بالسلام وكان يقول لهن أحيانًا‏:‏ أنعموا صباحًا ‏(‏طبقات الشعراني ص143‏)‏‏.‏‏.‏ ا‏.‏هـ‏.‏‏.‏

وهكذا يظهر أثر التكليف الإلهي المزعوم برعايته الحيوانات فتكون النهاية عن قتل القمل، وإلقاء السلام على الخنازير والكلاب‏.‏‏.‏قلت‏:‏ ليس عندي ما أقوله في هذا المقامإلا أن أقول إنا لله وإنا إليه راجعون‏.‏ التحية التي جعلها الله خاصة بالمسلم فقط وحرم الرسول إلقاءها إلا على مسلم ونهى بدء اليهود والنصارى بها علمًا أنهم آدميون وقد يهتدون في مستقبل أيامهم هذه التحية التي قال فيها ‏{‏فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 61‏]‏‏.‏ هانت على رجال التصوف فأعطوها هدية للكلاب والخنازير‏.‏‏.‏

أرأيت إلى المستنقع الذي يريد رجال التصوف إغراق المسلمين فيه‏.‏‏.‏ ومع هذا كله فقد زعم الشعراني أيضًا أن الشيخ الرفاعي كان إذا تجلى الحق تعالى عليه بالتعظيم يذوب الرفاعي حتى يكون بقعة ماء ثم يتداركه اللطف فيجمد شيئًا فشيئًا حتى يرد إلى جسمه المعتاد ‏(‏طبقات الشعراني ص143‏)‏‏.‏