فصل: بَابُ الِاعْتِكَافِ وَأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.بَابُ الِاعْتِكَافِ وَأَحْكَامِ الْمَسَاجِدِ:

(وَهُوَ) أَيْ: الِاعْتِكَافُ لُغَةً لُزُومُ الشَّيْءِ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ} يُقَالُ: عَكَفَ بِفَتْحِ الْكَافِ يَعْكُفُ بِضَمِّهَا وَكَسْرِهَا، وَشَرْعًا (لُزُومُ الْمَسْجِدِ لِطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى صِفَةٍ مَخْصُوصَةٍ) يَأْتِي بَيَانُهَا (مِنْ مُسْلِمٍ) لَا كَافِرٍ وَلَوْ مُرْتَدًّا (عَاقِلٍ وَلَوْ مُمَيِّزًا) فَلَا يَصِحُّ مِنْ مَجْنُونٍ وَلَا طِفْلٍ لِعَدَمِ النِّيَّةِ (طَاهِرٍ مِمَّا وَجَبَ غُسْلًا) فَلَا يَصِحُّ مِنْ جُنُبٍ وَنَحْوِهِ وَلَوْ مُتَوَضِّئًا (وَأَقَلُّهُ) أَيْ: الِاعْتِكَافُ (سَاعَةٌ) قَالَ فِي الْإِنْصَافِ: أَقَلُّهُ إذَا كَانَ تَطَوُّعًا أَوْ نَذْرًا مُطْلَقًا: مَا يُسَمَّى بِهِ مُعْتَكِفًا لَابِثًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: ظَاهِرُهُ وَلَوْ لَحْظَةٌ وَفِي كَلَامِ جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَصْحَابِ: أَقَلُّهُ سَاعَةٌ لَا لَحْظَةٌ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِهِ فِي الْمَذْهَبِ وَغَيْرِهِ ا هـ وَقَالَ الزَّرْكَشِيّ: وَأَقَلُّهُ أَدْنَى لُبْثٍ ا هـ وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ بَعْدُ: وَلَا يَكْفِي عُبُورُهُ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسَّاعَةِ مَا يَتَنَاوَلُ اللَّحْظَةَ وَقَدْ حَكَيْت كَلَامَهُ فِي حَاشِيَةِ الْمُنْتَهَى، (فَلَوْ نَذَرَ اعْتِكَافًا وَأَطْلَقَ) فَلَمْ يُقَيِّدْهُ بِمُدَّةٍ (أَجْزَأَتْهُ) السَّاعَةُ عَلَى مَا تَقَدَّمَ (وَلَا يَكْفِي عُبُورُهُ) بِالْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ لُبْثٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى مُعْتَكِفًا.
(وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لَا يَنْقُصَ الِاعْتِكَافُ عَنْ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ) خُرُوجًا مِنْ خِلَافِ مَنْ يَقُولُ: أَقَلُّهُ ذَلِكَ.
(وَيُسَمَّى) الِاعْتِكَافُ (جِوَارًا) «لِقَوْلِ عَائِشَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ مَرْفُوعًا قَالَ «كُنْت أُجَاوِرُ هَذَا الْعَشْرَ يَعْنِي الْأَوْسَطَ ثُمَّ قَدْ بَدَا لِي أَنْ أُجَاوِرَ هَذَا الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ فَمَنْ كَانَ اعْتَكَفَ مَعِي فَلْيَلْبَثْ فِي مُعْتَكَفِهِ».
(قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: وَ) هَذَا الِاعْتِكَافُ (لَا يَحِلُّ أَنْ يُسَمَّى خَلْوَةً) وَلَمْ يَزِدْ عَلَى هَذَا، وَكَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى قَوْلِ بَعْضِهِمْ إذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلَا تَقُلْ خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ (قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَعَلَّ الْكَرَاهَةَ أَوْلَى) أَيْ مِنْ التَّحْرِيمِ.
(وَهُوَ سُنَّةٌ كُلَّ وَقْتٍ) قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: إجْمَاعًا؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَدَاوَمَ عَلَيْهِ تَقَرُّبًا إلَى اللَّه تَعَالَى وَاعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ بَعْدَهُ وَمَعَهُ (إلَّا أَنْ يَنْذُرَهُ) أَيْ: الِاعْتِكَافَ (فَيَجِبُ عَلَى صِفَةِ مَا نُذِرَ) مِنْ تَتَابُعٍ وَغَيْرِهِ لِحَدِيثِ «مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ» وَعَنْ عُمَر أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَوْفِ بِنَذْرِكَ» رَوَاهُمَا الْبُخَارِيُّ.
(وَلَا يَخْتَصُّ) الِاعْتِكَافُ (بِزَمَانٍ) دُونَ غَيْرِهِ وَهُوَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: كُلَّ وَقْتٍ.
(وَآكَدُهُ فِي رَمَضَانَ) إجْمَاعًا قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَلَمْ يُفَرِّقْ الْأَصْحَابُ بَيْنَ الثَّغْرِ وَغَيْرِهِ وَهُوَ وَاضِحٌ وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ لَا يَعْتَكِفُ بِالثَّغْرِ لِئَلَّا يَشْغَلَهُ نَفِيرٌ (وَآكَدُهُ الْعَشَرَةُ الْأَخِيرَةُ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ رَمَضَانَ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْمُتَقَدِّمِ؛ وَلِأَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ تُطْلَبُ فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ عَلَّقَهُ) أَيْ: نَذْرَ الِاعْتِكَافِ (أَوْ) عَلَّقَ (غَيْرَهُ مِنْ التَّطَوُّعَاتِ) كَالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَالصَّدَقَةِ عِنْدَ نَذْرِهَا (بِشَرْطٍ فَلَهُ شَرْطُهُ) أَيْ: فَلَا يَلْزَمُهُ حَتَّى يُوجَدَ شَرْطُهُ، وَذَلِكَ نَحْوُ (أَنْ يَقُولَ) (لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ شَهْرَ رَمَضَانَ إنْ كُنْت مُقِيمًا أَوْ مُعَافًى، فَلَوْ كَانَ) النَّاذِرُ (فِيهِ) أَيْ: فِي شَهْرِ رَمَضَانَ (مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِعَدَمِ وُجُودِ شَرْطِهِ.
(وَيَصِحُّ) الِاعْتِكَافُ (بِغَيْرِ صَوْمٍ) لِحَدِيثِ «عُمَرَ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ أَعْتَكِفَ لَيْلَةً بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْفِ نَذْرَكَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَلَوْ كَانَ الصَّوْمُ شَرْطًا لَمَا صَحَّ اعْتِكَافُ اللَّيْلِ؛ لِأَنَّهُ لَا صِيَامَ فِيهِ؛ وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ تَصِحُّ فِي اللَّيْلِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الصِّيَامُ كَالصَّلَاةِ وَكَسَائِرِ الْعِبَادَاتِ؛ وَلِأَنَّ إيجَابَ الصَّوْمِ حُكْمٌ لَا يَثْبُت إلَّا بِالشَّرْعِ وَلَا يَثْبُتُ فِيهِ نَصٌّ وَلَا إجْمَاعٌ وَمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «لَا اعْتِكَافَ إلَّا بِصَوْمٍ» فَمَوْقُوفٌ عَلَيْهَا، وَمَنْ رَفْعَهُ فَقَدْ وَهَمَ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ وَغَيْرِهِ، ثُمَّ لَوْ صَحَّ فَالْمُرَادُ بِهِ: الِاسْتِحْبَابُ فَإِنَّ الصَّوْمَ فِيهِ أَفْضَلُ؛ وَلِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لُبْثٌ فِي مَكَان مَخْصُوصٍ فَلَمْ يُشْتَرَطْ لَهُ الصَّوْمُ كَالْوُقُوفِ (إلَّا أَنْ يَقُولَ فِي نَذْرِهِ) أَيْ: نَذْرٌ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ (بِصَوْمٍ) فَيَلْزَمُهُ الصَّوْمُ لِنَذْرِهِ إيَّاهُ.
(وَ) الِاعْتِكَافُ (بِهِ) أَيْ: الصَّوْمُ (أَفْضَلُ) لِمَا تَقَدَّمَ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ.
(فَيَصِحُّ) الِاعْتِكَافُ (فِي لَيْلَةٍ مُنْفَرِدَةٍ) عَنْ يَوْمِهَا لِحَدِيثِ عُمَرَ.
(وَ) يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ (فِي بَعْضِ يَوْمٍ وَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا) لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّوْمِ فِيهِ.
(وَإِذَا لَمْ يَشْتَرِطْ الصَّوْمَ فِي نَذْرِهِ فَصَامَ) وَهُوَ مُعْتَكِفٌ (ثُمَّ أَفْطَرَ عَامِدًا بِغَيْرِ عُذْرٍ لَمْ يَبْطُلْ اعْتِكَافُهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ) لِصِحَّةِ اعْتِكَافِهِ بِغَيْرِ صَوْمٍ.
(وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَائِمًا) أَوْ يَصُومَ وَتَقَدَّمَ قَرِيبًا (أَوْ) نَذَرَ أَنْ (يَصُومَ مُعْتَكِفًا أَوْ بِاعْتِكَافٍ أَوْ) نَذَرَ أَنْ (يَعْتَكِفَ مُصَلِّيًا أَوْ) أَنْ (يُصَلِّيَ مُعْتَكِفًا لَزِمَهُ الْجَمْعُ) بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصِّيَامِ أَوْ بَيْنَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: لَيْسَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ صِيَامٌ إلَّا أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى نَفْسِهِ» وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنْ النَّفْيِ إثْبَاتٌ وَيُقَاسُ عَلَى الصَّوْمِ الصَّلَاةُ؛ وَلِأَنَّ كُلًّا مِنْ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ صِفَةٌ مَقْصُودَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ فَلَزِمَتْ بِالنَّذْرِ كَالتَّتَابُعِ وَكَنَذْرِ الْقِيَامِ فِي صَلَاةِ النَّافِلَةِ وَ(كَنَذْرِ صَلَاةٍ بِسُورَةٍ مُعَيَّنَةٍ) مِنْ الْقُرْآنِ (لَكِنْ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُصَلِّيَ جَمِيعَ الزَّمَانِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ) يَوْمًا مَثَلًا (مُصَلِّيًا، وَالْمُرَادُ) يَكْفِيهِ (رَكْعَةٌ أَوْ رَكْعَتَانِ) بِنَاءً عَلَى مَا لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ وَأَطْلَقَ عَلَى مَا يَأْتِي.
وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَةٍ بِصَوْمٍ فَأَفْطَرَ يَوْمًا أَفْسَدَ تَتَابُعَهُ وَوَجَبَ الِاسْتِئْنَافُ لِإِخْلَالِهِ بِالْإِتْيَانِ بِمَا نَذَرَهُ عَلَى صِفَتِهِ قَالَهُ فِي الشَّرْحِ.
(وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ عُشْرِ رَمَضَانَ الْأَخِيرَ فَنَقَصَ) الْعُشْرُ (أَجْزَأَهُ)؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى بِالْعُشْرِ الْأَخِيرِ وَإِنْ كَانَ نَاقِصًا (بِخِلَافِ نَذْرِهِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ مِنْ آخِرِ الشَّهْرِ فَنَقَصَ) الشَّهْرُ (فَيَقْضِي يَوْمًا) عِوَضَ النَّقْصِ قُلْت: وَيُكَفِّرُ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ.
(وَإِنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ رَمَضَانَ فَفَاتَهُ) اعْتِكَافُ رَمَضَانَ لِعُذْرٍ أَوْ غَيْرِهِ (لَزِمَهُ) اعْتِكَافُ (شَهْرٍ غَيْرِهِ) لِيَفِيَ بِنَذْرِهِ (وَلَا يَلْزَمُهُ الصَّوْمُ) فِي الشَّهْرِ الَّذِي يَعْتَكِفُهُ قَضَاءً عَنْ رَمَضَانَ.
(وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِكَافُ لِلْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ بِغَيْرِ إذْنِ زَوْجٍ وَسَيِّدٍ)؛ لِأَنَّ مَنَافِعَ الْمَرْأَةِ وَالْعَبْدِ مَمْلُوكَةٌ لِغَيْرِهَا وَالِاعْتِكَافُ يَفُوتُهَا وَيَمْنَعُ اسْتِيفَاءَهَا وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ بِالشَّرْعِ فَلَمْ يَجُزْ إلَّا بِإِذْنِ مَالِك الْمَنْفَعَةِ وَهُوَ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ (فَإِنْ شَرَعَا) أَيْ: الْمَرْأَةُ وَالْعَبْدُ (فِيهِ) أَيْ: فِي الِاعْتِكَافِ (بِغَيْرِ إذْنِ) الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ (فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا) مِنْهُ، (وَلَوْ كَانَ) الِاعْتِكَافُ (نَذْرًا) لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ «لَا تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ رَمَضَانَ إلَّا بِإِذْنِهِ» رَوَاهُ الْخَمْسَةُ وَحَسَّنَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَضَرَرُ الِاعْتِكَافِ أَعْظَمُ؛ وَلِأَنَّ إقَامَتَهُمَا عَلَى ذَلِكَ تَتَضَمَّنُ تَفْوِيتَ حَقِّ غَيْرِهِمَا بِغَيْرِ إذْنِهِ فَكَانَ لِصَاحِبِ الْحَقِّ الْمَنْعُ مِنْهُ كَرَبِّ الْحَقِّ مَعَ غَاصِبِهِ (فَإِنْ لَمْ يُحَلِّلَاهُمَا) مِنْ الِاعْتِكَافِ (صَحَّ وَأَجْزَأَ) عَنْهُمَا، (وَإِنْ كَانَ) الِاعْتِكَافُ (بِإِذْنٍ) مِنْ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ (فَلَهُمَا تَحْلِيلُهُمَا إنْ كَانَ تَطَوُّعًا)؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي الِاعْتِكَافِ ثُمَّ مَنَعَهُنَّ مِنْهُ بَعْدَ أَنْ دَخَلْنَ؛ وَلِأَنَّ حَقَّ الزَّوْجِ وَالسَّيِّدِ وَاجِبٌ وَالتَّطَوُّعُ لَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ؛ وَلِأَنَّ لَهُمَا الْمَنْعَ مِنْهُ ابْتِدَاءً فَكَانَ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْهُ دَوَامًا كَالْعَارِيَّةِ وَيُخَالِفُ الْحَجَّ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ وَيَجِبُ الْمُضِيُّ فِي فَاسِدِهِ.
(وَإِنْ كَانَ) الِاعْتِكَافُ الَّذِي شَرَعَتْ فِيهِ الزَّوْجَةُ أَوْ الْقِنُّ بِإِذْنِ الزَّوْجِ أَوْ السَّيِّدِ (نَذْرًا وَلَوْ غَيْرَ مُعَيَّنٍ فَلَا) يُحَلِّلَانِهِمَا؛ لِأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ وَيَجِبُ إتْمَامُهُ كَالْحَجِّ، (وَلَوْ رَجَعَا) أَيْ الزَّوْجُ وَالسَّيِّدُ (بَعْد الْإِذْنِ لِلزَّوْجَةِ) وَالْقِنِّ فِي الِاعْتِكَافِ (قَبْلَ الشُّرُوعِ) فِي الِاعْتِكَافِ (جَازَ) الرُّجُوعُ كَعَزْلِ الْمُوَكِّلِ وَكِيلَهُ.
(وَالْإِذْنُ فِي عَقْدِ النَّذْرِ إذْنٌ فِي فِعْلِهِ إنْ نَذَرَا) أَيْ الزَّوْجَةُ وَالْقِنُّ (زَمَنًا مُعَيَّنًا بِالْإِذْنِ) كَمَا لَوْ أَذِنَ لَهُمَا الزَّوْجُ أَوْ السَّيِّدُ فِي نَذْرِ اعْتِكَافِ الْعُشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ فَيَكُونُ إذْنًا فِي فِعْلِهِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الزَّمَنُ مُعَيَّنًا بِالْإِذْنِ (فَلَا) يَكُونُ الْإِذْنُ فِي النَّذْرِ إذْنًا فِي الْفِعْلِ؛ لِأَنَّ زَمَنَ الشُّرُوعِ لَمْ يَقْتَضِهِ الْإِذْنُ السَّابِقُ، وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرُ وَالْمُعَلَّقُ عِتْقُهُ بِصِفَةٍ كَعَبْدٍ فِيمَا تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ مَنَافِعَهُمْ مُسْتَحَقَّةٌ لِلسَّيِّدِ.
(وَلِلْمُكَاتَبِ أَنْ يَعْتَكِفَ بِلَا إذْنِ سَيِّدِهِ) نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَا يَسْتَحِقُّ مَنَافِعَهُ وَلَا يَمْلِكُ إجْبَارَهُ عَلَى الْكَسْبِ فَهُوَ مَالِكٌ لِمَنَافِعِهِ كَحُرٍّ مَدِينٍ بِخِلَافِ أُمِّ الْوَلَدِ وَالْمُدَبَّرِ، وَظَاهِرُهُ: لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَاجِبِ وَغَيْرِهِ وَسَوَاءٌ نَجَّمَ أَوْ لَا (وَلَهُ) أَيْ: لِلْمُكَاتَبِ (أَنْ يَحُجَّ بِغَيْرِ إذْنِهِ) أَيْ: إذْنِ سَيِّدِهِ لِمَا سَبَقَ (مَا لَمْ يَحُلَّ نَجْمٌ) مِنْ نُجُومِ الْكِتَابَةِ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: لَهُ الْحَجُّ مِنْ الْمَالِ الَّذِي جَمَعَهُ مَا لَمْ يَحُلَّ نَجْمُهُ وَحَمَلَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ عَلَى إذْنِهِ لَهُ أَطْلَقَهُ جَمَاعَةٌ وَقَالُوا: نَصَّ عَلَيْهِ، وَلَعَلَّ الْمُرَادَ مَا لَمْ يَحُلَّ نَجْمٌ وَصَرَّحَ بِهِ بَعْضُهُمْ وَعَنْهُ الْمَنْعُ مُطْلَقًا قَالَهُ فِي الْفُرُوعِ وَيَأْتِي فِي الْكِتَابَةِ: لِلسَّيِّدِ مَنْعُهُ مِنْ السَّفَرِ، كَحُرٍّ مَدِينٍ (وَلَا يُمْنَعُ الْمُكَاتَبُ) مِنْ إنْفَاقِ الْمَالِ فِي الْحَجِّ كَتَرْكِ التَّكَسُّبِ، (وَمَنْ بَعْضُهُ حُرٌّ) وَبَاقِيهِ رَقِيقٌ (إنْ كَانَ بَيْنَهُمَا مُهَايَأَةٌ فَلَهُ أَنْ يَعْتَكِفَ) فِي نَوْبَتِهِ.
(وَ) أَنْ (يَحُجَّ فِي نَوْبَتِهِ بِلَا إذْنِهِ) أَيْ: إذْنِ سَيِّدِهِ؛ لِأَنَّ مَنَافِعَهُ إذَنْ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ لِسَيِّدِهِ بَلْ هِيَ لَهُ كَالْحُرِّ (وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَيِّدِهِ مُهَايَأَةٌ (فَلِسَيِّدِهِ مَنْعُهُ) مِنْ الِاعْتِكَافِ وَالْحَجِّ لِأَنَّ لَهُ مِلْكًا فِي مَنَافِعِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْقَاتِ، فَتَجْوِيزُهُ يَتَضَمَّنُ إبْطَالَ حَقِّ غَيْرِهِ وَلَيْسَ بِجَائِزٍ.
(وَإِذَا اعْتَكَفَتْ الْمَرْأَةُ اُسْتُحِبَّ لَهَا أَنْ تَسْتَتِرَ بِخِبَاءٍ وَنَحْوِهِ) لِفِعْلِ عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ وَزَيْنَبَ فِي عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَجْعَلَهُ فِي مَكَان لَا يُصَلِّي فِيهِ الرِّجَالُ)؛ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ فِي التَّحَفُّظِ لَهَا، نَقَلَ أَبُو دَاوُد «يَعْتَكِفْنَ فِي الْمَسَاجِدِ وَيُضْرَبُ لَهُنَّ فِيهَا الْخِيَمُ» (وَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْتَتِرَ الرِّجَالُ أَيْضًا) ذَكَرَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ لِفِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ وَلِأَنَّهُ أَخْفَى لِعَمَلِهِمْ وَنَقَلَ إبْرَاهِيمُ: لَا إلَّا لِبَرْدٍ شَدِيدٍ.
(وَلَا يَصِحُّ الِاعْتِكَافُ إلَّا بِنِيَّةٍ) لِحَدِيثِ «إنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ» وَلِأَنَّهُ عِبَادَةٌ مَحْضَةٌ كَالصَّوْمِ، (فَإِنْ كَانَ) الِاعْتِكَافُ (فَرْضًا) أَيْ: مَنْذُورًا (لَزِمَهُ نِيَّةُ الْفَرْضِيَّةِ) لِيَتَمَيَّزَ الْمَنْذُورُ عَنْ التَّطَوُّعِ (وَإِنْ نَوَى الْخُرُوجَ مِنْهُ) أَيْ: مِنْ الِاعْتِكَافِ (أَيْ نَوَى إبْطَالَهُ بَطَلَ إلْحَاقًا لَهُ بِالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ)؛ لِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ بِالْفَسَادِ بِخِلَافِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
(وَلَا يَبْطُلُ) الِاعْتِكَافُ (بِإِغْمَاءٍ) كَمَا لَا يَبْطُلُ بِنَوْمٍ بِجَامِعِ بَقَاءِ التَّكْلِيفِ.
(وَلَا يَصِحُّ) الِاعْتِكَافُ (مِنْ رَجُلٍ تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً إلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ) الْجَمَاعَةُ فَلَا يَصِحُّ بِغَيْرِ مَسْجِدٍ بِلَا خِلَافٍ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} فَلَوْ صَحَّ فِي غَيْرِهَا لَمْ تَخْتَصَّ بِتَحْرِيمِ الْمُبَاشَرَةِ إذْ هِيَ مُحَرَّمَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ مُطْلَقًا؛ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «كَانَ يُدْخِلُ رَأْسَهُ إلَى عَائِشَةَ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَتُرَجِّلُهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةٍ.
وَلَا يَصِحُّ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا بِمَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ حَذَرًا مِنْ تَرْكِ الْجَمَاعَةِ أَوْ تَكَرُّرِ الْخُرُوجِ الْمُنَافِي لَهُ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ، وَخَرَجَ مِنْهُ الْمَعْذُورُ وَالصَّبِيُّ، وَمَنْ هُوَ فِي قَرْيَةٍ لَا يُصَلِّي فِيهَا غَيْرُهُ؛ لِأَنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ تَرْكُ الْجَمَاعَةِ الْوَاجِبَةِ وَهِيَ مُنْتَفِيَةٌ هُنَا (وَلَوْ) كَانَتْ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ مِنْ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ (مُعْتَكِفَيْنِ) لِانْعِقَادِ الْجَمَاعَةِ بِهِمَا فَيُخْرَجُ مِنْ عُهْدَةِ الْوَاجِبِ (إنْ أَتَى عَلَيْهِ) أَيْ: الرَّجُلِ الَّذِي تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً (فِعْلُ الصَّلَاةِ زَمَنَ اعْتِكَافِهِ وَإِلَّا) أَيْ: وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْمُعْتَكِفُ رَجُلًا تَلْزَمُهُ الصَّلَاةُ جَمَاعَةً بِأَنْ كَانَ امْرَأَةً أَوْ عَبْدًا أَوْ صَبِيًّا أَوْ مَعْذُورًا أَوْ لَمْ يَأْتِ عَلَيْهِ زَمَنَ اعْتِكَافِهِ فِعْلُ صَلَاةٍ كَمَا لَوْ اعْتَكَفَ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الزَّوَالِ (صَحَّ) اعْتِكَافًا (فِي كُلِّ مَسْجِدٍ).
لِعُمُومِ الْآيَةِ وَالْجَمَاعَةُ غَيْرُ وَاجِبَةٍ إذَنْ وَمَا رَوَى حَرْبٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا فَقَالَ بِدْعَةٌ، وَأَبْغَضُ الْأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الْبِدَعُ فَلَا اعْتِكَافَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلَاةُ أَيْ: مِنْ شَأْنِهِ أَنْ تُقَامَ فِيهِ (وَإِنْ كَانَتْ) الْجَمَاعَةُ (تُقَامُ فِيهِ فِي بَعْضِ الزَّمَانِ) دُونَ بَعْضٍ (جَازَ الِاعْتِكَافُ فِيهِ) مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ (فِي ذَلِكَ الزَّمَنِ) الَّذِي تُقَامُ فِيهِ (فَقَطْ) دُونَ الزَّمَانِ الَّذِي لَا تُقَامُ فِيهِ لِمَا سَبَقَ.
(وَلَا يَصِحُّ) الِاعْتِكَافُ مِمَّنْ تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ (فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الْجُمُعَةُ دُونَ الْجَمَاعَةِ) إذَا كَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ وَقْتُ صَلَاةٍ لِمَا مَرَّ (وَظَهْرُهُ) أَيْ: الْمَسْجِدِ مِنْهُ (وَرَحَبَتُهُ الْمَحُوطَةُ وَعَلَيْهَا بَابٌ نَصًّا) مِنْهُ.
(وَمَنَارَتُهُ الَّتِي بَابُهَا فِيهِ: مِنْهُ) بِدَلِيلِ مَنْعِ الْجُنُبِ، وَكَذَا إذَا كَانَتْ الْمَنَارَةُ فِيهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بَابُهَا فِيهِ (وَكَذَا مَا زِيدَ فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ فَهُوَ مِنْهُ (حَتَّى فِي الثَّوَابِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَكَذَا مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) مَا زِيدَ فِيهِ: حُكْمُهُ حُكْمُهُ حَتَّى فِي الثَّوَابِ (عِنْدَ الشَّيْخِ وَابْنِ رَجَبٍ وَجَمْعٍ وَحُكِيَ عَنْ السَّلَفِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَوْ بُنِيَ هَذَا الْمَسْجِدُ إلَى صَنْعَاءَ كَانَ مَسْجِدِي» وَقَالَ عُمَرُ لَمَّا زَادَ الْمَسْجِدُ: لَوْ زِدْنَا فِيهِ حَتَّى يَبْلُغَ الْجَبَّانَةَ كَانَ مَسْجِدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ ابْنُ رَجَبٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ: وَقَدْ قِيلَ إنَّهُ لَا يُعْلَمُ عَنْ السَّلَفِ خِلَافٌ فِي الْمُضَاعَفَةِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْهُمْ ابْنُ الْجَوْزِيِّ وَابْنُ عَقِيلٍ.
(وَخَالَفَ فِيهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَابْنُ الْجَوْزِيِّ وَجَمْعٌ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَصْحَابِنَا، وَتَوَقَّفَ أَحْمَدُ) وَقَالَ فِي الْآدَابِ: وَهَذِهِ الْمُضَاعَفَةُ تَخْتَصُّ بِالْمَسْجِدِ غَيْرَ الزِّيَادَةِ عَلَى ظَاهِرِ الْخَبَرِ وَقَوْلِ الْعُلَمَاءِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ، أَيْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «فِي مَسْجِدِي هَذَا» لِأَجْلِ الْإِشَارَةِ.
(وَلَوْ اعْتَكَفَ مَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجُمُعَةُ) كَالْعَبْدِ وَالْمُسَافِرِ وَالْمَرْأَةِ (فِي مَسْجِدٍ لَا تُصَلَّى فِيهِ) الْجُمُعَةُ (بَطَلَ) اعْتِكَافُهُ (بِخُرُوجِهِ إلَيْهَا إنْ لَمْ يَشْتَرِطْ) الْخُرُوجَ إلَيْهَا؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ.
(وَالْأَفْضَلُ الِاعْتِكَافُ فِي الْمَسْجِدِ الْجَامِعِ إذَا كَانَتْ الْجُمُعَةُ تَتَخَلَّلُهُ) أَيْ: الِاعْتِكَافَ لِئَلَّا يَحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ إلَيْهَا فَيَتْرُكُ الِاعْتِكَافَ مَعَ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ مِنْهُ.
(وَلِلْمَرْأَةِ وَمَنْ لَا تَلْزَمُهُ الْجَمَاعَةُ كَالْمَرِيضِ وَالْمَعْذُورِ) بِسَفَرٍ أَوْ غَيْرِهِ (وَمَنْ فِي قَرْيَةٍ لَا يُصَلِّي فِيهَا غَيْرُهُ الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ) لِعُمُومِ الْآيَةِ (إلَّا مَسْجِدَ بَيْتِهَا وَهُوَ مَا اتَّخَذَتْهُ لِصَلَاتِهَا) لِمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً وَلَا حُكْمًا وَلَوْ جَازَ لَفَعَلَتْهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ وَلَوْ مَرَّةً تَبْيِينًا لِلْجَوَازِ.
(وَمَنْ نَذَرَ الِاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلَاةَ فِي مَسْجِدٍ غَيْرِ) الْمَسَاجِدِ (الثَّلَاثَةِ، فَلَهُ فِعْلُهُ) أَيْ: الْمَنْذُورِ مِنْ اعْتِكَافٍ أَوْ صَلَاةٍ (فِي غَيْرِهِ)؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَيِّنْ لِعِبَادَتِهِ مَوْضِعًا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ بِالنَّذْرِ وَلَوْ تَعَيَّنَ لَاحْتَاجَ إلَى شَدِّ رَحْلٍ وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلَّا إلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَمَسْجِدِي هَذَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ: وَلَعَلَّ مُرَادَهُمْ إلَّا مَسْجِدَ قُبَاءَ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْتِيهِ كُلَّ سَبْتٍ رَاكِبًا وَمَاشِيًا وَيُصَلِّي فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ قَالَ: وَعَلَى الْمَذْهَبِ يَعْتَكِفُ فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ الَّذِي عَيَّنَهُ، وَظَاهِرُهُ: لَا كَفَّارَةَ وَجَزَمَ بِهِ فِي الشَّرْحِ.
(وَإِنْ نَذَرَهُ) أَيْ: الِاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلَاةَ (فِي أَحَدِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ: الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَمْ يُجْزِئْهُ فِي غَيْرِهَا) لِفَضْلِ الْعِبَادَةِ فِيهَا عَلَى غَيْرِهَا فَتَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ (وَلَهُ شَدُّ الرَّحْلِ إلَيْهِ) أَيْ: إلَى الْمَسْجِدِ الَّذِي عَيَّنَهُ مِنْ الثَّلَاثَةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ السَّابِقِ.
(وَأَفْضَلُهَا: الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ ثُمَّ مَسْجِدُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى)، وَهُوَ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «: صَلَاةٌ فِي مَسْجِدِي هَذَا خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إلَّا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا أَبَا دَاوُد وَلِأَحْمَدَ وَأَبِي دَاوُد مِنْ حَدِيثِ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ مِثْلُهُ، وَزَادَ «وَصَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ أَلْفِ صَلَاةٍ فِيمَا سِوَاهُ» وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هُوَ أَحْسَنُ حَدِيثٍ رُوِيَ فِي ذَلِكَ وَلِأَحْمَدَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَزَادَ «صَلَاةٌ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَفْضَلُ مِنْ مِائَةِ صَلَاةٍ فِي هَذَا».
، وَكَوْنُ مَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى لَمْ يُفْرَضْ إتْيَانُهَا شَرْعًا بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ لَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ فِيهِمَا بِالنَّذْرِ؛ لِأَنَّ النَّذْرَ مُوجِبٌ لِمَا لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِأَصْلِ الشَّرْعِ، وَإِلْحَاقُ غَيْرِ الثَّلَاثَةِ بِهَا مُمْتَنِعٌ لِثُبُوتِ فَضْلِهَا عَلَى غَيْرِهَا بِالنَّصِّ.
(فَإِنْ عَيَّنَ الْأَفْضَلَ مِنْهَا) وَهُوَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ (فِي نَذْرِهِ لَمْ يُجْزِئْهُ) الِاعْتِكَافُ وَلَا الصَّلَاةُ (فِيمَا دُونَهُ) لِعَدَمِ مُسَاوَاتِهِ لَهُ (وَعَكْسُهُ بِعَكْسِهِ) أَيْ: إنْ عَيَّنَ الْمَفْضُولَ مَعَهَا أَجْزَأَهُ فِيمَا هُوَ أَفْضَلُ مِنْهُ فَمَنْ عَيَّنَ فِي نَذْرِهِ مَسْجِدَ الْمَدِينَةِ أَجْزَأَهُ فِيهِ، فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَطْ وَإِنْ عَيَّنَ الْأَقْصَى أَجْزَأَهُ فِي كُلٍّ مِنْ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ لِحَدِيثِ جَابِرٍ «أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَوْمَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي نَذَرْتُ إنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَكَّةَ أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ صَلِّ هَاهُنَا فَسَأَلَهُ فَقَالَ صَلِّ هَاهُنَا فَسَأَلَهُ فَقَالَ: شَأْنُكَ إذَنْ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد رَوَيَا أَيْضًا هَذَا الْخَبَرَ بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ بَعْضِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَزَادَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَاَلَّذِي بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالْحَقِّ لَوْ صَلَّيْتَ هَاهُنَا لَقَضَى عَنْك ذَلِكَ كُلَّ صَلَاةٍ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ».
(وَإِنْ نَذَرَهُ) أَيْ: الِاعْتِكَافَ أَوْ الصَّلَاةَ (فِي غَيْرِ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ) الثَّلَاثَةِ (وَأَرَادَ الذَّهَابَ إلَى مَا عَيَّنَهُ) فَإِنْ احْتَاجَ إلَى شَدِّ رَحْلٍ خُيِّرَ (عِنْدَ الْقَاضِي وَغَيْرِهِ، وَهُوَ مَعْنَى مَا جَزَمَ بِهِ بَعْضُهُمْ بِإِبَاحَتِهِ، وَاخْتَارَهُ) الْمُوَفَّقُ فِي الْقَصْرِ وَمَنَعَ مِنْهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَالشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى شَدِّ رَحْلٍ فَفِي الْمُبْدِعِ فَالْمَذْهَبُ يُخَيَّرُ وَفِي الْوَاضِحِ: الْأَفْضَلُ الْوَفَاءُ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَهَذَا أَظْهَرُ.
(وَإِنْ دَخَلَ فِيهِ) أَيْ: فِي مُعْتَكَفِهِ (ثُمَّ انْهَدَمَ مُعْتَكَفُهُ وَلَمْ يُمْكِنْ الْقِيَامُ فِيهِ لَزِمَ إتْمَامُهُ) أَيْ: الِاعْتِكَافِ إنْ كَانَ مَنْذُورًا (فِي غَيْرِهِ وَلَمْ يَبْطُلْ) اعْتِكَافُهُ بِخُرُوجِهِ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ خُرُوجٌ لِمَا لَا بُدَّ مِنْهُ.
(وَمَنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ شَهْرٍ) بِعَيْنِهِ كَرَمَضَانَ (أَوْ نَذَرَ) اعْتِكَافَ عَشْرٍ بِعَيْنِهِ كَالْعَشْرِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ (أَوْ أَرَادَ ذَلِكَ تَطَوُّعًا دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ قَبْلَ لَيْلَتِهِ الْأُولَى) أَيْ: قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ نَصَّ عَلَيْهِ؛ إذْ الشَّهْرُ يَدْخُلُ بِدُخُولِ اللَّيْلَةِ بِدَلِيلِ تَرَتُّبِ الْأَحْكَامِ الْمُعَلَّقَةِ بِهِ: مِنْ حُلُولِ الدَّيْنِ وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ الْمُعَلَّقِينَ بِهِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ، وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ «كَانَ إذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَاعْتِكَافُهُ كَانَ تَطَوُّعًا، وَالتَّطَوُّعُ يَشْرَعُ فِيهِ مَتَى شَاءَ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُ يَوْمَ الْعِشْرِينَ لِيَسْتَظْهِرَ بِبَيَاضِ يَوْمٍ زِيَادَةً، (وَخَرَجَ) مِنْ مُعْتَكَفِهِ (بَعْدَ آخِرِهِ) أَيْ: آخِرِ مَا عَيَّنَهُ بِأَنْ تَغْرُبَ شَمْسُ آخِرِ يَوْمٍ مِنْهُ نَصَّ عَلَيْهِ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ نَذَرَ) أَنْ يَعْتَكِفَ (يَوْمًا مُعَيَّنًا) كَيَوْمِ الْخَمِيسِ (أَوْ) نَذَرَ يَوْمًا (مُطْلَقًا) بِأَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ يَوْمًا وَأَطْلَقَ (دَخَلَ) مُعْتَكَفَهُ (قَبْلَ فَجْرِهِ الثَّانِي وَخَرَجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ)؛ لِأَنَّ مَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (وَلَمْ يَجُزْ تَفْرِيقُهُ بِسَاعَاتٍ مِنْ أَيَّامٍ)؛ لِأَنَّهُ يُفْهَمُ مِنْهُ التَّتَابُعُ أَشْبَهَ مَا لَوْ قَيَّدَهُ بِهِ.
(فَلَوْ كَانَ فِي وَسَطِ النَّهَارِ فَقَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا مِنْ وَقْتِي هَذَا لَزِمَهُ) الِاعْتِكَافُ (مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ إلَى مِثْلِهِ)؛ لِيَتَحَقَّقَ مُضِيُّ يَوْمٍ مِنْ ذَلِكَ الْوَقْتِ (وَلَا يَدْخُلُ اللَّيْلُ) فِي نَذْرِهِ اعْتِكَافَ يَوْمٍ فَلَا يَلْزَمُهُ اعْتِكَافُهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْيَوْمِ (وَ كُلُّ زَمَانٍ مُعَيَّنٍ) نَذَرَ اعْتِكَافَهُ (يَدْخُلُ) مُعْتَكَفَهُ قَبْلَهُ وَيَخْرُجُ بَعْدَهُ (لِمَا تَقَدَّمَ).
(وَإِنْ اعْتَكَفَ رَمَضَانَ أَوْ الْعَشْرَ الْأَخِيرَ مِنْهُ اُسْتُحِبَّ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي مُعْتَكَفِهِ) لِيُحْيِيَ لَيْلَةَ الْعِيدِ (وَيَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى) نَصَّ عَلَيْهِ قَالَ إبْرَاهِيمُ: كَانُوا يُحِبُّونَ لِمَنْ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ أَنْ يَبِيتَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ ثُمَّ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى مِنْ الْمَسْجِدِ ا هـ وَيَكُونُ فِي ثِيَابِ اعْتِكَافِهِ لِيَصِلَ طَاعَةً بِطَاعَةٍ.
(وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُطْلَقًا لَزِمَهُ شَهْرٌ مُتَتَابِعٌ نَصًّا)؛ لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ مَعْنًى يَصِحُّ لَيْلًا وَنَهَارًا فَإِذَا أَطْلَقَهُ لَزِمَهُ التَّتَابُعُ كَقَوْلِهِ: لَا كَلَّمْت زَيْدًا شَهْرًا كَمُدَّةِ الْإِيلَاءِ وَالْعُنَّةِ وَالْعِدَّةِ، (وَحُكْمُهُ فِي دُخُولِ مُعْتَكَفِهِ وَخُرُوجِهِ مِنْهُ كَمَا تَقَدَّمَ) فَيَدْخُلُ قَبْلَ الْغُرُوبِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَلَا يَخْرُجُ إلَّا بَعْدَ غُرُوبِ شَمْسِ آخِرِ أَيَّامِهِ، (وَيَكْفِي شَهْرٌ هِلَالِيٌّ نَاقِصٌ بِلَيَالِيِهِ أَوْ ثَلَاثُونَ يَوْمًا بِلَيَالِيِهَا)؛ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِمَا بَيْنَ الْهِلَالَيْنِ نَاقِصًا كَانَ أَوْ تَامًّا وَلِثَلَاثِينَ يَوْمًا، (وَإِنْ ابْتَدَأَ) اعْتِكَافَهُ (الثَّلَاثِينَ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ فَتَمَامُهُ فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ وَإِنْ ابْتَدَأَهُ فِي أَثْنَاءِ اللَّيْلِ تَمَّ) اعْتِكَافُهُ (فِي مِثْلِ تِلْكَ السَّاعَةِ مِنْ اللَّيْلَةِ الْحَادِيَةِ وَالثَّلَاثِينَ وَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا) مَعْدُودَةً (أَوْ) نَذَرَ (لَيَالِيَ مَعْدُودَةً فَلَهُ تَفْرِيقُهَا إنْ لَمْ يَنْوِ التَّتَابُعَ)؛ لِأَنَّ الْأَيَّامَ وَاللَّيَالِيَ الْمُطْلَقَةَ تُوجَدُ بِدُونِ التَّتَابُعِ فَلَمْ يَلْزَمْهُ كَنَذْرِ صَوْمِهَا، وَاحْتِجَاجُ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ بِالْآيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ.
(أَوْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ لَا تَدْخُلُ لَيْلَتُهُ)؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهُ (وَكَذَا عَكْسُهُ) إذَا نَذَرَ اعْتِكَافَ لَيْلَةٍ لَا يَدْخُلُ يَوْمُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْهَا (وَإِنْ نَذَرَ شَهْرًا مُتَفَرِّقًا) يَعْنِي نَذَرَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا مُتَفَرِّقًا (فَلَهُ تَتَابُعُهُ) وَلَا يَلْزَمُهُ.
(وَإِنْ نَذَرَ أَيَّامًا) مُتَتَابِعَةً (أَوْ) نَذَرَ (لَيَالِيَ مُتَتَابِعَةً لَزِمَهُ مَا يَتَخَلَّلُهَا مِنْ لَيْلٍ) إذَا نَذَرَ الْأَيَّامَ (أَوْ نَهَارًا) إذَا نَذَرَ اللَّيَالِيَ نَصَّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْيَوْمَ اسْمٌ لِبَيَاضِ النَّهَارِ وَاللَّيْلُ اسْمٌ لِسَوَادِ اللَّيْلِ وَالتَّثْنِيَةُ وَالْجَمْعُ تَكْرَارُ الْوَاحِدِ، وَإِنَّمَا يَدْخُلُ مَا تَخَلَّلَ لِلُزُومِ التَّتَابُعِ ضِمْنًا وَهُوَ حَاصِلٌ بِمَا بَيْنَهُمَا خَاصَّةً، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُتَتَابِعَةً لَمْ يَلْزَمْهُ مَا تَخَلَّلَهَا مِنْ ذَلِكَ.
(وَإِنْ نَذَرَ اعْتِكَافَ يَوْمٍ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ لَزِمَهُ اعْتِكَافُ الْبَاقِي مِنْهُ وَلَمْ يَلْزَمْهُ قَضَاءُ مَا فَاتَ) مِنْ الْيَوْمِ قَبْلَ قُدُومِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاتَ قَبْلَ شَرْطِ الْوُجُوبِ فَلَمْ يَجِبْ (كَ نَذْرِ اعْتِكَافِ زَمَنٍ مَاضٍ) لِعَدَمِ انْعِقَادِهِ، (وَإِنْ قَدِمَ لَيْلًا لَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ)؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا نَذَرَ يَوْمَ يَقْدَمُ لَا لَيْلَةَ يَقْدَمُ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ مَا ذَكَرُوهُ فِي: أَنْتِ طَالِقٌ يَوْمَ يَقْدَمُ فُلَانٌ فَقَدِمَ لَيْلًا يَحْنَثُ مَا لَمْ يَنْوِ النَّهَارَ، (فَإِنْ كَانَ لِلنَّاذِرِ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ الِاعْتِكَافَ عِنْدَ قُدُومِ فُلَانٍ مِنْ حَبْسٍ أَوْ مَرَضٍ قَضَى وَكَفَّرَ) كَفَّارَةَ يَمِينٍ لِفَوَاتِ الْمَحَلِّ (وَيَقْضِي بَقِيَّةَ الْيَوْمِ) الَّذِي قَدِمَ فِيهِ فُلَانٌ (فَقَطْ) دُونَ مَا مَضَى مِنْهُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ تَابِعٌ لِلْأَدَاءِ.