فصل: الدولة الإسلامية بعد افتراق الخلافة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الدولة الإسلامية بعد افتراق الخلافة.

لم يزل أمر الإسلام جميعا دولة واحدة أيام الخلفاء الأربعة وبني أمية من بعدهم لاجتماع عصبية العرب ثم ظهر من بعد ذلك أمر الشيعة وهم الدعاة لأهل البيت فغلب دعاة بني العباس على الأمر واستقلوا بخلافة الملك ولحق الفل من بني أمية بالأندلس فقام بأمرهم فيها من كان هنالك من مواليهم ومن هرب فلم يدخلوا في دعوة بني العباس وانقسمت لذلك دولة الإسلام بدولتين لافتراق عصبية العرب ثم ظهر دعاة أهل البيت بالمغرب والعراق من العلوية ونازعوا خلفاء بني العباس واستولوا على القاصبة من النواحي كالأدارسة بالمغرب الأقصى والعبيديين بالقيروان ومصر والقرامطة بالبحرين والدواعي بطبرستان والديلم والأطروش فيها من بعده وانقسمت دولة الإسلام بذلك دولا متفرقة نذكرها واحدة بعد واحدة ونبدأ منها أولا بذكر الشيعة ومبادئ دولهم وكيف انساقت إلى العباسية ومن بعدهم إلى آخر دولهم ثم نرجع إلى دولة بني أمية بالأندلس ثم نرجع إلى دولة الدعاة للدولة العباسية في النواحي من العرب والعجم كما ذكرناه في برنامج الكتاب والله الموفق للصواب.

.مبدأ دولة الشيعة.

أعلم أن مبدأ هذه الدولة أن أهل البيت لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يرون أنهم أحق بالأمر وأن الخلافة لرجالهم دون من سواهم من قريش وفي الصحيح أن العباس قال لعلي في وجع رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي توفي فيه: إذهب بنا إليه نسأله فيمن هذا الأمر إن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في غيرنا علمناه فأوصى بنا فقال له علي: إن منعناها لايعطيناها الناس بعده وفي الصحيح أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي توفي فيه: «هلموا أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا فاختلفوا عنده في ذلك وتنازعوا ولم يتم الكتاب» وكان ابن عباس يقول: إن الرزية كل ما حال بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم حتى لقد ذهب كثير من الشيعة إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى في مرضه ذلك لعلي ولم يصح ذلك من وجه يعول عليه وقد أنكرت هذه الوصية عائشة وكفى بإنكارها وبقي ذلك معروفا من أهل البيت وأشياعهم وفيما نقله أهل الآثار أن عمر قال يوما لابن العباس: إن قومكم يعني قريشا ما أرادوا أن يجمعوا لكم يعني يني هاشم بين النبوة والخلافة فتحموا عليهم وأن ابن عباس نكر ذلك وطلب من عمر إذنه في الكلام فتكلم بما عصب له وظهر من محاورتهما أنهم كانوا يعلمون أن في نفوس أهل البيت شيئا من أمر الخلافة والعدول عنهم بها وفي قصة الشورى: أن جماعة من الصحابة كانوا يتشيعون لعلي ويرون استحقاقه على غيره ولما عدل به إلى سواه تأففوا من ذلك وأسفوا له مثل الزبير ومعه عمار بن ياسر والمقداد بن الأسود وغيرهم إلا أن القوم لرسوخ قدمهم في الدين وحرصهم على الإلفة لم يزيدوا في ذلك على النجوى بالتأفف والأسف: ثم لما فشا التكبر على عثمان والطعن في الآفاق كان عبد الله ابن سبأ ويعرف بابن السوداء من أشد الناس خوضا في التشنيع لعلي بما لا يرضاه من الطعن على عثمان وعلى الجماعة في العدول إليه عن علي وأنه ولي بغير حق فأخرجه عبد الله بن عامر من البصرة ولحق بمصر فاجتمع إليه جماعة من أمثاله جنحو إلى الغلو في ذلك وانتحال المذاهب الفاسدة فيه مثل خالد بن ملجم وسوذان بن حمدان وكنانة بن بشر وغيرهم ثم كانت بيعة علي وفتنة الجمل وصفين وانحراف الخوارج عنه بما أنكروا عليه من التحكم في الدين وتمحضت شيعته للاستماته معه في حرب معاوية مع علي وبويع ابنه الحسن وخرج عن الأمر لمعاوية فسخط ذلك شيعة علي منه وأقاموا يتناجون في السر باستحقاق أهل البيت والميل إليهم وسخطو من الحسن ما كان منه وكتبوا إلى الحسين بالدعاء له فامتنع وأوعدهم إلى هلاك معاوية فساروا إلى محمد بن الحنفية وبايعوه في السر على طلب الخلافة متى أمكنه وولى على كل بلد رجلا وأقاموا على ذلك ومعاوية يكف بسياسة من غربهم ويقتلع الداء إذا تعين له منهم كما فعل بحجر بن عدي وأصحابه ويروض من شماس أهل البيت ويسامحهم في دعوى تقدمهم واستحقاقهم ولا يهيج أحدا منهم بالتثريب عليه في ذلك إلى أن مات وولي يزيد وكان من خروج الحسين وقتله ما هو معروف فكانت من أشنع الوقائع في الإسلام عظمت بها الشحناء وتوغل الشيعة في شأنهم وعظم النكير والطعن على من تولى ذلك أو قعد عنه ثم تلاوموا على ما أضاعوه من أمر الحسين وأنهم دعوه ثم لم ينصروه فندموا ورأوا أن لا كفارة في ذلك إلا الإستماتة دون ثأره وسموا أنفسهم التوابين وخرجوا لذلك يقدمهم سليمان بن صرد الخزاعي ومعه جماعة من خيار أصحاب علي وكان ابن زياد قد انتقض عليه العراق ولحق بالشام وجمع وزرينج قاصدا العراق فزحفوا إليه وقاتلوه حتى قتل سليمان وكثير من أصحابه كما ذكرنا في خبره وذلك سنة خمس وستين ثم خرج المختار بن أبي عبيد ودعا لمحمد بن الحنفية كما قدمناه في خبره وفشا التعصب لأهل البيت في الخاصة والعامة بما خرج عن حدود الحق واختلف مذاهب الشيعة فيمن هو أحق بالأمر من أهل البيت وبايعت كل طائفة لصاحبها سرا ورسخ الملك لبني أمية وطوى هؤلاء الشيعة قلوبهم على عقائدهم فيها وتستروا بها مع تعدد فرقهم وكثرة اختلافهم كما ذكرناه عند نقل مذاهبهم في فصل الإمامة من الكتاب الأول ونشأ زيد بن علي بن الحسين وقرأ على واصل بن عطاء إمام المعتزلة في وقته وكان واصل مترددا في إصابه علي في حرب صفين والجمل فنقل ذلك عنه وكان أخوه محمد الباقر يعذله في الأخذ عمن يرى سخطية جده وكان زيد أيضا مع قوله بأفضلية علي على أصحابه يرى أن البيعة الشيخين صحيحة وأن إقامة المفضول جائزة ما عليه الشيعة ويرى أنهما لم يظلما عليا ثم دعته الحال إلى الخروج بالكوفة سنة إحدى وعشرين ومائة واجتمع له عامة الشيعة ورجع عنه بعضهم لما سمعوه يثني على الشيخين وأنهما لم يظلما عليا وقالوا: لم يظلمك هؤلاء ورفضوا دعوته فسموا الرافضة من أجل ذلك ثم قاتل يوسف بن عمر فقتله يوسف بعث برأسه إلى هشام وصلب شلوه بالكناسة ولحق ابنه يحيى بخراسان فأقام بها ثم دعته شيعة إلى الخروج فخرج هنالك سنة خمس وعشرين وسرح إليه نصر بن سيار العساكر مع سالم بن أحور المازني فقتلوه وبعث برأسه إلى الوليد وصلب شلوه بالجوزجان وانقرض شأنه الزيدية وأقام الشيعة على شأنهم وانتظار أمرهم والدعاء لهم في النواحي يدعون على الأحجال للرضا من آل محمد ولا يصرحون بمن يدعون له حذرا عليه من أهل الدولة وكان شيعة محمد بن الحنفية أكثر شيعة أهل البيت وكانوا يرون أن الأمر بعد محمد بن الحنفية لابنه أبي هشام عبد الله وكان كثيرا ما يغدو على سليمان بن عبد الملك فمر في بعض أسفاره محمد بن علي ابن عبد الله بن عباس بمنزلة بالحميمة من أعمال البلقاء فنزل عليه وأدركه المرض عنده فمات وأوصى له بالأمر وقد كان أعلم شيعته بالعراق وخراسان أن الأمر صائر إلى ولد محمد بن علي هذا فلما مات قصدت الشيعة محمد بن علي وبايعوه سرا وبعث الدعاة منهم إلى الآفاق على رأس مائة من الهجرة أيام عمر بن عبد العزيز وأجابه عامة أهل خراسان وبعث عليهم النقباء وتداول أمرهم هنالك وتوفي محمد سنة أربع وعشرين وعهد لابنه إبراهيم وأوصى الدعاة بذلك وكانوا يسمونه الإمام ثم بعث أبو مسلم إلى أهل دعوته بخراسان فهلك وكتب إليهم بولايته ثم قبض مروان بن محمد على إبراهيم الإمام وحبسه بخراسان فهلك هنالك لسنة وملك أبو مسلم خراسان وزحف إلى العراق فملكها كما ذكرنا ذلك كله من قبل وغلبوا بني أمية على أمرهم وانقرضت دولتهم.