فصل: كِتَابُ الصَّرْفِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.كِتَابُ الصَّرْفِ:

قَالَ: (الصَّرْفُ هُوَ الْبَيْعُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ) سُمِّيَ بِهِ لِلْحَاجَةِ إلَى النَّقْلِ فِي بَدَلَيْهِ مِنْ يَدٍ إلَى يَدٍ.
وَالصَّرْفُ هُوَ النَّقْلُ وَالرَّدُّ لُغَةً، أَوْ لِأَنَّهُ لَا يُطْلَبُ مِنْهُ إلَّا الزِّيَادَةَ إذْ لَا يُنْتَقَعُ بِعَيْنِهِ، وَالصَّرْفُ هُوَ الزِّيَادَةُ لُغَةً كَذَا قَالَهُ الْخَلِيلُ وَمِنْهُ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا قَالَ: (فَإِنْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ لَا يَجُوز إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ وَزْنًا بِوَزْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَالْفَضْلُ رِبًا» الْحَدِيثَ.
وَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي الْبُيُوعِ.
الشَّرْحُ:
(كِتَابُ الصَّرْفِ):
لَمَّا كَانَ قُيُودُهُ أَكْثَرَ كَانَ وُجُودُهُ أَقَلَّ فَقَدَّمَ مَا هُوَ أَكْثَرُ وُجُودًا.
وَأَيْضًا لَمَّا كَانَ عَقْدًا عَلَى الْأَثْمَانِ وَالثَّمَنُ فِي الْجُمْلَةِ تَبَعٌ لِمَا هُوَ الْمَقْصُودُ مِنْ الْبَيْعِ أُخِّرَ عَنْ الْبُيُوعِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْمَقَاصِدِ الْأَصْلِيَّةِ: أَعْنِي الْمَبِيعَاتِ، وَمَفْهُومُهُ لُغَةً وَشَرْعًا يَذْكُرُهُ الْمُصَنِّفُ، وَشَرْطُهُ التَّقَابُضُ لِلْبَدَلَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَإِنْ اخْتَلَفَ الْجِنْسُ، وَلِهَذَا لَمْ يَصِحَّ فِيهِ أَجَلٌ وَلَا خِيَارُ شَرْطٍ؛ لِأَنَّ خِيَارَ الشَّرْطِ يَمْنَعُ ثُبُوتَ الْمِلْكِ أَوْ تَمَامَهُ عَلَى الرَّأْيَيْنِ مِنْهُمْ وَذَلِكَ يُخِلُّ بِالْقَبْضِ الْمَشْرُوطِ وَهُوَ الْقَبْضُ لِلَّذِي يَحْصُلُ بِهِ التَّعْيِينُ، بِخِلَافِ خِيَارِ الرُّؤْيَةِ، وَالْعَيْبُ لَا يَمْنَعُ الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ فَلَا يَمْنَعُ تَمَامَ الْقَبْضِ، فَلَوْ افْتَرَقَا وَفِي الصَّرْفِ خِيَارُ عَيْبٍ أَوْ رُؤْيَةٍ جَازَ إلَّا أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ فِي النَّقْدِ وَسَائِرِ الدُّيُونِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ يَنْعَقِدُ عَلَى مِثْلِهَا لَا عَيْنِهَا، حَتَّى لَوْ بَاعَهُ هَذَا الدِّينَارَ بِهَذِهِ الدَّرَاهِمِ لِصَاحِبِ الدِّينَارِ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَهُ، وَكَذَا لِصَاحِبِ الدَّرَاهِمِ بِخِلَافِ الْأَوَانِي وَالْحُلِيِّ.
وَلَوْ أَسْقَطَا فِي الْمَجْلِسِ خِيَارَ الشَّرْطِ وَالْأَجَلِ عَادَ الصَّرْفُ صَحِيحًا خِلَافًا لِزُفَرَ، وَأُورِدبَ عَلَيْهِ كَيْفَ جَازَ أَنْ يُقَالَ التَّقَابُضُ شَرْطُ الْجَوَازِ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْعَقْدِ فَإِنَّمَا هُوَ حُكْمُهُ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّهُ لَيْسَ إلَّا شَرْطُ بَقَائِهِ عَلَى الصِّحَّةِ، فَالْإِشْكَالُ عَلَى قول الْبَعْضِ الْقَائِلِينَ: إنَّهُ الْجَوَازُ.
وَأَجَابُوا بِأَنَّ تَأَخُّرَهُ ضَرُورَةُ نَفْيِ إيجَابِ قَبْضِ مِلْكِ الْغَيْرِ فَهُوَ مُعْتَبَرٌ مُقَارِنًا أَوْ مُتَقَدِّمًا شَرْعًا وَإِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا صُورَةً، وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَغْنَى عَنْ هَذَا التَّكَلُّفِ بِارْتِكَابِ الْقول الْآخَرِ.
وَأَمَّا مَفْهُومُهُ شَرْعًا فَبَيْعُ مَا مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَهَذَا قول الْقُدُورِيِّ (الصَّرْفُ هُوَ الْبَيْعُ إذَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ عِوَضَيْهِ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ) وَإِنَّمَا قَالَ مِنْ جِنْسِ الْأَثْمَانِ وَلَمْ يَقْتَصِرْ عَلَى قولهِ بَيْعُ ثَمَنٍ بِثَمَنٍ لِيَدْخُلَ بَيْعُ الْمَصُوغِ بِالْمَصُوغِ أَوْ بِالنَّقْدِ، فَإِنَّ الْمَصُوغَ بِسَبَبِ مَا اتَّصَلَ مِنْ الصَّنْعَةِ بِهِ لَمْ يَبْقَ ثَمَنًا صَرِيحًا وَلِهَذَا يَتَعَيَّنُ فِي الْعَقْدِ وَمَعَ بَيْعِهِ صَرْفٌ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ اصْطِلَاحًا بِهِ لِأَنَّ مَفْهُومَهُ اللُّغَوِيَّ هُوَ النَّقْلُ، وَمِنْهُ فِي دُعَاءِ الِاسْتِخَارَةِ: «فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ» وَنَقْلُ كُلٍّ مِنْ الْبَدَلَيْنِ عَنْ مَالِكِهِ إلَى الْآخَرِ بِالْفِعْلِ شَرْطُ جَوَازِهِ فَكَانَ فِي الْمُسَمَّى مَعْنَى اللُّغَةِ فَسُمِّيَ بِاسْمِ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْمَشْرُوطِ فِيهِ (أَوْ هُوَ) أَيْ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيُّ الزِّيَادَةُ، وَهَذَا الْعَقْدُ لَا يُقْصَدُ بِهِ إلَّا الزِّيَادَةُ دُونَ الِانْتِفَاعِ بِعَيْنِ الْبَدَلِ الْآخَرِ فِي الْغَالِبِ لِأَنَّهُ لَا يُنْتَفَعُ بِعَيْنِهِ، بِخِلَافِ نَحْوِ الطَّعَامِ وَالثَّوْبِ وَالْخِمَارِ، وَالْمُرَادُ أَنَّ قَصْدَ كُلٍّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ التِّجَارَةُ وَالرِّبْحُ فِيهِ بِالنَّقْلِ وَإِلَّا خَلَا الْعَقْدُ عَنْ الْفَائِدَةِ، وَالزِّيَادَةُ تُسَمَّى صَرْفًا وَبِهِ سُمِّيَتْ الْعِبَادَةُ النَّافِلَةُ صَرْفًا فِي قولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «مَنْ انْتَمَى إلَى غَيْرِ أَبِيهِ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنْهُ صَرْفًا وَلَا عَدْلًا» فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصَّرْفِ النَّافِلَةُ الَّتِي هِيَ الزِّيَادَةُ، وَالْعَدْلُ الْفَرْضُ الَّذِي هُوَ حَقٌّ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ، وَلَا شَكَّ فِي مُنَاسَبَةِ تَسْمِيَةِ الْفَرْضِ عَدْلًا فَقِيلَ عَلَيْهِ قَدْ فَسَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ بِغَيْرِ هَذَا.
قَالَ فِي الْفَائِقِ: فِي ذِكْرِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَمْرِ الْمَدِينَةِ «مَنْ أَحْدَثَ فِيهَا حَدَثًا أَوْ آوَى مُحْدِثًا فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ» الصَّرْفُ: التَّوْبَةُ لِأَنَّهُ صَرْفُ النَّفْسِ عَنْ الْفُجُورِ إلَى الْبِرِّ.
وَالْعَدْلُ: الْفِدْيَةُ مِنْ الْمُعَادَلَةِ وَالْفِدَاءِ يُعَادِلُ نَفْسَهُ، وَالْمُرَادُ مِنْ إحْدَاثِ الْحَدَثِ فِعْلُ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ.
وَالْجَوَابُ أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ اخْتَلَفُوا فِي ذَلِكَ، فَقَدْ ذُكِرَ فِي الْجَمْهَرَةِ عَنْ بَعْضِ أَهْلِ اللُّغَةِ: الصَّرْفُ الْفَرِيضَةُ، وَالْعَدْلُ النَّافِلَةُ.
وَفِي الْغَرِيبَيْنِ عَنْ بَعْضِهِمْ: الصَّرْفُ النَّافِلَةُ وَالْعَدْلُ الْفَرِيضَةُ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَلَا اعْتِرَاضَ مَعَ أَنَّهُ الْأَنْسَبُ.
وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَمْوَالَ تَنْقَسِمُ إلَى ثَمَنِ كُلِّ حَالٍ وَهِيَ الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ أَوْ لَا، وَسَوَاءٌ كَانَ مَا يُقَابِلُهَا مِنْ جِنْسِهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِلَى مَا هُوَ مَبِيعٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَهُوَ مَا لَيْسَ مِنْ ذَوَاتِ الْأَمْثَالِ مِنْ الْعُرُوضِ كَالثِّيَابِ وَالْحَيَوَانِ، وَإِلَى مَا هُوَ ثَمَنٌ مِنْ وَجْهٍ مَبِيعٍ مِنْ وَجْهٍ وَهُوَ الْمَكِيلُ وَالْمَوْزُونُ، فَإِنَّهَا إذَا عُيِّنَتْ فِي الْعَقْدِ كَانَتْ مَبِيعَةً؛ وَإِنْ لَمْ تُعَيَّنْ، فَإِنْ صَحِبَهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَقَابَلَهَا مَبِيعٌ فَهِيَ ثَمَنٌ، وَإِنْ لَمْ يَصْحَبْهَا حَرْفُ الْبَاءِ وَلَمْ يُقَابِلْهَا ثَمَنٌ فَهِيَ مَبِيعَةٌ، وَهَذَا لِأَنَّ الثَّمَنَ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ.
قَالَ الْفَرَّاءُ فِي قوله تعالى: {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} الثَّمَنُ مَا يَثْبُتُ فِي الذِّمَّةِ دَيْنًا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ وَالنُّقُودُ لَا تُسْتَحَقُّ بِالْعَقْدِ إلَّا دَيْنًا خِلَافًا لِلْأَئِمَّةِ الثَّلَاثَةِ فَعِنْدَهُمْ يَتَعَيَّنُ الذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ إذَا عُيِّنَتْ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ الدَّرَاهِمُ الْمُعَيَّنَةُ فِي الْبَيْعِ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ وَلَا يَجُوزُ اسْتِبْدَالُهَا.
هَذَا تَقْسِيمُ الْمَالِ بِاعْتِبَارِهِ فِي نَفْسِهِ، وَيَنْقَسِمُ بِاعْتِبَارِ الِاصْطِلَاحِ عَلَى الثَّمِينَةِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ سِلْعَةٌ، فَإِنْ كَانَتْ رَائِجَةً فَهِيَ ثَمَنٌ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً فَهِيَ سِلْعَةٌ كَالْفُلُوسِ.
(قولهُ فَإِنْ بَاعَ فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ لَا يَجُوزُ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ) يَعْنِي فِي الْعِلْمِ لَا بِحَسَبِ نَفْسِ الْأَمْرِ فَقَطْ (وَإِنْ اخْتَلَفَا فِي الْجَوْدَةِ وَالصِّيَاغَةِ) فَيَدْخُلُ الْإِنَاءُ بِالْإِنَاءِ، فَلَوْ بَاعَاهُمَا مُجَازَفَةً وَلَمْ يَعْلَمَا كَمِّيَّتَهُمَا وَكَانَا فِي نَفْسِ الْأَمْرِ مُتَسَاوِيَيْنِ لَمْ يَجُزْ، وَلَوْ وَزْنًا فِي الْمَجْلِسِ فَظَهَرَا مُتَسَاوِيَيْنِ يَجُوزُ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ، وَلَوْ وُزِنًا بَعْدَ الِافْتِرَاقِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَا مُتَسَاوِيَيْنِ خِلَافًا لِزُفَرَ.
هُوَ يَقول: الشَّرْطُ التَّسَاوِي وَقَدْ ثَبَتَ، وَاشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِهِ زِيَادَةٌ بِلَا دَلِيلٍ.
قُلْنَا: بَلْ هُوَ شَرْطٌ بِدَلِيلٍ وَهُوَ أَنَّ الْمَوْهُومَ فِي هَذَا الْعَقْدِ جُعِلَ كَالْمَعْلُومِ شَرْعًا، وَمَا لَمْ تُعْلَمْ الْمُسَاوَاةُ تَوَهُّمُ الزِّيَادَةِ حَاصِلٌ فَيَكُونُ كَثُبُوتِ حَقِيقَةِ الزِّيَادَةِ؛ وَمُقْتَضَى هَذَا أَنْ لَا يَجُوزَ إذَا وُزِنَ فِي الْمَجْلِسِ فَظَهَرَ مُتَسَاوِيًا أَيْضًا، لَكِنْ جَازَ فِي الِاسْتِحْسَانِ عِنْدَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ كَأَنَّ الْعَقْدَ أُنْشِئَ الْآنَ؛ لِأَنَّ سَاعَاتِهِ كَسَاعَةٍ وَاحِدَةٍ.
وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ بَيْعِ الْحِنْطَةِ بِالْحِنْطَةِ وَزْنًا مَعْلُومًا فَلِعَدَمِ الْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ كَيْلًا، إذْ الْمُسَاوَاةُ وَزْنًا تَسْتَلْزِمُهُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْكَيْلِ، وَالْمُعْتَبَرُ فِيمَا كَانَ مَكِيلًا فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّقْدِيرُ بِالْكَيْلِ عَلَى مَا سَلَفَ.
وَعَنْ هَذَا إذَا اقْتَسَمَا مَكِيلًا مُوَازَنَةً لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْقِسْمَةَ كَالْبَيْعِ.
وَاسْتَدَلَّ الْمُصَنِّفُ عَلَى وُجُوبِ الْمُسَاوَاةِ (بِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ» الْحَدِيثَ) وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَتَقَدَّمَ وَجْهُ انْتِصَابِهِ أَنَّهُ بِالْعَامِلِ الْمُقَدَّرِ: أَيْ بِيعُوا، وَالْأَوْلَى حَيْثُ كَانَ الذَّهَبُ مَرْفُوعًا فِي الْحَدِيثِ أَنْ يُجْعَلَ عَامِلُهُ مُتَعَلِّقَ الْمَجْرُورِ: أَيْ الذَّهَبُ يُبَاعُ بِالذَّهَبِ مِثْلًا بِمِثْلٍ.
نَعَمْ حَدِيثُ الْخُدْرِيِّ فِي الْبُخَارِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ» ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ مُفَرَّغٌ لِلْحَالِ، وَبَقِيَّةُ الْحَدِيثِ «وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» وَالشِّفُّ بِالْكَسْرِ مِنْ الْأَضْدَادِ يُقَالُ لِلنُّقْصَانِ وَالزِّيَادَةِ، وَالْمُرَادُ هُنَا لَا تَزِيدُوا بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، وَلَا يَتَّضِحُ فِي مَعْنَى النَّقْصِ وَإِلَّا لَقَالَ وَلَا تُشِفُّوا بَعْضَهَا عَنْ بَعْضٍ، وَقولهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَا تُشِفُّوا فِي حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ الْمَذْكُورِ تَفْسِيرٌ لِمِثْلًا بِمِثْلٍ، فَإِنَّ الْمِثْلِيَّةَ أَعَمُّ، فَفَسَّرَهَا بِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ الْمِقْدَارِ، وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ «جَيِّدُهَا وَرَدِيئُهَا سَوَاءٌ» أَيْضًا، وَتَخْرِيجُهُ وَهُوَ دَلِيلُ سُقُوطِ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ وَسُقُوطُ زِيَادَةِ الصِّيَاغَةِ بِمَا رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَنْ الْوَلِيدِ بْنِ سَرِيعٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أُتِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِإِنَاءٍ كُسِرَ وَإِنِّي قَدْ أَحْكَمْت صِيَاغَتَهُ، فَبَعَثَنِي بِهِ لِأَبِيعَهُ فَأُعْطِيت وَزْنَهُ وَزِيَادَةً، فَذَكَرْت ذَلِكَ لِعُمَرَ فَقَالَ: أَمَّا الزِّيَادَةُ فَلَا.
هَذَا وَيَدْخُلُ فِي إطْلَاقِ الْمُسَاوَاةِ الْمَصُوغُ بِالْمَصُوغِ وَالتِّبْرُ بِالْآنِيَةِ، حَتَّى لَوْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ بِإِنَاءِ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ وَأَحَدُهُمَا أَثْقَلُ مِنْ الْآخَرِ لَا يَجُوزُ، بِخِلَافِ إنَاءَيْنِ مِنْ غَيْرِهِمَا نُحَاسٍ أَوْ شِبْهِهِ حَيْثُ يَجُوزُ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ وَإِنْ تَفَاضَلَا وَزْنًا مَعَ أَنَّ النُّحَاسَ وَغَيْرَهُ مِمَّا يُوزَنُ مِنْ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ أَيْضًا، وَذَلِكَ لِأَنَّ صِفَةَ الْوَزْنِ فِي النَّقْدَيْنِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا فَلَا يَتَغَيَّرُ بِالصَّنْعَةِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفِ جَعْلِهِ عَدَدِيًّا لَوْ تُعُورِفَ ذَلِكَ، بِخِلَافِ غَيْرِهِمَا فَإِنَّ الْوَزْنَ فِيهِ بِالْعُرْفِ فَيَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مَوْزُونًا بِتَعَارُفِ عَدَدِيَّتِهِ إذَا صِيغَ وَصُنِعَ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) لِمَا رَوَيْنَا، وَلِقول عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَإِنْ اسْتَنْظَرَك أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ فَلَا تُنْظِرُهُ، وَلِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ أَحَدِهِمَا لِيَخْرُجَ الْعَقْدُ عَنْ الْكَالِئِ بِالْكَالِئِ ثُمَّ لَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْآخَرِ تَحْقِيقًا لِلْمُسَاوَاةِ فَلَا يَتَحَقَّقُ الرِّبَا، وَلِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَيْسَ بِأَوْلَى مِنْ الْآخَرِ فَوَجَبَ قَبْضُهُمَا سَوَاءٌ كَانَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَصُوغِ أَوْ لَا يَتَعَيَّنَانِ كَالْمَضْرُوبِ أَوْ يَتَعَيَّنُ أَحَدُهُمَا وَلَا يَتَعَيَّنُ الْآخَرُ لِإِطْلَاقِ مَا رَوَيْنَا، وَلِأَنَّهُ إنْ كَانَ يَتَعَيَّنُ فَفِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّعْيِينِ لِكَوْنِهِ ثَمَنًا خِلْقَةً فَيُشْتَرَطُ قَبْضُهُ اعْتِبَارًا لِلشُّبْهَةِ فِي الرِّبَا، وَالْمُرَادُ مِنْهُ الِافْتِرَاقُ بِالْأَبْدَانِ، حَتَّى لَوْ ذَهَبَا عَنْ الْمَجْلِسِ يَمْشِيَانِ مَعًا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ أَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا لَا يَبْطُلُ الصَّرْفُ لِقول ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ، وَكَذَا الْمُعْتَبَرُ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ، بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ لِأَنَّهُ يَبْطُلُ بِالْإِعْرَاضِ فِيهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَا بُدَّ مِنْ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ) بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ.
وَفِي فَوَائِدِ الْقُدُورِيِّ: الْمُرَادُ بِالْقَبْضِ هُنَا الْقَبْضُ بِالْبَرَاجِمِ لَا بِالتَّخْلِيَةِ يُرِيدُ بِالْيَدِ، وَذَكَرْنَا آنِفًا أَنَّ الْمُخْتَارَ أَنَّ هَذَا الْقَبْضَ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ ابْتِدَاءِ الصِّحَّةِ لِظَاهِرِ قولهِ: فَإِذَا افْتَرَقَا بَطَلَ الْعَقْدُ، وَإِنَّمَا يَبْطُلُ بَعْدَ وُجُودِهِ وَهُوَ الْأَصَحُّ.
وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا إذَا ظَهَرَ الْفَسَادُ فِيمَا هُوَ صَرْفٌ يَفْسُدُ فِيمَا لَيْسَ صَرْفًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، وَلَا يَفْسُدُ عَلَى الْقول الْأَصَحِّ، وَقولهُ (لِمَا رُوِّينَا) يَعْنِي قوله: «يَدًا بِيَدٍ» وَكَذَا مَا رُوِّينَا مِنْ حَدِيثِ الْبُخَارِيِّ قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «وَلَا تَبِيعُوا مِنْهَا غَائِبًا بِنَاجِزٍ» وَقول عُمَرَ: «وَإِنْ اسْتَنْظَرَك» إلَى آخِرِهِ، رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْهُ قَال: «لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ إلَّا مِثْلًا بِمِثْلٍ، وَلَا تَبِيعُوا الْوَرِقَ بِالذَّهَبِ أَحَدُهُمَا غَائِبٌ وَالْآخَرُ نَاجِزٌ، وَإِنَّ اسْتَنْظَرَك أَنْ يَلِجَ بَيْتَهُ فَلَا تَنْظُرُهُ إلَّا يَدًا بِيَدٍ هَاتِ وَهَاتِ، إنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمْ الرِّبَا» وَفِي رِوَايَةٍ قَال: «الرِّمَا» بِالْمِيمِ وَهُوَ الرِّبَا. وَرَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ وَقَالَ: «أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَهُ».
وَلَمَّا ثَبَتَ نَصُّ الشَّرْعِ بِإِلْزَامِ التَّقَابُضِ عَلَّلَهُ الْفُقَهَاءُ بِمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَحَلَّهُ أَنَّ لِلتَّقَدُّمِ مَزِيَّةً عَلَى النَّسِيئَةِ فَيَتَحَقَّقُ الْفَضْلُ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَهُوَ الرِّبَا، وَلَمَّا كَانَ مَظِنَّةُ أَنْ يُقَالَ: هَذَا غَيْرُ لَازِمٍ فِي قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ لِجَوَازِ أَنْ يُجْعَلَا مَعًا نَسِيئَةً قَالَ: لَا بُدَّ شَرْعًا مِنْ قَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ كَيْ لَا يَلْزَمَ الْكَالِئُ بِالْكَالِئِ: أَيْ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ فَلَوْ لَمْ يَقْبِضْ الْآخَرُ لَزِمَ الرِّبَا بِمَا قُلْنَا.
وَأَيْضًا يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ لِأَنَّهُمَا مُسْتَوِيَانِ فِي مَعْنَى الثَّمَنِيَّةِ، فَإِذَا وَجَبَ قَبْضُ أَحَدِهِمَا فَكَذَا الْآخَرُ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ.
فَإِنْ قِيلَ: تَعْلِيلُ الْكِتَابِ يَخُصُّ الثَّمَنَيْنِ الْمَحْضَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا يَتَعَيَّنَانِ وَالْحُكْمُ وَهُوَ لُزُومُ التَّقَابُضِ ثَابِتٌ وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ كَالْمَصُوغِ.
فَأَجَابَ بِأَنَّ ذَلِكَ لِإِطْلَاقِ مَا رُوِّينَا مِنْ قولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةَ بِالْفِضَّةِ» وَعَلَّلَ الْإِطْلَاقَ الْمَذْكُورَ بِأَنَّ الْمُتَعَيَّنَ أَيْضًا كَالْمَصُوغِ فِيهِ شُبْهَةُ عَدَمِ التَّعْيِينِ إذْ فِيهِ شُبْهَةُ الثَّمَنِيَّةِ إذْ قَدْ خُلِقَ ثَمَنًا، وَالشُّبْهَةُ فِي بَابِ الرِّبَا كَالْحَقِيقَةِ عَلَى مَا مَرَّ غَيْرَ مَرَّةٍ.
وَلَمَّا كَانَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ تَنَاوَلَ النَّصَّ بِإِطْلَاقِهِ لَمْ يَدْفَعْهُ أَنَّ الثَّابِتَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ بَلْ وَجَبَ بِالنَّصِّ إلْحَاقُ شُبْهَةِ شُبْهَةِ الرِّبَا بِشُبْهَةِ الرِّبَا فِي هَذَا الْحُكْمِ.
وَقولهُ فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ لِأَنَّهُمَا لَوْ مَشَيَا كُلٌّ فِي جِهَةٍ كَانَ افْتِرَاقًا مُبْطِلًا.
وَقول ابْنِ عُمَرَ: وَإِنْ وَثَبَ مِنْ سَطْحٍ فَثِبْ، يُفِيدُ عَدَمَ بُطْلَانِ الْعَقْدِ بِمُجَرَّدِ اخْتِلَافِ الْمَكَانِ، بَلْ إذَا لَمْ يُوَافِقْهُ الْآخَرُ فِيهِ، وَهَذَا لِأَنَّ بِمُجَرَّدِ وُثُوبِ أَحَدِهِمَا اخْتَلَفَ مَكَانُهُمَا وَلَمْ يُعْتَبَرْ مَانِعًا إلَّا إذَا لَمْ يَثِبْ مَعَهُ.
وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ هَذَا غَرِيبٌ جِدًّا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ، وَذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: وَعَنْ أَبِي جَبَلَةَ قَالَ: سَأَلْت عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَقُلْت: إنَّا نَقْدُمُ أَرْضَ الشَّامِ وَمَعَنَا الْوَرِقُ الثِّقَالُ النَّافِقَةُ وَعِنْدَهُمْ الْوَرِقُ الْخِفَافُ الْكَاسِدَةُ، فَنَبْتَاعُ وَرِقَهُمْ الْعَشْرَ بِتِسْعَةٍ وَنِصْفٍ، فَقَالَ: لَا تَفْعَلُ، وَلَكِنْ بِعْ وَرِقَك بِذَهَبٍ وَاشْتَرِ وَرِقَهُمْ بِالذَّهَبِ، وَلَا تُفَارِقُهُ حَتَّى تَسْتَوْفِيَ، وَإِنْ وَثَبَ عَنْ سَطْحٍ فَثِبْ مَعَهُ.
وَفِيهِ دَلِيلُ رُجُوعِهِ عَنْ جَوَازِ التَّفَاضُلِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا رُجُوعُهُ، وَفِيهِ دَلِيلٌ أَنَّ الْمُفْتِيَ إذَا أَجَابَ لَا بَأْسَ أَنْ يُبَيِّنَ لِلسَّائِلِ طَرِيقَ تَحْصِيلِ مَطْلُوبِهِ كَمَا فَعَلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ قَالَ لِبِلَال: «بِعْ التَّمْرَ بِبَيْعٍ آخَرَ ثُمَّ اشْتَرِيهِ» إنَّمَا الْمَحْظُورُ تَعْلِيمُ الْحِيَلِ الْكَاذِبَةِ لِإِسْقَاطِ الْوُجُوبَاتِ.
قَالَ: (وَكَذَا الْمُعْتَبَرُ فِي قَبْضِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ) يَعْنِي أَنْ يَقْبِضَهُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ دُونَ اتِّحَادِ الْمَجْلِسِ (بِخِلَافِ خِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ) فَإِنَّهَا لَوْ قَامَتْ قَبْلَ الِاخْتِيَارِ بَطَلَ، وَكَذَا إذَا مَشَتْ مَعَ زَوْجِهَا فِي جِهَةٍ وَاحِدَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ دَلِيلُ إعْرَاضِهَا عَمَّا كَانَتْ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي الْإِبْطَالِ هُنَاكَ دَلِيلُ الْإِعْرَاضِ، وَالْقِيَامُ وَنَحْوُهُ دَلِيلُهُ فَلَزِمَ فِيهِ الْمَجْلِسُ، وَلِتَعَلُّقِ الصِّحَّةِ بِعَدَمِ الِافْتِرَاقِ لَا يَبْطُلُ لَوْ نَامَا فِي الْمَجْلِسِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ أَوْ أُغْمِيَ عَلَيْهِمَا أَوْ طَالَ قُعُودُهُمَا.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ جُعِلَ الصَّرْفُ كَخِيَارِ الْمُخَيَّرَةِ يَبْطُلُ بِدَلِيلِ الْإِعْرَاضِ كَالْقِيَامِ مِنْ الْمَجْلِسِ، حَتَّى لَوْ نَامَا أَوْ أَحَدُهُمَا فَهُوَ فُرْقَةٌ، وَلَوْ نَامَا جَالِسَيْنِ فَلَا.
وَعَنْهُ: الْقُعُودُ الطَّوِيلُ فُرْقَةٌ دُونَ الْقَصِيرِ، وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى آخَرَ أَلْفُ دِرْهَمٍ وَلِلْآخَرِ عَلَيْهِ مِائَةُ دِينَارٍ فَأَرْسَلَ رَسُولًا يَقول لَهُ: بِعْتُك الدَّرَاهِمَ الَّتِي لِي عَلَيْك بِالدَّنَانِيرِ الَّتِي لَك عَلَيَّ فَقَالَ: قَبِلْت كَانَ بَاطِلًا، وَكَذَا لَوْ نَادَى أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ مِنْ وَرَاءِ جِدَارٍ أَوْ مِنْ بَعِيدٍ لِأَنَّهُمَا مُتَفَرِّقَانِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ لَوْ قَالَ الْأَبُ: اشْهَدُوا أَنِّي اشْتَرَيْت هَذَا الدِّينَارَ مِنْ ابْنِي الصَّغِيرِ بِعَشَرَةٍ وَقَامَ قَبْلَ نَقْدِهَا بَطَلَ.
هَذَا وَيَجُوزُ الرَّهْنُ بِبَدَلِ الصَّرْفِ وَالْحَوَالَةِ بِهِ كَمَا فِي رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ.

متن الهداية:
وَإِنْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ جَازَ التَّفَاضُلُ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ (وَوَجَبَ التَّقَابُضُ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَام: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» (فَإِنْ افْتَرَقَا فِي الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِ الْعِوَضَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا بَطَلَ الْعَقْدُ) لِفَوَاتِ الشَّرْطِ وَهُوَ الْقَبْضُ وَلِهَذَا لَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ فِيهِ وَلَا الْأَجَلُ لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا لَا يَبْقَى الْقَبْضُ مُسْتَحَقًّا وَبِالثَّانِي يَفُوتُ الْقَبْضُ الْمُسْتَحَقُّ، إلَّا إذَا أُسْقِطَ الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ لِارْتِفَاعِهِ قَبْلَ تَقَرُّرِهِ وَفِيهِ خِلَافُ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِنْ بَاعَ الذَّهَبَ بِالْفِضَّةِ جَازَ التَّفَاضُلُ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ وَاشْتُرِطَ الْقَبْضُ) لِمَا رَوَى السِّتَّةُ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ» قِيلَ: وَمَعْنَى قولهُ رِبًا: أَيْ حَرَامٌ بِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَلْزُومِ عَلَى اللَّازِمِ، وَلَا مَانِعَ مِنْ جَعْلِهِ فِي حَقِيقَتِهِ شَرْعًا وَأَنَّ اسْمَ الرِّبَا تَضَمَّنَ الزِّيَادَةَ مِنْ الْأَمْوَالِ الْخَاصَّةِ فِي أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ فِي قَرْضٍ أَوْ بَيْعٍ.
وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ أَنَّهُ اسْتَثْنَى حَالَةَ التَّقَابُضِ مِنْ الْحَرَامِ بِحَصْرِ الْحِلِّ فِيهَا فَيَنْتَفِي الْحِلُّ فِي كُلِّ حَالَةٍ غَيْرِهَا فَيَدْخُلُ فِي عُمُومِ الْمُسْتَثْنَى حَالَةُ التَّفَاضُلِ وَالتَّسَاوِي وَالْمُجَازَفَةِ فَيَحِلُّ كُلُّ ذَلِكَ.
وَقولهُ (إلَّا إذَا أُسْقِطَ الْخِيَارُ فِي الْمَجْلِسِ) اسْتِثْنَاءٌ مِنْ لَازِمِ قولهِ لَا يَصِحُّ شَرْطُ الْخِيَارِ وَهُوَ فَوَاتُ الشَّرْطِ الْمُسْتَلْزِمِ لِلْبُطْلَانِ: أَيْ شَرْطُ الْخِيَارِ يَفُوتُ الشَّرْطُ إلَّا إذَا أَسْقَطَهُ فَلَا يَفُوتُ فَيَعُودُ إلَى الْجَوَازِ.
وَقَدَّمْنَا نَقْلَ خِلَافِ زُفَرَ فِيهِ: هَذَا وَبَيْنَ الْفَسَادِ بِتَرْكِ الْقَبْضِ وَالْفَسَادِ بِالْأَجَلِ فَرْقٌ عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ فِي مَسْأَلَةٍ، وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ جَارِيَةً فِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ زِنَتُهُ مِائَةٌ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ حَتَّى انْصَرَفَ لِلطَّوْقِ مِائَةٌ مِنْ الْأَلْفِ فَيَصِيرُ صَرْفًا فِيهِ وَتِسْعُمِائَةٍ لِلْجَارِيَةِ بَيْعًا، فَإِنَّهُ لَوْ فَسَدَ بِتَرْكِ الْقَبْضِ بَطَلَ فِي الطَّوْقِ، وَبَيْعُ الْجَارِيَةِ بِتِسْعِمِائَةٍ صَحِيحٌ، وَلَوْ فَسَدَ بِالْأَجَلِ فَسَدَ فِيهِمَا عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا.
وَفَرَّقَ بِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ انْعَقَدَ صَحِيحًا ثُمَّ طَرَأَ الْمُفْسِدُ فَيَخُصُّ مَحَلَّهُ وَهُوَ الصَّرْفُ، وَفِي الثَّانِي انْعَقَدَ أَوَّلًا عَلَى الْفَسَادِ فَشَاعَ، وَهَذَا عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ.
وَفِي الْكَامِلِ: لَوْ أُسْقِطَ الْأَجَلُ مَنْ لَهُ الْأَجَلُ دُونَ الْآخَرِ صَحَّ فِي الْمَشْهُورِ، وَلَيْسَ فِي الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ خِيَارُ رُؤْيَةٍ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يَنْفَسِخُ بِرَدِّهَا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا وَقَعَ عَلَى مِثْلِهَا، بِخِلَافِ التِّبْرِ وَالْحُلِيِّ وَالْأَوَانِي مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ لِأَنَّهُ يُنْتَقَضُ الْعَقْدُ بِرَدِّهِ لِتَعَيُّنِهِ فِيهِ، وَلَوْ وُجِدَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا دُونَ الِافْتِرَاقِ زَيْفًا أَوْ سُتُّوقًا فَحُكْمُهُ فِي جَمِيعِ أَبْوَابِهِ الِاسْتِبْدَالُ وَالْبُطْلَانُ كَرَأْسِ مَالِ السَّلَمِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ، حَتَّى لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ حَتَّى اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَالْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ فَاسِدٌ) لِأَنَّ الْقَبْضَ مُسْتَحَقٌّ بِالْعَقْدِ حَقًّا لِلَّهِ تَعَالَى، وَفِي تَجْوِيزِهِ فَوَاتُهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ الْعَقْدُ فِي الثَّوْبِ كَمَا نُقِلَ عَنْ زُفَرَ، لِأَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ فَيَنْصَرِفُ الْعَقْدُ إلَى مُطْلَقِهَا، وَلَكِنَّا نَقول: الثَّمَنُ فِي بَابِ الصَّرْفِ مَبِيعٌ لِأَنَّ الْبَيْعَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ وَلَا شَيْءَ سِوَى الثَّمَنَيْنِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ، وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ كَوْنِهِ مَبِيعًا أَنْ يَكُونَ مُتَعَيَّنًا كَمَا فِي الْمُسْلَمِ فِيهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي ثَمَنِ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ) وَكُلٌّ مِنْهُمَا ثَمَنُ الصَّرْفِ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّصَرُّفُ فِي أَحَدِ بَدَلَيْ الصَّرْفِ قَبْلَ قَبْضِهِ بِهِبَةٍ وَلَا صَدَقَةٍ وَلَا بَيْعٍ، فَإِنْ فَعَلَ بَعْضَ ذَلِكَ مَعَ الْعَاقِدِ بِأَنْ وَهَبَهُ الْبَدَلَ أَوْ تَصَدَّقَ بِهِ عَلَيْهِ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ، فَإِنْ قَبِلَ بَطَلَ الصَّرْفُ لِتَعَذُّرِ وُجُوبِ الْقَبْضِ، وَإِذَا تَعَذَّرَ الشَّرْطُ يَنْتَفِي الْمَشْرُوطُ، وَإِنْ لَمْ يَقْبَلْ لَا يُنْتَقَضُ لِأَنَّ الْبَرَاءَةَ وَمَا مَعَهَا سَبَبُ الْفَسْخِ فَلَا يَنْفَرِدُ بِهِ أَحَدُهُمَا بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ.
وَفَرَّعَ عَلَيْهِ (مَا لَوْ بَاعَ دِينَارًا بِعَشَرَةٍ) مَثَلًا (وَلَمْ يَقْبِضْ الْعَشَرَةَ حَتَّى اشْتَرَى بِهَا ثَوْبًا فَالْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ فَاسِدٌ، لِأَنَّ الْقَبْضَ) فِي الْعَشَرَةِ (مُسْتَحَقٌّ حَقًّا لِلَّهِ) فَلَا يَسْقُطُ بِإِسْقَاطِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ، فَلَوْ جَازَ الْبَيْعُ فِي الثَّوْبِ سَقَطَ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ الثَّوْبِ وَالصَّرْفُ عَلَى حَالِهِ بِقَبْضِ بَدَلِهِ مِنْ عَاقِدِهِ مَعَهُ.
وَأُورِدَ عَلَيْهِ أَنَّ فَسَادَ الصَّرْفِ حِينَئِذٍ حَقُّ اللَّهِ وَصِحَّةُ بَيْعِ الثَّوْبِ حَقُّ الْعَبْدِ فَتَعَارَضَا فَيُقَدَّمُ حَقُّ الْعَبْدِ لِتَفَضُّلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ بِذَلِكَ.
أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ بَعْدَ ثُبُوتِ الْحَقَّيْنِ وَلَمْ يَثْبُتْ حَقُّ الْعَبْدِ بَعْدُ لِأَنَّهُ يُفَوِّتُ حَقَّ اللَّهِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ فَيَمْتَنِعُ لَا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ وَالتَّقْدِيمُ فِيمَا إذَا ثَبَتَا فَيَرْتَفِعُ أَحَدُهُمَا فَضْلًا، وَقَدْ نُقِلَ عَنْ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ صِحَّةُ بَيْعِ الثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَيْعِهِ لَمْ يَتَعَيَّنْ كَوْنُهُ بَدَلَ الصَّرْفِ لِأَنَّ النَّقْدَ لَا يَتَعَيَّنُ، فَإِضَافَةُ الْعَقْدِ إلَى بَدَلِ الصَّرْفِ كَعَدَمِ إضَافَتِهِ فَيَجُوزُ كَمَا يَجُوزُ شِرَاءُ ثَوْبٍ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَصِفْهَا، وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ أَنَّ النُّقُودَ لَا تَتَعَيَّنُ فِي الْبِيَاعَاتِ، فَأَمَّا عَلَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْهُ فَيَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ بَيْعُ الثَّوْبِ كَقولنَا: قُلْنَا قَبْضُ بَدَلِ الصَّرْفِ وَاجِبٌ وَالِاسْتِبْدَالُ يُفَوِّتُهُ فَكَانَ شَرْطُ إيفَاءِ ثَمَنِ الثَّوْبِ مِنْ بَدَلِ الصَّرْفِ شَرْطًا فَاسِدًا فَيَمْتَنِعُ الْجَوَازُ لِإِسْقَاطِ الثَّمَنِ بِهِ، كَذَا ذَكَرَ غَيْرُ وَاحِدٍ وَلَا يَخْفَى كَثْرَةُ مَا ذَكَرُوا فِي عَدَمِ تَعَيُّنِ النَّقْدِ فِي الْبَيْعِ مِنْ أَنَّهُ لَوْ أَشَارَ إلَى دَرَاهِمَ وَعَيَّنَهَا كَانَ لَهُ أَنْ يَحْبِسَهَا وَيَدْفَعَ غَيْرَهَا.
وَحَاصِلُ شِرَاءِ الثَّوْبِ بِبَدَلِ الصَّرْفِ لَيْسَ إلَّا تَعْيِينَ ثَمَنِ الدَّرَاهِمِ، فَلَوْ كَانَ شَرْطًا فَاسِدًا يَمْنَعُ الْجَوَازَ بَطَلَ مَا ذَكَرُوا فِي عَدَمِ تَعَيُّنِ الدَّرَاهِمِ فِي الْبَيْعِ وَكَانَ كُلَّمَا تَعَيَّنَتْ الدَّرَاهِمُ فَسَدَ الْبَيْعُ لَا أَنَّهُ لَا يَتَعَيَّنُ، لَا جَرَمَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ إنَّمَا أَجَابَ بِأَنَّ الثَّمَنَ فِي بَابِ الصَّرْفِ مَبِيعٌ لِاسْتِدْعَاءِ الْبَيْعِ مَبِيعًا وَلَا مَبِيعَ فِيهِ سِوَى الثَّمَنِ فَكَانَ كُلُّ ثَمَنٍ مِنْهُمَا مَبِيعًا وَثَمَنًا وَجَعَلَهُ بَدَلَ الثَّوْبِ وَثَمَنُهُ بَيْعٌ لَهُ وَبَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَجُوزُ: يَعْنِي وَإِذَا لَمْ يَجُزْ لَمْ يَدْخُلْ فِي مِلْكِ بَائِعِ الثَّوْبِ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ زُفَرَ إنَّمَا قَالَ: يَجُوزُ بَيْعُ الثَّوْبِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ تَعَيُّنِ بَدَلِ الصَّرْفِ ثَمَنًا فَجَازَ أَنْ يُعْطِيَ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا شَكَّ أَنْ يَقول بِعَدَمِ جَوَازِ بَيْعِ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَإِذَا قَالَ بِصِحَّةِ بَيْعِ هَذَا الثَّوْبِ لِعَدَمِ تَعَيُّنِ نَقْدِ بَدَلِ الصَّرْفِ فِي ثَمَنِهِ كَانَ بِالضَّرُورَةِ قَائِلًا بِأَنَّ الْبَيْعَ انْعَقَدَ مُوجِبًا دَفْعَ مِثْلِهِ، وَيَكُونُ تَسْمِيَةُ بَدَلِ الصَّرْفِ تَقْدِيرًا لِثَمَنِ الثَّوْبِ سَوَاءٌ سَمَّيْته مَبِيعًا أَوْ ثَمَنًا لِأَنَّهُ إنَّمَا يَلْزَمُ بَيْعُ الْمَبِيعِ قَبْلَ الْقَبْضِ إذَا لَزِمَ تَسْلِيمُهُ بِعَيْنِهِ، وَلَيْسَ هُنَا هَكَذَا، فَإِنْ كَانَ هَذَا وَاقِعًا لَمْ يَنْتَهِضْ مَا دَفَعَ بِهِ الْمُصَنِّفُ مِنْ ذَلِكَ بَلْ يَجِبُ صِحَّةُ بَيْعِ الثَّوْبِ وَإِعْطَاءُ ثَمَنٍ يَمْلِكُهُ الْبَائِعُ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ تَمْلِيكُ بَائِعِ الثَّوْبِ بَدَلَ الصَّرْفِ لَزِمَ بِالضَّرُورَةِ إعْطَاءُ غَيْرِهِ، وَهَكَذَا نَقَلَ الْقُدُورِيُّ عَنْهُ: أَعْنِي أَنَّ الْبَيْعَ الثَّانِيَ جَائِزٌ وَيَكُونُ ثَمَنُ الْمَبِيعِ مِثْلَ الَّذِي فِي ذِمَّةِ الْمُشْتَرِي، قَالَ: وَهَذَا عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زُفَرَ أَنَّ الدَّرَاهِمَ لَا تَتَعَيَّنُ، فَإِذَا لَمْ تَتَعَيَّنْ يَقَعُ الْبَيْعُ بِمِثْلِ بَدَلِ الصَّرْفِ، وَعَلَى هَذَا فَبُطْلَانُ بَيْعِ الثَّوْبِ مُطْلَقًا كَمَا هُوَ جَوَابُ الْمَذْهَبِ مُشْكِلٌ.
وَتَنْظِيرُ النِّهَايَةِ بِغَاصِبِ الدَّرَاهِمِ إذَا اشْتَرَى وَأَشَارَ إلَيْهَا وَدَفَعَ مِنْهَا حَيْثُ يَحْرُمُ الِانْتِفَاعُ بِذَلِكَ الْمَبِيعِ حِينَئِذٍ غَيْرُ مُطَابِقٍ؛ لِأَنَّ إجَازَةَ بَيْعِ الثَّوْبِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا بِأَنْ يَدْفَعَ مِثْلَ بَدَلِ الصَّرْفِ لَا نَفْسِهِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً) لِأَنَّ الْمُسَاوَاةَ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ فِيهِ وَلَكِنْ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا ذَكَرْنَا، بِخِلَافِ بَيْعِهِ بِجِنْسِهِ مُجَازَفَةً لِمَا فِيهِ مِنْ احْتِمَالِ الرِّبَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً) وَكَذَا سَائِرُ الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ، بِخِلَافِ جِنْسِهَا كَالْحِنْطَةِ بِالشَّعِيرِ؛ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ الْمُجَازَفَةِ اشْتِرَاطُ الْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ (وَالْمُسَاوَاةُ غَيْرُ مَشْرُوطَةٍ فِيهِ) أَيْ فِي بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْفِضَّةِ وَكُلُّ جِنْسَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ كَذَلِكَ (لَكِنْ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِمَا ذَكَرْنَا، يَعْنِي قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم: «الذَّهَبُ بِالْوَرِقِ رِبًا إلَّا هَاءَ وَهَاءَ») لَكِنَّ الْعَادَةَ فِي مِثْلِهِ أَنْ يَقول لِمَا رُوِّينَا، ثُمَّ الْمُرَادُ بِالْمَجْلِسِ مَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَعَبَّرَ بِالْمَجْلِسِ عَنْهُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَفِي عُنُقِهَا طَوْقُ فِضَّةٍ قِيمَتُهُ أَلْفُ مِثْقَالٍ بِأَلْفَيْ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ مِثْقَالٍ ثُمَّ افْتَرَقَا فَاَلَّذِي نَقَدَ ثَمَنَ الْفِضَّةِ) لِأَنَّ قَبْضَ حِصَّةِ الطَّوْقِ وَاجِبٌ فِي الْمَجْلِسِ لِكَوْنِهِ بَدَلَ الصَّرْفِ، وَالظَّاهِرُ مِنْهُ الْإِتْيَانُ بِالْوَاجِبِ (وَكَذَا لَوْ اشْتَرَاهَا بِأَلْفَيْ مِثْقَالِ أَلْفٍ نَسِيئَةً وَأَلْفٍ نَقْدًا فَالنَّقْدُ ثَمَنُ الطَّوْقِ) لِأَنَّ الْأَجَلَ بَاطِلٌ فِي الصَّرْفِ جَائِزٌ فِي بَيْعِ الْجَارِيَةِ، وَالْمُبَاشَرَةُ عَلَى وَجْهِ الْجَوَازِ وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْهُمَا (وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ سَيْفًا مُحَلًّى بِمِائَةِ دِرْهَمٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ فَدَفَعَ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسِينَ جَازَ الْبَيْعُ وَكَانَ الْمَقْبُوضُ حِصَّةَ الْفِضَّةِ وَإِنْ لَمْ يُبَيِّنْ ذَلِكَ لِمَا بَيَّنَّا، وَكَذَلِكَ إنْ قَالَ: خُذْ هَذِهِ الْخَمْسِينَ مِنْ ثَمَنِهِمَا) لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ قَدْ يُرَادُ بِذِكْرِهِمَا الْوَاحِدُ، قَالَ اللَّهُ تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وَالْمُرَادُ أَحَدُهُمَا فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ لِظَاهِرِ حَالِهِ (فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْحِلْيَةِ) لِأَنَّهُ صُرِفَ فِيهَا (وَكَذَا فِي السَّيْفِ إنْ كَانَ لَا يَتَخَلَّصُ إلَّا بِضَرَرٍ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ بِدُونِ الضَّرَرِ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَالْجِذْعِ فِي السَّقْفِ (وَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِغَيْرِ ضَرَرٍ جَازَ الْبَيْعُ فِي السَّيْفِ وَبَطَلَ فِي الْحِلْيَةِ) لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ فَصَارَ كَالطَّوْقِ وَالْجَارِيَةِ، وَهَذَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ أَزْيَدَ مِمَّا فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ مِنْهُ أَوْ لَا يَدْرِي لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِلرِّبَا أَوْ لِاحْتِمَالِهِ، وَجِهَةُ الصِّحَّةِ مِنْ وَجْهٍ وَجِهَةُ الْفَسَادِ مِنْ وَجْهَيْنِ فَتَرَجَّحَتْ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ بَاعَ جَارِيَةً قِيمَتُهَا أَلْفُ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَفِي عُنُقِهَا طَوْقٌ فِيهِ أَلْفُ مِثْقَالٍ بِأَلْفَيْ مِثْقَالِ فِضَّةٍ وَنَقَدَ مِنْ الثَّمَنِ أَلْفَ مِثْقَالٍ ثُمَّ افْتَرَقَا) صُرِفَ الْمَنْقُودُ إلَى الطَّوْقِ وَإِنْ لَمْ يَنُصَّ الدَّافِعُ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ خُذْهُ مِنْهُمَا صُرِفَ أَيْضًا إلَى الطَّوْقِ وَصَحَّ الْبَيْعُ فِيهِمَا تَحَرِّيًا لِلْجَوَازِ بِتَحْكِيمِ ظَاهِرِ حَالِهِمَا، إذْ الظَّاهِرُ قَصْدُهُمَا إلَى الْوَجْهِ الْمُصَحَّحِ؛ لِأَنَّ الْعَقْدَ لَا يُفِيدُ تَمَامَ مَقْصُودِهِمَا إلَّا بِالصِّحَّةِ، فَكَانَ هَذَا الِاعْتِبَارُ عَمَلًا بِالظَّاهِرِ وَالظَّاهِرُ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ صَرَّحَ فَقَالَ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ مِنْ ثَمَنِ الْجَارِيَةِ فَإِنَّ الظَّاهِرَ حِينَئِذٍ عَارَضَهُ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِهِ، فَإِذَا قَبَضَهُ ثُمَّ افْتَرَقَا بَطَلَ فِي الطَّوْقِ كَمَا إذَا لَمْ يَقْبِضْهُ.
فَإِنْ قُلْت: فَفِي قولهِ خُذْهُ مِنْهُمَا عَارَضَهُ أَيْضًا.
قُلْنَا: لَا نُسَلِّمُ لِأَنَّ الْمُثَنَّى قَدْ اُسْتُعْمِلَ فِي الْوَاحِدِ أَيْضًا (قَالَ تعالى: {يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ} وَالْمُرَادُ مِنْ أَحَدِهِمَا) وَهُوَ الْبَحْرُ الْمِلْحُ، وَ{يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ} وَإِنَّمَا الرُّسُلُ مِنْ الْإِنْسِ فِي مَذْهَبِ أَهْلِ الْحَقِّ، وَقَالَ تعالى: {نَسِيَا حُوتَهُمَا} وَإِنَّمَا نَسِيَهُ فَتَى مُوسَى.
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ وَابْنِ عَمٍّ لَهُ: «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا» وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ أَحَدُهُمَا وَقَالَ تعالى: {قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا} وَالْمُرَادُ دَعْوَةُ مُوسَى، إلَّا أَنَّهُ قَدْ قِيلَ: إنَّ هَارُونَ كَانَ يُؤَمِّنُ عَلَى دُعَائِهِ، فَإِذَا صَحَّ الِاسْتِعْمَالُ وَكَثُرَ وَجَبَ الْحَمْلُ عَلَيْهِ لِمَا قُلْنَا، وَذَكَرْنَا مِنْ قَرِيبٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْفَسَادُ بِسَبَبِ الْأَجَلِ فِي الْعَقْدِ شَاعَ الْفَسَادُ فِي الْجَارِيَةِ أَيْضًا عَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ، لِأَنَّ الْفَسَادَ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ بِخِلَافِهِ عَنْ الِافْتِرَاقِ.
هَذَا وَلَقَدْ وَقَعَ الْإِفْرَاطُ فِي تَصْوِيرِ الْمَسْأَلَةِ حَيْثُ طَوْقُهَا أَلْفُ مِثْقَالِ فِضَّةٍ فَإِنَّهُ عَشَرَةُ أَرْطَالٍ بِالْمِصْرِيِّ وَوَضْعُ هَذَا الْمِقْدَارِ فِي الْعُنُقِ بَعِيدٌ عَنْ الْعَادَةِ بَلْ نَوْعُ تَعْذِيبٍ، وَعُرِفَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ كَوْنَ قِيمَتِهَا مَعَ مِقْدَارِ الطَّوْقِ مُتَسَاوِيَيْنِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، بَلْ الْأَصْلُ أَنَّهُ إذَا بِيعَ نَقْدٌ مَعَ غَيْرِهِ بِنَقْدٍ مِنْ جِنْسِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَزِيدَ الثَّمَنَ عَلَى النَّقْدِ الْمَضْمُومِ إلَيْهِ، وَمِثْلُ هَذَا فِيمَا إذَا بَاعَ سَيْفًا مُحَلَّى بِمِائَةٍ وَحِلْيَتُهُ خَمْسُونَ بِمِائَةٍ وَخَمْسِينَ أَوْ بِمِائَةٍ وَعَشَرَةٍ فَدَفَعَ مِنْ الثَّمَنِ خَمْسِينَ فَإِنَّهُ يَجِبُ فِيهِ هَذِهِ الِاعْتِبَارَاتُ، وَلَوْ لَمْ يَتَقَابَضَا فِي الصُّورَتَيْنِ حَتَّى افْتَرَقَا بَطَلَ فِي حِصَّةِ الطَّوْقِ وَالْحِلْيَةِ؛ لِأَنَّهُ صَرْفٌ فِيهَا وَيَصِحُّ فِي الْجَارِيَةِ.
وَأَمَّا السَّيْفُ فَإِنْ كَانَتْ الْحِلْيَةُ لَمْ تَتَخَلَّصْ مِنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ فِيهِ فَسَدَ فِي السَّيْفِ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَسْلِيمُهُ إلَّا بِضَرَرٍ فِيهِ، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ كَمَا مَرَّ فِي جِذْعٍ مِنْ سَقْفٍ، فَإِنْ كَانَ يَتَخَلَّصُ بِلَا ضَرَرٍ جَازَ فِيهِ كَالْجَارِيَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنَ إفْرَادُهُ بِالْبَيْعِ وَبَطَلَ فِي الْحِلْيَةِ خَاصَّةً.
ثُمَّ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمُفْرَدَةُ: يَعْنِي الثَّمَنَ أَكْثَرَ مِنْ الطَّوْقِ وَالْحِلْيَةِ، فَإِنْ كَانَتْ مِثْلَهُ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَا يَدْرِي وَاخْتَلَفَ الْمُقَوِّمُونَ فِي ذَلِكَ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ لِلرِّبَا حَقِيقَةً فِيمَا إذَا كَانَتْ أَقَلَّ أَوْ مُسَاوِيَةً بِسَبَبِ زِيَادَةِ الْبَدَلِ الْآخَرِ وَهُوَ الْمَبِيعُ الْفِضَّةُ زِيَادَةً مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ وَهُوَ نَفْسُ الْجَارِيَةِ وَالسَّيْفِ أَوْ احْتِمَالُ الرِّبَا فِيمَا إذَا لَمْ يُدْرَ الْحَالُ، وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْعِلْمِ بِالْمُسَاوَاةِ.
فَإِنْ قِيلَ: فِي صُورَةِ الِاحْتِمَالِ لَمْ يُقْطَعْ بِالْفَسَادِ.
أَجَابَ بِأَنَّ جِهَةَ الْفَسَادِ مُتَعَدِّدَةٌ، فَإِنَّهَا مِنْ وَجْهَيْنِ، وَهُوَ تَجْوِيزُ الْأَقَلِّيَّةِ وَالْمُسَاوَاةُ، بِخِلَافِ الصِّحَّةِ فَإِنَّهَا عَلَى تَقْدِيرٍ وَاحِدٍ وَهُوَ الزِّيَادَةُ فَتَرَجَّحَتْ جِهَةُ الْفَسَادِ، عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ احْتِمَالِ الرِّبَا كَافٍ فِي الْفَسَادِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّرْجِيحِ مَعَ أَنَّهُ يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِمَا يَصْلُحُ بِنَفْسِهِ عِلَّةً لِلْفَسَادِ وَيَحْتَاجُ إلَى الْجَوَابِ بِأَنَّ الْمَعْنَى أَنَّ احْتِمَالَ أَحَدِهِمَا فَقَطْ مُفْسِدٌ فَكَيْفَ إذَا اجْتَمَعَا، وَعَلَى هَذَا كُلُّ مَا اُشْتُرِيَ بِالْفِضَّةِ فِضَّةً مَعَ غَيْرِهَا أَوْ بِالذَّهَبِ ذَهَبًا مَعَ غَيْرِهِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ ثُمَّ افْتَرَقَا وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ وَصَحَّ فِيمَا قُبِضَ وَكَانَ الْإِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا) لِأَنَّهُ صَرْفٌ كُلُّهُ فَصَحَّ فِيمَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَبَطَلَ فِيمَا لَمْ يُوجَدْ وَالْفَسَادُ طَارِئٌ لِأَنَّهُ يَصِحُّ ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ فَلَا يَشِيعُ.
قَالَ: (وَلَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْإِنَاءِ فَالْمُشْتَرِي بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ) لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ فِي الْإِنَاءِ.
(وَمَنْ بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ بَعْضُهَا أَخَذَ مَا بَقِيَ بِحِصَّتِهَا وَلَا خِيَارَ لَهُ) لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ بَاعَ إنَاءَ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ ثُمَّ افْتَرَقَا) وَقَدْ قَبَضَ بَعْضَ ثَمَنِهِ بَطَلَ الْبَيْعُ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ وَصَحَّ فِيمَا قُبِضَ وَكَانَ الْإِنَاءُ مُشْتَرَكًا بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ صَرْفٌ كُلُّهُ فَصَحَّ فِيمَا وُجِدَ شَرْطُهُ وَبَطَلَ فِيمَا لَمْ يُقْبَضْ (وَ) لَا يَشِيعُ (الْفَسَادُ) فِي الْكُلِّ لِأَنَّهُ (طَارِئٌ) بَعْدَ صِحَّةِ الْعَقْدِ فِي الْكُلِّ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الْمُخْتَارُ مِنْ أَنَّ الْقَبْضَ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ شَرْطُ الْبَقَاءِ عَلَى الصِّحَّةِ لَا شَرْطُ الِانْعِقَادِ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ فِي الْكُلِّ (فَيَصِحُّ ثُمَّ يَبْطُلُ بِالِافْتِرَاقِ فَلَا يَشِيعُ) وَلَا يَتَخَيَّرُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ؛ لِأَنَّ عَيْبَ الشَّرِكَةِ جَاءَ بِفِعْلِهِمَا وَهُوَ الِافْتِرَاقُ بِلَا قَبْضٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ اُسْتُحِقَّ بَعْضُ الْإِنَاءِ فَإِنَّ الْمُشْتَرِيَ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهِ وَإِنْ شَاءَ رَدَّهُ (لِأَنَّ الشَّرِكَةَ عَيْبٌ) وَلَمْ يَحْدُثْ بِصَنْعَةٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ قِطْعَةَ نُقْرَةٍ ثُمَّ اسْتَحَقَّ بَعْضَهَا حَيْثُ يَأْخُذُ الْبَاقِيَ بِحِصَّتِهَا (وَلَا خِيَارَ لَهُ لِأَنَّهُ لَا يَضُرُّهُ التَّبْعِيضُ) فَلَمْ يَلْزَمْ الْعَيْبُ وَهُوَ الشَّرِكَةُ لِإِمْكَانِ أَنْ يَقْطَعَ حِصَّتَهُ مِنْهَا.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ جَازَ الْبَيْعُ وَجُعِلَ كُلُّ جِنْسٍ بِخِلَافِهِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَاعَ كُرَّ شَعِيرٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ بِكُرَّيْ شَعِيرٍ وَكُرَّيْ حِنْطَةٍ: وَلَهُمَا أَنَّ فِي الصَّرْفِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَغْيِيرَ تَصَرُّفِهِ لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةَ بِالْجُمْلَةِ، وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الِانْقِسَامُ عَلَى الشُّيُوعِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ، وَالتَّغْيِيرُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ، كَمَا إذَا اشْتَرَى قَلْبًا بِعَشَرَةٍ وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفِ دِرْهَمٍ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ فِي الْمُشْتَرَى بِأَلْفٍ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَيْهِ.
وَكَذَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدُهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِهِ إلَى عَبْدِهِ.
وَكَذَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَسَدَ الْعَقْدُ فِي الدِّرْهَمَيْنِ وَلَا يُصْرَفُ الدِّرْهَمُ إلَى الثَّوْبِ لِمَا ذَكَرْنَا.
وَلَنَا أَنَّ الْمُقَابَلَةَ الْمُطْلَقَةَ تَحْتَمِلُ مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ كَمَا فِي مُقَابَلَةِ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ، وَأَنَّهُ طَرِيقٌ مُتَعَيَّنٌ لِتَصْحِيحِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، وَفِيهِ تَغْيِيرُ وَصْفِهِ لَا أَصْلِهِ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُوجِبُهُ الْأَصْلِيُّ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ بِمُقَابَلَةِ الْكُلِّ، وَصَارَ هَذَا كَمَا إذَا بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ بِخِلَافِ مَا عُدَّ مِنْ الْمَسَائِلِ.
أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُرَابَحَةِ فَلِأَنَّهُ يَصِيرُ تَوْلِيَةً فِي الْقَلْبِ بِصَرْفِ الرِّبْحِ كُلِّهِ إلَى الثَّوْبِ.
وَالطَّرِيقُ فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ صَرْفُ الزِّيَادَةِ عَلَى الْأَلْفِ إلَى الْمُشْتَرِي.
وَفِي الثَّالِثَةِ أُضِيفَ الْبَيْعُ إلَى الْمُنَكَّرِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ وَالْمُعَيَّنُ ضِدُّهُ.
وَفِي الْأَخِيرَةِ الْعَقْدُ انْعَقَدَ صَحِيحًا وَالْفَسَادُ فِي حَالَةِ الْبَقَاءِ وَكَلَامُنَا فِي الِابْتِدَاءِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ بَاعَ دِرْهَمَيْنِ وَدِينَارًا بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمٍ جَازَ) الْبَيْعُ (وَجُعِلَ كُلُّ وَاحِدٍ) مِنْ الْجِنْسَيْنِ (بِخِلَافِهِ) فَيُعْتَبَرُ الدِّرْهَمَانِ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّرْهَمُ بِالدِّينَارِ (وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: لَا يَجُوزُ، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ إذَا بَاعَ كُرَّ شَعِيرٍ وَكُرَّ حِنْطَةٍ بِكُرَّيْ شَعِيرٍ وَكُرَّيْ حِنْطَةٍ) أَوْ بَاعَ السَّيْفَ الْمُحَلَّى بِفِضَّةٍ بِسَيْفٍ مُحَلًّى بِفِضَّةٍ وَلَا يَدْرِي مِقْدَارَ الْحِلْيَتَيْنِ، وَكَذَا دِرْهَمٌ وَدِينَارٌ بِدِرْهَمَيْنِ وَدِينَارَيْنِ (لَهُمَا أَنَّ فِي الصَّرْفِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ تَغْيِيرُ تَصَرُّفِهِ) أَيْ تَصَرُّفِ الْعَاقِدِ (لِأَنَّهُ قَابَلَ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ، وَمِنْ قَضِيَّتِهِ الِانْقِسَامُ عَلَى الشُّيُوعِ لَا عَلَى التَّعْيِينِ) وَهُوَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ جُزْءٍ عَلَى الشُّيُوعِ مُقَابِلًا لِكُلِّ جُزْءٍ عَلَى الشُّيُوعِ فَيَنْدَرِجُ فِيهِ جِنْسُ ذَلِكَ الْجُزْءِ، وَخِلَافُ جِنْسِهِ وَأَجْزَاءُ جِنْسِهِ أَكْثَرُ إذْ أَجْزَاءُ دِينَارَيْنِ أَكْثَرُ مِنْ أَجْزَاءِ دِينَارٍ بِالضَّرُورَةِ، وَلَيْسَ الْمَعْنَى أَنَّ كُلَّ جُزْءٍ مُعَيَّنٍ مُقَابَلٌ بِكُلِّ جُزْءٍ عَلَى الْعُمُومِ وَإِلَّا كَانَتْ الذَّرَّةُ مِنْ الدِّينَارِ مُقَابَلَةً بِجَمِيعِ الدِّينَارَيْنِ وَالدِّرْهَمِ فَلَمْ يَبْقَ لِلذَّرَّةِ مَا يُقَابِلُهَا أَوْ يُقَابِلُ الْكُلَّ بِنَفْسِهِ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَهُوَ اعْتِبَارٌ مُمْكِنٌ لَكِنَّهُ مُسْتَنْكَرٌ وَهُوَ أَنْ يُقَايِلَ الذَّرَّةَ بِأَلْفِ ذَرَّةٍ ثُمَّ تَكُونُ هَذِهِ الْأَلْفُ بِنَفْسِهَا مُقَابِلَةً لِذَرَّةٍ أُخْرَى وَأُخْرَى وَلِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَنْتَفِي الِانْقِسَامُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ، وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الِانْقِسَامَ كَمَا ذَكَرْنَا مَا لَوْ اشْتَرَى عَبْدًا وَجَارِيَةً بِثَوْبٍ وَفَرَسٍ ثُمَّ اُسْتُحِقَّ الْعَبْدُ يَرْجِعُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ فِي الثَّوْبِ وَالْفَرَسِ جَمِيعًا.
وَلَوْلَا أَنَّ الِانْقِسَامَ عَلَى الشُّيُوعِ لَمَا رَجَعَ فِي الثَّوْبِ وَالْفَرَسِ جَمِيعًا، وَتَغْيِيرُ تَصَرُّفِهِمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فِيهِ تَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ، عَلَى أَنَّ مَنْ اشْتَرَى قَلْبًا وَزْنُهُ عَشَرَةٌ بِعَشَرَةٍ وَثَوْبًا بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَهُمَا مُرَابَحَةً صَفْقَةً وَاحِدَةً لَا يَجُوزُ، وَإِنْ أَمْكَنَ صَرْفُ الرِّبْحِ إلَى الثَّوْبِ وَحْدَهُ لِيَخْلُوَ الْقَلْبُ عَنْ التَّفَاضُلِ، وَكَذَا إذَا اشْتَرَى عَبْدًا بِأَلْفٍ ثُمَّ بَاعَهُ قَبْلَ نَقْدِ الثَّمَنِ مِنْ الْبَائِعِ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ لَا يَجُوزُ، وَيَفْسُدُ فِي الْمُشْتَرَى بِأَلْفٍ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِ الْأَلْفِ إلَيْهِ، وَكَذَا إذَا جُمِعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَإِنْ أَمْكَنَ تَصْحِيحُهُ بِصَرْفِهِ إلَى عَبْدِهِ.
وَكَذَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا مِنْ غَيْرِ قَبْضٍ فَسَدَ فِي الدِّرْهَمَيْنِ وَلَا يُصْرَفُ إلَى الثَّوْبِ لِمَا ذَكَرْنَا فَهَذِهِ أَحْكَامٌ إجْمَاعِيَّةٌ كُلُّهَا دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ تَغْيِيرَ التَّصَرُّفِ لَا يَجُوزُ، وَإِنْ كَانَ يُتَوَصَّلُ بِهِ إلَى تَصْحِيحِهِ.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدِي فِي التَّعْلِيلِ أَنَّا تَعَبَّدْنَا بِالْمُمَاثَلَةِ تَحْقِيقًا وَهُنَا لَمْ تَتَحَقَّقْ فَيَفْسُدُ لِلْعَقْدِ.
قَالَ صَاحِبُ الْوَجِيزِ: وَلِلْخَصْمِ أَنْ يَقول: تَعَبَّدْنَا بِتَحَقُّقِ الْمُمَاثَلَةِ فِيمَا إذَا تَمَحَّضَتْ مُقَابَلَةُ الْجِنْسِ بِالْجِنْسِ أَمْ عَلَى الْإِطْلَاقِ.
فَإِنْ قُلْت: الثَّانِي مَمْنُوعٌ، وَإِنْ قُلْت الْأَوَّلُ فَمُسَلَّمٌ، وَلَيْسَ صُورَةَ الْخِلَافِيَّةِ، انْتَهَى بِبَعْضِ تَغْيِيرٍ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّ عَلَى تَقْدِيرِ مُقَابَلَةِ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ وَالْجُزْءِ الشَّائِعِ بِالشَّائِعِ لَا يَقْتَضِي الرِّبَا وَالْفَسَادَ، وَإِنَّمَا يَقْتَضِيهِ لَوْ كَانَ التَّفَاضُلُ لَازِمًا حَقِيقَةً، وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا إذَا قُوبِلَ مُعَيَّنٌ بِمُعَيَّنٍ وَتَفَاضَلَا، وَحِينَئِذٍ لَا حَاجَةَ فِي التَّصْحِيحِ إلَى التَّوْزِيعِ وَصُرِفَ كُلٌّ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ عَيْنًا، لَكِنَّ الْأَصْحَابَ اقْتَحَمُوهُ بِنَاءً عَلَى أَصْلِيٍّ إجْمَاعِيٍّ، وَهُوَ أَنَّ مَهْمَا أَمْكَنَ تَصْحِيحُ تَصَرُّفِ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ يَرْتَكِبُ وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ، وَلِهَذَا يُحْمَلُ كَلَامُهُ عَلَى الْمَجَازِ وَتُتْرَكُ حَقِيقَتُهُ إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِهِ، وَيُدْرَجُ فِي كَلَامِهِ زِيَادَةٌ لَمْ يَتَلَفَّظْ بِهَا إذَا كَانَ لَا يَصِحُّ إلَّا بِذَلِكَ، كَأَنَّهُمْ نَظَرُوا إلَى أَنَّ الْمُقَابَلَةَ عَلَى وَجْهِ الشُّيُوعِ إنْ لَمْ تَقْتَضِ حَقِيقَةَ الرِّبَا اسْتَلْزَمَ شُبْهَةً، وَشُبْهَةُ الرِّبَا مُعْتَبَرَةٌ كَحَقِيقَةٍ؛ فَقَالُوا: الْعَقْدُ كَذَلِكَ إنَّمَا يَقْتَضِي مُطْلَقَ الْمُقَابَلَةِ لَا مُقَابَلَةَ الْكُلِّ بِالْكُلِّ وَلَا الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ مِنْ جِنْسِهِ أَوْ مِنْ خِلَافِ جِنْسِهِ، لِأَنَّ اللَّفْظَ مُطْلَقٌ غَيْرُ مُتَعَرِّضٍ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَكِنْ مَعَ عَدَمِ الِاقْتِضَاءِ يَحْتَمِلُ مُقَابَلَةَ الْفَرْدِ بِالْفَرْدِ وَهُوَ الْجِنْسُ الْمُعَيَّنُ هُنَا بِجِنْسٍ مُعَيَّنٍ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَصِحُّ تَفْسِيرُهُ بِهِ؛ فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ: بِعْت هَذَيْنِ الدِّرْهَمَيْنِ وَالدِّينَارَ بِدِينَارَيْنِ وَدِرْهَمٍ عَلَى مَعْنَى أَنَّ الدِّرْهَمَيْنِ بِالدِّينَارَيْنِ وَالدِّينَارَ بِالدِّرْهَمِ صَحَّ وَهُوَ طَرِيقٌ مُتَعَيَّنٌ لِلتَّصْحِيحِ فَوَجَبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لَا حَاجَةَ إلَى قول الْمُصَنِّفِ وَفِيهِ تَغْيِيرُ وَصْفِ الْعَقْدِ كَأَنَّهُ نَظَرَ إلَى أَنَّ الظَّاهِرَ هُوَ مُقَابَلَةُ الْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ شَائِعًا لَا أَصْلُهُ لِأَنَّهُ يَبْقَى مُوجِبُهُ وَهُوَ ثُبُوتُ الْمِلْكِ فِي الْكُلِّ بِمُقَابَلَةِ الْكُلِّ وَصَارَ كَمَا اتَّفَقْنَا عَلَيْهِ فِيمَا إذَا بَاعَ نِصْفَ عَبْدٍ مُشْتَرَكٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ يَنْصَرِفُ إلَى نَصِيبِهِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِهِ، بِخِلَافِ الْمَسَائِلِ الْمَذْكُورَةِ فَإِنَّ عَدَمَ الصَّرْفِ فِيهَا لِعَدَمِ الْإِمْكَانِ وَالتَّعْيِينِ.
أَمَّا مَسْأَلَةُ الْمُرَابَحَةِ فَعَدَمُ الصَّرْفِ؛ لِأَنَّهُ يَتَغَيَّرُ أَصْلُ الْعَقْدِ إذْ يَصِيرُ تَوْلِيَةً فِي الْقَلْبِ.
وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مُقْتَضَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ وُجُوبِ حَمْلِ الْمُثَنَّى عَلَى الْوَاحِدِ فِي مَسْأَلَةِ الطَّوْقِ وَالْجَارِيَةِ أَنْ يُحْمَلَ قولهُ بِعْتهمَا بِعِشْرِينَ مُرَابَحَةً فِيهِمَا بِعَشَرَةٍ أَنْ يُحْمَلَ فِيهِمَا عَلَى أَحَدِهِمَا: يَعْنِي الثَّوْبَ، كَمَا حُمِلَ قولهُ خُذْ هَذِهِ الْأَلْفَ مِنْ ثَمَنِهِمَا عَلَى ثَمَنِ أَحَدِهِمَا وَهُوَ الطَّوْقُ وَكَوْنُ الطَّوْقِ لَمْ يَصِرْ مُرَابَحَةً لَا يَضُرُّ إذْ يَصْدُقُ أَنَّ الْعَقْدَ مُرَابَحَةٌ بِثُبُوتِ الرِّبْحِ فِي بَعْضِ مَبِيعَاتِ الصَّفْقَةِ الْوَاحِدَةِ، وَفِي الْمَسْأَلَةِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَا إذَا بَاعَ عَبْدًا اشْتَرَاهُ بِأَلْفٍ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ مَعَ عَبْدٍ آخَرَ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ طَرِيقُ تَصْحِيحِهِ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ أَنْ يَكُونَ بِصَرْفِ الْخَمْسِمِائَةِ إلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ فَيَكُونُ بَائِعًا مَا اشْتَرَاهُ مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِمِثْلِ مَا اشْتَرَاهُ مِنْهُ، لِأَنَّهُ كَمَا يَكُونُ بِذَلِكَ يَكُونُ بِصَرْفِ أَكْثَرَ مِنْ الْخَمْسِمِائَةِ بِدِرْهَمٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ إلَى الْعَبْدِ الْآخَرِ فَيَصِيرُ بَائِعًا لِلْمُشْتَرِي مِمَّنْ اشْتَرَاهُ مِنْهُ بِأَقَلَّ مِمَّا اشْتَرَاهُ مِنْهُ.
وَنُقِضَ بِأَنَّ طَرِيقَ الصِّحَّةِ أَيْضًا لَيْسَ مُتَعَيِّنًا فِيمَا قُلْتُمْ، بَلْ لَهُ وَجْهٌ آخَرُ وَهُوَ أَنْ يُعْتَبَرَ مُقَابَلَةُ دِرْهَمٍ مِنْ الدِّرْهَمَيْنِ بِمُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ وَدِينَارٌ مِنْ الدِّينَارَيْنِ بِمُقَابَلَةِ الدِّينَارِ وَالدِّينَارُ الْآخَرُ بِمُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ.
أُجِيبَ بِأَنَّ التَّغْيِيرَ مَا أَمْكَنَ تَقْلِيلُهُ مُتَعَيَّنٌ، وَتَصْحِيحُ التَّصَرُّفِ مَعَ قِلَّةِ التَّغْيِيرِ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَا قُلْنَا فَكَانَ مَا قُلْنَا مُتَعَيِّنًا، بِخِلَافِ مَا فُرِضَ فَإِنَّ فِيهِ ثَلَاثَ تَغْيِيرَاتٍ.
وَأَيْضًا فَإِنَّ الَّذِي ادَّعَيْنَاهُ طَرِيقًا مُتَعَيِّنًا هُوَ صَرْفُ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ كَيْفَ كَانَ لَا بِخُصُوصِ ذَلِكَ الطَّرِيقِ، وَمَا ذَكَرْتُمْ مِنْ ذَلِكَ وَمِنْ أَنْ يُصْرَفَ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَى نِصْفِ دِرْهَمٍ وَالنِّصْفُ الْآخَرُ بِمُقَابَلَةِ الدِّينَارِ فِي فُرُوضٍ كَثِيرَةٍ لَا يُخْرَجُ عَنْ صَرْفِ الْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ، وَإِلَى هَذَا رَجَعَ قول صَاحِبِ الْكَافِي فِي الْجَوَابِ: التَّعَدُّدُ إنَّمَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ إذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِ الْوُجُوهِ تَرْجِيحٌ بَلْ تَسَاوَتْ، لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ يَلْزَمُ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ فَتَتَمَانَعُ الْوُجُوهُ فَيَمْتَنِعُ، أَمَّا إذَا كَانَ فَلَا، وَفِيمَا اعْتَبَرْنَاهُ ذَلِكَ لِأَنَّ الْعَقْدَ وَرَدَ عَلَى اسْمِ الدِّرْهَمِ وَالدِّرْهَمَيْنِ فَلَا يُغَيَّرُ عَنْهُ، وَنَحْنُ أَسْلَفْنَا لَنَا فِي أَصْلِ هَذَا الْأَصْلِ نَظَرًا اسْتَنَدَ إلَى جَوَازِ ثُبُوتِ الشَّيْءِ بِعِلَلٍ مُسْتَقِلَّةٍ اجْتَمَعَتْ دَفْعَةً.
وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ مَا إذَا جَمَعَ بَيْنَ عَبْدِهِ وَعَبْدِ غَيْرِهِ وَقَالَ بِعْتُك أَحَدَهُمَا فَلِأَنَّ الْبَيْعَ أُضِيفَ إلَى الْمُنَكَّرِ وَهُوَ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ لِجَهَالَتِهِ، وَلِأَنَّ الْمُعَيَّنَ ضِدُّهُ فَلَا يُحْمَلُ الشَّيْءُ عَلَى ضِدِّهِ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمَعْرِفَةَ مِنْ مَاصَدَقَاتِ النَّكِرَةِ، فَإِنَّ زَيْدًا يَصْدُقُ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَلَا شَكَّ أَنْ يَحْتَمِلَهُ فَيَجِبَ حَمْلُهُ عَلَيْهِ.
وَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ فِي قولهِ عَبْدِي أَوْ حِمَارِي حُرٌّ: إنَّهُ يُعْتَقُ الْعَبْدُ وَيَجْعَلُ اسْتِعَارَةُ الْمُنَكَّرِ لِلْمَعْرِفَةِ، وَكَذَا مَا قِيلَ: إنَّ تَصْحِيحَ الْعَقْدِ يَجِبُ فِي مَحَلِّ الْعَقْدِ وَهُوَ لَمْ يُضَفْ إلَى الْمُعَيَّنِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَوْرَدَ عَلَى دَفْعِ النُّقُوضِ الْمَذْكُورَةِ إنْ لُحِظَ لَهُ جَوَابٌ فَذَاكَ وَإِلَّا فَلَا يَضُرُّك النَّقْضُ فِي إثْبَاتِ الْمَطْلُوبِ، إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ خَطَأٌ فِي مَحَلٍّ آخَرَ إذَا اعْتَرَفَ بِخَطَئِهِ فِي مَحَلِّ النَّقْضِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ خَطَأً فِي مَحَلِّ النِّزَاعِ.
وَأَمَّا فِي الْمَسْأَلَةِ الْأَخِيرَةِ وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ دِرْهَمًا وَثَوْبًا بِدِرْهَمٍ وَثَوْبٍ وَافْتَرَقَا بِلَا قَبْضٍ فَلَيْسَ مِمَّا نَحْنُ فِيهِ، فَإِنَّ الْعَقْدَ انْعَقَدَ صَحِيحًا، وَإِنَّمَا طَرَأَ الْفَسَادُ بِالِافْتِرَاقِ وَالصَّرْفِ لِدَفْعِ الْفَسَادِ وَهُوَ قَدْ انْعَقَدَ بِلَا فَسَادٍ وَكَلَامُنَا لَيْسَ فِي الْفَسَادِ الطَّارِئِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلْيُصْرَفْ الْجِنْسُ إلَى خِلَافِ جِنْسِهِ لِيَبْقَى صَحِيحًا كَمَا يُصْرَفُ لِيَنْعَقِدَ صَحِيحًا وَالْمُقْتَضَى وَاحِدٌ فِيهِمَا وَهُوَ الِاحْتِيَالُ لِلصِّحَّةِ.
قُلْنَا: الْفَسَادُ هُنَاكَ لَيْسَ طُرُّوهُ مُتَحَقِّقًا وَلَا مَظْنُونًا لِيَجِبَ اعْتِبَارُ الصَّرْفِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ بَلْ يُتَوَهَّمُ؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُمَا يَتَقَايَضَانِ بَعْدَمَا عَقَدَا قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى ذَلِكَ الِاعْتِبَارِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَشْهَدُ بِهَا أَوَّلًا وَهِيَ الرُّجُوعُ فِي ثَمَنِ الثَّوْبِ وَالْفَرَسِ فَإِنَّمَا تَشْهَدُ عَلَى أَنَّ الْمُقَابَلَةَ لِلْجُمْلَةِ بِالْجُمْلَةِ عَلَى الشُّيُوعِ، وَنَحْنُ نَقول: هُوَ الْأَصْلُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا: إذَا كَانَ تَصْحِيحُ الْعَقْدِ يَحْصُلُ بِاعْتِبَارِ التَّوْزِيعِ وَجَبَ الْمَصِيرُ إلَيْهِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَفْرُوضَةِ؛ أَلَا تَرَى إلَى مَا فِي الْإِيضَاحِ قَالَ: الْأَصْلُ فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ حَقِيقَةَ الْبَيْعِ إذَا اشْتَمَلَتْ عَلَى إبْدَالٍ وَجَبَ قِسْمَةُ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ.
وَتَظْهَرُ الْفَائِدَةُ فِي الرَّدِّ بِالْعَيْبِ وَالرُّجُوعِ بِالثَّمَنِ عِنْدَ الِاسْتِحْقَاقِ وَوُجُوبِ الشُّفْعَةِ فِيمَا تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ، فَإِنْ كَانَ الْعَقْدُ مِمَّا لَا رِبَا فِيهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا يَتَفَاوَتُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْأَجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ مِمَّا يَتَفَاوَتُ فَالْقِسْمَةُ عَلَى الْقِيمَةِ، وَأَمَّا فِيمَا فِيهِ الرِّبَا فَإِنَّمَا تَجِبُ الْقِسْمَةُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَصِحُّ بِهِ الْعَقْدُ.
مِثَالُهُ: بَاعَ عَشَرَةَ دَرَاهِمَ بِخَمْسَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ يَصِحُّ الْعَقْدُ، فَإِنَّ الْخَمْسَةَ بِالْخَمْسَةِ وَالْخَمْسَةَ الْأُخْرَى بِإِزَاءِ الدِّينَارِ، وَكَذَا لَوْ قَابَلَ جِنْسَيْنِ بِجِنْسَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْكِتَابِ.

متن الهداية:
انْتَهَى.
قَالَ: (وَمَنْ بَاعَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ جَازَ الْبَيْعُ وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِدِرْهَمٍ) لِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ فِي الدَّرَاهِمِ التَّمَاثُلُ عَلَى مَا رُوِّينَا، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ ذَلِكَ فَبَقِيَ الدِّرْهَمُ بِالدِّينَارِ وَهُمَا جِنْسَانِ وَلَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي فِيهِمَا.
الشَّرْحُ:
وَنَظِيرُ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمَسْأَلَةُ الَّتِي تَلِي هَذِهِ وَهِيَ.
قولهُ: (وَمَنْ بَاعَ أَحَدَ عَشَرَ دِرْهَمًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدِينَارٍ جَازَ الْبَيْعُ) وَتَكُونُ الْعَشَرَةُ بِمِثْلِهَا وَالدِّينَارُ بِدِرْهَمِ لِأَنَّ شَرْطَ الْبَيْعِ فِي الدَّرَاهِمِ التَّمَاثُلُ وَهُوَ بِذَلِكَ فَيَبْقَى الدِّرْهَمُ بِالدِّينَارِ وَهُمَا جِنْسَانِ لَا يُعْتَبَرُ التَّسَاوِي بَيْنَهُمَا.
(وَلَوْ تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ وَأَحَدُهُمَا أَقَلُّ وَمَعَ أَقَلِّهِمَا شَيْءٌ آخَرُ تَبْلُغُ قِيمَتُهُ بَاقِي الْفِضَّةِ جَازَ الْبَيْعُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهِيَةٍ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ فَمَعَ الْكَرَاهَةِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ كَالتُّرَابِ لَا يَجُوزُ الْبَيْعُ) لِتَحَقُّقِ الرِّبَا إذْ الزِّيَادَةُ لَا يُقَابِلُهَا عِوَضٌ فَيَكُونُ رِبًا.
الشَّرْحُ:
ثُمَّ فَرَّعَ الْمُصَنِّفُ فَرْعًا بَيَّنَ فِيهِ أَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْبِيَاعَاتِ وَإِنْ كَانَتْ جَائِزَةً فِي الْحُكْمِ فَهِيَ مَكْرُوهَةٌ فَقَالَ: (وَلَوْ تَبَايَعَا فِضَّةً بِفِضَّةٍ أَوْ ذَهَبًا بِذَهَبٍ) يَعْنِي وَأَحَدُهُمَا أَقَلُّ مِنْ الْآخَرِ إلَّا أَنَّ مَعَ الْأَقَلِّ شَيْئًا آخَرَ كَفُلُوسٍ أَوْ غَيْرِهَا مِمَّا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ قَدْرَ الزِّيَادَةِ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ أَوْ أَقَلَّ بِقَدْرٍ يُتَغَابَنُ فِيهِ فَالْبَيْعُ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَهُوَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهَةِ كَأَنْ يَضَعَ مَعَهُ كَفًّا مِنْ زَبِيبٍ أَوْ فَلْسَيْنِ.
وَقِيلَ لِمُحَمَّدٍ كَيْفَ تَجِدُهُ فِي قَلْبِك؟ قَالَ: مِثْلَ الْجَبَلِ.
وَلَمْ تُرْوَ الْكَرَاهَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ صَرَّحَ فِي الْإِيضَاحِ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَرِهَ مُحَمَّدٌ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا جَازَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَلِفَ النَّاسُ التَّفَاضُلَ وَاسْتَعْمَلُوهُ فِيمَا لَا يَجُوزُ، وَهَكَذَا ذُكِرَ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا.
وَقِيلَ: إنَّمَا كَرِهَهُ لِأَنَّهُمَا بَاشَرَا الْحِيلَةَ لِسُقُوطِ الرِّبَا كَبَيْعِ الْعِينَةِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ لِهَذَا.
وَأُورِدَ لَوْ كَانَ مَكْرُوهًا كَانَ الْبَيْعُ فِي مَسْأَلَةِ الدِّرْهَمَيْنِ وَالدِّينَارِ بِدِرْهَمٍ وَدِينَارَيْنِ وَهِيَ الْمَسْأَلَةُ الْخِلَافِيَّةُ مَكْرُوهًا وَلَمْ يَذْكُرْهُ.
أُجِيبَ بِأَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَذْكُرْ الْكَرَاهَةَ هُنَاكَ لِأَنَّهُ وَضَعَ الْمَسْأَلَةَ فِيمَا إذَا كَانَ الزَّائِدُ دِينَارًا بِمُقَابَلَةِ الدِّرْهَمِ وَقِيمَةُ الدِّينَارِ تَبْلُغُ الدِّرْهَمَ وَتَزِيدُ وَحِينَئِذٍ لَا كَرَاهَةَ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْعَقْدَ وَاحِدٌ، وَكَمَا أَنَّ قِيمَةَ الدِّينَارِ تَبْلُغُ وَتَزِيدُ عَلَى قِيمَةِ الدِّرْهَمِ فَالدِّرْهَمُ لَا تَبْلُغُ قِيمَةُ قِيمَتِهِ الدِّينَارَ وَلَا تَنْقُصُ بِقَدْرٍ يُتَغَابَنُ فِيهِ، فَالْعَقْدُ مَكْرُوهٌ بِالنَّظَرِ إلَى الطَّرَفِ الْآخَرِ.
وَاَلَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ أَنْ يَكُونَ مَكْرُوهًا إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي جِهَةِ الْكَرَاهَةِ، وَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَمْ يَنُصَّ هُنَاكَ عَلَى الْكَرَاهَةِ فِيهِ، ثُمَّ ذَكَرَ أَصْلًا كُلِّيًّا يُفِيدُهُ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قول أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا عَلَى الْكَرَاهَةِ كَمَا هُوَ ظَاهِرُ إطْلَاقِ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ، وَأَمَّا إذَا ضَمَّ مَا لَا قِيمَةَ لَهُ كَكَفٍّ مِنْ تُرَابٍ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقَابِلْ الزِّيَادَةَ مَالٌ.
فَرْعٌ:
اشْتَرَى تُرَابَ الْفِضَّةِ بِفِضَّةٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَظْهَرْ فِي التُّرَابِ شَيْءٌ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ ظَهَرَ فَهُوَ بَيْعُ الْفِضَّةِ بِالْفِضَّةِ مُجَازَفَةً، وَلِهَذَا لَوْ اشْتَرَاهُ بِتُرَابِ فِضَّةٍ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْبَدَلَيْنِ هُمَا الْفِضَّةُ لَا التُّرَابُ.
وَلَوْ اشْتَرَاهُ بِتُرَابِ ذَهَبٍ أَوْ بِذَهَبٍ جَازَ لِعَدَمِ لُزُومِ الْعِلْمِ بِالْمُمَاثَلَةِ لِاخْتِلَافِ الْجِنْسِ، فَلَوْ ظَهَرَ أَنْ لَا شَيْءَ فِي التُّرَابِ لَا يَجُوزُ وَكُلُّ مَا جَازَ فَمُشْتَرِي التُّرَابِ بِالْخِيَارِ إذَا رَأَى؛ لِأَنَّهُ اشْتَرَى مَا لَمْ يَرَهُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ كَانَ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةُ دَرَاهِمَ فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِعَشَرَةِ دَرَاهِمَ وَدَفَعَ الدِّينَارَ وَتَقَاصَّا الْعَشَرَةَ بِالْعَشَرَةِ فَهُوَ جَائِزٌ) وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ إذَا بَاعَ بِعَشَرَةٍ مُطْلَقَةٍ.
وَوَجْهُهُ أَنَّهُ يَجِبُ بِهَذَا الْعَقْدِ ثَمَنٌ يَجِبُ عَلَيْهِ تَعْيِينُهُ بِالْقَبْضِ لِمَا ذَكَرْنَا، وَالدَّيْنُ لَيْسَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ فَلَا تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْمَبِيعِ لِعَدَمِ الْمُجَانَسَةِ، فَإِذَا تَقَاصَّا يَتَضَمَّنُ ذَلِكَ فَسْخَ الْأَوَّلِ وَالْإِضَافَةَ إلَى الدَّيْنِ، إذْ لَوْلَا ذَلِكَ يَكُونُ اسْتِبْدَالًا بِبَدَلِ الصَّرْفِ، وَفِي الْإِضَافَةِ إلَى الدَّيْنِ تَقَعُ الْمُقَاصَّةُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ، وَالْفَسْخُ قَدْ يَثْبُتُ بِطَرِيقِ الِاقْتِضَاءِ كَمَا إذَا تَبَايَعَا بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ، وَزُفَرُ يُخَالِفُنَا فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَقول بِالِاقْتِضَاءِ، وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ سَابِقًا.
فَإِنْ كَانَ لَاحِقًا فَكَذَلِكَ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ لِتَضَمُّنِهِ انْفِسَاخَ الْأَوَّلِ وَالْإِضَافَةَ إلَى دَيْنٍ قَائِمٍ وَقْتَ تَحْوِيلِ الْعَقْدِ فَكَفَى ذَلِكَ لِلْجَوَازِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ لَهُ عَلَى آخَرَ عَشَرَةٌ فَبَاعَهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعَشَرَةُ دِينَارًا بِعَشَرَةٍ وَقَبَضَ الدِّينَارَ) فَإِنْ كَانَ أَضَافَ إلَى الْعَشَرَةِ الدَّيْنَ جَازَ اتِّفَاقًا، وَيَجِبُ بِهَذَا الْعَقْدِ عَشَرَةٌ ثُمَّ لَا يَجِبُ تَعَيُّنُهُ بِالْقَبْضِ؛ لِأَنَّ تَعْيِينَ أَحَدِ الْبَدَلَيْنِ فِي الصَّرْفِ لِلِاحْتِرَازِ عَنْ الدَّيْنِ بِالدَّيْنِ وَتَعَيَّنَ الْآخَرُ لِدَفْعِ الرِّبَا بِالتَّسَاوِي، وَقَدْ انْدَفَعَ الدَّيْنُ بِالدَّيْنِ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ بِقَبْضِ أَحَدِ الْعِوَضَيْنِ وَهُوَ الدِّينَارُ وَالْقَبْضُ الَّذِي يَتَحَقَّقُ مِنْهُ التَّعْيِينُ فِي الْبَدَلِ الْآخَرِ قَدْ تَحَقَّقَ سَابِقًا، فَعِنْدَ الْإِضَافَةِ إلَى ذَلِكَ الْمَقْبُوضِ يَحْصُلُ بِهِ الْمَقْصُودُ مِنْ الْمُمَاثَلَةِ بَيْنَ الْبَدَلَيْنِ وَهُوَ كَوْنُ كُلٍّ مِنْهُمَا مَقْبُوضًا قَبْضًا يَحْصُلُ بِهِ التَّعْيِينُ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يُضِفْ إلَيْهِ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْعَقْدِ حِينَئِذٍ عَشَرَةٌ مُطْلَقَةٌ لَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْعَشَرَةُ الدَّيْنَ، وَلِذَا قَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ فِيمَا إذَا بَاعَهُ الْمَدْيُونُ بِالْعَشَرَةِ دِينَارًا بِعَشَرَةٍ وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ ثُمَّ تَقَاصَّا لَا يَجُوزُ، لِأَنَّ مُوجِبَ ذَلِكَ الْعَقْدِ عَشَرَةٌ مُطْلَقَةٌ فَلَا تَصِيرُ تِلْكَ الْعَشَرَةَ الْمُعَيَّنَةَ، وَنَحْنُ نَقول: مُوجِبُ الْعَقْدِ عَشَرَةٌ مُطْلَقَةٌ تَصِيرُ مُتَعَيِّنَةً بِالْقَبْضِ وَبِالْإِضَافَةِ بَعْدَ الْعَقْدِ إلَى الْعَشَرَةِ الدَّيْنِ صَارَتْ كَذَلِكَ، غَيْرَ أَنَّهُ بِقَبْضٍ سَابِقٍ كَمَا ذَكَرْنَا، وَلَا يُبَالِي بِهِ لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ مِنْ التَّعْيِينِ بِالْقَبْضِ بِالْمُسَاوَاةِ.
وَعَلَى هَذَا التَّقْرِيرِ لَا حَاجَةَ إلَى اعْتِبَارِ فَسْخِ الْعَقْدِ الْأَوَّلِ بِالْإِضَافَةِ إلَى الْعَشَرَةِ الدَّيْنِ بَعْدَ الْعَقْدِ عَلَى الْإِطْلَاقِ، بِخِلَافِ مَا لَوْ بَاعَ بِأَلْفٍ ثُمَّ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْفَسْخَ لَازِمٌ لِأَنَّ أَحَدَهُمَا لَمْ يَصْدُقْ عَلَى الْآخَرِ، بِخِلَافِ الْعَشَرَةِ مُطْلَقًا مَعَ هَذِهِ الْعَشَرَةِ لِلصِّدْقِ، لِأَنَّ الْإِطْلَاقَ لَيْسَ قَيْدًا فِي الْعَقْدِ بِهَا وَإِلَّا لَمْ يَكُنْ قَضَاؤُهَا أَصْلًا إذْ لَا وُجُودَ لِلْمُطْلَقِ بِقَيْدِ الْإِطْلَاقِ وَعَلَى ذَلِكَ مَشَوْا.
وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُمَا لَمَّا غَيَّرَا مُوجِبَ الْعَقْدِ فَقَدْ فَسَخَاهُ إلَى عَقْدٍ آخَرَ اقْتَضَاهُ، وَلَمَّا لَمْ يَقُلْ زُفَرُ بِالِاقْتِضَاءِ وَلِذَا لَمْ يَقُلْ فِي أَعْتِقْ عَبْدَك عَنِّي بِأَلْفٍ: إنَّهُ يَقَعُ عَنْ الْأَمْرِ إذَا أَعْتَقَهُ الْمَالِكُ لَمْ يَنْفَسِخْ فَلَا يَتَحَوَّلُ حُكْمُهُ (وَهَذَا إذَا كَانَ الدَّيْنُ سَابِقًا) عَلَى بَيْعِ الدِّينَارِ (فَإِنْ كَانَ لَاحِقًا) قَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِأَنْ عَقَدَا الدِّينَارَ بِعَشَرَةٍ ثُمَّ بَاعَ مُشْتَرِي الدِّينَارِ مِنْ بَائِعِهِ ثَوْبًا بِعَشَرَةِ ثُمَّ قَاصَصَهُ بِثَمَنِ الدِّينَارِ عَنْهَا فَفِي رِوَايَةٍ لَا يَصِحُّ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَصِحُّ لِمَا ذَكَرْنَا مِنْ حُصُولِ الْمَقْصُودِ وَعَلَى مَا ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ مِنْ حُصُولِ الِانْفِسَاخِ وَالْإِضَافَةِ إلَى الدَّيْنِ بَعْدَ تَحَقُّقِهِ.
وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ: إذَا اسْتَقْرَضَ بَائِعُ الدِّينَارِ عَشَرَةً مِنْ الْمُشْتَرِي أَوْ غَصَبَ مِنْهُ فَقَدْ صَارَ قِصَاصًا وَلَا يَحْتَاجُ إلَى التَّرَاضِي لِأَنَّهُ قَدْ وُجِدَ مِنْهُ الْقَبْضُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمٍ صَحِيحٍ وَدِرْهَمَيْ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ وَدِرْهَمِ غَلَّةٍ) وَالْغَلَّةُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ وَيَأْخُذُهُ التُّجَّارُ.
وَوَجْهُهُ تَحَقُّقُ الْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ وَمَا عُرِفَ مِنْ سُقُوطِ اعْتِبَارِ الْجَوْدَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَيَجُوزُ بَيْعُ دِرْهَمَيْنِ صَحِيحَيْنِ دِرْهَمِ غَلَّةٍ بِدِرْهَمَيْ غَلَّةٍ وَدِرْهَمٍ صَحِيحٍ، وَالْغَلَّةُ مَا يَرُدُّهُ بَيْتُ الْمَالِ) لَا لِلزِّيَافَةِ، بَلْ لِأَنَّهَا دَرَاهِمُ مُقَطَّعَةٌ مُكَسَّرَةٌ يَكُونُ فِي الْقِطْعَةِ رُبُعٌ وَثُمُنٌ وَأَقَلُّ وَبَيْتُ الْمَالِ لَا يَأْخُذُ إلَّا الْغَالِيَ، وَإِنَّمَا جَازَ لِلْمُسَاوَاةِ فِي الْوَزْنِ وَالْجَوْدَةِ فَالصِّحَّةُ سَاقِطَةُ الِاعْتِبَارِ؛ لِأَنَّ الْجَوْدَةَ فِي الْأَمْوَالِ الرِّبَوِيَّةِ عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجِنْسِ سَاقِطَةٌ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّرَاهِمِ الْفِضَّةَ فَهِيَ فِضَّةٌ، وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ عَلَى الدَّنَانِيرِ الذَّهَبَ فَهِيَ ذَهَبٌ، وَيُعْتَبَرُ فِيهِمَا مِنْ تَحْرِيمِ التَّفَاضُلِ مَا يُعْتَبَرُ فِي الْجِيَادِ حَتَّى لَا يَجُوزَ بَيْعُ الْخَالِصَةِ بِهَا وَلَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ إلَّا مُتَسَاوِيًا فِي الْوَزْنِ. وَكَذَا لَا يَجُوزُ الِاسْتِقْرَاضُ بِهَا إلَّا وَزْنًا) لِأَنَّ النُّقُودَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ غِشٍّ عَادَةً لِأَنَّهَا لَا تَنْطَبِعُ إلَّا مَعَ الْغِشِّ، وَقَدْ يَكُونُ الْغِشُّ خِلْقِيًّا كَمَا فِي الرَّدِيءِ مِنْهُ فَيُلْحَقُ الْقَلِيلُ بِالرَّدَاءَةِ، وَالْجَيِّدُ وَالرَّدِيءُ سَوَاءٌ (وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ عَلَيْهِمَا الْغِشَّ فَلَيْسَا فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ، فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا فِضَّةً خَالِصَةً فَهُوَ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا كَانَ الْغَالِبُ إلَخْ) الدَّرَاهِمُ وَالدَّنَانِيرُ إمَّا أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ عَلَيْهَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالْغِشُّ أَقَلُّ، أَوْ الْغَالِبُ الْغِشُّ وَالذَّهَبُ وَالْفِضَّةُ أَقَلُّ أَوْ مُتَسَاوِيَيْنِ، فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ الذَّهَبَ فِي الدَّنَانِيرِ وَالْفِضَّةَ فِي الدَّرَاهِمِ فَهُمَا كَالذَّهَبِ الْخَالِصِ وَالْفِضَّةِ الْخَالِصَةِ اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ لِأَنَّهَا عَلَى مَا قِيلَ قَلَّمَا تَنْطَبِعُ إلَّا بِقَلِيلِ غِشٍّ (وَقَدْ يَكُونُ الْغِشُّ خُلُقِيًّا كَمَا فِي الرَّدِيءِ مِنْهُ) الَّذِي يُقَالُ لَهُ نَاقِصَ الْعِيَارِ فِي عُرْفِنَا وَالرَّدَاءَةُ مُهْدَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ الْمُقَابَلَةِ بِالْجَيِّدِ.
فَكَذَا الْغِشُّ الْمَغْلُوبُ إلْحَاقًا لَهُ بِهَا، وَإِذَا كَانَ كَالْخَالِصَيْنِ فَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُمَا بِالْخَالِصِ مَعَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ إلَّا مُتَسَاوِيَيْنِ فِي الْوَزْنِ، وَكَذَا بَيْعُ بَعْضِهَا بِبَعْضٍ، وَكَذَا لَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا بِهَا إلَّا وَزْنًا كَاسْتِقْرَاضِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ الْخَالِصَيْنِ (وَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ فِيهِمَا الْغِشَّ فَلَيْسَ فِي حُكْمِ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ) الْخَالِصَةِ (اعْتِبَارًا لِلْغَالِبِ، فَإِنْ اشْتَرَى بِهَا فِضَّةً خَالِصَةً فَهُوَ عَلَى الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي حِلْيَةِ السَّيْفِ) وَهِيَ أَنَّهُ إنْ كَانَتْ الْفِضَّةُ الْخَالِصَةُ مِثْلَ الْفِضَّةِ الَّتِي فِي الدَّرَاهِمِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ لَا يَدْرِي لَا يَصِحُّ فِي الْفِضَّةِ وَلَا فِي النُّحَاسِ أَيْضًا إذَا كَانَ لَا تَتَخَلَّصُ الْفِضَّةُ إلَّا بِضَرَرٍ، وَإِنْ كَانَتْ الْخَالِصَةُ أَكْثَرَ مِمَّا فِي الدَّرَاهِمِ جَازَ لِيَكُونَ مَا فِي الدَّرَاهِمِ مِنْ الْفِضَّةِ بِمِثْلِهَا مِنْ الْخَالِصَةِ وَالزَّائِدُ مِنْ الْخَالِصَةِ بِمُقَابَلَةِ الْغِشِّ.

متن الهداية:
(وَإِنْ بِيعَتْ بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا جَازَ صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ) فَهِيَ فِي حُكْمِ شَيْئَيْنِ فِضَّةٍ وَصُفْرٍ وَلَكِنَّهُ صُرِفَ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ فِي الْمَجْلِسِ لِوُجُودِ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، فَإِذَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ فِي الصُّفْرِ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: وَمَشَايِخُنَا رَحِمَهُمُ اللَّهُ لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ ذَلِكَ فِي الْعَدَالَى وَالْغَطَارِفَةِ لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِنَا، فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهِ يَنْفَتِحُ بَابُ الرِّبَا، ثُمَّ إنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْوَزْنِ فَالتَّبَايُعُ وَالِاسْتِقْرَاضُ فِيهَا بِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِالْعَدِّ فَبِالْعَدِّ، وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُعْتَادُ فِيهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِمَا نَصٌّ، ثُمَّ هِيَ مَا دَامَتْ تَرُوجُ تَكُونُ أَثْمَانًا لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَإِذَا كَانَتْ لَا تَرُوجُ فَهِيَ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ، وَإِذَا كَانَتْ يَتَقَبَّلُهَا الْبَعْضُ دُونَ الْبَعْضِ فَهِيَ كَالزُّيُوفِ لَا يَتَعَلَّقُ الْعَقْدُ بِعَيْنِهَا بَلْ بِجِنْسِهَا زُيُوفًا إنْ كَانَ الْبَائِعُ يَعْلَمُ بِحَالِهَا لِتَحَقُّقِ الرِّضَا مِنْهُ، وَبِجِنْسِهَا مِنْ الْجِيَادِ إنْ كَانَ لَا يَعْلَمُ لِعَدَمِ الرِّضَا مِنْهُ.
الشَّرْحُ:
(وَكَذَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا صَرْفًا لِلْجِنْسِ إلَى خِلَافِ الْجِنْسِ) أَيْ يُصْرَفُ كُلٌّ مِنْ الدَّرَاهِمِ إلَى غِشِّ الدَّرَاهِمِ الْأُخْرَى (لِأَنَّهَا فِي حُكْمِ شَيْئَيْنِ فِضَّةٍ وَ) غِشِّ (صُفْرٍ) أَوْ غَيْرِهِ (وَلَكِنَّهُ) مَعَ هَذَا (صُرِفَ حَتَّى يُشْتَرَطَ الْقَبْضُ) وَقَبْلَ الِافْتِرَاقِ وَتَجَوَّزَ الْمُصَنِّفُ (بِالْمَجْلِسِ) عَنْهُ (لِوُجُودِ الْفِضَّةِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِذَا شُرِطَ الْقَبْضُ فِي الْفِضَّةِ يُشْتَرَطُ فِي الصُّفْرِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَمَيَّزُ عَنْهُ إلَّا بِضَرَرٍ) وَلَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَتَأَتَّى فِي كُلِّ دَرَاهِمَ غَالِبَةِ الْغِشِّ، بَلْ إذَا كَانَتْ الْفِضَّةُ الْمَغْلُوبَةُ بِحَيْثُ تَتَخَلَّصُ مِنْ النُّحَاسِ إذَا أُرِيدَ ذَلِكَ، فَأَمَّا إذَا كَانَتْ بِحَيْثُ لَا تَتَخَلَّصُ لِقِلَّتِهَا بَلْ تَحْتَرِقُ لَا عِبْرَةَ بِهَا أَصْلًا بَلْ تَكُونُ كَالْمُمَوَّهَةِ لَا تُعْتَبَرُ وَلَا يُرَاعَى فِيهَا شَرَائِطُ الصَّرْفِ، وَإِنَّمَا هُوَ كَاللَّوْنِ وَقَدْ كَانَ فِي أَوَائِلِ قَرْنِ سَبْعِمِائَةٍ فِي فِضَّةِ دِمَشْقَ قَرِيبٌ مَعَ ذَلِكَ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَ) مَعَ هَذَا مَشَايِخُنَا يَعْنِي مَشَايِخَ مَا وَرَاءِ النَّهْرِ مِنْ بُخَارَى وَسَمَرْقَنْدَ (لَمْ يُفْتُوا بِجَوَازِ ذَلِكَ) أَيْ بَيْعِهَا بِجِنْسِهَا مُتَفَاضِلًا (فِي الْعَدَالَى وَالْغَطَارِفَةِ) مَعَ أَنَّ الْغِشَّ فِيهَا أَكْثَرُ مِنْ الْفِضَّةِ (لِأَنَّهَا أَعَزُّ الْأَمْوَالِ فِي دِيَارِنَا، فَلَوْ أُبِيحَ التَّفَاضُلُ فِيهَا يَنْفَتِحُ بَابُ الرِّبَا) الصَّرِيحِ، فَإِنَّ النَّاسَ حِينَئِذٍ يَعْتَادُونَ التَّفَاضُلَ فِي الْأَمْوَالِ النَّفِيسَةِ فَيَدْرُجُونَ إلَى ذَلِكَ فِي النُّقُودِ الْخَالِصَةِ فَمُنِعَ ذَلِكَ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْفَسَادِ.
وَالْغَطَارِفَةُ دَرَاهِمُ مَنْسُوبَةٌ إلَى غِطْرِيفِ بْنِ عَطَاءٍ الْكِنْدِيِّ أَمِيرِ خُرَاسَانَ أَيَّامَ الرَّشِيدِ، وَقِيلَ: هُوَ خَالُ الرَّشِيدِ (ثُمَّ إنْ كَانَتْ) هَذِهِ الدَّرَاهِمُ الَّتِي غَلَبَ غِشُّهَا (تَرُوجُ بِالْوَزْنِ فَالْبَيْعُ بِهَا وَالِاسْتِقْرَاضُ بِالْوَزْنِ، وَإِنْ كَانَتْ إنَّمَا تَرُوجُ بِالْعَدِّ فَالْبَيْعُ بِهَا وَالِاسْتِقْرَاضُ لَهَا بِالْعَدِّ) لَيْسَ غَيْرُ (وَإِنْ كَانَتْ تَرُوجُ بِهِمَا فَبِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لِأَنَّ الْمُعْتَبَرَ هُوَ الْمُعْتَادُ فِيهِمَا إذَا لَمْ يَكُنْ نَصٌّ) عَلَى مَا عُرِفَ فِي الرِّبَا (وَمَا دَامَتْ تَرُوجُ فَهِيَ أَثْمَانٌ لَا تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ) وَلَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ رَائِجَةٍ فَهِيَ سِلْعَةٌ تَتَعَيَّنُ بِالتَّعْيِينِ وَيَبْطُلُ الْعَقْدُ بِهَلَاكِهَا قَبْلَ التَّسْلِيمِ، وَهَذَا إذَا كَانَا يَعْلَمَانِ بِحَالِهَا وَيَعْلَمُ كُلٌّ مِنْ الْمُتَعَاقِدَيْنِ أَنَّ الْآخَرَ يَعْلَمُ، فَإِنْ كَانَا لَا يَعْلَمَانِ أَوْ لَا يَعْلَمُ أَحَدُهُمَا أَوْ يَعْلَمَانِ وَلَا يَعْلَمُ كُلٌّ أَنَّ الْآخَرَ يَعْلَمُ فَإِنَّ الْبَيْعَ يَتَعَلَّقُ بِالدَّرَاهِمِ الرَّائِجَةِ فِي ذَلِكَ الْبَلَدِ لَا بِالْمُشَارِ إلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي لَا تَرُوجُ، وَإِنْ كَانَ يَقْبَلُهَا الْبَعْضُ وَيَرُدُّهَا الْبَعْضُ فَهِيَ فِي حُكْمِ الزُّيُوفِ وَالنَّبَهْرَجَةِ، فَيَتَعَلَّقُ الْبَيْعُ بِجِنْسِهَا لَا بِعَيْنِهَا كَمَا هُوَ فِي الرَّائِجَةِ، لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَعْلَمَ الْبَائِعُ خَاصَّةً ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهَا لِأَنَّهُ رَضِيَ بِذَلِكَ وَأَدْرَجَ نَفْسَهُ فِي الْبَعْضِ الَّذِي يَقْبَلُونَهَا بِهِ، وَإِنْ كَانَ الْبَائِعُ لَا يَعْلَمُ تَعَلُّقَ الْعَقْدِ عَلَى الرَّوَاجِ، فَإِنْ اسْتَوَتْ فِي الرَّوَاجِ جَرَى التَّفْصِيلُ الَّذِي أَسْلَفْنَاهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْبَيْعِ، وَتَعْيِينُ الْمُصَنِّفِ الْجِيَادَ تَسَاهُلٌ.

متن الهداية:
(وَإِذَا اشْتَرَى بِهَا سِلْعَةً فَكَسَدَتْ وَتَرَكَ النَّاسُ الْمُعَامَلَةَ بِهَا بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُ اللَّهُ: قِيمَتُهَا آخِرُ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا) لَهُمَا أَنَّ الْعَقْدَ قَدْ صَحَّ إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ بِالْكَسَادِ وَأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ، كَمَا إذَا اشْتَرَى بِالرُّطَبِ فَانْقَطَعَ أَوَانُهُ.
وَإِذَا بَقِيَ الْعَقْدُ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَقْتَ الْبَيْعِ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِهِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ لِأَنَّهُ أَوَانُ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ.
وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ بِالْكَسَادِ؛ لِأَنَّ الثَّمَنِيَّةَ بِالِاصْطِلَاحِ وَمَا بَقِيَ فَيَبْقَى بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ فَيَبْطُلُ، وَإِذَا بَطَلَ الْبَيْعُ يَجِبُ رَدُّ الْمَبِيعِ إنْ كَانَ قَائِمًا وَقِيمَتُهُ إنْ كَانَ هَالِكًا كَمَا فِي الْبَيْعِ الْفَاسِدِ.
الشَّرْحُ:
(وَ) مِنْ أَحْكَامِ هَذِهِ الدَّرَاهِمِ الَّتِي غَلَبَ غِشُّهَا أَنَّهُ (لَوْ اشْتَرَى سِلْعَةً بِهَا فَكَسَدَتْ) أَيْ قَبْلَ قَبْضِهَا (بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) فَإِنْ كَانَ الْمَبِيعُ قَائِمًا مَقْبُوضًا رَدَّهُ، وَإِنْ كَانَ مُسْتَهْلَكًا أَوْ هَالِكًا رَجَعَ الْبَائِعُ عَلَيْهِ بِقِيمَتِهِ إنْ كَانَ قِيَمِيًّا وَمِثْلُهُ إنْ كَانَ مِثْلِيًّا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَقْبُوضًا فَلَا حُكْمَ لِهَذَا الْبَيْعِ أَصْلًا.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ: لَا يَبْطُلُ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا (فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ بِهِ) أَيْ بِالْبَيْعِ، وَهُوَ نَظِيرُ قولهِ فِي الْمَغْصُوبِ إذَا هَلَكَ أَنَّ عَلَيْهِ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْغَصْبِ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَ تَحَقُّقِ السَّبَبِ (وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ آخِرُ مَا تَعَامَلَ النَّاسُ بِهَا) وَهُوَ يَوْمُ الِانْقِطَاعِ (لِأَنَّهُ أَوَانُ الِانْتِقَالِ إلَى الْقِيمَةِ) وَفِي الْمُحِيطِ وَالتَّتِمَّةِ وَالْحَقَائِقِ بِهِ يُفْتَى رِفْقًا بِالنَّاسِ (لَهُمَا أَنَّ الْبَيْعَ قَدْ صَحَّ) بِالْإِجْمَاعِ (إلَّا أَنَّهُ تَعَذَّرَ التَّسْلِيمُ) أَيْ تَسْلِيمُ الثَّمَنِ لِانْعِدَامِ الثَّمَنِيَّةِ (بِالْكَسَادِ) وَالضَّمِيرُ ضَمِيرُ الشَّأْنِ (وَأَنَّهُ) أَيْ الْكَسَادَ (لَا يُوجِبُ الْفَسَادَ كَمَا إذَا اشْتَرَى بِالرُّطَبِ) شَيْئًا (فَانْقَطَعَ) فِي (أَوَانِهِ) بِأَنْ لَا يُوجَدَ فِي الْأَسْوَاقِ لَا يَبْطُلُ اتِّفَاقًا وَتَجِبُ الْقِيمَةُ أَوْ يَنْتَظِرَ زَمَانَ الرُّطَبِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ فَكَذَا هُنَا (وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الثَّمَنَ يَهْلَكُ بِالْكَسَادِ) لِأَنَّ مَالِيَّةَ الْفُلُوسِ وَالدَّرَاهِمِ الْغَالِبَةِ الْغِشِّ (بِالِاصْطِلَاحِ) لَا بِالْخِلْقَةِ (وَمَا بَقِيَ) الِاصْطِلَاحُ بَلْ انْتَفَى فَانْتَفَتْ الثَّمَنِيَّةُ (فَبَقِيَ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ) بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّ مَالِيَّتَهُمَا بِالْخِلْقَةِ لَا بِالِاصْطِلَاحِ، كَمَالِيَّةِ الْعَبْدِ لَمَّا كَانَتْ بِالْحَيَاةِ ذَهَبَتْ بِذَهَابِ الْحَيَاةِ.
لَا يُقَالُ:
فَلْتَصِرْ مَبِيعَةً إذَا انْتَفَتْ ثَمَنِيَّتُهَا.
لِأَنَّا نَقول: تَصِيرُ مَبِيعَةً فِي الذِّمَّةِ وَالْمَبِيعُ فِي الذِّمَّةِ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي السَّلَمِ.
وَاعْتُرِضَ فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي بِأَنَّ انْتِفَاءَ ثَمَنِيَّتِهَا يُوجِبُ أَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ مُقَاصَّةٍ فَلَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَهُ دَيْنًا وَلَا يَبْطُلُ بِعَدَمِ الْقَبْضِ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ عَلَى مَا قَدَّمْنَا مِنْ ثُبُوتِ التَّعْيِينِ فِي الْبَدَلَيْنِ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ فَلَا يَلْزَمُ الِافْتِرَاقُ عَنْ دَيْنٍ بِدَيْنٍ، إلَّا أَنَّ الْمُجِيبَ نَظَرَ إلَى أَنَّ صُورَةَ الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ بَاعَ بِدَرَاهِمَ كَذَا وَكَذَا غَلَبَ غِشُّهَا، وَهَذَا لَا يُوجِبُ أَنَّهُ يَصِيرُ بَيْعَ مُقَايَضَةٍ إذَا كَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَلَيْسَ فِي صُورَةِ الْمَسْأَلَةِ أَحْضَرَ الدَّرَاهِمَ وَأَشَارَ إلَيْهَا بِعَيْنِهَا بَلْ بَاعَ بِهَا عَلَى نَمَطِ مَا يُبَاعُ بِالْأَثْمَانِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّ الْبَيْعَ وَقَعَ حَالَ رَوَاجِهَا أَثْمَانًا وَإِنَّمَا كَسَدَتْ بَعْدَهُ قَبْلَ الْقَبْضِ، فَلَمْ يَنْتَبِهْ هَذَا الْمُعْتَرِضُ لِصُورَةِ الْمَسْأَلَةِ فَلَمْ يَثْبُتْ لُزُومُ كَوْنِهِ بَيْعًا بِلَا ثَمَنٍ، ثُمَّ شُرِطَ فِي الْعُيُونِ أَنْ يَكُونَ الْكَسَادُ فِي سَائِرِ الْبِلَادِ، فَلَوْ كَسَدَ فِي بَعْضِ الْبِلَادِ دُونَ الْبَعْضِ لَا يَبْطُلُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهَا لَمْ تَهْلَكْ لِيَصِيرَ الْبَيْعُ بِلَا ثَمَنٍ وَلَكِنْ تَعَيَّبَتْ فَيَكُونُ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ أَخَذَ مِثْلَ النَّقْدِ الَّذِي وَقَعَ عَلَيْهِ الْبَيْعُ وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ قِيمَتَهُ دَنَانِيرَ.
قَالُوا: وَمَا ذُكِرَ فِي الْعُيُونِ عَلَى قول مُحَمَّدٍ، وَأَمَّا عَلَى قولهِمَا فَلَا، وَيَنْبَغِي أَنْ يَنْتَفِيَ الْبَيْعُ بِالْكَسَادِ فِي تِلْكَ الْبَلْدَةِ الَّتِي وَقَعَ فِيهَا الْبَيْعُ بِنَاءً عَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِي بَيْعِ الْفَلْسِ بِالْفَلْسَيْنِ.
عِنْدَهُمَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاصْطِلَاحِ بَعْضِ النَّاسِ.
وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لِاصْطِلَاحِ الْكُلِّ، فَالْكَسَادُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ عَلَى هَذَا الْقِيَاسِ أَيْضًا، وَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْكَسَادِ مِثْلُهُ فِي الِانْقِطَاعِ، وَالْفُلُوسُ النَّافِقَةُ إذَا كَسَدَتْ كَذَلِكَ هَذَا إذَا كَسَدَتْ أَوْ انْقَطَعَتْ، فَلَوْ تَكْسُدُ وَلَمْ تَنْقَطِعْ وَلَكِنْ نَقَصَتْ قِيمَتُهَا قَبْلَ الْقَبْضِ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ بِالْإِجْمَاعِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْبَائِعُ، وَعَكْسُهُ لَوْ غَلَتْ قِيمَتُهَا وَازْدَادَتْ فَالْبَيْعُ عَلَى حَالِهِ وَلَا يَتَخَيَّرُ الْمُشْتَرِي وَيُطَالَبُ بِالنَّقْدِ بِذَلِكَ الْعِيَارِ الَّذِي كَانَ وَقْتَ الْبَيْعِ.
وَالْجَوَابُ عَنْ الْبَيْعِ بِالرُّطَبِ أَنَّ الرُّطَبَ مَرْجُوُّ الْوُصُولِ فِي الْعَامِ الثَّانِي غَالِبًا فَكَانَ لَهُ مَظِنَّةٌ يَغْلِبُ ظَنُّ وُجُودِهِ عِنْدَهَا، بِخِلَافِ الْكَسَادِ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَظِنَّةٌ مُحَقَّقَةُ الْوُجُودِ فِي زَمَنٍ خَاصٍّ يُرْجَى فِيهَا بَلْ الظَّاهِرُ عَدَمُ الْعَوْدِ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي غَالِبِيَّةِ الْغِشِّ الْكَسَادُ وَعَدَمُ الثَّمَنِيَّةِ، وَالشَّيْءُ إذَا رَجَعَ إلَى أَصْلِهِ قَلَّمَا يَنْتَقِلُ عَنْهُ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ عَنْ الْمُحِيطِ: دَلَّالٌ بَاعَ مَتَاعَ الْغَيْرِ بِغَيْرِ إذْنِهِ بِدَرَاهِمَ مَعْلُومَةٍ وَاسْتَوْفَاهَا فَكَسَدَتْ قَبْلَ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَى صَاحِبِ الْمَتَاعِ لَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ لِأَنَّ حَقَّ الْقَبْضِ لَهُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ) لِأَنَّهَا مَالٌ مَعْلُومٌ، فَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً جَازَ الْبَيْعُ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ لِأَنَّهَا أَثْمَانٌ بِالِاصْطِلَاحِ، وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ بِهَا حَتَّى يُعَيِّنَهَا لِأَنَّهَا سِلَعٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهَا (وَإِذَا بَاعَ بِالْفُلُوسِ النَّافِقَةِ ثُمَّ كَسَدَتْ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ خِلَافًا لَهُمَا) وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِالْفُلُوسِ) لِأَنَّهَا نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَالِ (فَإِنْ كَانَتْ نَافِقَةً جَازَ الْبَيْعُ وَإِنْ لَمْ تَتَعَيَّنْ) بَلْ لَوْ عُيِّنَتْ لَا تَتَعَيَّنُ وَلِلْعَاقِدِ أَنْ يَدْفَعَ غَيْرَ مَا عَيَّنَ (لِأَنَّهَا) حِينَئِذٍ (أَثْمَانٌ) كَالدَّرَاهِمِ حَتَّى لَوْ هَلَكَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ لَا يَنْفَسِخُ الْعَقْدُ وَيَجُوزُ، وَلَوْ اُسْتُبْدِلَ بِهَا جَازَ، وَلَوْ بَاعَ فَلْسًا بِفَلْسَيْنِ يَجُوزُ عَلَى مَا سَلَفَ فِي بَابِ الرِّبَا؛ وَلَوْ بَاعَ فَلْسًا بِغَيْرِ عَيْنِهِ بِفَلْسَيْنِ بِأَعْيَانِهِمَا لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْفُلُوسَ الرَّائِجَةَ أَمْثَالٌ مُتَسَاوِيَةٌ وَضْعًا لِاصْطِلَاحِ النَّاسِ عَلَى سُقُوطِ قِيمَةِ الْجَوْدَةِ فَيَكُونُ رِبًا، وَإِنْ كَانَتْ كَاسِدَةً فَهِيَ مَبِيعَةٌ لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ عَلَيْهَا مَا لَمْ تَتَعَيَّنْ (وَإِذَا بَاعَ الْفُلُوسَ النَّافِقَةَ ثُمَّ كَسَدَتْ قَبْلَ الْقَبْضِ بَطَلَ الْبَيْعُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا، وَهُوَ نَظِيرُ الِاخْتِلَافِ الَّذِي بَيَّنَّاهُ) أَيْ فِي الدَّرَاهِمِ الْغَالِبَةِ الْغِشِّ يَبْطُلُ الْبَيْعُ عِنْدَهُ لَا عِنْدَهُمَا، ثُمَّ تَجِبُ قِيمَتُهَا يَوْمَ الْبَيْعِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ، هَكَذَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ الْخِلَافَ.
وَاَلَّذِي فِي الْأَصْلِ وَشَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَالْأَسْرَارِ الْبُطْلَانُ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ خِلَافٍ سِوَى خِلَافِ زُفَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ.
اسْتَدَلَّ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ انْقِطَاعِ الرُّطَبِ الْمُشْتَرَى بِهِ وَإِبَاقِ الْعَبْدِ الْمَبِيعِ قَبْلَ التَّسْلِيمِ وَتَخْمِيرِ الْعَصِيرِ الْمُشْتَرَى قَبْلَ التَّسْلِيمِ لَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِيهَا، وَأُجِيبَ بِمَا تَقَدَّمَ فِي الرُّطَبِ.
وَأَمَّا الْعَبْدُ فَمَالِيَّتُهُ لَمْ تَبْطُلْ بِالْإِبَاقِ بَلْ هُوَ مَالٌ بَاقٍ حَيْثُ هُوَ، وَإِنَّمَا عَرَضَ الْعَجْزُ عَنْ التَّسَلُّمِ وَكَذَا بِالتَّخَمُّرِ لَمْ يَزُلْ عَنْ مِلْكِ الْمَالِكِ بَلْ عَجَزَ عَنْ تَسْلِيمِهِ شَرْعًا، بِخِلَافِ الْكَسَادِ لِهَلَاكِ الثَّمَنِ بِهِ، إلَّا أَنَّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ ثُبُوتُ الْخِلَافِ كَمَا ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ كَسَادِ الْمَغْشُوشَةِ وَكَسَادِ الْفُلُوسِ إذْ كُلٌّ مِنْهُمَا سِلْعَةٌ بِحَسَبِ الْأَصْلِ ثَمَنٌ بِالِاصْطِلَاحِ، فَإِنَّ غَالِبَةَ الْغِشِّ الْحُكْمُ فِيهَا لِلْغَالِبِ وَهُوَ النُّحَاسُ مَثَلًا، فَلَوْ لَمْ يَنُصَّ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْفُلُوسِ وَجَبَ الْحُكْمُ بِهِ.
وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ: لَوْ اشْتَرَى مِائَةَ فَلْسٍ بِدِرْهَمٍ وَقَبَضَ الْفُلُوسَ أَوْ الدِّرْهَمَ ثُمَّ افْتَرَقَا جَازَ الْبَيْعُ لِأَنَّهُمَا افْتَرَقَا عَنْ عَيْنٍ بِدَيْنٍ وَقَدْ قَدَّمْنَاهُ، فَإِنْ كَسَدَتْ الْفُلُوسُ بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الْفَلْسُ هُوَ الْمَقْبُوضُ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ؛ لِأَنَّ كَسَادَهَا كَهَلَاكِهَا.
وَهَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ الْقَبْضِ لَا يُبْطِلُ الْبَيْعَ، وَإِنْ كَانَ الْفَلْسُ غَيْرَ مَقْبُوضٍ بَطَلَ الْبَيْعُ اسْتِحْسَانًا؛ لِأَنَّ كَسَادَ الْفُلُوسِ كَهَلَاكِهَا، وَهَلَاكُ الْمَعْقُودِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْقَبْضِ يُبْطِلُ الْعَقْدَ، وَالْقِيَاسُ أَنْ لَا يَبْطُلَ لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَدَاءِ مَا وَقَعَ الْعَقْدُ عَلَيْهِ.
وَقَالَ بَعْضُ مَشَايِخِنَا: إنَّمَا يَبْطُلُ الْعَقْدُ إذَا اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إبْطَالَهُ فَسْخًا لِأَنَّ كَسَادَهَا كَعَيْبٍ فِيهَا وَالْمَعْقُودُ عَلَيْهِ إذَا حَدَثَ بِهِ عَيْبٌ قَبْلَ الْقَبْضِ يَثْبُتُ لِلْمُشْتَرِي فِيهِ الْخِيَارُ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ.
وَلَوْ نَقَدَ الدِّرْهَمَ وَقَبَضَ نِصْفَ الْفُلُوسِ ثُمَّ كَسَدَتْ الْفُلُوسُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَ النِّصْفَ الْآخَرَ بَطَلَ الْبَيْعُ فِي نِصْفِهَا، وَلَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ نِصْفَ الدِّرْهَمِ وَعَلَى هَذَا لَوْ اشْتَرَى فَاكِهَةً أَوْ شَيْئًا بِعَيْنِهِ بِفُلُوسٍ ثُمَّ كَسَدَتْ وَقَدْ قَبَضَ الْمَبِيعَ فَسَدَ الْبَيْعُ، وَعَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ الْمَبِيعَ إنْ كَانَ قَائِمًا أَوْ الْقِيمَةَ أَوْ مِثْلَهُ، وَهَذَا مَعْلُومٌ مِمَّا ذَكَرْنَا إلَّا أَنَّ أَبَا يُوسُفَ قَالَ فِي هَذَا: إنَّ عَلَيْهِ قِيمَةَ الْفُلُوسِ وَلَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ، وَفَرَّقَ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ الْمَسْأَلَةِ الْأُولَى وَهِيَ مَا إذَا بَاعَ الْفُلُوسَ بِدِرْهَمٍ؛ لِأَنَّ هُنَاكَ لَوْ أَوْجَبْنَا رَدَّ قِيمَةِ الْفُلُوسِ يَتَمَكَّنُ فِيهِ الرِّبَا وَهَاهُنَا لَا يَتَمَكَّنُ.
وَفِي الْمَسْأَلَتَيْنِ جَمِيعًا إذَا لَمْ تَكْسُدْ الْفُلُوسُ غَيْرَ أَنَّ قِيمَتَهَا غَلَتْ أَوْ رَخُصَتْ لَا يَبْطُلُ الْبَيْعُ وَعَلَيْهِ أَنْ يَدْفَعَ الْعَدَدَ الَّذِي عَيَّنَهُ مِنْهَا.

متن الهداية:
(وَلَوْ اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا نَافِقَةً فَكَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ مِثْلُهَا) لِأَنَّهُ إعَارَةٌ، وَمُوجِبُهُ رَدُّ الْعَيْنِ مَعْنًى وَالثَّمَنِيَّةِ فَضْلٌ فِيهِ إذْ الْقَرْضُ لَا يَخْتَصُّ بِهِ.
وَعِنْدَهُمَا تَجِبُ قِيمَتُهَا لِأَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ تَعَذَّرَ رَدُّهَا كَمَا قُبِضَ فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا، كَمَا إذَا اسْتَقْرَضَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ، لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقَبْضِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْكَسَادِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ، وَأَصْلُ الِاخْتِلَافِ فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ، وَقول مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنْظَرُ لِلْجَانِبَيْنِ، وَقول أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَوْ اسْتَقْرَضَ فُلُوسًا فَكَسَدَتْ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرُدُّ مِثْلَهَا) عَدَدًا اتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ بِذَلِكَ، وَأَمَّا إذَا اسْتَقْرَضَ دَرَاهِمَ غَالِبَةَ الْغِشِّ فَقَالَ أَبُو يُوسُفَ فِي قِيَاسِ قول أَبِي حَنِيفَةَ: عَلَيْهِ مِثْلُهَا، وَلَسْت أَرْوِي ذَلِكَ عَنْهُ، وَلَكِنَّ الرِّوَايَةَ فِي الْفُلُوسِ إذَا أَقْرَضَهَا ثُمَّ كَسَدَتْ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا مِنْ الذَّهَبِ يَوْمَ الْقَرْضِ فِي الْفُلُوسِ وَالدَّرَاهِمِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: عَلَيْهِ قِيمَتُهَا فِي آخِرِ وَقْتِ إنْفَاقِهَا.
وَجْهُ قولهِ (أَنَّهُ) أَيْ الْقَرْضَ (إعَارَةٌ وَمُوجِبُهُ) أَيْ مُوجِبُ عَقْدِ الْإِعَارَةِ (رَدُّ الْعَيْنِ) إذْ لَوْ كَانَ اسْتِبْدَالًا حَقِيقَةً مُوجِبًا لِرَدِّ الْمِثْلِ اسْتَلْزَمَ الرِّبَا لِلنَّسِيئَةِ فَكَانَ مُوجِبًا رَدَّ الْعَيْنِ إلَّا أَنَّ مَا تَضَمَّنَهُ هَذَا الْعَقْدُ لَمَّا كَانَ تَمْلِيكُ الْمَنْفَعَةِ بِالِاسْتِهْلَاكِ لَا مَعَ بَقَاءِ الْعَيْنِ لَزِمَ تَضَمُّنُهُ لِتَمْلِيكِ الْعَيْنِ؛ فَبِالضَّرُورَةِ اكْتَفَى بِرَدِّ الْعَيْنِ مَعْنًى وَذَلِكَ بِرَدِّ الْمِثْلِ، وَلِذَا يُجْبَرُ الْمَغْصُوبُ مِنْهُ عَلَى قَبُولِ الْمِثْلِ إذَا أَتَى بِهِ الْغَاصِبُ فِي غَصْبِ الْمِثْلِيِّ بِلَا انْقِطَاعٍ مَعَ أَنَّ مُوجِبَ الْغَصْبِ رَدُّ الْعَيْنِ وَذَلِكَ حَاصِلٌ بِالْكَاسِدِ (وَالثَّمَنِيَّةُ فَضْلٌ فِي الْقَرْضِ) غَيْرُ لَازِمٍ فِيهِ وَلِذَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُهَا بَعْدَ الْكَسَادِ، وَكَذَا يَجُوزُ اسْتِقْرَاضُ كُلِّ مِثْلِيٍّ وَعَدَدِيٍّ مُتَقَارِبٍ وَلَا ثَمَنِيَّةَ (وَلَهُمَا أَنَّهُ لَمَّا بَطَلَ وَصْفُ الثَّمَنِيَّةِ تَعَذَّرَ رَدُّهَا كَمَا قَبَضَهَا فَيَجِبُ رَدُّ قِيمَتِهَا) وَهَذَا لِأَنَّ الْقَرْضَ وَإِنْ لَمْ يَقْتَضِ وَصْفَ الثَّمَنِيَّةِ لَا يَقْتَضِي سُقُوطَ اعْتِبَارِهَا إذَا كَانَ الْمَقْبُوضُ قَرْضًا مَوْصُوفًا بِهَا لِأَنَّ الْأَوْصَافَ مُعْتَبَرَةٌ فِي الدُّيُونِ؛ لِأَنَّهَا تُعْرَفُ بِهَا، بِخِلَافِ الْأَعْيَانِ الْمُشَارِ إلَيْهَا وَصْفُهَا لَغْوٌ لِأَنَّهَا تُعْرَفُ بِذَوَاتِهَا وَتَأْخِيرُ دَلِيلِهِمَا بِحَسَبِ عَادَةِ الْمُصَنِّفِ ظَاهِرٌ فِي اخْتِيَارِهِ قولهُمَا (ثُمَّ أَصْلُ الِاخْتِلَافِ) فِي وَقْتِ الضَّمَانِ اخْتِلَافُهُمَا (فِيمَنْ غَصَبَ مِثْلِيًّا فَانْقَطَعَ وَجَبَتْ الْقِيمَةُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَوْمَ الْغَصْبِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَوْمَ الْقَضَاءِ) وَقولهُمَا أَنْظَرُ لِلْمُقْرِضِ مِنْ قول أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّ فِي رَدِّ الْمِثْلِ إضْرَارًا بِهِ.
ثُمَّ قول أَبِي يُوسُفَ أَنْظَرُ لَهُ أَيْضًا مِنْ قول مُحَمَّدٍ لِأَنَّ قِيمَتَهُ يَوْمَ الْقَرْضِ أَكْثَرُ مِنْ قِيمَتِهِ يَوْمَ الِانْقِطَاعِ (فَكَانَ قول مُحَمَّدٍ أَنْظَرَ) لِلْمُسْتَقْرِضِ مِنْ قول أَبِي يُوسُفَ (وَقول أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرَ) لِأَنَّ الْقِيمَةَ يَوْمَ الْقَبْضِ مَعْلُومَةٌ ظَاهِرَةٌ لَا يَخْتَلِفُ فِيهَا بِخِلَافِ ضَبْطِ وَقْتِ الِانْقِطَاعِ فَإِنَّهُ عُسْرٌ فَإِنَّ قول أَبِي يُوسُفَ أَيْسَرُ فِي ذَلِكَ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ جَازَ وَعَلَيْهِ مَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ مِنْ الْفُلُوسِ) وَكَذَا إذَا قَالَ بِدَانِقِ فُلُوسٍ أَوْ بِقِيرَاطِ فُلُوسٍ جَازَ.
وَقَالَ زُفَرُ: لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ وَأَنَّهَا تُقَدَّرُ بِالْعَدَدِ لَا بِالدَّانِقِ وَالدِّرْهَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ عَدَدِهَا، وَنَحْنُ نَقول: مَا يُبَاعُ بِالدَّانِقِ وَنِصْفُ الدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ وَالْكَلَامُ فِيهِ فَأَغْنَى عَنْ بَيَانِ الْعَدَدِ.
وَلَوْ قَالَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ بِدِرْهَمَيْ فُلُوسٍ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ لِأَنَّ مَا يُبَاعُ بِالدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْمُرَادُ لَا وَزْنُ الدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ.
وَعَنْ مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بِالدِّرْهَمِ وَيَجُوزُ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ، لِأَنَّ فِي الْعَادَةِ الْمُبَايَعَةَ بِالْفُلُوسِ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ فَصَارَ مَعْلُومًا بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الدِّرْهَمُ قَالُوا: وَقول أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَصَحُّ لَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا.
الشَّرْحُ:
قولهُ وَمَنْ اشْتَرَى شَيْئًا بِنِصْفِ دِرْهَمٍ فَاكِهَةً أَوْ غَيْرَهَا بِأَنْ قَالَ مَثَلًا لِبَائِعِ سِلْعَةٍ اشْتَرَيْتهَا مِنْك بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ فَقَالَ بِعْتُك (انْعَقَدَ مُوجِبًا لِدَفْعِ مَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمِ فِضَّةٍ، وَكَذَا إذَا قَالَ بِدَانِقٍ مِنْ الْفُلُوسِ) وَهُوَ سُدُسُ دِرْهَمٍ (أَوْ بِقِيرَاطٍ) وَهُوَ نِصْفُ السُّدُسِ (وَقَالَ زُفَرُ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَجُوزُ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ لِأَنَّهُ اشْتَرَى بِالْفُلُوسِ وَهِيَ تُقَدَّرُ بِالْعَدِّ لَا بِالدَّانِقِ وَالدِّرْهَمِ فَلَا بُدَّ مِنْ بَيَانِ عَدَدِهَا) وَإِلَّا فَالثَّمَنُ مَجْهُولٌ، وَلِأَنَّ الْعَقْدَ وَقَعَ عَلَى الدَّانِقِ وَالدِّرْهَمِ ثُمَّ شَرَطَ إيفَاءَهُ مِنْ الْفُلُوسِ وَهُوَ صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ.
فَإِنَّ الْمَعْنَى أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يُعْطِيَ بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ فُلُوسًا وَهُوَ أَنْ يَبِيعَهُ بِالدَّانِقِ فُلُوسًا، وَنَحْنُ نَقول: إنَّ مَا يُبَاعُ بِالدَّانِقِ وَمَا ذَكَرْنَا مِنْ الْفُلُوسِ مَعْلُومٌ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقولهِ بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ، لِأَنَّهُ لَمَّا ذَكَرَ نِصْفَ الدِّرْهَمِ ثُمَّ وَصَفَهُ بِأَنَّهُ فُلُوسٌ وَهُوَ لَا يُمْكِنُ عُرِفَ أَنَّ الْمُرَادَ مَا يُبَاعُ بِهِ مِنْ الْفُلُوسِ وَهُوَ مَعْلُومٌ عِنْدَ النَّاسِ فَأَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْعَدِّ بِخُصُوصِهِ، وَإِذَا صَارَ كِنَايَةً عَمَّا يُبَاعُ بِنِصْفٍ وَرُبُعِ دِرْهَمٍ لَمْ يَلْزَمْ جَهَالَةُ الثَّمَنِ وَلَا صَفْقَةٌ فِي صَفْقَةٍ؛ لِأَنَّ الثَّمَنَ حِينَئِذٍ مِنْ الِابْتِدَاءِ مَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ (وَلَوْ قَالَ بِدِرْهَمِ فُلُوسٍ أَوْ دِرْهَمَيْنِ فَكَذَا عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا يَجُوزُ إلَّا فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ، لِأَنَّ الْمُبَايَعَةَ فِي الْعَادَةِ فِي الْفُلُوسِ فِيمَا دُونَ الدِّرْهَمِ فَيَصِيرُ مَعْلُومًا بِحُكْمِ الْعَادَةِ، وَلَا كَذَلِكَ الدِّرْهَمُ. قَالُوا: وَقول أَبِي يُوسُفَ أَصَحُّ وَلَا سِيَّمَا فِي دِيَارِنَا) أَيْ الْمُدُنِ الَّتِي وَرَاءَ النَّهْرِ فَإِنَّهُمْ يَشْتَرُونَ الْفُلُوسَ بِالدَّرَاهِمِ، وَلِأَنَّ الْمَدَارَ هُوَ الْعِلْمُ بِمَا يُبَاعُ بِالدِّرْهَمِ مِنْ الْفُلُوسِ مَعَ وُجُوبِ الْحَمْلِ عَلَيْهِ تَصْحِيحًا لِلْعِلْمِ بِأَنَّهُ الْمُرَادُ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ مَا دُونَ الدِّرْهَمِ وَالدَّرَاهِمِ فَضْلًا عَنْ الدِّرْهَمِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَبْسُوطِ خِلَافَ مُحَمَّدٍ وَالْمَذْكُورُ مِنْ خِلَافِهِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْهُ، وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ سِيَّمَا بِغَيْرِ لَا وَهُوَ اسْتِعْمَالٌ لَمْ يَثْبُتْ فِي كَلَامِ مَنْ يَحْتَجُّ بِكَلَامِهِ فِي اللُّغَةِ وَفِي بَعْضِهَا عَلَى الصَّوَابِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا وَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ عِنْدَهُمَا) لِأَنَّ بَيْعَ نِصْفِ دِرْهَمٍ بِالْفُلُوسِ جَائِزٌ وَبَيْعُ النِّصْفِ بِنِصْفٍ إلَّا حَبَّةً رِبًا فَلَا يَجُوزُ (وَعَلَى قِيَاسِ قول أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَطَلَ فِي الْكُلِّ) لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ وَالْفَسَادُ قَوِيٌّ فَيَشِيعُ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ، وَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ كَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُمَا بَيْعَانِ (وَلَوْ قَالَ أَعْطِنِي نِصْفَ دِرْهَمٍ فُلُوسًا وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً جَازَ) لِأَنَّهُ قَابَلَ الدِّرْهَمَ بِمَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَيَكُونُ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ وَمَا وَرَاءَهُ بِإِزَاءِ الْفُلُوسِ.
قَالَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:
وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ أَعْطَى صَيْرَفِيًّا دِرْهَمًا فَقَالَ أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ) أَوْ رُبُعِهِ أَوْ قِيرَاطًا مِنْهُ (فُلُوسًا وَبِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً) وَعَلَى وِزَانِهِ أَنْ يَقول وَبِثَلَاثَةِ أَرْبَاعِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً وَقِسْ الْبَاقِيَ (جَازَ الْبَيْعُ فِي الْفُلُوسِ وَبَطَلَ فِيمَا بَقِيَ) مِنْ النِّصْفِ الْآخَرِ أَوْ الثَّلَاثَةِ الْأَرْبَاعِ وَبَاقِي الصُّوَرِ (لِأَنَّ بَيْعَ نِصْفِ الدِّرْهَمِ بِالْفُلُوسِ جَائِزٌ وَبَيْعَ نِصْفِ دِرْهَمٍ بِنِصْفِ) دِرْهَمٍ (إلَّا حَبَّةً رِبًا فَلَا يَجُوزُ، وَعَلَى قِيَاسِ قول أَبِي حَنِيفَةَ بَطَلَ فِي الْكُلِّ لِأَنَّ الصَّفْقَةَ مُتَّحِدَةٌ وَالْفَسَادُ قَوِيٌّ) مُقَارِنٌ لِلْعَقْدِ (فَيَشِيعُ وَقَدْ مَرَّ نَظِيرُهُ) يَعْنِي فِي بَابِ الْبَيْعِ الْفَاسِدِ فِي مَسْأَلَةِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْعَبْدِ وَالْحُرِّ إذَا لَمْ يُفَصَّلْ الثَّمَنُ يَشِيعُ الْفَسَادُ اتِّفَاقًا، وَإِذَا فُصِّلَ لَا يَشِيعُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ يَشِيعُ (فَلَوْ كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ) بِأَنْ قَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ فُلُوسًا وَأَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفًا إلَّا حَبَّةً (كَانَ جَوَابُهُ كَجَوَابِهِمَا) فِي أَنَّ الْفَسَادَ يَخُصُّ النِّصْفَ الْآخَرِ (لِأَنَّهُمَا بَيْعَانِ) لِتَعَدُّدِ الصَّفْقَةِ، وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ خِلَافًا لِمَا حُكِيَ عَنْ الشَّيْخِ أَبِي جَعْفَرٍ وَشَيْخِ الْإِسْلَامِ وَالْمُظَفَّرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَرَّرَ لَفْظَ الْإِعْطَاءِ لِأَنَّ تَعَدُّدَ الصَّفْقَةِ عِنْدَهُ بِتَعَدُّدِ الْبَيْعِ وَهُوَ الْإِيجَابُ وَلَفْظُ أَعْطِنِي مُسَاوَمَةً، وَإِذَا كَانَ قولهُ بِعْنِي بِكَذَا لَيْسَ إيجَابًا، حَتَّى لَوْ قَالَ بِعْت لَا يَنْعَقِدُ مَا لَمْ يَقُلْ الْأَوَّلُ قَبِلْت فَأَعْطِنِي وَلَيْسَ مِنْ مَادَّةِ الْبَيْعِ أَوْلَى، وَحِينَئِذٍ لَمْ يَتَعَدَّدْ الْبَيْعُ فَيَشِيعُ الْفَسَادُ عَلَى قولهِ كَالصُّورَةِ الْأُولَى.
وَجْهُ الْمُخْتَارِ أَنَّ ذَلِكَ صَارَ مَعْلُومَ الْمُرَادِ أَنَّهُ إيجَابٌ، وَعَلَى هَذَا فَلَوْ تُعُورِفَ فِي مِثْلِهِ صَحَّ أَيْضًا إلَّا أَنَّهُمْ لَمْ يَذْكُرُوهُ، أَوْ أَنَّ الْكَلَامَ فِيمَا إذَا دُفِعَ إلَيْهِ الْمُخَاطَبُ قَبْلَ الِافْتِرَاقِ فَإِنَّهُ يُجْعَلُ بَيْعًا فِي النِّصْفَيْنِ بِالْمُعَاطَاةِ فِيهِمَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(وَلَوْ قَالَ) حِينَ دَفَعَ إلَيْهِ الدِّرْهَمَ الْكَبِيرَ (أَعْطِنِي نِصْفَ دِرْهَمٍ فُلُوسٍ وَنِصْفًا إلَّا حَبَّةً) (جَازَ) فِيهِمَا (لِأَنَّهُ قَابَلَ الدِّرْهَمَ بِمَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَبِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً فَـ) يَتَحَرَّى لِلْجَوَازِ بِأَنْ (يَكُونَ نِصْفُ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ وَمَا وَرَاءَهُ بِإِزَاءِ الْفُلُوسِ) نَعَمْ قَدْ يُقَالُ لَمَّا كَانَ قولهُ نِصْفُ دِرْهَمِ فُلُوسٍ مَعْنَاهُ مَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِهِ كَانَ الْحَاصِلُ أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ مَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً، وَمَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ مَعْلُومٌ أَنَّهُ يَخُصُّ بِنِصْفِ الدِّرْهَمِ فَصَارَ كَالْأَوَّلِ كَأَنَّهُ قَالَ: أَعْطِنِي بِنِصْفِهِ نِصْفَ دِرْهَمِ فُلُوسٍ وَبِنِصْفِهِ نِصْفَ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً.
وَجَوَابُهُ أَنَّ مُوجِبَ التَّحَرِّي لِلتَّصْحِيحِ أَنَّ الْمَعْنَى عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ أَعْطِنِي بِهَذَا الدِّرْهَمِ نِصْفَ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً، وَمَا يُبَاعُ بِنِصْفِ دِرْهَمِ فُلُوسٍ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّهُ إنَّمَا اشْتَرَى مَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ وَحَبَّةٍ وَمَا يُبَاعُ مِنْ الْفُلُوسِ بِنِصْفِ دِرْهَمٍ إلَّا حَبَّةً بِمِثْلِهِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ (وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ الْمُخْتَصَرِ) يَعْنِي الْقُدُورِيَّ (ذَكَرَ الْمَسْأَلَةَ الثَّانِيَةَ) وَلَمْ يَذْكُرْ الْأُولَى، وَلِذَا قَالَ شَارِحُهُ وَهُوَ غَلَطٌ مِنْ النَّاسِخِ، وَيَجُوزُ فِي فُلُوسٍ الْجَرُّ صِفَةً لِدِرْهَمٍ وَالنَّصْبُ صِفَةً لِلنِّصْفِ.
فُرُوعٌ:
تَقَدَّمَ بَعْضُهَا فِي ضِمْنِ التَّعْلِيلِ فَرُبَّمَا يُغْفَلُ عَنْهَا.
تَصَارَفَا جِنْسًا بِجِنْسٍ مُتَسَاوِيًا فَزَادَ أَحَدُهُمَا أَوْ حَطَّ شَيْئًا وَقَبِلَ الْآخَرُ الْتَحَقَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ وَبَطَلَ الْعَقْدُ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا يَلْتَحِقُ فِيهِمَا وَلَا يَبْطُلُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: لَا يَصِحُّ الْحَطُّ فَقَطْ وَيُجْعَلُ هِبَةً مُبْتَدَأَةً.
وَلَوْ تَصَارَفَا بِغَيْرِ الْجِنْسِ فَزَادَ أَوْ حَطَّ جَازَ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ غَيْرَ أَنَّ الزِّيَادَةَ يَجِبُ قَبْضُهَا فِي مَجْلِسِ الزِّيَادَةِ لِأَنَّهُ ثَمَنُ الصَّرْفِ، وَعِنْدَ مَنْ لَا يَلْحَقُ الزِّيَادَةَ بِأَصْلِ الْعَقْدِ كَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يُشْتَرَطُ لِأَنَّهَا هِبَةٌ ابْتِدَائِيَّةٌ.
وَلَوْ افْتَرَقَا لَا عَنْ قَبْضِهَا بَطَلَ حِصَّتُهَا مِنْ الْبَدَلِ الْآخَرِ كَأَنَّهُ بَاعَ الْكُلَّ ثُمَّ فَسَدَ فِي الْبَعْضِ لِعَدَمِ الْقَبْضِ، وَالْحَطُّ جَائِزٌ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ التَّفَرُّقِ أَوْ بَعْدَهُ، وَيَرُدُّ الَّذِي حَطَّ مَا حَطَّ، وَإِنْ كَانَ الْحَطُّ قِيرَاطَ ذَهَبٍ فَهُوَ شَرِيكٌ فِي الدِّينَارِ مَثَلًا؛ لِأَنَّ فِي تَبْعِيضِهِ ضَرَرًا وَكُلُّ مَالٍ رِبَوِيٍّ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ مُرَابَحَةً وَلَا مُوَاضَعَةً إذَا اشْتَرَاهُ بِجِنْسِهِ وَيَجُوزُ بِخِلَافِ جِنْسِهِ.
وَلَوْ اشْتَرَى مَصُوغًا مِنْ فِضَّةٍ بِفِضَّةٍ أَوْ مِنْ ذَهَبٍ بِذَهَبٍ وَتَقَابَضَا فَوَجَدَهُ الْمُشْتَرِي مَعِيبًا لَهُ أَنْ يَرُدَّهُ بِالْعَيْبِ، فَإِنْ رَدَّهُ بِقَضَاءٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُقْبَضْ مِنْ الْبَائِعِ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ؛ لِأَنَّهُ فَسْخٌ وَبِغَيْرِ قَضَاءٍ يُشْتَرَطُ الْقَبْضُ فِي مَجْلِسِ الرَّدِّ، فَإِنْ قَبَضَ صَحَّ الرَّدُّ وَإِلَّا بَطَلَ وَعَادَ الْبَيْعُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّهُ بَيْعٌ فِي حَقِّ الشَّرْعِ، فَإِنْ تَعَذَّرَ الرَّدُّ بِأَنْ هَلَكَ فِي يَدِهِ أَوْ حَدَثَ عَيْبٌ آخَرُ رَجَعَ بِأَرْشِ الْعَيْبِ إنْ كَانَ الثَّمَنُ ذَهَبًا لِتَعَذُّرِ الْفَسْخِ، وَإِنْ كَانَ فِضَّةً لَا يَرْجِعُ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى الرِّبَا، فَإِنْ قَبِلَهُ الْبَائِعُ بِعَيْبِهِ لَهُ ذَلِكَ وَالْخِيَارُ لِلْمُشْتَرِي بَعْدُ.
وَلَوْ اشْتَرَى دِينَارًا بِدِرْهَمٍ وَلَا دِينَارَ لِهَذَا وَلَا دِرْهَمَ لِلْآخَرِ ثُمَّ اقْتَرَضَا وَتَقَابَضَا قَبْلَ التَّفَرُّقِ جَازَ، وَفِي الْمَكِيلِ لَا يَجُوزُ.
وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: اشْتَرَى فُلُوسًا بِدَرَاهِمَ وَلَا فُلُوسَ وَلَا دَرَاهِمَ لَهُمَا ثُمَّ نَقَدَ أَحَدُهُمَا وَتَفَرَّقَا جَازَ، وَلَوْ كَانَ مَكَانَ الْفُلُوسِ دِينَارٌ لَمْ يَجُزْ وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ فِي تَقْسِيمِ الطَّحَاوِيِّ.
اشْتَرَى سَيْفًا حِلْيَتُهُ مِائَةُ دِرْهَمٍ فِضَّةً بِمِائَةِ دِرْهَمٍ ثُمَّ عَلِمَ أَنَّ حِلْيَتَهُ مِائَتَا دِرْهَمٍ قَبْلَ التَّفَرُّقِ فَإِنْ شَاءَ زَادَ فِي الثَّمَنِ مِائَةً أُخْرَى وَإِنْ شَاءَ فَسَخَ، وَالْمِائَةُ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ يَزِيدُ شَيْئًا لِيَتَمَحَّضَ الْمِائَتَانِ لِلْحِلْيَةِ، وَلَوْ عَلِمَ بَعْدَ التَّقَابُضِ وَالتَّفَرُّقِ بَطَلَ الْعَقْدُ فِي الْكُلِّ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ فِي إبْرِيقِ فِضَّةٍ يَبْطُلُ الْعَقْدُ فِي نِصْفِ الْإِبْرِيقِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)