فصل: كتاب البيوع:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.السادس: الكسوة:

للشتاء والصيف والغطاء والوطء بحسب حالها والسرير لخوف براغيث أو عقارب.

.اللواحق:

وهي هنا العجز عن النفقة ومسقطاتها بعد وجوبها، فأما قيامها بالنفقة فقد تقدم في الطلاق، وأما مسقطاتها فثلاثة: الإعسار، والنشوز، والطلاق البائن.

.الأول: الإعسار:

ولا رجوع للمرأة بما أنفقته على نفسها أو على بنيها في حضرة الرجل أو في غيبته إذا كان فقيرًا بخلاف ما أنفقته عليه نفسه، إلا أن يرى أن ذلك على معنى الصلة، ثم حيث أوجبنا لها الرجوع فترجع بما ليس بسرف، فإن أنفقت سرفًا كدجاج وخراف، قضى لها بالمعتاد ولو كان موسرًا، ثم أعسر استقر الماضي في ذمته والقادر بالتكسب كالقادر بالمال إن تكسب ولا يقضى عليه بالتكسب.

.الثاني: النشوز:

وهو مسقط على الرواية المشهورة. وفي المتيطية الأشهر أن لها النفقة ابن القابسي إن قدر على ردها فلم يفعل لم تسقط، وإلا سقطت ومنع الوطء والاستمتاع نشوز والخروج بغير إذنه نشوز.

.الثالث: الطلاق البائن:

بخلاف الرجعي، وإن طلقت بالإيلاء فلها النفقة بخلاف الرجعي.
وقال ابن الماجشون وأصبغ: لا نفقة لها، إلا أن تكون حاملاً، وإذا كانت حاملاً فلها نفقة الحمل والكسوة، فإن بقي من مدة الحمل بعد الطلاق شيء نظر ما يخصه من الكسوة فيعطيها دراهم، فإن كانت مرضعة فلها مع نفقة الحمل نفقة الرضاع ولا نفقة لحمل أمة، وإن كان الزوج حرًا ولا نفقة لحمل المتوفى عنها وتسقط نفقة القرابة بالاستغناء وباحتلام الذكر عاقلاً غير زمن بما يمنع التكسب ونفقة الأنثى تسقط بتوجهها على زوجها.

.كتاب الحضانة:

.حقيقتها:

لغة: الحفظ والصيانة. وشرعًا: صيانة العاجز والقيام بمصالحه.

.حكمها:

الوجوب على الأب وحده وعلى الأم في حولي رضاعه إذا عدم الأب ولم يكن له مال ولم يقبل غيرها، ومن ليس له أب معروف فحضانته كفاية على الناس أجمعين.

.حكمة مشروعيتها:

صيانة المولود والتنبيه على سعة رحمة الله تعالى لعباده كما تقدم تقريره.

.أركانها:

المحضون والحاضن.

.المحضون:

من عجز عن القيام بنفسه، ومظنة ذلك الصغر والجنون والبكارة.

.الحاضن:

يشترط فيه سبعة شروط: العقل، والأمانة، والكفاية، والسلامة من العاهات التي يخشى حدوث مثلها بالولد، والحرز بالنسبة إلى الأنثى إذا بلغت حد الوطء، وخلو المرأة عن زوج دخل بها، وأن تكون للرجل زوجة أو سرية، ويكون من الأنثى ذا محرم، وفي كون الحضانة حق للحاضن أو المحضون، وقيل: هي حق لهما، وعلى الروايتين يجري الخلاف في إسقاط الحاضن أو المحضون روايتان، وقيل: هي حق لهما، وعلى الروايتان يجري الخلاف في إسقاط الحاضن حقه من الحضانة والخلاف فيما إذا سلمها لغيره، وثم من هو أحق، وظاهر قوله في المدونة أنها تكون لمن أسلمها؛ لأنه قال في الأم تصالح زوجها على أن يكون الولد عنده: أن ذلك جائز، ويكون الولد عنده، وعليهما اختلف أيضًا في ابن الملى والأم الملية، هل تستحق من ماله شيئًا أو لا؟ فإن قلنا: هي حق للولد استحقت، ثم إن استغرقت أوقاتها في حضانته فلها النفقة أو لا فأجرة. وإذا وقع التزاحم في الحضانة بين النساء قدمت الأم ثم أمها ثم جدة الأم لأمها وإن علت، ثم الخالة، ثم خالة الخالة على أحد القولين، ثم الجدة للأب، ثم جدة الأب لأبيه، ثم الأخت، ثم العمة، ثم بنت الأخ والأخت الشقيقة أولى، ثم الأخت للأم، ثم الأخت للأب على القول أن لها حقًا في الحضانة، وإن وقع بين الرجال قدم الأب، ثم الأخ، ثم الجد للأب، ثم ابن الأخ، ثم العم، ثم المولى الأعلى، ثم الأسفل والوصي مقدم على سائر العصبات في الذكر وفي الأنثى إن كان منها ذا محرم. وإن وقع بين الصنفين فتقدم الأم وأمها على جميع الرجال، وتقدم جميع النساء على جميع الرجال خلا الأب، واختلف في تقدم الأب على من عدا الأم وأمها على أربعة، فقال مالك في الموازية: الأب مقدم.
وقال في الواضحة: لا حق له مع جميع النساء. وفي المدونة: يقدم على الأخت ومن بعدها.
وقال ابن القاسم: تقدم عليه الخالة، ويقدم هو على أمه، وهو المشهور، وعلى الأب أن يدفع للحاضنة ما يحتاج إليه محضونها من نفقة أو كسوة وثياب الرقاد إذا بلغ حدًا لا يجوز له أن يبيت معها عريانًا.
قال في المدونة: ويدفع إليها أيضًا أجرة الخدمة إن كان يقدر على الإخدام. وفي كراء المسكن ثلاثة يفرق في الثالث، فإن كان موسرًا لزمته، وإلا فلا، وإذا فرعنا على المشهور لوجوبها على الأب، فهل يكون جميعها عليه أو ما ينوب للولد قولان، وإذا قلنا: الواجب ما ينوب الولد، فهل على عدد الرءوس أو على قدر الانتفاع قولان ليحيى بن عمر وغيره.
قال سحنون: هي عليهما، ولا تكون نصفين، ولكن على قدر ما يجتهد.

.اللواحق:

وهي مسقطات حق الحاضن من الحضانة هي سبعة أسباب:
الأول: أن يتركه استثقالاً.
قال مالك في الابن يبقى مع أبيه والأم متنحية عنه، فلما فات الأب أرادت الأم أخذه: ليس لها ذلك.
الثاني: بلوغ الذكر عاقلاً صحيحًا ولا تسقط بالاثغار على الرواية المشهورة.
الثالث: دخول الزوج بالأنثى.
الرابع: سفر الولي إلى موضع بعيد سفر نقلة والموضع آمن ممن يكون فرارًا، وذلك مسقط لحق الحضانة، إذ لا يجوز السفر له إلى مثل ذلك، ثم إذا أراد السفر فهل يمكن من ذلك أو حتى يثبت أنه استوطن ذلك الموضع في ذلك قولان للأندلسيين.
قال سحنون: ويكشف عن انتقاله كشفًا بينا، فإن تعين ضرره منع وإن كان خروجه حقيقة لا مضرة فيه على الأم لم يمنع، وإذا أرادت الحاضنة أن تسافر معه بقيت على حضانتها.
الخامس: انتقال الحاضنة إلى موضع بعيد.
السادس: سكنى الجدة مع أم الطفل على الرواية المشهورة، حكاه صاحب مفيد الحكام.
السابع: زواج الحاضنة على المشهور، ودخول الزوج بها، وإذا قلنا بالسقوط، فهل مطلقًا، وهو قول أصبغ، أو إنما يسقط إذا لم يكن الزوج جدًا للطفل، وهو المشهور.

.كتاب البيوع:

نقل الملك بعوض، قاله المازري، وفيه نظر؛ لأن نقل الملك مسبب عن البيع، والمسبب لا يكون نفس السبب.

.حكمه:

الجواز من حيث هو بيع.

.أركانه:

ستة: الصيغة، والعاقد ويتناول البائع والمبتاع، والمعقود عليه ويتناول الثمن والمثمن، ونفس العقد.

.الأول: الصيغة:

وهي من البائع ما يدل على الإيجاب، ومن المبتاع ما يدل على الرضاء، ولا يشترط اللفظ، بل تكفي المعاطاة وبعني، فيقول: بعتك، فإن قال الراغب: لا أرضى، فقال ابن القاسم: يحلف ما أراد الاشتراء، ثم لا يلزمه شيء، فإن نكل لزمه البيع.

.الركن الثاني: العاقد:

وهو إما أن يتولى العقد بنفسه أو يتولاه غيره عنه، إما بوكالة أو بغير وكالة أو بتولية، فإن تولاه بنفسه فيشترط في انعقاده التمييز والإسلام بالنسبة إلى اشتراء المصحف والمسلم، فإن وقع صح الاشتراء وأجبر على البيع.
وقال مالك في الواضحة: يفسخ، وعليه أكثر أصحابه، ويلحق بذلك آلة الحرب والخشبة لمن يعملها صليبًا، والدار لمن يعملها كنيسة، والعنب ممن يعصره خمرًا. ومنع في المدونة أن يشتري منهم بالدنانير والدراهم المنقوش عليها اسم الله تعالى، وأجازه ابن القاسم، ويشترط في اللزوم الرشد والطوع، فلا يلزم بيع المحجور، وفي بيع السفيه إذا لم يكن في ولاية ثلاثة اللزوم لمالك وأكثر أصحابه وعدمه لابن القاسم، وهو المختار وعدمه إن كان ظاهر السفه لأصبغ، وإذا قلنا بعدم اللزوم في المحجور، فكان ظاهر الرشد فبيعه لازم عند ابن القاسم، والمشهور أنه غير لازم، وينظر فيه وصيه، فإن رآه سدادًا أمضاه، وإلا رده، ثم إذا رده الوصي، فلا يكون للمبتاع عليه شيء إلا أن يجد بيده وتشهد البينة على عينه، فإن أنفقه في مصالحه وقامت بذلك بينة رجع به على المشهور، وقال ابن القاسم في المبسوط: لا يرجع ولا يلزم بيع المجبور على البيع جبرًا حرامًا، ويخير فيه المكره بعد أمنه، فإن أجازه جاز، وإلا بطل ولم يكره على البيع بل على دفع مال ظلمًا فباع ليؤديه، وهي مسألة المضغوط، فنص ابن القاسم ومالك أنه يأخذ متاعه بلا ثمن. وأفتى اللخمي، فإن بيعه ماض، وهو قول السيوري. ورأى أن من اشترى منه ليخلصه من العذاب مأجورًا ولو كان الجبر جائزًا مضى بيعه بلا خلاف، كجبر القاضي المديان وكجبر السلطان عما له الظلمة، وإن تولاه غيره بوكالة فذلك لازم، ولا يشترط في الوكيل أن يكون رشيدًا، ويشترط أن يكون طائعًا وإن تولاه بغير وطالة وهو بيع الفضولي أو شراؤه، فالمشهور أنه موقوف على رضاء المالك، وقيل: بل يفسخ وإن تولى ذلك بتولية، فإما الأب والوصي والكافل والحاكم، فأما الأب فيجوز بيعه عن صغار بنيه وأبكار بناته، واشتراؤه لهم وفعله أبدًا محمول على السداد ما لم يظهر خلافه، إلا أن يكون المبيع ملكًأ له، فيحمل على غير السداد حتى يثبت خلافه، والوصي أضعف رتبة من الأب، وفعله محمول على السداد على المشهور.
وقال إسماعيل القاضي: يجوز لولي الأب بيع عقار محجوره بخلاف وصي القاضي، وإذا قلنا بالجواز فإنما يجيزه عند وجود سبب من هذه الأسباب العشرة: وهي الاحتياج إلى النفقة والكسوة وغزارة الثمن، واشترط الغرناطي أن يكون زائدًا على الثلث، وخوف السقوط إذا لم يكن له مال يصلحها منه وضرر الشركة وتعذر القسمة، فيريد أن يشتري ملكًا مستقلاً والخوف من السلطان وأن يكون الملك مثقلاً بالمغرم، فيريد أن يشتري له بثمنه حرًا، وأن يكون مما لا تعود عليه منه فائدة فيبتدل بثمنه ما فيه الفائدة، وأن تكون الدار بين اليهود ويشتري بثمنها دارًا بين المسلمين والخوف على الدار أن تنزل وأن يدعو الشريك إلى البيع والملك لا ينقسم أو ينقسم قسمة ضرر، وليس بيده ما يسترده به، زاد ابن عات: وأن يكون مال المشتري حلالاً. وأما الكافل ففي بيعه أربعة: الجواز إذا أحسن النظر ولم يتهم، رواه ابن الماجشون، والمنع قاله ابن القاسم في المدونة، والجواز في بلد لا سلطان به، قاله ابن الهندي، والجواز في يسير الثمن، قاله في العتبية وبه العمل، وأما القاضي فله البيع على اليتيم والغريم بعد ثبوت الموجب.

.الركن الرابع: المعقود عليه:

وهو ضربان: مضمون ومعين.

.الأول: المضمون:

وهو السلم، ويتصل به القرض.

.وحقيقته:

دفع عين في دين.

.وحكمه:

الجواز بسبعة شروط:
الأول: تقديم رأس المال وقبضه بمجلس العقد أفضل، ولا يجوز تأخيره أكثر من ثلاثة أيام بشرط، فإن وقع فسخ، ويجوز تأخيره ثلاثة أيام بشرط، ولو تأخر بغير شرط وكان معينًا كحيوان أو عرض أو طعام جاز، ولو إلى الأجل، وكره في المدونة تأخير ما يغاب عليه كالثياب والطعام.
قال بعضهم: إنما كره ذلك إذا كانت الثياب غائبة ولم يكل الطعام، وأما إذا كانت حاضرة وكيل الطعام لم يكره، ولو كان غير معين كالنقدين وتأخر جميعه، فإن قبض بعد زمن يسير جاز، وإن طال أو حل الأجل فثلاثة. الفسخ في المدونة وعدمه في الموازية والفسخ إن لم يتعمده أحدهما وإن تعمده أحدهما لم يفسخ، وبه قال ابن وهب، وابن حبيب، يريد ويكون الخيار للآخر، وإن تأخر البعض، فإن كان الأكثر أو النصف فسد على المشهور، وإن كان الأقل جدًا على القولين في إعطاء الأتباع حكم متبوعاتها أو حكم أنفسها.
الثاني: أن يكون في الذمة فلا يسلم في معين.
الثالث: أن يكون إلى أجل معلوم، فلا يجوز السلم الحال، وأقل أجل السلم خمسة عشر يومًا على المشهور؛ لأن الأسواق تختلف فيها غالبًا، فإن وقع إلى يومين أو ثلاثة ففي فسخه قولان لابن القاسم وأصبغ. ويجوز التأجيل إلى النيروز والمهرجان وقدوم الحاج؛ لأنه معلوم بالعادة والمعتبر ميقات معظمه لا الفعل.
الرابع: أن يكون مقدورًا على تحصيله عند حلول الأجل، فلا يسلم في فاكهة الصيف ليأخذها في الشتاء.
الخامس: أن يسلم الشيء في أكثر منه لأنه سلف بزيادة ولا في أقل منه لأنه ضمان بجعل، وكذلك سلم الشيء في أجود وأردى على الأصح، والمتملكات كلها إذا نسبت بعضها إلى بعض، فإن اختلفا جنسًا ومنفعة فأجيز مطلقًا، وإن اختلفا جنسًا واتفقا منفعة كالبغال والحمير وثوبي الكتان والقطن المتقاربين، فابن القاسم جعلهما جنسًا واحدًا وابن حبيب جعلهما جنسين، وكذلك فعل ابن القاسم في كتاب القسمة، فقسم البغال وحدها والحمير وحدها فجعلهما جنسين احتياطًا في البابين وإن اتفقا جنسًا واختلفا منفعة فأجيز لأن المقصود من الأعيان المنافع واختلافهما يصير الجنس الواحد جنسين، ويتصور ذلك في الحيوان والعروض.
السادس: أن يكون معلوم المقدار بعادته من كيل أو وزن أو عدد أو ذرع أو تقدير بأحمال أو حزم في البقول والقصيل، فلا يجوز السلم في الجزاف ووقع في المدونة جواز السلم في اللحم تحريًا واعترض بأنه سلم في جزاف، وإذا قلنا بذلك فيقول أسلمت إليك في لحم ضأن قدره عشرة أرطال وبهذا يفارق الجزاف.
السابع: أن يصفه بالصفات التي تختلف القيمة باختلافها اختلافًا يتغابن بمثله في السلم ولا يذكر منها ما يؤدي إلى عزة الوجود ويطرح ما ضده عيب ويرجع في ذلك إلى العوائد، ويشترط أن تكون تلك الأوصاف معلومة لغير المتعاقدين.

.الاقتضاء:

ويتعلق النظر فيه بالزمان والمكان والصفة:
الزمان: ولا يلزم دفعه قبل محله، فإن طاع به لم يلزم الآخر، فيقوله إن كان مما فيه موته وألزم المتأخرون قبوله إن لم يبق إلا يوم أو يومان، ولو كان عينًا لزمه قبوله، ولو أتاه ببعضه بعد حلوله وكان عديمًا لزمه أخذه، وإن كان مليًا، فقال: لا آخذ إلا جميعه، ففي إلزامه الأخذ قولان لابن القاسم وأشهب.
المكان: إن شرطًا موضعًا معينًا لزمه القضاء فيه، وإن لم يشترطا شيئًا لم يفسد السلم على المشهور، وإن اختلفا فيه مع اتفاقهما على موضع السلم فثلاث روايات سوق السلعة، فإن لم يكن لها سوق فحيثما شاء المسلم إليه، وبه قال ابن القاسم ودار رب السلم، وبه قال سحنون، وحيث قبض رأس المال، وقاله ابن القاسم أيضًا. وإذا ظفر به في غير بلد العقد واتفقا على القضاء فيه ويدفع المسلم إليه كراء الحمولة لم يجز في الطعام ويدخله بيعه قبل قبضه وينبغي أن يكون الحكم كذلك في العروض التي لها حمل، ويدخله: حط عني الضمان وأزيدك، وأن يدفع كراء الحمولة جاز في العروض، وكذلك الطعام إن حل الأجل، وإن لم يحل لم يجز، قاله في الواضحة، وإن طلب رب السلم التعجيل وأبى عليه الآخر، فقال أشهب: إن كان سعر البلدين واحدًا وكان في وضع اللقاء أرخص جبر على الدفع، فإن كان له في التأخير فائدة لم يجبر، ولو طلب ذلك المسلم إليه لم يجبر رب السلم فيما يحتاج إلى حمل ومؤنة، ويجبر على أخذ العين، إلا أن تكون له في التأخير فائدة كخوف الطريق، واختلف في العروض التي لا مؤنة في حملها، فألحقها في المدونة بما فيه مؤنة وألحقها في غيرها بالعين.
الصفة: إن قضاه بالجنس قبل الأجل جاز بالمثل لا بأجود ولا بأردى، وجاز يصنف المسلم فيه لا بأقل ولا بأكثر، وإن قضاه بالجنس بعده جاز بأردى وبنوع آخر، ووجب بأجود، فإن كان طعامًا فقضاه أدنى صفة وأكثر كيلاً أو أجود صفة وأقل كيلاً لم يجز، وإن قضاه أدنى صفة وأقل كيلاً، فإن خرج ذلك مخرج المبائعة لم يجز، وإن خرج مخرج المسامحة جاز، وإن قضاه غير الجنس بعد الحلول جاز بثلاثة شروط.
الأول: أن يكون المسلم فيه مما يباع قبل قبضه، فلا يجوز أن يأخذ ثوبًا عن طعام.
الثاني: أن يكون المقتضي مما يجوز أن يسلم فيه رأس المال، فلا يجوز أن يأخذ طعامًا ورأس المال طعام ولا ذهب ورأس المال ورق ولا العكس.
الثالث: أن يكون المقتضي مما يباع بالمسلم فيه يدًا بيد، فلا يجوز أخذ اللحم عن الحيوان ولا العكس، وهما من جنس واحد، ويزاد على هذه الشروط الثلاثة قبل الأجل شرط رابع، وهو أن يكون المقتضي مما يباع بالمسلم فيه إلى أجل، فلا يجوز أن يأخذ من صنف ما أسلم فيه أعلى ولا أدنى. ثم حيث اشترطنا ذلك فهل يشترط أن يبقى بعد زمن الاقتضاء وبين أجل المسلم وبين عقد السلم وبين زمن الاقتضاء مقدار أجل السلم أو لا قولان.
تنبيه:
هذه التفرقة بين حلول الأجل وعدم حلوله جارية على المشهور في عد المعجل مسلفَا حتى يأخذ من ذمته. وأما على رأي إسماعيل القاضي فلا فرق بين حلول الأجل وعدم حلوله.

.القرض:

دفع عين في مقابلة دين على وجه المعروف، وكل ما صح أن يسلم فيه صح أن يقرض منه إلا الجواري، وقيد ابن عبد الحكم المنع بما إذا أقرضهن لغير ذي محرم.
قال الأشياخ: وليس قوله بخلاف، قالوا: وكذلك قرضهن النساء وللصبي يقرض له وليه، أو تكون الجارية صغيرة لا يوطأ مثلها. وإذا أقرض الجارية لغير من ذكر، فإن لم يطأها ردت، وإن وطئها فات الرد وعليه قيمتها على المنصوص، وقد اختلف المتأخرون فيما يأخذه عن فاسد القرض، فأكثرهم على أخذ المثل في المثلي، والقيمة في غيره.
وقال ابن محرز: بل يأخذ المثل، ثم يباع ويأخذ ثمنه كان مثل القيمة أو أنقص، وشرط صحته أن لا يجر منفعة للمقرض، فإن كانت المنفعة لهم فقولان، وذلك كالسفاتج، والمشهور من قول مالك المنع، وكسلف المسوس والعفن في المسغبة ليأخذ طيبًا وشبه ذلك.
تنبيه:
المقرض مخير في رد عين ما أخذ بعد الانتفاع به مدة الشرط ما دام على صفته أو يرد مثله مثليًا كان أو متقومًا.

.الضرب الثاني: المعين:

ويشترط فيه عشرة شروط، أن يكون طاهرًا، وأن يكون منتفعًا به، وأن يكون مقدورًا على تسليمه، وأن يكون معلومًا للمتعاقدين، وأن يكون مقبوضًا إن أخذه من دين، أو كان طعامًا من بيع، وأن لا يقترن بمناف، وأن لا يقترن به شرط مفسد، وأن لا يتعلق به حق لأحد، وأن يكون خليا عن الربا، وأن يكون خليًا عن القصد إلى ظاهر جائز ليتوصل به إلى باطن ممنوع.
الشرط الأول: أن يكون ظاهرًا:
فلا يجوز بيع النجس، وفي المتنجس كالزيت تخالطه نجاسة ثلاثة، الجواز لابن وهب، والمنع لمالك، والجواز من غير مسلم.
الثاني: أن يكون منتفعًا به انتفاعًا مباحًا:
فإن كانت المنفعة محرمة كآلات اللهو فسخ فيها وكسرت وأدب أهله، وكذلك الصور المنهي عن اتخاذها.
قال القاضي عياض: وارخص في البنات التي يلعب بها الجواري، فأجاز أكثر العلماء بيعها وكرهه مالك، ورأى أن الرخصة في اللعب لا في أن تتخذ متجرًا، واختلف في بيع المريض المخوف والحامل المقرب بناء على عدم المنفعة أو وجودها، وفي بيع كتب الفقه ثلاثة: الكراهة في المدونة، والجواز لابن عبد الحكم، والمنع لابن دينار.
الشرط الثالث: أن يكون مقدورًا على تسليمه:
فلا يباع المعجوز عن تسليمه حسًا أو شرعًا كآبق وشارد، وكذلك المغصوب إلا من غاصبه، وكذلك الطير في الهواء، والسمك في الماء، وكبيع الأم دون ولدها. أو حسًا وشرعًا كبيع المضامين والملاقيح، وحبل الحبلة، وغير ذلك مما ورد فيه النهي.
الرابع: أن يكون معلومًا للمتعاقدين:
وقد ورد النهي عن بيع الغرر وهو ما تردد بين السلامة والعطب والغرر، إما أن يرجع إلى الجهل بحصول المبيع، ويعبر عنه بعدم القدرة عن التسليم، وقد تقدم. وإما أن يرجع إلى الجهل به أو بصفته، وهو المراد هاهنا، ولا خلاف في إبطال العقد بالغرر الكثير، وأما اليسير فمعفو عنه، وما وقع من خلاف في آحاد الصور، ففي شهادة بالكثرة والقلة. ثم الثمن والمثمون إما أن يكونا معلومي الجملة والتفصيل أو مجهولي الجملة والتفصيل، أو مجهولي الجملة دون التفصيل أو العكس، فإن كانا معلومي الجملة والتفصيل جاز، ثم الطرق المفضية إلى العلم أربعة:
الأولى: الرؤية، وتكفي في رؤية المثلى كالقمح والشعير ونحو ذلك، ورؤية بعضه، وتكفي أيضًا رؤية الصوان كقشر الرمان، والجوز، واللوز، ولو رأى شيئًا ظنه من صنف، فإذا هو من غيره، مثل أن يرى حجرًا فظنه جوهرة فإذا هو خرزة لم يكن له مقال على الظاهر من المذهب، وقيل: له الرد.
قال ابن حبيب: إن قال: من يشتري هذا الحجر، فإذا هو ياقوتة، لم يكن له مقال؛ لأن الياقوتة حجر، وسواء أعلم المبتاع به أو لم يعلم، وإن قال: نم يشتري هذه الزجاجة، فله الرد، علم المبتاع أو لم يعلم، فأما إن سكت أو قال: حجر، لم يكن له مقال. واختلف فيمن جهل السوق هل له مقال أم لا.
الطريق الثانية: الصفة، وإذا تعذرت الرؤية مطلقًا جاز البيع على الصفة كالأعمى، وإن تعذرت حالة التبائع جاز عندنا خلافًا للشافعي، واختلف في بيع الغائب على غير رؤية ولا صفة، إذا اشترط المشتري خيار الرؤية على قولين، والجواز ظاهر المدونة، وقول جل الأصحاب، وأنكره الشيخ أبو بكر والقاضيان، ثم الغائب إن كان بعيدًا جدًا كإفريقية من خراسان لم يجز مطلقًا، وإن كان قريبًا جدًا ولا مشقة في رؤيته لم يجز على الأشهر، وإن كان في رؤيته مشقة جاز على الأشهر، وقد أجاز في المدونة أن يعقد في السوق على سلعة في بيته ومنعه في الموازية، ومحمل ما في المدونة على أن في رؤيتها مشقة، والمشهور جواز بيع الأعدال على البرنامج بخلاف الساج المدرج، وإن كان متوسطًا جاز بثلاثة شروط: أن يكون المبتاع يعلم ما وصف له، وأن يصفه بالصفات التي تختلف فيها الأغراض وتتباين بسببها الأثمان، وأن يصفه غير البائع، قاله في الموازية، وجعل ابن رشد هذا شرطًا في جواز النقد لا في جواز البيع، ثم إن وجد على الصفة لزم، وإلا لم يلزم، والنقد جائز إذا كان الثمن مما يصح قرضه، ولم يكن شرط، وإن كان مما لا يصح قرضه كالدار والجزاف لم يجز، ولو طاع المبتاع بتعجيل ذلك فسد البيع، قاله اللخمي، وإن نقد بشرط، فقال أشهب: يجوز فيما قرب.
وقال ابن القاسم: يجوز مطلقًا. وقيده ابن رشد بما إذا وصفه غير البائع، وفي ضمان الغائب أربعة.
قال مالك: من البائع.
وقال أيضًا: من المشتري.
وقال أيضًا: العقار من المشتري وغيره من البائع.
وقال ابن حبيب: العقار وما قربت غيبته من غيره مما يجوز النقد فيه من المبتاع، وما كان بعيد الغيبة لا يجوز اشتراط النقد فيه من البائع.
الطريق الثالثة: الحزر والتخمين والمبيع إذا كان متعينًا لا غرض في آحاده أو قلت أثمان الآحاد جاز بيعه جزافًا بشرط أن يكون المتبائعان جاهلين بالمقدار وأن يكونا ممن اعتاد الحزر والتخمين وما وقع من خلاف في آحاد الصور، ففي شهادة فيجوز بيع القمح في سنبله إذا ابيض واستغنى عن الماء خلافًا للشافعي في أحد قوليه، ولو حصد وجعل قبضًا فقولان، ولو حصد وكدس بعضه على بعض، فإن كان المبتاع رآه قائمًا جاز، وإلا فقولان، حكاه ابن الحاجب، وحكى القاضي عياض المنع باتفاق، ولو كان في تبينه لم يجز بالاتفاق، ولو كانت دكة تحت الصبرة تمنع التخمين وعلما بها منع، وإلا فللمشتري الخيار. ويجوز بيع المعدود كالبيض والرمان والتين والقثاء والموز والأترج والبطيخ وصغار الحيتان جزافًا إذا كثر وشق عدده، وأما إن أحاط الناظر بعدده أو عظمت آحاده فلا.
الطريق الرابعة: الكيل والوزن والعدد والذرع وكل واحدة من هذه توصل إلى العلم بمبلغ البيع ويباع كل صنف بما جرت عادته أن يباع به، وإن كانا مجهولين جملة وتفصيلاً، فذلك غير جائز اتفاقًا كتراب الصواغين وكزنة حجر مجهول والكيل بمكيال مجهول، وإن كانا معلومين جملة لا تفصيلاً. ومثاله أن يشتري عبدين لرجل بثمن واحد صفقة واحدة، فالمشهور من قول ابن القاسم المنع.
وقال أيضًا: يصح، وعلى المنع فيفسخ، فإن فات مضى بالثمن، وقسطا الثمن على قيمة سلعة كل واحد منهما كفعلهما إذا قلنا بالصحة، وقيل لكل واحد قيمة سلعته مجردة وهو اختيار التونسي وإن كانا معلومين تفصيلاً مجهولين جملة جاز. ومثاله أن يبيعه هذه الصبرة كل صاع بكذا.
الشرط الخامس: أن يكون مقبوضًا:
إن أخذ من دين أو كان طعامًا من بيع أو ما هو في حكم البيع، وقد ورد النهي عن الكالئ بالكالئ وحقيقته بيع في الذمة بشيء مؤخر، وتقدير المذهب أن الدين إذا ثبت في الذمة فأخذ الغريم به شيئًا، فإن كان مضمونًا، فإنه حرام إجماعًا، وإن أخذ عنه معين كدار غائبة وثمرة يتأخر جذاذها وجارية تتواضع وعبد مبيع على العهدة أو على الخيار، فمنعه ابن القاسم، وأجازه أشهب، وإن أخذ منه منفعة عين كسكنى هذه الدار أو خدمة هذا العبد مدة معلومة، فالمشهور المنع، وروى أشهب الجواز، وبه أخذ.
وقد ورد النهي أيضًا عن بيع الطعام حتى يستوفى، وذلك فيما بيع كيلاً أو وزنًا دون ما بيع جزافًا إذا خلى البائع بينه وبينه. وألحق ابن أبي سلمة كل ما فيه حق توفية، ومنعه ابن وهب في الربوي خاصة. وتستثنى من ذلك الإقالة والتولية والشركة، وقيل: إلا الشركة، فينزل المولى منزلة المشتري، ولا يجوز أن يكون بين العقدين افتراق في مقدار ولا أجل ولا غيره.
قال مالك: وكل طعام من بيع ورثته أو وهب لك أو تصدق به عليك أو أعطيته سلفًا أو قضاء من سلف فلا تبعه حتى تستوفه، والمأخوذ في الصلح عن دم عمد أو خل في حكم المبيع. وإذا وقع بيع الطعام قبل قبضه ولم يقدر على استرجاعه من مبتاعه لغيبته أخذ الثمن من البائع الآخر، واشترى به طعام مثله، ويدفع إليه، فإن نقص عن مقدار طعامه ابتع الغائب بالنقض وإن فضل من الثمن شيء وقف للغائب.
الشرط السادس: أن لا يقترن بمناف، وله صور:
الأولى: ألا يجتمع مع عقد من عقود ستة يجمعها قولك: (جص منقش) وهي الجعالة والصرف والمساقاة والشركة والنكاح والقراض، وهذا قول ابن القاسم، وأجاز ذلك أشهب.
الثانية: أن يقترن به محرم كسلعة وخمر، والمشهور بطلان الصفقة كلها، وقيل: يصح في السلعة بقسطها في الثمن.
الثالثة: أن يقترن به سلف، فإن سمح مشترط السلف في اقتضائه ولم يسمح بإسقاطه فسخ، وإن سمح بإسقاطه مضى على المشهور، وقيل: يفسخ.
وقال سحنون: إن قبضه وغاب عليه رده وفسخ البيع، وإن لم يقبضه لم يفسخ.
الشرط السابع: أن لا يقترن به شرط مفسد:
كشرط أن لا يبيع ولا يهب، وشبه ذلك مما فيه تحجير مناف لمدلول العقد، فإذا وقع، فإن لم يترك لأجله شيئًا من الثمن، فلا تأثير له. مثاله أن تكون دارًا فيشترط أن لا يسكن فيها معه أحد ولا ضرر على الدار في ذلك، إذ ليست بغرفة ضعيفة الخشب، وقد جعل في المدونة هذا الشرط كعدمه، إذ ليس له حصة من الثمن، وكذلك إذا أقاله على أن يرد عليه دراهمه بأعيانها، ولعل القائل بصحة الشرط في السكنى والإقالة رأى أنه ترك لأجل الشرط ما هو في حيز القلة، وذلك يصح لقلة الغرر فيه، وأما ما يترك من الثمن بشيء كثير، فالصحيح المنع، إذ هو غرر مقصود قارن العقد، فيوجب أن يبطله، فلو استأجر راعيًا واشترط عليه الضمان فسدت الإجارة، وإلى هذا الأصل ترجع مسائل الشروط كلها، وما وقع من خلاف ففي شهادة هل ترك من الثمن لأجل الشرط شيء أم لا، وهل المتروك في حيز القلة أو الكثرة والمسائل التي يصح فيها البيع ويبطل الشرط تسعة: مسألة سكنى الدار والإقالة المتقدمتين، وبيع الثمرة على ألا جائحة، وعلى ألا زكاة وبيع الأمة على ألا مواضعة، وعلى ألا عهدة، وعلى ألا يسلمها عريانة، وعلى أن ولاءها للبائع، وعلى أنه إن لم يأت بالثمن على ثلاثة أيام ونحوها فلا بيع بينهما.
الشرط الثامن: أن لا يتعلق به حق لأحد:
فإن تعلق به حق لأحد، وكان معينًا وقف اللزوم عليه، وقيل: يفسخ، وإن كان غير معين كالحبس على الأعقاب بطل. وقد ورد النهي عن بياعات لتعلق حق الغي. منها تلقي السلع، فإن وقع فالمشهور أن السلعة تعرض على أهل السوق، فإن لم يكن لهم سوق فعلى أهل المصر، فيشترك فيها معهم من شاء من التجار وغيرهم ممن يطلبها واحد منهم. ومنها بيع الحاضر للبادي ومحمله على أهل العمود لجهلهم بالأسعار. ومنها النجش فإن وقع لم يفسخ على المشهور، فإن كان بدس من البائع أو علم وقبل خير المشتري في الفسخ والأخذ بالثمن، فإن فات ودي القيمة، وإن كان أجنبيًا لم يعلم به البائع، فلا شيء عليه.
الشرط التاسع: أن يكون خليًا عن الربا:
ثم الربا إما في النقود أو في المطعومات: