فصل: فَصْلٌ: (الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ فَاسِدٌ يَحْرُمُ اشْتِرَاطُهُ):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: (الضَّرْبُ الثَّانِي مِنْ الشُّرُوطِ فِي الْبَيْعِ فَاسِدٌ يَحْرُمُ اشْتِرَاطُهُ):

(وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ: أَحَدُهَا أَنْ يَشْتَرِطَ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ عَقْدًا آخَرَ كَسَلَفٍ) أَيْ سَلَمٍ (أَوْ قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ أَوْ شَرِكَةٍ، أَوْ صَرْفِ الثَّمَنِ، أَوْ) صَرْفِ غَيْرِهِ أَوْ غَيْرِ الثَّمَنِ (فَ) اشْتِرَاطُ هَذَا الشَّرْطِ (يُبْطِلُ الْبَيْعَ وَهُوَ بَيْعَتَانِ فِي بَيْعَةٍ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ) وَالنَّهْيُ يَقْتَضِي الْفَسَادَ.
(قَالَهُ) الْإِمَامُ (أَحْمَدُ) هَكَذَا فِي الْمُبْدِعِ وَالْإِنْصَافِ وَغَيْرِهِمَا فَقَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا كَانَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ) بِعْتُكَ دَارِي بِكَذَا (عَلَى أَنْ تُزَوِّجَنِي ابْنَتَكَ، أَوْ عَلَى أَنْ أُزَوِّجَكَ ابْنَتِي وَكَذَا عَلَى أَنْ تُنْفِقَ عَلَى عَبْدِي أَوْ دَابَّتِي، أَوْ عَلَى حِصَّتِي مِنْ ذَلِكَ، قَرْضًا أَوْ مَجَّانًا) مَقِيسٌ عَلَى كَلَامِ أَحْمَدَ وَلَيْسَ هُوَ بِقَوْلِهِ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ صَفْقَتَانِ فِي صَفْقَةٍ: رِبًا وَلِأَنَّهُ شَرَطَ عَقْدًا فِي آخَرَ فَلَمْ يَصِحَّ كَنِكَاحِ الشِّغَارِ.
النَّوْعُ (الثَّانِي) مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (شَرَطَ فِي الْعَقْدِ مَا يُنَافِي مُقْتَضَاهُ نَحْوَ أَنْ يَشْتَرِطَ أَنْ لَا خَسَارَةَ عَلَيْهِ أَوْ) شَرَطَ أَنَّهُ (مَتَى نَفَقَ الْمَبِيعُ وَإِلَّا رَدَّهُ، أَوْ) يَشْتَرِطَ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي (أَنْ لَا يَبِيعَ) الْمَبِيعَ (وَلَا يَهَبَهُ وَلَا يُعْتِقَهُ) أَيْ: لَا يَفْعَلَ وَاحِدًا مِنْ هَذِهِ فَالْوَاوُ بِمَعْنَى أَوْ (أَوْ) شَرَطَ الْبَائِعُ (إنْ أَعْتَقَ) الْمُشْتَرِي الْمَبِيعَ (فَالْوَلَاءُ لَهُ) أَيْ لِلْبَائِعِ (أَوْ يَشْتَرِطُ) الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي (أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ أَوْ وَقْفَ الْمَبِيعِ فَهَذَا) الشَّرْطُ (لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ) لِحَدِيثِ عَائِشَةَ قَالَتْ «جَاءَتْنِي بَرِيرَةُ فَقَالَتْ: كَاتَبْتُ أَهْلِي عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ، فِي كُلِّ عَامٍ أُوقِيَّةٌ فَأَعِينِينِي فَقُلْتُ: إنْ أَحَبَّ أَهْلُكِ أَنْ أَعُدَّهَا لَهُمْ، وَيَكُونَ وَلَاؤُكِ لِي فَعَلْتُ فَذَهَبَتْ بَرِيرَةُ إلَى أَهْلِهَا فَقَالَتْ لَهُمْ، فَأَبَوْا عَلَيْهَا فَجَاءَتْ مِنْ عِنْدِهِمْ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فَقَالَتْ إنِّي عَرَضْتُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ فَأَبَوْا إلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْوَلَاءُ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَتْ عَائِشَةُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ؟ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ، قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَدِينُ اللَّهِ أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فَأَبْطَلَ الشَّرْطَ وَلَمْ يُبْطِلْ الْعَقْدَ.
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ ووَسَلَّمَ «وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ» لَا يَصِحُّ حَمْلُهُ عَلَى: وَاشْتَرِطِي عَلَيْهِمْ الْوَلَاءَ بِدَلِيلِ أَمْرِهَا بِهِ وَلَا يَأْمُرُهَا بِفَاسِدٍ؛ لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَهَا بِإِعْتَاقِهَا فَلَا حَاجَةَ إلَى اشْتِرَاطِهِ وَلِأَنَّهُمْ أَبَوْا الْبَيْعَ إلَّا أَنْ تَشْتَرِطَ لَهُمْ الْوَلَاءَ فَكَيْفَ يَأْمُرُهَا بِمَا عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَقْبَلُونَهُ؟ وَأَمَّا أَمْرُهَا بِذَلِكَ فَلَيْسَ بِأَمْرٍ عَلَى الْحَقِيقَةِ وَإِنَّمَا هُوَ صِيغَةُ أَمْرٍ بِمَعْنَى التَّسْوِيَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {اصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا} التَّقْدِيرُ: اشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلَاءَ أَوْ لَا تَشْتَرِطِي وَلِهَذَا قَالَ عَقِبَهُ «فَإِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ».
(وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ فِي نَفْسِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ (إلَّا الْعِتْقَ فَيَصِحُّ) أَنْ يَشْتَرِطَهُ الْبَائِعُ عَلَى الْمُشْتَرِي لِحَدِيثِ بَرِيرَةَ (وَيُجْبَرُ) الْمُشْتَرِي (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْعِتْقِ (إنْ أَبَاهُ؛ لِأَنَّهُ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى كَالنَّذْرِ، فَإِنْ امْتَنَعَ) الْمُشْتَرِي مِنْ عِتْقِهِ (أَعْتَقَهُ حَاكِمٌ عَلَيْهِ)؛ لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ لِكَوْنِهِ قُرْبَةً الْتَزَمَهَا كَالنَّذْرِ وَكَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْمَوْلَى.
وَإِنْ بَاعَهُ الْمُشْتَرِي بِشَرْطِ الْعِتْقِ لَمْ يَصِحَّ صَحَّحَهُ الْأَزَجِيُّ فِي نِهَايَتِهِ؛ لِأَنَّهُ يَتَسَلْسَلُ وَلِأَنَّ تَعَلُّقَ حَقِّ الْعِتْقِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ يَمْنَعُ الصِّحَّةَ كَمَا لَوْ نَذَرَ عِتْقَ عَبْدٍ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَافَقَهُ ابْنُ رَجَبٍ فِي قَوَاعِدِهِ إنْ قُلْنَا: الْحَقُّ فِي الْعِتْقِ لِلَّهِ كَالْمَنْذُورِ عِتْقُهُ وَهَذَا هُوَ الَّذِي جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ.
(وَإِنْ شَرَطَ رَهْنًا فَاسِدًا كَخَمْرٍ وَنَحْوِهِ) كَخِنْزِيرٍ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ (أَوْ) شَرَطَ (خِيَارًا وَأَجَلًا مَجْهُولَيْنِ) بِأَنْ بَاعَهُ بِشَرْطِ الْخِيَارِ، وَأَطْلَقَ أَوْ إلَى الْحَصَادِ وَنَحْوِهِ، أَوْ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ إلَى الْحَصَادِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ.
(أَوْ) شَرَطَ تَأْخِيرَ تَسْلِيمِ مَبِيعٍ بِلَا انْتِفَاعٍ بِهِ (لَغَا الشَّرْطُ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَصَحَّ الْبَيْعُ) كَمَا تَقَدَّمَ (وَيَأْتِي الرَّهْنُ فِي بَابِهِ وَلِلَّذِي فَاتَ غَرَضُهُ) بِفَسَادِ الشَّرْطِ مِنْ بَائِعٍ وَمُشْتَرٍ فِي (الْكُلِّ) أَيْ: كُلِّ مَا تَقَدَّمَ مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ سَوَاءٌ (عَلِمَ بِفَسَادِ الشَّرْطِ أَوْ لَا: الْفَسْخُ) أَيْ: فَسْخُ الْبَيْعِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ لَهُ مَا دَخَلَ عَلَيْهِ مِنْ الشَّرْطِ (أَوْ أَرْشِ مَا نَقَصَ مِنْ الثَّمَنِ بِإِلْغَائِهِ) أَيْ بِإِلْغَاءِ الشَّرْطِ (إنْ كَانَ) الْمُشْتَرِطُ (بَائِعًا) فَإِذَا بَاعَهُ بِأَنْقَصَ مِنْ ثَمَنِهِ، وَشَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَبَيْنَ أَخْذِ أَرْشِ النَّقْصِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا بَاعَ بِنَقْصٍ لِمَا يَحْصُلُ لَهُ مِنْ الْغَرَضِ الَّذِي اشْتَرَطَهُ فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ غَرَضُهُ رَجَعَ بِالنَّقْصِ (أَوْ مَا زَادَ إنْ كَانَ مُشْتَرِيًا) يَعْنِي إذَا اشْتَرَى بِزِيَادَةٍ عَلَى الثَّمَنِ، وَشَرَطَ شَرْطًا فَاسِدًا فَلَهُ الْخِيَارُ بَيْنَ الْفَسْخِ وَأَخْذِ مَا زَادَ لِمَا تَقَدَّمَ.
النَّوْعُ (الثَّالِثُ) مِنْ الشُّرُوطِ الْفَاسِدَةِ (أَنْ يَشْتَرِطَ) الْبَائِعُ (شَرْطًا يُعَلِّقُ الْبَيْعَ عَلَيْهِ كَقَوْلِهِ: بِعْتُكَ إنْ جِئْتَنِي بِكَذَا أَوْ) بِعْتُكَ (إنْ رَضِيَ فُلَانٌ) وَكَذَا تَعْلِيقُ الشِّرَاءِ، كَقَبِلْتُ إنْ جَاءَ زَيْدٌ وَنَحْوِهِ فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَى الْبَيْعِ نَقْلُ الْمِلْكِ حَالَ التَّبَايُعِ وَالشُّرْطُ هُنَا يَمْنَعُهُ (أَوْ يَقُولُ) الرَّاهِنُ (لِلْمُرْتَهِنِ: إنْ جِئْتُكَ بِحَقِّكَ فِي مَحِلِّهِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ أَيْ أَجَلِهِ (وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَكَ مَبِيعًا بِمَالِكَ) مِنْ الدَّيْنِ (فَلَا يَصِحُّ الْبَيْعُ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَا يُغْلَقُ الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ» رَوَاهُ الْأَثْرَمُ وَفَسَّرَهُ أَحْمَدُ بِذَلِكَ (إلَّا: بِعْتُكَ) إنْ شَاءَ اللَّهُ (أَوْ قَبِلْتُ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَيَصِحُّ) كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِلَّا بَيْعَ الْعُرْبُونِ وَإِجَارَتَهُ فَيَصِحُّ) لِمَا رَوَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ أَنَّهُ اشْتَرَى لِعُمَرَ دَارَ السِّجْنِ مِنْ صَفْوَانَ فَإِنْ رَضِيَ عُمَرُ وَإِلَّا لَهُ كَذَا وَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُبْدِعِ (وَهُوَ) أَيْ بَيْعُ الْعُرْبُونِ وَإِجَارَتُهُ (أَنْ يَشْتَرِيَ شَيْئًا أَوْ يَسْتَأْجِرَهُ وَيُعْطِيَ) الْمُشْتَرِي (الْبَائِعَ أَوْ الْمُؤْجِرَ دِرْهَمًا أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ الدِّرْهَمِ، (أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ مِنْ الْمُسَمَّى) صِفَةٌ لِدِرْهَمٍ.
(وَيَقُولُ) لَهُ (إنْ أَخَذْتُهُ) أَيْ: أَخَذْتُ الْمَبِيعَ أَوْ الْمُؤَجَّرَ، وَسَوَاءٌ عَيَّنَ وَقْتًا لِأَخْذِهِ أَوْ أَطْلَقَ صَحَّحَهُ فِي الْإِنْصَافِ (فَهُوَ) أَيْ الدِّرْهَمُ (مِنْ الثَّمَنِ) أَوْ الْأُجْرَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ آخُذْهُ (فَالدِّرْهَمُ لَكَ) أَيُّهَا الْبَائِعُ أَوْ الْمُؤْجِرُ (فَإِنْ تَمَّ الْعَقْدُ فَالدِّرْهَمُ مِنْ الثَّمَنِ) أَوْ الْأُجْرَةِ (وَإِلَّا) بِأَنْ لَمْ يُتِمَّ الْعَقْدُ (فَ) الدِّرْهَمُ (لِبَائِعٍ وَمُؤَجِّرٍ) كَمَا شَرَطَا، لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ دَفَعَ) مَنْ يُرِيدُ الشِّرَاءَ أَوْ الْإِجَارَةَ (إلَيْهِ) أَيْ إلَى رَبِّ السِّلْعَةِ (الدِّرْهَمَ) أَوْ نَحْوَهُ (قَبْلَ) عَقْدِ (الْبَيْعِ) أَوْ الْإِجَارَةِ (وَقَالَ لَا تَبِعْ هَذِهِ السِّلْعَةَ لِغَيْرِي) أَوْ لَا تُؤَجِّرْهَا لِغَيْرِي وَ(إنْ لَمْ أَشْتَرِهَا) أَوْ أَسْتَأْجِرْهَا (فَالدِّرْهَمُ) أَوْ نَحْوُهُ (لَكَ، ثُمَّ اشْتَرَاهَا) أَوْ اسْتَأْجَرَهَا مِنْهُ (وَحَسَبَ الدِّرْهَمَ مِنْ الثَّمَنِ) أَوْ الْأُجْرَةِ (صَحَّ) ذَلِكَ.
(وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِهَا) أَوْ يَسْتَأْجِرْهَا (فَلِصَاحِبِ الدِّرْهَمِ الرُّجُوعُ فِيهِ)؛ لِأَنَّ رَبَّ السِّلْعَةِ لَوْ أَخَذَهُ لَأَخَذَهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ وَلَا يَجُوزُ جَعْلُهُ عِوَضًا عَنْ إنْظَارِهِ؛ لِأَنَّ الْإِنْظَارَ بِالْبَيْعِ لَا تَجُوزُ الْمُعَاوَضَةُ عَنْهُ وَلَوْ جَازَتْ لَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَالْإِجَارَةِ (وَمَنْ عَلَّقَ عِتْقَ رَقَبَتِهِ بِبَيْعِهِ) فَقَالَ لَهُ: إنْ بِعْتُكَ فَأَنْتَ حُرٌّ (ثُمَّ بَاعَهُ عَتَقَ) عَقِبَ الْقَوْلِ لِوُجُودِ الصِّفَةِ وَلَمْ يَنْتَقِلْ الْمِلْكُ فِيهِ لِمُشْتَرٍ لِمَا يَأْتِي.
(وَ) إنْ قَالَ لِزَوْجَتِهِ (إنْ خَلَعْتُكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ فَفَعَلَ) أَيْ فَخَلَعَهَا (لَمْ تَطْلُقْ)؛ لِأَنَّ الْبَائِنَ لَا يَلْحَقُهَا الطَّلَاقُ وَيَأْتِي فِي الْخُلْعِ (وَإِنْ قَالَ) مَالِكُ عَبْدٍ (لِزَيْدٍ إنْ بِعْتُكَ هَذَا الْعَبْدَ فَهُوَ حُرٌّ فَقَالَ زَيْدٌ) لَهُ: (إنْ اشْتَرَيْتُهُ مِنْك فَهُوَ حُرٌّ ثُمَّ اشْتَرَاهُ) أَيْ الْعَبْدَ زَيْدٌ مِنْهُ أَوْ مِنْ وَكِيلِهِ (عَتَقَ) الْعَبْدُ (عَلَى الْبَائِعِ مِنْ مَالِهِ قَبْلَ الْقَبُولِ) ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالتَّلْخِيصِ وَغَيْرِهَا وَفِيهِ نَظَرٌ كَمَا قَالَ ابْنُ رَجَبٍ وَقَالَ الْقَاضِي وَابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ وَفِي رُءُوسِ الْمَسَائِلِ وَغَيْرُهُمْ: يُعْتَقُ عَلَى الْبَائِعِ فِي حَالِ انْتِقَالِ الْمِلْكِ إلَى الْمُشْتَرِي، حَيْثُ يَتَرَتَّبُ عَلَى الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ انْتِقَالُ الْمِلْكِ وَثُبُوتُ الْعِتْقِ فَيُدَافِعَانِ، وَيَنْفُذُ الْعِتْقُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ وَلِتَقَدُّمِ سَبَبِهِ، وَهُوَ التَّعْلِيقُ، كَالْوَصِيَّةِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا وَصِيَّةٌ وَالِانْتِقَالُ إلَى الْوَرَثَةِ: يَتَرَتَّبَانِ عَلَى الْمَوْتِ، وَتُقَدَّمُ هِيَ لِتَقَدُّمِ سَبَبِهَا كَمَا أَشَارَ إلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْمُحَرَّرِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَأَطَالَ.

.فَصْلٌ: البيع الآجل:

(وَإِنْ قَالَ الْبَائِعُ إنْ بِعْتُك تَنْقُدُنِي الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةِ) أَيَّامٍ (أَوْ) إلَى (مُدَّةٍ مَعْلُومَةٍ) أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ أَوْ أَكْثَرَ (وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا صَحَّ) الْبَيْعُ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ كَشَرْطِ الْخِيَارِ (وَيَنْفَسِخُ) الْبَيْعُ (إنْ لَمْ يَفْعَلْ) أَيْ إنْ لَمْ يُنْقِدْهُ الْمُشْتَرِي الثَّمَنَ فِي الْمُدَّةِ (وَهُوَ) أَيْ قَوْلُهُ: وَإِلَّا فَلَا بَيْعَ بَيْنَنَا (تَعْلِيقُ فَسْخِ الْبَيْعِ عَلَى شَرْطٍ)؛ لِأَنَّهُ عَلَّقَهُ عَلَى عَدَمِ نَقْدِ الثَّمَنِ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي عَيَّنَهَا وَهُوَ صَحِيحٌ (كَمَا تَقَدَّمَ) قَرِيبًا.
(وَ) إنْ قَالَ الْبَائِعُ (بِعْتُكَ عَلَى أَنْ تَنْقُدَنِي الثَّمَنَ إلَى ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلِيَ الْفَسْخُ) صَحَّ وَلَهُ الْفَسْخُ إنْ لَمْ يَنْقُدْهُ لَهُ فِيهَا لِمَا تَقَدَّمَ (أَوْ قَالَ) الْمُشْتَرِي (اشْتَرَيْتُ عَلَى أَنْ تُسَلِّمَنِي الْمَبِيعَ إلَى ثَلَاثٍ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَلِيَ الْفَسْخُ صَحَّ) الْبَيْعُ وَالشَّرْطُ (وَلَهُ الْفَسْخُ إذَا فَاتَ شَرْطُهُ) لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ) بَاعَهُ (سِلْعَةً وَشَرَطَ) عَلَيْهِ (الْبَرَاءَةَ مِنْ كُلِّ عَيْبٍ) بِهَا (أَوْ) شَرَطَ عَلَيْهِ الْبَرَاءَةَ (مِنْ عَيْبِ كَذَا إنْ كَانَ) ذَلِكَ الْعَيْبُ بِهَا (أَوْ) بَاعَهُ (بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ مِنْ الْحَمْلِ) إنْ كَانَ (أَوْ) بَاعَهُ بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ (مِمَّا يَحْدُثُ بَعْدَ الْعَقْدِ، وَقَبْلَ التَّسْلِيمِ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ لَا يَبْرَأُ) الْبَائِعُ (بِهِ سَوَاءٌ كَانَ الْعَيْبُ ظَاهِرًا وَلَمْ يَعْلَمْهُ الْمُشْتَرِي، أَوْ) كَانَ (بَاطِنًا) لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ بَاعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَبْدًا بِشَرْطِ الْبَرَاءَةِ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَأَصَابَ زَيْدٌ بِهِ عَيْبًا فَأَرَادَ رَدَّهُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ فَلَمْ يَقْبَلْهُ، فَتَرَافَعَا إلَى عُثْمَانَ فَقَالَ عُثْمَانُ لِابْنِ عُمَرَ: تَحْلِفُ أَنَّكِ لَمْ تَعْلَمْ هَذَا الْعَيْبَ؟ قَالَ لَا فَرَدَّهُ عَلَيْهِ فَبَاعَهُ ابْنُ عُمَرَ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَلِأَنَّ خِيَارَ الْعَيْبِ إنَّمَا يَثْبُتُ بَعْدَ الْبَيْعِ فَلَا يَسْقُط بِإِسْقَاطِهِ قَبْلَهُ كَالشُّفْعَةِ (وَكَذَا لَوْ أَبْرَأَهُ) قَبْلَ الْبَيْعِ (مِنْ جُرْحٍ لَا يَعْلَمُ غَوْرَهُ وَيَصِحُّ الْعَقْدُ) لِلْعِلْمِ بِالْمَبِيعِ (وَإِنْ سَمَّى) الْبَائِعُ (الْعَيْبَ وَأَوْقَفَ) الْبَائِعُ (الْمُشْتَرِيَ عَلَيْهِ، وَأَبْرَأَهُ مِنْهُ بَرِئَ)؛ لِأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ بِالْعَيْبِ وَرَضِيَ بِهِ وَكَذَا إنْ أَسْقَطَهُ بَعْدَ الْعَقْدِ؛ لِأَنَّهُ أَسْقَطَهُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ لَهُ وَالْبَرَاءَةُ مِنْ الْمَجْهُولِ صَحِيحَةٌ.
(وَإِنْ بَاعَهُ أَرْضًا) عَلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ أَذْرُعٍ فَبَانَتْ أَكْثَرَ (أَوْ) بَاعَهُ (دَارًا) عَلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ أَذْرُعٍ فَبَانَتْ أَكْثَرَ (أَوْ) بَاعَهُ (ثَوْبًا عَلَى أَنَّهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ فَبَانَ أَكْثَرَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ)؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ عَلَى الْمُشْتَرِي فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَالْعَيْبِ.
(وَالزَّائِدُ) عَنْ الْعَشَرَةِ (لِلْبَائِعِ)؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَبِعْهُ لَهُ مُشَاعًا فِي الْأَرْضِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الثَّوْبِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِهِ (وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا) أَيْ مِنْ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي (الْفَسْخُ) دَفْعًا لِضَرَرِ الشَّرِكَةِ (إلَّا أَنَّ الْمُشْتَرِيَ إذَا أَعْطَى الزَّائِدَ مَجَّانًا) بِلَا عِوَضٍ (فَلَا فَسْخَ لَهُ)؛ لِأَنَّ الْبَائِعَ زَادَ خَيْرًا.
(وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى إمْضَائِهِ) أَيْ إمْضَاءِ الْبَيْعِ فِي الْكُلِّ (الْمُشْتَرَى بِعِوَضٍ) لِلزَّائِدِ (جَازَ)؛ لِأَنَّ الْحَقَّ لَهُمَا لَا يَعْدُوهُمَا، كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ.
(وَإِنْ بَانَ) مَا ذَكَرَ مِنْ الْأَرْضِ أَوْ الدَّارِ أَوْ الثَّوْبِ (أَقَلَّ) مِنْ عَشْرَةٍ (فَكَذَلِكَ) أَيْ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ نَقْصٌ حَصَلَ عَلَى الْبَائِعِ فَلَمْ يَمْنَعْ صِحَّةَ الْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ (وَالنَّقْصُ عَلَى الْبَائِعِ)؛ لِأَنَّهُ الْتَزَمَهُ بِالْبَيْعِ (وَلِمُشْتَرٍ الْفَسْخُ) لِنَقْصِ الْمَبِيعِ.
(وَلَهُ إمْضَاءُ الْبَيْعِ بِقِسْطِهِ) أَيْ الْمَبِيعِ (مِنْ الثَّمَنِ بِرِضَا الْبَائِعِ) لِأَنَّ الثَّمَنَ يُقَسَّطُ عَلَى كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْمَبِيعِ فَإِذَا فَاتَ جُزْءٌ اسْتَحَقَّ مَا قَابَلَهُ مِنْ الثَّمَنِ (وَإِلَّا) بِإِنْ لَمْ يَرْضَ الْبَائِعُ بِأَخْذِ الْمُشْتَرِي لَهُ بِقِسْطِهِ (فَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (الْفَسْخُ) دَفْعًا لِذَلِكَ الضَّرَرِ.
(وَإِنْ بَذَلَ مُشْتَرٍ جَمِيعَ الثَّمَنِ لَمْ يَمْلِكْ الْبَائِعُ الْفَسْخَ)؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ وَلَا يُجْبَرُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْمُعَارَضَةِ (وَإِنْ اتَّفَقَا عَلَى تَعْوِيضِهِ عَنْهُ جَازَ) لِأَنَّ الْحَقَّ لَا يَعْدُوهُمَا.
(وَإِنْ بَاعَ صُبْرَةً عَلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ أَقْفِزَةٍ أَوْ زُبْرَةَ حَدِيدٍ عَلَى أَنَّهَا عَشْرَةُ أَرْطَالٍ فَبَانَتْ أَحَدَ عَشْرَ فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ) لِصُدُورِهِ مِنْ أَهْلِهِ فِي مَحَلِّهِ.
(وَالزَّائِدُ لِلْبَائِعِ مُشَاعًا) لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا خِيَارَ لِلْمُشْتَرِي) لِعَدَمِ الضَّرَر، وَكَذَا الْبَائِعُ (وَإِنْ بَانَتْ) الصُّبْرَةُ أَوْ الزُّبْرَةُ (تِسْعَةً فَالْبَيْعُ صَحِيحٌ) لِمَا تَقَدَّمَ (وَيُنْقَصُ مِنْ الثَّمَنِ بِقَدْرِهِ) أَيْ قَدْرِ نَقْصِ الْمَبِيعِ لِمَا تَقَدَّمَ (وَلَا خِيَارَ لَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي، بَلْ وَلَا لِلْبَائِعِ (أَيْضًا) بِخِلَافِ الْأَرْضِ وَنَحْوِهَا لِذَا يَنْقُصُهُ التَّفْرِيقُ.
(وَالْمَقْبُوضُ بِعَقْدٍ) بَيْعٌ (فَاسِدٌ لَا يَمْلِكُ بِهِ، وَلَا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ فِيهِ) بِبَيْعٍ وَلَا غَيْرِهِ لَكِنْ يَأْتِي فِي النِّكَاحِ أَنَّ الْعِتْقَ فِي بَيْعٍ فَاسِدٍ كَالطَّلَاقِ فِي نِكَاحٍ فَاسِدٍ فَيَنْفُذُ لِقُوَّتِهِ وَسِرَايَتِهِ وَتَشَوُّفِ الشَّارِعِ إلَيْهِ وَمَحَلُّهُ إذَا لَمْ يَحْكُمْ بِهِ مِنْ يَرَاهُ وَإِلَّا نَفَذَ كَمَا تَقَدَّمَ.
(وَيَضْمَنُهُ) أَيْ يَضْمَنُ الْمُشْتَرِي الْمَقْبُوضَ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ (كَالْغَصْبِ وَيَلْزَمُهُ) أَيْ: الْمُشْتَرِيَ (رَدٌّ لِنَمَاءِ الْمُنْفَصِلِ وَالْمُتَّصِلِ، وَأُجْرَةُ مِثْلِهِ مُدَّةَ بَقَائِهِ فِي يَدِهِ) انْتَفَعَ بِهِ أَوْ لَا (وَإِنْ نَقَصَ) بِيَدِهِ (ضَمِنَ نَقْصَهُ وَإِنْ تَلِفَ) أَوْ أُتْلِفَ (فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ بِقِيمَتِهِ) يَوْمَ تَلِفَ بِبَلَدٍ قَبَضَهُ فِيهِ، إنْ كَانَ مُتَقَوِّمًا وَإِلَّا فَبِمِثْلِهِ.
(وَإِنْ كَانَتْ) الْمَبِيعَةُ بِعَقْدٍ فَاسِدٍ (أَمَةً فَوَطِئَهَا) الْمُشْتَرِي (فَلَا حَدَّ عَلَيْهِ) لِلشُّبْهَةِ بِالِاخْتِلَافِ فِيهِ (وَعَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَأَرْشُ بَكَارَتِهَا) فَلَا يَنْدَرِجُ فِي مَهْرِهَا بِخِلَافِ الْحُرَّةِ (وَالْوَلَدُ حُرٌّ) لِلشُّبْهَةِ (وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ)؛ لِأَنَّهُ فَوَّتَهُ عَلَى مَالِكِهِ بِاعْتِقَادِ الْحُرِّيَّةِ (يَوْمَ وَضْعِهِ)؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ أَوْقَاتِ إمْكَانِ تَقْوِيمِهِ.
(وَإِنْ سَقَطَ) الْوَلَدُ (مَيِّتًا) بِغَيْرِ جِنَايَةٍ (لَمْ يَضْمَنْهُ) كَوَلَدِ الْمَغْصُوبَةِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُشْتَرِي (ضَمَانُ نَقْصِ الْوِلَادَةِ) لِحُصُولِهِ بِيَدِهِ الْعَادِيَةِ (وَإِنْ مَلَكَهَا الْوَاطِئُ) لَهَا فِي الْعَقْدِ الْفَاسِدِ بَعْدَ أَنْ حَمَلَتْ مِنْهُ فِيهِ (لَمْ تَصِرْ أُمَّ وَلَدٍ) لَهُ بِذَلِكَ الْحَمْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَالِكًا لَهَا إذْ ذَاكَ (وَيَأْتِي) ذَلِكَ (فِي أَوَاخِرِ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ وَ) يَأْتِي فِي (الْغَصْبِ) أَيْضًا مُفَصَّلًا.

.(بَابٌ يُذْكَرُ فِيهِ أَقْسَامُ الْخِيَارِ فِي الْبَيْعِ):

(وَالتَّصَرُّفُ فِي الْمَبِيعِ) قَبْلَ قَبْضِهِ (وَقَبْضُهُ وَالْإِقَالَةُ) وَمَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ:
(الْخِيَارُ: اسْمُ مَصْدَرِ اخْتَارَ) يَخْتَارُ اخْتِيَارًا لَا مَصْدَرَهُ، لِعَدَمِ جَرَيَانِهِ عَلَى الْفِعْلِ (وَهُوَ) أَيْ الْخِيَارُ فِي بَيْعٍ وَغَيْرِهِ (طَلَبُ خَيْرِ الْأَمْرَيْنِ) وَهُمَا هُنَا: الْفَسْخُ وَالْإِمْضَاءُ (وَهُوَ) أَيْ الْخِيَارُ عَلَى مَا هُنَا بِحَسْبِ أَسْبَابِهِ (سَبْعَةُ أَقْسَامٍ) وَتَقَدَّمَ الثَّامِنُ كَمَا يَأْتِي التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ فِي كَلَامِهِ.

.(أَحَدُهَا: خِيَارُ الْمَجْلِسِ):

بِكَسْرِ اللَّامِ وَأَصْلُهُ مَكَانُ الْجُلُوسِ وَالْمُرَادُ هُنَا مَكَانُ التَّبَايُعِ عَلَى أَيِّ حَالٍ كَانَا (فَيَثْبُتُ) خِيَارُ الْمَجْلِسِ (وَلَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ) الْعَاقِدُ (فِي الْبَيْعِ) مُتَعَلِّقٌ بِيَثْبُتُ لِحَدِيثِ «الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُمَا بِالْخِيَارِ قَبْلَ الْعَقْدِ: غَيْرُ صَحِيحٍ لِرِوَايَةِ «إذَا تَبَايَعَ الرَّجُلَانِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْخِيَارِ» فَجَعَلَ لَهُمَا الْخِيَارَ بَعْدَ تَبَايُعِهِمَا.
(وَ) يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ (فِي الشَّرِكَةِ فِيهِ) أَيْ فِيمَا إذَا أَشْرَكَهُ فِي مِلْكِهِ بِالنِّصْفِ وَنَحْوِهِ بِقِسْطِهِ مِنْ ثَمَنِهِ الْمَعْلُومِ، كَمَا يَأْتِي لِأَنَّهَا صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الْبَيْعِ بِتَخْيِيرِ الثَّمَنِ (وَ) يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ (فِي الصُّلْحِ عَلَى مَالٍ) عَنْ دَيْنٍ أَوْ عَيْنٍ أَقَرَّ بِهِمَا؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ كَمَا يَأْتِي فِي بَابِهِ.
(وَ) يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي (الْإِجَارَةِ عَلَى الْعَيْنِ) كَدَارٍ وَحَيَوَانٍ (وَلَوْ كَانَتْ مَدَّتُهَا تَلِي الْعَقْدَ) بِأَنْ أَجَّرَهُ الدَّارَ مَثَلًا شَهْرًا مِنْ الْآنَ (أَوْ) كَانَتْ الْإِجَارَةُ عَلَى (نَفْعٍ فِي الذِّمَّةِ) بِأَنْ اسْتَأْجَرَهُ لِخِيَاطَةِ ثَوْبٍ أَوْ بِنَاءِ حَائِطٍ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْإِجَارَةَ نَوْعٌ مِنْ الْبَيْعِ (وَ) يَثْبُتُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ (فِي الْهِبَةِ إذَا شَرَطَ فِيهَا) الْوَاهِبُ (عِوَضًا مَعْلُومًا) لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ بَيْعٌ وَكَوْنُ الْبَيْعِ وَمَا بِمَعْنَاهُ مِمَّا ذُكِرَ يَثْبُتُ فِيهِ خِيَارُ الْمَجْلِسِ (بِمَعْنَى أَنَّهُ يَقَعُ جَائِزًا، سَوَاءٌ كَانَ فِيهِ) أَيْ فِي الْبَيْعِ بِصُوَرِهِ الْمَذْكُورَةِ (خِيَارُ شَرْطٍ أَمْ لَا) فَكُلٌّ مِنْ الْعَاقِدَيْنِ لَهُ إمْضَاءُ الْبَيْعِ وَفَسْخُهُ غَيْرَ كِتَابَةٍ فَلَا خِيَارَ فِيهَا لِأَنَّهَا وَسِيلَةٌ لِلْعِتْقِ.
(وَ) غَيْرَ (تَوَلِّي طَرَفَيْ عَقْدِ بَيْعٍ، وَ) تَوَلِّي (طَرَفَيْ عَقْدِ هِبَةٍ بِعِوَضٍ) أَوْ تَوَلِّي طَرَفَيْ صُلْحٍ بِمَعْنَى بَيْعٍ، وَسَائِرِ صُوَرِ الْبَيْعِ السَّابِقَةِ إذَا تَوَلَّى طَرَفَيْهَا وَاحِدٌ لَا خِيَارَ فِيهَا لِانْفِرَادِ الْعَاقِدِ بِالْعَقْدِ كَالشَّفِيعِ وَغَيْرَ قِسْمَةِ إجْبَارٍ فَلَا خِيَارَ فِيهَا (لِأَنَّهَا إفْرَازُ حَقٍّ لَا بَيْعٌ).
وَخَرَجَ بِقِسْمَةِ الْإِجْبَارِ قِسْمَةُ التَّرَاضِي فَيَثْبُتُ فِيهَا خِيَارُ الْمَجْلِسِ كَمَا فِي الْمُنْتَهَى وَغَيْرِهِ وَيَأْتِي فِي الْقِسْمَةِ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا فِيهِ (وَغَيْرَ شِرَاءِ مَنْ يُعْتَقُ عَلَيْهِ) لِقَرَابَةٍ أَوْ تَعْلِيقٍ، كَمَا لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهُ.
(قَالَ الْمُنَقِّحِ: أَوْ يَعْتَرِفُ بِحُرِّيَّتِهِ قَبْلَ الشِّرَاءِ) بِأَنْ أَقَرَّ بِأَنَّهُ حُرٌّ أَوْ شَهِدَ بِذَلِكَ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ ثُمَّ اشْتَرَاهُ لَمْ يَثْبُتْ لَهُ خِيَارُ الْمَجْلِسِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حُرًّا بِاعْتِرَافِهِ السَّابِقِ وَشِرَاؤُهُ لَهُ افْتِدَاءٌ كَشِرَاءِ الْأَسِيرِ وَلَيْسَ شِرَاءً حَقِيقَةً (وَيَثْبُتُ) خِيَارُ الْمَجْلِسِ (فِيمَا) أَيْ فِي عَقْدِ بَيْعِ مَا (قَبْضُهُ شَرْطٌ لِصِحَّتِهِ) أَيْ صِحَّةِ عَقْدِهِ (كَصَرْفٍ وَسَلَمٍ وَبَيْعِ مَالِ الرِّبَا بِجِنْسِهِ) يَعْنِي بَيْعَ مَكِيلٍ وَمَوْزُونٍ بِمَوْزُونٍ، وَلَوْ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ فَالْمُرَادُ بِجِنْسِهِ: الْمُجَانِسُ لَهُ فِي الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَقَطْ.
(وَلَا يَثْبُتُ) خِيَارُ الْمَجْلِسِ (فِي بَقِيَّةِ الْعُقُودِ) وَالْفُسُوخُ (كَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَالْحَوَالَةِ، وَالْإِقَالَةِ، وَالْأَخْذِ بِالشُّفْعَةِ، وَالْجَعَالَةِ، وَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ،
وَالْمُضَارَبَةِ وَالْعَارِيَّةِ) وَالْمُسَابَقَةِ (وَالْهِبَةِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، الْوَدِيعَةِ، وَالْوَصِيَّةِ قَبْلَ الْمَوْتِ)؛ لِأَنَّهُ لَا أَثَرَ لِرَدِّ الْمُوصَى لَهُ وَلَا لِقَبُولِهِ قَبْلَهُ كَمَا يَأْتِي.
(وَلَا فِي النِّكَاحِ، وَالْوَقْفِ، وَالْخُلْعِ، وَالْإِبْرَاءِ، وَالْعِتْقِ عَلَى مَالٍ وَالرَّهْنِ، وَالضَّمَانِ وَالْكَفَالَةِ) وَالصُّلْحِ عَنْ نَحْوِ دَمِ عَمْدٍ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَيْسَ بَيْعًا وَلَا فِي مَعْنَاهُ.
(وَلِكُلٍّ مِنْ الْمُتَبَايِعَيْنِ الْخِيَارُ) أَيْ خِيَارُ الْمَجْلِسِ (مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا بِأَبْدَانِهِمَا عُرْفًا وَلَوْ أَقَامَا فِيهِ) أَيْ: فِي الْمَجْلِسِ (شَهْرًا أَوْ أَكْثَرَ) مِنْ شَهْرٍ (وَلَوْ) أَقَامَا (كُرْهًا) فَهُمَا عَلَى خِيَارِهِمَا لِعَدَمِ التَّفَرُّقِ (فَإِنْ تَفَرَّقَا بِاخْتِيَارِهِمَا سَقَطَ) خِيَارُهُمَا وَلَزِمَ الْبَيْعُ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا» (لَا) إنْ تَفَرَّقَا (كُرْهًا وَمَعَهُ) أَيْ: مَعَ تَفَرُّقِهِمَا مُكْرَهَيْنِ لَا يَسْقُطُ خِيَارُهُمَا.
(وَيَبْقَى الْخِيَارُ) لَهُمَا (فِي) هَذَا الْحَالِ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ (مَجْلِسٍ زَالَ الْإِكْرَاهُ فِيهِ)؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُكْرَهِ لَا يُعْتَدُّ بِهِ شَرْعًا (فَإِنْ أُكْرِهَ أَحَدُهُمَا) وَحْدَهُ عَلَى التَّفَرُّقِ (انْقَطَعَ خِيَارُ صَاحِبِهِ) لِتَفَرُّقِهِ بِاخْتِيَارِهِ (وَيَبْقَى الْخِيَارُ لِلْمُكْرَهِ مِنْهُمَا فِي) حَالِ تَفَرُّقِهِ فِي (الْمَجْلِسِ الَّذِي زَالَ فِيهِ الْإِكْرَاهُ حَتَّى يَتَفَرَّقَا عَنْهُ) اخْتِيَارًا لِمَا تَقَدَّمَ.
(فَإِنْ تَرَاءَيَا) أَيْ: الْمُتَبَايِعَانِ وَهُمَا فِي مَجْلِسِ التَّبَايُعِ (سَبْعًا أَوْ ظَالِمًا خَشِيَاهُ فَهَرَبَا فَزَعًا مِنْهُ أَوْ حَمَلَهُمَا) مِنْ مَجْلِسِ التَّبَايُعِ (سَيْلٌ، أَوْ فَرَّقَتْهُمَا رِيحٌ، فَكَإِكْرَاهٍ قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ) فَيَثْبُتُ لَهُمَا الْخِيَارُ إلَى أَنْ يَتَفَرَّقَا مِنْ مَجْلِسٍ زَالَ فِيهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ فِعْلَ الْمُلْجَأِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ إلَيْهِ.
(وَمَتَى تَمَّ الْعَقْدُ وَتَفَرَّقَا) مِنْ مَجْلِسِهِ (لَمْ يَكُنْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا الْفَسْخُ) لِلُزُومِ الْبَيْعِ كَمَا تَقَدَّمَ (إلَّا بِعَيْبٍ أَوْ خِيَارٍ كَخِيَارِ شَرْطٍ أَوْ غَبْنٍ أَوْ تَدْلِيسٍ أَوْ نَحْوِهِ عَلَى مَا يَأْتِي) فِي الْبَابِ مُفَصَّلًا (أَوْ بِمُخَالَفَةِ شَرْطٍ صَحِيحٍ اُشْتُرِطَ) وَكَذَا فَاسِدٌ لِمَنْ فَاتَ غَرَضُهُ كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ.
(وَإِنْ تَبَايَعَا عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَهُمَا) فَلَا خِيَارَ لَهُمَا (أَوْ قَالَ الْبَائِعُ: بِعْتُك عَلَى أَنْ لَا خِيَارَ بَيْنَنَا فَقَالَ الْمُشْتَرِي: قَبِلْتُ وَلَمْ يُزِدْ عَلَى ذَلِكَ) فَلَا خِيَارَ لَهُمَا (أَوْ أَسْقَطَا الْخِيَارَ بَعْدَهُ) أَيْ بَعْدَ الْبَيْعِ (مِثْلَ أَنْ يَقُولَ كُلٌّ مِنْهُمَا بَعْدَ الْعَقْدِ: اخْتَرْت إمْضَاءَ الْعَقْدِ، أَوْ الْتِزَامَهُ سَقَطَ) خِيَارُهُمَا لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «الْمُتَبَايِعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا إلَّا أَنْ يَكُونَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ فَإِنْ كَانَ الْبَيْعُ عَنْ خِيَارٍ فَقَدْ وَجَبَ الْبَيْعُ» أَيْ لَزِمَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَالتَّخَايُرُ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ وَبَعْدَهُ فِي الْمَجْلِسِ وَاحِدٌ (أَوْ) تَبَايَعَا عَلَى (أَنْ لَا خِيَارَ لِأَحَدِهِمَا بِمُفْرَدِهِ أَوْ أَسْقَطَهُ) أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ (أَوْ قَالَ لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ سَقَطَ) خِيَارُهُ لِظَاهِرِ الْخَبَرِ السَّابِقِ (وَبَقِيَ خِيَارُ صَاحِبِهِ)؛ لِأَنَّهُ خِيَارٌ فِي الْبَيْعِ فَلَمْ يَبْطُلْ حَقُّ مَنْ لَمْ يُسْقِطْهُ كَخِيَارِ الشَّرْطِ (وَيَبْطُلُ خِيَارُهُمَا بِمَوْتِ أَحَدِهِمَا) لِأَنَّهَا أَعْظَمُ الْفِرْقَتَيْنِ (وَ) يَبْطُلُ خِيَارُهُمَا (بِهَرَبِهِ) أَيْ هَرَبِ أَحَدِهِمَا مِنْ الْآخَرِ لِوُجُودِ التَّفَرُّقِ وَ(لَا) يَبْطُلُ خِيَارُهُمَا (بِجُنُونِهِ) أَيْ: جُنُونِ أَحَدِهِمَا.
(وَهُوَ) أَيْ: الْمَجْنُونُ (عَلَى خِيَارِهِ إذَا أَفَاقَ) مِنْ جُنُونِهِ فَلَا خِيَارَ لِوَلِيِّهِ قَالَ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: عَلَى الْأَصَحِّ لِأَنَّ الرَّغْبَةَ فِي الْمَبِيعِ أَوْ عَدَمِهَا لَا تُعْلَمُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ (وَلَوْ خَرِسَ أَحَدُهُمَا قَامَتْ إشَارَتُهُ) الْمَفْهُومَةُ (مَقَامَ نُطْقِهِ) لِدَلَالَتِهَا عَلَى مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ نُطْقُهُ قُلْتُ: وَكَذَا كِتَابَتُهُ (فَإِنْ لَمْ تُفْهَمْ إشَارَتُهُ أَوْ جُنَّ، أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ) أَيْ الْأَخْرَسِ (قَامَ أَبُوهُ أَوْ وَصِيُّهُ أَوْ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ) قَالَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ وَلَعَلَّهُ إلْحَاقٌ لَهُ بِالسَّفِيهِ.
(وَلَوْ أَلْحَقَا) أَيْ الْمُتَبَايِعَانِ (بِالْعَقْدِ) أَيْ عَقْدِ الْبَيْعِ (خِيَارًا بَعْدَ لُزُومِهِ) أَيْ الْعَقْدِ (لَمْ يُلْحَقْ) الْخِيَارُ بِهِ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ مَحَلَّ الْمُعْتَبَرِ مِنْ الشُّرُوطِ صُلْبُ الْعَقْدِ.
(وَالتَّفَرُّقُ بِأَبْدَانِهِمَا عُرْفًا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ مَوَاضِعِ الْبَيْعِ فَإِنْ كَانَ) الْبَيْعُ (فِي فَضَاءٍ وَاسِعٍ أَوْ مَسْجِدٍ كَبِيرٍ، إنْ صَحَّحْنَا الْبَيْعَ فِيهِ) وَالْمَذْهَبُ: لَا يَصِحُّ وَتَقَدَّمَ (أَوْ) فِي (سُوقٍ فَ) التَّفَرُّقُ (بِأَنْ يَمْشِيَ أَحَدُهُمَا مُسْتَدْبِرًا لِصَاحِبِهِ خُطُوَاتٍ) جَمْعُ خُطْوَةٍ قَالَ أَبُو الْحَارِثِ سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ تَفْرِقَةِ الْأَبْدَانِ فَقَالَ: إذَا أَخَذَ هَذَا كَذَا وَأَخَذَ هَذَا كَذَا فَقَدْ تَفَرَّقَا وَقَوْلُهُ (بِحَيْثُ لَا يُسْمَعُ كَلَامَهُ الْمُعْتَادَ) قَدَّمَهُ فِي الْكَافِي وَعَلَى مَا قَطَعَ بِهِ ابْنُ عَقِيلٍ وَقَدَّمَهُ فِي الْمُغْنِي وَالشَّرْحِ وَالْمُبْدِعِ وَصَحَّحَهُ فِي شَرْحِ الْمُنْتَهَى: لَا يُعْتَبَرُ ذَلِكَ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمُسْتَوْعِبِ حَيْثُ لَمْ يُقَيَّدْ بِذَلِكَ.
(وَ) إنْ كَانَ الْبَيْعُ (فِي سَفِينَةٍ كَبِيرَةٍ) فَ (بِأَنْ يَصْعَدَ أَحَدُهُمَا إلَى أَعْلَاهَا وَيَنْزِلَ الْآخَرُ فِي أَسْفَلِهَا وَ) إنْ كَانَ الْبَيْعُ (فِي) سَفِينَةٍ (صَغِيرَةٍ) فَ (بِأَنْ يَخْرُجَ أَحَدُهُمَا مِنْهَا وَيَمْشِي وَ) إنْ كَانَ الْبَيْعُ (فِي دَارٍ كَبِيرَةٍ ذَاتِ مَجَالِسَ وَبُيُوتٍ) فَالتَّفَرُّقُ (بِخُرُوجِهِ) أَيْ أَحَدِهِمَا (مِنْ بَيْتٍ إلَى بَيْتٍ أَوْ مِنْ مَجْلِسٍ إلَى آخَرَ) (أَوْ) مِنْ (صِفَةٍ) إلَى مَحَلٍّ آخَرَ (وَنَحْوِهِ) (أَيْ نَحْوِ ذَلِكَ بِأَنْ يُفَارِقَهُ بِحَيْثُ يُعَدُّ مُفَارِقًا لَهُ) فِي الْعُرْفِ لِأَنَّ التَّفَرُّقَ لَمْ يَحُدُّهُ الشَّرْعُ فَرَجَعَ فِيهِ إلَى مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ تَفَرُّقًا كَالْحِرْزِ.
(وَ) إنْ كَانَ الْبَيْعُ (فِي دَارٍ صَغِيرَةٍ) فَالتَّفَرُّقُ (بِأَنْ يَصْعَدَ أَحَدُهُمَا السَّطْحَ، أَوْ يَخْرُجَ مِنْهَا وَإِنْ بُنِيَ بَيْنَهُمَا) أَيْ بَيْنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ وَهُمَا (فِي الْمَجْلِسِ: حَائِطٌ مِنْ جِدَارٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ أَرْخَيَا بَيْنَهُمَا سِتْرًا) فِي الْمَجْلِسِ (أَوْ نَامَا) فِيهِ (أَوْ قَامَا) مِنْهُ (فَمَضَيَا جَمِيعًا وَلَمْ يَتَفَرَّقَا فَالْخِيَارُ) بَاقٍ (بِحَالِهِ) لِبَقَائِهِمَا بِأَبْدَانِهِمَا بِمَحَلِّ الْعَقْدِ.
(وَ) إذَا فَارَقَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ لَزِمَ الْبَيْعُ سَوَاءٌ (قُصِدَ بِالْمُفَارِقَةِ لُزُومُ الْبَيْعِ، أَوْ) قُصِدَ (حَاجَةٌ أُخْرَى) رُوِيَ، عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ إذَا اشْتَرَى شَيْئًا يُعْجِبُهُ مَشَى خُطُوَاتٍ لِيَلْزَمَ الْبَيْعُ (لَكِنْ تَحْرُمُ الْفُرْقَةُ) مِنْ أَحَدِهِمَا (بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ خَشْيَةَ فَسْخِ الْبَيْعِ) لِمَا رَوَى عَمْرُو بْنُ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ «الْبَائِعُ وَالْمُبْتَاعُ بِالْخِيَارِ، حَتَّى يَتَفَرَّقَا، إلَّا أَنْ يَكُونَ صَفْقَةَ خِيَارٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفَارِقَ صَاحِبَهُ خَشْيَةَ أَنْ يَسْتَقِيلَهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيُّ وَالْأَثْرَمُ وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَمَا تَقَدَّمَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ وَلَوْ بَلَغَهُ لَمَا خَالَفَهُ.