فصل: بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير للعاجز الفقير



.بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ:

(الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ) وَالْأَخْبَارُ فِيهِ مُسْتَفِيضَةٌ حَتَّى قِيلَ إنَّ مَنْ لَمْ يَرَهُ كَانَ مُبْتَدِعًا لَكِنَّ مَنْ رَآهُ ثُمَّ لَمْ يَمْسَحْ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مَأْجُورًا، وَيَجُوزُ (مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ ثُمَّ أَحْدَثَ) خَصَّهُ بِحَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ لِأَنَّهُ لَا مَسْح مِنْ الْجَنَابَةِ عَلَى مَا نُبَيِّنُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَبِحَدَثٍ مُتَأَخِّرٍ لِأَنَّ الْخُفَّ عُهِدَ مَانِعًا، وَلَوْ جَوَّزْنَاهُ بِحَدَثٍ سَابِقٍ كَالْمُسْتَحَاضَةِ إذَا لَبِسَتْ عَلَى السَّيَلَانِ ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ وَالْمُتَيَمِّمُ إذَا لَبِسَ ثُمَّ رَأَى الْمَاءَ كَانَ رَافِعًا. وَقولهُ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ لَا يُفِيدُ اشْتِرَاطَ الْكَمَالِ وَقْتَ اللِّبْسِ بَلْ وَقْتَ الْحَدَثِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا، حَتَّى لَوْ غَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ خُفَّيْهِ ثُمَّ أَكْمَلَ الطَّهَارَةَ ثُمَّ أَحْدَثَ يُجْزِئُهُ الْمَسْحُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ حُلُولَ الْحَدَثِ بِالْقَدَمِ فَيُرَاعَى كَمَالُ الطَّهَارَةِ وَقْتَ الْمَنْعِ حَتَّى لَوْ كَانَتْ نَاقِصَةً عِنْدَ ذَلِكَ كَانَ الْخُفُّ رَافِعًا (وَيَجُوزُ لِلْمُقِيمِ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَلِلْمُسَافِرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «يَمْسَحُ الْمُقِيمُ يَوْمًا وَلَيْلَةً وَالْمُسَافِرُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا» قَالَ: (وَابْتِدَاؤُهَا عَقِيبَ الْحَدَثِ) لِأَنَّ الْخُفَّ مَانِعٌ سِرَايَةَ الْحَدَثِ فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ.
الشَّرْحُ:
بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ:
قولهُ: (جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ) لِيُفِيدَ أَنَّ لَيْسَ مَشْرُوعِيَّتُهُ ثَابِتَةٌ بِالْكِتَابِ خِلَافًا لِمَنْ حَمَلَ قِرَاءَةَ الْجَرِّ فِي (أَرْجُلَكُمْ) عَلَيْهِ لِمَا قَدَّمْنَا فِي أَوَّلِ كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَلِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ لَا يَجِبُ إلَى الْكَعْبَيْنِ اتِّفَاقًا. وَقولهُ جَائِزٌ يَعْنِي لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ لِلْإِطْلَاقِ.
قولهُ: (وَالْأَخْبَارُ فِيهِ مُسْتَفِيضَةٌ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: مَا قُلْت بِالْمَسْحِ حَتَّى جَاءَنِي فِيهِ مِثْلُ ضَوْءِ النَّهَارِ. وَعَنْهُ أَخَافُ الْكُفْرَ عَلَى مَنْ لَمْ يَرَ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِأَنَّ الْآثَارَ الَّتِي جَاءَتْ فِيهِ فِي حَيِّزِ التَّوَاتُرِ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: خَبَرُ الْمَسْحِ يَجُوزُ نَسْخُ الْكِتَابِ بِهِ لِشُهْرَتِهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ: لَيْسَ فِي قَلْبِي مِنْ الْمَسْحِ شَيْءٌ فِيهِ أَرْبَعُونَ حَدِيثًا عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا رَفَعُوا وَمَا وَقَفُوا. وَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي آخَرِينَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَبْعُونَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» وَمِمَّنْ رَوَى الْمَسْحَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعْدٌ وَالْمُغِيرَةُ وَأَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَعَمْرُو بْنُ الْعَاصِ وَأَبُو أَيُّوبَ وَأَبُو أُمَامَةَ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبُو سَعِيدٍ وَبِلَالٌ وَصَفْوَانُ بْنُ عَسَّالٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ جُزْءٍ وَسَلْمَانُ وَثَوَبَانُ وَعُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ وَيَعْلَى بْنُ مُرَّةَ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ وَبُرَيْدَةُ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَائِشَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ. قَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ إنْكَارُ الْمَسْحِ إلَّا ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ، فَأَمَّا ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ فَقَدْ جَاءَ عَنْهُمَا بِالْأَسَانِيدِ الْحِسَانِ خِلَافُ ذَلِكَ وَمُوَافَقَةُ سَائِرِ الصَّحَابَةِ، وَأَمَّا عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهَا أَحَالَتْ ذَلِكَ عَلَى عِلْمِ عَلِيٍّ.
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَتْ: وَسُئِلْت عَنْهُ أَعْنِي الْمَسْحَ مَالِي بِهَذَا عِلْمٌ. وَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْبَغْدَادِيُّ عَنْهَا: لَأَنْ أَقْطَعُ رِجْلِي بِالْمُوسَى أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ حَدِيثٌ بَاطِلٌ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْحُفَّاظُ.
قولهُ: (لَكِنْ مَنْ رَآهُ ثُمَّ لَمْ يَمْسَحْ آخِذًا بِالْعَزِيمَةِ كَانَ مَأْجُورًا) لَفْظُ كَانَ مَأْجُورًا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ أَنَّ الْمَسْحَ مِنْ النَّوْعِ الرَّابِعِ مِنْ الرُّخْصَةِ وَهُوَ مَا لَمْ تَبْقَ الْعَزِيمَةُ مَعَهُ مَشْرُوعَةً كَالرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ مِنْ الظُّهْرِ لِلْمُسَافِرِ، وَلَا يُؤْجَرُ عَلَى فِعْلِ غَيْرِ الْمَشْرُوعِ. أُجِيبَ بِأَنَّهُ مِنْ الرَّابِعِ مَا دَامَ الْمُكَلَّفُ لَابِسَ الْخُفِّ، وَلَا شَكَّ أَنَّ لَهُ نَزْعُهُ، فَإِذَا نَزَعَهُ سَقَطَتْ الرُّخْصَةُ فِي حَقِّهِ فَيَغْسِلُ، وَإِنَّمَا يُثَابُ بِتَكَلُّفِ النَّزْعِ وَالْغَسْلِ فَيَصِيرُ كَتَرْكِ السَّفَرِ لِقَصْدِ الْأَحْمَزَ. وَقول الرُّسْتُغْفَنِيِّ: أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَمْسَحَ، إمَّا لَنَفِي التُّهْمَةِ عَنْ نَفْسِهِ فَإِنَّ الرَّوَافِضَ لَا يَرَوْنَهُ، وَإِمَّا لِلْعَمَلِ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ مَدْفُوعٌ بِعَدَمِ صِحَّةِ الثَّانِي عَلَى مَا عَلِمْت وَعَدَمُ تَأَتِّي الْأَوَّلِ فِي مَوْضِعٍ يُعْلَمُ أَنَّ الْحَاضِرِينَ لَا يَتَّهِمُونَهُ لِعِلْمِهِمْ بِحَقِيقَةِ حَالِهِ أَوْ جَهْلِهِمْ وُجُودَ مَذْهَبِ الرَّوَافِضِ، فَلَا يَنْبَغِي إطْلَاقُ الْجَوَابِ بَلْ إنْ كَانَ مَحِلَّ تُهْمَةٍ، هَذَا وَمَبْنَى السُّؤَالِ عَلَى أَنَّهُ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ، وَمَنَعَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ وَخَطَّأَهُمْ فِي تَمْثِيلِهِمْ بِهِ فِي الْأُصُولِ لَهَا لِأَنَّهُ مَنْصُوصٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ خَاضَ مَاءً بِخُفِّهِ فَانْغَسَلَ أَكْثَرُ قَدَمَيْهِ بَطَلَ الْمَسْحُ، وَكَذَا لَوْ تُكَلَّفَ غَسْلَهُمَا مِنْ غَيْرِ نَزْعٍ أَجْزَأَهُ عَنْ الْغَسْلِ حَتَّى لَا يَبْطُلَ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ، فَعُلِمَ أَنَّ الْعَزِيمَةَ مَشْرُوعَةٌ مَعَ الْخُفِّ.اهـ. وَمَبْنَى هَذِهِ التَّخْطِئَةِ عَلَى صِحَّةِ هَذَا الْفَرْعِ وَهُوَ مَنْقول فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَكِنْ فِي صِحَّته نَظَرٌ، فَإِنَّ كَلِمَتَهُمْ مُتَّفِقَةٌ عَلَى أَنَّ الْخُفَّ اُعْتُبِرَ شَرْعًا مَانِعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ فَتَبْقَى الْقَدَمُ عَلَى طَهَارَتِهَا، وَيَحِلُّ الْحَدَثُ بِالْخُفِّ فَيُزَالُ بِالْمَسْحِ، وَبَنَوْا عَلَيْهِ مَنْعَ الْمَسْحِ لِلْمُتَيَمِّمِ وَالْمَعْذُورَيْنِ بَعْدَ الْوَقْتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ غَسْلَ الرِّجْلِ فِي الْخُفِّ وَعَدَمِهِ سَوَاءٌ إذَا لَمْ يَبْتَلَّ مَعَهُ ظَاهِرُ الْخُفِّ فِي أَنَّهُ لَمْ يُزَلْ بِهِ الْحَدَثُ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ، فَلَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهِ لِأَنَّهُ صَلَّى مَعَ حَدَثٍ وَاجِبِ الرَّفْعِ، إذْ لَوْ لَمْ يَجِبْ وَالْحَالُ أَنَّهُ لَا يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلِ جَازَتْ الصَّلَاةُ بِلَا غَسْلٍ وَلَا مَسْحٍ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَرَكَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسْلَ مَحَلًّا غَيْرَ وَاجِبِ الْغَسْلِ كَالْفَخِذِ، وَوِزَانَهُ فِي الظَّهِيرِيَّةِ بِلَا فَرْقٍ، وَلَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ تَحْتَ الْجُرْمُوقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَذَكَرَ فِيهَا أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ وَلَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْحَدَثِ. وَالْأَوْجَهُ فِي ذَلِكَ الْفَرْعِ كَوْنُ الْإِجْزَاءِ إذَا خَاضَ النَّهْرَ لِابْتِلَالِ الْخُفِّ، ثُمَّ إذَا نُقِضَتْ الْمُدَّةُ إنَّمَا لَا يَتَقَيَّدُ بِهَا لِحُصُولِ الْغَسْلِ بِالْخَوْضِ، وَالنَّزْعُ إنَّمَا وَجَبَ لِلْغَسْلِ وَقَدْ حَصَلَ.
قولهُ: (مُوجِبٌ لِلْوُضُوءِ) إسْنَادُ الْمُوجِبِيَّةِ لِلْحَدَثِ إمَّا تَجَوُّزٌ أَوْ لِاعْتِقَادِ أَنَّ سَبَبَ الْوُضُوءِ الْحَدَثُ كَمَا هُوَ رَأْيُ الْبَعْضِ.
قولهُ: (ثُمَّ خَرَجَ الْوَقْتُ) يُفِيدُ أَنَّ مَنْعَهَا مِنْ الْمَسْحِ بَعْدَ الْوَقْتِ فَقَطْ فَتَمْسَحُ فِي الْوَقْتِ كُلَّمَا تَوَضَّأْت لِحَدَثٍ غَيْرِ الَّذِي اُبْتُلِيت بِهِ، وَهَذَا أَعْنِي مَنْعُهَا بَعْدَهُ إذَا كَانَ السَّيَلَانُ مُقَارِنًا لِلْوُضُوءِ وَاللِّبْسُ. أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى الِانْقِطَاعِ فَهِيَ كَغَيْرِهَا فَتَمْسَحُ بَعْدَ الْوَقْتِ إلَى تَمَامِ الْمُدَّةِ، وَإِنَّمَا امْتَنَعَ هُنَاكَ لِأَنَّ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ تَصِيرُ مُحْدِثَةً بِالسَّابِقِ، وَكَذَا الْمُتَيَمِّمُ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْمَاءِ وَإِضَافَةُ الْحَدَثِ إلَى خُرُوجِهِ وَالرُّؤْيَةُ لِلْمَاءِ مَجَازٌ، فَلَوْ جَازَ الْمَسْحُ بَعْدَ اللِّبْسِ عَلَى طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ أَوْ الْوُضُوءِ الْمُقَارَنِ هُوَ أَوْ اللِّبْسِ لِلْحَدَثِ بَعْدَ الْوَقْتِ كَانَ رَافِعًا لِلْحَدَثِ الَّذِي حَلَّ بِالْقَدَمِ لِأَنَّ الْحَدَثَ الَّذِي يَظْهَرُ هُوَ الَّذِي كَانَ قَدْ حَلَّ بِهِ قَبْلَ التَّيَمُّمِ أَوْ حَالَ ذَلِكَ الْوُضُوءِ، لَكِنَّ الْمَسْحَ إنَّمَا يُزِيلُ مَا حَلَّ بِالْمَمْسُوحِ بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْخُفِّ مَانِعًا شَرْعًا سِرَايَةَ الْحَدَثِ الَّذِي يَطْرَأُ بَعْدَهُ إلَى الْقَدَمَيْنِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ لَبِسَ عَلَى حَدَثٍ بِالْقَدَمَيْنِ لَا يَمْسَحُ، فَلَوْ اُعْتُبِرَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ رَافِعًا لِمَا بِالْقَدَمِ لَجَازَ، وَهَذَا أَوْلَى مِنْ تَعْلِيلِهِ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ الْمَنْعَ عَلَى الْمُتَيَمِّمِ بِكَوْنِ التَّيَمُّمِ لَيْسَ طَهَارَةً كَامِلَةً لِمَا عَلِمْت مِنْ أَنَّهَا كَاَلَّتِي بِالْمَاءِ مَا بَقِيَ الشَّرْطُ.
قولهُ: (لَا يُفِيدُ) لَيْسَ الْمُرَادُ لَا يُفِيدُ اللَّفْظَ لِأَنَّهُ مُفِيدٌ لَهُ بَلْ الْقُدُورِيُّ لَا يُفِيدُ بِهَذَا اللَّفْظِ هَذَا الْمَعْنَى بَلْ قَصَدَ بِهِ إلَى إفَادَةِ مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ، وَعَلَى هَذَا يَكُونُ الْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَّصِلًا بِحَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ، وَالتَّقْدِيرُ جَائِزٌ بِالسُّنَّةِ مِنْ كُلِّ حَدَثٍ مُوجِبٍ لِلْوُضُوءِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ إذَا لَبِسَهُمَا ثُمَّ أَحْدَثَ، وَالْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ: أَيْ مِنْ كُلِّ حَدَثٍ كَائِنًا أَوْ حَادِثًا عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ.
قولهُ: (وَهُوَ الْمَذْهَبُ عِنْدَنَا) احْتِرَازٌ عَنْ قول الشَّافِعِيِّ بِاشْتِرَاطِ الْكَمَالِ وَقْتَ اللِّبْسِ، وَقولهُ حَتَّى لَوْ غَسَلَ إلَخْ تَفْرِيعٌ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ تَمْتَنِعُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِوَجْهَيْنِ: لِعَدَمِ التَّرْتِيبِ فِي الْوُضُوءِ، َلِعَدَمِ كَمَالِ الطَّهَارَةِ قَبْلَ اللِّبْسِ. وَاَلَّذِي يَمْتَنِعُ عِنْدَهُ لِلثَّانِي فَقَطْ مَا لَوْ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَلَبِسَ الْخُفَّ ثُمَّ غَسَلَ الْأُخْرَى وَلَبِسَ خُفَّهَا. عِنْدَنَا إذَا أَحْدَثَ يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ. وَعِنْدَهُ لَا لِعَدَمِ الْكَمَالِ وَقْتَ اللَّبْسِ.
قولهُ: (فَيُرَاعِي كَمَالَ الطَّهَارَةِ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ) لِأَنَّهُ وَقْتُ عَمَلِهِ، وَالْأَنْسَبُ أَنْ يُرَاعِيَ مُدَّتَهُ مِنْ وَقْتِ أَثَرِهِ.
قولهُ: (يَمْسَحُ الْمُقِيمُ) فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَلِيٍّ:«جَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ لِلْمُسَافِرِ وَيَوْمًا وَلَيْلَةً لِلْمُقِيمِ».
قولهُ: (فَتُعْتَبَرُ الْمُدَّةُ مِنْ وَقْتِ الْمَنْعِ) لِأَنَّ مَا قَبْلَ ذَلِكَ طَهَارَةُ الْوُضُوءِ وَلَا تَقْدِيرَ فِيهَا إنَّمَا التَّقْدِيرُ فِي التَّحْقِيقِ تَقْدِيرُ مُدَّةِ مَنْعِهِ شَرْعًا وَإِنَّمَا مُنِعَ مِنْ وَقْتِ الْحَدَثِ.

متن الهداية:
(وَالْمَسْحُ عَلَى ظَاهِرِهِمَا خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ، يَبْدَأُ مِنْ قِبَلِ الْأَصَابِعِ إلَى السَّاقِ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى خُفَّيْهِ وَمَدَّهُمَا مِنْ الْأَصَابِعِ إلَى أَعْلَاهُمَا مَسْحَةً وَاحِدَةً، وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى أَثَرِ الْمَسْحِ عَلَى خُفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُطُوطًا بِالْأَصَابِعِ» ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الظَّاهِرِ حَتْمٌ حَتَّى لَا يَجُوزَ عَلَى بَاطِنِ الْخُفِّ وَعَقِبِهِ وَسَاقِهِ لِأَنَّهُ مَعْدُولٌ بِهِ عَنْ الْقِيَاسِ فَيُرَاعَى فِيهِ جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ، وَالْبُدَاءَةُ مِنْ الْأَصَابِعِ اسْتِحْبَابٌ اعْتِبَارًا بِالْأَصْلِ وَهُوَ الْغَسْلُ (وَفَرْضُ ذَلِكَ مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعِ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ) وَقَالَ الْكَرْخِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ اعْتِبَارًا لِآلَةِ الْمَسْحِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (يَبْدَأُ مِنْ قِبَلِ الْأَصَابِعِ إلَخْ) صُورَتُهُ أَنْ يَضَعَ أَصَابِعَ الْيُمْنَى عَلَى مُقَدَّمِ خُفِّهِ الْأَيْمَنِ وَأَصَابِعَ الْيُسْرَى عَلَى مُقَدَّمِ الْأَيْسَرِ وَيَمُدُّهُمَا إلَى السَّاقِ فَوْقَ الْكَعْبَيْنِ وَيُفْرَجُ أَصَابِعَهُ، هَذَا هُوَ الْوَجْهُ الْمَسْنُونُ. وَلَوْ مَسَحَ بِأُصْبُعٍ وَاحِدَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كُلَّ مَرَّةٍ بِمَاءِ جَدِيدٍ عَلَى مَوْضِعٍ جَدِيدٍ جَازَ وَإِلَّا لَا يَجُوزُ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ وَضَعَ الْكَفَّ وَمَدّهَا مَعَ الْأَصَابِعِ كُلِّهَا حَسَنٌ، وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَمْسَحَ بِجَمِيعِ الْيَدِ: يَعْنِي بِأَصَابِعِهَا. وَلَوْ مَسَحَ بِظَاهِرِ كَفِيهِ جَازَ، وَكَذَا بِرُءُوسِ الْأَصَابِعِ إذَا بَلَغَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ. وَيَجُوزُ بِبَلَلٍ بَقِيَ فِي يَدِهِ مِنْ غَسْلِ عُضْوٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَقَاطِرًا لَا بِمَا بَقِيَ مِنْ مَسْحٍ، وَعَلَّلَهُ قَاضِي خَانْ بِأَنَّهَا بَلَّةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ.
قولهُ: (لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ) وَفِيهِ مَسْحَةٌ وَاحِدَةٌ فَأَخَذُوا مِنْهُ أَنَّ تَكْرَارَ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ، وَأَيْضًا بِالتَّكَرُّرِ لَا يَبْقَى خُطُوطًا لَكِنْ قِيلَ إنَّ حَدِيثَ الْمُغِيرَةَ بِهَذَا اللَّفْظِ لَا يُعْرَفُ. وَاَلَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْهُ قال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ عَلَى ظَاهِرِهِمَا» وَحَسَّنَهُ لَكِنْ فِي أَوْسَطِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ جَرِيرِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدَرِ عَنْ جَابِرٍ قال: «مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ خُفَّيْهِ فَنَخَسَهُ بِرِجْلِهِ وَقَالَ: لَيْسَ هَكَذَا السُّنَّةُ أُمِرْنَا بِالْمَسْحِ هَكَذَا، وَأَمَرَّ بِيَدَيْهِ عَلَى خُفَّيْهِ».
وَفِي لَفْظِ «ثُمَّ أَرَاهُ بِيَدِهِ مِنْ مُقَدَّمِ الْخُفَّيْنِ إلَى أَصْلِ السَّاقِ مَرَّةً وَفَرَّجَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: لَا يُرْوَى عَنْ جَابِرٍ إلَّا بِهَذَا الْإِسْنَادِ.
وَفِي الْإِمَامِ رَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَنَّهُ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ حَتَّى رُئِيَ آثَارَ أَصَابِعِهِ عَلَى خُفَّيْهِ خُطُوطًا وَرُئِيَ آثَارَ أَصَابِعِ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَلَى الْخُفِّ.
قولهُ: (ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَى الظَّاهِرِ) أَيْ ظَاهِرِ مَحِلِّ الْفَرْضِ وَهُوَ مُقَدَّمُ الرِّجْلِ إذَا وُجِدَ مِنْهُ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ، وَلَوْ قُطِعَتْ إحْدَى رِجْلَيْهِ وَبَقِيَ مِنْهَا أَقَلُّ مِنْهُ أَوْ بَقِيَ ثَلَاثُ أَصَابِعَ لَكِنْ مِنْ الْعَقِبِ لَا مِنْ مَوْضِعِ الْمَسْحِ فَلَبِسَ عَلَى الصَّحِيحَةِ وَالْمَقْطُوعَةِ لَا يَمْسَحُ لِوُجُوبِ غَسْلِ ذَلِكَ الْبَاقِي كَمَا لَوْ قُطِعَتْ مِنْ الْكَعْبِ حَيْثُ يَجِبُ غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ وَلَا يُمْسَحُ.
قولهُ: (فَيُرَاعِي جَمِيعُ مَا وَرَدَ بِهِ الشَّرْعُ) يَعْنِي فِي الْمَحَلِّ، وَلِذَا قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَوْ كَانَ الدِّينُ بِالرَّأْيِ لَكَانَ مَسْحُ بَاطِنِ الْخُفِّ أَوْلَى مِنْ ظَاهِرِهِ. قَالَ فِي النِّهَايَةِ: نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ: وَلِأَنَّ بَاطِنَهُ لَا يَخْلُو عَنْ لَوَثٍ عَادَةً فَيُصِيبُ يَدَهُ، وَهَذَا يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْبَاطِنِ عِنْدَهُمْ مَحِلُّ الْوَطْءِ لَا مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ، لَكِنْ بِتَقْدِيرِهِ لَا تَظْهَرُ أَوْلَوِيَّةُ مَسْحِ بَاطِنِهِ لَوْ كَانَ بِالرَّأْيِ، بَلْ الْمُتَبَادِرُ مِنْ قول عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ذَلِكَ مَا يُلَاقِي الْبَشَرَةَ، وَهَذَا لِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنْ غَسْلِ الرِّجْلِ فِي الْوُضُوءِ لَيْسَ لِإِزَالَةِ الْخَبَثِ بَلْ لِلْحَدَثِ، وَمَحِلُّ الْوَطْءِ مِنْ بَاطِنِ الرِّجْلِ فِيهِ كَظَاهِرِهِ، وَكَذَا مَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ فِيهِ بِلَفْظِ لَكَانَ أَسْفَلُ الْخُفِّ أَوْلَى بِالْمَسْحِ مِنْ أَعْلَاهُ يَجِبُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَسْفَلِ الْوَجْهُ الَّذِي يُلَاقِي الْبَشَرَةَ لِأَنَّهُ أَسْفَلَ مِنْ الْوَجْهِ الْأَعْلَى الْمُحَاذِي لِلسَّمَاءِ لِمَا ذَكَرنَا. ثُمَّ قَدْ يُقَالُ: إنَّهُ لَمْ يَجِبْ مُرَاعَاةُ جَمِيعِ مَا وَرَدَ بِهِ فِي مَحِلِّ الِابْتِدَاءِ وَالِانْتِهَاءِ لِلْعِلْمِ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ إيقَاعُ الْبَلَّةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَحِلِّ حَتَّى جَازَ الْبُدَاءَةُ مِنْ أَصْلِ السَّاقِ إلَى رُءُوسِ الْأَصَابِعِ، لَكِنْ يَجِبُ فِي حَقِّ الْكَمِّيَّةِ نَظَرًا إلَى ذَلِكَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ إلَّا بِنَصٍّ.
قولهُ: (مِقْدَارُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ) فِي كُلِّ رِجْلٍ، فَلَوْ مَسَحَ عَلَى رِجْلٍ أُصْبُعَيْنِ وَعَلَى الْأُخْرَى قَدْرَ خَمْسَةٍ لَمْ يَجُزْ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ حُصُولِ ذَلِكَ بِيَدِهِ أَوْ بِإِصَابَةِ مَطَرٍ أَوْ مِنْ حَشِيشٍ مَشَى فِيهِ مُبْتَلٌّ وَلَوْ بِالطَّلِّ عَلَى الْأَصَحِّ. وَقِيلَ لَا يَجُوزُ بِالطَّلِّ لِأَنَّهُ نَفَسُ دَابَّةٍ لَا مَاءً، وَلَيْسَ بِصَحِيحٍ، وَهَذَا الْإِطْلَاقُ تَفْرِيعٌ عَلَى عَدَمِ اشْتِرَاطِ النِّيَّةِ لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفِّ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ طَهَارَةٌ بِالْمَاءِ، خِلَافًا لِمَا فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لِلْعَتَّابِيِّ حَيْثُ شَرَطَهَا.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: لَوْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ الْخُفَّ وَنَوَى بِهِ التَّعْلِيمَ دُونَ الطَّهَارَةِ يَصِحُّ.

متن الهداية:
(وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ فِيهِ خَرْقٌ كَبِيرٌ يُبَيِّنُ مِنْهُ قَدْرَ ثَلَاثِ أَصَابِعَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَ غَسْلُ الْبَادِي وَجَبَ غَسْلُ الْبَاقِي. وَلَنَا أَنَّ الْخِفَافَ لَا تَخْلُو عَنْ قَلِيلِ خَرْقٍ عَادَةً فَيَلْحَقُهُمْ الْحَرَجُ فِي النَّزْعِ وَتَخْلُو عَنْ الْكَبِيرِ فَلَا حَرَجَ، وَالْكَبِيرُ أَنْ يَنْكَشِفَ قَدْرُ ثَلَاثَةِ أَصَابِعِ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ أَصْغَرُهَا هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْقَدَمِ هُوَ الْأَصَابِعُ وَالثَّلَاثُ أَكْثَرُهَا فَيُقَامُ مَقَامَ الْكُلِّ، وَاعْتِبَارُ الْأَصْغَرِ لِلِاحْتِيَاطِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِدُخُولِ الْأَنَامِلِ إذَا كَانَ لَا يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ، وَيُعْتَبَرُ هَذَا الْمِقْدَارُ فِي كُلِّ خُفٍّ عَلَى حِدَةٍ فَيُجْمَعُ الْخَرْقُ فِي خُفٍّ وَاحِدٍ وَلَا يُجْمَعُ فِي خُفَّيْنِ لِأَنَّ الْخَرْقَ فِي أَحَدِهِمَا لَا يَمْنَعُ قَطْعَ السَّفَرِ بِالْآخِرِ، بِخِلَافِ النَّجَاسَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ لِأَنَّهُ حَامِلٌ لِلْكُلِّ وَانْكِشَافُ الْعَوْرَةِ نَظِيرُ النَّجَاسَةِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (فِيهِ خَرْقٌ كَبِيرٌ يَبِينُ مِنْهُ إلَخْ) يَعْنِي إذَا كَانَ فِي مَحِلِّ الْفَرْضِ مُنْفَرِجًا أَوْ يَنْفَرِجُ عِنْدَ الْمَشْيِ، فَإِنْ كَانَ شَقًّا لَا يَظْهَرُ مَا تَحْتَهُ، إنْ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَوْ يَظْهَرُ مِنْهُ دُونَهَا وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا لَا يُمْنَعُ، وَلَوْ كَانَ فِي الْكَعْبِ لَمْ يُمْنَعْ وَإِنْ كَثُرَ كَذَا فِي الِاخْتِبَارِ.
وَفِي الْفَتَاوَى: فَإِنْ كَانَ الْخَرْقُ فِي مَوْضِعِ الْعَقِبِ إنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الْعَقِبِ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ لَا يَجُوزُ. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ: يُمْسَحُ حَتَّى يَبْدُوَ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ الْعَقِبِ. ثُمَّ قَيَّدَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ كَوْنَهَا أَصْغَرَ الْأَصَابِعَ بِمَا إذَا كَانَ الْخَرْقُ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ الْأَصَابِعِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ اُعْتُبِرَ ثَلَاثٌ مِنْهَا، فَلَوْ انْكَشَفَ الْأَكْبَرُ وَمَا يَلِيه لَا يُمْنَعُ وَإِنْ كَانَ قَدْرَ الثَّلَاثِ الْأُخَرِ، وَلَوْ كَانَ الْخَرْقُ تَحْتَ الْقَدَمِ فَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ الْقَدَمِ مُنِعَ كَذَا فِي الِاخْتِيَارِ. وَذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ بِلَفْظِ قِيلَ، وَعَلَّلَهُ بِأَنَّ مَوْضِعَ الْأَصَابِعِ يُعْتَبَرُ بِأَكْثَرِهَا فَكَذَا الْقَدَمُ، وَلَوْ صَحَّ هَذَا التَّعْلِيلُ لَزِمَ أَنْ لَا يُعْتَبَرَ قَدْرُ ثَلَاثِ أَصَابِعَ أَصْغَرَهَا إلَّا إذَا كَانَ عِنْدَ أَصْغَرِهَا لِأَنَّ كُلَّ مَوْضِعٍ حِينَئِذٍ إنَّمَا يُعْتَبَرُ بِأَكْثَرِهِ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصَابِعُ اُعْتُبِرَ بِأَصَابِعِ غَيْرِهِ، وَقِيلَ بِأَصَابِعِهِ لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً.
قولهُ: (وَلَنَا أَنَّ الْخِفَافَ إلَخْ) لَازِمُهُ إذَا تَأَمَّلْت مَنْعَ وُجُوبِ غَسْلِ الْبَادِي فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ عَدَمًا لِقِلَّتِهِ وَلُزُومِ الْحَرَجِ فِي اعْتِبَارِهِ إذْ غَالِبُ الْخِفَافِ لَا تَخْلُو عَنْهُ عَادَةً، وَالشَّرْعُ عَلَّقَ الْمَسْحَ بِمُسَمَّى الْخُفِّ وَهُوَ السَّاتِرُ الْمَخْصُوصُ الَّذِي تُقْطَعُ بِهِ الْمَسَافَةُ وَالِاسْمُ مُطْلَقًا يُطْلَقُ عَلَيْهِ، بِخِلَافِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى الْكَبِيرِ فَإِنَّهُ إنْ تَرَكَ فِي التَّعْبِيرِ عَنْهُ بِاسْمِ الْخُفِّ تَقْيِيدَهُ بِمَخْرُوقٍ فَهُوَ مُرَادٌ فَلَيْسَ بِخُفِّ مُطْلَقٍ وَلِأَنَّهُ لَا تُقْطَعُ الْمَسَافَةُ بِهِ إذْ لَا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ وَالْخُفُّ مُطْلَقًا مَا يُقْطَعُ بِهِ فَلَيْسَ بِهِ.
قولهُ: (هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ ثَلَاثُ أَصَابِعِ الْيَدِ، وَعَمَّا مَالَ إلَيْهِ السَّرَخْسِيُّ مِنْ أَنَّ ظُهُورَ قَدْرِ ثَلَاثِ أَنَامِلَ مِنْ أَصَابِعِ الرِّجْلِ يَمْنَعُ.
قولهُ: (وَتُجْمَعُ الْخُرُوقُ) لِقَائِلٍ أَنْ يَقول: لَا دَاعِيَ إلَى جَمْعِهَا وَهُوَ اعْتِبَارُهَا كَأَنَّهَا فِي مَكَان وَاحِدٍ لَمَنْعِ الْمَسْحِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ فِيمَا إذَا اتَّحَدَ الْمَكَانُ حَقِيقَةٌ لِانْتِفَاءِ مَعْنَى الْخُفِّ بِامْتِنَاعِ قَطْعِ الْمَسَافَةِ الْمُعْتَادَةِ بِهِ لَا لِذَاتِهِ وَلَا لِذَاتِ الِانْكِشَافِ مِنْ حَيْثُ هُوَ انْكِشَافٌ، وَإِلَّا لَوَجَبَ الْغَسْلُ فِي الْخَرْقِ الصَّغِيرِ، وَهَذَا الْمَعْنَى مُنْتَفٍ عِنْدَ تُفَرِّقْهَا صَغِيرَةً كَقَدْرِ الْحِمَّصَةِ والْفُولَةِ لِإِمْكَانِ قَطْعِهَا مَعَ ذَلِكَ وَعَدَمِ وُجُوبِ غَسْلِ الْبَادِي. (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا إلَّا عَنْ جَنَابَةٍ، وَلَكِنْ مِنْ بَوْلٍ أَوْ غَائِطٍ أَوْ نَوْمٍ» وَلِأَنَّ الْجَنَابَةَ لَا تُكَرَّرُ عَادَةً فَلَا حَرَجَ فِي النَّزْعِ، بِخِلَافِ الْحَدَثِ لِأَنَّهُ يَتَكَرَّرُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ لِمَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ) قِيلَ الْمَوْضِعُ مَوْضِعُ النَّفْيِ فَلَا حَاجَةَ إلَى التَّصْوِيرِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ إذَا أَجْنَبَ وَقَدْ لَبِسَ عَلَى وُضُوءٍ وَجَبَ نَزْعُ خُفَّيْهِ وَغَسْلُ رِجْلَيْهِ. وَقِيلَ صُورَتُهُ مُسَافِرٌ أَجْنَبَ وَلَا مَاءَ عِنْدَهُ فَتَيَمَّمَ وَلَبِسَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَوَجَدَ مَاءً يَكْفِي وُضُوءَهُ لَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ لِأَنَّ الْجَنَابَةَ سَرَتْ إلَى الْقَدَمَيْنِ، وَالتَّيَمُّمُ لَيْسَ بِطَهَارَةٍ كَامِلَةٍ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الْمَسْحُ إذَا لَبِسَهُمَا عَلَى طَهَارَتِهِ فَيَنْزِعُهُمَا وَيَغْسِلُهُمَا، فَإِذَا فَعَلَ وَلَبِسَ ثُمَّ أَحْدَثَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ يَكْفِي الْوُضُوءَ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ لِأَنَّ هَذَا الْحَدَثَ يَمْنَعُهُ الْخُفُّ السِّرَايَةَ لِوُجُودِهِ بَعْدَ اللِّبْسِ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ، فَلَوْ مَرَّ بَعْدَ ذَلِكَ بِمَاءٍ كَثِيرٍ عَادَ جُنُبًا، فَإِذَا لَمْ يَغْتَسِلْ حَتَّى فَقْدَهُ تَيَمَّمَ لَهُ، فَلَوْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ تَوَضَّأَ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ لِأَنَّهُ عَادَ جُنُبًا، فَإِنْ أَحْدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ وَعِنْدَهُ مَاءٌ لِلْوُضُوءِ فَقَطْ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ، وَعَلَى هَذَا تَجْرِي الْمَسَائِلُ، وَهَذِهِ الصُّورَةُ إنَّمَا تَزِيدُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بِإِفَادَةِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لِجَوَازِ الْمَسْحِ كَوْنُ اللِّبْسِ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ لَا طَهَارَةِ التَّيَمُّمِ مُعَلِّلًا بِأَنَّ طَهَارَةَ التَّيَمُّمِ لَيْسَتْ كَامِلَةً، فَإِنْ أُرِيدَ بِعَدَمِ كَمَالِهَا عَدَمُ الرَّفْعِ عَنْ الرِّجْلَيْنِ فَهُوَ مَمْنُوعٌ، وَإِنْ أُرِيدَ عَدَمُ إصَابَةِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوَظِيفَةِ حِسًّا فَيَمْنَعُ تَأْثِيرُهُ فِي نَفْيِ الْكَمَالِ الْمُعْتَبَرِ فِي الطَّهَارَةِ الَّتِي يُعْقِبُهَا اللِّبْسُ. وَيُمْكِنُ أَنْ يُوَجَّهَ الْحُكْمُ الْمَذْكُورُ بِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ مَنْ فَعَلَهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى طَهَارَةِ الْمَاءِ، وَلَمْ يَرِدْ مِنْ قولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مَا يُوَسِّعُ مَوْرِدَهُ فَيَلْزَمُ فِيهِ الْمَاءُ قَصْرًا عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَسَيَأْتِي فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ صَرِيحُ مَنْعِهِ لِلْجَنَابَةِ.
قولهُ: (لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ) رَوَى النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفْرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ».

متن الهداية:
(وَيَنْقُضُ الْمَسْحَ كُلُّ شَيْءٍ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ) لِأَنَّهُ بَعْضُ الْوُضُوءِ (وَيَنْقُضُهُ أَيْضًا نَزْعُ الْخُفِّ) لِسِرَايَةِ الْحَدَثِ إلَى الْقَدَمِ حَيْثُ زَالَ الْمَانِعُ، وَكَذَا نَزْعُ أَحَدِهِمَا لِتَعْذِرْ الْجَمْعِ بَيْنَ الْغَسْلِ وَالْمَسْحِ فِي وَظِيفَةٍ وَاحِدَةٍ (وَكَذَا مُضِيُّ الْمُدَّةِ) لِمَا رَوَيْنَا (وَإِذَا تَمُتْ الْمُدَّةُ نَزَعَ خُفَّيْهِ وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَصَلَّى وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ) وَكَذَا إذَا نَزَعَ قَبْلَ الْمُدَّةِ لِأَنَّ عِنْدَ النَّزْعِ يَسْرِي الْحَدَثُ السَّابِقُ إلَى الْقَدَمَيْنِ كَأَنَّهُ لَمْ يَغْسِلْهُمَا، وَحُكْمُ النَّزْعِ يَثْبُتُ بِخُرُوجِ الْقَدَمِ إلَى السَّاقِ لِأَنَّهُ لَا مُعْتَبَرَ بِهِ فِي حَقِّ الْمَسْحِ، وَكَذَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ هُوَ الصَّحِيحُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا تَمَّتْ الْمُدَّةُ نَزَعَ خُفَّيْهِ) لِسَرَيَانِ الْحَدَثِ إلَى الرِّجْلَيْنِ (وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إعَادَةُ بَقِيَّةِ الْوُضُوءِ) لِأَنَّ الْوَلَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي الْوُضُوءِ فَيَنْضَمُّ غَسْلُهُمَا إلَى الْغَسْلِ السَّابِقِ لِلْأَعْضَاءِ فَيَكْمُلُ الْوُضُوءُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا حَدَثَ لِيَسْرِيَ لِأَنَّهُ كَانَ قَدْ حَلَّ بِالْخُفِّ ثُمَّ زَالَ بِالْمَسْحِ فَلَا يَعُودُ إلَّا بِسَبَبِهِ مِنْ الْخَارِجِ النَّجِسِ وَنَحْوِهِ، قُلْنَا: جَازَ أَنْ يَعْتَبِرَ الشَّرْعُ ارْتِفَاعَ الْحَدَثِ بِمَسْحِ الْخُفِّ مُقَيَّدًا بِمُدَّةِ مَنْعِهِ، ثُمَّ عَلِمْنَا وُقُوعَ مِثْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ حَيْثُ اُعْتُبِرَ فِي ارْتِفَاعِهِ بِاسْتِعْمَالِ الصَّعِيدِ تَقَيُّدَهُ بِمُدَّةِ اعْتِبَارِهِ عَامِلًا: أَعْنِي مُدَّةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ، وَيُنَاسِبُ أَنَّ ذَلِكَ لِوَصْفِ الْبَدَلِيَّةِ وَهُوَ فِي الْمَسْحِ ثَابِتٌ بَلْ هُوَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ، فَإِنَّ الْمَسْحَ وَإِنْ كَانَ بِالْمَاءِ لَكِنَّهُ بَدَلٌ عَنْ وَظِيفَةِ الْغَسْلِ وَالْخُفُّ عَنْ الرِّجْلِ فَوَجَبَ تَقَيُّدُ الِارْتِفَاعِ فِيهِ بِمُدَّةِ اعْتِبَارِهِ بَدَلًا يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْأَصْلُ كَمَا تَقَيَّدَ فِي التَّيَمُّمِ بِمُدَّةِ كَوْنِهِ بَدَلًا يُفِيدُ مَا يُفِيدُهُ الْأَصْلُ، هَذَا مَعَ أَنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ الِاحْتِيَاطِ.
وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ: لَوْ تَمَّتْ الْمُدَّةُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا مَاءَ يَمْضِي عَلَى الْأَصَحِّ فِي صَلَاتِهِ إذْ لَا فَائِدَةَ فِي النَّزْعِ لِأَنَّهُ لِلْغُسْلِ وَلَا مَاءَ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ مِنْ الْمَشَايِخِ تَفْسُدُ انْتَهَى. لَكِنَّ الَّذِي يَظْهَرُ صِحَّةُ هَذَا الْقول لِأَنَّ الشَّرْعَ قَدَّرَ مَنْعَ الْخُفِّ بِمُدَّةٍ فَيَسْرِي الْحَدَثُ بَعْدَهَا إذْ لَا بَقَاءَ لَهَا مَعَ الْحَدَثِ، فَكَمَا يَقْطَعُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَاءِ لِيَغْسِلَ رِجْلَيْهِ يَقْطَعُ عِنْدَ عَدَمِهِ لِيَتَيَمَّمَ لَا لِلرِّجْلَيْنِ فَقَطْ لِيَلْزَمَ رَفْوُ الْأَصْلِ بِالْخَلَفِ بَلْ لِلْكُلِّ لِأَنَّ الْحَدَثَ لَا يَتَجَزَّأُ فَيَصِيرُ مُحْدِثًا بِحَدَثِ الْقَدَمَيْنِ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَوْ اقْتَصَرَ عَلَى غَسْلِهِمَا ارْتَفَعَ كَمَنْ غَسَلَ ابْتِدَاءً الْأَعْضَاءَ إلَّا رِجْلَيْهِ وَفَنِيَ الْمَاءُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ لَا لِلرِّجْلَيْنِ فَقَطْ وَإِلَّا لَكَانَ جَمْعُ الْخَلَفِ وَالْأَصْلِ ثَابِتًا فِي كَثِيرٍ مِنْ الصُّوَرِ بَلْ لِلْحَدَثِ الْقَائِمِ بِهِ فَإِنَّهُ عَلَى حَالِهِ مَا لَمْ يُتِمَّ الْكُلَّ، وَهَذَا لِأَنَّ التَّيَمُّمَ إنْ لَمْ يُصِبْ الرِّجْلَ حِسًّا لَكِنَّهُ يُصِيبُهَا حُكْمُ الطَّهَارَةِ عِنْدَهُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فَلَا يَصْلُحُ عَدَمُ الْمَاءِ مَانِعًا السِّرَايَةَ بَعْدَ تَمَامِ الْمُدَّةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا غَايَةً لَمَنْعِهِ. وَعَلَى هَذَا فَمَا ذُكِرَ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْمُحِيطِ مِنْ أَنَّهُ إنَّمَا يَنْزِعُ إذَا تَمَّتْ إذَا لَمْ يَخَفْ ذَهَابَهُمَا مِنْ شِدَّةِ الْبَرْدِ فَإِنْ خَافَهُ فَلَهُ أَنْ يَمْسَحَ مُطْلَقًا فِيهِ نَظَرٌ، فَإِنَّ خَوْفَ الْبَرْدِ لَا أَثَرَ لَهُ فِي مَنْعِ السِّرَايَةِ، كَمَا أَنَّ عَدَمَ الْمَاءِ لَا يَمْنَعُهَا، فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ لَا يَنْزِعُ لَكِنْ لَا يَمْسَحُ بَلْ يَتَيَمَّمُ لِخَوْفِ الْبَرْدِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ. وَعَنْ هَذَا نَقَلَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ تَأْوِيلَ الْمَسْحِ الْمَذْكُورِ بِأَنَّهُ مَسْحُ جَبِيرَةٍ لَا كَمَسْحِ الْخُفِّ، فَعَلَى هَذَا يَسْتَوْعِبَ الْخُفَّ عَلَى مَا هُوَ الْأَوْلَى أَوْ أَكْثَرُهُ، وَهُوَ غَيْرُ الْمَفْهُومِ مِنْ اللَّفْظِ الْمُؤَوَّلِ مَعَ أَنَّهُ إنَّمَا يَتِمُّ إذَا كَانَ مُسَمَّى الْجَبِيرَةِ يَصْدُقُ عَلَى سَاتِرٍ لَيْسَ تَحْتَهُ مَحَلُّ وَجَعٍ بَلْ عُضْوٌ صَحِيحٌ غَيْرَ أَنَّهُ يَخَافُ مِنْ كَشْفِهِ حُدُوثَ الْمَرَضِ لِلْبَرْدِ، وَيَسْتَلْزِمُ بُطْلَانَ كُلِّيَّةِ مَسْأَلَةِ التَّيَمُّمِ بِخَوْفِ الْبَرْدِ عَلَى عُضْوٍ وَاسْوِدَادِهِ، وَيَقْتَضِي أَيْضًا عَلَى ظَاهِرِ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازُ تَرْكِهِ رَأْسًا وَهُوَ خِلَافُ مَا يُفِيدُهُ إعْطَاؤُهُمْ حُكْمَ الْمَسْأَلَةِ، هَذَا وَيَنْقُضُ الْمَسْحَ أَيْضًا غَسْلُ أَكْثَرِ الرِّجْلِ، وَفِيهِ مِنْ الْبَحْثِ مَا سَمِعْت مِمَّا قَدَّمْنَاهُ.
قولهُ: (وَكَذَا بِأَكْثَرِ الْقَدَمِ هُوَ الصَّحِيحُ) هَذَا قول أَبِي يُوسُفَ، وَعَنْهُ فِي الْإِمْلَاءِ بِخُرُوجِ نِصْفِهِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ الْبَاقِي قَدْرَ مَحِلِّ الْفَرْضِ: أَعْنِي ثَلَاثَةَ أَصَابِعِ الْيَدِ لَا يُنْتَقَضُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ خَرَجَ أَكْثَرُ الْعَقِبِ: يَعْنِي إذَا أَخْرَجَهُ قَاصِدًا إخْرَاجَ الرِّجْلِ بَطَلَ الْمَسْحُ حَتَّى لَوْ بَدَا لَهُ إعَادَتُهَا فَأَعَادَهَا لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ، وَكَذَا لَوْ كَانَ أَعْرَجُ يَمْشِي عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَقَدْ ارْتَفَعَ عَقِبُهُ عَنْ مَوْضِعِ عَقِبِ الْخُفِّ إلَى السَّاقِ لَا يَمْسَحُ، وَإِلَى مَا دُونَهُ يَمْسَحُ. أَمَّا لَوْ كَانَ الْخُفُّ وَاسِعًا يَرْتَفِعُ الْعَقِبُ بِرَفْعِ الرِّجْلِ إلَى السَّاقِ وَيَعُودُ بِوَضْعِهَا فَلَا يُمْنَعُ.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنْ كَانَ الْبَاقِي بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهِ فَكَذَلِكَ لَا يُنْتَقَضُ، وَهَذَا فِي التَّحْقِيقِ هُوَ مَرْمَى نَظَرِ الْكُلِّ، فَمَنْ نَقَضَ بِخُرُوجِ الْعَقِبِ لَيْسَ إلَّا لِأَنَّهُ وَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّهُ مَعَ حُلُولِ الْعَقِبِ بِالسَّاقِ لَا يُمْكِنُهُ مُتَابَعَةُ الْمَشْيِ فِيهِ وَقَطْعُ الْمَسَافَةِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ تَعُودُ إلَى مَحِلِّهَا عِنْدَ الْوَضْعِ، وَمَنْ قَالَ بِالْأَكْثَرِ فَلِظَنِّهِ أَنَّ الِامْتِنَاعَ مَنُوطٌ بِهِ وَكَذَا مَنْ قَالَ بِكَوْنِ الْبَاقِي قَدْرَ الْفَرْضِ، وَهَذِهِ الْأُمُورُ إنَّمَا تُبْنَى عَلَى الْمُشَاهَدَةِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ مَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ أَوْلَى لِأَنَّ بَقَاءَ الْعَقِبِ فِي السَّاقِ يُقْلِقُ عَنْ مُدَاوَمَةِ الْمَشْيِ دَوْسًا عَلَى السَّاقِ نَفْسِهِ.

متن الهداية:
(وَمَنْ ابْتَدَأَ الْمَسْحَ وَهُوَ مُقِيمٌ فَسَافَرَ قَبْلَ تَمَامِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيَهَا) عَمَلًا بِإِطْلَاقِ الْحَدِيثِ، وَلِأَنَّهُ حُكْمٌ مُتَعَلِّقٌ بِالْوَقْتِ فَيُعْتَبَرُ فِيهِ آخِرَهُ، بِخِلَافِ مَا إذَا اسْتَكْمَلَ الْمُدَّةَ لِلْإِقَامَةِ ثُمَّ سَافَرَ لِأَنَّ الْحَدَثَ قَدْ سَرَى إلَى الْقَدَمِ وَالْخُفُّ لَيْسَ بِرَافِعٍ (وَلَوْ أَقَامَ وَهُوَ مُسَافِرٌ إنْ اسْتَكْمَلَ مُدَّةَ الْإِقَامَةِ نَزَعَ) لِأَنَّ رُخْصَةَ السَّفَرِ لَا تَبْقَى بِدُونِهِ (وَإِنْ لَمْ يَسْتَكْمِلْ أَتَمَّهَا) لِأَنَّ هَذِهِ مُدَّةُ الْإِقَامَةِ وَهُوَ مُقِيمٌ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (مَسَحَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا) سَوَاءٌ سَافَرَ قَبْلَ انْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ أَوْ بَعْدَهُ قَبْلَ كَمَالِ مُدَّةِ الْمُقِيمِ، وَفِي الثَّانِي خِلَافُ الشَّافِعِيِّ. لَنَا الْعَمَلُ بِإِطْلَاقِ قولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «يَمْسَحُ الْمُسَافِرُ» الْحَدِيثَ، وَهَذَا مُسَافِرٌ فَيَمْسَحُهَا، بِخِلَافِ مَا بَعْدَ كَمَالُ مُدَّةِ الْمُقِيمِ لِأَنَّ الْحَدَثَ قَدْ سَرَى إلَى الْقَدَمِ، وَإِنَّمَا يُمْسَحُ عَلَى خُفِّ رِجْلٍ لَا حَدَثَ فِيهَا إجْمَاعًا، وَمَا اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ أَنَّ هَذِهِ عِبَادَةٌ اُبْتُدِئَتْ حَالَةَ الْإِقَامَةِ فَيُعْتَبَرُ فِيهَا حَالَةُ الِابْتِدَاءِ كَصَلَاةٍ ابْتَدَأَهَا مُقِيمًا فِي سَفِينَةٍ فَسَافَرَتْ وَصَوْمٍ شَرَعَ فِيهِ مُقِيمًا فَسَافَرَ حَيْثُ يُعْتَبَرُ فِيهِ حُكْمُ الْإِقَامَةِ فَغَنِيٌّ عَنْ تُكَلِّفْ الْفَرْقِ لِعَدَمِ ظُهُورِ وَجْهِ الْجَمْعِ بِالْمُشْتَرِكِ الْمُؤَثَّرِ فِي الْحُكْمِ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَمَنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ مَسَحَ عَلَيْهِ) خِلَافًا لَلشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فَإِنَّهُ يَقول: الْبَدَلُ لَا يَكُونُ لَهُ بَدَلٌ. وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَسَحَ عَلَى الْجُرْمُوقَيْنِ» وَلِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْخُفِّ اسْتِعْمَالًا وَغَرَضًا فَصَارَا كَخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ وَهُوَ بَدَلٌ عَنْ الرِّجْلِ لَا عَنْ الْخُفِّ، بِخِلَافِ مَا إذَا لَبِسَ الْجُرْمُوقَ بَعْدَمَا أَحْدَثَ لِأَنَّ الْحَدَثَ حَلَّ بِالْخُفِّ فَلَا يَتَحَوَّلُ إلَى غَيْرِهِ، وَلَوْ كَانَ الْجُرْمُوقُ مِنْ كِرْبَاسَ لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ إلَّا أَنْ تَنْفُذَ الْبَلَّةُ إلَى الْخُفِّ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَمَنْ لَبِسَ الْجُرْمُوقَ فَوْقَ الْخُفِّ مَسَحَ عَلَيْهِ) إذَا لَبِسَهُمَا قَبْلَ أَنْ يُحْدِثَ، فَإِنْ أَحْدَثَ قَبْلَهُ وَهُوَ لَابِسٌ الْخُفَّ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ وَظِيفَةَ الْمَسْحِ اسْتَقَرَّتْ لِلْخُفِّ لِحُلُولِ الْحَدَثِ بِهِ فَلَا يُزَالُ بِمَسْحِ غَيْرِهِ، وَكَذَا لَوْ لَبِسَ الْمُوقَيْنِ قَبْلَ الْحَدَثِ ثُمَّ أَحْدَثَ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فَمَسَحَ خُفَّيْهِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ مَسَحَ فِي غَيْرِ مَحِلِّ الْحَدَثِ، وَلَوْ نَزَعَ أَحَدَ مُوقَيْهِ بَعْدَ الْمَسْحِ عَلَيْهِمَا وَجَبَ مَسْحُ الْخُفِّ الْبَادِي وَإِعَادَةُ الْمَسْحِ عَلَى الْمُوقِ لِانْتِقَاضِ وَظِيفَتِهِمَا كَنَزْعِ أَحَدِ الْخُفَّيْنِ.
وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْأَصْلِ: يُنْزَعُ الْآخَرُ وَيَمْسَحُ عَلَى الْخُفَّيْنِ. وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ فِي الِابْتِدَاءِ لَوْ لَبِسَ عَلَى أَحَدِهِمَا كَانَ لَهُ أَنْ يَمْسَحَ عَلَيْهِ وَعَلَى الْخُفِّ الْآخَرَ، فَكَذَا هَذَا بِخِلَافِ خُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ فَمَسَحَ عَلَى الْعُلْيَا ثُمَّ نَزَعَهَا لَيْسَ عَلَيْهِ مَسْحُ السُّفْلَى لِلْوِحْدَةِ الْحَقِيقَةِ فَهُوَ كَقِشْرِ جَلْدَةِ خُفٍّ مَسَحَ عَلَيْهَا أَوْ حَلَقَ شَعْرَهُ فَإِنَّهُ لَا يُعِيدُ.
قولهُ: (وَلَنَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْ بِلَالٍ قال: «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْمُوقَيْنِ وَالْخِمَارِ» وَلِأَبِي دَاوُد «كَانَ يَخْرُجُ فَيَقْضِي حَاجَتَهُ فَآتِيهِ بِالْمَاءِ فَيَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَمُوقَيْهِ» قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَالْمُطَرِّزِيُّ: الْمُوقُ خُفٌّ قَصِيرٌ يُلْبَسُ فَوْقَ الْخُفِّ، وَهُوَ فَارِسِيٌّ مُعْرَبٌ، ثُمَّ أَلْحَقَهُ بِخُفٍّ ذِي طَاقَيْنِ. وَأَجَابَ عَنْ اعْتِبَارِهِ بَدَلَ الْخُفِّ الْمُسْتَلْزِمِ نَصْبَ الْإِبْدَالِ بِالرَّأْيِ، وَوَجْهُ الْإِلْحَاقِ بِالْخُفِّ وَالْجَوَابُ ظَاهِرٌ فِي الْكِتَابِ.

متن الهداية:
(وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ إلَّا أَنْ يَكُونَا مُجَلَّدَيْنِ أَوْ مُنَعَّلَيْنِ، وَقَالَا: يَجُوزُ إذَا كَانَا ثَخِينَيْنِ لَا يَشِفَّانِ) لِمَا رُوِيَ أَنَّ «النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى جَوْرَبَيْهِ»، وَلِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْمَشْيُ فِيهِ إذَا كَانَ ثَخِينًا، وَهُوَ أَنْ يَسْتَمْسِكَ عَلَى السَّاقِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْبَطَ بِشَيْءٍ فَأَشْبَهَ الْخُفَّ. وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ مُوَاظَبَةُ الْمَشْيِ فِيهِ إلَّا إذَا كَانَ مُنَعَّلًا وَهُوَ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ، وَعَنْهُ أَنَّهُ رَجَعَ إلَى قولهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَالْبُرْقُعِ وَالْقُفَّازَيْنِ) لِأَنَّهُ لَا حَرَجَ فِي نَزْعِ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ وَالرُّخْصَةُ لَدَفْعِ الْحَرَجِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ) وَلَا يُعَارَضُ بِالْحَدِيثِ فَإِنَّهُ حِكَايَةُ حَالِ لَا تَعُمُّ فَيُحْمَلُ عَلَى الْمُوقِ الصَّالِحِ بَدَلًا عَنْ الرِّجْلِ لِكَوْنِهِ كَالْخُفِّ فِي الْمَقْصُودِ مِنْهُ.
قولهُ: (وَلَهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْخُفِّ) لَا شَكَّ أَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ فَلَا يَصْلُحُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ إلَّا إذَا كَانَ بِطَرِيقِ الدَّلَالَةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ فِي مَعْنَاهُ، وَمَعْنَاهُ السَّاتِرُ لِمَحِلِّ الْفَرْضِ الَّذِي هُوَ بِصَدَدِ مُتَابَعَةِ الْمَشْيِ فِيهِ فِي السَّفَرِ وَغَيْرِهِ لِلْقَطْعِ بِأَنَّ تَعْلِيقَ الْمَسْحِ بِالْخُفِّ لَيْسَ لِصُورَتِهِ الْخَاصَّةِ بَلْ لِمَعْنَاهُ لِلُزُومِ الْحَرَجِ فِي النَّزْعِ الْمُتَكَرِّرِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ خُصُوصًا مَعَ آدَابِ السَّيْرِ، فَإِذَا جَازَ بِالِاتِّفَاقِ الْمَسْحُ عَلَى الْمُكَعَّبِ السَّاتِرِ لِلْكَعْبِ، وَفِي الِاخْتِيَارِ: وَكَذَا إذَا كَانَتْ مُقَدَّمَتُهُ مَشْقُوقَةً إذَا كَانَتْ مَشْدُودَةً أَوْ مَزْرُورَةً لِأَنَّهَا كَالْمَخْرُوزَةِ، فَوَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ هَذَا الْمَعْنَى لَا يَتَحَقَّقُ إلَّا فِي الْمُنَعَّلِ مِنْ الْجَوْرَبِ فَلْيَكُنْ مَحْمَلُ الْحَدِيثِ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، هَذَا إنْ صَحَّ كَمَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ «أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى الْجَوْرَبَيْنِ وَالنَّعْلَيْنِ» وَإِلَّا فَقَدْ نُقِلَ تَضْعِيفُهُ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَابْنِ مَهْدِي وَمُسْلِمٍ. قَالَ النَّوَوِيُّ: كُلٌّ مِنْهُمْ لَوْ انْفَرَدَ قُدِّمَ عَلَى التِّرْمِذِيِّ مَعَ أَنَّ الْجَرْحَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّعْدِيلِ وَوَقَعَ عِنْدَهُمَا أَنَّهُ يُمْكِنُ تَحْقِيقُ ذَلِكَ الْمَعْنَى فِيهِ بِلَا نَعْلٍ مَعَ أَنَّ فَرْضَ الْمَسْأَلَةِ أَنْ يَتَحَقَّقَ كَذَلِكَ، فَتَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِوُجُودِ النَّعْلِ حِينَئِذٍ قَصْرٌ لِلدَّلِيلِ، أَعْنِي الْحَدِيثَ، وَالدَّلَالَةُ عَلَى مُقْتَضَاهُ بِغَيْرِ سَبَبٍ فَلِذَا رَجَعَ الْإِمَامُ إلَى قولهِمَا وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى.

متن الهداية:
(وَيَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى الْجَبَائِرِ وَإِنْ شَدَّهَا عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ) لِأَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فَعَلَهُ وَأَمَرَ عَلِيًّا بِهِ، وَلِأَنَّ الْحَرَجَ فِيهِ فَوْقَ الْحَرَجِ فِي نَزْعِ الْخُفِّ فَكَانَ أَوْلَى بِشَرْعِ الْمَسْحِ، وَيَكْتَفِي بِالْمَسْحِ عَلَى أَكْثَرِهَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَلَا يَتَوَقَّتُ لِعَدَمِ التَّوْقِيتِ بِالتَّوْقِيتِ (وَإِنْ سَقَطَتْ الْجَبِيرَةُ عَنْ غَيْرِ بُرْءٍ لَا يَبْطُلُ الْمَسْحُ) لِأَنَّ الْعُذْرَ قَائِمٌ وَالْمَسْحُ عَلَيْهَا كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَ الْعُذْرُ بَاقِيًا (وَإِنْ سَقَطَتْ عَنْ بُرْءٍ بَطَلَ) لِزَوَالِ الْعُذْرِ، وَإِنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ اسْتَقْبَلَ لِأَنَّهُ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَهُ وَأَمَرَ عَلِيًّا بِهِ) أَمَّا فَعَلَهُ فَرِوَايَةُ الدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَمْسَحُ عَلَى الْجَبَائِرِ» وَضَعَّفَهُ بِأَبِي عُمَارَةَ مُحَمَّدِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ مَهْدِيٍّ قَالَ: وَلَا يَصِحُّ هَذَا، قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: وَصَحَّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ الْمَسْحُ عَلَى الْعِصَابَةِ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَسَاقَ بِسَنَدِهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ تَوَضَّأَ وَكَفُّهُ مَعْصُوبَةٌ فَمَسَحَ عَلَيْهَا وَعَلَى الْعِصَابَةِ وَغَسَلَ سِوَى ذَلِكَ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْحَافِظُ: هُوَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ صَحِيحٌ، وَالْمَوْقُوفُ فِي هَذَا كَالْمَرْفُوعِ لِأَنَّ الْأَبْدَالَ لَا تُنْصَبُ بِالرَّأْيِ، وَأَمَّا أَمْرُهُ عَلِيًّا بِهِ فَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قال: «انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيَّ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَنِي أَنْ أَمْسَحَ عَلَى الْجَبَائِرِ» فِي إسْنَادِهِ عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْوَاسِطِيُّ مَتْرُوكٌ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ اتَّفَقُوا عَلَى ضَعْفِهِ. قَالَ فِي الْمُغْرِبِ: انْكَسَرَتْ إحْدَى زَنْدَيِّ عَلِيٍّ صَوَابُهُ كُسِرَ أَحَدُ زَنْدَيْهِ لِأَنَّ الزَّنْدَ مُذَكَّرٌ وَالزَّنْدَانِ عَظْمًا السَّاعِدِ. ثُمَّ قَدْ اُخْتُلِفَ فِي صِفَةِ الْمَسْحِ، فَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُمَا مُسْتَحَبٌّ عِنْدَهُ لِأَنَّ الْعُذْرَ أَسْقَطَ وَظِيفَةَ الْمَحِلِّ، وَقِيلَ وَاجِبٌ عِنْدَهُ فَرْضٌ عِنْدَهُمَا لِانْتِقَالِ الْوَظِيفَةِ إلَى الْحَائِلِ. وَلَهُ أَنَّ النَّصَّ أَوْجَبَهَا فِي مَحِلٍّ فَلَا تَجُوزُ فِي آخَرَ إلَّا بِنَصٍّ تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِمِثْلِهِ كَخَبَرِ مَسْحِ الْخُفِّ وَلَيْسَ ذَاكَ فِي مَسْحِ الْجَبِيرَةِ فَاعْتُبِرْنَاهُ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ دُونَ فَسَادِ الصَّلَاةِ بِتَرْكِهِ. وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي الْمَجْرُوحِ، أَمَّا الْمَكْسُورُ فَيَجِبُ فِيهِ اتِّفَاقًا وَكَأَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ خَبَرَ الْمَسْحِ عَنْ عَلِيٍّ فِي الْمَكْسُورِ. وَقِيلَ لَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ، فَقولهُمَا بِعَدَمِ جَوَازِ تَرْكِهِ فِيمَنْ لَا يَضُرُّهُ الْمَسْحُ، وَقولهُ بِجَوَازِهِ فِيمَنْ يَضُرُّهُ، وَظَاهِرُ قول الْمُصَنِّفِ وَلِأَنَّ الْحَرَجَ فِيهِ فَوْقَ الْحَرَجِ فِي نَزْعِ الْخُفِّ فَكَانَ أَوْلَى بِشَرْعِيَّةِ الْمَسْحِ أَنَّهُ مِمَّا يَثْبُتُ بِالدَّلَالَةِ فَيَلْزَمُ كَوْنُهُ فَرْضًا لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَى الْخُفِّ فَرْضٌ إنْ لَمْ يُنْزَعْ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ السُّقُوطِ رَأْسًا بِالْعُذْرِ كَمَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ بِهِ لَوْلَا الْوَارِدُ فِي هَذَا مِنْ الْآحَادِ الْمُوجِبَةِ لِانْتِقَالِ الْوَظِيفَةِ إلَى الْحَائِلِ مَسْحًا وَغَايَتُهُ الْوُجُوبُ، فَعَدَمُ الْفَسَادِ بِتَرْكِهِ أَقْعَدُ بِالْأُصُولِ، فَلِذَا قَالَ الْقُدُورِيُّ فِي التَّجْرِيدِ الصَّحِيحِ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ، وَقولهُ فِي الْخُلَاصَةِ إنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَجَعَ إلَى قولهِمَا لَمْ يَشْتَهِرْ شُهْرَةَ نَقِيضِهِ عَنْهُ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ مَعْنَى مَا قِيلَ إنَّ عَنْهُ رِوَايَتَيْنِ.
وَقَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ: الِاعْتِمَادُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَشَرْحِ الزِّيَادَاتِ أَنَّهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَهُ، ثُمَّ الْمَسْحُ عَلَيْهَا إنَّمَا يَجُوزُ إذَا لَمْ يَضُرُّهُ الْغَسْلُ أَوْ الْمَسْحُ عَلَى نَفْسِ الْقُرْحَةِ وَالْجِرَاحَةِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَضُرَّهُ بِالْمَاءِ الْحَارِّ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَجَبَ اسْتِعْمَالُهُ، وَإِذَا زَادَتْ الْجَبِيرَةُ عَلَى نَفْسِ الْجِرَاحَةِ فَإِنْ ضَرَّهُ الْحَلُّ وَالْمَسْحُ مَسَحَ عَلَى الْكُلِّ تَبَعًا مَعَ الْقُرْحَةِ وَإِنْ لَمْ يَضُرَّاهُ غَسَلَ مَا حَوْلِهَا وَمَسَحَهَا نَفْسَهَا، وَإِنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ لَا الْحَلُّ يَمْسَحُ عَلَى الْخِرْقَةِ الَّتِي عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ وَيَغْسِلُ مَا حَوْلَهَا تَحْتَ الْخِرْقَةِ الزَّائِدَةِ إذْ الثَّابِتُ بِالضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، وَلَمْ أَرَ لَهُمْ مَا إذَا ضَرَّهُ الْحَلُّ لَا الْمَسْحُ لِظُهُورِ أَنَّهُ حِينَئِذٍ يَمْسَحُ عَلَى الْكُلِّ، وَهَكَذَا الْكَلَامُ فِي الْعِصَابَةِ إنْ ضَرَّهُ مَسَحَ عَلَيْهَا كُلَّهَا، وَمِنْ ضَرَرِ الْحَلِّ أَنْ يَكُونَ فِي مَكَان لَا يَقْدِرُ عَلَى رَبْطِهَا بِنَفْسِهِ وَلَا يَجِدُ مَنْ يَرْبِطُهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُرْحِ وَالْقُرْحَةِ وَالْكَيِّ وَالْكَسْرِ، وَلَوْ انْكَسَرَ ظُفْرُهُ فَجَعَلَ عَلَيْهِ دَوَاءً أَوْ عَلْكًا أَوْ أَدْخَلَهُ جَلْدَةَ مَرَارَةٍ أَوْ مَرْهَمًا، فَإِنْ كَانَ يَضُرُّهُ نَزْعُهُ مَسَحَ عَلَيْهِ وَإِنْ ضَرَّهُ الْمَسْحُ تَرَكَهُ، وَإِنْ كَانَ بِأَعْضَائِهِ شُقُوقٌ أَمَرَّ عَلَيْهَا الْمَاءَ إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا مَسَحَ عَلَيْهَا إنْ قَدَرَ، وَإِلَّا تَرَكَهَا وَغَسَلَ مَا حَوْلَهَا.
قولهُ: (كَالْغَسْلِ لِمَا تَحْتَهَا مَا دَامَ الْعُذْرُ قَائِمًا) وَلِهَذَا لَوْ مَسَحَ عَلَى عِصَابَةٍ فَسَقَطَتْ فَأَخَذَ أُخْرَى لَا تَجِبُ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ لَكِنَّهُ الْأَحْسَنُ نَقَلَهُ فِي الْخُلَاصَةِ وَلِهَذَا أَيْضًا لَوْ مَسَحَ عَلَى خِرَقِ رِجْلِهِ الْمَجْرُوحَةِ وَغَسَلَ الصَّحِيحَةَ وَلَبِسَ الْخُفَّ عَلَيْهَا ثُمَّ أَحْدَثَ فَإِنَّهُ يَتَوَضَّأُ وَيَنْزِعُ الْخُفَّ لِأَنَّ الْمَجْرُوحَةَ مَغْسُولَةٌ حُكْمًا، وَلَا تَجْتَمِعُ الْوَظِيفَتَانِ فِي الرِّجْلَيْنِ. قَالَ فِي شَرْحِ الزِّيَادَاتِ: وَعَلَى قِيَاسِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ تَرْكَ الْمَسْحِ عَلَى الْجَبَائِرِ وَهُوَ لَا يَضُرُّهُ يَجُوزُ، يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِأَنَّهُ لَمَّا سَقَطَ غَسْلُ الْمَجْرُوحَةِ صَارَتْ كَالذَّاهِبَةِ، هَذَا إذَا لَبِسَ الْخُفَّ عَلَى الصَّحِيحَةِ لَا غَيْرَ، فَإِنْ لَبِسَ عَلَى الْجَرِيحَةِ أَيْضًا بَعْدَمَا مَسَحَ عَلَى جَبِيرَتِهَا فَإِنَّهُ يَمْسَحُ عَلَيْهَا لِأَنَّ الْمَسْحَ عَلَيْهَا كَغَسْلِ مَا تَحْتَهَا.


.بَابُ الْحَيْضِ وَالِاسْتِحَاضَةِ:

(أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا، وَمَا نَقَصَ مِنْ ذَلِكَ فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرُ وَالثَّيِّبُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّقْدِيرِ بِيَوْمٍ وَلَيْلَةٍ. وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّهُ يَوْمَانِ وَالْأَكْثَرُ مِنْ الْيَوْمِ الثَّالِثِ إقَامَةٌ لِلْأَكْثَرِ مَقَامَ الْكُلِّ. قُلْنَا هَذَا نَقْصٌ عَنْ تَقْدِيرِ الشَّرْعِ (وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهَا وَالزَّائِدُ اسْتِحَاضَةٌ) لِمَا رَوَيْنَا، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي التَّقْدِيرِ بِخَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا ثُمَّ الزَّائِدُ وَالنَّاقِصُ اسْتِحَاضَةٌ، لِأَنَّ تَقْدِيرَ الشَّرْعِ يَمْنَعُ إلْحَاقُ غَيْرِهِ بِهِ.
الشَّرْحُ:
(بَابُ الْحَيْضِ):
قِيلَ هُوَ دَمٌ يَنْفُضُهُ رَحِمُ امْرَأَةٍ سَلِيمَةٍ مِنْ الدَّاءِ وَالصِّغَرِ، فَقَيْدُ الرَّحِمِ يُخْرِجُ دَمَ الِاسْتِحَاضَةِ وَالْجِرَاحِ، وَالسَّلِيمَةُ مِنْ الدَّاءِ يُخْرِجُ النِّفَاسَ لِأَنَّ النُّفَسَاءَ فِي حُكْمِ الْمَرِيضَةِ وَلِذَا اُعْتُبِرَ تَبَرُّعَاتُهَا مِنْ الثُّلُثِ، وَحِينَئِذٍ لَفْظُ الصِّغَرِ مُسْتَدْرَكٌ لِأَنَّ الْخَارِجَ فِي الصِّغَرِ اسْتِحَاضَةٌ، وَقَدْ خَرَجَ بِالرَّحِمِ لِأَنَّهُ دَمُ عِرْقٍ لَا رَحِمَ، وَأَيْضًا يَتَكَرَّرُ إخْرَاجُ الِاسْتِحَاضَةِ لِأَنَّ السَّلِيمَةَ مِنْ الدَّاءِ يُخْرِجُهُ كَمَا يُخْرِجُهُ الْأَوَّلُ، وَتَعْرِيفُهُ بِلَا اسْتِدْرَاكٍ وَلَا تَكَرُّرِ دَمٍ مِنْ الرَّحِمِ لَا لِوِلَادَةٍ، ثُمَّ هَذَا التَّعْرِيفُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مُسَمَّى الْحَيْضِ خَبَثٌ، أَمَّا إنْ كَانَ مُسَمَّاهُ الْحَدَثُ الْكَائِنُ عَنْ الدَّمِ الْمُحَرِّمِ لِلتِّلَاوَةِ وَالْمَسِّ كَاسْمِ الْجَنَابَةِ لِلْحَدَثِ الْخَاصِّ لَا لِلْمَاءِ الْخَاصِّ، فَتَعْرِيفُهُ مَانِعِيَّةٌ شَرْعِيَّةٌ بِسَبَبِ الدَّمِ الْمَذْكُورِ عَمَّا اشْتَرَطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ وَعَنْ الصَّوْمِ وَالْمَسْجِدِ وَالْقُرْبَانِ وَالْمُعَرِّفُ لِخُرُوجِهِ مِنْ الرَّحِمِ بَعْدَ خُرُوجِهِ حِسًّا مِنْ الْفَرْجِ مَعَ عَدَمِ الصِّغَرِ وَالْحَبَلِ تَقَدَّمَ نِصَابُ الطُّهْرِ وَعَدَمُ نُقْصَانِهِ عَنْ الْأَقَلِّ، وَأَمَّا زِيَادَتُهُ عَلَى الْأَكْثَرِ بَعْدَ بَقِيَّةِ الشُّرُوطِ فَالزَّائِدُ فِيهِ اسْتِحَاضَةٌ فَالِامْتِدَادُ الْخَاصُّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْعَوَارِضِ مُعَرَّفٌ لَهُ بِالضَّرُورَةِ، وَعَدَمُ الصِّغَرِ يُعْرَفُ بِتَقْدِيرِ أَدْنَى مُدَّةٍ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِيهَا إذَا رَأَتْ الدَّمَ، وَاخْتُلِفَ فِيهَا فَقِيلَ سِتٌّ وَقِيلَ سَبْعٌ وَقِيلَ تِسْعٌ وَقِيلَ اثْنَتَا عَشْرَةَ، وَالْمُخْتَارُ تِسْعٌ، وَأَلْوَانُهُ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ مِنْ التُّرَابِيَّةِ وَالْخُضْرَةِ نَوْعٌ مِنْ الْكُدْرَةِ. وَأَمَّا الصُّفْرَةُ فَلَا شَكَّ أَنَّهَا مِنْ أَلْوَانِهِ فِي سِنِّ الْحَيْضِ. وَأَمَّا فِي سِنِّ الْإِيَاسِ. فَفِي الْفَتَاوَى بِنْتُ سَبْعٍ وَخَمْسِينَ تَرَى صُفْرَةً غَيْرَ خَالِصَةٍ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ، فَإِنْ كَانَ مَا تَرَى مِثْلُ لَوْنِ التِّبْنِ فَحَيْضٌ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَعْرِفُ مِنْ أَيَّامِهَا شَيْئًا تَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ: وَإِنْ كَانَ دُونَ التِّبْنِ فَلَيْسَ بِحَيْضٍ، إلَّا إذَا رَأَتْهُ عَلَى الِاسْتِمْرَارِ وَلَيْسَ بِصُفْرَةٍ خَالِصَةٍ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لِفَسَادِ الرَّحِمِ وَحُكْمُهُ حُرْمَةُ الصَّوْمِ وَالْقُرْبَانِ وَمَا شُرِطَ فِيهِ الطَّهَارَةُ، وَيَثْبُتُ هَذَا الْحُكْمُ بِالْبُرُوزِ. وَعَنْ مُحَمَّدٍ بِالْإِحْسَاسِ بِهِ وَثَمَرَتُهُ تَظْهَرُ فِيمَا لَوْ تَوَضَّأَتْ وَوَضَعَتْ الْكُرْسُفَ ثُمَّ أَحَسَّتْ بِنُزُولِ الدَّمِ إلَيْهِ قَبْلَ الْغُرُوبِ ثُمَّ رَفَعَتْهُ بَعْدَهُ تَقْضِي الصَّوْمَ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا: يَعْنِي إذَا لَمْ يُحَاذِ حَرْفَ الْفَرْجِ الدَّاخِلِ، فَإِنْ حَاذَتْهُ الْبَلَّةُ مِنْ الْكُرْسُفِ كَانَ حَيْضًا وَنِفَاسًا اتِّفَاقًا، وَكَذَا الْحَدَثُ بِالْبَوْلِ وَالِاحْتِشَاءُ حَالَةَ الْحَيْضِ يُسَنُّ لِلثَّيِّبِ وَيُسْتَحَبُّ لِلْبِكْرِ، وَحَالَةُ الطُّهْرِ يُسْتَحَبُّ لِلثَّيِّبِ فَقَطْ، وَلَوْ وَضَعَتْهُ لَيْلًا فَلَمَّا أَصْبَحَتْ رَأَتْ الطُّهْرَ تَقْضِي الْعِشَاءَ، فَلَوْ كَانَتْ طَاهِرَةً فَرَأَتْ الْبَلَّةَ حِينَ أَصْبَحَتْ تَقْضِيهَا أَيْضًا إنْ لَمْ تَكُنْ صَلَّتْهَا قَبْلَ الْوَضْعِ إنْزَالًا لَهَا طَاهِرَةً فِي الصُّورَةِ الْأُولَى مِنْ حِينِ وَضَعَتْهُ وَحَائِضًا فِي الثَّانِيَةِ حِينَ رَفَعَتْهُ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ فِيهِمَا. وَأَدْنَى مُدَّةً يُحْكَمُ بِإِيَاسِهَا إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا خَمْسٌ وَخَمْسُونَ سَنَةً، وَإِذَا حَكَمَ بِهِ ثُمَّ رَأَتْ الدَّمَ انْتَقَضَ ذَلِكَ. قَالَ الصَّدْرُ حُسَامُ الدِّينِ: هَذَا إذَا كَانَ دَمًا خَالِصًا، ثُمَّ إنَّمَا يَنْتَفِضُ بِهِ الْإِيَاسُ فِيمَا تَسْتَقْبِلُ حَتَّى لَا تَفْسُدَ الْأَنْكِحَةُ الْمُبَاشِرَةُ قَبْلَ الْمُعَاوِدَةُ إنْ كَانَ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى لَوْنِ الدَّمِ بَلْ صُفْرَةٌ أَوْ خُضْرَةٌ أَوْ كُدْرَةٌ لَا يُنْتَقَضُ الْحُكْمُ بِالْإِيَاسِ، وَإِذَا رَأَتْ الْمُبْتَدَأَةُ دَمًا فِي سِنٍّ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا فِيهِ تَرَكَتْ الصَّلَاةَ وَالصَّوْمَ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِ بُخَارَى. وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا تَتْرُكُ حَتَّى يَسْتَمِرَّ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَيُسْتَحَبُّ لِلْحَائِضِ أَنْ تَتَوَضَّأَ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَتَجْلِسُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا تُسَبِّحُ وَتُهَلِّلُ كَيْ لَا تَنْسَى الْعَادَةَ.
قولهُ: (لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَلُّ الْحَيْضِ لِلْجَارِيَةِ الْبِكْرِ وَالثَّيِّبِ الثَّلَاثُ وَأَكْثَرُ مَا يَكُونُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا زَادَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: عَبْدُ الْمَلِكِ مَجْهُولٌ، وَالْعَلَاءُ بْنُ كَثِيرٍ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ، وَأَخْرَجَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ «الْحَيْضُ ثَلَاثٌ وَأَرْبَعٌ وَخَمْسٌ وَسِتٌّ وَسَبْعٌ وَثَمَانٍ وَتِسْعٌ وَعَشْرٌ، فَإِذَا زَادَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ» وَقَالَ: لَمْ يَرْوِهِ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ غَيْرَ هَارُونَ بْنِ زِيَادٍ وَهُوَ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ عَنْ أَنَسٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَيْضُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَرْبَعَةٌ وَخَمْسَةٌ وَسِتَّةٌ وَسَبْعَةٌ وَثَمَانِيَةٌ وَتِسْعَةٌ وَعَشْرَةٌ، فَإِذَا جَاوَزَتْ الْعَشَرَةَ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ» وَأَعَلَّهُ بِالْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ وَالْحَدِيثُ مَعْرُوفٌ بِالْجَلَدِ بْنِ أَيُّوبَ. وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَسٍ.
وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْحَسَنِ: لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا جَاوَزَ الْحَدَّ فِي النَّكَارَةِ وَهُوَ إلَى الضَّعْفِ أَقْرَبُ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: هِيَ حَائِضٌ فِيمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ عَشَرَةٍ، فَإِذَا زَادَتْ فَهِيَ مُسْتَحَاضَةٌ. وَرَوَى أَيْضًا: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ أَسْلَمَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَشْعَثَ عَنْ الْحَسَنِ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ قَالَ: لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ مُسْتَحَاضَةً فِي يَوْمِ وَلَا يَوْمَيْنِ وَلَا ثَلَاثَةٍ حَتَّى تَبْلُغَ عَشَرَةً، فَإِذَا بَلَغَتْ عَشَرَةَ أَيَّامٍ كَانَتْ مُسْتَحَاضَةً.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ الدَّقَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: أَخْبَرْنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانٍ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيَّ قَالَ: الْحَائِضُ إذَا جَاوَزَتْ عَشْرَةَ أَيَّامٍ فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَحَاضَةِ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي. وَعُثْمَانُ هَذَا صَحَابِيٌّ.
وَقَالَ أَيْضًا: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمَخْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ: وَحَدَّثَنَا مَخْلَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَامِي قَالَ: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: الْحَيْضُ ثَلَاثَ عَشَرَ وَأَسْنَدَ مِثْلَهُ عَنْ سُفْيَانَ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ» وَضَعَّفَهُ بِجَهَالَةٍ مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، وَضَعَّفَ مُحَمَّدًا بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَنَسٍ. وَرَوَى ابْنُ عَدِيٍّ فِي الْكَامِلِ مِنْ حَدِيثِ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا حَيْضَ دُونَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَا حَيْضَ فَوْقَ عَشْرَةِ أَيَّامٍ» الْحَدِيثَ، وَضَعَّفَهُ بِمُحَمَّدٍ بْنِ سَعِيدٍ الشَّامِيِّ رَمَوْهُ بِالْوَضْعِ، وَأَخْرَجَهُ الْعُقَيْلِيُّ عَنْ مُعَاذٍ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ طُولٍ وَأَعَلَّهُ بِجَهَالَةٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّدَفِيِّ بِالنَّقْلِ. وَرَوَى ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ عَنْ الْخُدْرِيِّ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ وَأَكْثَرُهُ عَشْرٌ، وَأَقَلُّ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا» وَضَعَّفَهُ بِسُلَيْمَانَ الْمَكْنِيِّ أَبَا دَاوُد النَّخَعِيّ. فَهَذِهِ عِدَّةُ أَحَادِيثَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَعَدِّدَةُ الطُّرُقِ، وَذَلِكَ يَرْفَعُ الضَّعِيفَ إلَى الْحَسَنِ وَالْمُقَدَّرَاتُ الشَّرْعِيَّةُ مِمَّا لَا تُدْرَكُ بِالرَّأْيِ، فَالْمَوْقُوفُ فِيمَا حُكْمُهُ الرَّفْعُ، بَلْ تَسْكُنُ النَّفْسُ بِكَثْرَةِ مَا رَوَى فِيهِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إلَى أَنَّ الْمَرْفُوعَ مِمَّا أَجَادَ فِيهِ ذَلِكَ الرَّاوِي الضَّعِيفُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَلَهُ أَصْلٌ فِي الشَّرْعِ، بِخِلَافِ قولهِمْ أَكْثَرُهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَمْ نَعْلَمْ فِيهِ حَدِيثًا حَسَنًا وَلَا ضَعِيفًا، وَإِنَّمَا تَمَسَّكُوا فِيهِ بِمَا رَوَوْهُ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي صِفَةِ النِّسَاءِ «تَمْكُثُ إحْدَاكُنَّ شَطْرَ عُمْرِهَا لَا تُصَلِّي» وَهُوَ لَوْ صَحَّ لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ لِمَا نَذْكُرُ، لَكِنْ قَالَ الْبَيْهَقِيُّ إنَّهُ لَمْ يَجِدْهُ، وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ فِي التَّحْقِيقِ: هَذَا حَدِيثٌ لَا يُعْرَفُ، وَأَقَرَّهُ عَلَيْهِ صَاحِبُ التَّنْقِيحِ.

متن الهداية:
(وَمَا تَرَاهُ الْمَرْأَةُ مِنْ الْحُمْرَةِ وَالصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي أَيَّامِ الْحَيْضِ حَيْضٌ) حَتَّى تَرَى الْبَيَاضَ خَالِصًا (وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا تَكُونُ الْكُدْرَةُ حَيْضًا إلَّا بَعْدَ الدَّمِ) لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مِنْ الرَّحِمِ لَتَأَخَّرَ خُرُوجُ الْكَدِرِ عَنْ الصَّافِي. وَلَهُمَا مَا رَوَى أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا جَعَلَتْ مَا سِوَى الْبَيَاضِ الْخَالِصِ حَيْضًا وَهَذَا لَا يُعْرَفُ إلَّا سَمَاعًا وَفَمُ الرَّحِمِ مَنْكُوسٌ فَيَخْرُجُ الْكَدْرُ أَوَّلًا كَالْجَرَّةِ إذَا ثُقِبَ أَسْفَلُهَا، وَأَمَّا الْخُضْرَةُ فَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمَرْأَةَ إذَا كَانَتْ مِنْ ذَوَاتِ الْأَقْرَاءِ تَكُونُ حَيْضًا وَيُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْغِذَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَرَى غَيْرَ الْخُضْرَةِ تُحْمَلُ عَلَى فَسَادِ الْمَنْبَتِ فَلَا تَكُونُ حَيْضًا.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِمَا رُوِيَ أَنَّ عَائِشَةَ) رَوَى مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ أَبِي عَلْقَمَةَ عَنْ أُمِّهِ مَوْلَاةِ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النِّسَاءُ يَبْعَثْنَ إلَى عَائِشَةَ بِالدِّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ يَسْأَلْنَهَا عَنْ الصَّلَاةِ فَتَقول لَهُنَّ: لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ، تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضِ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا. وَالْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ: بَيَاضٌ يَمْتَدُّ كَالْخَيْطِ. وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفُ بِهَذَا أَوْلَى مِمَّا قِيلَ إنَّ مِنْ خَاصِّيَّةِ الطَّبِيعَةِ دَفْعَ الْكَدْرِ أَوْ لَا فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّهَا لَوْ خَرَجَتْ عَقِيبَ الصَّافِي لَا يَكُونُ حَيْضًا وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ يُجَابُ بِأَنَّهَا إذَا خَرَجَتْ بَعْدَ الصَّافِي يَكُونُ حَيْضًا بِنَاءً عَلَى الْحُكْمِ بِأَنَّهَا حَدَثَتْ الْآنَ لَا أَنَّهَا كَانَتْ مُتَحَصِّلَةً فِي الرَّحِمِ مِنْ ابْتِدَاءِ رُؤْيَةِ الْحَيْضِ وَإِلَّا لَخَرَجَتْ قَبْلَ هَذَا. وَمُقْتَضَى هَذَا الْمَرْوِيِّ أَنَّ مُجَرَّدَ الِانْقِطَاعِ دُونَ رُؤْيَةِ الْقَصَّةِ لَا تَجِبُ مَعَهُ أَحْكَامُ الطَّاهِرَاتِ، وَكَلَامُ الْأَصْحَابِ فِيمَا يَأْتِي كُلُّهُ بِلَفْظِ الِانْقِطَاعِ حَيْثُ يَقولونَ وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُهَا فَكَذَا وَإِذَا انْقَطَعَ فَكَذَا مَعَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ انْقِطَاعٌ بِجَفَافٍ مِنْ وَقْتٍ إلَى وَقْتٍ ثُمَّ تَرَى الْقَصَّةَ، فَإِنْ كَانَتْ الْغَايَةُ الْقَصَّةَ لَمْ تَجِبْ تِلْكَ الصَّلَاةُ، وَإِنْ كَانَ الِانْقِطَاعُ عَنْ سَائِرِ الْأَلْوَانِ وَجَبَتْ، وَأَنَا مُتَرَدِّدٌ فِيمَا هُوَ الْحُكْمُ عِنْدَهُمْ بِالنَّظَرِ إلَى دَلِيلِهِمْ وَعِبَارَتِهِمْ فِي إعْطَاءِ الْأَحْكَامِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَرَأَيْت فِي الْمَرْوِيِّ عَبْدِ الْوَهَّابِ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ رَيْطَةَ مَوْلَاةِ عُمْرَةَ عَنْ عُمْرَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَقول لِلنِّسَاءِ: إذَا أَدْخَلَتْ إحْدَاكُنَّ الْكُرْسُفَةَ فَخَرَجَتْ مُتَغَيِّرَةً فَلَا تُصَلِّي حَتَّى لَا تَرَى شَيْئًا. وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ الْغَايَةَ الِانْقِطَاعُ، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَيَاضِ وَقْتَ الرُّؤْيَةِ، فَلَوْ رَأَتْهُ أَبْيَضَ خَالِصًا إلَّا أَنَّهُ إذَا يَبِسَ اصْفَرَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْبَيَاضِ، أَوْ أَصْفَر وَلَوْ يَبِسَ ابْيَضَّ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الصُّفْرَةِ.
قولهُ: (فَالصَّحِيحُ إلَخْ) احْتِرَازٌ عَنْ قول مَنْ قَالَ: أَكَلْت فَصِيلًا عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ لِكَوْنِهِ حَيْضًا.
قولهُ: (وَإِنْ كَانَتْ كَبِيرَةً لَا تَرَى غَيْرَ الْخُضْرَةِ) يَعْنِي الْآيِسَةَ، وَكَوْنُهَا لَا تَرَى غَيْرَهَا لَيْسَ بِقَيْدٍ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الصَّدْرُ الشَّهِيدُ حُسَامُ الدِّينِ مِمَّا قَدَّمْنَاهُ عَنْهُ أَوَّلَ الْبَابِ مِنْ أَنَّ الشَّرْطَ فِي نَفْيِ كَوْنِ مَا تَرَاهُ حَيْضًا أَنْ لَا تَرَى الدَّمَ الْخَالِصَ.

متن الهداية:
(وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ عَنْ الْحَائِضِ الصَّلَاةَ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهَا الصَّوْمَ وَتَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ) لِقول عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَتْ إحْدَانَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضِهَا تَقْضِي الصِّيَامَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ»، وَلِأَنَّ فِي قَضَاءِ الصَّلَاةِ حَرَجًا لِتَضَاعُفِهَا وَلَا حَرَجَ فِي قَضَاءِ الصَّوْمِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَالْحَيْضُ يُسْقِطُ) يُفِيدُ ظَاهِرًا عَدَمَ تَعَلُّقِ أَصْلِ الْوُجُوبِ بِهَا، وَهَذَا لِأَنَّ تَعَلُّقَهُ يَسْتَتْبِعُ فَائِدَتَهُ، وَهِيَ إمَّا الْأَدَاءُ أَوْ الْقَضَاءُ، وَالْأَوَّلُ مُنْتَفٍ لِقِيَامِ الْحَدَثِ مَعَ الْعَجْزِ عَنْ رَفْعِهِ، وَالثَّانِي كَذَلِكَ فَضْلًا مِنْهُ تَعَالَى دَفْعًا لِلْحَرَجِ اللَّازِمِ بِإِلْزَامِ الْقَضَاءِ لِتَضَاعُفِ الصَّلَاةِ خُصُوصًا فِيمَنْ عَادَتُهَا أَكْثَرُ، فَانْتَفَى الْوُجُوبُ لِانْتِفَاءِ فَائِدَتِهِ لَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهَا لِلْخَطَّابِ وَلِذَا تَعَلَّقَ بِهَا خِطَابُ الصَّوْمِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ، إذْ غَايَةُ مَا تَقْضِي فِي السَّنَةِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا.
قولهُ: (لِقول عَائِشَةَ) لَفْظُ الْحَدِيثِ عَنْ مُعَاذَةَ قَالت: «سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِيَ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ قُلْتُ: لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنَّنِي أَسْأَلُ، قَالَتْ: كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

متن الهداية:
(وَلَا تَدْخُلُ الْمَسْجِدَ) وَكَذَا الْجُنُبُ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي إبَاحَةِ الدُّخُولِ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ وَالْمُرُورِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عَنْ أَفْلَتَ عَنْ جَسْرَةَ بِنْتِ دَجَاجَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالت: «جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوهُ بُيُوتِ أَصْحَابِهِ شَارِعَةٌ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ ثُمَّ دَخَلَ وَلَمْ يَصْنَعْ الْقَوْمُ شَيْئًا رَجَاءَ أَنْ تَنْزِلَ فِيهِمْ رُخْصَةٌ، فَخَرَجَ إلَيْهِمْ فَقَالَ: وَجِّهُوا هَذِهِ الْبُيُوتَ عَنْ الْمَسْجِدِ فَإِنِّي لَا أُحِلُّ الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ وَالْبُخَارِيُّ فِي تَارِيخِهِ الْكَبِيرِ بِزِيَادَةٍ. قَالَ الْبُخَارِيُّ: ضَعِّفُوا هَذَا الْحَدِيثَ، وَقَالُوا: أَفْلَتُ مَجْهُولٌ. قَالَ الْمُنْذَرِي: فِيمَا حَكَاهُ نَظَرٌ، فَإِنَّهُ أَفْلَتُ بْنُ خَلِيفَةَ الْعَامِرِيُّ وَيُقَالُ الذُّهْلِيُّ كُنْيَتُهُ أَبُو حَسَّانٍ حَدِيثُهُ فِي الْكُوفِيِّينَ، رَوَى عَنْهُ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: مَا أَرَى بِهِ بَأْسًا، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: شَيْخٌ، وَحَكَى الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ مِنْ جَسْرَةَ، وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: صَالِحٌ، وَقَالَ الْعَجِلِي فِي جَسْرَةَ: تَابِعِيَّةٌ ثِقَةٌ، وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَهَا عَجَائِبُ، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِي الدِّينِ فِي الْإِمَامِ: رَأَيْت فِي كِتَابِ الْوَهْمِ وَالْإِيهَامِ لِابْنِ الْقَطَّانِ الْمَقْرُوءُ عَلَيْهِ دِجَاجَةً بِكَسْرِ الدَّالِ وَعَلَيْهِ صَحَّ، وَكَتَبَ النَّاسُ فِي الْحَاشِيَةِ بِكَسْرِ الدَّالِ بِخِلَافِ وَاحِدَةِ الدَّجَاجِ.اهـ.
قولهُ: (وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ) فِي إبَاحَتِهِ الدُّخُولُ عَلَى وَجْهِ الْعُبُورِ، وَاسْتَدَلَّ بِقولهِ تَعَالَى وَلَا جُنُبًا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا بِنَاءً عَلَى إرَادَةِ مَكَانِ الصَّلَاةِ بِلَفْظِ الصَّلَاةِ فِي قوله تَعَالَى: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} أَوْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ فِي حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ، وَلَا مُوجِبَ لِلْعُدُولِ عَنْ الظَّاهِرِ إلَّا تَوَهُّمُ لُزُومِ جَوَازِ الصَّلَاةِ جُنُبًا حَالَ كَوْنِهِ عَابِرَ سَبِيلٍ لِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ الْمَنْعِ الْمُغْيَا بِالِاغْتِسَالِ، وَلَيْسَ بِلَازِمٍ لِوُجُوبِ الْحُكْمِ بِأَنَّ الْمُرَادَ جَوَازُهَا حَالَ كَوْنِهِ عَابِرَ سَبِيلٍ: أَيْ مُسَافِرًا بِالتَّيَمُّمِ لِأَنَّ مُؤَدَّى التَّرْكِيبِ لَا تَقْرَبُوهَا جُنُبًا حَتَّى تَغْتَسِلُوا إلَّا حَالَ عُبُورِ السَّبِيلِ فَلَكُمْ أَنْ تَقْرَبُوهَا بِغَيْرِ اغْتِسَالٍ، وَبِالتَّيَمُّمِ يَصْدُقُ أَنَّهُ بِغَيْرِ اغْتِسَالٍ. نَعَمْ يَقْتَضِي ظَاهِرُ الِاسْتِثْنَاءِ إطْلَاقُ الْقُرْبَانِ حَالَ الْعُبُورِ، لَكِنْ يَثْبُتُ اشْتِرَاطُ التَّيَمُّمِ فِيهِ بِدَلِيلٍ آخَرَ وَلَيْسَ هَذَا بِبِدْعٍ، وَعَلَى هَذَا فَالْآيَةُ دَلِيلُهُمَا عَلَى مَنْعِ التَّيَمُّمِ لِلْجُنُبِ الْمُقِيمِ فِي الْمِصْرِ ظَاهِرًا. وَجَوَابُهُ أَنَّهُ خَصَّ حَالَةَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمَاءِ فِي الْمِصْرِ مِنْ مَنْعِهَا كَمَا أَنَّهَا مُطْلَقَةٌ فِي الْمَرِيضِ وَالْإِجْمَاعُ عَلَى تَخْصِيصِ حَالَةِ الْقُدْرَةِ حَتَّى لَا يَتَيَمَّمَ الْمَرِيضُ الْقَادِرُ عَلَى اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، وَهَذَا لِلْعِلْمِ بِأَنَّ شَرْعِيَّتَهُ لِلْحَاجَةِ إلَى الطَّهَارَةِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْمَاءِ، فَإِذَا تَحَقَّقَ فِي الْمِصْرِ جَازَ، وَإِذَا لَمْ يَتَحَقَّقْ فِي الْمَرِيضِ لَا يَجُوزُ. فَإِنْ قِيلَ: فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ حِينَئِذٍ عَلَى أَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثُ وَأَنْتُمْ تَأْبَوْنَهُ. قُلْنَا قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّ مُحَصَّلَهَا لَا تَقْرَبُوهَا جُنُبًا حَتَّى تَغْتَسِلُوا إلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ فَاقْرَبُوهَا بِلَا اغْتِسَالٍ بِالتَّيَمُّمِ، لَا أَنَّ الْمَعْنَى فَاقْرَبُوهَا جُنُبًا بِلَا اغْتِسَالٍ بِالتَّيَمُّمِ بَلْ بِلَا اغْتِسَالٍ بِالتَّيَمُّمِ، فَالرَّفْعُ وَعَدَمُهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ، ثُمَّ اُسْتُفِيدَ كَوْنُهُ رَافِعًا مِنْ خَارِجٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ.

متن الهداية:
(وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ) لِأَنَّ الطَّوَافَ فِي الْمَسْجِدِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَا تَطُوفُ بِالْبَيْتِ) لِأَنَّهُ فِي الْمَسْجِدِ فَيَحْرُمُ، وَلَوْ فَعَلَتْهُ الْحَائِضُ كَانَتْ عَاصِيَةً مُعَاقَبَةً وَتَتَحَلَّلُ بِهِ مِنْ إحْرَامِهَا لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ وَعَلَيْهَا بَدَنَةٌ كَطَوَافِ الْجُنُبِ، هَذَا وَالْأَوْلَى عَدَمُ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّعْلِيلِ الْمَذْكُورِ، فَإِنَّ حُرْمَةَ الطَّوَافِ جُنُبًا لَيْسَ مَنْظُورًا فِيهِ إلَى دُخُولِ الْمَسْجِدِ بِالذَّاتِ، بَلْ لِأَنَّ الطَّهَارَةَ وَاجِبَةٌ فِي الطَّوَافِ، فَلَوْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّةَ مَسْجِدٍ حَرُمَ عَلَيْهَا الطَّوَافُ.

متن الهداية:
(وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا) لِقولهِ تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ}.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَلَا يَأْتِيهَا زَوْجُهَا) وَلَوْ أَتَاهَا مُسْتَحِلًّا كَفَرَ أَوْ عَالِمًا بِالْحُرْمَةِ أَتَى كَبِيرَةً وَوَجَبَتْ التَّوْبَةُ وَيَتَصَدَّقُ بِدِينَارٍ أَوْ بِنِصْفِهِ اسْتِحْبَابًا، وَقِيلَ بِدِينَارٍ إنْ كَانَ أَوَّلَ الْحَيْضِ وَبِنِصْفِهِ إنْ وَطِئَ فِي آخِرِهِ كَأَنَّ قَائِلَهُ رَأَى أَنَّهُ لَا مَعْنَى لِلتَّخْيِيرِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ، وَكَذَا هَذَا الْحُكْمُ لَوْ قَالَتْ حِضْت فَكَذَّبَهَا لِأَنَّ تَكْذِيبَهُ لَا يَعْمَلُ بَلْ تَثْبُتُ الْحُرْمَةُ بِإِخْبَارِهَا، وَأَمَّا الِاسْتِمْتَاعُ بِهَا بِغَيْرِ الْجِمَاعِ فَمَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ يَحْرُمُ عَلَيْهِ مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ وَهُوَ الْمُرَادُ بِمَا تَحْتَ الْإِزَارِ، وَمَذْهَبُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ وَأَحْمَدَ لَا يَحْرُمُ مَا سِوَى الْفَرْجِ لِمَا أَخْرَجَ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْيَهُودَ كَانُوا إذَا حَاضَتْ الْمَرْأَةُ مِنْهُمْ لَمْ يُؤَاكِلُوهَا وَلَمْ يُجَامِعُوهَا فِي الْبُيُوتِ، فَسَأَلْتِ الصَّحَابَةُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ} فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اصْنَعُوا كُلَّ شَيْءٍ إلَّا النِّكَاحَ». وَفِي رِوَايَةٍ «إلَّا الْجِمَاعَ» وَلِلْجَمَاعَةِ مَا عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ «سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ؟ فَقَالَ: لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد، وَسَكَتَ عَلَيْهِ فَهُوَ حُجَّةٌ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا أَوْ صَحِيحًا، فَمِنْهُمْ مَنْ حَسَّنَهُ لَكِنَّ شَارِحَهُ أَبُو زُرْعَةَ الْعِرَاقِيُّ صَرَّحَ بِأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ صَحِيحًا، وَهُوَ فَرْعُ مَعْرِفَةِ رِجَالِ سَنَدِهِ فَثَبَتَ كَوْنُهُ صَحِيحًا، وَحِينَئِذٍ يُعَارِضُ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ خُصُوصًا وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ مُسْلِمًا يُخْرِجُ عَمَّنْ لَمْ يَسْلَمْ مِنْ غَوَائِلِ الْجُرْحِ، وَإِذَنْ فَالتَّرْجِيحُ لَهُ لِأَنَّهُ مَانِعٌ وَذَاكَ مُبِيحٌ، وَأَمَّا تَرْجِيحُ السُّرُوجِيِّ قول مُحَمَّدٍ بِأَنَّ أَحَادِيثَنَا مَفْهُومٌ لَا يُعَارِضُ مَنْطُوقَهُمْ فَغَلَطٌ، لِأَنَّ كَوْنَهَا مَنْطُوقًا فِي الْمُدَّعِي أَوْ مَفْهُومًا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِ الْمُدَّعِي كَيْفَ هُوَ، فَإِنْ جَعَلَتْ الدَّعْوَى قولنَا جَمِيعَ مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنْ امْرَأَتِهِ الْحَائِضِ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ كَانَتْ أَحَادِيثُنَا مَنْطُوقًا: أَعْنِي قولهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَكَ مَا فَوْقَ الْإِزَارِ» جَوَابًا عَنْ قول السَّائِلِ: مَا يَحِلُّ لِي مِنْ امْرَأَتِي الْحَائِضِ؟، فَإِنَّ مَعْنَاهُ: جَمِيعَ مَا يَحِلُّ لَك مَا فَوْقَ الْإِزَارِ، لِأَنَّ مَعْنَى السُّؤَالِ جَمِيعُ مَا يَحِلُّ لِي مَا هُوَ فَيُطَابِقُ الْجَوَابُ السُّؤَالَ، وَإِنْ جُعِلَتْ الدَّعْوَى لَا يَحِلُّ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ وَقَالُوا يَحِلُّ إلَّا مَحَلَّ الدَّمِ كَانَتْ مَفْهُومًا، وَلَا شَكَّ أَنَّ كُلًّا مِنْ الِاعْتِبَارَيْنِ فِي الدَّعْوَى صَحِيحٌ، فَعُلِمَ أَنَّ الْمَفْهُومِيَّةَ غَيْرُ لَازِمَةٍ فِي أَحَادِيثِنَا وَلَا الْمَنْطُوقِيَّةَ، ثُمَّ لَوْ سَلَّمَ كَانَ هَذَا الْمَفْهُومُ أَقْوَى مِنْ الْمَنْطُوقِ لِأَنَّ زِيَادَةَ قُوَّةِ الْمَنْطُوقِ عَلَى الْمَفْهُومِ لَيْسَ إلَّا لِزِيَادَةِ دَلَالَتِهِ عَلَى الْمَعْنَى لِلُزُومِهِ لَهُ وَهَذَا الْمَفْهُومُ وَهُوَ انْتِفَاءُ حِلِّ مَا تَحْتَ الْإِزَارِ مُطْلَقًا، لِمَا كَانَ ثَابِتًا لِوُجُوبِ مُطَابَقَةِ الْجَوَابِ السُّؤَالَ لِدَلَالَةِ خِلَافِهَا عَلَى نُقْصَانٍ فِي الْغَرِيزَةِ أَوْ الْعَجْزِ أَوْ الْخَيْطِ كَانَ ثُبُوتُهُ وَاجِبًا مِنْ اللَّفْظِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَقْبَلُ تَخْصِيصًا وَلَا تَبْدِيلًا لِهَذَا الْعَارِضِ، وَالْمَنْطُوقُ مِنْ حَيْثُ هُوَ مَنْطُوقٌ يَقْبَلُ ذَلِكَ فَلَمْ يَصِحَّ التَّرْجِيحُ فِي خُصُوصِ الْمَادَّةِ بِالْمَنْطُوقِيَّة وَلَا الْمَرْجُوحِيَّةِ بِالْمَفْهُومِيَّةِ، وَقَدْ «كَانَ فِعْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ذَلِكَ فَكَانَ لَا يُبَاشِرُ إحْدَاهُنَّ وَهِيَ حَائِضٌ حَتَّى يَأْمُرَهَا أَنْ تَأْتَزِرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَأَمَّا قوله تَعَالَى: {وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ} فَإِنْ كَانَ نَهْيًا عَنْ الْجِمَاعِ عَيْنًا فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ تَثْبُتَ حُرْمَةٌ أُخْرَى فِي مَحَلٍّ آخَرَ بِالسُّنَّةِ، وَإِيَّاكَ أَنْ تَظُنَّ أَنَّ هَذِهِ مِنْ الزِّيَادَةِ عَلَى النَّصِّ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لِأَنَّ ذَاكَ تَقْيِيدُ مُطْلَقِهِ فَيَقَعُ مَوْقِعُ الْمُعَارِضِ فِي بَعْضِ مُتَنَاوِلَاتِهِ لَا شَرْعَ مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَلَوْ حُمِلَ عَلَى أَعَمَّ مِنْ ذَلِكَ كَانَ الْجِمَاعُ مِنْ أَفْرَادِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ لِتَنَاوُلِهِ حُرْمَةُ الِاسْتِمْتَاعِ بِهَا أَعْنِي الْجِمَاعَ وَغَيْرِهِ مِنْ الِاسْتِمْتَاعَاتِ، ثُمَّ يَظْهَرُ تَخْصِيصُ بَعْضِهَا بِالْحَدِيثِ الْمُفِيدِ لِحِلِّ مَا سِوَى مَا بَيْنَ السُّرَّةِ وَالرُّكْبَةِ فَيُبْقِي مَا بَيْنَهُمَا دَاخِلًا فِي عُمُومِ النَّهْيِ عَنْ قُرْبَانِهِ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ إلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ فِي ثُبُوتِ الْمَطْلُوبِ لِمَا بَيَّنَّا.

متن الهداية:
(وَلَيْسَ لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَالنُّفَسَاءِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ) لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ» وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى مَالِكٍ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْحَائِضِ، وَهُوَ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ مَا دُونَ الْآيَةِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الطَّحَاوِيِّ فِي إبَاحَتِهِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا تَقْرَأُ الْحَائِضُ وَلَا الْجُنُبُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ») رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ، وَفِي إسْنَادِهِ إسْمَاعِيلُ بْنُ عَيَّاشٍ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِيهِ.
وَفِي سُنَنِ الْأَرْبَعَةِ عَنْ عَلِيٍّ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَحْجُبُهُ، أَوْ قَالَ لَا يَحْجِزُهُ عَنْ الْقِرَاءَةِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ» وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: أَهْلُ الْحَدِيثِ لَا يُثْبِتُونَهُ، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: لِأَنَّ مَدَارَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ، وَكَانَ قَدْ كَبِرَ وَأُنْكِرَ عَقْلُهُ وَحَدِيثُهُ، وَإِنَّمَا رَوَى هَذَا بَعْدَ كِبَرِهِ قَالَهُ شُعْبَةُ، لَكِنْ قَدْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ، وَقَالَ: وَلَمْ يَحْتَجَّا بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلِمَةَ وَمَدَارُ الْحَدِيثِ عَلَيْهِ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ كَرِهَ الْقِرَاءَةَ لِلْجُنُبِ، وَقَالَ صَحِيحٌ.
قولهُ: (فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى الطَّحَاوِيِّ فِي إبَاحَتِهِ مَا دُونَ آيَةٍ) ذَكَرَ نَجْمُ الدِّينِ الزَّاهِدُ أَنَّهُ رِوَايَةُ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَنَّ عَلَيْهِ الْأَكْثَرُ. وَوَجْهُهُ أَنَّ مَا دُونَ الْآيَةِ لَا يُعَدُّ بِهَا قَارِئًا، قَالَ تَعَالَى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَقْرَأُ الْجُنُبُ الْقُرْآنَ» فَكَمَا لَا يُعَدُّ قَارِئًا بِمَا دُونَ الْآيَةِ حَتَّى لَا تَصِحَّ بِهَا الصَّلَاةُ كَذَا لَا يُعَدُّ بِهَا قَارِئًا فَلَا يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ، وَقَالُوا: إذَا حَاضَتْ الْمُعَلِّمَةُ تُعَلِّمُ كَلِمَةً كَلِمَةً وَتَقْطَعُ بَيْنَ الْكَلِمَتَيْنِ وَعَلَى قول الطَّحَاوِيِّ نِصْفُ آيَةٍ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ فِي عَدِّ حُرُمَاتِ الْحَيْضِ وَحُرْمَةِ الْقُرْآنِ إلَّا إذَا كَانَتْ آيَةً قَصِيرَةً تَجْرِي عَلَى اللِّسَانِ عِنْدَ الْكَلَامِ كَقولهِ ثُمَّ نَظَرَ وَلَمْ يُولَدْ أَمَّا قِرَاءَةُ مَا دُونَ الْآيَةِ نَحْوَ (بِسْمِ اللَّهِ) وَ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ) إنْ كَانَتْ قَاصِدَةً قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ يُكْرَهُ، وَإِنْ كَانَتْ قَاصِدَةً شُكْرَ النِّعْمَةِ وَالثَّنَاءِ لَا يُكْرَهُ، وَلَا يُكْرَهُ التَّهَجِّي وَقِرَاءَةُ الْقُنُوتِ انْتَهَى وَغَيْرُهُ لَمْ يُقَيَّدْ عِنْدَ قَصْدِ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ بِمَا دُونَ الْآيَةِ، فَصَرَّحَ بِجَوَازِ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ.
وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ: لَا يَنْبَغِي لِلْحَائِضِ وَالْجُنُبِ قِرَاءَةُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ لِأَنَّ الْكُلَّ كَلَامُ اللَّهِ، وَيُكْرَهُ لَهُمَا قِرَاءَةُ دُعَاءِ الْوَتْرِ لِأَنَّ أُبَيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَجْعَلُهُ مِنْ الْقُرْآنِ سُورَتَيْنِ: مِنْ أَوَّلِهِ إلَى اللَّهُمَّ إيَّاكَ نَعْبُدُ سُورَةً، وَمِنْ هُنَا إلَى آخِرِهِ أُخْرَى، وَظَاهِرُ الْمَذْهَبِ لَا يُكْرَهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَأَمَّا قِرَاءَةُ الذِّكْرِ فَأَفَادَ الْمُصَنِّفُ فِي بَابِ الْأَذَانِ فِي مَسْأَلَةِ الْأَذَانِ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ أَنَّ الْوُضُوءَ فِيهِ مُسْتَحَبٌّ.

متن الهداية:
(وَلَيْسَ لَهُمْ مَسُّ الْمُصْحَفِ إلَّا بِغِلَافِهِ، وَلَا أَخْذُ دِرْهَمٍ فِيهِ سُورَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا بِصُرَّتِهِ وَكَذَا الْمُحْدِثُ لَا يَمَسُّ الْمُصْحَفَ إلَّا بِغِلَافِهِ) لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ» ثُمَّ الْحَدَثُ وَالْجَنَابَةُ حَلَّا الْيَدَ فَيَسْتَوِيَانِ فِي حُكْمِ الْمَسِّ وَالْجَنَابَةُ حَلَّتْ الْفَمُ دُونَ الْحَدَثِ فَيَفْتَرِقَانِ فِي حُكْمِ الْقِرَاءَةِ وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُتَجَافِيًا عَنْهُ دُونَ مَا هُوَ مُتَّصِلٌ بِهِ كَالْجِلْدِ الْمُشْرَزِ هُوَ الصَّحِيحُ، وَيُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّهُ تَابِعٌ لَهُ بِخِلَافِ كُتُبِ الشَّرِيعَةِ لِأَهْلِهَا حَيْثُ يُرَخَّصُ فِي مَسِّهَا بِالْكُمِّ لِأَنَّ فِيهِ ضَرُورَةٌ، وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ إلَى الصِّبْيَانِ لِأَنَّ فِي الْمَنْعِ تَضْيِيعَ حِفْظِ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَمْرِ بِالتَّطْهِيرِ حَرَجًا بِهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (لَا يَمَسُّ الْقُرْآنَ إلَّا طَاهِرٌ) هُوَ فِي كِتَابِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ حِينَ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الْيَمَنِ، وَسَيَأْتِي بِكَمَالِهِ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
قولهُ: (ثُمَّ الْجَنَابَةُ حَلَّتْ الْيَدَ إلَخْ) يُفِيدُ جَوَازُ نَظَرِ الْجُنُبِ لِلْقُرْآنِ لِأَنَّهَا لَمْ تَحِلَّ الْعَيْنُ وَلِذَا لَا يَجِبُ غَسْلُهَا، وَأَمَّا مَسُّ مَا فِيهِ ذِكْرٌ فَأَطْلَقَهُ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ.
قولهُ: (وَغِلَافُهُ مَا يَكُونُ مُتَجَافِيًا عَنْهُ) أَيْ مُنْفَصِلًا وَهُوَ الْخَرِيطَةُ خِلَافًا لِمَنْ قَالَ هُوَ الْجِلْدُ أَوْ الْكُمُّ لِأَنَّ الْجِلْدَ الْمُلْصَقَ تَابِعٌ لَهُ حَتَّى يَدْخُلَ فِي بَيْعِهِ بِغَيْرِ شَرْطٍ فَلَمْسُهُ حُكْمُ مَسِّهِ وَالْكُمُّ تَابِعٌ لِلْمَاسِّ فَالْمَسُّ بِهِ كَالْمَسِّ بِيَدِهِ، وَالْمُرَادُ بِقولهِ يُكْرَهُ مَسُّهُ بِالْكُمِّ كَرَاهَةَ التَّحْرِيمِ، وَلِذَا قَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ وَالْحَائِضِ أَنْ يَمَسَّا الْمُصْحَفَ بِكُمِّهِمَا أَوْ بِبَعْضِ ثِيَابِهِمَا لِأَنَّ الثِّيَابَ بِمَنْزِلَةِ يَدَيْهِمَا، أَلَا تَرَى لَوْ قَامَ فِي صَلَاتِهِ عَلَى نَجَاسَةٍ وَفِي رِجْلَيْهِ نَعْلَانِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَلَوْ فَرَشَ نَعْلَيْهِ أَوْ جَوْرَبَيْهِ وَقَامَ عَلَيْهِمَا جَازَتْ، وَخِلَافًا لِمَنْ قَالَ الْمَكْرُوهُ مِنْ الْكِتَابَةِ لَا مَوْضِعَ الْبَيَاضِ، وَأَمَّا الْكِتَابَةُ فَفِي فَتَاوَى أَهْلِ سَمَرْقَنْدَ يُكْرَهُ كِتَابَةُ كِتَابٍ فِيهِ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ يُكْتَبُ بِالْقَلَمِ وَهُوَ فِي يَدِهِ. وَذَكَرَ أَبُو اللَّيْثِ لَا يُكْتَبُ وَإِنْ كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ وَلَوْ كَانَ مَا دُونَ الْآيَةِ، وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا بَأْسَ إذَا كَانَتْ الصَّحِيفَةُ عَلَى الْأَرْضِ، فَقِيلَ هُوَ قول أَبِي يُوسُفَ وَهُوَ أَقْيَسُ، لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ عَلَى الْأَرْضِ كَانَ مَسُّهَا بِالْقَلَمِ وَهُوَ وَاسِطَةٌ مُنْفَصِلَةٌ فَكَانَ كَثَوْبٍ مُنْفَصِلٍ إلَّا أَنْ يَكُونَ يَمَسُّهُ بِيَدِهِ.
وَقَالَ لِي بَعْضُ الْإِخْوَانِ: هَلْ يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِمِنْدِيلٍ هُوَ لَابِسُهُ عَلَى عُنُقِهِ؟ قُلْت: لَا أَعْلَمُ فِيهِ مَنْقولا، وَاَلَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ إذَا كَانَ بِطَرَفِهِ وَهُوَ يَتَحَرَّك بِحَرَكَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ، وَإِنْ كَانَ لَا يَتَحَرَّكُ بِحَرَكَتِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ لِاعْتِبَارِهِمْ إيَّاهُ فِي الْأَوَّلِ تَابِعًا لَهُ كَبَدَنِهِ دُونَ الثَّانِي، قَالُوا فِيمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ عِمَامَةً بِطَرَفِهَا نَجَاسَةً مَانِعَةً: إنْ كَانَ أَلْقَاهُ وَهُوَ يَتَحَرَّكُ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا يَجُوزُ اعْتِبَارًا لَهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَا.
فُرُوعٌ:
تُكْرَهُ كِتَابَةُ الْقُرْآنِ وَأَسْمَاءُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى الدَّرَاهِمِ وَالْمَحَارِيبِ وَالْجُدْرَانِ وَمَا يُفْرَشُ، وَتُكْرَهُ الْقِرَاءَةُ فِي الْمَخْرَجِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا بَأْس فِي الْحَمَّامِ لِأَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ طَاهِرٌ عِنْدَهُ، وَلَوْ كَانَتْ رُقْيَةٌ فِي غِلَافٍ مُتَجَافٍ عَنْهُ لَمْ يُكْرَهْ دُخُولُ الْخَلَاءِ بِهِ وَالِاحْتِرَازُ عَنْ مِثْلِهِ أَفْضَلُ.
قولهُ: (حَيْثُ يُرَخَّصُ فِي مَسِّهَا بِالْكُمِّ) يَقْتَضِي أَنَّهُ يُرَخَّصُ بِلَا كُمٍّ، قَالُوا يُكْرَهُ مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْفِقْهِ وَالسُّنَنِ لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو عَنْ آيَاتِ الْقُرْآنِ، وَهَذَا التَّعْلِيلُ يَمْنَعُ مِنْ شُرُوحِ النَّحْوِ أَيْضًا.
قولهُ: (وَلَا بَأْسَ بِدَفْعِ الْمُصْحَفِ إلَى الصِّبْيَانِ) وَاللَّوْحِ وَإِنْ كَانُوا مُحْدِثِينَ لَا يَأْثَمُ الْمُكَلَّفُ الدَّافِعُ كَمَا يَأْثَمُ بِإِلْبَاسِ الصَّغِيرِ الْحَرِيرَ وَسَقْيِهِ الْخَمْرَ وَتَوْجِيهِهِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي قَضَاءِ حَاجَتِهِ لِلضَّرُورَةِ فِي هَذَا الدَّفْعِ فَإِنَّ فِي أَمْرِهِمْ بِالتَّطْهِيرِ حَرَجًا بَيِّنًا لِطُولِ مَسِّهِمْ بِطُولِ الدَّرْسِ، خِلَافًا لِمَنْ كَرِهَ تَعْلِيمَهُمْ بِالدَّفْعِ إلَيْهِمْ، وَعَنْهُ اُحْتُرِزَ بِقولهِ هُوَ الصَّحِيحُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ لِأَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ أَيَّامٍ لَمْ يَحِلَّ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ) لِأَنَّ الدَّمَ يَدِرُّ تَارَةً وَيَنْقَطِعُ أُخْرَى، فَلَا بُدَّ مِنْ الِاغْتِسَالِ لِيَتَرَجَّحَ جَانِبُ الِانْقِطَاعِ (وَلَوْ لَمْ تَغْتَسِلْ وَمَضَى عَلَيْهَا أَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ بِقَدْرِ أَنْ تَقْدِرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمَةُ حَلَّ وَطْؤُهَا) لِأَنَّ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا فَطَهُرَتْ حُكْمًا. (وَلَوْ كَانَ انْقَطَعَ الدَّمُ دُونَ عَادَتِهَا فَوْقَ الثَّلَاثِ لَمْ يَقْرَبْهَا حَتَّى تَمْضِيَ عَادَتُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ) لِأَنَّ الْعَوْدَ فِي الْعَادَةِ غَالِبٌ فَكَانَ الِاحْتِيَاطُ فِي الِاجْتِنَابِ (وَإِنْ انْقَطَعَ الدَّمُ لِعَشَرَةِ أَيَّامٍ حَلَّ وَطْؤُهَا قَبْلَ الْغُسْلِ) لِأَنَّ الْحَيْضَ لَا مَزِيدَ لَهُ عَلَى الْعَشَرَةِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ قَبْلَ الِاغْتِسَالِ لِلنَّهْيِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالتَّشْدِيدِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَإِذَا انْقَطَعَ دَمُ الْحَيْضِ) حَاصِلُهُ إمَّا أَنْ يُقْطَعَ لِتَمَامِ الْعَشَرَةِ، أَوْ دُونَهَا لِتَمَامِ الْعَادَةِ، أَوْ دُونَهَا. فَفِي الْأَوَّلِ يَحِلُّ وَطْؤُهَا بِمُجَرَّدِ الِانْقِطَاعِ، وَفِي الثَّالِثِ لَا يَقْرَبُهَا وَإِنْ اغْتَسَلَتْ مَا لَمْ تَمْضِ عَادَتُهَا، وَفِي الثَّانِي إنْ اغْتَسَلَتْ أَوْ مَضَى عَلَيْهَا وَقْتُ صَلَاةٍ يَعْنِي خَرَجَ وَقْتُ الصَّلَاةِ حَتَّى صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا حَلَّ وَإِلَّا لَا، وَعَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ انْقِطَاعُ النِّفَاسِ إنْ كَانَ لَهَا عَادَةٌ فِيهَا فَانْقَطَعَ دُونَهَا لَا يَقْرَبُهَا حَتَّى تَمْضِي عَادَتَهَا بِالشَّرْطِ، أَوْ لِتَمَامِهَا حَلَّ إذَا خَرَجَ الْوَقْتُ الَّذِي طَهُرَتْ فِيهِ، أَوْ لِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ حَلَّ مُطْلَقًا. وَجْهُ الْأَوَّلِ أَنَّ فِي الْآيَةِ قِرَاءَتَيْنِ يَطْهُرْنَ يَطَّهَّرْنَ بِالتَّخْفِيفِ وَالتَّشْدِيدِ، وَمُؤَدَّى الْأُولَى انْتِهَاءُ الْحُرْمَةِ الْعَارِضَةِ عَلَى الْحِلِّ بِالِانْقِطَاعِ مُطْلَقًا، وَإِذَا انْتَهَتْ الْحُرْمَةُ الْعَارِضَةُ عَلَى الْحِلِّ حَلَّتْ بِالضَّرُورَةِ. وَمُؤَدَّى الثَّانِيَةِ عَدَمُ انْتِهَائِهَا عِنْدَهُ بَلْ بَعْدَ الِاغْتِسَالِ فَوَجَبَ الْجَمْعُ مَا أَمْكَنَ. فَحَمْلنَا الْأُولَى عَلَى الِانْقِطَاعِ لِأَكْثَرِ الْمُدَّةِ، وَالثَّانِيَةُ عَلَيْهِ لِتَمَامِ الْعَادَةِ الَّتِي لَيْسَتْ أَكْثَرَ مُدَّةِ الْحَيْضِ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِأَنَّ فِي تَوْقِيفِ قُرْبَانِهَا فِي الِانْقِطَاعِ لِلْأَكْثَرِ عَلَى الْغُسْلِ إنْزَالَهَا حَائِضًا حُكْمًا وَهُوَ مُنَافٍ لِحُكْمِ الشَّرْعِ عَلَيْهَا بِوُجُوبِ الصَّلَاةِ الْمُسْتَلْزِمِ إنْزَالُهُ إيَّاهَا طَاهِرَةً قَطْعًا، بِخِلَافِ تَمَامِ الْعَادَةِ فَإِنَّ الشَّرْعَ لَمْ يَقْطَعْ عَلَيْهَا بِالطُّهْرِ بَلْ يَجُوزُ الْحَيْضُ بَعْدَهُ، وَلِذَا لَوْ زَادَتْ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ كَانَ الْكُلُّ حَيْضًا بِالِاتِّفَاقِ عَلَى مَا نُحَقِّقُهُ. بَقِيَ أَنَّ مُقْتَضَى الثَّانِيَةِ ثُبُوتُ الْحُرْمَةِ قَبْلَ الْغُسْلِ فَرَفْعُ الْحُرْمَةِ قَبْلَهُ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ مُعَارَضَةٌ لِلنَّصِّ بِالْمَعْنَى. وَالْجَوَابُ أَنَّ الْقِرَاءَةَ الثَّانِيَةَ خَصَّ مِنْهَا صُورَةُ الِانْقِطَاعِ لِلْعَشَرَةِ بِقِرَاءَةِ التَّخْفِيفِ فَجَازَ أَنْ تَخُصَّ ثَانِيًا بِالْمَعْنَى، وَعَلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا أَنَّ الْمُرَادَ بِأَدْنَى وَقْتِ الصَّلَاةِ أَدْنَاهُ الْوَاقِعُ آخِرًا: أَعْنِي أَنْ تَطْهُرَ فِي وَقْتٍ مِنْهُ إلَى خُرُوجِهِ قَدْرَ الِاغْتِسَالِ وَالتَّحْرِيمِ لَا أَعَمُّ مِنْ هَذَا وَمِنْ أَنْ تَطْهُرَ فِي أَوَّلِهِ وَيَمْضِي مِنْهُ هَذَا الْمِقْدَارَ لِأَنَّ هَذَا لَا يُنْزِلُهَا طَاهِرَةً شَرْعًا كَمَا رَأَيْت بَعْضَهُمْ يُغْلِظُ فِيهِ: أَيْ يَرَى أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ بِأَنَّ تِلْكَ الصَّلَاةَ صَارَتْ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا وَذَلِكَ بِخُرُوجِ الْوَقْتِ وَلِذَا لَمْ يَذْكُرْ غَيْرُ وَاحِدٍ لَفْظَةَ أَدْنَى. وَعِبَارَةُ الْكَافِي أَوْ تَصِيرُ الصَّلَاةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهَا بِمُضِيِّ أَدْنَى وَقْتِ صَلَاةٍ بِقَدْرِ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ بِأَنْ انْقَطَعَتْ فِي آخِرِ الْوَقْتِ. وَجْهُ الثَّالِثِ ظَاهِرٌ مِنْ الْكِتَابِ غَيْرَ أَنَّهُ خِلَافُ إنْهَاءِ الْحُرْمَةِ بِالْغُسْلِ الثَّابِتِ بِقِرَاءَةِ التَّشْدِيدِ فَهُوَ مُخَرَّجٌ مِنْهُ بِالْإِجْمَاعِ.
وَفِي التَّجْنِيسِ: مُسَافِرَةٌ طَهُرَتْ مِنْ الْحَيْضِ فَتَيَمَّمَتْ ثُمَّ وَجَدَتْ مَاءً جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يَقْرَبَهَا لَكِنْ لَا تَقْرَأُ الْقُرْآنَ لِأَنَّهَا لَمَّا تَيَمَّمَتْ خَرَجَتْ مِنْ الْحَيْضِ، فَلَمَّا وَجَدَتْ الْمَاءَ فَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ فَصَارَتْ كَالْجُنُبِ هَذَا فِي حَقِّ الْقُرْبَانِ أَمَّا فِي حَقِّ الصَّلَاةِ: فَفِي الْخُلَاصَةِ: إذَا انْقَطَعَ دَمُ الْمَرْأَةِ دُونَ عَادَتِهَا الْمَعْرُوفَةِ فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ اغْتَسَلَتْ حِينَ تَخَافُ فَوْتَ الصَّلَاةِ وَصَلَّتْ وَاجْتَنَبَ زَوْجُهَا قُرْبَانَهَا احْتِيَاطًا حَتَّى تَأْتِيَ عَلَى عَادَتِهَا لَكِنْ تَصُومُ احْتِيَاطًا، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْحَيْضَةُ هِيَ الثَّالِثَةُ انْقَطَعَتْ الرَّجْعَةُ احْتِيَاطًا وَلَا تَتَزَوَّجُ بِزَوْجٍ آخَرَ احْتِيَاطًا فَإِنْ تَزَوَّجَهَا رَجُلٌ، إنْ لَمْ يُعَاوِدْهَا الدَّمُ جَازَ، وَإِنْ عَاوَدَهَا إنْ كَانَ فِي الْعَشَرَةِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ فَسَدَ نِكَاحُ الثَّانِي، وَكَذَا صَاحِبُ الِاسْتِبْرَاءِ يَجْتَنِبُهَا احْتِيَاطًا انْتَهَى. وَمَفْهُومُ التَّقْيِيدِ بِقولهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى الْعَشَرَةِ أَنَّهُ إذَا زَادَ لَا يَفْسُدُ، وَمُرَادُهُ إذَا كَانَ الْعَوْدُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعَادَةِ أَمَّا قَبْلَهَا فَيَفْسُدُ وَإِنْ زَادَ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ تُوجِبُ الرَّدَّ عَلَى الْعَادَةِ. وَالْفَرْضُ أَنَّهُ عَاوَدَهَا فِيهَا فَيَظْهَرُ أَنَّ النِّكَاحَ قَبْلَ انْقِضَاءِ الْحَيْضَةِ هَذَا. وَقَدْ قَدَّمْت مَا عِنْدِي مِنْ التَّرَدُّدِ فِي الِانْقِطَاعِ بِدُونِ الْقَصَّةِ ثُمَّ التَّأْخِيرُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ بَعْدَ الِانْقِطَاعِ لِمَا دُونَ الْعَادَةِ وَاجِبٌ، فَلَوْ انْقَطَعَ لِتَمَامِهَا تَغْتَسِلُ أَيْضًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ لَكِنْ هَذَا التَّأْخِيرَ اسْتِحْبَابٌ وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا وَلَا تَنْتَظِرُ تَمَامَ الْعَشَرَةِ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ: وَكَذَا إذَا كَانَ هَذَا أَوَّلُ مَا رَأَتْ وَانْقَطَعَ الْحَيْضُ عَلَى خَمْسَةٍ وَالنِّفَاسُ عَلَى عِشْرِينَ وَاغْتَسَلَتْ تَثْبُتُ جَمِيعُ هَذِهِ الْأَحْكَامِ. وَاعْلَمْ أَنَّ مُدَّةَ الِاغْتِسَالِ مُعْتَبَرَةٌ مِنْ الْحَيْضِ فِي الِانْقِطَاعِ لِأَقَلَّ مِنْ الْعَشَرَةِ وَإِنْ كَانَ تَمَامَ عَادَتِهَا، بِخِلَافِ الِانْقِطَاعِ لِلْعَشَرَةِ حَتَّى لَوْ طَهُرَتْ فِي الْأَوَّلِ وَالْبَاقِي قَدْرَ الْغُسْلِ وَالتَّحْرِيمَةِ فَعَلَيْهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ.
وَفِي النَّوَادِرِ: إنْ كَانَ أَيَّامُهَا عَشَرَةً فَطَهُرَتْ وَبَقِيَ قَدْرُ مَا تَتَحَرَّمُ لَزِمَهَا الْفَرْضُ وَلَا يُشْتَرَطُ إمْكَانُ الِاغْتِسَالِ، وَأَجْمَعُوا أَنَّهَا لَوْ طَهُرَتْ وَقَدْ بَقِيَ مَا لَا يَسَعُ التَّحْرِيمَةُ لَا يَلْزَمُهَا، وَمَتَى طَرَأَ الْحَيْضُ فِي أَثْنَاءِ الْوَقْتِ سَقَطَتْ تِلْكَ الصَّلَاةِ وَلَوْ بَعْدَ مَا افْتَتَحَتْ الْفَرْضَ، بِخِلَافِ مَا لَوْ طَرَأَ وَهِيَ فِي التَّطَوُّعِ حَيْثُ يَلْزَمُهَا قَضَاءُ تِلْكَ الصَّلَاةِ، هَذَا مَذْهَبُ عُلَمَائِنَا. وَعِنْدَ زُفَرَ إذَا طَرَأَ وَالْبَاقِي قَدْرُ الصَّلَاةِ لَمْ يَجِبْ قَضَاؤُهَا وَإِنْ كَانَ الْبَاقِي أَقَلَّ وَجَبَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ السَّبَبِيَّةَ تَنْتَقِلُ عِنْدَنَا إلَى آخِرِ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ، وَعِنْدَهُ تَسْتَقِرُّ عَلَى الْجُزْءِ الَّذِي مِنْهُ إلَى آخِرِ الْوَقْتِ مِقْدَارَ الْأَدَاءِ فَيُعْتَبَرُ عِنْدَنَا حَالُ الْمُكَلَّفِ عِنْدَ آخِرِ الْوَقْتِ، وَعِنْدَهُ عِنْدَ ذَلِكَ الْجُزْءُ لِأَنَّهُ مَوْضِعُ تَوَجُّهِ الْخِطَابِ بِالْأَدَاءِ، فَإِذَا وُجِدَ وَهِيَ طَاهِرَةٌ وَجَبَتْ، وَبَعْدَ الْوُجُوبِ لَا تَسْقُطُ بِعُرُوضِ الْحَيْضِ فَتَقْضِيهَا، وَإِذَا وُجِدَ وَهِيَ حَائِضٌ لَمْ تَجِبْ، وَبِنَاءً عَلَى أَنَّ الْوُجُوبَ بِآخِرِ الْوَقْتِ لَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ بِاحْتِلَامٍ وَلَمْ يَسْتَيْقِظْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ الْمُخْتَارُ أَنَّ عَلَيْهِ قَضَاءَ الْعِشَاءِ وَإِنْ كَانَ صَلَّاهَا قَبْلَ النَّوْمِ وَهِيَ وَاقِعَةُ مُحَمَّدٍ سَأَلَهَا أَبَا حَنِيفَةَ فَأَجَابَهُ بِهَذَا وَقِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ، وَالِاتِّفَاقُ أَنَّهُ إذَا اسْتَيْقَظَ قَبْلَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ تَلْزَمُهُ الْعِشَاءُ.

متن الهداية:
قَالَ: (وَالطُّهْرُ إذَا تَخَلَّلَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ فِي مُدَّةِ الْحَيْضِ فَهُوَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي) قَالَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ: وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَوَجْهُهُ أَنَّ اسْتِيعَابَ الدَّمِ مُدَّةَ الْحَيْضِ لَيْسَ بِشَرْطٍ بِالْإِجْمَاعِ فَيُعْتَبَرُ أَوَّلُهُ وَآخِرُهُ كَالنِّصَابِ فِي بَابِ الزَّكَاةِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ وَهُوَ رِوَايَتُهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَقِيلَ هُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا لَا يُفْصَلُ، وَهُوَ كُلُّهُ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي لِأَنَّهُ طُهْرٌ فَاسِدٌ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الدَّمِ، وَالْأَخْذُ بِهَذَا الْقول أَيْسَرُ، وَتَمَامُهُ يُعْرَفُ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشْرَ يَوْمًا) هَكَذَا نُقِلَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا تَوْقِيفًا (وَلَا غَايَةَ لِأَكْثَرِهِ) لِأَنَّهُ يَمْتَدُّ إلَى سَنَةٍ وَسَنَتَيْنِ فَلَا يَتَقَدَّرُ بِتَقْدِيرٍ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ، وَيُعْرَفُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ) هِيَ رِوَايَةُ مُحَمَّدٍ عَنْهُ، وَمُقْتَضَاهَا أَنْ لَا يَبْدَأَ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ، فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَثَمَانِيَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ حَيْضٌ يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا بِهِ وَلَوْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَرَأَتْ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَتِسْعَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ حَيْضًا. وَرَوَى ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ أَنْ يَكُونَ الدَّمُ فِي الْعَشْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَهُوَ قول زُفَرَ. وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ وَبِهِ أَخَذَ أَنَّ الطُّهْرَ إذَا كَانَ أَقَلَّ مِنْ خَمْسَةَ عَشَرَ لَا يُفْصَلُ. وَقِيلَ هُوَ آخِرُ أَقْوَالِ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. وَمُقْتَضَاهُ جَوَازُ افْتِتَاحِ الْحَيْضِ وَاخْتِتَامُهُ بِالطُّهْرِ وَلَا بُدَّ مِنْ احْتِوَاشِ الدَّمِ بِالطَّرَفَيْنِ، فَلَوْ رَأَتْ مُبْتَدَأَةٌ يَوْمًا دَمًا وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا كَانَتْ الْعَشَرَةُ الْأُولَى حَيْضًا يُحْكَمُ بِبُلُوغِهَا بِهِ، وَلَوْ رَأَتْ الْمُعْتَادَةُ قَبْلَ عَادَتِهَا يَوْمًا دَمًا وَعَشَرَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَالْعَشَرَةُ الَّتِي لَمْ تَرَ فِيهَا الدَّمَ حَيْضٌ إنْ كَانَ عَادَتُهَا الْعَشَرَةَ، فَإِنْ كَانَتْ أَقَلَّ رَدَّتْ إلَى أَيَّامِهَا.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ: الطُّهْرُ الْمُتَخَلِّلُ إنْ نَقَصَ عَنْ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ وَلَوْ بِسَاعَةٍ لَا يُفْصَلُ فَإِنْ كَانَ ثَلَاثَةً فَصَاعِدًا، فَإِنْ كَانَ مِثْلَ الدَّمَيْنِ أَوْ أَقَلَّ فَكَذَلِكَ تَغْلِيبًا لِلْحُرُمَاتِ، وَإِنْ كَانَ أَكْثَرَ فُصِلَ ثُمَّ يُنْظَرُ إنْ كَانَ فِي أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُجْعَلَ حَيْضًا فَهُوَ حَيْضٌ وَالْآخَرُ اسْتِحَاضَةٌ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ فَالْكُلُّ اسْتِحَاضَةٌ، وَلَا يُمْكِنُ كَوْنُ كُلٍّ مِنْ الْمُحْتَوِشَيْنِ حَيْضًا لِكَوْنِ الطُّهْرِ حِينَئِذٍ أَقَلَّ مِنْ الدَّمَيْنِ إلَّا إذَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ، فَحِينَئِذٍ يُمْكِنُ فَيُجْعَلُ الْأَوَّلُ حَيْضًا لِسَبْقِهِ لَا الثَّانِي، وَمِنْ أَصْلِهِ أَنْ لَا يَبْدَأَ الْحَيْضُ بِالطُّهْرِ وَلَا يُخْتَمُ بِهِ.
وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قول مُحَمَّدٍ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى قولهِ فِيمَا إذَا اجْتَمَعَ طُهْرَانِ مُعْتَبَرَانِ وَصَارَ أَحَدُهُمَا حَيْضًا لِاسْتِوَاءِ الدَّمِ بِطَرَفَيْهِ حَتَّى صَارَ كَالدَّمِ الْمُتَوَالِي، فَقِيلَ يَتَعَدَّى حُكْمُهُ إلَى الطَّرَفِ الْأَخِيرِ حَتَّى يَصِيرَ الْكُلُّ حَيْضًا، وَقِيلَ لَا يَتَعَدَّى. قَالَ فِي الْمُحِيطِ: هُوَ الْأَصَحُّ. مِثَالُهُ: رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَثَلَاثَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا فَعَلَى الْأَوَّلِ الْكُلُّ حَيْضٌ لِأَنَّ الطُّهْرَ الْأَوَّلَ دَمٌ لِاسْتِوَائِهِ بِدَمَيْهِ فَكَأَنَّهَا رَأَتْ سِتَّةً دَمًا وَأَرْبَعَةً طُهْرًا، وَعَلَى الثَّانِي السِّتَّةُ الْأُولَى حَيْضٌ فَقَطْ.
فَرْعٌ:
عَلَى هَذِهِ الْأُصُولِ رَأَتْ يَوْمَيْنِ دَمًا وَخَمْسَةً طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا وَيَوْمَيْنِ طُهْرًا وَيَوْمًا دَمًا، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ الْعَشَرَةُ الْأُوَلُ حَيْضٌ إنْ كَانَتْ عَادَتَهَا، أَوْ مُبْتَدَأَةً لِأَنَّ الْحَيْضَ يُخْتَمُ بِالطُّهْرِ، وَإِنْ كَانَتْ مُعْتَادَةً فَعَادَتُهَا فَقَطْ لِمُجَاوَزَةِ الدَّمِ الْعَشَرَةَ، وَعَلَى قول مُحَمَّدٍ الْأَرْبَعَةُ الْأَخِيرَةُ فَقَطْ لِأَنَّهُ تَعَذَّرَ جَعْلُ الْعَشَرَةِ حَيْضًا لِاخْتِتَامِهَا بِالطُّهْرِ وَتَعَذَّرَ جَعْلُ مَا قَبْلَ الطُّهْرِ الثَّانِي حَيْضًا لِأَنَّ الْغَلَبَةَ فِيهِ لِلطُّهْرِ فَطَرَحْنَا الدَّمَ الْأَوَّلَ، وَالطُّهْرُ الْأَوَّلُ يَبْقَى بَعْدَهُ يَوْمٌ دَمٌ وَيَوْمَانِ طُهْرٌ وَيَوْمٌ دَمٌ وَالطُّهْرُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثَةٍ فَجَعَلْنَا الْأَرْبَعَةُ حَيْضًا. وَعِنْدَ زُفَرَ: الثَّمَانِيَةُ حَيْضٌ لِاشْتِرَاطِهِ كَوْنَ الدَّمِ ثَلَاثَةَ فِي الْعَشَرَةِ وَلَا يُخْتَمُ عِنْدَهُ بِالطُّهْرِ وَقَدْ وُجِدَ أَرْبَعَةٌ دَمًا، وَكَذَلِكَ هُوَ أَيْضًا عَلَى رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِخُرُوجِ الدَّمِ الثَّانِي عَنْ الْعَشَرَةِ.
فَرْعٌ آخَرُ:
عَادَتُهَا عَشَرَةٌ فَرَأَتْ ثَلَاثَةً وَطَهُرَتْ سِتَّةً عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا يَجُوزُ قُرْبَانُهَا، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَجُوزُ لِأَنَّ الْمُتَوَهِّمَ بَعْدَهُ مِنْ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَالسِّتَّةُ أَغْلَبُ مِنْ الْأَرْبَعَةِ فَيُجْعَلُ الدَّمُ الْأَوَّلُ فَقَطْ حَيْضًا، بِخِلَافِ قول أَبِي يُوسُفَ، وَلَوْ كَانَتْ طَهُرَتْ خَمْسَةً وَعَادَتُهَا تِسْعَةً، اخْتَلَفُوا عَلَى قول مُحَمَّدٍ، قِيلَ لَا يُبَاحُ قُرْبَانُهَا لِاحْتِمَالِ الدَّمِ فِي يَوْمَيْنِ آخَرَيْنِ وَقِيلَ يُبَاحُ وَهُوَ الْأَوْلَى لِأَنَّ الْيَوْمَ الزَّائِدَ مَوْهُومٌ لِأَنَّهُ خَارِجُ الْعَادَةِ، وَفِي نَظْمِ ابْنِ وَهْبَانَ إفَادَةٌ أَنَّ الْمُجِيزَ لِلْقُرْبَانِ يَكْرَهُهُ.
قولهُ: (وَأَقَلُّ الطُّهْرِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا) لِقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَأَقَلُّ مَا بَيْنَ الْحَيْضَتَيْنِ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا» ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَعَزَّاهُ قَاضِي الْقُضَاةِ أَبُو الْعَبَّاسِ إلَى الْإِمَامِ، وَتَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْعِلَلِ الْمُتَنَاهِيَةِ، قِيلَ وَأَجْمَعَتْ الصَّحَابَةُ عَلَيْهِ وَلِأَنَّهُ مُدَّةُ اللُّزُومِ فَكَانَ كَمُدَّةِ الْإِقَامَةِ.
قولهُ: (لِأَنَّهُ قَدْ يَمْتَدُّ سَنَةً وَسَنَتَيْنِ) وَقَدْ لَا تَحِيضُ أَصْلًا فَلَا يُمْكِنُ تَقْدِيرُهُ إلَّا إذَا اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَاحْتِيجَ إلَى نَصْبِ الْعَادَةِ إمَّا بِأَنْ بَلَغَتْ مُسْتَحَاضَةً، وَإِمَّا بِأَنْ بَلَغَتْ بِرُؤْيَةِ عَشَرَةٍ مَثَلًا دَمًا وَسِتَّةً طُهْرًا ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ أَوْ كَانَتْ صَاحِبَةَ عَادَةٍ فَاسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ وَنَسِيَتْ عَدَدَ أَيَّامِهَا وَأَوَّلَهَا وَآخِرَهَا وَدَوْرَهَا، أَمَّا الْأُولَى فَيُقَدَّرُ حَيْضُهَا بِعَشْرَةٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَبَاقِيه طُهْرٌ فَشَهْرٌ عِشْرُونَ وَشَهْرٌ تِسْعَةَ عَشَرَ وَهِيَ الَّتِي سَتَأْتِي، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَقَالَ أَبُو عِصْمَةَ وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ: حَيْضُهَا مَا رَأَتْ وَطُهْرُهَا مَا رَأَتْ، فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِثَلَاثِ سِنِينَ وَثَلَاثِينَ يَوْمًا، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى اعْتِبَارِهِ لِلطَّلَاقِ أَوَّلَ الطُّهْرِ. وَالْحَقُّ أَنَّهُ إنْ كَانَ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ إلَى إيقَاعِ الطَّلَاقِ مَضْبُوطًا فَلَيْسَ هَذَا التَّقْدِيرُ بِلَازِمٍ لِجَوَازِ كَوْنِ حِسَابِهِ يُوجِبُ كَوْنُهُ أَوَّلَ الْحَيْضِ فَيَكُونُ أَكْثَرُ مِنْ الْمَذْكُورِ بِعَشَرَةِ أَيَّامٍ، أَوْ آخِرَ الطُّهْرِ فِيهِ يُقَدَّرُ بِسَنَتَيْنِ وَأَحَدٍ وَثَلَاثِينَ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ وَثَلَاثِينَ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَضْبُوطًا فَيَنْبَغِي بِأَنْ تُزَادَ الْعَشَرَةُ إنْزَالًا لَهُ مُطْلَقًا أَوَّلَ الْحَيْضِ احْتِيَاطًا. وَأَمَّا الثَّالِثَةُ فَيَجِبُ أَنْ تَتَحَرَّى وَتَمْضِي عَلَى أَكْبَرِ رَأْيِهَا، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا رَأْيٌ وَهِيَ الْمُحَيَّرَةُ لَا يُحْكَمُ لَهَا بِشَيْءٍ مِنْ الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ عَلَى التَّعْيِينِ، بَلْ تَأْخُذُ بِالْأَحْوَطِ فِي حَقِّ الْأَحْكَامِ فَتَجْتَنِبُ مَا يَجْتَنِبُهُ الْحَائِضُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَالْمَسِّ وَدُخُولِ الْمَسْجِدِ وَقُرْبَانِ الزَّوْجِ، وَتَغْتَسِلُ لِكُلِّ صَلَاةٍ فَتُصَلِّي بِهِ الْفَرْضَ وَالْوَتْرَ، وَتَقْرَأُ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَقَطْ، وَقِيلَ الْفَاتِحَةُ وَالسُّورَةُ لِأَنَّهُمَا وَاجِبَتَانِ، وَإِنْ حَجَّتْ تَطُوفُ طَوَافَ الزِّيَارَةِ لِأَنَّهُ رُكْنٌ ثُمَّ تُعِيدُهُ بَعْدَ عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَتَطُوفُ لِلصَّدْرِ لِأَنَّهُ وَاجِبٌ وَتَصُومُ شَهْرَ رَمَضَانَ، ثُمَّ تَقْضِي خَمْسَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا لِاحْتِمَالِ كَوْنِهَا حَاضَتْ مِنْ أَوَّلِهِ عَشَرَةً وَمِنْ آخِرِهِ خَمْسَةً أَوْ بِالْعَكْسِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّهَا حَاضَتْ فِي الْقَضَاءِ عَشَرَةً فَتُسَلِّمُ خَمْسَةَ عَشَر بِيَقِينٍ. وَهَلْ يُقَدَّر لَهَا طُهْرٌ فِي حَقِّ الْعِدَّةِ؟ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْ لَهَا طُهْرًا وَلَا تَنْقَضِي عِدَّتُهَا أَبَدًا مِنْهُمْ أَوْ عِصْمَةٌ وَالْقَاضِي أَبُو حَازِمٍ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ لَا يَجُوزُ إلَّا تَوْقِيفًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَدَّرَهُ فَالْمَيْدَانِيُّ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ إلَّا سَاعَةً لِأَنَّ الطُّهْرَ بَيْنَ الدَّمَيْنِ أَقَلُّ مِنْ أَدْنَى مُدَّةِ الْحَبَلِ عَادَةً فَنَقَصْنَا عَنْهُ سَاعَةً فَتَنْقَضِي عِدَّتُهَا بِتِسْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا إلَّا ثَلَاثَ سَاعَاتٍ لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ طَلَّقَهَا أَوَّلَ الطُّهْرِ. قِيلَ وَيَنْبَغِي أَنْ تُزَادَ عَشَرَةً لِمِثْلِ مَا قُلْنَا. وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ شَهْرَانِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي سَهْلٍ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ: سَبْعَةٌ وَخَمْسُونَ يَوْمًا لِأَنَّهُ إذَا زَادَ عَلَيْهِ لَمْ يَبْقَ مَا يُمْكِنُ كَوْنُهُ حَيْضًا، وَقَالَ الزَّعْفَرَانِيُّ: سَبْعَةٌ وَعِشْرُونَ يَوْمًا لِأَنَّ الشَّهْرَ فِي الْغَالِبِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحَيْضِ وَالطُّهْرِ، وَذَكَرَ بُرْهَانُ الدِّينِ عُمَرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قول الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ وَهُوَ التَّقْدِيرُ بِشَهْرَيْنِ.

متن الهداية:
(وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ) كَالرُّعَافِ الدَّائِمِ لَا يَمْنَعُ الصَّوْمَ وَلَا الصَّلَاةَ وَلَا الْوَطْءَ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «تَوَضَّئِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» وَإِذَا عُرِفَ حُكْمُ الصَّلَاةِ ثَبَتَ حُكْمُ الصَّوْمِ وَالْوَطْءُ بِنَتِيجَةِ الْإِجْمَاعِ (وَلَوْ) (زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ) وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ دُونَهَا رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا، وَاَلَّذِي زَادَ اسْتِحَاضَةٌ لِقولهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسلام: «الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا» وَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ مَا زَادَ عَلَى الْعَشَرَةِ فَيُلْحَقُ بِهِ، وَإِنْ ابْتَدَأَتْ مَعَ الْبُلُوغِ مُسْتَحَاضَةً فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَالْبَاقِي اسْتِحَاضَةٌ لِأَنَّا عَرَفْنَاهُ حَيْضًا فَلَا يَخْرُجُ عَنْهُ بِالشَّكِّ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
الشَّرْحُ:
قولهُ: (تَوَضَّئِي وَصَلِّي إلَخْ) رَوَى ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدِهِ إلَى عَائِشَةَ قَالت: «جَاءَتْ فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ إلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: إنِّي امْرَأَةٌ أُسْتَحَاضُ فَلَا أَطْهُرُ أَفَأَدَعُ الصَّلَاةَ؟ فَقَالَ: لَا اجْتَنِبِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ مَحِيضِكِ، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَتَوَضَّئِي لِكُلِّ صَلَاةٍ ثُمَّ صَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ» وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد.
وَفِي سَنَدَيْهِمَا حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ، وَفَسَّرَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ.
وَقَالَ أَبُو دَاوُد: ضَعَّفَ يَحْيَى هَذَا الْحَدِيثَ وَقَالَ ابْنُ الْمَدِينِيِّ: حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ لَمْ يَرَ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ، وَذَكَرَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ هَذَا الْحَدِيثَ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ الْمُزَنِيّ عَنْ عَائِشَةَ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي تَرْجَمَةِ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْهَا، وَهُوَ فِي الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ وَلَيْسَ فِيهِ زِيَادَةٌ «وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ».
قولهُ: (وَلَوْ زَادَ الدَّمُ عَلَى عَشَرَةِ أَيَّامٍ وَلَهَا عَادَةٌ مَعْرُوفَةٌ دُونَهَا رَدَّتْ إلَى أَيَّامِ عَادَتِهَا) فَيَكُونُ الزَّائِدُ عَلَى الْعَادَةِ اسْتِحَاضَةً وَإِنْ كَانَ دَاخِلَ الْعَشَرَةِ، وَهَلْ تَتْرُكُ بِمُجَرَّدِ رُؤْيَتِهَا الزِّيَادَةَ؟ اُخْتُلِفَ فِيهِ، قِيلَ لَا إذَا لَمْ يُتَيَقَّنْ بِكَوْنِهِ حَيْضًا لِاحْتِمَالِ الزِّيَادَةِ عَلَى الْعَشَرَةِ، وَقِيلَ نَعَمْ اسْتِصْحَابًا لِلْحَالِ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ الصِّحَّةُ وَكَوْنُهُ اسْتِحَاضَةً بِكَوْنِهِ عَنْ دَاءٍ وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَإِنْ لَمْ يَتَجَاوَزْ الزَّائِدُ الْعَشَرَةَ فَالْكُلُّ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي أَنَّهُ يَصِيرُ عَادَةً لَهَا أَوَّلًا إلَّا إنْ رَأَتْ فِي الثَّانِي كَذَلِكَ، وَهَذَا بِنَاءً عَلَى نَقْلِ الْعَادَةِ بِمَرَّةٍ أَوْ لَا فَعِنْدَهُمَا لَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ نَعَمْ.
وَفِي الْخُلَاصَةِ، وَالْكَافِي أَنَّ الْفَتْوَى عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ، وَالْخِلَافُ فِي الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ، وَهِيَ أَنْ تَرَى دَمَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ وَطُهْرَيْنِ مُتَّفِقَيْنِ عَلَى الْوَلَاءِ أَوْ أَكْثَرَ لَا الْجَعْلِيَّةِ، وَإِنَّمَا تَظْهَرُ ثَمَرَةُ الْخِلَافِ فِيمَا لَوْ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فِي الشَّهْرِ الثَّانِي، فَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يُقَدَّرُ حَيْضُهَا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ مَا رَأَتْهُ آخِرًا، وَعِنْدَهُمَا عَلَى مَا كَانَ قَبْلَهُ، وَصُورَةُ الْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ أَنْ تَرَى أَطْهَارًا مُخْتَلِفَةً وَدِمَاءً مُخْتَلِفَةً بِأَنْ رَأَتْ فِي الِابْتِدَاءِ خَمْسَةً دَمًا وَسَبْعَةَ عَشَرَ طُهْرًا ثُمَّ أَرْبَعَةً وَسِتَّةَ عَشَرَ ثُمَّ ثَلَاثَةً وَخَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ اسْتَمَرَّ بِهَا الدَّمُ فَعَلَى قول مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ تَبْنِي عَلَى أَوْسَطِ الْأَعْدَادِ، وَعَلَى قول أَبِي عُثْمَانَ سَعِيدِ بْنِ مُزَاحِمٍ تَبْنِي عَلَى أَقَلِّ الْمَرَّتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، فَعَلَى الْأَوَّلِ تَدَعُ مِنْ أَوَّلِ الِاسْتِمْرَارِ أَرْبَعَةً وَتُصَلِّي سِتَّةَ عَشَرَ وَذَلِكَ دَأْبُهَا، وَعَلَى الثَّانِي تَدَعُ ثَلَاثَةً وَتُصَلِّي خَمْسَةَ عَشَرَ فَهَذِهِ عَادَةٌ جَعْلِيَّةٌ لَهَا فِي زَمَانِ الِاسْتِمْرَارِ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتْ جَعْلِيَّةً لِأَنَّهَا جُعِلَتْ عَادَةً لِلضَّرُورَةِ هَكَذَا فِي الْمُصَفَّى، وَفِي غَيْرِهِ مَعْزُوًّا إلَى الْمَبْسُوطِ: إنْ كَانَ حَيْضُهَا مُخْتَلِفًا مَرَّةً تَحِيضُ خَمْسَةً وَمَرَّةً سَبْعَةً فَاسْتُحِيضَتْ فَإِنَّهَا تَدَعُ الصَّلَاةَ خَمْسَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ تَغْتَسِلُ لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا مِنْ الْحَيْضِ، وَتُصَلِّي يَوْمَيْنِ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ لِأَنَّهَا مُسْتَحَاضَةٌ، وَلَا يَقْرَبُهَا زَوْجُهَا فِي هَذَيْنِ الْيَوْمَيْنِ وَلَوْ كَانَ آخِرَ عِدَّتِهَا لَيْسَ لِلزَّوْجِ مُرَاجَعَتُهَا فِيهِمَا، وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَتَزَوَّجَ بِآخَرَ فِيهِمَا ثُمَّ تَغْتَسِلُ بَعْدَهُمَا لِتَوَهُّمِ خُرُوجِهَا الْآنَ فَتَأْخُذُ بِالِاحْتِيَاطِ فِي كُلِّ جَانِبٍ: وَهَذَا التَّفْصِيلُ خِلَافُ مَا فِي الْمُصَفَّى وَهُوَ الْأَلْيَقُ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ الْخُلَاصَةِ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهَا تَأْخُذُ بِالْأَقَلِّ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَانْقِطَاعِ الرَّجْعَة وَبِالْأَكْثَرِ فِي التَّزَوُّجِ وَتُعِيدُ الِاغْتِسَالَ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْعَادَةِ الْجَعْلِيَّةِ إذَا طَرَأَتْ عَلَى الْعَادَةِ الْأَصْلِيَّةِ هَلْ تَنْتَقِضُ الْأَصْلِيَّةَ؟ قَالَ أَئِمَّةُ بَلْخٍ: لَا لِأَنَّهَا دُونَهَا، وَقَالَ أَئِمَّةُ بُخَارَى. نَعَمْ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ تَتَكَرَّرَ فِي الْجَعْلِيَّةِ خِلَافَ مَا كَانَ فِي الْأَصْلِيَّةِ كَمَا أَرَيْتُك فِي صُورَتِهَا، وَالْجَعْلِيَّةُ تُنْتَقَضُ: بِرُؤْيَةِ الْمُخَالِفِ مَرَّةً بِالِاتِّفَاقِ، هَذَا فِي الِانْتِقَالِ مِنْ حَيْثُ الْعَدَدِ، وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ حَيْثُ الْمَكَانِ وَهُوَ فِي الْمُتَقَدِّمِ وَالْمُتَأَخِّرِ، فَالْأَوَّلُ خَمْسَةُ أَوْجُهٍ: رَأَتْ الْمُعْتَادَةُ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا، وَفِي أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا، أَوْ رَأَتْ قَبْلَهَا مَا لَا يَكُونُ وَكَذَا فِيهَا وَإِذَا جُمِعَا كَانَا حَيْضًا، أَوْ رَأَتْ قَبْلَهَا مَا يَكُونُ وَلَمْ تَرَ فِيهَا شَيْئًا لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ حَيْضًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالْأَمْرُ مَوْقُوفٌ إلَى الشَّهْرِ الثَّانِي فَإِنْ رَأَتْ فِيهِ كَذَلِكَ يَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا، غَيْرَ أَنَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ بِطَرِيقِ الْعَادَةِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ بِطَرِيقِ الْبَدَلِ، وَلَوْ رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا وَفِيهَا مَا يَكُونُ فَالْكُلُّ حَيْضٌ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا قَبْلَ أَيَّامِهَا تَبَعٌ لِأَيَّامِهَا الِاسْتِبَاعُ الْكَثِيرُ الْقَلِيلَ، وَقُيِّدَ فِي الْخُلَاصَةِ كَوْنُ الْكُلِّ حَيْضًا بِأَنْ لَا يُجَاوِزَ الْمَجْمُوعُ الْعَشَرَةَ وَهُوَ حَسَنٌ وَإِلَّا تَرُدُّ إلَى عَادَتِهَا، وَلَوْ رَأَتْ قَبْلَهَا مَا يَكُونُ وَفِيهَا كَذَلِكَ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ، وَكَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُتَأَخِّرِ غَيْرَ أَنَّهَا إذَا رَأَتْ بَعْدَ أَيَّامِهَا مَا لَا يَكُونُ حَيْضًا، وَفِي أَيَّامِهَا مَا يَكُونُ حَيْضًا يَكُونُ حَيْضًا رِوَايَةً وَاحِدَةً كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ. وَقول أَبِي يُوسُفَ فِي الْكُلِّ يَكُونُ حَيْضًا عَادَةً وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى، وَلَا يَظْهَرُ وَجْهٌ لِلتَّقْيِيدِ بِكَوْنِ الْمَرْئِيِّ بَعْدَ أَيَّامِهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّهُ إذَا زَادَ الدَّمُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْعَشَرَةَ يَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا بِحُكْمِ مَا تَقَدَّمَ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ لَوْ كَانَ عَادَتُهَا ثَلَاثَةً فَرَأَتْ سَبْعَةً يَكُونُ الْكُلُّ حَيْضًا وَكَانَ الْأَوْلَى التَّقْيِيدُ، بِأَنْ لَا يَحْصُلَ مِنْ الْمَرْئِيِّ بَعْدَهَا مَعَهَا أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةٍ، وَكَذَا لَوْ رَأَتْ عَادَتَهَا وَقَبْلَهَا وَبَعْدَهَا مَا يَزِيدُ الْكُلُّ عَلَى عَشَرَةٍ فَعَادَتُهَا فَقَطْ حَيْضٌ، وَمِنْ الرَّدِّ إلَى الْعَادَةِ امْرَأَةٌ قَالَتْ عَادَتِي فِي الْحَيْضِ عَشَرَةٌ وَفِي الطُّهْرِ عِشْرُونَ، وَالْآنَ أَرَى الطُّهْرَ خَمْسَةَ عَشَرَ ثُمَّ أَرَى الدَّمَ تُؤْمَرُ بِالصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ إلَى تَمَامِ الْعِشْرِينَ ثُمَّ تَتْرُكُ فِي الْعَشَرَةِ، وَمَا ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي آخِرِ الْفَصْلِ الثَّالِثِ إذَا رَأَتْ قَبْلَ أَيَّامِهَا وَالْبَاقِي مِنْ أَيَّامِ طُهْرِهَا مَا لَوْ ضَمَّ إلَى أَيَّامِ حَيْضِهَا لَا يُجَاوِزُ الْعَشَرَةَ تُؤْمَرُ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ، يَصِحُّ مُطْلَقًا عَلَى قول أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الْقَائِلِ بِالْإِبْدَالِ، وَعَلَى قول أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّمَا يَلْزَمُ إذَا كَانَ مَا قَبْلَ أَيَّامِهَا لَا يَكُونُ حَيْضًا، فَإِنْ كَانَ فَعَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَاهُمَا آنِفًا.
قولهُ: (الْمُسْتَحَاضَةُ تَدَعُ الصَّلَاةَ إلَخْ) رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّحَاوِيُّ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ الْمَذْكُورِ آنِفًا قال: «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِكِ ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي وَإِنْ قَطَرَ الدَّمُ عَلَى الْحَصِيرِ».
قولهُ: (وَلِأَنَّ الزَّائِدَ عَلَى الْعَادَةِ يُجَانِسُ الزَّائِدَ عَلَى الْعَشَرَةِ) مِنْ جِهَةِ أَنَّهُ زِيَادَةٌ عَلَى الْمُقَدَّرِ، إذْ الْمُقَدَّرُ الْعَادِي كَالْمُقَدَّرِ الشَّرْعِيِّ فَالزَّائِدُ عَلَيْهِ كَالزَّائِدِ عَلَيْهِ، وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْمَعْهُودِ.
قولهُ: (فَحَيْضُهَا عَشَرَةُ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ) تَقَدَّمَتْ هَذِهِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيهَا أَنَّ حَيْضَهَا ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ فِي حَقِّ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَعَشَرَةٌ فِي حَقِّ الْوَطْءِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ، كَذَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ، وَفِيهَا الْخُنْثَى إذَا خَرَجَ لَهُ دَمٌ وَمَنِيٌّ فَالْعِبْرَةُ لِلْمَنِيِّ.