فصل: الفصل الثاني: (في دفع المطاعن)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: إظهار الحق **


الفصل الثاني‏:‏ ‏(‏في دفع المطاعن‏)‏

اعلم أرشدك اللّه تعالى في الدارين أن المسيحيين يدعون أن الأنبياء إنما يكونون معصومين في تبليغ الوحي فقط، تقريرًا كان أو تحريرًا‏.‏ وأما في غير التبليغ، فليسوا بمعصومين لا قبل النبوّة ولا بعدها‏.‏ فيصدر عنهم بعدها جميع الذنوب قصدًا، فضلًا عن الخطأ والنسيان، فيصدر عنهم الزنا بالمحارم فضلًا عن الأجنبيات، ويصدر عنهم عبادة الأوثان، وبناء المعابد لها، ولا يخرج عندهم نبي من إبراهيم إلى يحيى عليهما السلام لا يكون زانيًا أو من أولاد الزنا أعاذنا اللّه من أمثال هذه العقائد الفاسدة في حق الأنبياء عليهم السلام‏.‏

وقد عرفت في الأمر السابع من مقدمة الكتاب، وفي الفصل الثالث والرابع من الباب الأول، وفي المقصد الأول من الباب الثاني أن ادعاءهم العصمة في التبليغ أيضًا باطل لا أصل له على أصولهم‏.‏ ويصدر هذا الادعاء عنهم لتغليط العوام، فمطاعنهم على محمد صلى اللّه عليه وسلم في بعض الأمور التي يفهمونها ذنوبًا في زعمهم الفاسد، لا تقدح في نبوته على أصولهم‏.‏ وإني وإن كنت أستكره أن أنقل ذنوب الأنبياء والكفريات المفتريات عن كتبهم ولو إلزامًا، ولا أعتقد في حضرات الأنبياء إنصافهم بهذه الذنوب والكفريات حاشا وكلا‏.‏ لكني لما رأيت أن علماء بروتستنت أطالوا ألسنتهم إطالة فاحشة في حق محمد صلى اللّه عليه وسلم في الأمور الخفيفة، وجعلوا الخردلة جبلًا لتغليط العوام الغير الواقفين على كتبهم، وكان مظنة وقوع السذج في الاشتباه بتمويهاتهم الباطلة، نقلت بعضها إلزامًا، وأتبرأ عن اعتقادها بألف لسان وليس نقلها إلا كنقل كلمات الكفر، ونقل الكفر ليس بكفر، وقدمت نقلها على نقل مطاعنهم في محمد صلى اللّه عليه وسلم والجواب عنها، وكتب القسيس وليم اسمت من علماء بروتستنت كتابًا في لسان أردو وطبعه في البلد مرزابور من بلاد الهند في سنة 1848 من الميلاد، وسماه طريق الأولياء، وكتب فيه حال الأنبياء من آدم إلى يعقوب عليهم السلام ناقلًا عن سفر التكوين وتفاسيره المعتبرة عند علماء بروتستنت، فأنقل في بعض المواضع عن هذا الكتاب أيضًا‏.‏

‏[‏1‏]‏ قصة آدم عليه السلام عندهم مشهورة، وفي الباب الثالث من سفر التكوين مسطورة، وهم يعترفون أنه أذنب عمدًا ولم يعترف بذنبه لما طلبه اللّه، ولم تثبت توبته عندهم إلى آخر حياته في الصفحة 23 من طريق الأولياء‏:‏ ‏(‏يا أسفي على أنه لم تثبت توبته وعلى أنه ما استغفر اللّه لذنبه مرة واحدة أيضًا‏)‏ انتهى‏.‏

‏[‏2‏]‏ في الباب التاسع من سفر التكوين هكذا‏:‏ 18 ‏(‏فكان بنو نوح الذين خرجوا من الفلك سام وحام ويافت وحام أبو كنعان‏)‏ 20 ‏(‏وبدا نوح فلاح يحرث في الأرض وغرس كرمًا‏)‏ 21 ‏(‏وشرب خمرًا فسكر وتكشف في خبا‏)‏ 22 ‏(‏فلما نظر حام أبو كنعان ذلك أي عورة أبيه أنها مكشفة أخبر أخوته خارجًا‏)‏ 24 ‏(‏فلما استيقظ نوح من الخمر، وعلم بما عمل به ابنه الأصغر‏)‏ 25 ‏(‏فقال ملعون كنعان، فيكون عبد العبيد لأخوته‏)‏‏.‏ ففيه تصريح بأن نوحًا شرب الخمر وسكر وصار عريانًا، والعجب أن المذنب بالنظر إلى عورة أبيه هو حام أبو كنعان، والذي عوقب باللعنة ابنه كنعان، وأخذ الابن بذنب الأب خلاف العدل‏.‏ قال حزقيال في الآية العشرين من الباب الثامن عشر من كتابه‏:‏ ‏(‏النفس التي تخطئ فهي تموت، والابن لا يحمل إثم الأب، والأب لا يحمل إثم الابن وعدل العادل يكون عليه، ونفاق المنافق يكون عليه‏)‏‏.‏

ولو فرضنا أنه حمل إثم الأب على الابن خلاف العدل‏.‏ فما وجه تخصيص كنعان لأن أبناء حام كانوا أربعة، كوش ومصرايم وفوط وكنعان، كما هو مصرح به في الباب العاشر‏)‏‏.‏

‏[‏3‏]‏ في الصفحة 74 من طريق الأولياء في حال إبراهيم هكذا‏:‏ ‏(‏لا يعلم حاله إلى سبعين سنة من عمره وهو تربى في الوثنيين، ومضى أكثر عمره فيهم ويعلم أن أبويه ما كانا يعرفان الإله الحق‏.‏ ويحتمل أن إبراهيم أيضًا كان يعبد الأصنام ما لم يظهر اللّه عليه، ثم ظهر عليه وانتخبه من أبناء العالم، وجعله عبدًا خاصًا‏)‏ انتهى‏.‏ فظهر أن المظنون عند المسيحيين أن إبراهيم إلى سبعين سنة من عمره كان يعبد الأصنام‏.‏ أقول كونه عابد الأصنام إلى أن بلغ سبعين سنة، قريب اليقين، نظرًا إلى أصولهم‏.‏ لأن أهل العالم في هذا الوقت عندهم كانوا وثنيين، وهو تربى فيهم، وأبواه أيضًا كانا منهم‏.‏ ولم يظهر عليه الرب إلى ذلك الوقت، والعصمة عن عبادة الأوثان ليست بشرط بعد النبوة، فضلًا عن أن تكون شرطًا قبل النبوة‏.‏ وإذا ظهر حال أبي الأنبياء هذا إلى سبعين سنة من عمره قبل النبوّة، فانقل حاله بعد النبوة‏.‏

‏[‏4‏]‏ في الباب الثاني عشر من سفر التكوين هكذا‏:‏ 11 ‏(‏فلما قرب أن يدخل إلى مصر، قال لسارة زوجته إني علمت أنك امرأة حسنة‏)‏ 12 ‏(‏ويكون إذا رآك المصريون فإنهم سيقولون أنها امرأته ويقتلوني ويستبقونك‏)‏ 13 ‏(‏والآن أرغب منك فقولي أنك أختي، ليكون لي خير بسببك، وتحيي نفس من أجلك‏)‏‏.‏ فسبب الكذب ما كان مجرد الخوف، بل رجاء حصول الخير أيضًا، بل الخير كان أقوى‏.‏ ولذلك قدمه وقال ليكون لي خير بسببك، وتحيي نفسي من أجلك‏.‏ وحصل له الخير أيضًا، كما هو مصرح به في الآية السادسة عشر‏.‏ على أن خوفه من القتل مجرد وهم، لا سيما إذا كان راضيًا بتركها فإنه لا وجه لخوفه بعد ذلك أصلًا، وكيف يجوز العقل أن يرضى إبراهيم بترك حريمه وتسليمها ولا يدافع دونها، ولا يرضى بمثله من له غيرة ما، فكيف يرضى مثل إبراهيم الغيور‏.‏

‏[‏5‏]‏ في الباب العشرين من سفر التكوين هكذا‏:‏ 1 ‏(‏وارتحل إبراهيم من هناك إلى أرض التيمن، وسكن بين قادس وسور والتحى في جرارا‏)‏ 2 ‏(‏قال عن سارة امرأته إنها أختي، ووجه أبي مالك ملك جرارا وأخذها‏)‏ 3 ‏(‏فجاء اللّه إلى أبي مالك في الحلم بالليل، وقال له‏:‏ هو ذا أنت تموت من أجل الامرأة التي أخذتها لأنها ذات بعل‏)‏ 4 ‏(‏ولم يكن أبو مالك قربها، فقال‏:‏ يا رب أتهلك شعبًا بارًا لا علم له‏)‏ 5 ‏(‏أليس هو القائل إنها أختي، وهي قالت إنه أخي‏)‏‏.‏ كذب هناك إبراهيم وسارة مرة ثانية، ولعل السبب هاهنا ما عدا الخوف أيضًا، كان حصول المنفعة، وقد حصلت كما هي مصرحة بها في الآية الرابعة عشر، على أنه لا وجه للخوف إذا كان راضيًا بتسليمها بدون المقاتلة في الصفحة 99 من طريق الأولياء هكذا‏:‏ ‏(‏لعل إبراهيم لما أنكر كون سارة زوجة له في المرة الأولى، عزم في قلبه أنه لا يصدر عنه مثل هذا الذنب، لكنه وقع في شبكة الشيطان السابقة مرة أخرى بسبب الغفلة‏)‏ انتهى‏.‏

‏[‏6‏]‏ في الصفحة 92 و 93 من طريق الأولياء‏:‏ ‏(‏لا يمكن أن يكون إبراهيم غير مذنب في نكاح هاجر، لأنه كان يعلم جيدًا قول المسيح المكتوب في الإنجيل، أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى، وقال من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه، ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدًا واحدًا‏)‏ انتهى‏.‏ أقول كما لا يمكن هذا، فكذا لا يمكن أن يكون غير مذنب في نكاح سارة، لأنه كان يعلم جيدًا قول موسى المكتوب في التوراة‏:‏ ‏(‏لا تكشف أختك من أبيك كانت أو من أمك التي ولدت في البيت أو خارجًا من البيت‏.‏ وكذا قوله‏:‏ ‏(‏أي رجل تزوج أخته ابنة أبيه أو أخته ابنة أمه، ورأى عورتها ورأت عورته، فهذا عار شديد، فيقتلان أمام شعبهما‏.‏ وذلك لأنه كشف عورة أخته فيكون إثمهما في رأسهما‏)‏‏.‏ وكذا قوله‏:‏ ‏(‏يكون ملعونًا من يضاجع أخته من أبيه أو أمه‏)‏‏.‏ كما عرفت في الباب الثالث من هذا الكتاب، ومثل هذا النكاح مساوٍ للزنا عند علماء بروتستنت‏.‏ فيلزم أن يكون إبراهيم عليه السلام زانيًا قبل النبوة وبعدها، ويكون أولاده كلهم من سارة أولاد الزنا، ولو جوز نكاح الأخت في شريعته لزم عليهم تجويز تعدد النكاح أيضًا في تلك الشريعة، فلا اعتراض باعتبار هاجر ولا باعتبار سارة وهو الحق عندنا، لكنه يلزم على أصلهم الفاسد أن هذا النبي أبا الأنبياء، كما كان كاذبًا، فكذا كان زانيًا من أول عمره إلى آخره، ومع هذا كان خليل اللّه، أيكون خليل اللّه مثله‏.‏

‏[‏7‏]‏ في الباب التاسع عشر من سفر التكوين هكذا‏:‏ 30 ‏(‏فصعد لوط من صاغر وسكن الجبال وابنتاه معه وخاف أن يسكن صاغر وأوى إلى كهف هو وابنتاه معه‏)‏ 31 ‏(‏فقالت الكبرى منهما للصغرى إن أبانا قد شاخ وليس رجل على الأرض يستطيع يدخل علينا كالمرسوم لكل الأرض‏)‏ 32 ‏(‏فهلمي نسقيه خمرًا ونضطجع معه ونقيم من أبينا خلفًا‏)‏ 33 ‏(‏فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة ودخلت الكبرى فاضطجعت مع أبيها وهو لم يعلم عند انضجاع ابنته ولا نهوضها‏)‏ 34 ‏(‏ولما كان الغد قالت الكبرى للصغرى هو ذا قد اضطجعت البارحة مع أبي فلنسقه خمرًا في ليلتنا هذه أيضًا وادخلي فاضطجعي معه فنقيم نسلًا من أبينا‏)‏ 35 ‏(‏فسقتا أباهما خمرًا في تلك الليلة أيضًا ودخلت الصغرى فاضطجعت مع أبيها ولم يعلم عند انضجاعها ولا نهوضها‏)‏ 36 ‏(‏فحملت ابنتا لوط من أبيهما‏)‏ 37 ‏(‏وولدت الكبرى ابنًا ودعت اسمه مواب وهو أبو الموابيين إلى يومنا هذا‏)‏ 38 ‏(‏وولدت الصغرى أيضًا ابنًا ودعت اسمه عمان، أي ابن جنسي فهو أبو العمانيين إلى اليوم‏)‏‏.‏

وفي الصفحة 128 من طريق الأولياء بعد نقل هذا الحال هكذا‏:‏ ‏(‏حاله حري أن يبكى عليه ونحن بعد التأسف والخوف والخشية على أنفسنا نتعجب منه، أهو الذي بقي نقي الثوب عن جميع شرور سادوم، وكان قويًا في السلوك على صراط اللّه، وبعيدًا عن جميع نجاسات تلك البلدة وغلب عليه الفسق بعد ما خرج إلى البر، فأي شخص يكون مأمونًا في بلد أو بر أو كهف‏)‏ انتهى كلامه‏.‏ فلما بكى ‏[‏ص 304‏]‏ القسيسون على حاله فلا حاجة لنا إلى الإطالة، وبكاؤهم يكفي غير أني أقول أن مواب وعمان الذين تولدا بالزنا ما قتلهما اللّه، وقتل الولد الذي تولد بزنا داود عليه السلام بامرأة أوريا، لعل الزنا بامرأة الغير أشد من الزنا بالبنات عندهم، بل هم كانا من المقبولين عند اللّه‏.‏ أما مواب فلأن عوبيد جد داود عليه السلام اسم أمه راعوث كما هو مصرح به في الباب الأول من إنجيل متى وراعوث هذه كانت موابية من أولاد مواب، فهي من جدات داود وسليمان وعيسى عليهم السلام، وداود ابن اللّه البكر وسليمان أيضًا ابن اللّه وعيسى ابن اللّه الوحيد، بل اللّه على زعم المسيحيين‏.‏ وأما عمان فلأن رحبعام ابن سليمان، من أجداد عيسى عليه السلام، كما هو مصرح به في الباب الأول من إنجيل متى أيضًا، وأمه كانت عمانية من أولاد عمان كما هو مصرح به في الباب الرابع عشر من سفر الملوك الأول، فهي أيضًا من جدات ابن اللّه الوحيد، بل اللّه على زعمهم‏.‏

والآية التاسعة عشر من الباب الثاني من سفر الاستثناء هكذا‏:‏ ‏(‏وتدنو إلى قرب بني عمان احذر تقاتلهم ولا تحترك إلى محاربهم فإني لا أعطيك شيئًا من أرض بني عمان إني أعطيتها بني لوط ميراثًا‏)‏‏.‏ فأي شرف لمواب وعمان ولدي الزنا، أزيد من أن بعض بنات الأول صارت جدة معظمة لأبناء اللّه، بل اللّه على زعمهم‏.‏ وبعض بنات الثاني صارت جدة لابن اللّه الوحيد، بل اللّه على زعمهم‏.‏ وأن اللّه منع بني إسرائيل الذين كانوا أبناء اللّه بنص التوراة عن توريث أرض أولاده، لكنه بقيت خدشة وهي أنه إذا وصل نسب عيسى عليه السلام باعتبار هاتين الجدتين المعظمتين إلى مواب وعمان صار موابيًا وعمانيًا، وما كان للعمانيين والموابيين أن يدخلوا جماعة الرب إلى الأبد‏.‏

الآية الثالثة من الباب الثالث والعشرين من كتاب الاستثناء هكذا‏:‏ ‏(‏والعمانيون والموابيون بعد عشر أحقاب أيضًا لا يدخلون جماعة الرب إلى الأبد‏)‏‏.‏

فكيف دخل عيسى عليه السلام جماعة الرب بل صار رئيسهم، بل ابن اللّه على زعمهم، وإن قيل أن اعتبار النسب بالآباء لا بالأمهات، فلا يكون عيسى عليه السلام عمانيًا ولا موابيًا، قلت لو كان كذا يلزم أن لا يكون إسرائيليًا يهوديًا أو داوديًا سليمانيًا أيضًا، إذ حصول هذه الأوصاف له أيضًا من جانب الأم لا الأب، فلا يكون مسيحًا موعودًا به، واعتبار هذه الأوصاف باعتبار الأم وعدم اعتبار كونه عمانيًا وموابيًا من جهة الجدات، ترجيح بلا مرجح، وهذا وارد على داود وسليمان عليهما السلام أيضًا باعتبار راعوث، لكني لا أطيل الكلام في هذا وأرجع إلى أصل القصة، وأقول‏:‏ أن لوطًا عليه السلام هذا الذي حاله حري بأن يبكى عليه عند القسيسين، لا شك أنه بحكم الإنجيل بار قديس، لم يقع الوهن عندهم في قديسيته بعد هذه الحركة الشنيعة التي لم يسمع مثلها في الأراذل الذين يكونون مخمورين أكثر الأوقات، لأنهم يميزون في حال الخمر أيضًا بناتهم عن الأجنبيات، وإذ سقط الامتياز بين البنات وغيرها لشدة الخمر، لا يبقى السكران في هذا الوقت قابلًا للجماع كما شهد به المولعون بشرب الخمر، وما سمعنا إلى الآن في الهند أن رذيلًا من الأراذل فعل هذا الأمر في الخمر ببنته أو بأمه، فإذا كان الخمر موصلًا إلى هذه الرتبة، فوا أسفي على حال أهل أوربا من المسيحيين، كيف يرجى نجاة أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم من أيدي الأبناء والآباء والأخوة، لأنهم في أغلب الأوقات يكونون سكرانين رجالهم ونساؤهم، سيما إذا قسنا الحال بالنسبة إلى أراذلهم‏.‏ والعجب أن هذا القديس كما ابتلي في الليلة الأولى، ابتلي في الليلة الثانية، إلا أن يقال إن هذا الأمر كان أمرًا مقضيًا ليتولد أبناء اللّه، بل اللّه من بعض بناته ويدخل هو في سلسلة نسب ابن اللّه الوحيد، ومثل هذا لو وقع لبعض آحاد الناس ضاقت عليه الأرض بما رحبت حزنًا وهمًا، فالعجب من لوط‏.‏ أعوذ باللّه من هذه الخرافات، وأقول إن هذه القصة الكاذبة من المفتريات‏:‏ في الباب الثاني من الرسالة الثانية لبطرس هكذا‏:‏ 7 ‏(‏وأنقذ لوطًا البار مغلوبًا من سيرة الأردياء في الدعارة‏)‏ 8 ‏(‏إذا كان البار بالنظر والسمع وهو الساكن بينهم يعذب يومًا فيومًا نفسه البارة بالأفعال الأثيمة‏)‏‏.‏ فأطلق بطرس البار على لوط عليه السلام ومدحه، فأنا أشهد أيضًا أنه كان بارًا بريًا مما نسبوه إليه‏.‏

‏[‏8‏]‏ في الباب السادس والعشرين من سفر التكوين هكذا‏:‏ 6 ‏(‏فمكث إسحاق في جرارة‏)‏ 7 ‏(‏وسأله رجال ذلك الموضع عن زوجته، فقال هي أختي لأنه خاف أن يقول أنها زوجته لئلا يقتلوه من أجل حسنها‏)‏‏.‏ فكذب إسحاق عمدًا أيضًا مثل أبيه، وقال لزوجته أنها أخته‏.‏ في الصفحة 168 من طريق الأولياء‏:‏ ‏(‏زل إيمان إسحاق لأنه قال لزوجته أنها أخته‏)‏‏.‏ ثم في الصفحة 169 ‏(‏يا أسفي إنه لا يوجد كمال في أحد من بني آدم غير الواحد العديم النظير، والعجب أن شبكة الشيطان التي وقع فيها إبراهيم، وقع فيها إسحاق أيضًا، وقال عن زوجته أنها أخته، فيا أسفي أن أمثال هؤلاء المقربين عند اللّه محتاجون إلى الوعظ‏)‏ انتهى كلامه‏.‏ ولما تأسف القسيسون تأسفًا بليغًا على مزلة إيمانه وعدم وجود كمال فيه ووقوعه في شبكة الشيطان التي وقع فيها إبراهيم عليه السلام وكونه محتاجًا إلى الوعظ فلا نطيل الكلام فيه‏.‏

‏[‏9‏]‏ في الباب الخامس والعشرين من سفر التكوين هكذا‏:‏ 29 ‏(‏فطبخ يعقوب طبيخًا ولما جاء عيسو إليه تعبان من الحقل‏)‏ 30 ‏(‏فقال له أطعمني من هذا الطبيخ الأحمر فإني تعبان جدًا ولهذا السبب دعى اسمه أدوم‏)‏ 31 ‏(‏فقال له يعقوب بع لي بكوريتك‏)‏ 32 ‏(‏فأجاب وقال هو ذا أنا أموت فماذا تنفعني البكورية‏)‏ 33 ‏(‏فقال له يعقوب احلف لي فحلف له عيسو وباع البكورية‏)‏ 34 ‏(‏فقدم يعقوب لعيسو خبزًا ومأكولًا من العدس فأكل وشرب ومضى وتهاون في أنه باع البكورية‏)‏‏.‏ فانظروا إلى ديانة عيسو الذي هو الولد الأكبر لإسحاق عليه السلام، أنه باع البكورية، التي كان بها استحقاق منصب النبوة والبركة عنده ما كانا في رتبة هذا الخبز والأدام من العدس، وكذا انظروا إلى محبة يعقوب عليه السلام وإلى جوده، أنه ما أعطى للأخ الأكبر الجائع التعبان هذا المأكول إلا بالبيع وما راعى المحبة الأخوية والإحسان بلا عوض‏.‏

‏[‏10‏]‏ من طالع الباب السابع والعشرين من سفر التكوين، علم يقينًا أن يعقوب عليه السلام كذب ثلاث مرات وخادع أباه، وخداعه كما أثر عند إسحاق عليه السلام، أثر عند اللّه أيضًا، لأن إسحاق عليه السلام كان بصميم قلبه واعتقاده داعيًا لعيسو لا ليعقوب عليه السلام، فكما لم يميز إسحاق بين الأخوين في الدعاء، فكذا لم يميز اللّه بينهما عند إجابة الدعاء، فالعجب أن ولاية اللّه والنبوة والصلاح تحصل بالمحال‏.‏ وأنا تذكرت قصة مناسبة لهذا المقام وهي‏:‏ أن فاجرًا من فرقة بانو طلب حشيشًا من الحمّار لأجل حصانه وما أعطاه الحمار فقال إن لم تعطني أدع على حمارك فيموت الليلة، وراح فمات حصانه في تلك الليلة، فلما استيقظ ووجد حصانه ميتًا، حرك رأسه متعجبًا فقال‏:‏ يا عجبًا يا عجبًا أنه مضى مليونات من السنين على ألوهية إلهنا ولا يميز الحصان من الحمار إلى هذا الحين، دعوت على الحمار وأهلك حصاني، ولو كان حال ديانة أبي الأنبياء الإسرائيلية هكذا أو حال علم اللّه هكذا، فللمنكر أن يقول‏:‏ يجوز أن يكون مبنى معاملات الأنبياء الإسرائيلية مع اللّه أيضًا على الخداع كأبيهم الأعلى، ويجوز أن يكون عيسى عليه السلام وعد اللّه أن تعطيني قدرة الكرامات، أدع الخلق إلى توحيدك وربوبيتك، لكن اللّه ما ميز الصدق عن الكذب فأعطاه القدرة فدعا إلى ربوبية نفسه وبغى على اللّه‏.‏ أعوذ باللّه من هذه الأمور الواهية‏.‏

وأنقل بعض فقرات طريق الأولياء من الصفحة 179 و 180 و 181، قال أولًا‏:‏ ‏(‏هذا مقام غاية الخوف أن مثل هذا الشخص تفوه بكذب بعد كذب وأشرك اسم اللّه في خداعه‏)‏، ثم قال ثانيًا‏:‏ ‏(‏قال يعقوب قولًا هو نهاية الكفران إرداة اللّه كانت أني وجدت الصيد سريعًا‏)‏، ثم قال ثالثًا‏:‏ ‏(‏نحن لا نعتذر من جانب يعقوب في هذا الأمر بعذر ما وليتنفر كل صالح وليفر عن مثل هذا الأمر‏)‏، ثم قال رابعًا‏:‏ ‏(‏خلاصة الكلام أنه أساء ليحصل الخير وفي الإنجيل يجب الجزاء على مثله‏)‏، ثم قال خامسًا‏:‏ ‏(‏كما أذنب يعقوب أذنبت أمه أزيد منه لأنها كانت بانية هذا الفساد وهي أمرت يعقوب بفعل هذه الأمور الخادعة‏)‏ انتهى‏.‏

‏[‏11‏]‏ في الباب التاسع والعشرين من سفر التكوين هكذا‏:‏ 15 ‏(‏ثم قال ليعقوب لعل أنك أخي مجانًا تخدمني ما أجرتك‏)‏ 16 ‏(‏فكانت له ابنتان اسم الكبرى ليا واسم الصغرى راحيل‏)‏ 17 ‏(‏وكان بعيني ليا استرخاء وراحيل جميلة الوجه وحسنة المنظر‏)‏ 18 ‏(‏فأحب يعقوب راحيل وقال أنا أتعبد لك براحيل ابنتك الصغرى سبع سنين‏)‏ 19 ‏(‏فقال له لابان أنت أحق بها من غيرك فأقم عندي‏)‏ 20 ‏(‏وتعبد يعقوب براحيل سبع سنين وكانت عنده مثل أيام قليلة لما دخله من محبتها‏)‏ 21 ‏(‏فقال للابان أعطني امرأتي لأني قد أكملت الأيام لكي أدخل إليها‏)‏ 32 ‏(‏فجمع لابان جمعًا كثيرًا من المحبين وصنع عرسًا‏)‏ 23 ‏(‏ولما كان المساء أدخل ابنته ليا على يعقوب‏)‏ 34 ‏(‏وأعطى لابان أمة اسمها زلفا لابنته ودخل عليها يعقوب كالعادة ولما كان الصبح رآها أنها ليا‏)‏ 25 ‏(‏فقال للابان ما هذا الذي صنعت بي ألم أتعبد لك براحيل فلم خدعتني‏)‏ 26 ‏(‏أجاب لابان ليس في أرضنا عادة أن تزوج الصغرى قبل الكبرى‏)‏ 27 ‏(‏فأكمل الأسبوع هذه فأعطيك الأخرى عوضًا عن العمل الذي تعمل لي سبع سنين أخرى‏)‏ 28 ‏(‏ففعل يعقوب هكذا وبعد ما دخل الأسبوع تزوج براحيل‏)‏ 29 ‏(‏ودفع لابان إلى ابنته راحيل أمة اسمها بلها‏)‏ 30 ‏(‏فدخل على راحيل وأحبها أكثر من ليا وتعبد له وخدمه سبع سنين أخرى‏)‏ ويرد عليه ثلاثة اعتراضات‏:‏

‏(‏الأول‏)‏ أن يعقوب عليه السلام كان يقيم في بيت لابان وكان يرى بنتيه ويعرفهما معرفة جيدة، باعتبار وجوههما وأجسامهما وأصواتهما، وكان في ليا علامة بينة هي استرخاء العينين، فالعجب كل العجب أن تكون ليا في فراشه جميع الليل ويراها ويضاجعها ويلمسها ولا يعرفها، إلا أن يقولوا أنه كان سكرانًا كلوط عليه السلام، فكما لم يميز لوط عليه السلام فكذا هو‏.‏

‏(‏والثاني‏)‏ أنه أحب راحيل وخدم لأجلها أباها أولًا سبع سنين، وكانت عنده مثل أيام قليلة لأجل عشقها وفرط محبتها، ثم لما خادع لابان وزوجه بنته الكبرى، خاصمه يعقوب، وأخذ راحيل بخدمة سبع سنين أخرى، وهذه الأمور على زعم المسيحيين لا تناسب رتبة النبوة، وكما خادع أباه خودع من صهره‏.‏

‏(‏والثالث‏)‏ أنه ما اكتفى على زوجة واحدة، ولا يجوز نكاح امرأتين سيما أختين على زعمهم الفاسد‏.‏

واعتذر صاحب طريق الأولياء في الصفحة 189 من كتابه هكذا‏:‏ ‏(‏الظاهر أن يعقوب إن لم يخادعه لابان لم يتزوج غير راحيل ولا يستدل بها على جواز تعدد الزوجات، لأنه ما كان بحكم اللّه ولا برضا يعقوب‏)‏ انتهى‏.‏

أقول‏:‏ هذا العذر بارد لا يسمن ولا يغني ولا يحصل النجاة ليعقوب عليه السلام عن الحرمة، لأنه ما كان مكرهًا ومجبورًا على النكاح الثاني، وكان عليه أن يكتفي بزوجة واحدة‏.‏ وأقول‏:‏ كما قال هذا المعتذر في طعن إبراهيم عليه السلام، أن يعقوب عليه السلام كان يعلم جيدًا قول المسيح المكتوب في الإنجيل، أن الذي خلق من البدء خلقهما ذكرًا وأنثى إلخ‏.‏ وكذا كان يعلم جيدًا قول موسى عليه السلام إن الجمع بين الأختين حرام قطعًا، كما علمت في الباب الثالث‏.‏ فأحد النكاحين باطل، والامرأة التي كان نكاحها باطلًا يلزم أن يكون أولادها وأولاد أولادها أولاد الزنا، فيلزم على كلا التقديرين كون كثير من الأنبياء الإسرائيلية كذلك والعياذ باللّه‏.‏ فانظروا إلى ديانة المسيحيين إنهم لأجل صيانة أصولهم الفاسدة كيف يتهمون الأنبياء، وينسبون القبائح إليهم‏.‏ على أن هذا العذر الأعرج، لا يمشي في زلفا، وبلها اللتين تزوجهما يعقوب بإشارة ليا وراحيل كما هو مصرح به في الباب الثلاثين من سفر التكوين، وأولادهما كافة تكون أولاد الزنا على أصولهم‏.‏

‏[‏12‏]‏ في الباب الحادي والثلاثين من سفر التكوين هكذا‏:‏ 19 ‏(‏وقد كان لابان ذهب ليجز غنمه، وراحيل سرقت أصنام أبيها‏)‏ 20 ‏(‏فكتم يعقوب عليه السلام أمره عن حميه، ولم يعلمه أنه هارب‏)‏ 21 ‏(‏وهرب هو، وجميع ما كان له، وعبر النهر، وتوجه نحو جبل جلعاد‏)‏ 22 ‏(‏وبلغ لابان في اليوم الثالث أن يعقوب قد هرب‏)‏ 23 ‏(‏فأخذ لابان أخوته، وتبعه مسيرة سبعة أيام ولحقه في جبل جلعاد‏)‏ 29 ‏(‏وقال ليعقوب‏:‏ لماذا فعلت هكذا، وسقت بناتي خفيًا عني مثل من قد سبي بالسيف‏)‏ 30 ‏(‏والآن قد انطلقت، وإنما حملك على ذلك الشهوة أن تمضي إلى بيت أبيك فلم سرقت آلهتي‏)‏ 31 ‏(‏أجاب يعقوب الخ‏)‏ 32 ‏(‏وأما ما توبخني به في سرقته فمن وجدت عنده آلهتك يقتل قدام أخوتنا الخ‏)‏ 33 ‏(‏فدخل لابان إلى خباء يعقوب وليا والأمتين فلم يجدها، ولما دخل إلى خباء راحيل‏)‏ 34 ‏(‏فهي أسرعت، وخبت الأصنام تحت حداجة جمل، وجلست عليه، ففتش لابان الخباء كله، ولم يجد شيئًا‏)‏ 35 ‏(‏وقالت لا تؤاخذني يا سيدي إني لا أستطيع النهوض نحوك لأني في علة النساء، وفتش لابان جميع ما في البيت فلم يجد‏)‏‏.‏

فانظروا إلى راحيل كيف سرقت أصنام أبيها، وكيف كذبت، والظاهر أنها سرقت لعباداتها، كما يدل عليه ظاهر عبارة الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين، كما ستعرف في الشاهد الآتي، ولأنها كانت من بيت الوثنيين وأن أباها كان وثنيًا يعبد الأصنام، كما دلت عليه الآية الثلاثون، والثانية والثلاثون والظاهر أنها تكون على دين أبيها، فهذه الزوجة المحبوبة ليعقوب عليه السلام كانت سارقة، كاذبة، وعابدة للأصنام‏.‏

‏[‏13‏]‏ في الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين هكذا‏:‏ 2 ‏(‏وقال يعقوب لأهله، وجميع من معه اعزلوا الآلهة الغرباء من بينكم وتطهروا، وأبدلوا ثيابكم‏)‏ 4 ‏(‏فدفعوا له جميع الآلهة الغرباء التي كانت في أيديهم والأقرطة التي كانت في آذانهم، فدفنها تحت البطمة التي عند شخيم‏)‏‏.‏

والظاهر من هذه العبارة أن أهل بيت يعقوب عليه السلام، ومن معه إلى هذا الحين كانوا يعبدون الأصنام، وهذا الأمر بالنظر إلى بيته شنيع جدًا أما نهاهم قبل هذا عن عبادة الأوثان، وإذا دفعوا إليه جميع الآلهة الغرباء، فالظاهر أن راحيل أيضًا دفعت الآلهة المسروقة أيضًا، فكان على يعقوب عليه السلام أن يرسلها إلى لابان لا أن يدفنها تحت البطمة التي عند شخيم، ويعذر راحيل على سرقتها‏.‏

‏[‏14‏]‏ في الباب الرابع والثلاثين من سفر التكوين هكذا‏:‏ 1 ‏(‏وخرجت دينا ابنة ليا لتنظر إلى بنات ذلك البلد‏)‏ 2 ‏(‏فنظرها شخيم بن حمور الحاوي، رئيس الأرض فأحبها فأخذها وضاجعها وذلها‏)‏ 3 ‏(‏وتعلقت نفسه بها، وأحبها وكلمها بما وافقها، ووقع بقلبها‏)‏ 4 ‏(‏فقال شخيم لحمور أبيه خذ هذه الجارية لي زوجة‏)‏ 8 ‏(‏فكلمهم حمور‏)‏ الخ 13 ‏(‏فأجاب بنو يعقوب الخ‏)‏ 14 ‏(‏لا نستطيع نصنع ما تطلبان، ولا أن نعطي أختنا لرجل أغلف فإن ذلك عار علينا‏)‏ 15 ‏(‏بهذا نشبهكم إذا ما صرتم مثلنا لكي تختنوا كل ذكوركم‏)‏ 24 ‏(‏فارتضى جميعهم واختتن كل من كان منهم ذكرًا‏)‏ 25 ‏(‏فلما كان اليوم الثالث وقد بلغ منهم الوجع جدًا، أخذ ابنا يعقوب شمعون ولاوى أخوا دينا، كل واحد منهما سيفه، ودخلا المدينة على طمأنينة، وقتلا كل ذكر‏)‏ 26 ‏(‏وحمور، وشخيم ابنه، وأخذا دينا ‏[‏ص 312‏]‏ أختهما من بيت شخيم‏)‏ 27 ‏(‏وخرجا ودخل بنو يعقوب على القتلى، ونهبوا المدينة التي فضحت فيها دينا أختهم‏)‏ 28 ‏(‏وأخذوا غنمهم، وبقرهم، وحميرهم، وكل ما في البيوت، وكل ما في الحقل وسبوا صبيانهم، ونساءهم‏)‏‏.‏

فانظروا إلى عصمة دينا بنت يعقوب أنها زنت، وتعشقت بشخيم كما يدل عليه قوله‏:‏ ووقع بقلبها‏.‏ وانظروا إلى ظلم أبناء يعقوب، أنهم قتلوا ذكور أهل البلدة كلهم، وسبوا نساءهم وصبيانهم، ونهبوا جميع أموالهم‏.‏ فخطؤهم وظلمهم ظاهر، وخطأ يعقوب عليه السلام أنه لم يمنعهم عن هذه الحركة الشنيعة قبل وقوعها، وما أخذ القصاص منهم، وما رد النساء والصبيان والأموال المسلوبة، وإن كان غير قادر على منعهم، ورد هذه الأشياء، وأخذ القصاص، فكان عليه أن يترك رفاقة هذه الظلمة، على أنه يبعد كل البعد أن يقتل رجلان أهل البلدة كلهم، ولو فرضنا أنهم كانوا في وجع الختان‏.‏

‏[‏15‏]‏ في الباب الخامس والثلاثين من سفر التكوين هكذا‏:‏ ‏(‏مضى روبيل، وضاجع بلها سرية أبيه فسمع إسرائيل‏)‏‏.‏

فانظروا إلى روبيل الولد الأكبر ليعقوب عليه السلام، أنه زنى بزوجة أبيه، وإلى يعقوب أنه ما أجرى الحد أو التعزيز، لا على ابنه، ولا على هذه الزوجة، والظاهر أن حد الزنا في هذا الوقت كان إحراق الزاني والزانية بالنار، كما يفهم من الآية الرابعة والعشرين من الباب الثامن والثلاثين من سفر التكوين، ودعا على هذا الابن في آخر حياته كما هو مصرح به في الباب التاسع والأربعين من هذا السفر‏.‏

‏[‏16‏]‏ في الباب الثامن والثلاثين من سفر التكوين‏:‏ 6 ‏(‏وأن يهوذا زوج ابنه بكره عير امرأة اسمها ثامار‏)‏ 7 ‏(‏وكان عبر بكر يهوذا رديئًا بين أيدي الرب فقتله الرب‏)‏ 8 ‏(‏وقال يهوذا لابنه أونان‏:‏ ادخل على امرأة أخيك، وكن معها، وأقم زرعًا لأخيك‏)‏ 9 ‏(‏فلما علم أونان أن الخلف لغيره كان إذا دخل إلى امرأة أخيه، يفسد على الأرض لئلا يكون زرعًا لأخيه‏)‏ 10 ‏(‏فظهر ذلك منه سوء أمام الرب لفعله ذلك، وقتله الرب‏)‏ 11 ‏(‏فقال يهوذا لثامار كنته اجلسي أرملة في بيت أبيك حتى يكبر شيلا ابني‏)‏ الخ 13 ‏(‏فاعلموا ثامار قائلين هو ذا حموك صاعدًا إلى تمنت ليجز غنمه‏)‏ 14 ‏(‏فطرحت عنها ثامار ثياب الترمل وأخذت رداء وتزينت، وجلست في قارعة الطريق‏)‏ الخ 15 ‏(‏فلما رآها يهوذا ظن أنها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها لئلا تعرف‏)‏ 16 ‏(‏ودخل عندها وقال لها دعيني أدخل إليك، لأنه لم يعلم أنها كنته‏.‏ فقالت له‏:‏ ماذا تعطيني حتى تدخل إليّ‏)‏ 17 ‏(‏فقال لها‏:‏ أنا أرسل لك جديًا ماعزًا من القطان، وهي قالت له‏:‏ أعطني رهنًا حتى ترسله‏)‏ 18 ‏(‏فقال يهوذا‏:‏ أي شيء أعطيك رهنًا‏.‏ فقالت‏:‏ خاتمك، وعمامتك، وعصاك التي بيدك‏.‏ فأعطاها لها، ودخل عليها فحبلت منه‏)‏ 19 ‏(‏وقامت فمضت، وطرحت عنها لبسها ورداءها، ولبست ثياب ترملها‏)‏ 24 ‏(‏فلما كان بعد ثلاثة أشهر أخبروا يهوذا قائلين‏:‏ زنت ثامار كنتك وهو ذا قد حبلت من الزنا‏.‏ فقال يهوذا أخرجوها لتحرق‏)‏ 25 ‏(‏وإذا هم أخرجوها، أرسلت إلى حميها قائلة‏:‏ مِنَ الرجل الذي هذه له، حبلت أنا، فاعرف لمن هو الخاتم والعمامة، والعصا‏)‏ 26 ‏(‏فعرفها يهوذا، وقال تبررت هي أكثر مني لموضع أني لم أعطها لشيلا ابني، ولكنه لم يعد يعرفها بعد ذلك‏)‏ 27 ‏(‏وكان لما دنا وقت الولادة وإذا توأم في بطنها فعند طلقها، الواحد سبق وأخرج يده فأخذت القابلة قرمزًا وربطته في يده قائلة‏:‏ هذا يخرج أولًا‏)‏ 29 ‏(‏فهاضم يده إليه للوقت، وخرج أخوه فقالت‏:‏ هي لماذا من أجلك انقطع السياح، ولذلك دعت اسمه فارض‏)‏ 30 ‏(‏وبعد ذلك خرج أخوه الذي على يده القرمز، فدعت اسمه زارح‏)‏‏.‏

ههنا أمور‏:‏ الأول‏:‏ أن الرب قتل عير لكونه رديئًا ورداءته لم تبين أكانت هذه الرداءة أشد من رداءة عمه الكبير حيث زنا بزوجة أبيه، ومن رداءة عميه الآخرين شمعون ولاوى حيث قتلا ذكور أهل البلدة كلهم، ومن رداءة أبيه وجميع أعمامه حيث نهبوا أموال تلك البلدة وسبوا نساءها وأطفالها، ومن رداءة أبيه حيث زنى بزوجته بعد موته‏.‏ أهؤلاء كانوا قابلين للرأفة وعدم القتل وكان عير قابلًا للقتل فقتله الرب‏.‏

والثاني‏:‏ العجب أن الرب قتل أونان على خطأ عزل المني، وما قتل أعمامه وأباه على الخطيآت المذكورة‏.‏ أهذا العزل أشد ذنبًا من هذه الخطيآت‏.‏