فصل: بَابُ الرِّبَا:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر (نسخة منقحة)



.بَابُ الرِّبَا:

وَجْه مُنَاسَبَتِهِ لِلْمُرَابَحَةِ أَنَّ فِي كُلٍّ مِنْهُمَا زِيَادَةً إلَّا أَنَّ تِلْكَ حَلَالٌ وَهَذِهِ حَرَامٌ وَالْحِلُّ هُوَ الْأَصْلُ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدَّمَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ الزِّيَادَةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذِهِ وَالرِّبَا بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْقَصْرِ اسْمٌ مِنْ الرَّبْوِ بِالْفَتْحِ وَالسُّكُونِ فَلَامُهُ وَاوٌ وَلِذَا قِيلَ فِي النِّسْبَةِ رِبَوِيٌّ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ.
وَفِي الْمِصْبَاحِ الرِّبَا الْفَضْلُ وَالزِّيَادَةُ وَهُوَ مَقْصُورٌ عَلَى الْأَشْهَرِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مُطْلَقُ الْفَضْلِ بِالْإِجْمَاعِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ فَضْلٌ مَخْصُوصٌ فَلِذَا عَرَّفَهُ شَرْعًا بِقَوْلِهِ (هُوَ فَضْلُ مَالٍ) أَيْ فَضْلُ أَحَدِ الْمُتَجَانِسَيْنِ عَلَى الْآخَرِ بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ أَيْ الْكَيْلِ أَوْ الْوَزْنِ فَفَضْلُ قَفِيزَيْ شَعِيرٍ عَلَى قَفِيزَيْ بُرٍّ لَا يَكُونُ رِبَا (خَالٍ) ذَلِكَ الْفَضْلُ (عَنْ عِوَضٍ) قَيَّدَ بِهِ لِيَخْرُجَ بَيْعُ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ بُرٍّ وَكُرَّيْ شَعِيرٍ فَإِنَّ لِلثَّانِي فَضْلًا عَلَى الْأَوَّلِ لَكِنَّهُ غَيْرُ خَالٍ عَنْ الْعِوَضِ يُصْرَفُ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ بِأَنْ يُبَاعَ كُرُّ بُرٍّ بِكُرَّيْ شَعِيرٍ وَكُرُّ شَعِيرٍ بِكُرَّيْ بُرٍّ (شُرِطَ) جُمْلَةٌ فِعْلِيَّةٌ صِفَةٌ لِفَضْلِ مَالٍ أَيْ شُرِطَ ذَلِكَ الْفَضْلُ (لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ) أَيْ الْبَائِعَيْنِ أَوْ الْمُقْرِضَيْنِ أَوْ الرَّاهِنَيْنِ لِلِاحْتِرَازِ عَمَّا إذَا شُرِطَ لِغَيْرِهِمَا.
وَفِي الْإِصْلَاحِ فِي أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ وَلَمْ يَقُلْ لِأَحَدِ الْعَاقِدَيْنِ لِأَنَّ الْعَاقِدَ قَدْ يَكُونُ وَكِيلًا وَقَدْ يَكُونُ فُضُولِيًّا وَالْمُعْتَبَرُ كَوْنُ الْفَضْلِ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْمُشْتَرِي انْتَهَى لَكِنَّ عَقْدَ الْوَكِيلِ عَقْدٌ لِلْمُوَكِّلِ وَعَقْدُ الْفُضُولِيِّ يَتَوَقَّفُ عَلَى قَبُولِ الْمَالِكِ فَيَصِيرُ الْعَاقِدُ حَقِيقَةً الْمُوَكِّلَ أَوْ الْمَالِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّبْدِيلِ تَدَبَّرْ (فِي مُعَاوَضَةِ مَالٍ بِمَالٍ) قَيَّدَ بِهَا لِلِاحْتِرَازِ عَنْ هِبَةٍ بِعِوَضٍ زَائِدٍ وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا إذَا شُرِطَ فِيهِ مِنْ الِانْتِفَاعِ بِالرَّهْنِ كَالِاسْتِخْدَامِ وَالرُّكُوبِ وَالزِّرَاعَةِ وَاللِّبْسِ وَأَكْلِ الثَّمَرِ فَإِنَّ الْكُلَّ رِبًا حَرَامٌ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ.

.علة الربا:

(وَعِلَّتُهُ) لِوُجُوبِ الْمُمَاثَلَةِ الَّتِي يَلْزَمُ عِنْدَ فَوَاتِهَا الرِّبَا وَفِي اصْطِلَاحِ الْأُصُولِيِّينَ الْعِلَّةُ مَا يُضَافُ إلَيْهِ ثُبُوتُ الْحُكْمِ بِلَا وَاسِطَةٍ فَخَرَجَ الشَّرْطُ لِأَنَّهُ لَا يُضَافُ إلَيْهِ ثُبُوتُهُ وَالسَّبَبُ وَالْعَلَامَةُ وَعِلَّةُ الْعِلَّةِ لِأَنَّهَا بِالْوَاسِطَةِ (الْقَدْرُ) لُغَةً كَوْنُ شَيْءٍ مُسَاوِيًا لِغَيْرِهِ بِلَا زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ وَشَرْعًا التَّسَاوِي فِي الْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ الْمُوجِبِ لِلْمُمَاثَلَةِ الصُّورِيَّةِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ (وَالْجِنْسُ) أَيْ مَعَ اتِّحَادِ الْجِنْسِ فِي الْعِوَضَيْنِ فَالْعِلَّةُ مَجْمُوعُ الْوَصْفَيْنِ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْحَدِيثُ الْمَشْهُورُ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» وَعَدَّ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ الْحِنْطَةَ وَالشَّعِيرَ وَالتَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَالذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ أَيْ بِيعُوا مِثْلًا بِمِثْلٍ أَوْ بَيْعُ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ حُذِفَ الْمُضَافُ وَأُقِيمَ الْمُضَافُ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَأُعْرِبَ بِإِعْرَابِهِ، وَمِثْلٌ خَبَرُهُ، وَلَمَّا كَانَ الْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ وَالْبَيْعُ مُبَاحٌ صُرِفَ الْوُجُوبُ إلَى رِعَايَةِ الْمُمَاثَلَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} حَيْثُ صُرِفَ الْإِيجَابُ إلَى الْقَبْضِ فَصَارَ شَرْطًا لِلرَّهْنِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الشَّيْئَيْنِ يَكُونُ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ وَالْمَعْنَى مَعًا وَالْقَدْرُ يَسْوَى الصُّورَةَ كَمَا بَيَّنَّاهُ وَالْجِنْسِيَّةُ تَسْوَى الْمَعْنَى فَيَظْهَرُ الْفَضْلُ الَّذِي هُوَ الرِّبَا وَلَا يُعْتَبَرُ الْوَصْفُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» (فَحَرُمَ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ الْعِلَّةِ الْقَدْرَ وَالْجِنْسَ (بَيْعُ الْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ بِجِنْسِهِ) كَبَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَالذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مِثْلًا (مُتَفَاضِلًا) لِوُجُودِ الرِّبَا فِي ذَلِكَ (أَوْ نَسِيئَةً) أَيْ بِأَجَلٍ لِمَا فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الْفَضْلِ إذْ النَّقْدُ خَيْرٌ (وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (غَيْرَ مَطْعُومٍ) خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فَإِنَّ عِلَّةَ الرِّبَا عِنْدَهُ الطُّعْمُ فِي الْمَطْعُومَاتِ وَالثَّمَنِيَّةُ فِي الْأَثْمَانِ وَالْجِنْسِيَّةُ شَرْطٌ لِعَمَلِ الْعِلَّةِ عَمَلَهَا حَتَّى لَا تَعْمَلَ الْعِلَّةُ الْمَذْكُورَةُ عِنْدَهُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْجِنْسِيَّةِ (كَالْجَصِّ) مِنْ الْمَكِيلَاتِ (وَالْحَدِيدِ) مِنْ الْمَوْزُونَاتِ وَالطُّعْمُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ عِنْدَنَا (وَحَلَّ) بَيْعُ ذَلِكَ (مُتَمَاثِلًا بَعْدَ التَّقَابُضِ أَوْ مُتَفَاضِلًا غَيْرَ مُعَيَّرٍ) أَيْ بِغَيْرِ عِيَارٍ (كَحِفْنَةٍ بِحَفْنَتَيْنِ) لِانْتِفَاءِ جَرَيَانِ الْكَيْلِ وَمَا دُونَ نِصْفِ صَاعٍ فَهُوَ فِي حُكْمِ الْحِفْنَةِ لِأَنَّهُ لَا تَقْدِيرَ لِلشَّرْعِ بِمَا دُونَهُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ يَبْلُغُ حَدَّ نِصْفِ الصَّاعِ أَوْ أَكْثَرَ وَالْآخَرُ لَمْ يَبْلُغْهُ فَلَا يَجُوزُ كَمَا فِي الْعِنَايَةِ (وَبَيْضَةٌ بِبَيْضَتَيْنِ وَتَمْرَةٌ بِتَمْرَتَيْنِ) وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَا لَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْمِعْيَارِ وَهُوَ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ إمَّا لِقِلَّتِهِ كَالْحِفْنَةِ وَالْحَفْنَتَيْنِ وَالتَّمْرَةِ وَالتَّمْرَتَيْنِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ عَدَدِيًّا لَا يُبَاعُ بِالْمِعْيَارِ الشَّرْعِيِّ كَالْبَيْضَةِ وَالْبَيْضَتَيْنِ وَالْجَوْزَةِ وَالْجَوْزَتَيْنِ يَحِلُّ الْبَيْعُ مُتَفَاضِلًا لِعَدَمِ جَرَيَانِ الْقَدْرِ وَالْمِعْيَارِ فَلَا يُوجَدُ الْمُسَاوَاةُ فَلَمْ يَتَمَيَّزْ الْفَضْلُ وَبَقِيَ عَلَى الْأَصْلِ وَهُوَ الْحِلُّ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِوُجُودِ عِلَّةِ الْحُرْمَةِ وَهِيَ الطُّعْمُ مَعَ عَدَمِ الْمَخْلَصِ وَهُوَ الْمُسَاوَاةُ فَيَحْرُمُ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ الْحُرْمَةُ.
(فَإِنْ وُجِدَ الْوَصْفَانِ) أَيْ الْكَيْلُ أَوْ الْوَزْنُ مَعَ الْجِنْسِ (حَرُمَ الْفَضْلُ) كَقَفِيزِ بُرٍّ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهُ.
(وَ) حَرُمَ (النَّسَأُ) وَلَوْ مَعَ التَّسَاوِي كَقَفِيزَيْنِ بِقَفِيزَيْنِ مِنْهُ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا نَسِيئَةٌ لِوُجُودِ الْعِلَّةِ.
(وَإِنْ عُدِمَا) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا (حَلَّا) أَيْ الْفَضْلُ وَالنَّسَأُ لِعَدَمِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ الْمُحَرِّمَةِ إذْ الْأَصْلُ الْجَوَازُ وَالْحُرْمَةُ بِعَارِضٍ فَيَجُوزُ مَا لَمْ يَثْبُتْ فِيهِ دَلِيلُ الْحُرْمَةِ.
(وَإِنْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا فَقَطْ حَلَّ التَّفَاضُلُ) كَمَا إذَا بِيعَ قَفِيزُ حِنْطَةٍ بِقَفِيزَيْ شَعِيرٍ يَدًا بِيَدٍ حَلَّ الْفَضْلُ فَإِنَّ أَحَدَ جُزْأَيْ الْعِلَّةِ وَهُوَ الْكَيْلُ مَوْجُودٌ هُنَا دُونَ الْجُزْءِ الْآخَرِ وَهُوَ الْجِنْسِيَّةُ، وَإِنْ بِيعَ خَمْسَةُ أَذْرُعٍ مِنْ الثَّوْبِ الْهَرَوِيِّ بِسِتَّةِ أَذْرُعٍ مِنْهُ يَدًا بِيَدٍ حَلَّ أَيْضًا لِأَنَّ الْجِنْسِيَّةَ مَوْجُودَةٌ دُونَ الْقَدْرِ (لَا النَّسَأُ) أَيْ لَا يَحِلُّ النَّسَأُ فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَلَوْ بِالتَّسَاوِي وَذَلِكَ لِأَنَّ جُزْءَ الْعِلَّةِ وَإِنْ كَانَ لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ لَكِنَّهُ يُورِثُ الشُّبْهَةَ فِي الرِّبَا وَالشُّبْهَةُ فِي بَابِ الرِّبَا مُلْحَقَةٌ بِالْحَقِيقَةِ لَكِنَّهَا أَدْوَنُ مِنْ الْحَقِيقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ اعْتِبَارِ الطَّرَفَيْنِ فَفِي النَّسِيئَةِ أَحَدُ الْبَدَلَيْنِ مَعْدُومٌ وَبَيْعُ الْمَعْدُومِ غَيْرُ جَائِزٍ فَصَارَ هَذَا الْمَعْنَى مُرَجِّحًا لِتِلْكَ الشُّبْهَةِ فَلَا يَحِلُّ وَفِي غَيْرِ النَّسِيئَةِ لَمْ تُعْتَبَرْ الشُّبْهَةُ لِمَا قُلْنَا أَنَّ الشُّبْهَةَ أَدْوَنُ مِنْ الْحَقِيقَةِ عَلَى أَنَّ الْمَشْهُورَ وَهُوَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ» يُؤَيِّدُ مَا قُلْنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْجِنْسَ بِانْفِرَادِهِ لَا يُحَرِّمُ النَّسَأَ كَمَا فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ.
ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَصِحُّ سَلَمُ هَرَوِيٍّ فِي هَرَوِيٍّ) لِوُجُودِ الْجِنْسِ وَالنَّسَإِ فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ (وَلَا) سَلَمُ (بُرٍّ فِي شَعِيرٍ) لِوُجُودِ الْقَدْرِ مَعَ النَّسَأِ.
(وَشَرَطَ التَّعْيِينَ وَالتَّقَابُضَ) فِي الْمَجْلِسِ (فِي الصَّرْفِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ هَاءً وَهَاءً» مَعْنَاهُ خُذْ يَدًا بِيَدٍ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَبْضُ كَنَّى بِهَا عَنْهُ لِأَنَّهَا آلَتُهُ (وَ) شَرَطَ (التَّعْيِينَ فَقَطْ فِي غَيْرِهِ) أَيْ فِي غَيْرِ عَقْدِ الصَّرْفِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ وَلَا يُشْتَرَطُ التَّقَابُضُ فِي بَيْعِ الطَّعَامِ بِمِثْلِهِ عَيْنًا حَتَّى لَوْ بَاعَ بُرًّا بِبُرٍّ بِعَيْنِهِمَا وَتَفَرَّقَا قَبْلَ الْقَبْضِ جَازَ عِنْدَنَا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا قُلْنَا بِمِثْلِهِ إذْ التَّفَاضُلُ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنَّمَا قُلْنَا عَيْنًا إذْ لَوْ لَمْ يَكُنْ مُعَيَّنًا لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا أَمَّا عِنْدَنَا فَلِعَدَمِ الْعَيْنِيَّةِ وَأَمَّا عِنْدَهُ فَلِعَدَمِ الْقَبْضِ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «الطَّعَامُ بِالطَّعَامِ يَدًا بِيَدٍ» وَلِأَنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ فِي الْمَجْلِسِ يَتَعَاقَبُ الْقَبْضُ فَيُوجَدُ فِي الْقَبْضِ الْأَوَّلِ مَزِيَّةٌ فَتَتَحَقَّقُ شُبْهَةُ الرِّبَا وَلَنَا أَنَّهُ مَبِيعٌ مُتَعَيِّنٌ فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ كَالثَّوْبِ وَهَذَا لِأَنَّ الْفَائِدَةَ الْمَطْلُوبَةَ إنَّمَا هُوَ التَّمَكُّنُ فِي التَّصَرُّفِ فِيهِ فَيَتَرَتَّبُ ذَلِكَ عَلَى التَّعَيُّنِ بِخِلَافِ الصَّرْفِ لِأَنَّ الْقَبْضَ فِيهِ لِيَتَعَيَّنَ بِهِ وَمَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «يَدًا بِيَدٍ» عَيْنًا بِعَيْنٍ لِمَا رَوَاهُ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ كَذَا وَتَعَاقُبُ الْقَبْضِ لَا يُعْتَبَرُ تَفَاوُتًا فِي مَالٍ عُرْفًا بِخِلَافِ النَّقْدِ وَالْأَجَلِ.
(وَمَا نُصَّ) عَلَى صِيغَةِ الْمَجْهُولِ (عَلَى تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهِ كَيْلًا فَهُوَ كَيْلِيٌّ أَبَدًا كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالْمِلْحِ أَوْ) إنْ نُصَّ (عَلَى تَحْرِيمِهِ) أَيْ تَحْرِيمِ الرِّبَا فِيهِ (وَزْنًا فَهُوَ وَزْنِيٌّ أَبَدًا كَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَلَوْ) وَصْلِيَّةً (تُعُورِفَ بِخِلَافِهِ) لِأَنَّ النَّصَّ قَاطِعٌ وَأَقْوَى مِنْ الْعُرْفِ وَالْأَقْوَى لَا يُتْرَكُ بِالْأَدْنَى (وَمَا لَا نَصَّ فِيهِ) أَيْ فِي كَوْنِهِ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا (حُمِلَ عَلَى الْعُرْفِ كَغَيْرِ السِّتَّةِ الْمَذْكُورَةِ) مِنْ الْبُرِّ إلَى الْفِضَّةِ لِأَنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ عَادَةَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَا رَآهُ الْمُؤْمِنُونَ حَسَنًا فَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى حَسَنٌ».
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْحِجَازِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قُلْنَا ذَلِكَ فِي نِصَابِ الزَّكَاةِ وَالْكَفَّارَاتِ لِأَنَّ الْأُمَّةَ اجْتَمَعَتْ عَلَى خِلَافِ ذَلِكَ فِي الْبِيَاعَاتِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ الْعُرْفُ عَلَى خِلَافِ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ أَيْضًا لِأَنَّ النَّصَّ عَلَى ذَلِكَ بِمَكَانِ الْعُرْفِ وَقَدْ تَبَدَّلَ فَيَتَبَدَّلُ حُكْمُهُ.
وَقَالَ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ اسْتِقْرَاضُ الدَّرَاهِمِ عَدَدًا وَبَيْعُ الدَّقِيقِ وَزْنًا عَلَى مَا هُوَ الْمُتَعَارَفُ فِي زَمَانِنَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مَبْنِيًّا عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ ثُمَّ فَرَّعَهُ بِقَوْلِهِ (فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ بِالْبُرِّ مُتَمَاثِلًا وَزْنًا) لِأَنَّ الْبُرَّ كَيْلِيٌّ شَرْعًا لَا وَزْنِيٌّ (وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا) لِأَنَّ الذَّهَبَ وَزْنِيٌّ لَا كَيْلِيٌّ وَإِنْ تَعَارَفُوا ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ الْفَضْلِ عَلَى مَا هُوَ الْمِعْيَارُ فِيهِ.
(وَجَازَ بَيْعُ فَلْسٍ مُعَيَّنٍ بِفَلْسَيْنِ مُعَيَّنَيْنِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) بَيْعُ الْفَلْسِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا الْأَوَّلُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا فِي الْبَيْعِ مُعَيَّنًا الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْمَبِيعُ مُعَيَّنًا وَالثَّمَنُ غَيْرَ مُعَيَّنٍ الثَّالِثُ عَكْسُ الثَّانِي الرَّابِعُ أَنْ يَكُونَ كُلٌّ مِنْهُمَا غَيْرَ مُعَيَّنٍ وَالْكُلُّ فَاسِدٌ سِوَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ لَهُ أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ فَلَا تَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا وَإِذَا بَقِيَتْ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ فَصَارَ كَبَيْعِ الدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ.
وَلَهُمَا أَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِي حَقِّهِمَا تَثْبُتُ بِاصْطِلَاحِهِمَا إذْ لَا وِلَايَةَ لِلْغَيْرِ عَلَيْهِمَا وَتَبْطُلُ بِاصْطِلَاحِهِمَا وَإِذَا بَطَلَتْ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ بِخِلَافِ النُّقُودِ لِأَنَّهَا لِلثَّمَنِيَّةِ خِلْقَةً.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ الْكِرْبَاسِ بِالْقُطْنِ) وَكَذَا بِالْغَزْلِ كَيْفَ مَا كَانَ لِاخْتِلَافِهِمَا جِنْسًا لِأَنَّ الثَّوْبَ لَا يُنْقَضُ لِيَعُودَ غَزْلًا أَوْ قُطْنًا وَالْكِرْبَاسُ الثِّيَابُ مِنْ الْمُلْحَمِ وَالْجَمْعُ كَرَابِيسُ كَمَا لَوْ بَاعَ الْقُطْنَ بِغَزْلِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَجُوزُ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَقَوْلُ مُحَمَّدٍ أَظْهَرُ.
وَفِي الْحَاوِي وَهُوَ الْأَصَحُّ وَلَوْ بَاعَ قُطْنًا غَيْرَ مَحْلُوجٍ بِمَحْلُوجٍ جَازَ إذَا عَلِمَ أَنَّ الْخَالِصَ أَكْثَرُ مِمَّا فِي الْآخَرِ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ، وَلَوْ بَاعَ الْقُطْنَ غَيْرَ الْمَحْلُوجِ بِحَبِّ الْقُطْنِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْحَبُّ الْخَالِصُ أَكْثَرَ مِنْ الْحَبِّ الَّذِي فِي الْقُطْنِ.
(وَ) يَجُوزُ (بَيْعُ اللَّحْمِ بِالْحَيَوَانِ) عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ (لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ اللَّحْمِ (بِحَيَوَانِ جِنْسِهِ حَتَّى يَكُونَ اللَّحْمُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الْحَيَوَانِ) لِيَكُونَ اللَّحْمُ بِمُقَابَلَةِ مَا فِيهِ وَالْبَاقِي (مِنْ اللَّحْمِ) بِمُقَابَلَةِ السِّقْطِ كَالْجِلْدِ وَالْكَرِشِ وَالْأَمْعَاءِ وَالطِّحَالِ لِأَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً فَكَذَا مُتَفَاضِلًا كَالزَّيْتِ بِالزَّيْتُونِ وَهُوَ الْقِيَاسُ وَلَهُمَا أَنَّ الْحَيَوَانَ لَيْسَ لَحْمُهُ بِمَالٍ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ انْتِفَاعَ اللَّحْمِ وَمَالِيَّتُهُ مُعَلَّقَةٌ بِالذَّكَاةِ فَيَكُونُ جِنْسًا آخَرَ بِخِلَافِ الزَّيْتِ وَالزَّيْتُونِ وَهُوَ الِاسْتِحْسَانُ قُيِّدَ بِاللَّحْمِ لِأَنَّهُ لَوْ بَاعَ أَحَدَ الشَّاتَيْنِ الْمَذْبُوحَتَيْنِ الْغَيْرِ الْمَسْلُوخَتَيْنِ بِالْأُخْرَى جَازَ اتِّفَاقًا بِأَنْ يَجْعَلَ لَحْمَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِجِلْدِ الْآخَرِ، وَلَوْ كَانَتَا مَسْلُوخَتَيْنِ يَجُوزُ إذَا تَسَاوَيَا وَزْنًا وَلَوْ اشْتَرَى شَاةً حَيَّةً بِشَاةٍ مَذْبُوحَةٍ يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَمَوْضِعُ الْخِلَافِ بَيْعُ اللَّحْمِ مِنْ جِنْسِ ذَلِكَ الْحَيَوَانِ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالدَّقِيقِ مُتَمَاثِلًا كَيْلًا) لَا مُتَفَاضِلًا لِاتِّحَادِ الِاسْمِ وَالصُّورَةِ وَالْمَعْنَى وَبِهِ تَثْبُتُ الْمُجَانَسَةُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَا يُعْتَبَرُ احْتِمَالُ التَّفَاضُلِ كَمَا فِي الْبُرِّ بِالْبُرِّ وَقَيَّدَهُ ابْنُ الْفَضْلِ بِمَا إذَا كَانَا مَكْبُوسَيْنِ وَإِلَّا لَا تَجُوزُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ الِاعْتِدَالِ فِي دُخُولِهِ الْكَيْلَ لِأَنَّهُ مُنْكَبِسٌ وَمُمْتَلِئٌ جِدًّا.
وَقَوْلُهُ كَيْلًا احْتِرَازٌ عَنْ الْوَزْنِ لِأَنَّ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ وَعَنْ الْجُزَافِ وَإِشَارَةٌ إلَى نَفْيِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.
(لَا) يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ (بِالسَّوِيقِ) أَيْ أَجْزَاءُ حِنْطَةٍ مَقْلِيَّةٍ وَالدَّقِيقُ أَجْزَاءُ حِنْطَةٍ غَيْرِ مَقْلِيَّةٍ (أَصْلًا) أَيْ لَا مُتَفَاضِلًا وَلَا مُتَسَاوِيًا عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الدَّقِيقِ بِالْمَقْلِيَّةِ وَلَا بَيْعُ السَّوِيقِ بِالْحِنْطَةِ فَكَذَا بَيْعُ أَجْزَائِهِمَا لِقِيَامِ الْمُجَانَسَةِ.
وَبَيْعُ الْمَقْلِيَّةِ وَالسَّوِيقِ مُتَسَاوِيًا جَائِزٌ لِاتِّحَادِ الِاسْمِ (خِلَافًا لَهُمَا) أَيْ قَالَا: يَجُوزُ كَيْفَ مَا كَانَ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ وَلَكِنْ يَدًا بِيَدٍ لِأَنَّ الْقَدْرَ يَجْمَعُهُمَا.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ) بِالرُّطَبِ مُتَمَاثِلًا خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُ الرُّطَبِ (بِالتَّمْرِ وَالْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ مُتَمَاثِلًا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ الرُّطَبَ وَالتَّمْرَ مُتَجَانِسَانِ بِالذَّاتِ لَا بِالصِّفَاتِ فَيَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ» وَإِنْ لَمْ يَتَجَانَسْ عَلَى زَعْمِ الْمُخَالِفِ يَجُوزُ أَيْضًا لِدُخُولِهِ تَحْتَ قَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» بَعْدَ أَنْ يَكُونَ يَدًا بِيَدٍ (خِلَافًا لَهُمَا) لِانْتِقَاصِ الرَّطْبِ بِالْجَفَافِ وَبَيْعُ الْعِنَبِ بِالزَّبِيبِ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ.
(وَكَذَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الْبُرِّ رَطْبًا) بِفَتْحِ الرَّاءِ وَسُكُونِ الطَّاءِ (أَوْ مَبْلُولًا بِمِثْلِهِ أَوْ بِالْيَابِسِ، وَ) بَيْعُ (التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مُنْقَعَيْنِ بِمِثْلِهِمَا مُتَسَاوِيًا) حَالٌ مِنْ الْجَمِيعِ يَعْنِي يَجُوزُ بَيْعُ الْبُرِّ رَطْبًا أَوْ مَبْلُولًا بِمِثْلِهِ أَوْ بِالْيَابِسِ وَبَيْعُ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ مُنْقَعَيْنِ بِمِثْلِهِمَا مُتَسَاوِيًا عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ لِأَنَّ حَالَ الْمَبِيعِ مُعْتَبَرٌ وَقْتَ الْعَقْدِ فَيُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِ اخْتَلَفَتْ الصِّفَةُ أَوْ لَمْ تَخْتَلِفْ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اعْتَبَرَ التَّسَاوِي فِي الْحَالِ وَالْمَآلِ وَتَرَكَ أَبُو يُوسُفَ الْأَصْلَ الَّذِي هُوَ تَحَقُّقُ التَّسَاوِي حَالَ الْعَقْدِ فِي بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ وَكَانَ مَعَ مُحَمَّدٍ لِحَدِيثِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ بَيْعِ الرُّطَبِ بِالتَّمْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَوَيَنْقُصُ إذَا جَفَّ ؟ فَقِيلَ نَعَمْ قَالَ لَا» فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى الْقِيَاسِ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ حَيَوَانٍ بِلَحْمِ حَيَوَانٍ غَيْرِ جِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا) نَقْدًا.
(وَكَذَا اللَّبَنُ) وَعَنْ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ لِاتِّحَادِ الْمَقْصُودِ فَلَا يَجُوزُ إلَّا مُتَسَاوِيًا وَلَنَا أَنَّ الْأُصُولَ مُخْتَلِفَةٌ حَتَّى لَا يُضَمَّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ فِي الذَّكْوَةِ فَكَذَا أَجْزَاؤُهَا وَقَيَّدْنَا بِالنَّقْدِ لِأَنَّ بَيْعَهُ نَسِيئَةً غَيْرُ جَائِزٍ بِالِاتِّفَاقِ.
(وَالْجَامُوسُ مَعَ الْبَقَرِ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَكَذَا الْمَعْزُ مَعَ الضَّأْنِ وَالْبُخْتُ مَعَ الْعِرَابِ) فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ لَحْمِ الْبَقَرِ بِالْجَامُوسِ مُتَفَاضِلًا لِاتِّحَادِ الْجِنْسِ بِدَلِيلِ الضَّمِّ فِي الذَّكَاةِ لِلتَّكْمِيلِ فَكَذَا أَجْزَاؤُهُمَا مَا لَمْ يَخْتَلِفْ الْمَقْصُودُ كَشَعْرِ الْمَعْزِ وَصُوفِ الضَّأْنِ فَإِنَّهُمَا جِنْسَانِ فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ جَازَ بَيْعُ لَحْمِ الطَّيْرِ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ مُتَفَاضِلًا مَعَ أَنَّهُ جِنْسٌ وَاحِدٌ وَلَمْ يَتَبَدَّلْ بِالصِّفَةِ ؟ قُلْنَا إنَّمَا جَازَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْزُونٍ عَادَةً فَلَمْ يَكُنْ مُقَدَّرًا فَلَمْ تُوجَدْ الْعِلَّةُ فَحَاصِلُهُ أَنَّ الِاخْتِلَافَ بِاخْتِلَافِ الْأَصْلِ أَوْ الْمَقْصُودِ أَوْ بِتَبَدُّلِ الصِّفَةِ.
وَفِي الْفَتْحِ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَثْنَى مِنْ لُحُومِ الطَّيْرِ الدَّجَاجُ وَالْإِوَزُّ لِأَنَّهُ يُوزَنُ فِي عَادَةِ أَهْلِ مِصْرَ بِعَظْمِهِ.
(وَيَجُوزُ بَيْعُ خَلِّ الْعِنَبِ بِخَلِّ الدَّقَلِ) نَقْدًا (مُتَفَاضِلًا) لِأَنَّهُمَا جِنْسَانِ مُتَغَايِرَانِ كَأَصْلِهِمَا (وَكَذَا شَحْمُ الْبَطْنِ بِالْأَلْيَةِ أَوْ بِاللَّحْمِ) أَيْ يَجُوزُ بَيْعُهَا مُتَفَاضِلًا وَإِنْ كَانَتْ كُلُّهَا مِنْ الضَّأْنِ لِأَنَّهَا أَجْنَاسٌ مُخْتَلِفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْأَسْمَاءِ وَالصُّوَرِ وَالْمَقَاصِدِ.
(وَ) يَجُوزُ بَيْعُ (الْخُبْزِ بِالْبُرِّ أَوْ الدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ مُتَفَاضِلًا) لِعَدَمِ التَّجَانُسِ لِأَنَّ الْخُبْزَ وَزْنِيٌّ أَوْ عَدَدِيٌّ، وَالْبُرَّ كَيْلِيٌّ بِالنَّصِّ وَلَمْ يَجْمَعْهَا قَدْرٌ وَكَذَا بَيْعُ الْخُبْزِ بِالدَّقِيقِ أَوْ السَّوِيقِ مُتَفَاضِلًا لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ عَدَمِ التَّجَانُسِ فَلَمْ تُوجَدْ عِلَّةُ الرِّبَا هَذَا إذَا كَانَا نَقْدَيْنِ وَأَمَّا إذَا كَانَ أَحَدُهُمَا نَسِيئَةً سَوَاءٌ كَانَ خُبْزًا أَوْ بُرًّا أَوْ دَقِيقًا فَيَجُوزُ فِي صُورَةِ كَوْنِ الْبُرِّ نَسِيئَةً عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّهُ أُسْلِمَ مَوْزُونًا فِي مَكِيلٍ يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ مِقْدَارِهِ قِيلَ يُفْتَى بِهِ وَيَجُوزُ فِي صُورَةِ كَوْنِ الْخُبْزِ نَسِيئَةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِأَنَّهُ أَسْلَمَ فِي مَوْزُونٍ وَقِيلَ بِهِ يُفْتَى وَعَنْ هَذَا قَالَ.
(وَإِنْ) وَصْلِيَّةٌ (أَحَدُهُمَا نَسِيئَةٌ بِهِ يُفْتَى) لِلتَّعَامُلِ.
وَفِي الْحَاوِي وَيَجُوزُ بَيْعُ اللَّبَنِ بِالْجُبْنِ.
(وَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الْجَيِّدِ بِالرَّدِيءِ) إذَا قُوبِلَ بِجِنْسِهِ مِمَّا فِيهِ الرِّبَا (إلَّا مُتَسَاوِيًا) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ».
(وَكَذَا) لَا يَجُوزُ بَيْعُ (الْبُسْرِ بِالتَّمْرِ) إلَّا مُتَسَاوِيًا لِإِطْلَاقِ التَّمْرِ عَلَى الْبُسْرِ.
(وَلَا) يَجُوزُ بَيْعُ (الْبُرِّ بِالدَّقِيقِ أَوْ بِالسَّوِيقِ أَوْ بِالنُّخَالَةِ مُطْلَقًا) أَيْ لَا مُتَسَاوِيًا وَلَا مُتَفَاضِلًا لِأَنَّ الْمُجَانَسَةَ بَاقِيَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ أَنَّهَا أَجْزَاءُ الْحِنْطَةِ (وَلَا) يَجُوزُ (بَيْعُ الزَّيْتُونِ بِالزَّيْتِ وَالسِّمْسِمِ بِالشَّيْرَجِ حَتَّى يَكُونَ الزَّيْتُ) فِي صُورَةِ بَيْعِ الزَّيْتُونِ بِهِ (وَالشَّيْرَجُ) فِي صُورَةِ بَيْعِ السِّمْسِمِ بِهِ (أَكْثَرَ مِمَّا فِي الزَّيْتُونِ وَالسِّمْسِمِ) وَفِيهِ اللَّفُّ وَالنَّشْرُ الْمُرَتَّبُ وَهُوَ أَنْ يَرْجِعَ الْأَوَّلُ لِلْأَوَّلِ وَالثَّانِي لِلثَّانِي (لِتَكُونَ الزِّيَادَةُ بِالثَّجِيرِ) بِفَتْحِ الثَّاءِ ثُفْلُ كُلِّ شَيْءٍ يُعْصَرُ اعْلَمْ أَنَّ الْبَيْعَ لَا يَجُوزُ فِي ثَلَاثِ صُوَرٍ الْأُولَى: أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزَّيْتَ الَّذِي فِي الزَّيْتُونِ أَكْثَرُ لِتَحَقُّقِ الْفَضْلِ مِنْ الدُّهْنِ وَالثُّفْلِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَعْلَمَ التَّسَاوِيَ لِخُلُوِّ الثُّفْلِ عَنْ الْعِوَضِ الثَّالِثَةُ أَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهُ مِثْلُهُ أَوْ أَكْثَرُ أَوْ أَقَلُّ فَلَا يَصِحُّ عِنْدَنَا لِأَنَّ الْفَضْلَ الْمُتَوَهَّمَ كَالْمُتَحَقَّقِ احْتِيَاطًا وَعِنْدَ زُفَرَ جَازَ لِأَنَّ الْجَوَازَ هُوَ الْأَصْلُ وَالْفَسَادُ لِوُجُودِ الْفَضْلِ الْخَالِي فَمَا لَمْ يُعْلَمْ لَا يَفْسُدُ، وَيَجُوزُ الْبَيْعُ فِي صُورَةٍ بِالْإِجْمَاعِ بِأَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الزَّيْتَ الْمُنْفَصِلَ أَكْثَرُ لِيَكُونَ الْفَضْلُ بِالثُّفْلِ وَكُلُّ شَيْءٍ بِثُفْلِهِ قِيمَةٌ إذَا بِيعَ بِالْخَالِصِ مِنْهُ لَا يَجُوزُ حَتَّى يَكُونَ الْخَالِصُ أَكْثَرَ كَبَيْعِ الْجَوْزِ بِدُهْنِهِ وَاللَّبَنِ بِسَمْنِهِ وَالتَّمْرِ بِنَوَاهُ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَلَا يُسْتَقْرَضُ الْخُبْزُ أَصْلًا) أَيْ لَا وَزْنًا وَلَا عَدَدًا عِنْدَ الْإِمَامِ لِلتَّفَاوُتِ الْفَاحِشِ مِنْ حَيْثُ الطُّولِ وَالْعَرْضِ وَالْغِلَظِ وَالدِّقَّةِ وَمِنْ حَيْثُ الْخَبَّازِ وَالتَّنُّورِ (وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ) اسْتِقْرَاضُهُ (وَزْنًا) لِإِمْكَانِ التَّسَاوِي فِي الْوَزْنِ لَا عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ فِي آحَادِهِ (وَبِهِ يُفْتَى) وَبِهِ جَزَمَ صَاحِبُ الْكَنْزِ وَذَكَرَ الزَّيْلَعِيُّ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ (وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ عَدَدًا أَيْضًا) لِلتَّعَارُفِ وَالتَّعَامُلِ.
وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ.
وَفِي الْفَتْحِ وَأَنَا أَرَى قَوْلَ مُحَمَّدٍ أَحْسَنَ لِكَوْنِهِ أَيْسَرَ وَأَرْفَقَ.
(وَلَا رِبَا بَيْنَ السَّيِّدِ وَعَبْدِهِ) لِأَنَّهُ وَمَا فِي يَدِهِ مِلْكُهُ أَطْلَقَهُ وَقَيَّدَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ بِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ دَيْنٌ مُسْتَغْرِقٌ لِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ وَأَمَّا إذَا كَانَ مُسْتَغْرِقًا فَيَجْرِي الرِّبَا بَيْنَهُمَا اتِّفَاقًا لِعَدَمِ الْمِلْكِ عِنْدَهُ لِلْمَوْلَى فِي كَسْبِهِ كَالْمُكَاتَبِ وَعِنْدَهُمَا لِتَعَلُّقِ حَقِّ الْغَيْرِ لَكِنْ إذَا لَمْ يَكُنْ مَا مَعَهُ لِمَوْلَاهُ بِأَنْ كَانَ مَدْيُونًا سَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ لِمَوْلَاهُ كَالْمُكَاتَبِ أَوْ لِغَيْرِهِ فَيُقَرَّرُ الْبَيْعُ بَيْنَهُمَا فَيَصِيرُ الْحُكْمُ كَحُكْمِ سَائِرِ الْبُيُوعِ وَلِذَا لَمْ يُفَصِّلْ تَدَبَّرْ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَا رِبَا بَيْنَ الْمُتَفَاوِضَيْنِ وَشَرِيكَيْ الْعِنَانِ إذَا تَبَايَعَا مِنْ مَالِ الشَّرِكَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِهِ جَرَى بَيْنَهُمَا.
(وَلَا) رِبَا بَيْنَ (الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ) عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ اعْتِبَارًا بِالْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ فِي دَارِنَا وَلَهُمَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا رِبَا بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْحَرْبِيِّ فِي دَارِ الْحَرْبِ» وَلِأَنَّ مَالَهُمْ مُبَاحٌ فِي دَارِهِمْ فَبِأَيِّ طَرِيقٍ أَخَذَهُ الْمُسْلِمُ أَخَذَ مَالًا مُبَاحًا إذَا لَمْ يَكُنْ عُذْرٌ بِخِلَافِ الْمُسْتَأْمَنِ مِنْهُمْ لِأَنَّ مَالَهُ صَارَ مَحْظُورًا بِعَقْدِ الْأَمَانِ قَالَ فِي التَّسْهِيلِ وَغَيْرِهِ وَلَا يَجُوزُ الرِّبَا عِنْدَ الْإِمَامِ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَمَنْ آمَنَ ثَمَّةَ لِعَدَمِ الْعِصْمَةِ فِي مَالِ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ فَصَارَ كَمَالِ الْحَرْبِيِّ وَيَجُوزُ لِلْمُسْلِمِ أَخْذُ مَالِ الْحَرْبِيِّ بِرِضَاهُ وَلَهُمَا أَنَّهُ رِبًا جَرَى بَيْنَ مُسْلِمِينَ فَحَرُمَ وَفِيهِ كَلَامٌ وَهُوَ أَنَّ عَدَمَ الْعِصْمَةِ مَمْنُوعٌ أَلَا يُرَى أَنَّ الْغَانِمِينَ لَمْ يَمْلِكُوا مَا فِي يَدِ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ إذَا ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ انْتَهَى لَكِنْ يُمْكِنُ الْفَرْقُ بِأَنَّ بَيْعَ الشَّيْءِ مِنْ الرِّبَوِيَّاتِ بِجِنْسِهِ مُتَفَاضِلًا يَكُونُ بِرِضَاهُ بِخِلَافِ مَا إذَا ظَهَرُوا عَلَيْهِمْ وَأَخَذُوا مَا فِي يَدِ مَنْ أَسْلَمَ ثَمَّةَ لِأَنَّهُمْ أَخَذُوا قَهْرًا لَا بِالرِّضَى فَاقْتَرَفَا تَدَبَّرْ.

.بَابُ الْحُقُوقِ وَالِاسْتِحْقَاقِ:

كَانَ مِنْ حَقِّ مَسَائِلِ الْحُقُوقِ أَنْ تُذْكَرَ فِي الْفَصْلِ الْمُتَّصِلِ بِأَوَّلِ الْبُيُوعِ إلَّا أَنَّ الْمُصَنِّفَ الْتَزَمَ تَرْتِيبَ الْهِدَايَةِ كَمَا الْتَزَمَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ تَرْتِيبَ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَلِأَنَّ الْحُقُوقَ تَوَابِعُ فَيَلِيقُ ذِكْرُهَا بَعْدَ ذِكْرِ الْمَسَائِلِ الْمَتْبُوعِ إلَّا أَنَّ صَاحِبَ الْهِدَايَةِ ذَكَرَ مَسَائِلَ الْحُقُوقِ فِي بَابٍ عَلَى حِدَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ مَسَائِلَ الِاسْتِحْقَاقِ فِي بَابٍ آخَرَ وَالْمُصَنِّفُ ذَكَرَهُمَا فِي بَابٍ وَلَيْتَ شِعْرِي لِمَ تَرَكَ أُسْلُوبَهُ ؟ وَالْحُقُوقُ جَمْعُ حَقٍّ وَهُوَ خِلَافُ الْبَاطِلِ، وَهُوَ مَصْدَرُ حَقَّ الشَّيْءُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ وَقَتَلَ إذَا وَجَبَ وَثَبَتَ وَلِهَذَا يُقَالُ لِمَرَافِقِ الدَّارِ حُقُوقُهَا وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُرَاجَعْ (يَدْخُلُ الْعُلُوُّ وَالْكَنِيفُ فِي بَيْعِ الدَّارِ) وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْ بِكُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا وَنَحْوَهُ لِأَنَّ الدَّارَ اسْمٌ لِمَا يُدَارُ عَلَيْهِ الْحُدُودُ مِنْ الْحَائِطِ وَيَشْتَمِلُ عَلَى بُيُوتٍ وَمَنَازِلَ وَصَحْنٍ غَيْرِ مُسَقَّفٍ وَالْعُلُوُّ مِنْ أَجْزَائِهِ فَيَدْخُلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرٍ وَكَذَا الْكَنِيفُ دَاخِلٌ فِيمَا أُطْلِقَ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ خَارِجًا مَبْنِيًّا عَلَى الظُّلَّةِ لِأَنَّهُ يُعَدُّ مِنْهَا عَادَةً وَكَذَا يَدْخُلُ بِئْرُ الْمَاءِ وَالْأَشْجَارُ الَّتِي فِي صَحْنِهَا وَالْبُسْتَانُ الدَّاخِلُ وَأَمَّا الْخَارِجُ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْهَا أَوْ مِثْلَهَا لَا يَدْخُلُ إلَّا بِالشَّرْطِ وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ مِنْهَا يَدْخُلُ لِأَنَّهَا يُعَدُّ مِنْ الدَّارِ عُرْفًا وَالْكَنِيفِ الْمُسْتَرَاحِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
وَفِي الْبِنَايَةِ الدَّارُ لُغَةً اسْمٌ لِقِطْعَةِ أَرْضٍ ضُرِبَتْ لَهَا الْحُدُودُ وَمُيِّزَتْ عَمَّا يُجَاوِرُهَا بِإِدَارَةِ خَطٍّ عَلَيْهَا فَبُنِيَ عَلَى بَعْضِهَا دُونَ الْبَعْضِ لِيُجْمَعَ فِيهَا مَرَافِقُ الصَّحْرَاءِ لِلِاسْتِرْوَاحِ وَمَنَافِعُ الْأَبْنِيَةِ لِلْإِسْكَانِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ مَا إذَا كَانَتْ الْأَبْنِيَةُ بِالْأَحْجَارِ وَالتُّرَابِ أَوْ بِالْخِيَامِ وَالْقِبَابِ (وَلَا) تَدْخُلُ (الظُّلَّةُ) فِي بَيْعِ الدَّارِ الظُّلَّةُ وَالسَّابَاطُ الَّذِي يَكُونُ أَحَدُ طَرَفَيْهِ عَلَى الدَّارِ وَالطَّرَفُ الْآخَرُ عَلَى دَارٍ أُخْرَى أَوْ عَلَى الْأُسْطُوَانَاتِ فِي السِّكَّةِ وَمِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ الْمَبِيعَةِ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ وَفِي الصِّحَاحِ الظُّلَّةُ بِالضَّمِّ كَهَيْئَةِ الصُّفَّةِ.
وَفِي الْمُغْرِبِ قَوْلُ الْفُقَهَاءِ ظُلَّةُ الدَّارِ يُرِيدُونَ السُّدَّةَ الَّتِي تَكُونُ فَوْقَ الْبَابِ لَكِنْ عَمَّمَ فِي الْإِصْلَاحِ فَقَالَ أَوْ عَلَى الْأُسْطُوَانَاتِ فِي السِّكَّةِ سَوَاءٌ كَانَ مِفْتَحُهَا إلَى الدَّارِ أَوْ لَا وَمَنْ وَهِمَ أَنَّهَا السُّدَّةُ الَّتِي فَوْقَ الْبَابِ فَقَدْ وَهِمَ انْتَهَى (إلَّا بِذِكْرِ كُلِّ حَقٍّ هُوَ لَهَا) أَيْ لِلدَّارِ (أَوْ بِمَرَافِقِهَا) أَيْ بِذِكْرِ مَرَافِقِهَا وَهِيَ حُقُوقُهَا أَيْ بِعْتُهَا لَك بِمَرَافِقِهَا (أَوْ بِكُلِّ) حَقٍّ (قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهَا أَوْ مِنْهَا) فَحِينَئِذٍ تَدْخُلُ الظُّلَّةُ فِي بَيْعِهَا عِنْدَ الْإِمَامِ.
(وَعِنْدَهُمَا تَدْخُلُ) أَيْ الظُّلَّةُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا (إنْ كَانَ مِفْتَحُهَا فِي الدَّارِ) لِأَنَّهَا مِنْ تَوَابِعِ الدَّارِ، وَلَهُ أَنَّ الظُّلَّةَ تَابِعَةٌ لِلدَّارِ مِنْ حَيْثُ إنَّ قَرَارَ أَحَدِ طَرَفَيْهَا عَلَى بِنَاءِ الدَّارِ وَلَيْسَتْ بِتَابِعَةٍ لَهَا مِنْ حَيْثُ إنَّ قَرَارَ طَرَفِهَا الْآخَرِ عَلَى غَيْرِ بِنَائِهَا فَلَا تَدْخُلُ بِلَا ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَتَدْخُلُ بِذِكْرِهَا عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ وَلَوْ كَانَ خَارِجُ الدَّارِ مَبْنِيًّا عَلَى الظُّلَّةِ تَدْخُلُ فِي بَيْعِ الدَّارِ بِلَا ذِكْرِ الْحُقُوقِ لِأَنَّهَا تُعَدُّ مِنْ الدَّارِ عَادَةً.
وَفِي الْخَانِيَّةِ وَيَدْخُلُ الْبَابُ الْأَعْظَمُ فِيمَا بَاعَ بَيْتًا أَوْ دَارًا بِمَرَافِقِهِمَا لِأَنَّ الْبَابَ الْأَعْظَمَ مِنْ مَرَافِقِهِمَا.
(وَلَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي شِرَاءِ مَنْزِلٍ إلَّا بِذِكْرِ نَحْوِ كُلِّ حَقٍّ) أَيْ إلَّا أَنْ يَقُولَ كُلُّ حَقٍّ هُوَ لَهُ أَوْ بِمَرَافِقِهِ أَوْ كُلُّ قَلِيلٍ وَكَثِيرٍ هُوَ فِيهِ أَوْ مِنْهُ لِأَنَّ الْمَنْزِلَ بَيْنَ الدَّارِ وَالْبَيْتِ إذْ تَتَأَتَّى فِيهِ مَرَافِقُ السُّكْنَى بِنَوْعِ قُصُورٍ بِانْتِفَاءِ مَنْزِلِ الدَّوَابِّ فِيهِ فَلِشَبَهِهِ بِالدَّارِ يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِيهِ تَبَعًا عِنْدَ ذِكْرِ الْحُقُوقِ وَلِشَبَهِهِ بِالْبَيْتِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ بِدُونِهِ (وَلَا) يَدْخُلُ الْعُلُوُّ (فِي شِرَاءِ بَيْتٍ وَإِنْ) وَصْلِيَّةً (ذَكَرَ كُلَّ حَقٍّ) وَنَحْوَهُ مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْبَيْتَ اسْمٌ لِمَا يُبَاتُ فِيهِ وَالْعُلُوُّ مِثْلُهُ وَالشَّيْءُ لَا يَسْتَتْبِعُ مِثْلَهُ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا فِيهِ بِالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ.
وَفِي الْكَافِي إنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ مَبْنِيٌّ عَلَى عُرْفِ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَفِي عُرْفِنَا يَدْخُلُ الْعُلُوُّ فِي الْكُلِّ سَوَاءٌ بَاعَ بِاسْمِ الْبَيْتِ أَوْ الْمَنْزِلِ أَوْ الدَّارِ وَالْأَحْكَامُ تُبْتَنَى عَلَى الْعُرْفِ فَيُعْتَبَرُ فِي كُلِّ إقْلِيمٍ وَفِي كُلِّ مِصْرٍ عُرْفُ أَهْلِهِ.
(وَلَا) يَدْخُلُ (الطَّرِيقُ) فِي بَيْعِ مَا لَهُ طَرِيقٌ.
(وَ) لَا يَدْخُلُ (الْمَسِيلُ) فِي بَيْعِ مَا لَهُ مَسِيلٌ.
(وَ) لَا يَدْخُلُ (الشُّرْبُ) فِي بَيْعِ مَا لَهُ شِرْبٌ (إلَّا بِذِكْرِ نَحْوِ كُلِّ حَقٍّ) لِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ تَابِعَةٌ مِنْ وَجْهٍ بِاعْتِبَارِ وُجُودِهَا بِدُونِ الْمَبِيعِ فَلَا يَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِ نَحْوِ كُلِّ حَقٍّ كَمَا فِي الْقُهُسْتَانِيِّ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ أَيْ مَسِيلُ الْمَاءِ وَالنَّهْرِ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ وَشِرْبُ الْأَرْضِ وَمَاؤُهَا وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَدْخُلَ الشِّرْبُ أَصْلًا فِي مَوْضِعٍ يُتَعَارَفُ بَيْعُ الْأَرْضِ بِلَا شِرْبٍ، وَطَرِيقُ الدَّارِ عَرْضُهُ عَرْضُ الْبَابِ الَّذِي هُوَ مَدْخَلُهَا وَطُولُهُ مِنْهُ إلَى الشَّارِعِ أَوْ هُوَ أَعَمُّ، وَمِنْ طَرِيقٍ خَاصٍّ فِي مِلْكِ إنْسَانٍ وَقْتَ الْبَيْعِ فَلَوْ سَدَّ الطَّرِيقَ الْقَدِيمَ لَمْ يَدْخُلْ بِذِكْرِهِ فَالطَّرِيقُ إلَى الشَّارِعِ الْعَامِ وَإِلَى سِكَّةٍ غَيْرِ نَافِذَةٍ يَدْخُلُ فِي الْبَيْعِ كَمَا فِي الْمُحِيطِ لَكِنْ فِي الْخُلَاصَةِ أَنَّ الْأَخِيرَةَ لَا تَدْخُلُ إلَّا بِذِكْرِهَا بِخِلَافِ الطَّرِيقِ النَّافِذَةِ فَإِنَّهَا لَا تَدْخُلُ أَصْلًا وَإِنْ كَانَ لَهُ حَقُّ الْمُرُورِ كَمَا كَانَ قَبْلَ الشِّرَاءِ (وَتَدْخُلُ) هَذِهِ الْأَشْيَاءُ (فِي الْإِجَارَةِ بِدُونِ ذِكْرِ) نَحْوِ كُلِّ حَقٍّ إذَا لَمْ يَنْتَفِعْ الْمُؤَجِّرُ بِدُونِهَا وَمِثْلُهَا الرَّهْنُ وَالصَّدَقَةُ الْمَوْقُوفَةُ.
وَقَالَ الْعَيْنِيُّ وَلَا يَدْخُلُ مَسِيلُ مَاءِ الْمِيزَابِ إذَا كَانَ فِي مِلْكٍ خَاصٍّ وَلَا مَسْقَطُ الثَّلْجِ فِيهِ.

.فَصَلِّ فِي بَيَانِ أَحْكَامِ الِاسْتِحْقَاقِ:

(الْبَيِّنَةُ حُجَّةٌ مُتَعَدِّيَةٌ) إلَى الْغَيْرِ تَظْهَرُ فِي حَقِّ كَافَّةِ النَّاسِ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَا تَصِيرُ حُجَّةً إلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي وَلَهُ وِلَايَةٌ عَامَّةٌ فَيَنْفُذُ قَضَاؤُهُ فِي حَقِّ الْكَافَّةِ كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَعْنَى التَّعَدِّي أَنَّهُ يَكُونُ الْقَضَاءُ بِهَا عَلَى كَافَّةِ النَّاسِ فِي كُلِّ شَيْءٍ قَضَى بِهِ بِالْبَيِّنَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَإِنَّمَا يَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْكَافَّةِ فِي عِتْقٍ وَنَحْوِهِ كَمَا مَرَّ تَحْقِيقُهُ (وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ) فَلَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقَضَاءِ وَلِلْمُقِرِّ وِلَايَةٌ عَلَى نَفْسِهِ دُونَ غَيْرِهِ فَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ (وَالتَّنَاقُضُ يَمْنَعُ دَعْوَى الْمِلْكِ لَا) يَمْنَعُ التَّنَاقُضُ دَعْوَى (الْحُرِّيَّةِ وَالطَّلَاقِ وَالنَّسَبِ) لِأَنَّ الْقَاضِيَ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْكَلَامِ الْمُتَنَاقِضِ إذْ أَحَدُهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَسَقَطَا، غَيْرَ أَنَّ الْحُرِّيَّةَ وَالطَّلَاقَ وَالنَّسَبَ مَبْنَاهُ عَلَى الْخَفَاءِ فَيُعْذَرُ فِي التَّنَاقُضِ لِأَنَّ النَّسَبَ يُبْتَنَى عَلَى الْعُلُوقِ وَالطَّلَاقُ وَالْحُرِّيَّةُ يَنْفَرِدُ بِهِمَا الزَّوْجُ وَالْمَوْلَى فَيَخْفَى عَلَيْهِمْ كَمَا فِي التَّبْيِينِ (فَلَوْ وَلَدَتْ أَمَةٌ مَبِيعَةٌ) تَفْرِيعٌ عَلَى كَوْنِ الْبَيِّنَةِ حُجَّةً مُتَعَدِّيَةً وَالْإِقْرَارِ حُجَّةً قَاصِرَةً يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَوَلَدَتْ عِنْدَهُ مِنْ غَيْرِ مَوْلَاهُ.
وَفِي الْكَافِي وَلَدَتْ لَوْ بِاسْتِيلَادٍ (فَاسْتُحِقَّتْ بِبَيِّنَةٍ، تَبِعَهَا وَلَدُهَا) فِي كَوْنِهِ مُسْتَحَقًّا وَمِلْكًا لِمَنْ بَرْهَنَ (إنْ كَانَ فِي يَدِهِ) أَيْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (وَقَضَى بِهِ) أَيْ بِالْوَلَدِ (أَيْضًا) وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ إذَا قَضَى الْقَاضِي بِالْأَصْلِ لِلْمُسْتَحَقِّ وَلَمْ يَعْرِفْ الزَّوَائِدَ أَوْ فِي يَدِ آخَرَ غَائِبٍ لَمْ تَدْخُلْ الزَّوَائِدُ تَحْتَ الْقَضَاءِ لِانْفِصَالِهَا عَنْ الْأَصْلِ يَوْمَ الْقَضَاءِ فَعَلَى هَذَا ظَهَرَ تَقْيِيدُهُ بِأَنْ كَانَ فِي يَدِهِ (وَقِيلَ يَكْفِي الْقَضَاءُ بِالْأُمِّ) لِأَنَّهُ تَبَعٌ لَهَا فَيَدْخُلُ فِي الْحُكْمِ عَلَيْهَا.
(وَإِنْ أَقَرَّ) الْمُشْتَرِي (بِهَا) أَيْ بِالْأَمَةِ الْمَبِيعَةِ (لِرَجُلٍ لَا يَتْبَعُهَا وَلَدُهَا) فَيَأْخُذُ الْمُقَرُّ لَهُ الْأَمَةَ لَا وَلَدَهَا، وَالْفَرْقُ أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُثْبِتُ الْمِلْكَ مِنْ الْأَصْلِ وَالْوَلَدُ كَانَ مُتَّصِلًا بِهَا يَوْمئِذٍ فَثَبَتَ بِهَا الِاسْتِحْقَاقُ فِيهِمَا وَالْإِقْرَارُ حُجَّةٌ قَاصِرَةٌ بَقِيَتْ بِهِ الْمِلْكُ فِي الْمُخْبِرِ بِهِ ضَرُورَةَ صِحَّةِ الْخَبَرِ وَمَا ثَبَتَ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِ الضَّرُورَةِ وَلَمْ يَذْكُرْ النُّكُولَ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ الْإِقْرَارِ.
وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ النِّهَايَةِ إنَّمَا لَا يَتْبَعُهَا الْوَلَدُ فِي الْإِقْرَارِ إذْ لَمْ يَدَّعِهِ الْمُقَرُّ لَهُ أَمَّا إذَا ادَّعَاهُ كَانَ لَهُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَهُ وَلَا خُصُوصِيَّةَ لِلْوَلَدِ بَلْ زَوَائِدُ الْمَبِيعِ كُلُّهَا عَلَى التَّفْصِيلِ انْتَهَى لَكِنَّ الظَّاهِرَ لَا يَصْلُحُ حُجَّةً لِلِاسْتِحْقَاقِ كَمَا قَالَهُ الْمَوْلَى سَعْدِيٌّ.
وَفِي الْبَزَّازِيَّةِ وَاسْتِحْقَاقُ الْجَارِيَةِ بَعْدَ مَوْتِ الْوَلَدِ لَا يُوجِبُ عَلَى الْمُشْتَرِي شَيْئًا كَزَوَائِدِ الْمَغْصُوبِ.
(وَإِنْ قَالَ شَخْصٌ لِآخَرَ) أَيْ لِرَجُلٍ يَطْلُبُ شِرَاءَ عَبْدٍ (اشْتَرِنِي فَأَنَا عَبْدٌ) لِفُلَانٍ (فَاشْتَرَاهُ) أَيْ الرَّجُلُ.
الْعَبْدَ بِنَاءً عَلَى كَلَامِهِ (فَإِذَا هُوَ حُرٌّ) أَيْ ظَهَرَ أَنَّهُ حُرٌّ وَإِذَا هُنَا لِلْمُفَاجَأَةِ (فَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ) غَائِبًا كَانَ (مَكَانُهُ مَعْلُومًا لَا يَضْمَنُ) الْعَبْدُ (الْآمِرُ) لِوُجُودِ مَنْ عَلَيْهِ الْحَقُّ وَهُوَ الْبَائِعُ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مَكَانُهُ مَعْلُومًا (ضَمِنَ) أَيْ رَجَعَ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الطَّرَفَيْنِ لِأَنَّ الْمُقِرَّ بِالْعُبُودِيَّةِ ضَمِنَ سَلَامَةَ نَفْسِهِ وَالْمُشْتَرِي اعْتَمَدَ عَلَى أَمْرِهِ وَإِقْرَارِهِ أَنَّهُ عَبْدُهُ إذْ الْقَوْلُ قَوْلُهُ فِي الْحُرِّيَّةِ فَيُجْعَلُ ضَامِنًا لِلثَّمَنِ عِنْدَ تَعَذُّرِ رُجُوعِهِ عَلَى الْبَائِعِ دَفْعًا لِلْغَرَرِ وَالضَّرَرِ (وَرَجَعَ) الْعَبْدُ (عَلَى الْبَائِعِ) بِالثَّمَنِ (إذَا حَضَرَ) لِأَنَّهُ قَضَى دَيْنًا عَلَيْهِ وَهُوَ مُضْطَرٌّ فِيهِ فَلَا يَكُونُ مُتَبَرِّعًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَرْجِعُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْعَبْدِ بِشَيْءٍ لِأَنَّ ضَمَانَ الثَّمَنِ بِالْمُعَاوَضَةِ أَوْ بِالْكَفَالَةِ فَلَمْ تُوجَدْ مِنْهُمَا كَمَا قَالَ اشْتَرِنِي أَوْ قَالَ أَنَا عَبْدٌ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا رُجُوعَ عَلَيْهِ بِشَيْءٍ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي الْفَتْحِ لَكِنْ فِي الْعَتَّابِيَّةِ مَا يُخَالِفُهُ فَلْيُنْظَرْ ثَمَّةَ.
(وَإِنْ قَالَ ارْتَهِنِّي) فَأَنَا عَبْدٌ فَارْتَهَنَهُ فَإِذَا هُوَ حُرٌّ (فَلَا ضَمَانَ أَصْلًا) سَوَاءٌ كَانَ الْبَائِعُ حَاضِرًا أَوْ لَا وَسَوَاءٌ كَانَ مَكَانُهُ مَعْلُومًا أَوْ غَيْرَ مَعْلُومٍ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَمْ يُشْرَعْ مُعَاوَضَةً وَمُوجِبُ الضَّمَانِ هُوَ الْغُرُورُ فِي الْمُعَاوَضَةِ.
(وَمَنْ ادَّعَى حَقًّا مَجْهُولًا فِي دَارٍ) فَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ذَلِكَ (فَصُولِحَ) مِنْ الْحَقِّ الْمَجْهُولِ (عَلَى شَيْءٍ) كَمِائَةِ دِرْهَمٍ مَثَلًا فَأَخَذَهُ الْمُدَّعِي (فَاسْتَحَقَّ بَعْضَهَا) أَيْ بَعْضَ الدَّارِ (فَلَا رُجُوعَ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ مِنْ الْبَدَلِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ دَعْوَاهُ فِيمَا بَقِيَ وَإِنْ قَلَّ فَمَا دَامَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَمْ يَرْجِعْ.
(وَلَوْ اسْتَحَقَّ كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ الدَّارِ الَّتِي ادَّعَاهَا (رُدَّ) أَيْ مِنْ الْمُدَّعِي (كُلُّ الْعِوَضِ) لِلتَّيَقُّنِ بِأَنَّهُ أَخَذَ عَمَّا لَا يَمْلِكُهُ فَيَرُدُّهُ (وَفُهِمَ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَذْكُورِ (صِحَّةُ الصُّلْحِ عَنْ الْمَجْهُولِ) عَلَى مَعْلُومٍ وَفُهِمَ مِنْهُ أَيْضًا عَدَمُ اشْتِرَاطِ صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّةِ الصُّلْحِ.
وَفِي الْمِنَحِ اُسْتُفِيدَ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنْ الْحُكْمِ شَيْئَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الصُّلْحَ عَنْ الْمَجْهُولِ جَائِزٌ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ الثَّانِي أَنَّ صِحَّةَ الصُّلْحِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صِحَّةِ الدَّعْوَى لِصِحَّتِهِ هُوَ دُونَهَا حَتَّى لَوْ بَرْهَنَ لَمْ تُقْبَلْ إلَّا إذَا ادَّعَى إقْرَارَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِهِ، قَيَّدَ بِالْمَجْهُولِ لِأَنَّهُ لَوْ ادَّعَى قَدْرًا مَعْلُومًا كَرُبُعِهَا لَمْ يَرْجِعْ مَا دَامَ فِي يَدِهِ ذَلِكَ الْمِقْدَارُ وَإِنْ بَقِيَ أَقَلُّ مِنْهُ رَجَعَ بِحِسَابِ مَا اُسْتُحِقَّ وَالْمُصَنِّفُ اقْتَصَرَ بِالْأُولَى فَقَدْ قَصَّرَ تَدَبَّرْ.
(وَلَوْ) كَانَ الْمُدَّعِي (ادَّعَى كُلَّهَا) أَيْ كُلَّ الدَّارِ فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ كَمِائَةٍ مَثَلًا ثُمَّ اُسْتُحِقَّ شَيْءٌ مِنْهَا (رَدَّ) أَيْ الْمُدَّعِي (حِصَّةَ مَا يُسْتَحَقُّ وَلَوْ) كَانَ الْمُسْتَحَقُّ (بَعْضًا) مِنْ الدَّارِ لِأَنَّ الصُّلْحَ عَلَى مِائَةٍ وَقَعَ عَنْ كُلِّ الدَّارِ فَإِذَا اُسْتُحِقَّ مِنْهَا شَيْءٌ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمُدَّعِيَ لَا يَمْلِكُ ذَلِكَ بِحِسَابِهِ مِنْ الْعِوَضِ كَمَا فِي أَكْثَرِ الْمُعْتَبَرَاتِ فَعَلَى هَذَا أَنَّ الْوَاوَ فِي وَلَوْ زَائِدَةً لِأَنَّ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ لَوْ كَانَ الْمُدَّعِي ادَّعَى كُلَّهَا فَصُولِحَ عَلَى شَيْءٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْكُلُّ رَدَّ الْمُدَّعِي حِصَّةَ مَا يَسْتَحِقُّ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ يَرُدُّ حِينَئِذٍ كُلَّ الْعِوَضِ كَمَا مَرَّ آنِفًا بَلْ الْمُرَادُ هَهُنَا رَدُّ الْمُدَّعِي حِصَّةَ مَا يُسْتَحَقُّ لَوْ كَانَ الْمُسْتَحَقُّ بَعْضًا تَدَبَّرْ.
ثُمَّ ذَكَرَ أَحْكَامَ الْفُضُولِيِّ بِلَا فَصْلٍ فَقَالَ (وَلِمَنْ بَاعَ فُضُولِيٌّ) هُوَ نِسْبَةٌ إلَى فُضُولٍ جَمْعُ الْفَضْلِ أَيْ الزِّيَادَةُ.
وَفِي الْمُغْرِبِ وَقَدْ غَلَبَ جَمْعُهُ عَلَى مَا لَا خَيْرَ فِيهِ حَتَّى قِيلَ فُضُولٌ بِلَا فَضْلٍ ثُمَّ قِيلَ لِمَنْ يَشْتَغِلُ بِمَا لَا يَعْنِيه فُضُولِيٌّ وَهُوَ فِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ مَنْ لَيْسَ وَكِيلًا وَفَتْحُ الْفَاءِ خَطَأٌ كَمَا فِي الْبَحْرِ (مِلْكَهُ) مَفْعُولُ بَاعَ (أَنْ يَفْسَخَهُ) مُبْتَدَأٌ مُؤَخَّرٌ خَبَرُهُ لِمَنْ (وَلَهُ) أَيْ لِلْمَالِكِ (أَنْ يُجِيزَهُ) يَعْنِي يَنْعَقِدُ بَيْعُهُ مَوْقُوفًا عَلَى إجَازَةِ الْمَالِكِ بِالشَّرَائِطِ الْأَرْبَعَةِ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ (بِشَرْطِ بَقَاءِ الْعَاقِدَيْنِ) أَيْ وَلَهُ أَنْ يُجِيزَهُ إنْ شَاءَ بِشَرْطِ بَقَاءِ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي أَمَّا شَرْطُ بَقَاءِ الْبَائِعِ فَلِأَنَّ حُقُوقَ الْعَقْدِ لَمْ يَلْزَمْهُ حَالَ حَيَاتِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَمَّا بَقَاءُ الْمُشْتَرِي فَلِأَنَّ الثَّمَنَ يَلْزَمُهُ فِي حَالِ حَيَاتِهِ فَكَيْفَ لَا يَلْزَمُهُ بَعْدَ وَفَاتِهِ.
(وَ) بِشَرْطِ بَقَاءِ (الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ) أَيْ الْمَبِيعِ وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ الْمَبِيعِ قَائِمًا أَنْ لَا يَكُونَ مُتَغَيِّرًا بِحَيْثُ يُعَدُّ شَيْئًا آخَرَ لِأَنَّ الْمِلْكَ لَمْ يَنْتَقِلْ إلَيْهِ بِالْعَقْدِ فَلَا يَنْتَقِلُ بَعْدَ هَلَاكِهِ.
وَفِي الْبَحْرِ وَلَوْ لَمْ يَعْلَمْ حَالَ الْمَبِيعِ وَقْتَ الْإِجَازَةِ مِنْ بَقَائِهِ وَعَدَمِهِ جَازَ الْبَيْعُ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاؤُهُ ثُمَّ رَجَعَ.
وَقَالَ لَا يَصِحُّ مَا لَمْ يُعْلَمْ بَقَاؤُهُ (وَ) بِشَرْطِ بَقَاءِ (الْمَالِكِ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ بِمَوْتِهِ يَبْطُلُ الْعَقْدُ الْمَوْقُوفُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُفِيدُ إجَازَةُ الْوَارِثِ، وَإِنَّمَا جَازَ بَيْعُ الْفُضُولِيِّ عِنْدَنَا لِأَنَّ رُكْنَ التَّصَرُّفِ صَدَرَ مِنْ أَهْلِهِ مُضَافًا إلَى مَحِلِّهِ وَلَا ضَرَرَ فِي انْعِقَادِهِ مَوْقُوفًا فَيَنْعَقِدُ وَلَيْسَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الْمَالِكِ لِأَنَّهُ مُخَيَّرٌ فَإِذَا رَأَى الْمَصْلَحَةَ فِيهِ نَفَّذَهُ وَإِلَّا فَسَخَهُ بَلْ لَهُ فِيهِ مَنْفَعَةٌ حَيْثُ يَسْقُطُ عَنْهُ مُؤْنَةُ طَلَبِ الْمُشْتَرِي وَقَرَارُ الثَّمَنِ وَيَسْقُطُ رُجُوعُ حُقُوقِ الْعَقْدِ إلَيْهِ فَثَبَتَ لِلْفُضُولِيِّ الْقُدْرَةُ الشَّرْعِيَّةُ إحْرَازًا لِهَذِهِ الْمَنَافِعِ عَلَى أَنَّ الْإِذْنَ لَهُ ثَابِتٌ دَلَالَةً لِأَنَّ كُلَّ عَاقِلٍ يَرْضَى بِتَصَرُّفٍ يَحْصُلُ لَهُ بِهِ النَّفْعُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ تَصَرُّفَاتُ الْفُضُولِيِّ بَاطِلَةٌ كُلُّهَا وَقَيْدُ الْمُصَنِّفِ بِالْأَوَّلِ مُسْتَدْرَكٌ لَا طَائِلَ تَحْتَهُ تَتَبَّعْ.
(وَكَذَا) بِشَرْطِ (بَقَاءِ الثَّمَنِ إنْ كَانَ) الثَّمَنُ (عَرَضًا) لِأَنَّ الْعَرَضَ يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ فَصَارَ كَالْبَيْعِ فَيُشْتَرَطُ بَقَاؤُهُ وَبِهَذَا يُفْهَمُ أَنَّ الثَّمَنَ إنْ كَانَ دَيْنًا يَحْتَاجُ إلَى أَرْبَعَةِ أَشْيَاءَ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا يَحْتَاجُ إلَى خَمْسَةِ أَشْيَاءَ فَلَا وَجْهَ بِالْحَصْرِ إلَى أَرْبَعَةٍ كَمَا قِيلَ تَدَبَّرْ (وَإِذَا أَجَازَ) الْمَالِكُ عِنْدَ قِيَامِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ جَازَ الْبَيْعُ (فَالثَّمَنُ الْعَرَضُ مِلْكٌ لِلْفُضُولِيِّ) أَيْ إنْ كَانَ الثَّمَنُ عَرَضًا كَانَ مَمْلُوكًا لِلْفُضُولِيِّ وَإِجَازَةُ الْمَالِكِ إجَازَةُ نَقْدٍ لَا إجَازَةُ عَقْدٍ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْعَرَضُ مُتَعَيِّنًا كَانَ شِرَاءً مِنْ وَجْهٍ وَالشِّرَاءُ لَا يَتَوَقَّفُ بَلْ يَنْفُذُ عَلَى الْمُبَاشِرِ إنْ وَجَدَ نَفَاذًا فَيَكُونُ مِلْكًا وَبِإِجَازَةِ الْمَالِكِ لَا يَنْتَقِلُ إلَيْهِ بَلْ تَأْثِيرُ إجَازَتِهِ فِي النَّقْدِ لَا فِي الْعَقْدِ (وَعَلَيْهِ) أَيْ يَجِبُ عَنْ الْفُضُولِيِّ (مِثْلُ الْبَيْعِ لَوْ) كَانَ (مِثْلِيًّا وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِثْلِيًّا (فَقِيمَتُهُ) لِأَنَّهُ لَمَّا صَارَ الْبَدَلُ لَهُ صَارَ مُشْتَرِيًا لِنَفْسِهِ بِمَالِ الْغَيْرِ مُسْتَقْرِضًا لَهُ فِي ضِمْنِ الشِّرَاءِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ رَدُّهُ كَمَا لَوْ قَضَى دَيْنًا بِمَالِ الْغَيْرِ وَاسْتِقْرَاضُ غَيْرِ الْمِثْلِيِّ جَائِزٌ ضِمْنًا وَإِنْ لَمْ يَجُزْ قَصْدًا (وَغَيْرُ الْعَرَضِ) يَعْنِي إنْ كَانَ الثَّمَنُ فِي بَيْعِ الْفُضُولِيِّ دَيْنًا غَيْرَ عَرَضٍ كَالدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَالْفُلُوسِ وَالْكَيْلِيِّ وَالْوَزْنِيِّ بِغَيْرِ عَيْنِهِمَا فَأَجَازَ الْمَالِكُ الْبَيْعَ حَالَ بَقَاءِ الْأَرْبَعَةِ جَازَ الْبَيْعُ وَهُوَ الثَّمَنُ (مِلْكٌ لِلْمُجِيزِ أَمَانَةٌ فِي يَدِ الْفُضُولِيِّ) بِمَنْزِلَةِ الْوَكِيلِ حَتَّى لَا يَضْمَنَ بِالْهَلَاكِ فِي يَدِهِ سَوَاءٌ هَلَكَ بَعْدَ الْإِجَازَةِ أَوْ قَبْلَهُ لِأَنَّ الْإِجَازَةَ اللَّاحِقَةَ كَالْوَكَالَةِ السَّابِقَةِ (وَلِلْفُضُولِيِّ أَنْ يَفْسَخَ قَبْلَ إجَازَةِ الْمَالِكِ) دَفْعًا لِلْحُقُوقِ عَنْ نَفْسِهِ لِأَنَّ حُقُوقَ الْبَيْعِ تَرْجِعُ إلَيْهِ بِخِلَافِ الْفُضُولِيِّ فِي النِّكَاحِ حَيْثُ لَا يَكُونَ الْفَسْخُ لَهُ قَبْلَ الْإِجَازَةِ لِأَنَّ الْحُقُوقَ لَا تَرْجِعُ إلَيْهِ.
(وَصَحَّ إعْتَاقُ الْمُشْتَرَى) اسْمُ مَفْعُولٍ أَوْ فَاعِلٌ صِلَتُهُ (مِنْ الْغَاصِبِ إذَا أُجِيزَ الْبَيْعُ) يَعْنِي لَوْ غَصَبَ عَبْدًا فَبَاعَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ ثُمَّ أَجَازَ الْمَوْلَى الْبَيْعَ صَحَّ الْعِتْقُ اسْتِحْسَانًا عَنْ الْمُشْتَرِي عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَزُفَرَ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ لَا عِتْقَ بِدُونِ الْمِلْكِ وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمِلْكَ يَثْبُتُ مَوْقُوفًا بِتَصَرُّفٍ مُطْلَقٍ مَوْضُوعٍ لِإِفَادَةِ الْمِلْكِ وَلَا ضَرَرَ فِيهِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِعْتَاقُ مُرَتَّبًا عَلَيْهِ وَيَنْفُذُ بِنَفَاذِهِ.
(وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ) أَيْ بَيْعُ الْمُشْتَرِي مِنْ الْغَاصِبِ عِنْدَ إجَارَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ لِأَنَّ بِالْإِجَازَةِ يَثْبُتُ لِلْبَائِعِ مِلْكٌ بَاتٌّ فَإِذَا طَرَأَ عَلَى مِلْكِ مَوْقُوفٍ أَبْطَلَهُ لِاسْتِحَالَةِ الْمِلْكِ الْبَاتِّ وَالْمِلْكِ الْمَوْقُوفِ فِي مَحَلٍّ وَاحِدٍ.
(وَلَوْ قُطِعَتْ يَدُهُ) أَيْ يَدُ الْعَبْدِ الَّذِي بَاعَهُ الْفُضُولِيُّ (عِنْدَ الْمُشْتَرِي فَأُجِيزَ) أَيْ أَجَازَ الْمَالِكُ (الْبَيْعَ فَأَرْشُهُ) أَيْ أَرْشُ يَدِ الْعَبْدِ (لَهُ) أَيْ لِمُشْتَرِيهِ لِأَنَّ الْمِلْكَ ثَبَتَ لَهُ مِنْ وَقْتِ الشِّرَاءِ فَتَبَيَّنَ أَنَّ الْقَطْعَ وَرَدَ عَلَى مِلْكِهِ وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا يَحْدُثُ مِنْ الْبَيْعِ كَالْكَسْبِ وَالْوَلَدِ وَالْعُقْرِ قَبْلَ الْإِجَازَةِ يَكُونُ لِلْمُشْتَرِي وَكَذَا الْحُكْمُ فِي أَرْشِ جَمِيعِ جِرَاحَاتِهِ فَذِكْرُ الْيَدِ مِثَالٌ وَهُوَ لَا يُخَصُّ كَمَا لَا يَخْفَى وَفِيهِ سُؤَالٌ وَجَوَابٌ فِي الْمِنَحِ وَغَيْرِهِ فَلْيُطَالَعْ (وَيَتَصَدَّقُ) الْمُشْتَرِي (بِمَا زَادَ) مِنْ أَرْشِ الْيَدِ (عَلَى نِصْفِ ثَمَنِهِ) أَيْ ثَمَنِ الْعَبْدِ وُجُوبًا لِأَنَّ فِيهِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمِلْكِ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَوْجُودٍ حَقِيقَةً وَقْتَ الْقَطْعِ، وَأَرْشُ الْيَدِ الْوَاحِدَةِ فِي الْحُرِّ نِصْفُ الدِّيَةِ وَفِي الْعَبْدِ نِصْفُ الْقِيمَةِ، وَاَلَّذِي دَخَلَ فِي ضَمَانِهِ هُوَ مَا كَانَ بِمُقَابَلَةِ الثَّمَنِ فِيمَا زَادَ عَلَى نِصْفِ الثَّمَنِ شُبْهَةَ عَدَمِ الْمِلْكِ فَيَتَصَدَّقُ بِهِ وُجُوبًا وَلَوْ رُدَّ وُجُوبُ التَّصَدُّقِ بِالزَّائِدِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ مَا فِي الْفَتْحِ وَقَيَّدَ بِمَا زَادَ لِأَنَّهُ لَا يَتَصَدَّقُ بِالْكُلِّ وَإِنْ كَانَ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ لِكَوْنِهِ مَضْمُونًا عَلَيْهِ بِخِلَافِ مَا زَادَ وَوَزَّعَ فِي الْكَافِي فَقَالَ إنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَفِيمَا زَادَ رِبْحُ مَا لَمْ يَضْمَنْ وَإِنْ كَانَ مَقْبُوضًا فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ الْمِلْكِ كَمَا فِي الْبَحْرِ.
(وَمَنْ اشْتَرَى عَبْدًا مِنْ غَيْرِ سَيِّدِهِ ثُمَّ أَقَامَ) الْمُشْتَرِي (بَيِّنَةً) بَعْدَ مَا ادَّعَى عَلَى الْبَائِعِ أَنَّهُ أَقَرَّ قَبْلَ الْبَيْعِ بِأَنِّي أَبِيعُ بِغَيْرِ أَمْرِ مَوْلَاهُ أَوْ بَعْدَ الْبَيْعِ بِأَنِّي بِعْتُ بِغَيْرِ أَمْرِهِ أَوْ عَلَى الْمَوْلَى أَنَّهُ أَقَرَّ بِعَدَمِ أَمْرِ الْبَيْعِ (عَلَى إقْرَارِ الْبَائِعِ) الْفُضُولِيِّ (أَوْ السَّيِّدِ) حَالَ إرَادَةِ رَدَّ الْعَبْدِ عَلَى الْإِقْرَارِ (بِعَدَمِ الْأَمْرِ) بِبَيْعِ الْعَبْدِ الْمَذْكُورِ (وَأَرَادَ) الْمُشْتَرِي (رَدَّهُ) أَيْ الْعَبْدِ (لَا تُقْبَلُ بَيِّنَتُهُ) لِبُطْلَانِ دَعْوَاهُ بِالتَّنَاقُضِ إذْ إقْدَامُهُمَا عَلَى الْعَقْدِ اعْتِرَافٌ مِنْهُمَا بِصِحَّتِهِ وَنَفَاذِهِ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ مُبَاشَرَةُ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ النَّافِذِ وَالْبَيِّنَةُ لَا تُبْتَنَى إلَّا عَلَى دَعْوَى صَحِيحَةٍ فَإِذَا بَطَلَتْ الدَّعْوَى لَا تُقْبَلُ كَمَا لَوْ أَقَامَ الْبَائِعُ الْبَيِّنَةَ أَنَّهُ بَاعَ بِلَا أَمْرٍ أَوْ بَرْهَنَ عَلَى إقْرَارِ الْمُشْتَرِي بِذَلِكَ فَإِنَّهُ لَا تُقْبَلُ.
(وَلَوْ أَقَرَّ الْبَائِعُ) الْفُضُولِيُّ (بِذَلِكَ) أَيْ عَدَمِ أَمْرِ رَبِّ الْعَبْدِ (عِنْدَ الْقَاضِي فَلَهُ) أَيْ لِلْمُشْتَرِي (رَدُّهُ) إنْ طَلَبَ الْمُشْتَرِي ذَلِكَ لِأَنَّ التَّنَاقُضَ لَا يَمْنَعُ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لِعَدَمِ التُّهْمَةِ فَلِلْمُشْتَرِي أَنْ يُسَاعِدَهُ فَيَتَّفِقَانِ فَيُنْتَقَضُ فِي حَقِّهِمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِبُطْلَانِ الْبَيْعِ فِي عِبَارَتِهِ لَا فِي حَقِّ رَبِّ الْعَبْدِ إنْ كَذَّبَهُمَا وَادَّعَى أَنَّهُ كَانَ أَمَرَهُ فَإِذَا لَمْ يَنْفَسِخْ فِي حَقِّهِ يُطَالِبُ الْبَائِعَ بِالثَّمَنِ عِنْدَهُمَا لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ وَلَيْسَ لَهُ مُطَالَبَةُ الْمُشْتَرِي لِبَرَاءَتِهِ بِالتَّصَادُقِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَهُ أَنْ يُطَالِبَهُ فَإِذَا أَدَّى رَجَعَ بِهِ عَلَى الْبَائِعِ بِنَاءً عَلَى بَرَاءَةِ الْوَكِيلِ وَتَمَامُهُ فِي الْبَحْرِ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَلَوْ اشْتَرَى دَارًا مِنْ فُضُولِيٍّ وَأَدْخَلَهَا) الْمُشْتَرِي (فِي بِنَائِهِ فَلَا ضَمَانَ عَلَى الْفُضُولِيِّ) عِنْدَ الْإِمَامِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ آخِرًا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ أَوَّلًا.
وَفِي الْبَحْرِ يَعْنِي إذَا أَقَرَّ الْبَائِعُ بِالْغَصْبِ وَأَنْكَرَ الْمُشْتَرِي لِأَنَّ إقْرَارَهُ لَا يَصْدُقُ عَلَى الْمُشْتَرِي وَلَا بُدَّ مِنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ حَتَّى يَأْخُذَهَا فَإِذَا لَمْ يُقِمْ الْمُسْتَحِقُّ وَهُوَ صَاحِبُ الدَّارِ الْبَيِّنَةَ كَانَ التَّلَفُ مُضَافًا إلَى عَجْزِهِ عَنْ إقَامَةِ الْبَيِّنَةِ لَا إلَى عَقْدِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْغَاصِبَ لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ فَعَلَى هَذَا يُعْلَمُ أَنَّ قَوْلَهُ وَأَدْخَلَهَا الْمُشْتَرِي فِي بِنَائِهِ اتِّفَاقِيٌّ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ لِيُعْلَمَ حُكْمُ غَيْرِهِ بِالْأَوْلَى وَأَرَادَ بِالدَّارِ الْعَرْصَةَ بِقَرِينَةِ أَدْخَلَهَا فِي بِنَائِهِ.

.بَابُ السَّلَمِ:

لَمَّا كَانَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبُيُوعِ وَلَكِنْ شُرِطَ فِيهِ الْقَبْضُ كَالصَّرْفِ أَخَّرَهُمَا وَقَدَّمَهُ عَلَى الصَّرْفِ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِي الصَّرْفِ قَبْضُهُمَا.
وَفِي السَّلَمِ قَبْضُ أَحَدِهِمَا فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْمُفْرَدِ مِنْ الْمُرَكَّبِ، وَهُوَ فِي اللُّغَةِ عِبَارَةٌ عَنْ نَوْعِ بَيْعٍ يُعَجَّلُ فِيهِ الثَّمَنُ.
قِيلَ وَفِي اصْطِلَاحِ الْفُقَهَاءِ هُوَ أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ، وَفِي الْبَحْرِ نَقْلًا عَنْ الْفَتْحِ لَيْسَ بِصَحِيحٍ لِصِدْقِهِ عَلَى الْبَيْعِ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ وَعَرَّفَهُ أَوَّلًا بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُمْ: أَخْذُ عَاجِلٍ بِآجِلٍ تَحْرِيفٌ مِنْ النُّسَّاخِ الْجَهَلَةِ، فَاسْتَمَرَّ النَّقْلُ عَلَى هَذَا التَّحْرِيفِ.
انْتَهَى.
وَعَنْ هَذَا قَالَ (هُوَ بَيْعُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ) لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ الْمُرَادُ أَخْذُ ثَمَنٍ عَاجِلٍ بِآجِلٍ بِقَرِينَةِ الْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ؛ إذْ الْأَصْلُ عَدَمُ التَّغْيِيرِ إلَّا أَنْ يَثْبُتَ بِدَلِيلٍ كَمَا قَالَهُ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ.
وَفِي الدُّرَرِ وَهُوَ مَشْرُوعٌ بِالْكِتَابِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {إذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ} الْآيَةَ، فَإِنَّهَا تَشْمَلُ السَّلَمَ وَالْبَيْعَ بِثَمَنٍ مُؤَجَّلٍ، وَتَأْجِيلَهُ بَعْدَ الْحُلُولِ، وَالسُّنَّةِ وَهِيَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «مَنْ أَسْلَمَ مِنْكُمْ فَلْيُسْلِمْ فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ وَوَزْنٍ مَعْلُومٍ إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ»، وَبِالْإِجْمَاعِ وَيَأْبَاهُ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ بَيْعُ مَعْدُومٍ لَكِنَّهُ تُرِكَ لِمَا ذُكِرَ وَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ نَهَى عَنْ بَيْعِ مَا لَيْسَ عِنْدَ الْإِنْسَانِ وَرَخَّصَ فِي السَّلَمِ» لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ الْعِزِّ الْحَنَفِيَّ قَالَ فِي حَوَاشِي الْهِدَايَةِ هَذَا اللَّفْظُ هَكَذَا لَمْ يُرْوَ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكَأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ وَاحِدٍ مِنْ الْفُقَهَاءِ، انْتَهَى.

.ما يصح فيه السلم:

(وَيَصِحُّ) السَّلَمُ (فِيمَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ) أَيْ جَوْدَتِهِ وَرَدَاءَتِهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ (وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ) أَيْ مِقْدَارُهُ أَعَمُّ مِنْ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالذَّرْعِ لِأَنَّهُ لَا يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَفِي الْبَحْرِ: السَّلَمُ فِي الْعِنَبِ الْفُلَانِيِّ فِي وَقْتِ كَوْنِهِ حِصْرِمًا لَا يَصِحُّ وَالسَّلَمُ فِي التُّفَّاحِ الشَّامِيِّ قَبْلَ الْإِدْرَاكِ يَصِحُّ لِأَنَّهُ يُسَمَّى تُفَّاحًا (لَا فِي غَيْرِهِ) أَيْ وَمَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَمَعْرِفَةُ قَدْرِهِ لَا يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهِ لِأَنَّهُ يُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَهَذِهِ قَاعِدَةٌ كُلِّيَّةٌ تُبْتَنَى عَلَيْهَا كَثِيرُ مَسَائِلِ السَّلَمِ.
فَشَرَعَ الْمُصَنِّفُ فِي ذِكْرِ بَعْضِهَا لِتَعْرِفَ بَاقِيَهَا بِالتَّأَمُّلِ فِيهَا فَقَالَ مُفَرِّعًا بِمَا عَلَيْهَا (فَيَصِحُّ) السَّلَمُ كَمَا فِي الْفَرَائِدِ لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْمُصَنِّفُ شَرَعَ أَنْ يُبَيِّنَ الْفَصْلَيْنِ بِالْفَاءِ فَالْأَوْلَى أَنْ تَكُونَ تَفْصِيلِيَّةً، تَدَبَّرْ (فِي الْمَكِيلِ) كَالْبُرِّ وَالشَّعِيرِ (وَالْمَوْزُونِ) كَالْعَسَلِ وَالزَّيْتِ (سِوَى النَّقْدَيْنِ) مِنْ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ لَا لِأَنَّهُمَا مَوْزُونَةٌ وَلَكِنَّهُمَا غَيْرُ مُثَمَّنَيْنِ بَلْ خُلِقَا ثَمَنَيْنِ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا.
(وَ) يَصِحُّ (فِي الْعَدَدِيِّ الْمُتَقَارِبِ) وَهُوَ مَا لَا يَتَفَاوَتُ آحَادُهُ (كَالْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَدَدًا وَكَيْلًا) لِأَنَّهُ مَعْلُومٌ مَضْبُوطٌ مَقْدُورُ التَّسْلِيمِ، وَمَا فِيهِ مِنْ التَّفَاوُتِ يُهْدَرُ عُرْفًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ عَدَدًا وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِيهِ كَيْلًا؛ فَعِنْدَنَا يَجُوزُ كَيْلًا وَمَنَعَهُ زُفَرُ كَيْلًا وَعَنْهُ مَنْعُهُ عَدَدًا أَيْضًا لِلتَّفَاوُتِ وَإِنَّمَا جَازَ كَيْلًا عِنْدَنَا لِوُجُودِ الضَّبْطِ فِيهِ.
قَيَّدَ بِالْمُتَقَارِبِ - وَمِنْهُ الْكُمَّثْرَى وَالْمِشْمِشُ وَالتِّينُ - لِأَنَّ الْعَدَدِيَّ الْمُتَفَاوِتَ لَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ، وَمَا تَفَاوَتَتْ مَالِيَّتُهُ مُتَفَاوِتٌ، كَالْبِطِّيخِ وَالْقَرْعِ وَالرُّمَّانِ وَالسَّفَرْجَلِ وَغَيْرِهَا؛ فَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا عَدَدًا لِلتَّفَاوُتِ إلَّا إذَا ذَكَرَ ضَابِطًا غَيْرَ مُجَرَّدِ الْعَدَدِ كَطُولٍ وَغِلَظٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ كَمَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ.
لَكِنْ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَذُكِرَ فِي الْمُخْتَلِفِ: يَجُوزُ السَّلَمُ فِي الْجَوْزِ وَالْبَيْضِ عَدَدًا وَكَيْلًا وَوَزْنًا.
وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ كَيْلًا وَوَزْنًا، وَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمَبْسُوطِ.
وَفِي فَتَاوَى الْأَفْطَسِ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ السَّلَمَ يَجُوزُ فِي الْجَوْزِ كَيْلًا، وَفِي الْبَيْضِ وَزْنًا.
انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا يَظْهَرُ مُخَالَفَةُ مَا فِي الْبَحْرِ وَغَيْرِهِ مِنْ أَنَّهُ مَنَعَهُ زُفَرُ كَيْلًا تَدَبَّرْ.
(وَكَذَا) فِي (الْفُلُوسِ) أَيْ يَصِحُّ السَّلَمُ فِيهَا عَدَدًا لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ فِيهَا لَيْسَتْ خِلْقِيَّةً، وَإِنَّمَا الْجَوَازُ فِيهَا بِالِاصْطِلَاحِ فَلِلْعَاقِدِينَ إبْطَالُهَا (خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ) لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ.
وَفِي الْبَحْرِ: وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ الْكُلِّ الْجَوَازُ، وَإِذَا بَطَلَتْ ثَمَنِيَّتُهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ الْعَدِّ إلَى الْوَزْنِ لِلْعُرْفِ، إلَّا أَنْ يُهْدِرَهُ أَهْلُ الْعُرْفِ كَمَا هُوَ فِي دِيَارِنَا فِي زَمَانِنَا، وَقَدْ كَانَتْ قَبْلَ هَذِهِ الْأَعْصَارِ عَدَدِيَّةً فِي دِيَارِنَا أَيْضًا.
انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ اخْتِيَارُ الْمُصَنِّفِ غَيْرَ الظَّاهِرِ فَلِهَذَا قَالَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ، لَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَقُولَ وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَدَبَّرْ.
(وَفِي اللَّبِنِ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَكَسْرِ الْبَاءِ: وَهُوَ الطُّوبُ الْأَحْمَزَ، وَشَرَطَ فِي الْخُلَاصَةِ ذِكْرَ الْمَكَانِ الَّذِي يُعْمَلُ فِيهِ اللَّبِنُ (وَالْآجُرِّ) بِضَمِّ الْجِيمِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ مَعَ الْمَدِّ اللَّبِنُ إذَا طُبِخَ (إذَا سُمِّيَ مِلْبَنٌ) بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَفَتْحِ الْبَاءِ قَالِبُهُمَا (مَعْلُومٌ) لِأَنَّ التَّفَاوُتَ حِينَئِذٍ يَكُونُ أَقَلَّ.
(وَ) يَصِحُّ السَّلَمُ (فِي الْمَذْرُوعِ كَالثَّوْبِ إنْ بُيِّنَ طُولُهُ وَعَرْضُهُ وَرُقْعَتُهُ) أَيْ غِلَظُهُ وَرِقَّتُهُ.
وَفِي الْمِنَحِ: وَصِفَتُهُ أَيْ مِنْ قُطْنٍ أَوْ كَتَّانٍ أَوْ مُرَكَّبٍ مِنْهُمَا - وَهُوَ الْمُلْحَمُ - أَوْ حَرِيرٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَصَنْعَةٌ كَعَمَلِ الشَّامِ أَوْ الرُّومِ لِأَنَّهُ يَصِيرُ مَعْلُومًا بِذِكْرِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ.
قِيلَ هَذَا إذَا كَانَ الثَّوْبُ غَيْرَ الْحَرِيرِ إذْ لَوْ كَانَ حَرِيرًا لَا بُدَّ أَيْضًا مِنْ بَيَانِ وَزْنِهِ.
(وَ) يَصِحُّ (فِي السَّمَكِ الْمَلِيحِ) أَيْ الْقَدِيدِ بِالْمِلْحِ (وَزْنًا وَنَوْعًا مَعْلُومَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا يَنْقَطِعُ، وَهُوَ مَعْلُومٌ يُمْكِنُ ضَبْطُهُ بِبَيَانِ قَدْرِهِ بِالْوَزْنِ، وَبَيَانِ نَوْعِهِ.
(وَكَذَا الطَّرِيُّ فِي حِينِهِ فَقَطْ) أَيْ يَصِحُّ فِي سَمَكٍ طَرِيٍّ حِينَ يُوجَدُ غَيْرَ مُقَيَّدٍ بِوَقْتٍ دُونَ وَقْتٍ حَتَّى كَانَ فِي بَلَدٍ لَا يَنْقَطِعُ يَجُوزُ مُطْلَقًا وَزْنًا وَنَوْعًا (وَلَا يَجُوزُ) السَّلَمُ (فِيهِمَا) أَيْ فِي الْمَلِيحِ وَالطَّرِيِّ (عَدَدًا) لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ بِالْكِبَرِ وَالصِّغَرِ.
وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ السَّمَكَ لَا يَصِحُّ فِيهِ السَّلَمُ لَا طَرِيًّا وَلَا مَلِيحًا لِأَنَّهُ لَحْمٌ فَصَارَ كَالسَّلَمِ فِي اللَّحْمِ.
وَفِي الْإِيضَاحِ: وَالصَّحِيحُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّ السَّمَكَ الصِّغَارَ يَجُوزُ السَّلَمُ فِيهِ كَيْلًا وَوَزْنًا، وَفِي الْكِبَارِ رِوَايَتَانِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الطَّرِيِّ وَالْمَلِيحِ.
(وَلَا) يَصِحُّ السَّلَمُ (فِي الْحَيَوَانِ) طَائِرًا أَوْ غَيْرَهُ لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ يَجُوزُ إذَا كَانَ مَوْصُوفًا لِإِمْكَانِ الضَّبْطِ بِمَعْرِفَةِ النَّوْعِ وَاللَّوْنِ وَالْوَصْفِ وَالسِّنِّ (وَأَطْرَافِهِ) كَالرُّءُوسِ وَالْأَكَارِعِ (وَلَا فِي جُلُودِهِ عَدَدًا) لِكَوْنِ التَّفَاوُتِ فِي الصِّغَرِ وَالْكِبَرِ فَاحِشًا، وَعِنْدَ مَالِكٍ يَجُوزُ فِي الرُّءُوسِ وَالْجُلُودِ عَدَدًا لِلتَّقَارُبِ.
وَفِي الْعِنَايَةِ وَلَا يُتَوَهَّمُ أَنَّهُ يَجُوزُ وَزْنًا لِقَيْدِ عَدَدًا؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ عَدَدِيٌّ فَحَيْثُ لَمْ يَجُزْ عَدَدًا لَمْ يَجُزْ وَزْنًا بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى لِأَنَّهُ لَا يُوزَنُ عَدَدًا، وَفِي الذَّخِيرَةِ إنْ بَيَّنَ لِلْجُلُودِ ضَرْبًا مَعْلُومًا يَجُوزُ لِانْتِفَاءِ الْمُنَازَعَةِ حِينَئِذٍ.
(وَلَا) يَصِحُّ (فِي الْحَطَبِ حُزَمًا، وَ) لَا (الرَّطْبَةِ جُرَزًا) لِأَنَّ هَذَا مَجْهُولٌ لَا يُعْرَفُ طُولُهُ وَغِلَظُهُ حَتَّى إذَا عُرِفَ ذَلِكَ بِأَنْ بَيَّنَ الْحَبْلَ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْحَطَبُ وَالرَّطْبَةُ وَبُيِّنَ طُولُهُ وَضُبِطَ ذَلِكَ بِحَيْثُ لَا يُؤَدِّي إلَى النِّزَاعِ جَازَ وَلَوْ قُيِّدَ الْوَزْنُ فِي الْكُلِّ صَحَّ كَمَا فِي الْفَتْحِ.
(وَلَا) يَصِحُّ (فِي الْجَوْهَرِ وَالْخَرَزِ) بِالتَّحْرِيكِ الَّذِي يُنَظَّمُ، لِتَفَاوُتِ آحَادِهِ إلَّا صِغَارَ اللُّؤْلُؤِ لَوْ كَانَتْ تُبَاعُ وَزْنًا فَيَجُوزُ السَّلَمُ فِيهَا وَزْنًا لِأَنَّ الصِّغَارَ إنَّمَا يُعْلَمُ بِهِ.
(وَلَا) يَصِحُّ (فِي اللَّحْمِ طَرِيًّا) عِنْدَ الْإِمَامِ (وَقَالَا يَصِحُّ إذَا وُصِفَ مَوْضِعٌ مَعْلُومٌ مِنْهُ بِصِفَةٍ مَعْلُومَةٍ) وَفِي الْبَحْرِ وَقَالَا: يَجُوزُ إذَا بُيِّنَ جِنْسُهُ وَنَوْعُهُ وَسِنُّهُ وَمَوْضِعُهُ وَصِفَتُهُ وَقَدْرُهُ؛ لِأَنَّهُ مَوْزُونٌ مَضْبُوطُ الْوَصْفِ كَالْأَلْيَةِ وَالشَّحْمِ بِخِلَافِ لَحْمِ الطُّيُورِ فَإِنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى وَصْفِ مَوْضِعٍ مِنْهُ وَلِأَنَّهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ كِبَرِ الْعَظْمِ وَصِغَرِهِ فَيُؤَدِّي إلَى الْمُنَازَعَةِ، وَفِي مَنْزُوعِ الْعَظْمِ رِوَايَتَانِ وَالْأَصَحُّ عَدَمُهُ وَلِذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ.
وَفِي الْحَقَائِقِ وَالْعُيُونِ الْفَتْوَى عَلَى قَوْلِهِمَا، وَهَذَا عَلَى الْأَصَحِّ مِنْ ثُبُوتِ الْخِلَافِ بَيْنَهُمْ، وَقَدْ قِيلَ لَا خِلَافَ فَمَنَعَ الْإِمَامُ فِيمَا إذَا أُطْلِقَ السَّلَمُ فِي اللَّحْمِ، وَقَوْلُهُمَا فِيمَا إذَا بَيَّنَّا وَإِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ بِجَوَازِهِ صَحَّ اتِّفَاقًا.
(وَلَا يَجُوزُ السَّلَمُ بِكَيْلٍ أَوْ ذِرَاعٍ مُعَيَّنٍ) قَيْدٌ لِلْكَيْلِ وَالذِّرَاعِ (لَا يُدْرَى قَدْرُهُ) أَيْ قَدْرُ ذَلِكَ الصَّاعِ وَالذِّرَاعِ لِاحْتِمَالِ الضَّيَاعِ فَيَقَعُ النِّزَاعُ بِخِلَافِ الْبَيْعِ بِهِ (حَالًّا) قُيِّدَ بِكَوْنِهِ لَمْ يُدْرَ قَدْرُهُ لِأَنَّهُمَا لَوْ كَانَا مَعْلُومَيْ الْمِقْدَارِ جَازَ (وَلَا) يَجُوزُ (فِي طَعَامِ قَرْيَةٍ أَوْ تَمْرِ نَخْلَةٍ مُعَيَّنَةٍ) إذْ رُبَّمَا تَعْرِضُهُمَا آفَةٌ فَلَا يُمْكِنُ التَّسْلِيمُ، قَيَّدَ بِقَرْيَةٍ لِأَنَّهُ لَوْ أَسْلَمَ فِي طَعَامِ وِلَايَةٍ يَجُوزُ، لِأَنَّ وُصُولَ الْآفَةِ لِطَعَامِ كُلِّ الْوِلَايَةِ نَادِرٌ، وَهَذَا إذَا نُسِبَ إلَى قَرْيَةٍ لِيُؤَدِّيَ مِنْ طَعَامِهَا، وَأَمَّا إذَا نُسِبَ إلَيْهَا لِبَيَانِ وَصْفِ الطَّعَامِ فَالسَّلَمُ جَائِزٌ كَمَا فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ.
(وَلَا) يَجُوزُ (فِيمَا لَا يَبْقَى) فِي الْأَسْوَاقِ وَالْبُيُوتِ (مِنْ حِينِ الْعَقْدِ إلَى حِينِ الْمَحِلِّ) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مَصْدَرُ قَوْلِهِمْ حَلَّ الدَّيْنُ أَيْ إلَى حِينِ حُلُولِ الْأَجَلِ، حَتَّى لَوْ كَانَ مُنْقَطِعًا عِنْدَ الْعَقْدِ مَوْجُودًا عِنْدَ الْمَحِلِّ، أَوْ بِالْعَكْسِ، أَوْ مُنْقَطِعًا فِيمَا بَيْنَ ذَلِكَ لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ «لَا تُسْلِفُوا فِي الْأَثْمَارِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلَاحُهَا»، وَلِاحْتِمَالِ مَوْتِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ الْعَقْدِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ الْمَحِلَّ، إذْ يَحِلُّ الْأَجَلُ وَيَلْزَمُ التَّسْلِيمُ، وَالِاحْتِمَالُ فِي هَذَا الْعَقْدِ مُلْحَقٌ بِالْحَقِيقَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ إذْ عِنْدَهُ يَجُوزُ إنْ وُجِدَ وَقْتَ الْحُلُولِ فَلَا يَلْزَمُ الِاسْتِمْرَارُ.

.شَرْطُ جَوَازِ السَّلَمِ:

(وَشَرْطُهُ) أَيْ شَرْطُ جَوَازِ السَّلَمِ تِسْعَةُ أَشْيَاءَ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْهَا ثَمَانِيَةً الْأَوَّلُ (بَيَانُ الْجِنْسِ كَبُرٍّ أَوْ شَعِيرٍ، وَ) الثَّانِي بَيَانُ (النَّوْعِ كَسَقِيَّةٍ) بِفَتْحِ السِّينِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ أَيْ مَسْقِيَّةٍ وَهِيَ مَا تُسْقَى سَيْحًا (أَوْ بَخْسِيَّةٍ) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ مَا تُسْقَى بِالْمَطَرِ نِسْبَةً إلَى الْبَخْسِ؛ لِأَنَّهَا مَبْخُوسَةُ الْحَظِّ مِنْ الْمَاءِ بِالنِّسْبَةِ إلَى السَّيْحِ غَالِبًا.
(وَ) الثَّالِثُ بَيَانُ (الصِّفَةِ كَجَيِّدٍ أَوْ رَدِيءٍ، وَ) الرَّابِعُ بَيَانُ (الْقَدْرِ نَحْوُ كَذَا رِطْلًا أَوْ كَيْلًا بِمَا لَا يَنْقَبِضُ وَلَا يَنْبَسِطُ) فَلَا يُجْعَلُ مِثْلُ الزِّنْبِيلِ كَيْلًا لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَيُجْعَلُ مِثْلُ قِرْبَةِ الْمَاءِ كَيْلًا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِلتَّعَامُلِ.
(وَ) الْخَامِسُ بَيَانُ (أَجَلٍ مَعْلُومٍ) إذْ السَّلَمُ لَا يَجُوزُ إلَّا مُؤَجَّلًا عِنْدَنَا.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْأَجَلُ لَيْسَ بِشَرْطٍ لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ رَخَّصَ فِيهِ مُطْلَقًا وَلَنَا قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ «إلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ» وَلِأَنَّهُ شُرِعَ رُخْصَةً لِلْفُقَرَاءِ فَلَا بُدَّ مِنْ مُدَّةٍ لِيَقْدِرَ عَلَى التَّحْصِيلِ وَالتَّتْمِيمِ وَالْإِيصَالِ وَالتَّسْلِيمِ.
(وَأَقَلُّهُ) أَيْ أَقَلُّ الْأَجَلِ فِي السَّلَمِ (شَهْرٌ فِي الْأَصَحِّ) رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى لِأَنَّ مَا دُونَهُ عَاجِلٌ، وَالشَّهْرُ وَمَا فَوْقَهُ آجِلٌ، بِدَلِيلِ مَسْأَلَةِ الْيَمِينِ: حَلَفَ لَيَقْضِيَنَّ دَيْنَهُ عَاجِلًا فَقَضَاهُ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ بَرَّ، وَقِيلَ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَقِيلَ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَقِيلَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ.
وَقَالَ صَدْرُ الشَّهِيدِ: وَالصَّحِيحُ مَا رَوَاهُ الْكَرْخِيُّ أَنَّهُ مُقَدَّرٌ بِمَا يُمْكِنُ فِيهِ تَحْصِيلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ.
وَفِي الْفَتْحِ وَهُوَ جَدِيرٌ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَا ضَابِطَ يَتَحَقَّقُ فِيهِ، وَكَذَا مِنْ رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ الْكَرْخِيِّ أَنَّهُ يُنْظَرُ إلَى مِقْدَارِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَإِلَى عُرْفِ النَّاسِ فِي تَأْجِيلِ مِثْلِهِ، كُلُّ هَذَا تَنْفَتِحُ فِيهِ الْمُنَازَعَاتُ بِخِلَافِ الْمِقْدَارِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الزَّمَانِ، انْتَهَى، وَفِي الْبَحْرِ هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يَصِحَّ وَيُعَوَّلَ عَلَيْهِ فَقَطْ لِأَنَّ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ فِي شَهْرٍ فَيُؤَدِّي التَّقْدِيرُ بِهِ إلَى عَدَمِ حُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ الْأَجَلِ وَهُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِهِ، انْتَهَى هَذَا مُسَلَّمٌ إنْ كَانَ التَّقْدِيرُ مَخْصُوصًا بِالشَّهْرِ لَا بِالزِّيَادَةِ فَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَا نَحْنُ فِيهِ أَقَلُّ بَيَانِ الْأَجَلِ لَا أَكْثَرُهُ حَتَّى يَرِدَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ إنَّ مِنْ الْأَشْيَاءِ مَا لَا يُمْكِنُ تَحْصِيلُهُ إلَى آخِرِهِ، لِأَنَّهُ إنْ حُصِّلَ فِي الشَّهْرِ فَبِهَا وَإِنْ لَمْ يُحَصَّلْ فِيهِ وَاتَّفَقَا عَلَى زِيَادَةٍ عَلَيْهِ جَازَ بِلَا مَانِعٍ، تَدَبَّرْ.
(وَ) السَّادِسُ بَيَانُ (قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إنْ كَانَ كَيْلِيًّا أَوْ وَزْنِيًّا أَوْ عَدَدِيًّا) أَيْ وَشَرْطُهُ بَيَانُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ الْعَقْدُ يَتَعَلَّقُ عَلَى مِقْدَارِهِ وَإِنْ كَانَ مُشَارًا إلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ (فَلَا يَجُوزُ فِي جِنْسَيْنِ بِلَا بَيَانِ رَأْسِ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا) يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ مِائَةَ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ بُرٍّ وَكُرِّ شَعِيرٍ، وَلَمْ يُبَيِّنْ رَأْسَ مَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا لَا يَصِحُّ عِنْدَهُ لِأَنَّ إعْلَامَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ شَرْطٌ فَيَقْسِمُ الْمِائَةَ عَلَى الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ بِاعْتِبَارِ الْقِيمَةِ، وَهِيَ تُعْرَفُ بِالظَّنِّ فَتَكُونُ مَجْهُولَةً حَتَّى لَوْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يَصِحُّ لِأَنَّ رَأْسَ الْمَالِ يَنْقَسِمُ عَلَيْهِمَا عَلَى السَّوَاءِ (وَلَا) يَجُوزُ السَّلَمُ (بِنَقْدَيْنِ بِلَا بَيَانِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ) كَمَا فِي الْوِقَايَةِ يَعْنِي إذَا أَسْلَمَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ وَعَشَرَةَ دَنَانِيرَ فِي عَشَرَةِ أَقْفُزِ بُرٍّ لَمْ تَجُزْ عِنْدَهُ لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ وَالدَّنَانِيرَ الْمَذْكُورَةَ إذَا لَمْ تُعْلَمْ وَزْنًا يَلْزَمُ عَدَمُ بَيَانِ حِصَّةِ كُلٍّ مِنْهُمَا مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ، وَكَذَا إذَا عُلِمَ وَزْنُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دُونَ الْآخَرِ حَيْثُ يَلْزَمُ بُطْلَانُ الْعَقْدِ فِي حِصَّةِ مَا لَمْ يُعْلَمْ، وَيَبْطُلُ فِي حِصَّةِ الْآخَرِ لِلْجَهَالَةِ وَلِكَوْنِ الصَّفْقَةِ وَاحِدَةً، وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ هَذَا التَّصْوِيرَ إنَّمَا يَسْتَقِيمُ عَلَى عِبَارَةِ الْهِدَايَةِ وَغَيْرِهَا حَيْثُ قَالُوا: لَوْ أَسْلَمَ جِنْسَيْنِ وَلَمْ يُبَيِّنْ مِقْدَارَ أَحَدِهِمَا فَعَلَى هَذَا يَكُونُ غَيْرُ الْمُبَيَّنِ رَأْسَ الْمَالِ، وَأَمَّا فِي عِبَارَةِ الْوِقَايَةِ فَلِكَوْنِ الظَّاهِرِ أَنَّ غَيْرَ الْمُبَيَّنِ هُوَ حِصَّةُ رَأْسِ الْمَالِ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَبَيْنَهُمَا مُخَالَفَةٌ ظَاهِرَةٌ، انْتَهَى.
وَأَجَابَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ: وَالْحَقُّ أَنَّهُ لَا مُخَالَفَةَ لِأَنَّ بَيَانَ الْحِصَّةِ مِنْ الْمُسْلَمِ فِيهِ بَيَانُ رَأْسِ الْمَالِ كَمَا لَا يَخْفَى.
تَأَمَّلْ.
(وَ) السَّابِعُ بَيَانُ (مَكَانِ إيفَائِهِ) أَيْ إيفَاءِ الْمُسْلَمِ فِيهِ (إنْ كَانَ لَهُ حَمْلٌ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الثِّقَلُ (وَمُؤْنَةٌ) كَالْحِنْطَةِ، قِيلَ: مَا لَا يُحْمَلُ إلَى مَجْلِسِ الْقَضَاءِ مَجَّانًا، وَقِيلَ: مَا لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ هَذَا عِنْدَ الْإِمَامِ (وَعِنْدَهُمَا لَا يُشْتَرَطُ مَعْرِفَةُ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ إذَا كَانَ مُعَيَّنًا) لِأَنَّهُ صَارَ مَعْلُومًا بِالْإِشَارَةِ كَمَا فِي الثَّمَنِ وَالْأُجْرَةِ.
وَلَهُ أَنَّ جَهَالَةَ قَدْرِ رَأْسِ الْمَالِ قَدْ يُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ بِأَنْ يُنْفِقَ بَعْضَهُ، ثُمَّ يَجِدَ بِالْبَاقِي عَيْبًا فَيَرُدَّهُ، وَلَا يَتَّفِقُ لَهُ الِاسْتِبْدَالُ فِي مَجْلِسِ الْعَقْدِ فَيَنْفَسِخُ الْعَقْدُ فِي الْمَرْدُودِ وَيَبْقَى فِي غَيْرِهِ، وَلَا يَدْرِي قَدْرَهُ فَيُفْضِي إلَى جَهَالَةِ الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَجِبُ التَّحَرُّزُ عَنْ مِثْلِهِ، وَالْمَوْهُومُ فِي هَذَا الْعَقْدِ كَالْمُتَحَقَّقِ لِشَرْعِهِ مَعَ الْمُنَافِي.
وَفِي الْبَحْرِ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُعَلَّلَ لِلْإِمَامِ بِأَنَّهُ رُبَّمَا لَا يَقْدِرُ عَلَى الْمُسْلَمِ فِيهِ فَيَحْتَاجُ إلَى رَدِّ رَأْسِ الْمَالِ فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَعْلُومًا، وَأَمَّا مَا ذَكَرُوهُ فَيَنْدَفِعُ بِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الِانْتِقَادَ شَرْطٌ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ ثَوْبًا لِأَنَّ الذَّرْعَ وَصْفٌ فِيهِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ عَلَى مِقْدَارِهِ (وَلَا) يُشْتَرَطُ بَيَانُ (مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَيُوفِيهِ فِي مَكَانِ عَقْدِهِ) عِنْدَهُمَا لِأَنَّ التَّسْلِيمَ وَجَبَ بِالْعَقْدِ فَتَعَيَّنَ مَكَانُهُ لَهُ، وَلِأَنَّهُ لَا يُزَاحِمُهُ مَكَانٌ آخَرُ فِيهِ؛ فَيَصِيرُ نَظِيرَ أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ فِي الْأَوَامِرِ وَصَارَ كَالْقَرْضِ وَالْغَصْبِ، وَلِلْإِمَامِ أَنَّ التَّسْلِيمَ غَيْرُ وَاجِبٍ فِي الْحَالِ فَلَا يَتَعَيَّنُ بِخِلَافِ الْقَرْضِ وَالْغَصْبِ وَإِذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ فَالْجَهَالَةُ فِيهِ تُفْضِي إلَى الْمُنَازَعَةِ لِأَنَّ قِيَمَ الْأَشْيَاءِ تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَكَانِ فَلَا بُدَّ مِنْ الْبَيَانِ، وَصَارَ كَجَهَالَةِ الصِّفَةِ وَعَنْ هَذَا قَالَ مَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ إنَّ الِاخْتِلَافَ فِيهِ عِنْدَهُ يُوجِبُ التَّحَالُفَ كَمَا فِي الصِّفَةِ: وَقِيلَ عَلَى عَكْسِهِ لِأَنَّ تَعْيِينَ الْمَكَانِ مِنْ قَضِيَّةِ الْعَقْدِ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
(وَمِثْلُهُ) أَيْ مِثْلُ الْمُسْلَمِ فِيهِ فِي الْخِلَافِ فِي اشْتِرَاطِ تَعْيِينِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ (الثَّمَنُ) الْمُؤَجَّلُ الَّذِي لِحَمْلِهِ مُؤْنَةٌ كَمَا إذَا بَاعَ ثَوْبًا بِمُدِّ حِنْطَةٍ مُؤَجَّلَةٍ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ إيفَاءِ الْحِنْطَةِ عِنْدَهُ فِي الصَّحِيحِ، وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِيفَاءِ مَكَانُ الْعَقْدِ فِي الثَّمَنِ وَقِيلَ لَا يُشْتَرَطُ فِي الْكُلِّ (وَالْأُجْرَةُ) كَمَا لَوْ اسْتَأْجَرَ دَارًا أَوْ دَابَّةً بِمَكِيلٍ أَوْ مَوْزُونٍ مَوْصُوفٍ بِالذِّمَّةِ فَإِنَّهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا وَيَتَعَيَّنُ فِي إجَارَةِ الدَّارِ مَوْضِعُ الدَّارِ لِلْإِيفَاءِ وَمَوْضِعُ تَسْلِيمِ الدَّابَّةِ فِي إجَارَةِ الدَّابَّةِ (وَالْقِسْمَةُ) بِأَنْ اقْتَسَمَا دَارًا، وَجَعَلَا مَعَ نَصِيبِ أَحَدِهِمَا شَيْئًا لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ فَعِنْدَهُ يُشْتَرَطُ بَيَانُ مَكَانِ الْإِيفَاءِ وَعِنْدَهُمَا يَتَعَيَّنُ مَكَانُ الْعَقْدِ.
(وَمَا لَا حَمْلَ لَهُ) وَلَا مُؤْنَةَ كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ وَنَحْوِهِمَا (يُوفِيهِ حَيْثُ شَاءَ فِي الْأَصَحِّ اتِّفَاقًا) قَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ وَمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَمُؤْنَةٌ لَا يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى بَيَانِ مَكَانِ الْإِيفَاءِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ لَا تَخْتَلِفُ قِيمَتُهُ وَيُوفِيهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي أَسْلَمَ فِيهِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ فِي الْبُيُوعِ، وَذُكِرَ فِي الْإِجَارَاتِ يُوفِيهِ فِي أَيِّ مَكَان شَاءَ وَهُوَ الْأَصَحُّ، لِأَنَّ الْأَمَاكِنَ كُلَّهَا سَوَاءٌ وَلَا وُجُوبَ فِي الْحَالِ، وَلَوْ عَيَّنَا مَكَانًا قِيلَ: لَا يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ لَا يُفِيدُ، وَقِيلَ: يَتَعَيَّنُ لِأَنَّهُ يُفِيدُ سُقُوطَ خَطَرِ الطَّرِيقِ، انْتَهَى، فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الْمُصَنِّفِ فِي الْأَصَحِّ احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ، وَقَوْلُهُ اتِّفَاقًا قَيْدٌ لِعَدَمِ الِاحْتِيَاجِ إلَى بَيَانِ الْإِيفَاءِ وَتَعْيِينِهِ إذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَمْلٌ وَلَا مُؤْنَةٌ؛ فَلَا وَجْهَ لِمَا قِيلَ مِنْ أَنَّ قَوْلَ الْمُصَنِّفِ يُوفِيهِ حَيْثُ شَاءَ فِي الْأَصَحِّ اتِّفَاقًا لَا يَخْلُو عَنْ شَيْءٍ لِأَنَّهُ يُشْعِرُ بِأَنَّ الْإِيفَاءَ حَيْثُ شَاءَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ ذَكَرَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، تَدَبَّرْ، قِيلَ هَذَا إذَا أَمْكَنَ الْإِيفَاءُ فِي مَوْضِعِ الْعَقْدِ إذْ لَوْ كَانَ الْعَقْدُ فِي لُجَّةِ الْبَحْرِ أَوْ قُلَّةِ الْجِبَالِ يُوفِيهِ فِي أَقْرَبِ الْأَمَاكِنِ مِنْ مَكَانِ الْعَقْدِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ: شَرَطَ الْإِيفَاءَ فِي مَدِينَةٍ فَكُلُّ مَحَلَّاتِهَا سَوَاءٌ فِي الْإِيفَاءِ حَتَّى لَوْ أَوْفَاهُ فِي مَحَلَّةٍ مِنْهَا بَرِئَ.
(وَ) الثَّامِنُ (قَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ) وَلَوْ غَيْرَ نَقْدٍ بِالتَّخْلِيَةِ (قَبْلَ التَّفَرُّقِ) أَيْ قَبْلَ تَفَرُّقِ الْعَاقِدَيْنِ بِالْبَدَنِ لِأَنَّ السَّلَمَ أَخْذُ آجِلٍ بِعَاجِلٍ وَذَلِكَ بِالْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ، فَلَا يَضُرُّ الْقَبْضُ بَعْدَ مَشْيِهِمَا فَرْسَخًا أَوْ أَكْثَرَ أَوْ نَوْمِهِمَا، وَالِافْتِرَاقُ أَنْ يَتَوَارَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ حَتَّى لَوْ دَخَلَ رَبُّ السَّلَمِ بَيْتَهُ لِإِخْرَاجِ الدَّرَاهِمِ وَلَمْ يَغِبْ عَنْ عَيْنِ صَاحِبِهِ لَا يَكُونُ افْتِرَاقًا.
(شَرْطُ بَقَائِهِ) أَيْ بَقَاءِ الْعَقْدِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ انْعِقَادِهِ فَيَنْعَقِدُ صَحِيحًا بِدُونِهِ، ثُمَّ يَفْسُدُ بِالِافْتِرَاقِ بِلَا قَبْضٍ فَلَوْ أَبَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ قَبْضَهُ فِي الْمَجْلِسِ أُجْبِرَ عَلَيْهِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ شَرْطَ الْخِيَارِ مُفْسِدٌ لِلسَّلَمِ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ.
وَالشَّرْطُ التَّاسِعُ الَّذِي لَمْ يَذْكُرْهُ الْمُصَنِّفُ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَحْصِيلِ الْمُسْلَمِ فِيهِ وَزَادَ صَاحِبُ الْبَحْرِ تِسْعًا أُخَرَ فَلْيُطَالَعْ.
(فَلَوْ) تَفْرِيعٌ عَلَى قَوْلِهِ وَقَبْضُ رَأْسِ الْمَالِ (أَسْلَمَ) رَجُلٌ إلَى آخَرَ (مِائَةً نَقْدًا وَمِائَةً دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فِي كُرٍّ بَطَلَ) السَّلَمُ (فِي حِصَّةِ الدَّيْنِ فَقَطْ) سَوَاءٌ كَانَ الْعَقْدُ مُطْلَقًا بِأَنْ قَالَ: أَسْلَمْتُ إلَيْك مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فِي كُرِّ حِنْطَةٍ، ثُمَّ جَعَلَا مِائَةً مِنْ رَأْسِ الْمَالِ تَقَاصَّا بِالدَّيْنِ، أَوْ مُقَيَّدًا بِأَنْ أَسْلَمْتُ إلَيْك فِي مِائَةٍ نَقْدٍ وَمِائَةٍ دَيْنٍ لِي عَلَيْكَ وَسَوَاءٌ أُضِيفَ إلَى دَرَاهِمَ بِعَيْنِهَا أَوْ لَا وَذَلِكَ لِفِقْدَانِ الْقَبْضِ.
وَإِنَّمَا قَالَ دَيْنًا عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْأَجْنَبِيِّ فَهُوَ غَيْرُ صَحِيحٍ فِي حَقِّ الْكُلِّ حَتَّى لَوْ نَقَدَ الْكُلَّ مِنْ مَالِهِ فِي الْمَجْلِسِ لَمْ يَنْقَلِبْ جَائِزًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ فَإِنَّهُ بِالنَّقْدِ فِي الْمَجْلِسِ يَنْقَلِبُ إلَى الْجَوَازِ.
وَعِنْدَ زُفَرَ السَّلَمُ بَاطِلٌ فِي الْكُلِّ لِسَرَيَانِ الْفَسَادِ (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي رَأْسِ الْمَالِ أَوْ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ قَبْضِهِ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ رَأْسَ الْمَالِ وَقَبْلَ قَبْضِ رَبِّ السَّلَمِ الْمُسْلَمَ فِيهِ (بِشَرِكَةٍ أَوْ تَوْلِيَةٍ) لِأَنَّ الْمُسْلَمَ فِيهِ مَبِيعٌ وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، وَلِرَأْسِ الْمَالِ شَبَهٌ بِالْمَبِيعِ فَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ قَبْلَ الْقَبْضِ فَفِي التَّوْلِيَةِ تَمْلِيكُهُ بِعِوَضٍ وَفِي الشَّرِكَةِ تَمْلِيكُ بَعْضِهِ بِعِوَضٍ فَلَا يَجُوزُ.
وَصُورَةُ الشَّرِكَةِ فِيهِ أَنْ يَقُولَ رَبُّ السَّلَمِ لِآخَرَ: أَعْطِنِي نِصْفَ رَأْسِ الْمَالِ لِيَكُونَ نِصْفُ الْمُسْلَمِ فِيهِ لَكَ.
وَصُورَةُ التَّوْلِيَةِ أَنْ يَقُولَ: أَعْطِنِي مِثْلَ مَا أَعْطَيْت الْمُسْلَمَ إلَيْهِ حَتَّى يَكُونَ الْمُسْلَمُ فِيهِ لَكَ وَإِنْ خَصَّهُمَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا أَكْثَرُ وُقُوعًا مِنْ غَيْرِهِمَا.
(وَلَا) يَجُوزُ لِرَبِّ السَّلَمِ (شِرَاءُ شَيْءٍ مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بِرَأْسِ الْمَالِ بَعْدَ التَّقَابُلِ) فِي عَقْدِ السَّلَمِ الصَّحِيحِ بَعْدَ وُقُوعِهِ (قَبْلَ قَبْضِهِ) بِحُكْمِ الْإِقَالَةِ اسْتِحْسَانًا لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ «لَا تَأْخُذْ إلَّا سَلَمَك أَوْ رَأْسَ مَالِكِ» أَيْ لَا تَأْخُذْ إلَّا مَا أَسْلَمْتَ فِيهِ حَالَ قِيَامِ الْعَقْدِ أَوْ رَأْسَ مَالِكِ بَعْدَ الِانْفِسَاخِ فَتَرَكْنَا الْقِيَاسَ عَمَلًا بِهِ لِأَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ جَعَلَ حَقَّ رَبِّ السَّلَمِ أَخْذَ الْمُسْلَمِ فِيهِ قَبْلَ الْإِقَالَةِ، وَأَخْذَ رَأْسِ الْمَالِ بَعْدَهَا، ثُمَّ لَا يَجُوزُ الِاسْتِبْدَالُ قَبْلَ الْإِقَالَةِ بِالْمُسْلَمِ فِيهِ لِئَلَّا يَصِيرَ قَابِضًا حَقَّ غَيْرِهِ فَكَذَا بَعْدَهَا بِرَأْسِ الْمَالِ.
وَعِنْدَ زُفَرَ وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ يَجُوزُ اسْتِبْدَالُ رَبِّ السَّلَمِ بِهِ شَيْئًا مِنْ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قِيَاسًا بِاعْتِبَارِ سَائِرِ الدُّيُونِ.
(وَلَوْ اشْتَرَى) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (كُرًّا، وَأَمَرَ رَبَّ السَّلَمِ بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ الْكُرِّ الَّذِي اشْتَرَاهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ مِنْ الْبَائِعِ (قَضَاءً) أَيْ لِأَجْلِ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ مِنْ الْكُرِّ الْمُسْلَمِ فِيهِ (لَمْ يَصِحَّ) لِأَنَّهُ اجْتَمَعَتْ صَفْقَتَانِ: السَّلَمُ وَهَذَا الشِّرَاءُ فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يُجْرَى فِيهِ الْكَيْلَانِ (وَلَوْ أَمَرَ مُقْرِضَهُ بِذَلِكَ صَحَّ) يَعْنِي لَوْ كَانَ الْكُرُّ قَرْضًا لَا سَلَمًا فَاشْتَرَى الْمُسْتَقْرِضُ كُرًّا مِنْ غَيْرِهِ وَأَمَرَ مُقْرِضَهُ بِقَبْضِهِ قَضَاءً لِحَقِّهِ فَإِنَّهُ يَصِحُّ وَإِنْ لَمْ يُعِدْ الْكَيْلَ لِأَنَّ الْقَرْضَ إعَارَةٌ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ عَيْنَ حَقِّهِ تَقْدِيرًا فَلَمْ يَكُنْ اسْتِبْدَالًا.
(وَكَذَا لَوْ أَمَرَ) الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (رَبَّ سَلَمِهِ بِقَبْضِهِ) أَيْ بِقَبْضِ الْكُرِّ مِنْهُ (لَهُ) أَيْ لِأَجْلِ مُسْلَمٍ إلَيْهِ (ثُمَّ) بِقَبْضِهِ ثَانِيًا (لِنَفْسِهِ) أَيْ لِنَفْسِ رَبِّ السَّلَمِ (فَاكْتَالَهُ) أَيْ رَبُّ السَّلَمِ (لِأَجْلِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ، ثُمَّ) اكْتَالَهُ (لِنَفْسِهِ صَحَّ) لِاجْتِمَاعِ الْكَيْلَيْنِ.
(وَلَوْ اكْتَالَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِي ظَرْفِ رَبِّ السَّلَمِ بِأَمْرِهِ) أَيْ بِأَمْرِ رَبِّ السَّلَمِ (وَهُوَ) وَالْحَالُ أَنَّهُ (غَائِبٌ لَا يَكُونُ قَبْضًا) لِأَنَّ فِي السَّلَمِ لَمْ يَصِحُّ أَمْرُ رَبِّ السَّلَمِ بِالْكَيْلِ لِأَنَّ حَقَّهُ فِي الدَّيْنِ لَا فِي الْعَيْنِ فَأَمْرُهُ لَمْ يُصَادِفْ مِلْكَهُ فَالْمُسْلَمُ إلَيْهِ جَعَلَ مِلْكَهُ فِي ظَرْفٍ اسْتَعَارَهُ مِنْ رَبِّ السَّلَمِ.
قَيَّدَ بِغَيْبَتِهِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَاضِرًا وَكَالَهُ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ بِحَضْرَتِهِ وَخَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّعَامِ يَصِيرُ قَابِضًا لِأَنَّ التَّخْلِيَةَ تَسْلِيمٌ.
(وَلَوْ اكْتَالَ الْبَائِعُ كَذَلِكَ) يَعْنِي لَوْ اشْتَرَى مِنْ آخَرَ طَعَامًا وَدَفَعَ الْمُشْتَرِي إلَى الْبَائِعِ ظَرْفًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَكِيلَهُ وَيَجْعَلَهُ فِي الظَّرْفِ فَفَعَلَ الْبَائِعُ وَالْمُشْتَرِي غَائِبٌ (كَانَ قَبْضًا) لِأَنَّهُ كَانَ مَالِكًا لِلْعَيْنِ بِالشِّرَاءِ، فَأَمْرُهُ صَادَفَ مِلْكَهُ فَيَكُونُ قَابِضًا بِوَضْعِهِ فِي ظَرْفِهِ، وَكَانَ الْبَائِعُ وَكِيلًا فِي إمْسَاكِ الظَّرْفِ فَجُعِلَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي حُكْمًا لِأَنَّ الْوَكِيلَ فِي الْقَبْضِ كَالْمُوَكِّلِ.
(بِخِلَافِ مَا لَوْ اكْتَالَهُ) الْبَائِعُ (فِي ظَرْفِ نَفْسِهِ) لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ صَارَ مُسْتَعِيرًا ظَرْفَهُ وَلَمْ يَقْبِضْهُ فَلَمْ تَصِحَّ الْعَارِيَّةُ لِأَنَّهَا تَبَرُّعٌ فَلَا يَتِمُّ بِلَا قَبْضٍ فَلَا يَصِيرُ الْوَاقِعُ فِيهِ وَاقِعًا فِي يَدِ الْمُشْتَرِي (أَوْ) اكْتَالَهُ (فِي نَاحِيَةِ بَيْتِهِ) أَيْ بَيْتِ الْبَائِعِ لِأَنَّ الْبَيْتَ وَنَوَاحِيَهُ فِي يَدِهِ فَلَمْ يَصِرْ الْمُشْتَرِي قَابِضًا.
(وَلَوْ اكْتَالَ الْعَيْنَ وَالدَّيْنَ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي) بِأَنْ اشْتَرَى رَجُلٌ مِنْ آخَرَ كُرًّا بِعَقْدِ السَّلَمِ وَكُرًّا مُعَيَّنًا بِالْبَيْعِ عِنْدَ حُلُولِ أَجَلِ السَّلَمِ، ثُمَّ أَمَرَ الْمُشْتَرِي الْبَائِعَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْكُرَّيْنِ فِي ظَرْفِ الْمُشْتَرِي (إنْ بَدَأَ) الْبَائِعُ هُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (بِالْعَيْنِ كَانَ قَبْضًا) أَيْ كَانَ الْمُشْتَرِي - هُوَ رَبُّ السَّلَمِ - قَابِضًا لَهُمَا.
أَمَّا فِي الْعَيْنِ فَلِصِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ وَأَمَّا فِي الدَّيْنِ فَلِاتِّصَالِهِ بِمِلْكِ الْمُشْتَرِي كَمَنْ اسْتَقْرَضَ حِنْطَةً وَأَمَرَهُ أَنْ يَزْرَعَهَا فِي أَرْضِهِ.
وَكَمَنْ دَفَعَ إلَى صَائِغٍ خَاتَمًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَزِيدَ مِنْ عِنْدِهِ نِصْفَ دِينَارٍ (وَإِنْ بَدَأَ) الْبَائِعُ (بِالدَّيْنِ فَلَا) يَكُونُ قَابِضًا لَهُمَا عِنْدَ الْإِمَامِ.
أَمَّا فِي الدَّيْنِ فَلِعَدَمِ صِحَّةِ الْأَمْرِ فِيهِ.
وَأَمَّا فِي الْعَيْنِ فَلِأَنَّهُ خَلَطَهُ بِمِلْكِهِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ فَصَارَ مُسْتَهْلَكًا عِنْدَهُ فَيَنْتَقِضُ الْبَيْعُ مَعَ أَنَّ الْخَلْطَ غَيْرُ مَرْضِيٍّ بِهِ مِنْ جِهَةِ الْآمِرِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ الْبِدَايَةَ بِالْعَيْنِ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ رِضَاهُ حَتَّى يَكُونَ شَرِيكًا لَهُ (وَعِنْدَهُمَا صَحَّ قَبْضُ الْعَيْنِ فَإِنْ شَاءَ رَضِيَ بِالشَّرِكَةِ) فِي الْمَخْلُوطِ.
(وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ الْبَيْعَ) لِأَنَّ الْخَلْطَ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ عِنْدَهُمَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ وَخَصَّهُ قَاضِي خَانْ بِقَوْلِ مُحَمَّدٍ أَمَّا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا بَدَأَهَا بِالدَّيْنِ يَصِيرُ قَابِضًا لَهُمَا كَمَا لَوْ بَدَأَ بِالْعَيْنِ ضَرُورَةَ اتِّصَالِهِ بِمِلْكِهِ فِي الصُّورَتَيْنِ إذْ الْخَلْطُ لَيْسَ بِاسْتِهْلَاكٍ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَصِيرُ قَابِضًا لِلْعَيْنِ دُونَ الدَّيْنِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ وَلَمْ يَبْرَأْ عَنْ الدَّيْنِ، وَكَذَا لَوْ اسْتَقْرَضَ رَجُلٌ كُرًّا وَدَفَعَ إلَيْهِ غَرَائِرَهُ لِيَكِيلَهُ فِيهَا فَفَعَلَ - وَهُوَ غَائِبٌ - لَمْ يَكُنْ قَبْضًا كَمَا فِي الْمِنَحِ.
(وَلَوْ أَسْلَمَ أَمَةً فِي كُرٍّ) مِنْ بُرٍّ مَثَلًا أَيْ جَعَلَ أَمَةً رَأْسَ الْمَالِ فِي اشْتِرَاءِ كُرٍّ بِعَقْدِ السَّلَمِ (وَقُبِضَتْ) الْأَمَةُ أَيْ قَبَضَهَا الْمُسْلَمُ إلَيْهِ (ثُمَّ تَقَايَلَا) عَقْدَ السَّلَمِ (فَمَاتَتْ) أَيْ، ثُمَّ مَاتَتْ الْأَمَةُ فِي يَدِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (قَبْلَ رَدِّهَا) أَيْ الْأَمَةِ إلَى رَبِّ السَّلَمِ (بَقِيَ التَّقَايُلُ) عَلَى حَالِهِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِهَلَاكِهَا (وَتَجِبُ) عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ (قِيمَتُهَا) أَيْ الْأَمَةِ (يَوْمَ قَبَضَهَا) أَيْ الْأَمَةَ.
(وَلَوْ مَاتَتْ) الْأَمَةُ قَبْلَ الْإِقَالَةِ (ثُمَّ تَقَايَلَا صَحَّ التَّقَايُلُ) أَيْ الْإِقَالَةُ بَعْدَ مَوْتِهَا، وَيَجِبُ عَلَى الْمُسْلَمِ إلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْقَبْضِ لِأَنَّ شَرْطَ الْإِقَالَةِ بَقَاءُ الْعَقْدِ، وَهُوَ يَبْقَى بِبَقَاءِ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ وَهُوَ الْمُسْلَمُ إلَيْهِ فِيهِ، وَهُوَ بَاقٍ فِي ذِمَّةِ الْمُسْلَمِ إلَيْهِ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَإِذَا انْفَسَخَ الْعَقْدُ وَجَبَ عَلَيْهِ رَدُّهَا وَقَدْ عَجَزَ بِمَوْتِهَا فَتَجِبُ عَلَيْهِ قِيمَتُهَا كَمَا لَوْ تَقَابَضَا، ثُمَّ تَقَايَلَا بَعْدَ هَلَاكِ أَحَدِهِمَا أَوْ هَلَكَ أَحَدُهُمَا بَعْدَ الْإِقَالَةِ.
وَإِنَّمَا اُعْتُبِرَ يَوْمُ الْقَبْضِ لِأَنَّهُ سَبَبُ الضَّمَانِ كَالْغَصْبِ.
(وَكَذَا الْمُقَايَضَةُ) وَهِيَ بَيْعُ سِلْعَةٍ بِسِلْعَةٍ (فِي الْوَجْهَيْنِ) هُوَ الْمَوْتُ بَعْدَ التَّقَايُلِ وَالتَّقَايُلُ بَعْدَ الْمَوْتِ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعٌ مِنْ وَجْهٍ وَثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ، فَفِي الْبَاقِي يُعْتَبَرُ الْمَبِيعَةُ وَفِي الْهَلَاكِ الثَّمَنِيَّةُ (بِخِلَافِ الشِّرَاءِ بِالثَّمَنِ فِيهِمَا) أَيْ إذَا اشْتَرَى أَمَةً بِأَلْفٍ، ثُمَّ تَقَايَلَا فَمَاتَتْ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ وَلَوْ تَقَايَلَا بَعْدَ مَوْتِهَا فَالْإِقَالَةُ بَاطِلَةٌ لِأَنَّ الْمَعْقُودَ عَلَيْهِ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا هُوَ الْأَمَةُ وَلَا يَبْقَى الْعَقْدُ بَعْدَ هَلَاكِهَا فَلَا تَصِحُّ الْإِقَالَةُ ابْتِدَاءً وَلَا تَبْقَى انْتِهَاءً لِانْعِدَامِ مَحَلِّهَا كَمَا فِي الْهِدَايَةِ.
وَفِي التَّنْوِيرِ: تَقَايَلَا الْبَيْعَ فِي عَبْدٍ فَأَبَقَ مِنْ يَدِ الْمُشْتَرِي فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِهِ بَطَلَتْ الْإِقَالَةُ، وَالْبَيْعُ بِحَالِهِ.
(وَلَوْ ادَّعَى أَحَدُ عَاقِدَيْ السَّلَمِ بَيَانَ الْأَجَلِ أَوْ) ادَّعَى (اشْتِرَاطَ الرَّدَاءَةِ وَأَنْكَرَ الْآخَرُ) يَعْنِي لَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: شَرَطْنَا التَّأْجِيلَ، وَقَالَ الْآخَرُ: لَمْ نَشْتَرِطْ شَيْئًا، أَوْ قَالَ أَحَدُهُمَا: شَرَطْنَا طَعَامًا رَدِيًّا وَقَالَ الْآخَرُ لَمْ نَشْتَرِطْ (فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِيهِمَا) أَيْ لِمُدَّعِي الْأَجَلِ وَالرَّدَاءَةِ (مُطْلَقًا) سَوَاءٌ كَانَ مُدَّعِيهِمَا رَبَّ السَّلَمِ أَوْ الْمُسْلَمَ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِمَامِ، لِأَنَّ الْمُدَّعِيَ يَدَّعِي الصِّحَّةَ فَكَانَ الْقَوْلُ لَهُ وَإِنْ أَنْكَرَ خَصْمُهُ إذْ الظَّاهِرُ شَاهِدٌ لَهُ لِأَنَّ الْعَقْدَ الْفَاسِدَ مَعْصِيَةٌ، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِ الْمُسْلِمِ التَّحَرُّزُ عَنْهُ.
(وَقَالَا لِلْمُنْكِرِ إنْ كَانَ) الْمُنْكِرُ (رَبَّ السَّلَمِ فِي) الصُّورَةِ (الْأُولَى) أَيْ الْقَوْلُ لِرَبِّ السَّلَمِ عِنْدَهُمَا إذَا ادَّعَى الْمُسْلَمُ إلَيْهِ التَّأْجِيلَ لِأَنَّهُ يُنْكِرُ حَقًّا عَلَيْهِ وَهُوَ الْأَجَلُ (أَوْ) كَانَ الْمُنْكِرُ (الْمُسْلَمَ إلَيْهِ فِي) الصُّورَةِ (الثَّانِيَةِ) وَهِيَ الرَّدَاءَةُ لِأَنَّهُ مُنْكِرٌ، وَالْأَصْلُ أَنَّ مَنْ خَرَجَ كَلَامُهُ تَعَنُّتًا فَالْقَوْلُ لِصَاحِبِهِ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنْ خَرَجَ خُصُومَةً بِأَنْ يُنْكِرَ مَا يَضُرُّهُ مَعَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى عَقْدٍ وَاحِدٍ فَالْقَوْلُ لِمُدَّعِي الصِّحَّةِ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا الْقَوْلُ لِلْمُنْكِرِ سَوَاءٌ أَنْكَرَ الصِّحَّةَ أَوْ غَيْرَهَا.
وَفِي التَّنْوِيرِ: وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي مِقْدَارِهِ فَالْقَوْلُ لِلطَّالِبِ مَعَ يَمِينِهِ وَإِنْ بَرْهَنَ قُبِلَ، وَإِنْ بَرْهَنَا قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ، وَاخْتَلَفَا فِي مُضِيِّهِ فَالْقَوْلُ لِلْمَطْلُوبِ لِإِنْكَارِهِ تَوَجُّهَ الْمُطَالَبَةِ، وَإِنْ بَرْهَنَا قَضَى بِبَيِّنَةِ الْمَطْلُوبِ.
(وَالِاسْتِصْنَاعُ) لُغَةً طَلَبُ الْعَمَلِ، مُتَعَدٍّ إلَى مَفْعُولَيْنِ وَشَرْعًا بَيْعُ مَا يَصْنَعُهُ عَيْنًا فَيَطْلُبُ فِيهِ مِنْ الصَّانِعِ الْعَمَلَ وَالْعَيْنَ جَمِيعًا فَلَوْ كَانَ الْعَيْنُ مِنْ الْمُسْتَصْنِعِ كَانَ إجَارَةً لَا اسْتِصْنَاعًا، وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ لِصَانِعٍ كَخَفَّافٍ مَثَلًا: اصْنَعْ لِي مِنْ مَالِكِ خُفًّا مِنْ هَذَا الْجِنْسِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ بِعِشْرِينَ (بِأَجَلٍ) مَعْلُومٍ كَأَنْ يَقُولَ شَهْرًا مَثَلًا (سَلَمٌ) فَيُعْتَبَرُ فِيهِ شَرَائِطُهُ (فَيَصِحُّ فِيمَا أَمْكَنَ ضَبْطُ صِفَتِهِ وَقَدْرِهِ تُعُورِفَ) الِاسْتِصْنَاعُ فِيهِ (أَوْ لَا) عِنْدَ الْإِمَامِ لِأَنَّ السَّلَمَ بِالْأَجَلِ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ مُطْلَقًا، وَالِاسْتِصْنَاعُ بِالْأَجَلِ فِي عُرْفِهِمْ فَلَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ، وَعِنْدَهُمَا إنْ ضُرِبَ الْأَجَلُ فِيمَا تُعُورِفَ فَهُوَ اسْتِصْنَاعٌ لِأَنَّ اللَّفْظَ حَقِيقَةٌ فِيهِ فَيُحْفَظُ عَلَى مُقْتَضَاهُ، وَإِنْ ضُرِبَ فِيمَا لَا يُتَعَارَفُ فِيهِ فَهُوَ سَلَمٌ لِتَعَذُّرِ، جَعْلِهِ اسْتِصْنَاعًا، وَيُحْمَلُ الْأَجَلُ فِيمَا فِيهِ تَعَامُلٌ عَلَى الِاسْتِعْجَالِ، هَذَا إذَا كَانَتْ الْمُدَّةُ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِمْهَالِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعْجَالِ بِأَنْ اُسْتُصْنِعَ عَلَى أَنْ يَفْرُغَ عَنْهُ غَدًا أَوْ بَعْدَ غَدٍ لَا يَصِيرُ سَلَمًا بِالْإِجْمَاعِ، وَحُكِيَ عَنْ الْهِنْدُوَانِيِّ أَنَّهُ إنْ ذَكَرَهُ الْمُسْتَصْنِعُ فَلَيْسَ بِسَلَمٍ، وَإِنْ ذَكَرَ الصَّانِعُ فَسَلَمٌ، وَقِيلَ إنْ ذَكَرَ أَدْنَى مُدَّةٍ تُمَكِّنُ فِيهِ مِنْ الْعَمَلِ فَاسْتِصْنَاعٌ وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فَسَلَمٌ يُرَاعَى شَرَائِطُهُ.
(، وَ) الِاسْتِصْنَاعُ (بِلَا أَجَلٍ) مَعْلُومٍ (يَصِحُّ اسْتِحْسَانًا فِيمَا تُعُورِفَ فِيهِ كَخُفٍّ وَطَسْتٍ وَقُمْقُمَةٍ) وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَوَانِي (وَهُوَ بَيْعٌ) وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَصِحَّ لِأَنَّهُ بَيْعُ الْمَعْدُومِ، وَبِهِ قَالَ زُفَرُ وَالْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُسْتَصْنَعَ فِيهِ الْمَعْدُومَ يُجْعَلُ مَوْجُودًا حُكْمًا كَطَهَارَةِ الْمَعْذُورِ فَنُزِّلَ مَنْزِلَةَ الْإِجْمَاعِ لِلتَّعَامُلِ مِنْ زَمَنِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَقَدْ اسْتَصْنَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاتَمًا وَمِنْبَرًا فَصَارَ كَدُخُولِ الْحَمَّامِ بِأَجْرٍ فَإِنَّهُ جَازَ اسْتِحْسَانًا لِلتَّعَامُلِ، وَإِنْ أَبَى الْقِيَاسُ جَوَازَهُ لِأَنَّ مِقْدَارَ الْمُكْثِ وَمَا يُصَبُّ مِنْ الْمَاءِ مَجْهُولٌ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِسَقَّاءٍ: أَعْطِنِي شَرْبَةَ مَاءٍ بِفَلْسٍ أَوْ احْتَجَمَ بِأَجْرٍ (لَا عِدَةً) كَمَا ذَهَبَ إلَيْهِ الْحَاكِمُ الشَّهِيدُ قَائِلًا: إذَا جَاءَ مَفْرُوغًا عَنْهُ يَنْعَقِدُ بِالتَّعَاطِي وَلِذَا يَثْبُتُ الْخِيَارُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنَّ الصَّحِيحَ مِنْ الْمَذْهَبِ جَوَازُهُ بَيْعًا لِأَنَّ مُحَمَّدًا ذَكَرَ فِيهِ الْقِيَاسَ وَالِاسْتِحْسَانَ، وَهُمَا لَا يُجْرَيَانِ فِي الْمُوَاعَدَةِ.
وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ بَيْعًا بِقَوْلِهِ (فَيُجْبَرُ الصَّانِعُ عَلَى عَمَلِهِ) وَلَوْ كَانَ عِدَةً لَمْ يُجْبَرْ (وَلَا يَرْجِعُ الْمُسْتَصْنِعُ عَنْهُ) أَيْ عَنْ أَمْرِهِ وَلَوْ كَانَ عِدَةً لَجَازَ رُجُوعُهُ (وَالْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنُ لَا عَمَلُهُ) أَيْ عَمَلُ الصَّانِعِ.
وَقَالَ الْبَرْدَعِيُّ: عَمَلُهُ نَظَرًا إلَى أَنَّ الِاسْتِصْنَاعَ مُشْتَقٌّ مِنْ الصُّنْعِ وَهُوَ الْعَمَلُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْعَيْنُ وَذِكْرُ الصَّنْعَةِ لِبَيَانِ الْوَصْفِ وَالْجِنْسِ وَيَكُونُ الْمَبِيعُ هُوَ الْعَيْنَ - لِأَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا بَعْدَ الْفَاءِ - لَا الْعَمَلَ، وَفَرَّعَ عَلَى كَوْنِهِ الْعَيْنَ بِقَوْلِهِ (فَلَوْ أَتَى) الصَّانِعُ (بِمَا صَنَعَهُ) قَبْلَ الْعَقْدِ (غَيْرُهُ أَوْ بِمَا صَنَعَهُ هُوَ قَبْلَ الْعَقْدِ فَأَخَذَهُ) أَيْ الْمُسْتَصْنِعُ الْعَيْنَ (صَحَّ) وَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ عَمَلَهُ لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ (وَلَا يَتَعَيَّنُ) الْمُسْتَصْنَعُ بِفَتْحِ النُّونِ (لِلْمُسْتَصْنِعِ) بِكَسْرِ النُّونِ (بِلَا اخْتِيَارِهِ) وَرِضَاهُ (فَيَصِحُّ بَيْعُ الصَّانِعِ لَهُ) أَيْ لِلْمُسْتَصْنَعِ بِفَتْحِ النُّونِ (قَبْلَ رُؤْيَتِهِ) وَلَوْ تَعَيَّنَ لَهُ لَمَا صَحَّ بَيْعُهُ (وَلَهُ أَخْذُهُ وَتَرْكُهُ) أَيْ لِلْمُسْتَصْنِعِ بِكَسْرِ النُّونِ بَعْدَ الرُّؤْيَةِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَهُ وَإِنْ شَاءَ تَرَكَهُ، وَلَا خِيَارَ لِلصَّانِعِ فَيُجْبَرُ عَلَى الْعَمَلِ.
وَعَنْ الْإِمَامِ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَا خِيَارَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا.
(وَلَا يَصِحُّ) الِاسْتِصْنَاعُ بِلَا أَجَلٍ (فِيمَا لَمْ يَتَعَارَفْ) هُوَ فِيهِ (كَالثَّوْبِ) يَعْنِي لَوْ أَمَرَ حَائِكًا أَنْ يَنْسِجَ لَهُ ثِيَابًا بِغَزْلٍ مِنْ عِنْدِهِ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَجُزْ إذْ لَمْ يَجُزْ فِيهِ التَّعَامُلُ فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ؛ إلَّا إذَا شَرَطَ فِيهِ الْأَجَلَ وَبَيَّنَ شَرَائِطَ السَّلَمِ فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِطَرِيقِ السَّلَمِ.
وَفِي الْبَحْرِ دَفَعَ مُصْحَفًا إلَى مُذَهِّبٍ لِيُذَهِّبَهُ بِذَهَبٍ مِنْ عِنْدِهِ وَأَرَاهُ الذَّهَبَ أُنْمُوذَجًا مِنْ الْأَعْشَارِ وَالْأَخْمَاسِ وَرُءُوسِ الْآيِ وَأَوَائِلِ السُّوَرِ، فَأَمَرَهُ رَبُّ الْمُصْحَفِ أَنْ يُذَهِّبَهُ كَذَلِكَ بِأُجْرَةٍ مَعْلُومَةٍ لَا يَصِحُّ.
وَفِي الْخَانِيَّةِ رَجُلٌ اسْتَصْنَعَ رَجُلًا فِي شَيْءٍ، ثُمَّ اخْتَلَفَا فِي الْمَصْنُوعِ، فَقَالَ الْمُسْتَصْنِعُ: لَمْ تَفْعَلْ مَا أَمَرْتُك وَقَالَ الصَّانِعُ فَعَلْتُ، قَالُوا: لَا يَمِينَ فِيهِ لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ، وَلَوْ ادَّعَى الصَّانِعُ عَلَى رَجُلٍ: أَنَّك اسْتَصْنَعْتَ إلَيَّ فِي كَذَا كَذَا وَأَنْكَرَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ لَا يَحْلِفُ.