فصل: (فَصْلٌ): كناياتُ الْقَذْفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(بَابُ الْقَذْفِ):

(وَهُوَ الرَّمْيُ بِزِنًا أَوْ لِوَاطٍ أَوْ شَهَادَةٍ بِهِ) أَيْ بِمَا ذُكِرَ مِنْ زِنًا أَوْ لِوَاطٍ (عَلَيْهِ وَلَمْ تَكْمُل الْبَيِّنَةُ) بِذَلِكَ (وَهُوَ) مُحَرَّمٌ بَلْ (كَبِيرَةٌ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ قَالُوا: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الشِّرْكُ وَالسِّحْرُ وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بِالْحَقِّ وَأَكْلُ الرِّبَا وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ (مَنْ قَذَفَ وَلَوْ) كَانَ الْقَاذِفُ (أَخْرَسُ بِإِشَارَةٍ مَفْهُومَةٍ وَلَوْ فِي غَيْرِ دَارِ الْإِسْلَامِ وَهُوَ).
أَيْ الْقَاذِفُ (مُكَلَّفٌ مُخْتَارٌ مُحْصَنٌ وَلَوْ) كَانَ الْمَقْذُوفُ (ذَاتَ مَحْرَمٍ أَوْ مَجْبُوبًا أَوْ خَصِيًّا أَوْ مَرِيضًا مُدْنِفًا) أَيْ مُشْرِفًا عَلَى الْهَلَاكِ (أَوْ رَتْقَاءَ أَوْ قَرْنَاءَ حُدَّ حَرٌّ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً}.
(وَ) حَدُّ (قِنٍّ وَلَوْ عَتَقَ) بَعْدَ الْقَذْفِ (قَبْلَ حَدِّهِ أَرْبَعِينَ) جَلْدَةً لِإِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ أَنَّهُ عَلَى النِّصْفِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ «أَدْرَكْتُ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَالْخُلَفَاءَ وَهَلُمَّ جَرًّا مَا رَأَيْتُ أَحَدًا جَلَدَ عَبْدًا فِي فِرْيَةٍ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعِينَ» رَوَاهُ مَالِكٌ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مُخَصِّصًا لِلْآيَةِ.
(وَ) حَدُّ (مُعْتَقِ بَعْضُهُ بِحِسَابِهِ) كَمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِّ الزِّنَا (سِوَى أَبَوَيْهِ) أَيْ الْمَقْذُوفُ (وَإِنْ عَلَوْا فَلَا يُحَدَّانِ بِقَذْفِ وَلَدٍ وَإِنْ نَزَلَ) نُصَّ عَلَيْهِ (كَقَوَدٍ وَلَا يُحَدَّانِ) أَيْ الْأَبَوَانِ (لَهُ) لِوَلَدِهِمَا وَإِنْ نَزَلَ فِي قَذْفِ وَلَا غَيْرِهِ، فَلَا يَرِثُ الْوَلَدُ حَدَّ الْقَذْفِ عَلَى أَبَوَيْهِ كَمَا لَا يَرِثُ الْقَوَدَ عَلَيْهِمَا (فَإِنْ قَذَفَ أُمَّ ابْنِهِ وَهِيَ أَجْنَبِيَّةٌ مِنْهُ) أَيْ الْقَاذِفُ أَيْ غَيْرُ زَوْجَةٍ لَهُ (فَمَاتَتْ) الْمَقْذُوفَةُ (قَبْلَ اسْتِيفَائِهِ لَمْ يَكُنْ لِابْنِهِ الْمُطَالَبَةُ) بِهِ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَمْلِكْ طَلَبَهُ بِقَذْفِهِ لِنَفْسِهِ فَلِغَيْرِهِ أَوْلَى وَكَالْقَوَدِ (فَإِنْ كَانَ لَهَا) أَيْ الْمَقْذُوفَةَ (ابْنٌ آخَرَ مِنْ غَيْرِهِ) أَيْ الْقَاذِفِ (كَانَ لَهُ) أَيْ ابْنِهَا الْآخَرِ، (اسْتِيفَاؤُهُ فَلَهُ إذَا مَاتَتْ بَعْدُ الْمُطَالَبَةُ) لِتَبَعُّضِهِ بِخِلَافِ الْقَوَدِ.
(وَيُحَدُّ الِابْنُ بِقَذْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ آبَائِهِ وَأُمَّهَاتِهِ وَإِنْ عَلَوْا) لِعُمُومِ الْآيَةِ وَكَمَا يُقَادُ بِهِمْ (وَيُحَدُّ) الْقَاذِفُ (بِقَذْفٍ عَلَى وَجْهِ الْغَيْرَةِ) بِفَتْحِ الْغَيْن الْمُعْجَمَة أَيْ الْحَمِيَّةِ وَالْأَنَفَةِ، لِعُمُومِ الْآيَةِ وَكَأَجْنَبِيٍّ.
(وَيُشْتَرَطُ لِإِقَامَةِ الْحَدِّ) بِالْقَذْفِ (مُطَالَبَةُ الْمَقْذُوفِ) لِلْقَاذِفِ (وَاسْتِدَامَةُ الطَّلَبِ إلَى إقَامَةِ الْحَدِّ بِأَنْ لَا يَعْفُو) فَلَا يُحَدُّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَعْرِضَ لَهُ إلَّا بِطَلَبِهِ ذَكَرَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ إجْمَاعًا.
(وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (أَنْ لَا يَأْتِيَ بِبَيِّنَةٍ) أَيْ أَرْبَعَةِ رِجَالٍ (مَا قَذَفَهُ بِهِ) لِمَفْهُومِ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ}.
(وَ) يُشْتَرَطُ أَيْضًا (أَنْ لَا يُصَدِّقَهُ الْمَقْذُوفُ) فَإِنْ صَدَّقَهُ لَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ أَبْلَغَ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ.
(وَ) يُشْتَرَط أَيْضًا (أَنْ لَا يُلَاعِنَ الْقَاذِفُ) الْمَقْذُوفَ (إنْ كَانَ) الْقَاذِفُ (زَوْجًا) فَإِنْ لَاعَنَ سَقَطَ عَنْهُ الْحَدُّ لِمَا تَقَدَّمَ فِي اللِّعَانِ (وَهُوَ) أَيْ حَدُّ الْقَذْفِ (حَقٌّ لِآدَمِيٍّ) يَسْقُطُ بِعَفْوِهِ (وَلَا يُسْتَحْلَفُ) الْمُنْكِرُ (فِيهِ) أَيْ فِي الْقَذْفِ لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ (وَلَا يُقْبَلُ رُجُوعُهُ) أَيْ الْمُقِرِّ بِالْقَذْفِ (عَنْهُ) أَيْ عَنْ الْقَذْفِ كَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّ إذَا أَقَرَّ بِهَا بِخِلَافِ حَدِّ الزِّنَا وَحَدِّ الشُّرْبِ وَالسَّرِقَةِ لِأَنَّهَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى.
(وَيَسْقُطُ) حَدُّ الْقَذْفِ بِالْعَفْوِ (عَنْ بَعْضِهِ) فَلَوْ قُذِفَ جَمَاعَةٌ بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَفَا بَعْضُهُمْ لَمْ يَسْقُطْ الْحَدُّ بِالنِّسْبَةِ لِمَنْ لَمْ يَعْفُ وَيُسْتَوْفَى لَهُ كَامِلًا بِخِلَافِ الْقِصَاصِ لِأَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ (وَإِنْ قَالَ، اقْذِفْنِي عُزِّرَ الْقَاذِفُ فَقَطْ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً وَلَمْ يُحَدَّ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِآدَمِيٍّ وَقَدْ أَذِنَ فِيهِ (وَلَيْسَ لِلْمَقْذُوفِ اسْتِيفَاءُ بِنَفْسِهِ) فَلَوْ فَعَلَ لَمْ يُعْتَدَّ بِهِ وَعَلَّلَهُ الْقَاضِي بِأَنَّهُ تُعْتَبَرُ نِيَّةُ الْإِمَامِ أَنَّهُ حَدَّ (وَقَذْفُ غَيْرِ الْمُحْصَنِ كَمُشْرِكٍ وَذِمِّيٍّ وَقِنٍّ وَلَوْ كَانَ الْقَاذِفُ سَيِّدَهُ وَمُسْلِمٍ لَهُ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ وَمُسْلِمَةٍ لَهَا دُونَ تِسْعِ سِنِينَ وَمَنْ لَيْسَ بِعَفِيفٍ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ فَقَطْ) رَدْعًا لَهُ عَنْ أَعْرَاضِ الْمَعْصُومِينَ وَكَفَالَةً عَنْ أَذَاهُمْ (وَحَقُّ طَلَبِ تَعْزِيرِ الْقِنِّ إذَا قُذِفَ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَتَعَلَّقُ بِالْمَالِ مَقْصُودُهُ (لَا لِسَيِّدِهِ) فَلَا يُطَالَبُ بِهِ سَيِّدُهُ.
(وَالْمُحْصَنُ هُنَا) أَيْ فِي الْقَذْفِ غَيْرُ الْمُحْصَنِ فِي بَابِ الزِّنَا (وَهُوَ الْحُرُّ الْمُسْلِمُ الْعَاقِلُ الَّذِي يُجَامِعُ مِثْلُهُ) وَهُوَ ابْنُ عَشْرٍ وَبِنْتُ تِسْعٍ فَأَكْثَرَ (الْعَفِيفُ عَنْ الزِّنَا ظَاهِرًا) أَمَّا اعْتِبَارُ الْحُرِّيَّةِ وَالْإِسْلَامِ فَلِأَنَّ الْعَبْدَ وَالْكَافِرَ حُرِّيَّتُهُمَا لَا تَنْهَضُ لِإِيجَابِ الْحَدِّ وَالْآيَةُ الْكَرِيمَةُ وَرَدَتْ فِي الْحُرَّةِ الْمُسْلِمَةِ وَغَيْرِهَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهَا، وَأَمَّا الْعَقْلُ فَلِأَنَّ الْمَجْنُونَ لَا يُعَيَّرُ بِالزِّنَا لِعَدَمِ تَكْلِيفِهِ وَغَيْرُ الْعَاقِلِ لَا يَلْحَقُهُ شَيْنٌ بِإِضَافَةِ الزِّنَا إلَيْهِ لِكَوْنِهِ غَيْرُ مُكَلَّفٍ.
وَأَمَّا الْعِفَّةُ عَنْ الزِّنَا فَلِأَنَّ غَيْرَ الْعَفِيفِ لَا يُشِينُهُ الْقَذْفُ وَالْحَدُّ إنَّمَا وَجَبَ لِأَجَلِ ذَلِكَ وَقَدْ أَسْقَطَ اللَّهُ الْحَدَّ عَنْ الْقَاذِفِ إذَا كَانَ لَهُ بَيِّنَةٌ بِمَا قَالَ وَأَمَّا كَوْنه يُجَامِعُ مِثْلُهُ فَلِأَنَّ مَنْ دُونَهُ لَا يُعَيَّرُ بِالْقَذْفِ لِتَحَقُّقِ كَذِبِ الْقَاذِفِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمُحْصَنِ الْعَدَالَةَ فَلَوْ كَانَ فَاسِقًا لِشُرْبِهِ الْخَمْر أَوْ الْبِدْعَةَ وَلَمْ يُعْرَفْ بِالزِّنَا وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى قَاذِفِهِ (وَلَوْ تَائِبًا مِنْ زِنًا) فَيُحَدُّ قَاذِفُهُ لِأَنَّ التَّوْبَةَ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا (أَوْ) كَانَ الْمَقْذُوفُ (مُلَاعِنَةً) فَيُحَدُّ قَاذِفُهَا كَغَيْرِهَا (وَوَلَدُهَا) أَيْ الْمُلَاعِنَةُ (وَوَلَدُ زِنًا كَغَيْرِهِمَا فَيُحَدُّ مَنْ قَذَفَهُمَا) إذَا كَانَا مُحْصَنَيْنِ كَغَيْرِهِمَا.
(وَمَنْ ثَبَتَ زِنَاهُ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ وَلَدِ الْمُلَاعِنَةِ وَوَلَدِ الزِّنَا (أَوْ) ثَبَتَ زِنَاهُ (مِنْ غَيْرِهِمَا بِبَيِّنَةٍ) أَوْ بِأَرْبَعَةِ رِجَالٍ فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ لِلْآيَةِ (أَوْ شَهِدَ بِهِ) أَيْ بِزِنَاهُ (شَاهِدَانِ) فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِمَفْهُومِ قَوْلِهِ {ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ} (أَوْ أَقَرَّ) الْمَقْذُوفَ (بِهِ) أَيْ بِالزِّنَا (وَلَوْ دُونَ أَرْبَعِ مَرَّاتٍ) فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفِهِ (أَوْ حُدَّ لِلزِّنَا فَلَا حَدَّ عَلَى قَاذِفَةِ) لِعَدَمِ إحْصَانِهِ (وَيُعَزَّرُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَوْ قَالَ لِمَنْ زَنَى فِي شِرْكِهِ أَوْ كَانَ مَجُوسِيًّا تَزَوَّجَ بِذَاتِ مَحْرَمٍ) كَأُخْتِهِ (بَعْد أَنْ أَسْلَمَ يَا زَانِي فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ إذَا فَسَّرَهُ بِذَلِكَ) أَيْ بِالزِّنَا فِي شِرْكِهِ أَوْ بِتَزَوُّجِهِ بِذَاتِ مَحْرَمِهِ لِأَنَّهُ صَادِقُ (وَيُعَزَّرُ) لِإِيذَائِهِ لَهُ.
(وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْمَقْذُوفِ الْبُلُوغَ بَلْ) أَنْ (يَكُونَ مِثْلُهُ يَطَأُ أَوْ يُوطَأَ كَابْنِ عَشْرٍ) فَأَكْثَرَ (وَابْنَةِ تِسْعٍ) فَأَكْثَرَ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُمَا الشَّيْنُ بِإِضَافَةِ الزِّنَا إلَيْهِمَا وَيُعَيَّرَانِ بِذَلِكَ وَلِهَذَا جُعِلَ عَيْبًا فِي الرَّقِيقِ وَظَاهِرُ كَلَامِ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَر سَلَامَتُهُ مِنْ وَطْءِ الشُّبْهَةِ (وَلَا يُقَامُ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى قَاذِفِ ابْن عَشْرٍ وَنَحْوِهِ (الْحَدُّ حَتَّى يَبْلُغَ الْمَقْذُوفُ وَيُطَالِبَ بِهِ) أَيْ الْحَدُّ (بَعْدَ بُلُوغِهِ) لِعَدَمِ اعْتِبَارِ كَلَامِهِ قَبْلَ الْبُلُوغِ (وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ) أَيْ وَلِيِّ غَيْرِ الْبَالِغِ (الْمُطَالَبَةَ عَنْهُ) بِالْحَدِّ حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ التَّشَفِّي (وَكَذَا لَوْ جُنَّ الْمَقْذُوفُ) قَبْلَ الطَّلَبِ (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ قَبْلَ الطَّلَبِ) بِالْحَدِّ لَمْ يُقَمْ عَلَى الْقَاذِفِ حَتَّى يُفِيقَ الْمَقْذُوفُ وَيُطَالِبُهُ وَلَيْسَ لِوَلِيِّهِ الْمُطَالَبَةُ عَنْهُ لِمَا سَلَفَ.
(وَإِنْ كَانَ) جُنُونُهُ أَوْ إغْمَاؤُهُ (بَعْدَهُ) أَيْ الطَّلَبِ، (أُقِيمَ) الْحَدُّ فِي الْحَالِ لِوُجُودِ شَرْطِهِ (كَمَا لَوْ وُكِّلَ فِي اسْتِيفَاءِ الْقِصَاصِ ثُمَّ جُنَّ) مُسْتَحَقُّهُ جُنُونًا غَيْرَ مُطْبَقٍ (أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ وَكِيلَهُ مِنْ اسْتِيفَائِهِ، فَإِنْ كَانَ الْجُنُونُ مُطْبَقًا فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْوَكَالَةِ أَنَّهَا تَبْطُلُ بِهِ.
(وَإِنْ قَذَفَ غَائِبًا اُعْتُبِرَ قُدُومُهُ وَطَلَبَهُ) لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ أَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِ (إلَّا أَنْ يَثْبُتَ أَنَّهُ طَالَبَهُ فِي غَيْبَتِهِ فَيُحَدُّ) الْقَاذِفُ لِوُجُودِ شَرْطِهِ وَهُوَ الطَّلَبُ.
(وَإِنْ كَانَ الْقَاذِفُ مَجْنُونًا أَوْ مُبَرْسَمًا أَوْ نَائِمًا أَوْ صَغِيرًا فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِعَدَمِ اعْتِبَارِ كَلَامِهِ (بِخِلَافِ السَّكْرَانَ) لِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ (وَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ) مُحْصَنَةٍ (زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَفَسَّرَهُ بِصِغَرٍ عَنْ تِسْعٍ لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّ حَدَّ الْقَذْفِ إنَّمَا وَجَبَ لِمَا يَلْحَقُ بِالْمَقْذُوفِ مِنْ الْعَارِ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِلصِّغَرِ (وَيُعَزَّرُ) زَادَ فِي الْمُغْنِي إنْ رَآهُ الْإِمَامُ وَأَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ لِحَدٍّ طُلِبَ لِأَنَّهُ تَأْدِيبٌ.
(وَكَذَلِكَ إنْ قَذَفَ صَغِيرًا لَهُ دُونَ عَشْرِ سِنِينَ) أَوْ قَذَفَ مُحْصَنًا فَقَالَ لَهُ زَنَيْتَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ وَفَسَّرَهُ بِمَا دُونَ الْعُشْرِ لِمَا مَرَّ (وَإِلَّا) بِأَنْ قَالَ لِمُحْصَنَةٍ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ وَ(فَسَّرَهُ بِتِسْعٍ فَأَكْثَرَ مِنْ عُمْرِهَا) حُدَّ (أَوْ) قَالَ لِمُحْصَنٍ: زَنَيْتَ وَأَنْتَ صَغِيرٌ وَفَسَّرَهُ (بِعَشْرٍ فَأَكْثَرَ مِنْ عُمْرِهِ حُدَّ) لِعَدَمِ اشْتِرَاط الْبُلُوغِ.
(وَإِنْ قَالَ الْقَاذِفُ لِلْمَقْذُوفِ كُنْتَ أَنْتَ صَغِيرًا حِين قَذَفْتُك فَقَالَ) الْمَقْذُوفُ (بَلْ) كُنْتَ (كَبِيرًا فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْقَاذِفِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّغَرَ وَبَرَاءَةُ الذِّمَّةِ مِنْ الْحَدِّ (وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ مِنْهُمَا بَيِّنَةً بِدَعْوَاهُ وَكَانَتَا مُطْلَقَتَيْنِ أَوْ مُؤَرِّخَتَيْنِ تَارِيخَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ فَهُمَا قَذْفَانِ يُوجِبَانِ التَّعْزِيرَ وَالْحَدَّ) أَيْ الْقَذْفُ فِي الصِّغَرِ يُوجِبُ التَّعْزِيرَ وَالْقَذْفُ فِي الْكِبْرِ يُوجِبُ الْحَدَّ إعْمَالًا لِلْبَيِّنَتَيْنِ (وَإِنْ بَيَّنَتَا تَارِيخًا وَاحِدًا) فَقَالَ كُلٌّ مِنْهُمَا: قَذَفَهُ فِي أَوَّلِ مُحَرَّمٍ سَنَةَ أَرْبَعٍ مَثَلًا (فَقَالَتْ إحْدَاهُمَا وَهُوَ صَغِيرٌ وَقَالَتْ الْأُخْرَى وَهُوَ كَبِيرٌ تَعَارَضَتَا وَسَقَطَتَا) لِتَعَارُضِهِمَا وَعَدَمِ الْمُرَجِّحِ لِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى.
(وَكَذَا لَوْ كَانَ تَارِيخُ بَيِّنَةِ الْمَقْذُوفِ) الشَّاهِدَةِ بِكِبَرِهِ (قَبْلَ تَارِيخِ بَيِّنَةِ الْقَاذِفِ) الشَّاهِدِ بِالصِّغَرِ فَتَعَارَضَتَا، وَيُرْجَعُ إلَى قَوْلِ الْقَاذِفِ:
أَنَّ الْقَذْفَ كَانَ فِي صِغَرِ الْمَقْذُوفِ وَالْمُرَادُ بِالصِّغَرِ مَا دُونَ عَشْرٍ فِي الذَّكَرِ وَتِسْعٍ فِي الْأُنْثَى كَمَا يُعْلَم مِمَّا تَقَدَّمَ (وَإِنْ قَالَ لِحُرَّةٍ مُسْلِمَةٍ: زَنَيْتِ وَأَنْتِ نَصْرَانِيَّةٌ) أَوْ نَحْوُهَا (أَوْ أَمَةٌ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ حُدَّ) لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ فِي وَصْفِهَا بِذَلِكَ (وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ) ذَلِكَ (وَأَمْكَنَ) أَنْ تَكُون كَذَلِكَ (حُدَّ أَيْضًا) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ.
(وَكَذَا لَوْ قَذَفَ مَجْهُولَةَ النَّسَبِ وَادَّعَى رِقَّهَا وَأَنْكَرَتْهُ) فَيُحَدُّ وَكَذَا لَوْ قَذَفَ مَجْهُولَ النَّسَبِ وَادَّعَى رِقَّهُ وَأَنْكَرَهُ وَتَقَدَّمَ فِي اللَّقِيطِ (وَإِنْ كَانَتْ كَذَلِكَ) أَيْ نَصْرَانِيَّةً أَوْ أَمَةً (لَمْ يُحَدَّ) لِعَدَمِ الْإِحْصَانِ وَقْتَ الْقَذْفِ (وَإِنْ قَالَتْ أَرَدْتَ قَذْفِي الْحَالَ فَأَنْكَرَهُ لَمْ يُحَدُّ) وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي إرَادَتِهِ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ بِنِيَّتِهِ (وَلَوْ قَالَ زَنَيْتِ وَأَنْتِ مُشْرِكَةً فَقَالَتْ: أَرَدْتَ قَذْفِي بِالزِّنَا وَالشِّرْكِ فَقَالَ) الْقَاذِفُ.
(بَلْ أَرَدْتُ قَذْفَكِ بِالزِّنَا إذْ كُنْتِ مُشْرِكَةً فَقَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّ اخْتِلَافَهُمَا فِي نِيَّتِهِ، وَلَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ قِبَلِهِ (وَهَكَذَا إنْ قَالَ) لِحُرٍّ (زَنَيْتَ وَأَنْتَ عَبْدٌ) فَقَالَ: أَرَدْتَ قَذْفِي بِالزِّنَا وَالرِّقِّ فَقَالَ: بَلْ أَرَدْتُ قَذْفَكَ بِالزِّنَا إذْ كُنْتَ قِنًّا (وَإِنْ قَالَ لَهَا) أَيْ لِمُشْرِكَةٍ أَسْلَمَتْ (يَا زَانِيَةُ ثُمَّ ثَبَتَ زِنَاهَا فِي حَالِ كُفْرِهَا لَمْ يُحَدَّ) لِأَنَّهَا غَيْرُ مُحْصَنَةٍ (وَلَوْ قَذَفَ) زَوْجُ (مَنْ أَقَرَّتْ بِزِنًا) وَلَوْ (مَرَّةً فَلَا لِعَانَ عَلَيْهِ) لِاعْتِرَافِهَا بِمَا قَذَفَهَا بِهِ (وَيُعَزَّرُ) لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً (وَمَنْ قَذَفَ مُحْصَنًا فَزَالَ إحْصَانُهُ قَبْلَ إقَامَةِ الْحَدِّ لَمْ يَسْقُطْ، الْحَدُّ عَنْ الْقَاذِفِ) حَكَمَ الْحَاكِمُ بِوُجُوبِهِ أَمْ لَا.
لِأَنَّ الْعَبْدَ يُعْتَبَرُ بِوَقْتِ وُجُوبِهِ وَكَمَا لَا يَسْقُطُ بِرِدَّتِهِ وَجُنُونِهِ بِخِلَافِ فِسْقِ الشُّهُودِ قَبْلَ الْحُكْمِ لِضِيقِ الشَّهَادَةِ (وَإِنْ وَجَبَ الْحَدُّ عَلَى ذِمِّيٍّ أَوْ) عَلَى (مُرْتَدٍّ فَلَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ ثُمَّ عَادَ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ) بَلْ مُقَامٌ عَلَيْهِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ عَلَيْهِ.

.(فَصْلٌ): حكم القذف:

(وَالْقَذْفُ مُحَرَّمٌ) لِمَا تَقَدَّمَ أَوَّلَ الْبَابِ (إلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَرَى امْرَأَتَهُ تَزْنِي فِي طُهْرٍ لَمْ يُصِبْهَا فِيهِ) زَادَ فِي التَّرْغِيبِ وَالرِّعَايَةِ وَلَوْ دُونَ الْفَرْجِ.
وَفِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ: أَوْ تُقِرَّ بِهِ أَيْ بِالزِّنَا فَيُصَدِّقهَا (فَيَعْتَزِلَهَا ثُمَّ تَلِدَ مَا يُمْكِنُ أَنَّهُ مِنْ الزَّانِي فَيَجِبُ عَلَيْهِ قَذْفُهَا) لِأَنَّ نَفْيَ الْوَلَدِ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَنْفِهِ لَحِقَهُ وَوِرْثَهُ وَوَرِثَ أَقَارِبَهُ وَوَرِثُوا مِنْهُ وَنَظَرَ إلَى بَنَاتِهِ وَأَخَوَاتِهِ وَلَا يُمْكِنُ نَفْيُهُ إلَّا بِالْقَذْفِ وَمَا لَا يَتِمُّ الْوَاجِبُ إلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِبٌ (وَ) يَجِبُ (نَفْيُ وَلَدِهَا).
لِأَنَّ ذَلِكَ يَجْرِي مَجْرَى الْيَقِينِ فِي أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزِّنَا لِكَوْنِهَا أَتَتْ بِهِ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ حِينِ الْوَطْءِ وَفِي سُنَنِ أَبِي دَاوُد أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «: أَيُّمَا امْرَأَةٍ أَدْخَلَتْ عَلَى قَوْمٍ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ فَلَيْسَتْ مِنْ اللَّهِ فِي شَيْءٍ، وَلَمْ يُدْخِلْهَا اللَّهُ فِي جَنَّتِهِ» وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّجُلَ مِثْلَهَا (وَفِي الْمُحَرَّرِ وَغَيْرِهِ وَكَذَا لَوْ وَطِئَهَا) الزَّوْجُ (فِي طُهْرٍ زَنَتْ فِيهِ، وَظَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الزَّانِي) لِشَبَهِهِ وَنَحْوِهِ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (وَفِي التَّرْغِيبِ نَفْيُهُ) أَيْ الْوَلَدَ (مُحَرَّمٌ مَعَ التَّرَدُّدِ) فِي كَوْنِهِ مِنْهُ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ لِأَنَّ الْوَلَدَ لِلْفِرَاشِ.
(وَ) الْمَوْضِعُ (الثَّانِي أَنْ يَرَاهَا تَزْنِي وَلَمْ تَلِدْ مَا يَلْزَمُ نَفْيُهُ أَوْ يَسْتَفِيضُ زِنَاهَا فِي النَّاسِ أَوْ أَخْبَرَهُ بِهِ) أَيْ بِزِنَاهَا (ثِقَةٌ أَوْ يَرَى) الزَّوْجُ (رَجُلًا يُعْرَفُ بِالْفُجُورِ يَدْخُلُ إلَيْهَا زَادَ فِي التَّرْغِيبِ خَلْوَةً فَيُبَاحُ قَذْفُهَا) لِأَنَّهُ يَغْلِبُ عَلَى ظَنِّهِ فُجُورُهَا (وَلَا يَجِبُ) لِأَنَّهُ يُمْكِنهُ فِرَاقُهَا (وَفِرَاقُهَا أَوْلَى مِنْ قَذْفِهَا) لِأَنَّهُ أَسْتَرُ وَلِأَنَّ قَذْفَهَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَحْلِفَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا أَوْ تُقِرَّ فَتَفْتَضِحَ.
(وَإِنْ أَتَتْ) الزَّوْجَةُ (بِوَلَدٍ يُخَالِفُ لَوْنُهُ لَوْنُهُمَا) أَيْ الزَّوْجَيْنِ كَأَبْيَضَ بَيْنَ أَسْوَدَيْنِ أَوْ عَكْسُهُ (أَوْ) أَتَتْ بِوَلَدٍ (يُشْبِهُ رَجُلًا غَيْرَ وَالِدِهِ لَمْ يُبَحْ نَفْيُهُ بِذَلِكَ) لِخَبَرِ أَبِي هُرَيْرَةَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ «لَعَلَّهُ نَزَعَهُ عِرْقٌ» وَلِأَنَّ دَلَالَةَ الشَّبَهِ ضَعِيفَةٌ وَدَلَالَةَ الْفِرَاشِ قَوِيَّةٌ بِدَلِيلِ قِصَّةِ سَعْدٍ وَعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ (مَا لَمْ تَكُنْ قَرِينَةٌ) بِأَنْ رَأَى عِنْدَهَا رَجُلًا يُشْبِهُ الْوَلَدَ الَّذِي أَتَتْ بِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ مَعَ الشَّبَهِ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّ الْوَلَدَ مِنْ الرَّجُلِ الَّذِي رَآهُ عِنْدَهَا (وَإِنْ كَانَ يَعْزِلُ عَنْهَا لَمْ يُبَحْ لَهُ نَفْيُهُ) لِخَبَرِ أَبِي سَعِيدٍ (وَلَا يَجُوزُ قَذْفُهَا بِخَبَرِ مَنْ لَا يُوثَقُ بِخَبَرِهِ) لِأَنَّ خَبَرَهُ لَيْسَ مَقْبُولًا (وَلَا) قَذَفَهَا (بِرُؤْيَتِهِ رَجُلًا خَارِجًا مِنْ عِنْدِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَفِيضَ زِنَاهَا مَعَ قَرِينَةٍ) لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى زِنَاهَا انْتَهَى.

.(فَصْل): أَلْفَاظُ الْقَذْفِ:

(وَ) أَلْفَاظ الْقَذْفِ تَنْقَسِمُ إلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ كَالطَّلَاقِ وَغَيْرِهِ (صَرِيحُ الْقَذْفِ مَا لَا يَحْتَمِلُ غَيْرَهُ نَحْوُ يَا زَانِي يَا عَاهِرُ) وَأَصْلُ الْعِهْرِ إتْيَانُ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ لَيْلًا لِلْفُجُورِ بِهَا ثُمَّ غَلَبَ عَلَى الزِّنَا فَأُطْلِقَ الْعَاهِرُ عَلَى الزَّانِي سَوَاءٌ جَاءَهَا أَوْ جَاءَتْهُ هِيَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا (زَنَى فَرْجُك بِالْوَطْءِ يَا مَعْفُوجُ) مِنْ عَفَجَ بِمَعْنَى نَكَحَ أَيْ مَنْكُوحٌ أَيْ مَوْطُوءٌ (يَا مَنْيُوكُ قَدْ زَنَيْتَ أَوْ أَنْتَ أَزَنَى النَّاسِ فَتْحَ التَّاءَ أَوْ كَسْرَهَا لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي قَوْلِهِ: زَنَيْتِ) لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ خِطَابٌ لَهُمَا وَإِشَارَةٌ إلَيْهِمَا بِلَفْظِ الزِّنَا، وَلِأَنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يُذَكِّرُ الْمُؤَنَّثَ وَيُؤَنِّثُ الْمُذَكَّرَ.
وَلَا يَخْرُجُ بِذَلِكَ عَنْ كَوْنِ الْمُخَاطَبِ بِهِ مُرَادًا بِمَا يُرَادُ بِاللَّفْظِ الصَّحِيحِ (أَوْ) قَالَ (أَنْتَ أَزْنَى مِنْ فُلَانَةَ يُحَدُّ لِلْمُخَاطَبِ) بِذَلِكَ الْكَلَامِ لِأَنَّهُ قَاذِفٌ لَهُ (وَلَيْسَ بِقَاذِفٍ لِفُلَانَةَ) فَلَا يُحَدُّ لَهَا لِأَنَّ لَفْظَةُ أَفْعَلُ تُسْتَعْمَلُ لِلْمُنْفَرِدِ بِالْفِعْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَفَمَنْ يَهْدِي إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ} (أَوْ قَالَ لِرَجُلٍ يَا زَانِيَةُ أَوْ يَا نَسَمَةٌ زَانِيَةٌ أَوْ لِامْرَأَةٍ يَا زَانٍ أَوْ يَا شَخْصًا زَانِيًا أَوْ قَذَفَهَا) أَيْ الْمَرْأَةَ (أَنَّهَا وُطِئَتْ فِي دُبُرِهَا أَوْ قَذَفَ رَجُلًا بِوَطْءِ امْرَأَةٍ فِي دُبُرِهَا أَوْ قَالَ لَهَا يَا مَنْيُوكَةُ إنْ لَمْ يُفَسِّرْهُ بِفِعْلِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ) فَإِنْ فَسَّرَهُ بِفِعْلِ زَوْجٍ أَوْ سَيِّدٍ فَلَيْسَ قَذْفًا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِزِنًا (إذَا كَانَ الْقَذْفُ بَعْدَ حُرِّيَّتِهَا) أَيْ الْأَمَةِ (وَفَسَّرَهُ بِفِعْلِ السَّيِّدِ قَبْلَ الْعِتْقِ) فَلَا حَدَّ (وَلَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ) أَيْ لَا يُسْمَعُ تَفْسِيرَ الْقَاذِفِ لِلْقَذْفِ (بِمَا يُحِيلُهُ) أَيْ يُغَيِّرُ الْقَذْفَ وَيُخْرِجهُ عَنْ مَعْنَاهُ لِأَنَّهُ خِلَافَ الظَّاهِرِ (وَيَحُدُّ) لِإِتْيَانِهِ بِصَرِيحِ الْقَذْفِ.
(فَإِنْ قَالَ أَرَدْتُ) بِقَوْلِي يَا زَانِي أَوْ يَا عَاهِرُ (زَانِيَ الْعَيْنِ أَوْ عَاهِرَ الْبَدَنِ أَوْ) قَالَ أَرَدْت بِقَوْلِي (يَا لُوطِيُّ أَنَّك مِنْ قَوْمِ لُوطِ أَوْ تَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ غَيْرِ إتْيَانِ الذُّكُورِ وَنَحْوِهِ) أَيْ نَحْوِ مَا ذُكِرَ مِنْ التَّأْوِيلِ (لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُ لِأَنَّ إطْلَاقَ لَفْظِهِ وَإِرَادَةِ مِثْلِ ذَلِكَ فِيهِ مَعَ أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ لَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ أَحَدٌ (وَكُلُّ مَا لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِفِعْلِهِ لَا يَجِب عَلَى الْقَاذِفِ بِهِ كَوَطْءِ الْبَهِيمَةِ وَالْمُبَاشَرَةِ دُونَ الْفَرْجِ وَالْوَطْءِ بِالشُّبْهَةِ وَقَذْفِ الْمَرْأَةِ بِالْمُسَاحَقَةِ أَوْ) قَذْفُهَا (بِالْوَطْءِ مُكْرَهَةً وَ) كَ (الْقَذْفِ بِاللَّمْسِ وَالنَّظَرِ) لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ رَمْيًا بِالزِّنَا (وَقَوْلُهُ لَسْتِ لِأَبِيكِ أَوْ لَسْتَ بِوَلَدِ فُلَانٍ قَذْفٌ لِأُمِّهِ) لِأَنَّ ذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ أُمَّهُ أَتَتْ بِهِ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ وَذَلِكَ قَذْفٌ لَهَا.
(إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ أَبُوهُ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ) الْقَائِلُ (بِزِنَا أُمِّهِ) فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ قَذْفًا لِأُمِّهِ لِصِدْقِهِ فِي أَنَّهُ لَيْسَ بِوَلَدِهِ (وَكَذَا إنْ نَفَاهُ عَنْ قَبِيلَتِهِ) بِأَنْ قَالَ لَسْتَ مِنْ قَبِيلَةِ كَذَا فَإِنَّهُ يَكُونُ قَذْفًا لِأُمِّهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ لَمْ يَسْتَلْحِقْهُ أَبُوهُ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ بِزِنَا أُمِّهِ (أَوْ قَالَ يَا ابْنَ الزَّانِيَةِ) فَهُوَ قَذْفٌ لِأُمِّهِ (وَإِنْ نَفَاهُ) أَيْ الْوَلَدُ (عَنْ أُمِّهِ) بِأَنْ قَالَ مَا أَنْتَ ابْنَ فُلَانَةَ فَلَا حَدَّ لِلْعِلْمِ بِكَذِبِهِ (أَوْ قَالَ إنْ لَمْ تَفْعَلْ كَذَا فَلَسْتَ بِابْنِ فُلَانٍ) فَلَا حَدّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقْذِفْ أَحَدًا بِالزِّنَا (أَوْ رَمَى بِحَجَرٍ فَقَالَ مَنْ رَمَانِي فَهُوَ ابْنُ الزَّانِيَةِ وَلَمْ يُعْرَفْ الرَّامِي) فَلَا حَدَّ لِعَدَمِ تَعْيِينِ الرَّامِي (أَوْ اخْتَلَفَ اثْنَانِ فِي شَيْءٍ فَقَالَ أَحَدُهُمَا الْكَاذِبِ ابْنُ الزَّانِيَةِ فَلَا حَدَّ) لِعَدَمِ تَعْيِينِ الْكَاذِبِ.
(وَإِنْ كَانَ يَعْرِف الرَّامِي فَقَاذِف) لِتَعْيِينِهِ وَعِبَارَةُ الْمُنْتَهَى كَالْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ إذَا قَالَ مَنْ رَمَانِي بِالزِّنَا فَهُوَ زَانٍ لَا حَدَّ وَظَاهِرُهُ مُطْلَقًا (وَإِنْ قَالَ لِوَلَدِهِ لَسْت بِوَلَدِي فَهُوَ كِنَايَةٌ فِي قَذْفِ أُمِّهِ يُقْبَلُ تَفْسِيرُهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ) لِأَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُغْلِظَ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ لِوَلَدِهِ (وَزَنَأَتْ فِي الْجَبَلِ مَهْمُوزًا صَرِيحٌ وَلَوْ زَادَ فِي الْجَبَلِ أَوْ عُرْفِ الْعَرَبِيَّة) لِأَنَّ عَامَّةَ النَّاسِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْ ذَلِكَ إلَّا الْقَذْفَ وَإِنْ كَانَ مَعْنَاهُ فِي اللُّغَةِ طَلَعَتْ (كَمَا لَوْ لَمْ يَقُلْ فِي الْجَبَلِ أَوْ لَحَنَ لَحْنًا غَيْرَ هَذَا) فَالْعِبْرَةُ بِمَا يُفْهَمُ مِنْ اللَّفْظِ وَلَا أَثَرَ لِلَّحْنِ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ وَعَلَيْهِمَا إنْ قَالَ أَرَدْت الصُّعُودَ فِي الْجَبَلِ قُبِلَ.
(وَإِنْ قَالَ لِرَجُلٍ زَنَيْتَ بِفُلَانَةَ أَوْ قَالَ لَهَا زَنَى بِكِ فُلَانٌ أَوْ) قَالَ (يَا ابْنَ الزَّانِيَيْنِ كَانَ قَاذِفًا لَهُمَا بِكَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ) فَيُحَدُّ لَهُمَا حَدًّا وَاحِدًا بِطَلَبِهِمَا أَوْ طَلَبِ أَحَدِهِمَا (وَإِنْ قَالَ يَا نَاكِحَ أُمِّهِ وَهِيَ حَيَّةٌ فَعَلَيْهِ حَدَّانِ نَصًّا) وَيَحْتَاجُ لِتَحْرِيرِ الْفَرْقِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الَّتِي قَبْلَهَا (وَيَا زَانِيَ ابْنَ الزَّانِي كَذَلِكَ) أَيْ عَلَيْهِ حَدَّانِ نَصًّا (إنْ كَانَ أَبُوهُ حَيًّا) لِأَنَّهُ قَذَفَهُمَا بِكَلِمَتَيْنِ وَإِنْ كَانَ الْأَبُ مَيِّتًا فَعَلَى مَا يَأْتِي فِي قَذْفِ الْمَيِّتِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ بِقَذْفِهِ لِأَنَّ هَذَا الْقَذْفَ لَا يُورَثُ إلَّا بَعْدَ الطَّلَبِ بِهِ.
(وَإِنْ أَقَرَّ أَنَّهُ زَنَى بِامْرَأَةٍ فَهُوَ قَاذِفٌ لَهَا) فَيَلْزَمهُ حَدُّهُ (وَلَمْ لَوْ يَلْزَمهُ حَدُّ الزِّنَا بِإِقْرَارِهِ) بِأَنْ لَمْ يُقِرَّ بِهِ أَرْبَعًا أَوْ أَقَرَّ بِهِ أَرْبَعًا ثُمَّ رَجَعَ.

.(فَصْلٌ): كناياتُ الْقَذْفِ:

(وَكِنَايَتُهُ) أَيْ الْقَذْفِ (وَالتَّعْرِيضِ) بِهِ (نَحْوَ زَنَتْ يَدَاكَ وَرِجْلَاكَ أَوْ) زَنَتْ (يَدُكَ أَوْ رِجْلُكَ) لِأَنَّ زِنَا هَذِهِ الْأَعْضَاء لَا يُوجِبُ الْحَدَّ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ» الْحَدِيثَ (أَوْ) زَنَى (بَدَنُكَ) لِأَنَّ زِنَاهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِزِنَا شَيْءٍ مِنْ أَعْضَائِهِ عَلَى الْمَعْنَى السَّابِقِ غَيْرِ الْفَرْجِ (وَنَحْوُ قَوْلِهِ لِامْرَأَةٍ رَجُلٌ قَدْ فَضَحْتِهِ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بِشَكْوَاكِ (وَغَطَّيْتِ) رَأْسَهُ (أَوْ نَكَّسْتِ رَأْسَهُ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَيَاءً مِنْ النَّاسِ (وَجَعَلْتِ لَهُ قُرُونًا وَعَلَّقْتِ عَلَيْهِ أَوْلَادًا مِنْ غَيْرِهِ).
أَيْ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ مِنْ زَوْجٍ آخَرَ أَوْ وَطْءٍ بِشُبْهَةٍ (وَأَفْسَدَتْ فِرَاشَهُ) أَيْ أَنَّهُ يُحْتَمَلُ بِالنُّشُوزِ وَالشِّقَاقِ أَوْ مَنْعِ الْوَطْءِ (أَوْ يَقُولَ لِمَنْ يُخَاصِمُهُ يَا حَلَالُ ابْنَ الْحَلَالِ) لِأَنَّهُ كَذَلِكَ حَقِيقَةً (مَا يُعَيَّرُ كُلُّ النَّاسِ بِالزِّنَا) أَيْ مَا أَنْتَ زَانٍ وَلَا أُمُّك زَانِيَةٌ (أَوْ يَا فَاجِرَةُ) أَيْ مُخَالِفَةٌ لِزَوْجِهَا فِيمَا يَجِبُ طَاعَتُهَا فِيهِ (يَا قَحْبَةُ) قَالَ السَّعْدِيُّ قَحَبَ الْبَعِيرُ وَالْكَلْبُ سَعَلَ وَهِيَ فِي زَمَانِنَا الْمُعَدَّةُ لِلزِّنَا (أَوْ يَا خَبِيثَةُ) صِفَة مُشَبَّهَةً مِنْ خَبُثَ الشَّرُّ فَهُوَ خَبِيثٌ (أَوْ يَقُولَ لِعَرَبِيٍّ يَا نَبَطِيُّ) أَوْ (يَا فَارِسِيُّ) أَوْ (يَا رُومِيُّ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِالنَّبَطِيِّ اللِّسَانَ أَوْ يَا فَارِسِيَّ الطَّبْعِ أَوْ رُومِيَّ الْخِلْقَةِ (أَوْ يَقُولَ لِأَحَدِهِمْ يَا عَرَبِيُّ) وَالنَّبَطُ قَوْمٌ يَنْزِلُونَ بِالْبَطَائِحِ بَيْنَ الْعِرَاقَيْنِ وَفَارِسَ بِلَادٌ مَعْرُوفَةٌ وَأَهْلُهَا الْفُرْسُ وَفَارِسٌ أَبُوهُمْ وَالرُّومُ عَلَى الْأَصْلِ عِيصُو بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ قَالَ لِعَرَبِيٍّ يَا أَعْجَمِيُّ بِالْأَلِفِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا لِأَنَّهُ نَسَبَهُ إلَى الْعُجْمَةِ وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْعَرَبِيِّ فَكَأَنَّهُ قَالَ لَهُ يَا غَيْرَ فَصِيحٍ.
(أَوْ قَالَ مَا أَنَا بِزَانٍ أَوْ مَا أُمِّي زَانِيَةٌ أَوْ يَا خَنِيثُ بِالنُّونِ أَوْ يَا عَفِيفُ يَا نَظِيفُ أَوْ يَسْمَعُ رَجُلًا يَقْذِفُ رَجُلًا فَيَقُولُ صَدَقْتَ أَوْ صَدَقْتَ فِيمَا قُلْتَ) إذْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ صَدَقَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ (أَوْ) قَالَ (أَخْبَرَنِي أَوْ أَشْهَدَنِي فُلَانٌ أَنَّكَ زَنَيْتَ وَكَذَّبَهُ فُلَانٌ) لِأَنَّهُ إنَّمَا أَخْبَرَ أَنَّهُ قَدْ قَذَفَ فَلَمْ يَكُنْ قَذْفًا كَمَا لَوْ شَهِدَ عَلَى رَجُلٍ أَنَّهُ قَذَفَ (أَوْ قَالَ يَا وَلَدَ الزِّنَا قَالَ فِي الرِّعَايَةِ أَوْ قَالَ لَهَا لَمْ أَجِدُكِ عَذْرَاءَ.
وَفِي الْكَافِي يَا وَلَدَ الزِّنَا قَاذِف لِأُمِّهِ فَهَذِهِ) الْأَلْفَاظُ الَّتِي سَبَقَتْ كِنَايَةٌ لِاحْتِمَالِهَا غَيْرَ الزِّنَا كَمَا قَدَّمْتُهُ (إنْ فَسَّرَهُ) أَيْ مَا سَبَقَ (بِالزِّنَا فَهُوَ قَذْفٌ).
لِأَنَّهُ أَقَرَّ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا هُوَ الْأَغْلَظُ عَلَيْهِ (وَإِنْ فَسَّرَهُ بِمَا يَحْتَمِلُهُ غَيْرُ الْقَذْفِ قُبِلَ) لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ غَيْرَ الزِّنَا كَمَا ذَكَرْنَاهُ (مَعَ يَمِينِهِ).
وَفِي التَّرْغِيبِ هُوَ قَذْفٌ بِنِيَّتِهِ وَلَا يَحْلِفُ مُنْكِرُهَا (وَعُزِّرَ وَإِنْ كَانَ نَوَى الزِّنَا بِالْكِنَايَةِ لَزِمَهُ الْحَدُّ بَاطِنًا وَيَلْزَمُهُ إظْهَارُ نِيَّتِهِ) لِأَنَّهُ حَقُّ آدَمِيٍّ.
(وَيُعَزَّرُ بِقَوْلِهِ يَا كَافِرُ يَا مُنَافِقُ يَا سَارِقُ يَا أَعْوَرُ يَا أَقْطَعُ يَا أَعْمَى يَا مُقْعَدُ يَا ابْنَ الزَّمِنِ الْأَعْمَى الْأَعْرَجِ يَا نَمَّامُ يَا حَرُورِيُّ) نِسْبَة إلَى الْحَرُورِيَّةِ، فِرْقَةٌ مِنْ الْخَوَارِجِ (يَا مُرَائِي يَا مُرَابِي يَا فَاسِقُ يَا فَاجِرُ يَا حِمَارُ يَا تَيْسُ يَا رَافِضِيُّ يَا خَبِيثَ الْبَطْنِ أَوْ الْفَرْجِ يَا عَدُوَّ اللَّهِ يَا جَائِرُ يَا شَارِبَ الْخَمْرِ يَا كَذَّابُ أَوْ يَا كَاذِبُ يَا ظَالِمُ يَا خَائِنُ يَا مُخَنَّثُ يَا مَأْبُونُ أَيْ مَعْيُوبُ) وَفِي عُرْفِ زَمَانِنَا مَنْ بِهِ مَاءٌ فِي دُبُرِهِ وَلَيْسَ بِصَرِيحٍ لِأَنَّ الْأَبْنَةَ الْمُشَارُ إلَيْهَا لَا تُعْطِي أَنَّهُ يُفْعَلُ بِهِ بِمُقْتَضَى قَوْلِهِ لِلْمَرْأَةِ يَا مُغْتَلِمَةُ (زَنَتْ عَيْنُكِ يَا قَرْنَانِ يَا قُوَّادُ) وَهُوَ عِنْدَ الْعَامَّةِ السِّمْسَارُ فِي الزِّنَا (يَا مُعَرِّصُ يَا عَرْصَةُ) وَيَنْبَغِي فِيهِمَا بِحَسْبِ الْعُرْفِ أَنْ يَكُونَا صَرِيحِينَ (وَنَحْوُهُمَا يَا دَيُّوثُ) وَهُوَ الَّذِي يُقِرُّ السُّوءَ عَلَى أَهْلِهِ وَقِيلَ الَّذِي يُدْخِلُ الرِّجَالَ عَلَى امْرَأَتِهِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ هُوَ الَّذِي لَا غَيْرَةَ لَهُ وَالْكُلُّ مُتَقَارِبٌ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (يَا كَشْخَانُ) بِفَتْحِ الْكَافَ وَكَسْرِهَا الدَّيُّوثُ قَالَهُ فِي الْحَاشِيَةِ (يَا قَرْطَبَانُ) قَالَ ثَعْلَبٌ الْقَرْطَبَانُ الَّذِي يَرْضَى أَنْ يَدْخُلَ الرِّجَالُ عَلَى نِسَائِهِ.
وَقَالَ الْقَرْنَانُ وَالْكَشْخَانُ لَمْ أَرَهُمَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِثْلَ مَعْنَى الدَّيُّوثِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ (يَا عِلْقُ) وَذَكَرَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهَا صَرِيحَةٌ وَمَعْنَاهُ قَوْلُ ابْنُ رَزِينٍ كُلُّ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ عُرْفًا (يَا سُوسُ وَنَحْوُ ذَلِكَ) مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ إيذَاءٌ وَابْنُ ظَالِمٍ لَيْسَ بِصَرِيحٍ فِي الزِّنَا فَيُعَزَّر بِهِ لِارْتِكَابِهِ مَعْصِيَةً وَكَفَالَةً عَنْ أَذَى الْمَعْصُومِينَ وَمَنْ قَالَ لِظَالِمِ ابْنِ ظَالِمٍ جَبَرَكَ اللَّهُ وَرَحِمَ سَلَفَكَ يُعَزَّرُ ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ عَنْ الرِّعَايَةِ.