فصل: باب بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ طَلِيعَةً وَحْدَهُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب بَعْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزُّبَيْرَ طَلِيعَةً وَحْدَهُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب بعث النبي صلى الله عليه وسلم الزبير طليعة وحده‏)‏ ذكر فيه حديث جابر وهو الحديث الرابع عشر من إجازة خبر الواحد؛ وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب الجهاد‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمَدِينِيِّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَدَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ ثَلَاثًا فَقَالَ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ قَالَ سُفْيَانُ حَفِظْتُهُ مِنْ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ وَقَالَ لَهُ أَيُّوبُ يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْهُمْ عَنْ جَابِرٍ فَإِنَّ الْقَوْمَ يُعْجِبُهُمْ أَنْ تُحَدِّثَهُمْ عَنْ جَابِرٍ فَقَالَ فِي ذَلِكَ الْمَجْلِسِ سَمِعْتُ جَابِرًا فَتَابَعَ بَيْنَ أَحَادِيثَ سَمِعْتُ جَابِرًا قُلْتُ لِسُفْيَانَ فَإِنَّ الثَّوْرِيَّ يَقُولُ يَوْمَ قُرَيْظَةَ فَقَالَ كَذَا حَفِظْتُهُ مِنْهُ كَمَا أَنَّكَ جَالِسٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ قَالَ سُفْيَانُ هُوَ يَوْمٌ وَاحِدٌ وَتَبَسَّمَ سُفْيَانُ

الشرح‏:‏

حديث جابر وهو الحديث الرابع عشر من إجازة خبر الواحد؛ وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب الجهاد ‏"‏ وقوله ‏"‏ حفظته من ابن المنكدر ‏"‏ يعني محمدا ‏"‏ وقال له أيوب ‏"‏ يعني السختياني ‏"‏ يا أبا بكر ‏"‏ هي كنية محمد بن المنكدر ويكنى أيضا أبا عبد الله وله أخ آخر يقال له أبو بكر بن المنكدر اسمه كنيته، وقوله ‏"‏ندب ‏"‏ أي دعا وطلب؛ وقوله ‏"‏ انتدب ‏"‏ أي أجاب فأسرع، وقوله ‏"‏فتتابع ‏"‏ كذا لهم بمثناتين، وللكشميهني ‏"‏ فتابع ‏"‏ بتاء واحدة، وقوله ‏"‏بين أحاديث ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أربعة أحاديث‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قلت لسفيان‏)‏ يعني ابن عيينة والقائل هو علي بن المديني شيخ البخاري فيه‏.‏

قوله ‏(‏فإن الثوري يقول يوم قريظة‏)‏ قلت لم أره عند أحد ممن أخرجه من رواية سفيان الثوري عن محمد بن المنكدر بلفظ ‏"‏ يوم قريظة ‏"‏ إلا عند ابن ماجه فإنه أخرجه عن علي بن محمد عن وكيع كذلك فلعل ابن المديني حمله عن وكيع فقال وقد أخرجه البخاري في ‏"‏ الجهاد ‏"‏ عن أبي نعيم، وفي ‏"‏ المغازي ‏"‏ عن محمد بن كثير، وأخرجه مسلم في ‏"‏ المناقب ‏"‏ وابن ماجه من طريق وكيع والترمذي من رواية أبي داود الحفري، ومسلم أيضا والنسائي من رواية أبي أسامة كلهم عن سفيان الثوري بهذه القصة، فأما مسلم فلم يسق لفظه بل أحال به على رواية سفيان بن عيينة، وأما البخاري فقال في كل منهما يوم الأحزاب وكذا الباقون، ووقع في رواية هشام بن عروة عن ابن المنكدر عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم الخندق ‏"‏ من يأتيني بخبر بني قريظة ‏"‏ فلعل هذا سبب الوهم ثم وجدت الإسماعيلي نبه على ذلك فقال‏:‏ إنما طلب النبي صلى الله عليه وسلم يوم الخندق خبر بني قريظة ثم ساق من طريق فليح بن سليمان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال ‏"‏ ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الخندق من يأتيه بخبر بني قريظة ‏"‏ قال فالحديث صحيح يعني تحمل رواية من قال يوم قريظة أي اليوم الذي أراد أن يعلم فيه خبرهم لا اليوم الذي غزاهم فيه وذلك مراد سفيان بقوله إنه ‏"‏ يوم واحد‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قال سفيان‏)‏ هو ابن عيينة ‏(‏هو يوم واحد‏)‏ يعني ‏"‏ يوم الخندق ويوم قريظة ‏"‏ وهذا إنما يصح على إطلاق اليوم على الزمان الذي يقع فيه الأمر الكبير سواء قلت أيامه أو كثرت كما يقال ‏"‏ يوم الفتح ‏"‏ ويراد به الأيام التي أقام فيها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة لما فتحها وكذا وقعة الخندق دامت أياما آخرها لما انصرفت الأحزاب ورجع النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى منازلهم جاءه جبريل عليه السلام بين الظهر والعصر فأمره بالخروج إلى بني قريظة فخرجوا وقال ‏"‏ لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة ‏"‏ ثم حاصرهم أياما حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، وقد تقدم جميع ذلك مبينا في ‏"‏ كتاب المغازي‏"‏‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ فَإِذَا أَذِنَ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول الله لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم‏)‏ كذا للجميع‏.‏

قوله ‏(‏فإذا أذن له واحد جاز‏)‏ وجه الاستدلال به أنه لم يقيده بعدد فصار الواحد من جملة ما يصدق عليه وجود الإذن، وهو متفق على العمل به عند الجمهور حتى اكتفوا فيه بخبر من لم تثبت عدالته لقيام القرينة فيه بالصدق، ثم ذكر فيه حديثين

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي مُوسَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ الْبَابِ فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ

الشرح‏:‏

حديث أبي موسى في استئذانه على النبي صلى الله عليه وسلم لما كان في الحائط لأبي بكر، ثم لعمر ثم لعثمان وفي كل منهما قال ‏"‏ ائذن له ‏"‏ وهو الحديث الخامس عشر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ عَنْ يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ وَغُلَامٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ فَقُلْتُ قُلْ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَأَذِنَ لِي

الشرح‏:‏

حديث عمر في قصة المشربة، وفيه فقلت أي للغلام الأسود ‏"‏ قل هذا عمر بن الخطاب فأذن لي ‏"‏ وهو طرف من حديث طويل تقدم في تفسير سورة التحريم وهو السادس عشر، وأراد البخاري أن صيغة يؤذن لكم على البناء للمجهول تصح للواحد فما فوقه، وأن الحديث الصحيح بين الاكتفاء بالواحد على مقتضى ما تناوله لفظ الآية فيكون فيه حجة لقبول خبر الواحد، وقد تقدم شرح حديث أبي موسى في ‏"‏ المناقب ‏"‏ وتقدم شرح ما يتعلق بآية الاستئذان مستوعبا في تفسير سورة الأحزاب‏.‏

وقال ابن التين قوله هنا في حديث أبي موسى ‏"‏ وأمرني بحفظ الباب ‏"‏ مغاير لقوله في الرواية الماضية ‏"‏ ولم يأمرني بحفظه ‏"‏ فأحدهما وهم‏.‏

قلت‏:‏ بل هما جميعا محفوظان فالنفي كان في أول ما جاء ‏"‏ فدخل النبي صلى الله عليه وسلم الحائط فجلس أبو موسى في الباب‏.‏

وقال لأكونن اليوم بواب النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فقوله ‏"‏ ولم يأمرني بحفظه ‏"‏ كان في تلك الحالة ثم لما جاء أبو بكر واستأذن له فأمره أن يأذن له أمره حينئذ بحفظ الباب، تقريرا له على ما فعله ورضا به، إما تصريحا فيكون الأمر له بذلك حقيقة، وإما لمجرد التقرير فيكون الأمر مجازا، وعلى الاحتمالين لا وهم، وقد تقدم له توجيه آخر في مناقب أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنه‏.‏

*3*باب مَا كَانَ يَبْعَثُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَالرُّسُلِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ بِكِتَابِهِ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى قَيْصَرَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما كان يبعث النبي صلى الله عليه وسلم من الأمراء والرسل واحدا بعد واحد‏)‏ تقدم بيانه في أول هذه الأبواب مجملا وقد سبق إلى ذلك أيضا الشافعي فقال ‏"‏ بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم سراياه وعلى كل سرية واحد، وبعث رسله إلى الملوك إلى كل ملك واحد، ولم تزل كتبه تنفذ إلى ولاته بالأمر والنهي فلم يكن أحد من ولاته يترك إنفاذ أمره، وكذا كان الخلفاء بعده ‏"‏ انتهى فإما أمراء السرايا فقد استوعبهم محمد بن سعد في ‏"‏ الترجمة النبوية ‏"‏ وعقد لهم بابا سماهم فيه على الترتيب‏.‏

وأما ‏"‏ أمراء البلاد ‏"‏ التي فتحت فإنه صلى الله عليه وسلم أمر على مكة عتاب بن أسيد، وعلى الطائف عثمان بن أبي العاص، وعلى البحرين العلاء بن الحضرمي، وعلى عمان عمرو بن العاص، وعلى نجران أبا سفيان بن حرب وأمر على صنعاء وسائر جبال اليمن بأذان ثم ابنه شهر وفيروز والمهاجر بن أبي أمية وأبان بن سعيد بن العاص وأمر على السواحل أبا موسى، وعلى الجند وما معها معاذ بن جبل وكان كل منهما يقضي في عمله ويسير فيه، وكانا ربما التقيا كما تقدم، وأمر أيضا عمرو بن سعيد بن العاص على وادي القرى، ويزيد بن أبي سفيان على تيماء، وثمامة بن أثال على اليمامة‏.‏

فأما ‏"‏ أمراء السرايا والبعوث ‏"‏ فكانت إمرتهم تنتهي بانتهاء تلك الغزوة‏.‏

وأما ‏"‏ أمراء القرى ‏"‏ فإنهم استمروا فيها ‏"‏ ومن أمرائه أبو بكر على الحج سنة تسع، وعلى لقسمة الغنيمة وأفراد الخمس باليمن وقراءة سورة براءة على المشركين في حجة أبي بكر، وأبو عبيدة لقبض الجزية من البحرين، وعبد الله بن رواحة لخرص خيبر إلى أن استشهد في غزوة مؤتة، ومنهم عماله لقبض الزكوات، كما تقدم قريبا في قصة ابن اللتيبة‏.‏

وأما ‏"‏ رسوله إلى الملوك ‏"‏ فسمى منهم دحية وعبد الله ابن حذافة وهما في هذه الترجمة‏.‏

وأخرج مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث رسله إلى الملوك يعني الذين كانوا في عصره‏.‏

قلت‏:‏ قد استوعبهم محمد بن سعد أيضا وأفردهم بعض المتأخرين في جزء تتبعهم من ‏"‏ أسد الغابة ‏"‏ لابن الأثير ثم ذكر فيه ثلاثة أحاديث، الأول‏:‏ قوله ‏(‏وقال ابن عباس بعث النبي صلى الله عليه وسلم دحية الكلبي بكتابه إلى عظيم بصرى أن يدفعه إلى قيصر‏)‏ هو طرف من الحديث الطويل المذكور ‏"‏ في بدء الوحي ‏"‏ وتقدم شرحه هناك وتسميته ‏"‏ عظيم بصرى ‏"‏ وكيفية إرساله الكتاب المذكور إلى هرقل وهذا التعليق ثبت في رواية الكشميهني وحده هنا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ يَدْفَعُهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏يونس‏)‏ هو ابن يزيد الأيلي‏.‏

قوله ‏(‏بعث بكتابه إلى كسرى فأمره أن يدفعه إلى عظيم البحرين‏)‏ كذا هنا والضمير في قوله ‏"‏ فأمره ‏"‏ للمبعوث الذي دل عليه قوله ‏"‏ بعث ‏"‏ وقد تقدم في أواخر المغازي، وإن الرسول عبد الله بن حذافة السهمي الذي تقدمت قصته قريبا في السرية، وقوله ‏"‏فحسبت أن ابن المسيب ‏"‏ القائل هو ابن شهاب كما تقدم بيانه هناك‏.‏

قوله ‏(‏أن يمزقوا كل ممزق‏)‏ فيه تلميح بما أخبر الله تعالى أنه فعل بأهل سبأ وأجاب الله تعالى هذه الدعوة، فسلط شيرويه على والده كسرى أبرويز الذي مزق الكتاب فقتله‏.‏

وملك بعده فلم يبق إلا يسيرا حتى مات والقصة مشهورة‏.‏

تنبيه‏:‏ وقع للزركشي هنا خبط، فإنه قال عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث بكتابه إلى كسرى كذا وقع في الأمهات ولم يذكر فيه ‏"‏ دحية ‏"‏ بعد قوله ‏"‏ بعث ‏"‏ والصواب إثباته وقد ذكره في رواية الكشميهني تعليقا فقال‏:‏ قال ابن عباس ‏"‏ بعث النبي صلى الله عليه وسلم دحية بكتابه إلى عظيم بصرى وأن يدفعه إلى قيصر ‏"‏ وهو الصواب انتهى، وكأنه توهم أن القصتين واحدة وحمله على ذلك كونهما من رواية ابن عباس؛ والحق أن المبعوث لعظيم بصرى هو دحية، والمبعوث لعظيم البحرين وإن لم يسم في هذه الرواية فقد سمي في غيرها وهو عبد الله بن حذافة، ولو لم يكن في الدليل على المغايرة بينهما إلا بعدما بين بصرى والبحرين فإن بينهما نحو شهر، وبصرى كانت في مملكة هرقل ملك الروم، والبحرين كانت في مملكة كسرى ملك الفرس، وإنما نبهت على ذلك مع وضوحه خشية أن يغتر به من ليس له اطلاع على ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِرَجُلٍ مِنْ أَسْلَمَ أَذِّنْ فِي قَوْمِكَ أَوْ فِي النَّاسِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ

الشرح‏:‏

حديث سلمة بن الأكوع في صيام يوم عاشوراء، وقد تقدم شرحه في ‏"‏ كتاب الصيام ‏"‏ و ‏"‏ يحيى ‏"‏ المذكور في السند هو ابن سعيد القطان، ‏"‏ والرجل من أسلم ‏"‏ هو هند بن أسماء بن حارثة كما تقدم، والله أعلم‏.‏

*3*باب وَصَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وُفُودَ الْعَرَبِ أَنْ يُبَلِّغُوا مَنْ وَرَاءَهُمْ

قَالَهُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب وصاة النبي صلى الله عليه وسلم وفود العرب أن يبلغوا من وراءهم‏)‏ الوصاة بالقصر بمعنى الوصية والواو مفتوحة ويجوز كسرها وقد تقدم بيان ذلك في أوائل ‏"‏ كتاب الوصايا ‏"‏ وذكر فيه حديثين أحدهما‏:‏ قوله ‏(‏قال مالك بن الحويرث‏)‏ يشير إلى حديثه المذكور قريبا أول هذه الأبواب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ح و حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُقْعِدُنِي عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ لِي إِنَّ وَفْدَ عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ الْوَفْدُ قَالُوا رَبِيعَةُ قَالَ مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ أَوْ الْقَوْمِ غَيْرَ خَزَايَا وَلَا نَدَامَى قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارَ مُضَرَ فَمُرْنَا بِأَمْرٍ نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ وَنُخْبِرُ بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا فَسَأَلُوا عَنْ الْأَشْرِبَةِ فَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ وَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ أَمَرَهُمْ بِالْإِيمَانِ بِاللَّهِ قَالَ هَلْ تَدْرُونَ مَا الْإِيمَانُ بِاللَّهِ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ قَالَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ وَأَظُنُّ فِيهِ صِيَامُ رَمَضَانَ وَتُؤْتُوا مِنْ الْمَغَانِمِ الْخُمُسَ وَنَهَاهُمْ عَنْ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ وَرُبَّمَا قَالَ الْمُقَيَّرِ قَالَ احْفَظُوهُنَّ وَأَبْلِغُوهُنَّ مَنْ وَرَاءَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏وحدثني إسحاق‏)‏ هو ابن راهويه كذا ثبت في رواية أبي ذر فأغنى عن تردد الكرماني هل هو إسحاق ابن منصور أو ابن إبراهيم، و ‏"‏ النضر ‏"‏ هو ابن شميل ‏"‏ وأبو جمرة ‏"‏ بالجيم‏.‏

قوله ‏(‏كان ابن عباس يقعدني على سريره‏)‏ قد تقدم السبب في ذلك في باب ترجمان الحاكم وإنه كان يترجم بينه وبين الناس لما يستفتونه، ووقع في رواية إسحاق بن راهويه في مسنده أن النضر بن شميل وعبد الله بن إدريس قالا ‏"‏ حدثنا شعبة ‏"‏ فذكره وفيه ‏"‏ يجلسني معه على السرير فأترجم بينه وبين الناس‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏إن وفد عبد القيس‏)‏ تقدم شرح قصتهم في ‏"‏ كتاب الإيمان ‏"‏ ثم في ‏"‏ كتاب الأشربة ‏"‏ والغرض منه قوله في آخره ‏"‏ احفظوهن وأبلغوهن من وراءكم ‏"‏ فإن الأمر بذلك يتناول كل فرد، فلولا أن الحجة تقوم بتبليغ الواحد ما حضهم عليه‏.‏

*3*باب خَبَرِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب خبر المرأة الواحدة‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمرو به وبما في البابين قبله تكمل الأحاديث اثنين وعشرين حديثا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِيِّ قَالَ قَالَ لِي الشَّعْبِيُّ أَرَأَيْتَ حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَاعَدْتُ ابْنَ عُمَرَ قَرِيبًا مِنْ سَنَتَيْنِ أَوْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ هَذَا قَالَ كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِمْ سَعْدٌ فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ فَنَادَتْهُمْ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ فَأَمْسَكُوا

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُوا أَوْ اطْعَمُوا فَإِنَّهُ حَلَالٌ أَوْ قَالَ لَا بَأْسَ بِهِ شَكَّ فِيهِ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِي

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن توبة‏)‏ بمثناة مفتوحة وسكون الواو بعدها موحدة هو ‏"‏ ابن كيسان ‏"‏ يسمى أبا المورع بتشديد الراء والإهمال و ‏"‏ العنبري ‏"‏ بفتح المهملة والموحدة بينهما نون ساكنة نسبة إلى بني العنبر بطن شهير من بني تميم‏.‏

قوله ‏(‏أرأيت حديث الحسن‏)‏ أي البصري، والرؤيا هنا بصرية، والاستفهام للإنكار، كان الشعبي ينكر على من يرسل الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إشارة إلى أن الحامل لفاعل ذلك طلب الإكثار من التحديث عنه وإلا لكان يكتفي بما سمعه موصولا‏.‏

وقال الكرماني مراد الشعبي أن الحسن مع كونه تابعيا كان يكثر الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وابن عمر مع كونه صحابيا يحتاط ويقل من ذلك مهما أمكن‏.‏

قلت‏:‏ وكأن ابن عمر اتبع رأي أبيه في ذلك‏.‏

فإنه كان يحض على قلة التحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم لوجهين أحدهما‏:‏ خشية الاشتغال عن تعلم القرآن وتفهم معانيه، والثاني‏:‏ خشية أن يحدث عنه بما لم يقله، لأنهم لم يكونوا يكتبون فإذا طال العهد لم يؤمن النسيان وقد أخرج سعيد بن منصور بسند آخر صحيح عن الشعبي عن قرظة بن كعب عن عمر قال ‏"‏ أقلوا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنا شريككم ‏"‏ وتقدم شيء مما يتعلق بهذا في ‏"‏ كتاب العلم ‏"‏ وقوله ‏"‏ وقاعدت ابن عمر ‏"‏ الجملة حالية والمراد أنه جلس معه المدة المذكورة، وقوله ‏"‏قريبا من سنتين أو سنة ونصف ‏"‏ ووقع عند ابن ماجه من طريق عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي قال ‏"‏ جالست ابن عمر سنة ‏"‏ فيجمع بأن مدة مجالسته كانت سنة وكسرا فألغى الكسر تارة وجبره أخرى، وكان الشعبي جاور بالمدينة أو بمكة وإلا فهو كوفي، وابن عمر لم تكن له إقامة بالكوفة‏.‏

قوله ‏(‏فلم أسمعه يحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا‏)‏ أشار إلى الحديث الذي يريد أن يذكره وكأنه استحضره بذهنه إذ ذاك‏.‏

قوله ‏(‏كان ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فيهم سعد فذهبوا يأكلون من لحم‏)‏ هكذا أورد القصة مختصرة، وأوردها في الذبائح مبينة، وتقدم لفظه هناك، وعند الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة ‏"‏ فأتوا بلحم ضب‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فنادتهم امرأة من بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ هي ميمونة وقد تقدم بيانه في ‏"‏ كتاب الأطعمة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فإنه حلال أو قال لا بأس به شك فيه‏)‏ هو قول شعبة والذي شك في أي اللفظين قال‏:‏ هو توبة الراوي عن ابن عمر بين ذلك محمد بن جعفر في روايته عن شعبة، أخرجه أحمد في مسنده عنه وقد تقدم الكلام على لحم الضب في ‏"‏ كتاب الصيد والذبائح ‏"‏ مستوفى في رواية عبد الله بن دينار عن ابن عمر في الضب لا أحله ولا أحرمه، وأنها لا تخالف قوله هنا فإنه حلال ‏"‏ ولكنه ليس من طعامي ‏"‏ أي ليس من المألوف له فلذلك ترك أكله لا لكونه حراما‏.‏

خاتمة‏:‏ اشتمل ‏"‏ كتاب الأحكام ‏"‏ وما بعده من التمني وإجازة خبر الواحد من الأحاديث المرفوعة على مائة حديث وثلاثة وستين حديثا، المعلق منها وما في حكمه سبعة وثلاثون طريقا وسائرها موصول، المكرر منه فيه وفيما مضى مائة حديث وتسعة وأربعون حديثا؛ والخالص أربعة عشر حديثا شاركه مسلم في تخريجها سوى حديث أبي هريرة ‏"‏ إنكم ستحرصون ‏"‏ وحديث أبي أيوب في البطانة، وحديث أبي هريرة فيها وحديث ابن عمر في بيعة عبد الملك وحديث عمر في بيعة أبي بكر الثانية، وحديث أبي بكر في قصة وفد بزاخة‏.‏

وفي التمني سبعة وعشرون حديثا كلها مكررة منها ستة طرق معلقة وفي خبر الواحد اثنان وعشرون حديثا كلها مكررة منها طريق واحد معلق وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم ثمانية وخمسون أثرا، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏