فصل: باب فِي الْحَوْضِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب فِي الْحَوْضِ

وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب في الحوض‏)‏ أي حوض النبي صلى الله عليه وسلم، وجمع الحوض حياض وأحواض وهو مجمع الماء، وإيراد البخاري لأحاديث الحوض بعد أحاديث الشفاعة وبعد نصب الصراط إشارة منه إلى أن الورود على الحوض يكون بعد نصب الصراط والمرور عليه، وقد أخرج أحمد والترمذي من حديث النضر بن أنس عن أنس قال‏:‏ ‏"‏ سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يشفع لي، فقال‏:‏ أنا فاعل، فقلت‏:‏ أين أطلبك‏؟‏ قال‏:‏ اطلبني أول ما تطلبني على الصراط‏.‏

قلت‏:‏ فإن لم ألقك‏؟‏ قال‏:‏ أنا عند الميزان‏.‏

قلت‏:‏ فإن لم ألقك‏؟‏ قال‏:‏ أنا عند الحوض ‏"‏ وقد استشكل كون الحوض بعد الصراط بما سيأتي في بعض أحاديث هذا الباب أن جماعة يدفعون عن الحوض بعد أن يكادوا يردون ويذهب بهم إلى النار، ووجه الإشكال أن الذي يمر على الصراط إلى أن يصل إلى الحوض يكون قد نجا من النار فكيف يرد إليها‏؟‏ ويمكن أن يحمل على أنهم يقربون من الحوض بحيث يرونه ويرون النار فيدفعون إلى النار قبل أن يخلصوا من بقية الصراط‏.‏

وقال أبو عبد الله القرطبي في ‏"‏ التذكرة ‏"‏‏:‏ ذهب صاحب ‏"‏ القوت ‏"‏ وغيره إلى أن الحوض يكون بعد الصراط، وذهب آخرون إلى العكس، والصحيح، أن للنبي صلى الله عليه وسلم حوضين أحدهما في الموقف قبل الصراط والآخر داخل الجنة وكل منهما يسمى كوثرا‏.‏

قلت‏:‏ وفيه نظر لأن الكوثر نهر داخل الجنة كما تقدم ويأتي، وماؤه يصب في الحوض، ويطلق على الحوض كوثر لكونه يمد منه، فغاية ما يؤخذ من كلام القرطبي أن الحوض يكون قبل الصراط، فإن الناس يردون الموقف عطاشى فيرد المؤمنون الحوض وتتساقط الكفار في النار بعد أن يقولوا ربنا عطشنا، فترفع لهم جهنم كأنها سراب فيقال‏:‏ ألا تردون‏؟‏ فيظنونها ماء فيتساقطون فيها‏.‏

وقد أخرج مسلم من حديث أبي ذر أن الحوض يشخب فيه ميزابان من الجنة، وله شاهد من حديث ثوبان، وهو حجة على القرطبي لا له، لأنه قد تقدم أن الصراط جسر جهنم وأنه بين الموقف والجنة وأن المؤمنين يمرون عليه لدخول الجنة، فلو كان الحوض دونه لحالت النار بينه وبين الماء الذي يصب من الكوثر في الحوض، وظاهر الحديث أن الحوض بجانب الجنة لينصب فيه الماء من النهر الذي داخلها، وفي حديث ابن مسعود عند أحمد ‏"‏ ويفتح نهر الكوثر إلى الحوض ‏"‏ وقد قال القاضي عياض‏:‏ ظاهر قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الحوض ‏"‏ من شرب منه لم يظمأ بعدها أبدا ‏"‏ يدل على أن الشرب منه يقع بعد الحساب والنجاة من النار، لأن ظاهر حال من لا يظمأ أن لا يعذب بالنار، ولكن يحتمل أن من قدر عليه التعذيب منهم أن لا يعذب فيها بالظمأ بل بغيره‏.‏

قلت‏:‏ ويدفع هذا الاحتمال أنه وقع في حديث أبي بن كعب عند ابن أبي عاصم في ذكر الحوض ‏"‏ ومن لم يشرب منه لم يرو أبدا ‏"‏ وعند عبد الله بن أحمد في زيادات المسند في الحديث الطويل عن لقيط بن عامر أنه ‏"‏ وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ونهيك بن عاصم، قال‏:‏ فقدمنا المدينة عند انسلاخ رجب فلقينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حين انصرف من صلاة الغداة ‏"‏ الحديث بطوله في صفة الجنة والبعث وفيه ‏"‏ تعرضون عليه بادية له صفا حكم لا تخفى عليه منكم خافية فيأخذ غرفة من ماء فينضح بها قبلكم فلعمر إلهك ما يخطئ وجه أحدكم قطرة، فأما المسلم فتدع وجهه مثل الريطة البيضاء، وأما الكافر فتخطمه مثل الخطام الأسود، ثم ينصرف نبيكم وينصرف على أثره الصالحون فيسلكون جسرا من النار، يطأ أحدكم الجمرة فيقول‏:‏ حس، فيقول ربك أوانه إلا، فيطلعون على حوض الرسول على أظماء والله ناهلة رأيتها أبدا ما يبسط أحد منكم يده إلا وقع على قدح ‏"‏ الحديث‏.‏

وأخرجه ابن أبي عاصم في السنة والطبراني والحاكم، وهو صريح في أن الحوض قبل الصراط‏.‏

قوله ‏(‏وقول الله تعالى إنا أعطيناك الكوثر‏)‏ أشار إلى أن المراد بالكوثر النهر الذي يصب في الحوض فهو مادة الحوض كما جاء صريحا في سابع أحاديث الباب، ومضى في تفسير سورة الكوثر من حديث عائشة نحوه مع زيادة بيان فيه، وتقدم الكلام على حديث ابن عباس أن الكوثر هو الخير الكثير، وجاء إطلاق الكوثر على الحوض في حديث المختار بن فلفل عن أنس في ذكر الكوثر ‏"‏ هو حوض ترد عليه أمتي ‏"‏ وقد اشتهر اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بالحوض، لكن أخرج الترمذي من حديث سمرة رفعه ‏"‏ إن لكل نبي حوضا ‏"‏ وأشار إلى أنه اختلف في وصله وإرساله وأن المرسل أصح‏.‏

قلت‏:‏ والمرسل أخرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لكل نبي حوضا وهو قائم على حوضه بيده عصا يدعو من عرف من أمته، إلا أنهم يتباهون أيهم أكثر تبعا، وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعا، وأخرجه الطبراني من وجه آخر عن سمرة موصولا مرفوعا مثله وفي سنده لين‏.‏

وأخرج ابن أبي الدنيا أيضا من حديث أبي سعيد رفعه ‏"‏ وكل نبي يدعو أمته ولكل نبي حوض، فمنهم من يأتيه الفئام ومنهم من يأتيه العصبة ومنهم من يأتيه الواحد ومنهم من يأتيه الاثنان ومنهم من لا يأتيه أحد، وإني لأكثر الأنبياء تبعا يوم القيامة ‏"‏ وفي إسناده لين، وإن ثبت فالمختص بنبينا صلى الله عليه وسلم الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره ووقع الامتنان عليه به في السورة المذكورة قال القرطبي في ‏"‏ المفهم ‏"‏ تبعا للقاضي عياض في غالبه‏:‏ مما يجب على كل مكلف أن يعلمه ويصدق به أن الله سبحانه وتعالى قد خص نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بالحوض المصرح باسمه وصفته وشرابه في الأحاديث الصحيحة الشهيرة التي يحصل بمجموعها العلم القطعي، إذ روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة نيف على الثلاثين، منهم في الصحيحين ما ينيف على العشرين وفي غيرهما بقية ذلك مما صح نقله واشتهرت رواته، ثم رواه عن الصحابة المذكورين من التابعين أمثالهم ومن بعدهم أضعاف أضعافهم وهلم جرا، وأجمع على إثباته السلف وأهل السنة من الخلف، وأنكرت ذلك طائفة من المبتدعة وأحالوه على ظاهره وغلوا في تأويله من غير استحالة عقلية ولا عادية تلزم من حمله على ظاهره وحقيقته، ولا حاجة تدعو إلى تأويله، فخرق من حرفه إجماع السلف وفارق مذهب أئمة الخلف‏.‏

قلت‏:‏ أنكره الخوارج وبعض المعتزلة، وممن كان ينكره عبيد الله بن زياد أحد أمراء العراق لمعاوية وولده، فعند أبي داود من طريق عبد السلام بن أبي حازم قال‏:‏ شهدت أبا برزة الأسلمي دخل على عبيد الله بن زياد فحدثني فلان وكان في السماط فذكر قصة فيها أن ابن زياد ذكر الحوض فقال هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر فيه شيئا‏؟‏ فقال أبو برزة‏:‏ نعم لا مرة ولا مرتين ولا ثلاثا ولا أربعا ولا خمسا فمن كذب به فلا سقاه الله منه‏.‏

وأخرج البيهقي في البعث من طريق أبي حمزة عن أبي برزة نحوه، ومن طريق يزيد بن حبان التيمي‏:‏ شهدت زيد بن أرقم وبعث إليه ابن زياد فقال‏:‏ ما أحاديث تبلغني أنك تزعم أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حوضا في الجنة‏؟‏ قال‏:‏ حدثنا بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وعند أحمد من طريق عبد الله بن بريدة عن أبي سبرة بفتح المهملة وسكون الموحدة الهذلي قال‏:‏ قال عبيد الله بن زياد‏:‏ ما أصدق بالحوض، وذلك بعد أن حدثه أبو برزة والبراء وعائذ بن عمرو، فقال له أبو سبرة بعثني أبوك في مال إلى معاوية فلقيني عبد الله بن عمرو فحدثني وكتبته بيدي من فيه أنه ‏"‏ سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ موعدكم حوضي ‏"‏ الحديث فقال ابن زياد حينئذ‏:‏ أشهد أن الحوض حق وعند أبي يعلى من طريق سليمان بن المغيرة عن ثابت عن أنس ‏"‏ دخلت على ابن زياد وهم يذكرون الحوض فقال هذا أنس، فقلت‏:‏ لقد كانت عجائز بالمدينة كثيرا ما يسألن ربهن أن يسقيهن من حوض نبيهن ‏"‏ وسنده صحيح‏.‏

وروينا في فوائد العيسوي وهو في البعث للبيهقي من طريقه بسند صحيح عن حميد عن أنس نحوه وفيه ‏"‏ ما حسبت أن أعيش حتى أرى مثلكم ينكر الحوض ‏"‏ وأخرج البيهقي أيضا من طريق يزيد الرقاشي عن أنس في صفة الحوض ‏"‏ وسيأتيه قوم ذابلة شفاههم لا يطعمون منه قطرة، من كذب به اليوم لم يصب الشرب منه يومئذ ‏"‏ ويزيد ضعيف لكن يقويه ما مضى، ويشبه أن يكون الكلام الأخير من قول أنس‏.‏

قال عياض‏:‏ أخرج مسلم أحاديث الحوض عن ابن عمر وأبي سعيد وسهل بن سعد وجندب وعبد الله بن عمرو وعائشة وأم سلمة وعقبة بن عامر وابن مسعود وحذيفة وحارثة بن وهب والمستورد وأبي ذر وثوبان وأنس وجابر بن سمرة، قال‏:‏ ورواه غير مسلم عن أبي بكر الصديق وزيد بن أرقم وأبي أمامة وأسماء بنت أبي بكر وخولة بنت قيس وعبد الله بن زيد وسويد بن جبلة وعبد الله الصنابحي والبراء بن عازب‏.‏

وقال النووي بعد حكاية كلامه مستدركا عليه‏:‏ رواه البخاري ومسلم من رواية أبي هريرة ورواه غيرهما من رواية عمر وعائذ بن عمرو وآخرين، وجمع ذلك كله البيهقي في البعث بأسانيده وطرقه المتكاثرة‏.‏

قلت‏:‏ أخرجه البخاري في هذا الباب عن الصحابة الذين نصب عياض لمسلم تخريجه عنهم إلا أم سلمة وثوبان وجابر بن سمرة وأبا ذر، وأخرجه أيضا عن عبد الله بن زيد وأسماء بنت أبي بكر وأخرجه مسلم عنهما أيضا وأغفلهما عياض، وأخرجاه أيضا عن أسيد بن حضير، وأغفل عياض أيضا نسبة الأحاديث، وحديث أبي بكر عند أحمد وأبي عوانة وغيرهما، وحديث زيد بن أرقم عند البيهقي وغيره، وحديث خولة بنت قيس عند الطبراني، وحديث أبي أمامة عند ابن حبان وغيره، وأما حديث سويد بن جبلة فأخرجه أبو زرعة الدمشقي في مسند الشاميين وكذا ذكر ابن منده في الصحابة وجزم ابن أبي حاتم بأن حديثه مرسل، وأما حديث عبد الله الصنابحي فغلط عياض في اسمه وإنما هو الصنابح بن الأعسر وحديثه عند أحمد وابن ماجه بسند صحيح ولفظه ‏"‏ إني فرطكم على الحوض، وإني مكاثر بكم ‏"‏ الحديث فإن كان كما ظننت وكان ضبط اسم الصحابي وأنه عبد الله فتزيد العدة واحدا لكن ما عرفت من خرجه من حديث عبد الله الصنابحي وهو صحابي آخر غير عبد الرحمن بن عسيلة الصنابحي التابعي المشهور وقول النووي إن البيهقي استوعب طرقه يوهم أنه أخرج زيادة على الأسماء التي ذكرها حيث قال وآخرين، وليس كذلك فإنه لم يخرج حديث أبي بكر الصديق ولا سويد ولا الصنابحي ولا خولة ولا البراء، وإنما ذكره عن عمر وعن عائذ بن عمرو وعن أبي برزة ولم أر عنده زيادة إلا من مرسل يزيد بن رومان في نزول قوله تعالى ‏(‏إنا أعطيناك الكوثر‏)‏ وقد جاء فيه عمن لم يذكروه جميعا من حديث ابن عباس كما تقدم في تفسير سورة الكوثر، ومن حديث كعب بن عجرة عند الترمذي والنسائي وصححه الحاكم، ومن حديث جابر بن عبد الله عند أحمد والبزار بسند صحيح وعن بريدة عند أبي يعلى، ومن حديث أخي زيد بن أرقم ويقال إن اسمه ثابت عند أحمد، ومن حديث أبي الدرداء عند ابن أبي عاصم في السنة وعند البيهقي في الدلائل، ومن حديث أبي بن كعب وأسامة بن زيد وحذيفة بن أسيد وحمزة بن عبد المطلب ولقيط بن عامر وزيد بن ثابت والحسن بن علي وحديثه عند أبي يعلى أيضا وأبي بكرة وخولة بنت حكيم كلها عند ابن أبي عاصم، ومن حديث العرباض بن سارية عند ابن حبان في صحيحه، وعن أبي مسعود البدري وسلمان الفارسي وسمرة بن جندب وعقبة ابن عبد وزيد بن أوفى وكلها في الطبراني، ومن حديث خباب بن الأرت عند الحاكم، ومن حديث النواس بن سمعان عند ابن أبي الدنيا ومن حديث ميمونة أم المؤمنين في الأوسط للطبراني ولفظه ‏"‏ يرد علي الحوض أطولكن يدا ‏"‏ الحديث، ومن حديث سعد بن أبي وقاص عند أحمد بن منيع في مسنده، وذكره ابن منده في مستخرجه عن عبد الرحمن بن عوف، وذكره ابن كثير في نهايته عن عثمان بن مظعون، وذكره ابن القيم في الحاوي عن معاذ ابن جبل ولقيط بن صبرة وأظنه عن لقيط بن عامر الذي تقدم ذكره، فجميع من ذكرهم عياض خمسة وعشرون نفسا، وزاد عليه النووي ثلاثة، وزدت عليهم أجمعين قدر ما ذكروه سواء فزادت العدة على الخمسين، ولكثير من هؤلاء الصحابة في ذلك زيادة على الحديث الواحد كأبي هريرة وأنس وابن عباس وأبي سعيد وعبد الله بن عمرو وأحاديثهم بعضها في مطلق ذكر الحوض وفي صفته بعضها وفيمن يرد عليه بعضها وفيمن يدفع عنه بعضها، وكذلك في الأحاديث التي أوردها المصنف في هذا الباب، وجملة طرقها تسعة عشر طوقا، وبلغني أن بعض المتأخرين وصلها إلى رواية ثمانين صحابيا‏.‏

قوله ‏(‏وقال عبد الله بن زيد‏)‏ هو ابن عاصم المازني‏.‏

قوله ‏(‏اصبروا حتى تلقوني على الحوض‏)‏ هو طرف من حديث طويل وصله المؤلف في غزوة حنين، وفيه كلام الأنصار لما قسمت غنائم حنين في غيرهم وفيه ‏"‏ إنكم سترون بعدي أثرة فاصبروا ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرحه مستوفى هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش، وشقيق هو أبو وائل المذكور في الطريق الثانية ووقع صريحا عند الإسماعيلي فيهما وعند مسلم في الأول، وعبد الله هو ابن مسعود‏.‏

الحديث‏:‏

و حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ وَلَيُرْفَعَنَّ مَعِي رِجَالٌ مِنْكُمْ ثُمَّ لَيُخْتَلَجُنَّ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ تَابَعَهُ عَاصِمٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ وَقَالَ حُصَيْنٌ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

الحديث عن ابن مسعود موصولا وعن حذيفة معلقا‏.‏

والمغيرة هو ابن مقسم الضبي الكوفي‏.‏

قوله ‏(‏وليرفعن‏)‏ بضم أوله وفتح الفاء والعين أي يظهرهم الله لي حتى أراهم‏.‏

قوله ‏(‏ثم ليختلجن‏)‏ بفتح اللام وضم التحتانية وسكون الخاء المعجمة وفتح المثناة واللام وضم الجيم بعدها نون ثقيلة أي ينزعون أو يجذبون مني، يقال اختلجه منه إذا نزعه منه أو جذبه بغير إرادته، وسيأتي زيادة في إيضاحه في شرح حديث أنس من رواية عبد العزيز وما بعده وحديث أسماء بنت أبي بكر‏.‏

قوله ‏(‏تابعه عاصم‏)‏ هو ابن أبي النجود قارئ الكوفة، والضمير للأعمش أي أن عاصما رواه كما رواه الأعمش عن أبي وائل فقال عن عبد الله بن مسعود، قد وصلها الحارث بن أبي أسامة في مسنده من طريق سفيان الثوري عن عاصم‏.‏

قوله ‏(‏وقال حصين‏)‏ أي ابن عبد الرحمن الواسطي‏.‏

قوله ‏(‏عن أبي وائل عن حذيفة‏)‏ أي أنه خالف الأعمش وعاصما فقال عن أبي وائل عن حذيفة، وهذه المتابعة وصلها مسلم من طريق حصين، وصنيعه يقتضي أنه عند أبي وائل عن ابن مسعود وعن حذيفة معا، وصنيع البخاري يقتضي ترجيح قول من قال عن أبي وائل عن عبد الله لكونه ساقها موصولة وعلق الأخرى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَمَامَكُمْ حَوْضٌ كَمَا بَيْنَ جَرْبَاءَ وَأَذْرُحَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏يحيى‏)‏ هو ابن سعيد القطان، وعبيد الله هو ابن عمر العمري‏.‏

قوله ‏(‏أمامكم‏)‏ بفتح الهمزة أي قدامكم ‏(‏حوض‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ حوضي ‏"‏ بزيادة ياء الإضافة، والأول هو الذي عند كل من أخرج الحدث كمسلم‏.‏

قوله ‏(‏كما بين جرباء وأذرح‏)‏ أما جرباء فهي بفتح الجيم وسكون الراء بعدها موحدة بلفظ تأنيث أجرب، قال عياض‏:‏ جاءت في البخاري ممدودة‏.‏

وقال النووي في شرح مسلم الصواب أنها مقصورة وكذا ذكرها الحازمي والجمهور، قال والمد خطأ، وأثبت صاحب التحرير المد وجوز القصر، ويؤيد المد قول أبي عبيد البكري هي تأنيث أجرب‏.‏

وأما أذرح فبفتح الهمزة وسكون المعجمة وضم الراء بعدها مهملة، قال عياض كذا للجمهور، ووقع في رواية العذري في مسلم بالجيم وهو وهم‏.‏

قلت‏:‏ وسأذكر الخلاف في تعيين مكاني هذين الموضعين في آخر الكلام على حديث عبد الله بن عمرو الآتي شرحه إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ الْكَوْثَرُ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ قَالَ أَبُو بِشْرٍ قُلْتُ لِسَعِيدٍ إِنَّ أُنَاسًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُ نَهَرٌ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ سَعِيدٌ النَّهَرُ الَّذِي فِي الْجَنَّةِ مِنْ الْخَيْرِ الَّذِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس، تقدم شرحه في تفسير سورة الكوثر وقوله هنا ‏"‏ هشيم أخبرنا أبو بشر ‏"‏ هو جعفر بن أبي وحشية بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة مكسورة ثم تحتانية ثقيلة ثم هاء تأنيث، واسم أبي وحشية إياس‏.‏

قوله ‏(‏وعطاء بن السائب‏)‏ هو المحدث المشهور كوفي من صغار التابعين صدوق اختلط في آخر عمره، وسماع هشيم منه بعد اختلاطه، ولذلك أخرج له البخاري مقرونا بأبي بشر، وما له عنده إلا هذا الموضع، وقد مضى في تفسير الكوثر من جهة هشيم عن أبي بشر وحده، ولعطاء بن السائب في ذكر الكوثر سند آخر عن شيخ آخر أخرجه الترمذي وابن ماجه وصححه بسند صحيح من طريق محمد بن فضيل عن عطاء بن السائب عن محارب بن دثار عن ابن عمر فذكر الحديث المشار إليه في تفسير الكوثر، وأخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عن أبي عوانة عن عطاء قال‏:‏ قل لي محارب بن دثار ما كان سعيد بن جبير يقول في الكوثر‏؟‏ قلت‏:‏ كان يحدث عن ابن عباس قال‏:‏ هو الخير الكثير، فقال محارب‏:‏ حدثنا ابن عمر فذكر الحديث‏.‏

وأخرجه البيهقي في البعث من طريق حماد بن زيد عن عطاء بن السائب وزاد‏:‏ فقال محارب سبحان الله ما أقل ما يسقط لابن عباس، فذكر حدث ابن عباس ثم قال‏:‏ هذا والله هو الخير الكثير‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَوْضِي مَسِيرَةُ شَهْرٍ مَاؤُهُ أَبْيَضُ مِنْ اللَّبَنِ وَرِيحُهُ أَطْيَبُ مِنْ الْمِسْكِ وَكِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ مَنْ شَرِبَ مِنْهَا فَلَا يَظْمَأُ أَبَدًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏نافع‏)‏ هو ابن عمر الجمحي المكي‏.‏

قوله ‏(‏قال عبد الله بن عمرو‏)‏ في رواية مسلم من وجه آخر عن نافع بن عمر بسنده عن عبد الله بن عمرو، وقد خالف نافع بن عمر في صحابيه عبد الله بن عثمان بن خثيم فقال‏:‏ عن ابن أبي مليكة عن عائشة أخرجه أحمد والطبراني، ونافع بن عمر أحفظ من ابن خثيم‏.‏

قوله ‏(‏حوضي مسيرة شهر‏)‏ زاد مسلم والإسماعيلي وابن حبان في روايتهم من هذا الوجه ‏"‏ وزواياه سواء ‏"‏ وهذه الزيادة تدفع تأويل من جمع بين مختلف الأحاديث في تقدير مسافة الحوض على اختلاف العرض والطول، وقد اختلف في ذلك اختلافا كثيرا فوقع في حديث أنس الذي بعده ‏"‏ كما بين أيلة وصنعاء من اليمن ‏"‏ وأيلة مدينة كانت عامرة وهي بطرف بحر القلزم من طرف الشام وهي الآن خراب يمر بها الحاج من مصر فتكون شماليهم ويمر بها الحاج من غرة وغيرها فتكون أمامهم، ويجلبون إليها الميرة من الكرك والشوبك وغيرهما يتلقون بها الحاج ذهابا وإيابا، وإليها تنسب العقبة المشهورة عند المصريين، وبينها وبين المدينة النبوية نحو الشهر بسير الأثقال إن اقتصروا كل يوم على مرحلة وإلا فدون ذلك، وهي من مصر على أكثر من النصف من ذلك، ولم يصب من قال من المتقدمين إنها على النصف مما بين مصر ومكة بل هي دون الثلث فإنها أقرب إلى مصر‏.‏

ونقل عياض عن بعض أهل العلم أن أيلة شعب من جبل رضوى الذي في ينبع، وتعقب بأنه اسم وافق اسما، والمراد بأيلة في الخبر هي المدينة الموصوفة آنفا، وقد ثبت ذكرها في صحيح مسلم في قصة غزوة تبوك وفيه ‏"‏ أن صاحب أيلة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصالحه ‏"‏ وتقدم لها ذكر أيضا في كتاب الجمعة‏.‏

وأما صنعاء فإنما قيدت في هذه الرواية باليمن احترازا من صنعاء التي بالشام، والأصل فيها صنعاء اليمن لما هاجر أهل اليمن في زمن عمر عند فتوح الشام نزل أهل صنعاء في مكان من دمشق فسمي باسم بلدهم، فعلى هذا فمن في قوله في هذه الرواية من اليمن ‏"‏ إن كانت ابتدائية فيكون هذا اللفظ مرفوعا وإن كانت بيانية فيكون مدرجا من قول بعض الرواة والظاهر أنه الزهري‏.‏

ووقع في حديث جابر بن سمرة أيضا ‏"‏ كما بين صنعاء وأيلة ‏"‏ وفي حديث حذيفة مثله لكن قال ‏"‏ عدن ‏"‏ بدل صنعاء، وفي حديث أبي هريرة ‏"‏ أبعد من أيلة إلى عدن ‏"‏ وعدن بفتحتين بلد مشهور على ساحل البحر في أواخر سواحل اليمن وأوائل سواحل الهند وهي تسامت صنعاء وصنعاء في جهة الجبال، وفي حديث أبي ذر ‏"‏ ما بين عمان إلى أيلة ‏"‏ وعمان بضم المهملة وتخفيف النون بلد على ساحل البحر من جهة البحرين، وفي حديث أبي بردة عند ابن حبان ‏"‏ ما بين ناحيتي حوضي كما بين أيلة وصنعاء مسيرة شهر ‏"‏ وهذه الروايات متقاربة لأنها كلها نحو شهر أو تزيد أو تنقص‏.‏

ووقع في روايات أخرى التحديد بما هو دون ذلك‏:‏ فوقع في حديث عقبة ابن عامر عند أحمد ‏"‏ كما بين أيلة إلى الجحفة ‏"‏ وفي حديث جابر ‏"‏ كما بين صنعاء إلى المدينة ‏"‏ وفي حديث ثوبان ‏"‏ ما بين عدن وعمان البلقاء ‏"‏ ونحوه لابن حبان عن أبي أمامة‏.‏

وعمان هذه بفتح المهملة وتشديد الميم للأكثر وحكي تخفيفها، وتنسب إلى البلقاء لقربها منها‏.‏

والبلقاء بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها قاف وبالمد بلدة معروفة من فلسطين، وعند عبد الرزاق في حديث ثوبان ‏"‏ ما بين بصرى إلى صنعاء أو ما بين أيلة إلى مكة ‏"‏ وبصرى بضم الموحدة وسكون المهملة بلد معروف بطرف الشام من جهة الحجاز تقدم ضبطها في بدء الوحي، وفي حديث عبد الله بن عمرو عند أحمد ‏"‏ بعد ما بين مكة وأيلة ‏"‏ وفي لفظ ‏"‏ ما بين مكة وعمان ‏"‏ وفي حديث حذيفة بن أسيد ‏"‏ ما بين صنعاء إلى بصرى ‏"‏ ومثله لابن حبان في حديث عتبة بن عبد‏.‏

وفي رواية الحسن عن أنس عند أحمد ‏"‏ كما بين مكة إلى أيلة أو بين صنعاء ومكة ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عند ابن أبي شيبة وابن ماجه ‏"‏ ما بين الكعبة إلى بيت المقدس ‏"‏ وفي حديث عتبة بن عبد عند الطبراني ‏"‏ كما بين البيضاء إلى بصرى ‏"‏ والبيضاء بالقرب من الربذة البلد المعروف بين مكة والمدينة، وهذه المسافات متقاربة وكلها ترجع إلى نحو نصف شهر أو تزيد على ذلك قليلا أو تنقص، وأقل ما ورد في ذلك ما وقع في رواية لمسلم في حديث ابن عمر من طريق محمد بن بشر عن عبيد الله بن عمر بسنده كما تقدم وزاد قال‏:‏ قال عبيد الله فسألته قال قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام، ونحوه له في رواية عبد الله بن نمير عن عبيد الله بن عمر لكن قال ‏"‏ ثلاث ليال ‏"‏ وقد جمع العلماء بين هذا الاختلاف فقال عياض‏:‏ هذا من اختلاف التقدير لأن ذلك لم يقع في حديث واحد فيعد اضطرابا من الرواة وإنما جاء في أحاديث مختلفة عن غير واحد من الصحابة سمعوه في مواطن مختلفة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يضرب في كل منهما مثلا لبعد أقطار الحوض وسعته بما يسنح له من العبارة وبقرب ذلك للعلم ببعد بين البلاد النائية بعضها من بعض لا على إرادة المسافة المحققة، قال فبهذا يجمع بين الألفاظ المختلفة من جهة المعنى انتهى ملخصا، وفيه نظر من جهة أن ضرب المثل والتقدير إنما يكون فيما يتقارب، وأما هذا الاختلاف المتباعد الذي يزيد تارة على ثلاثين يوما وينقص إلى ثلاثة أيام فلا، قال القرطبي‏:‏ ظن بعض القاصرين أن الاختلاف في قدر الحوض اضطراب وليس كذلك، ثم نقل كلام عياض وزاد‏:‏ وليس اختلافا بل كلها تفيد أنه كبير متسع متباعد الجوانب، ثم قال‏:‏ ولعل ذكره للجهات المختلفة بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهة فيخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها، وأجاب النووي بأنه ليس في ذكر المسافة القليلة ما يدفع المسافة الكثيرة فالأكثر ثابت بالحديث الصحيح فلا معارضة‏.‏

وحاصله أنه يشير إلى أنه أخبر أولا بالمسافة اليسيرة ثم أعلم بالمسافة الطويلة فأخبره بها كأن الله تفضل عليه باتساعه شيئا بعد شيء فيكون الاعتماد على ما يدل على أطولها مسافة‏.‏

وتقدم قول من جمع الاختلاف بتفاوت الطول والعرض ورده بما في حديث عبد الله بن عمرو ‏"‏ زواياه سواء‏"‏‏.‏

ووقع أيضا في حديث النواس بن سمعان وجابر وأبي برزة وأبي ذر ‏"‏ طوله وعرضه سواء ‏"‏ وجمع غيره بين الاختلافين الأولين باختلاف السير البطيء وهو سير الأثقال والسير السريع وهو سير الراكب المخف ويحمل رواية أقلها وهو الثلاث على سير البريد فقد عهد منهم من قطع مسافة الشهر في ثلاثة أيام ولو كان نادرا جدا، وفي هذا الجواب عن المسافة الأخيرة نظر وهو فيما قبله مسلم وهو أولى ما يجمع به، وأما مسافة الثلاث فإن الحافظ ضياء الدين المقدسي ذكر في الجزء الذي جمعه في الحوض أن في سياق لفظها غلطا وذلك الاختصار وقع في سياقه من بعض رواته، ثم ساقه من حديث أبي هريرة وأخرجه من ‏"‏ فوائده عبد الكريم بن الهيثم الديرعاقولي ‏"‏ بسند حسن إلى أبي هريرة مرفوعا في ذكر الحوض فقال فيه ‏"‏ عرضه مثل ما بينكم وبين جرباء وأذرح ‏"‏ قال الضياء‏:‏ فظهر بهذا أنه وقع في حديث ابن عمر حذف تقديره كما بين مقامي وبين جرباء وأذرح، فسقط مقامي وبين‏.‏

وقال الحافظ صلاح الدين العلائي بعد أن حكى قول ابن الأثير في النهاية هما قريتان بالشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام ثم غلطه في ذلك وقال‏:‏ ليس كما قال بل بينهما غلوة سهم وهما معروفتان بين القدس والكرك، قال‏:‏ وقد ثبت القدر المحذوف عند الدار قطني وغيره بلفظ ‏"‏ ما بين المدينة وجرباء وأذرح‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهذا يوافق رواية أبي سعيد عند ابن ماجه ‏"‏ كما بين الكعبة وبيت المقدس ‏"‏ وقد وقع ذكر جرباء وأذرح في حديث آخر عند مسلم وفيه ‏"‏ وافى أهل جرباء وأذرح بحرسهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ذكره في غزوة تبوك، وهو يؤيد قول العلائي أنهما متقاربتان‏.‏

وإذا تقرر ذلك رجع جميع المختلف إلى أنه لاختلاف السير البطيء والسير السريع، وسأحكي كلام ابن التين في تقدير المسافة بين جرباء وأذرح في شرح الحديث السادس عشر والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏ماؤه أبيض من اللبن‏)‏ قال المازري‏:‏ مقتضى كلام النحاة أن يقال أشد بياضا ولا يقال أبيض من كذا، ومنهم من أجازه في الشعر، ومنهم من أجازه بقلة ويشهد له هذا الحديث وغيره‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون ذلك من تصرف الرواة، فقد وقع في رواية أبي ذر عند مسلم بلفظ أشد بياضا من اللبن، وكذا لابن مسعود عند أحمد، وكذا لأبي أمامة عند ابن أبي عاصم‏.‏

قوله ‏(‏وريحه أطيب من المسك‏)‏ في حديث ابن عمر عند الترمذي ‏"‏ أطيب ريحا من المسك ‏"‏ ومثله في حديث أبي أمامة عند ابن حبان رائحة وزاد ابن أبي عاصم وابن أبي الدنيا في حديث بريدة ‏"‏ وألين من الزبد ‏"‏ وزاد مسلم من حديث أبي ذر وثوبان ‏"‏ وأحلى من العسل ‏"‏ ومثله لأحمد عن أبي بن كعب، وله عن أبي أمامة ‏"‏ وأحلى مذاقا من العسل ‏"‏ وزاد أحمد في حديث ابن عمرو من حديث ابن مسعود ‏"‏ وأبرد من الثلج ‏"‏ وكذا في حديث أبي برزة، وعند البزار من رواية عدي بن ثابت عن أنس، ولأبي يعلى من وجه آخر عن أنس وعند الترمذي في حديث ابن عمر ‏"‏ وماؤه أشد بردا من الثلج‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وكيزانه كنجوم السماء‏)‏ في حديث أنس الذي بعده ‏"‏ وفيه من الأباريق كعدة نجوم السماء ‏"‏ ولأحمد من رواية الحسن عن أنس ‏"‏ أكثر من عدد نجوم السماء ‏"‏ وفي حديث المستورد في أواخر الباب ‏"‏ فيه الآنية مثل الكواكب ‏"‏ ولمسلم من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ فيه أباريق كنجوم السماء‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏من شرب منها‏)‏ أي من الكيزان‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ من شرب منه ‏"‏ أي من الحوض ‏(‏فلا يظمأ أبدا‏)‏ في حديث سهل بن سعد الآتي قريبا ‏"‏ من مر علي شرب ومن شرب لم يظمأ أبدا ‏"‏ وفي رواية موسى ابن عقبة ‏"‏ من ورده فشرب لم يظمأ بعدها أبدا ‏"‏ وهذا يفسر المراد بقوله ‏"‏ من مر به شرب ‏"‏ أي من مر به فمكن من شربه فشرب لا يظمأ أو من مكن من المرور به شرب، وفي حديث أبي أمامة ‏"‏ ولم يسود وجه أبدا ‏"‏ وزاد ابن أبي عاصم في حديث أبي بن كعب ‏"‏ من صرف عنه لم يرو أبدا ‏"‏ ووقع في حديث النواس بن سمعان عند ابن أبي الدنيا ‏"‏ أول من يرد عليه من يسقي كل عطشان‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ قَدْرَ حَوْضِي كَمَا بَيْنَ أَيْلَةَ وَصَنْعَاءَ مِنْ الْيَمَنِ وَإِنَّ فِيهِ مِنْ الْأَبَارِيقِ كَعَدَدِ نُجُومِ السَّمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏يونس‏)‏ هو ابن يزيد‏.‏

قوله ‏(‏حدثني أنس‏)‏ هذا يدفع تعليل من أعله بأن ابن شهاب لم يسمعه من أنس لأن أبا أويس رواه عن ابن شهاب عن أخيه عبد الله بن مسلم عن أنس أخرجه ابن أبي عاصم، وأخرجه الترمذي من طريق محمد بن عبد الله بن مسلم ابن أخي الزهري عن أبيه به، والذي يظهر أنه كان عند ابن شهاب عن أخيه عن أنس ثم سمعه عن أنس فإن بين السياقين اختلافا؛ وقد ذكر ابن أبي عاصم أسماء من رواه عن ابن شهاب عن أنس بلا واسطة فزادوا على عشرة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ح و حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ الدُّرِّ الْمُجَوَّفِ قُلْتُ مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ قَالَ هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ فَإِذَا طِينُهُ أَوْ طِيبُهُ مِسْكٌ أَذْفَرُ شَكَّ هُدْبَةُ

الشرح‏:‏

حديث أنس من رواية قتادة عنه، قوله ‏(‏بينا أنا أسير في الجنة‏)‏ تقدم تفسير سورة الكوثر أن ذلك كان ليلة أسري به وفي أواخر الكلام على حديث الإسراء في أوائل الترجمة النبوية، وظن الداودي أن المراد أن ذلك يكون يوم القيامة فقال‏:‏ إن كان هذا محفوظا دل على أن الحوض الذي يدفع عنه أقوام غير النهر الذي في الجنة أو يكون يراهم وهو داخل الجنة وهم من خارجها فيناديهم فيصرفون عنه‏.‏

وهو تكلف عجيب يغني عنه أن الحوض الذي هو خارج الجنة يمد من النهر الذي هو داخل الجنة فلا إشكال أصلا، وقوله في آخره ‏"‏ طيبه أو طينه ‏"‏ شك هدبة هل هو بموحدة من الطيب أو بنون من الطين وأراد بذلك أن أبا الوليد لم يشك في روايته أنه بالنون وهو المعتمد، وتقدم في تفسير سورة الكوثر من طريق شيبان عن قتادة ‏"‏ فأهوى الملك بيده فاستخرج من طينه مسكا أذفر ‏"‏ وأخرج البيهقي في البعث من طريق عبد الله بن مسلم عن أنس بلفظ ‏"‏ ترابه مسك‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِي الْحَوْضَ حَتَّى عَرَفْتُهُمْ اخْتُلِجُوا دُونِي فَأَقُولُ أَصْحَابِي فَيَقُولُ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ

الشرح‏:‏

حديث أنس أيضا من رواية عبد العزيز وهو ابن صهيب عنه، قوله ‏(‏أصيحابي‏)‏ بالتصغير‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ أصحابي ‏"‏ بغير تصغير‏.‏

قوله ‏(‏فيقول‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فيقال ‏"‏ وقد ذكر شرح ما تضمنه في شرح حديث ابن عباس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُطَرِّفٍ حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ مَنْ مَرَّ عَلَيَّ شَرِبَ وَمَنْ شَرِبَ لَمْ يَظْمَأْ أَبَدًا لَيَرِدَنَّ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ قَالَ أَبُو حَازِمٍ فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ فَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتَ مِنْ سَهْلٍ فَقُلْتُ نَعَمْ فَقَالَ أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ وَهُوَ يَزِيدُ فِيهَا فَأَقُولُ إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ غَيَّرَ بَعْدِي وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ سُحْقًا بُعْدًا يُقَالُ سَحِيقٌ بَعِيدٌ سَحَقَهُ وَأَسْحَقَهُ أَبْعَدَهُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ الْحَبَطِيُّ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يُونُسَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَرِدُ عَلَيَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَهْطٌ مِنْ أَصْحَابِي فَيُحَلَّئُونَ عَنْ الْحَوْضِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى

الشرح‏:‏

حديث سهل بن سعد وأبي سعيد الخدري من رواية أبي حازم عن سهل وعن النعمان بن أبي عياش عن أبي سعيد‏.‏

قوله ‏(‏فأقول سحقا سحقا‏)‏ بسكون الحاء المهملة فيهما ويجوز ضمها ومعناه بعدا بعدا، ونصب بتقدير ألزمهم الله ذلك‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس سحقا بعدا‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من رواية علي بن أبي طلحة عنه بلفظه‏.‏

قوله ‏(‏يقال سحيق بعيد‏)‏ هو كلام أبي عبيدة في تفسير قوله تعالى ‏(‏أو تهوي به الريح في مكان سحيق‏)‏ السحيق البعيد والنخلة السحوق الطويلة‏.‏

قوله ‏(‏سحقه وأسحقه أبعده‏)‏ ثبت هذا في رواية الكشميهني وهو من كلام أبي عبيدة أيضا قال‏:‏ يقال سحقه الله وأسحقه أي أبعده، ويقال بعد وسحق إذا دعوا عليه، وسحقته الريح أي طردته‏.‏

وقال الإسماعيلي‏:‏ يقال سحقه إذا اعتمده عليه بشيء ففتنه وأسحقه أبعده، وقد تقدم شرح حديث ابن عباس في هذا في ‏"‏ باب كيف الحشر‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وقال أحمد بن شبيب إلخ‏)‏ وصله أبو عوانة عن أبي زرعة الرازي وأبي الحسن الميموني قالا ‏"‏ حدثنا أحمد بن شبيب به ‏"‏ ويونس هو ابن يزيد نسبه أبو عوانة في روايته هذه، وكذا أخرجه الإسماعيلي وأبو نعيم في مستخرجيهما من طرق عن أحمد بن شبيب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ عَنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَرِدُ عَلَى الْحَوْضِ رِجَالٌ مِنْ أَصْحَابِي فَيُحَلَّئُونَ عَنْهُ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيَقُولُ إِنَّكَ لَا عِلْمَ لَكَ بِمَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى وَقَالَ شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يُحَدِّثُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيُجْلَوْنَ وَقَالَ عُقَيْلٌ فَيُحَلَّئُونَ وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏فيجلون‏)‏ بضم أوله وسكون الجيم وفتح اللام أي يصرفون‏.‏

وفي رواية الكشميهني بفتح الحاء المهملة وتشديد اللام بعدها همزة مضمومة قبل الواو وكذا للأكثر ومعناه يطردون، وحكى ابن التين أن بعضهم ذكره بغير همزة قال‏:‏ وهو في الأصل مهموز فكأنه سهل الهمزة‏.‏

قوله ‏(‏إنهم ارتدوا‏)‏ هذا يوافق تفسير قبيصة الماضي في ‏"‏ باب كيف الحشر‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏على أعقابهم‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ على أدبارهم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وقال شعيب‏)‏ هو ابن أبي حمزة عن الزهري يعني بسنده وصله الذهلي في ‏"‏ الزهريات ‏"‏ وهو بسكون الجيم أيضا، وقيل بالخاء المعجمة المفتوحة بعدها لأم ثقيلة وواو ساكنة وهو تصحيف‏.‏

قوله ‏(‏وقال عقيل‏)‏ هو ابن خالد يعني عن ابن شهاب بسنده يحلؤن يعني بالحاء المهملة والهمزة قوله ‏(‏وقال الزبيدي‏)‏ هو محمد بن الوليد، ومحمد بن علي شيخ الزهري فيه هو أبو جعفر الباقر، وشيخه عبيد الله هو ابن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر الجياني أنه وقع في رواية القابسي والأصيلي عن المروزي عبد الله بن أبي رافع بسكون الموحدة وهو خطأ، وفي السند ثلاثة من التابعين مدنيون في نسق، فالزهري والباقر قرينان وعبيد الله أكبر منهما، وطريق الزبيدي المشار إليها وصلها الدار قطني في الأفراد من رواية عبد الله بن سالم عنه كذلك، ثم ساق المصنف الحديث من طريق ابن وهب عن يونس مثل رواية شبيب عن يونس لكن لم يسم أبا هريرة بل قال ‏"‏ عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وحاصل الاختلاف أن ابن وهب وشبيب بن سعيد اتفقا في روايتهما عن يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب، ثم اختلفا فقال ابن سعيد ‏"‏ عن أبي هريرة ‏"‏ وقال ابن وهب عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا لا يضر لأن في رواية ابن وهب زيادة على ما تقتضيه رواية ابن سعيد، وأما رواية عقيل وشعيب فإنما تخالفتا في بعض اللفظ، وخالف الجميع الزبيدي في السند، فيحمل على أنه كان عند الزهري بسندين فإنه حافظ وصاحب حديث، ودلت رواية الزبيدي على أن شبيب بن سعيد حفظ فيه أبا هريرة‏.‏

وقد أعرض مسلم عن هذه الطرق كلها وأخرج من طريق محمد بن زياد عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ إني لأذود عن حوضي رجالا كما تذاد الغريبة عن الإبل ‏"‏ وأخرجه من وجه آخر عن أبي هريرة في أثناء حديث، وهذا المعنى لم يخرجه البخاري مع كثرة ما أخرج من الأحاديث في ذكر الحوض، والحكمة في الذود المذكور أنه صلى الله عليه وسلم يريد أنه يرشد كل أحد إلى حوض نبيه على ما تقدم أن لكل نبي حوضا وأنهم يتباهون بكثرة من يتبعهم فيكون ذلك من جملة إنصافه ورعاية إخوانه من النبيين، لا أنه يطردهم بخلا عليهم بالماء، ويحتمل أنه يطرد من لا يستحق الشرب من الحوض والعلم عند الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ الْحِزَامِيُّ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي هِلَالُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَا أَنَا قَائِمٌ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ هَلُمَّ فَقُلْتُ أَيْنَ قَالَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ قُلْتُ وَمَا شَأْنُهُمْ قَالَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى ثُمَّ إِذَا زُمْرَةٌ حَتَّى إِذَا عَرَفْتُهُمْ خَرَجَ رَجُلٌ مِنْ بَيْنِي وَبَيْنِهِمْ فَقَالَ هَلُمَّ قُلْتُ أَيْنَ قَالَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهِ قُلْتُ مَا شَأْنُهُمْ قَالَ إِنَّهُمْ ارْتَدُّوا بَعْدَكَ عَلَى أَدْبَارِهِمْ الْقَهْقَرَى فَلَا أُرَاهُ يَخْلُصُ مِنْهُمْ إِلَّا مِثْلُ هَمَلِ النَّعَمِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة أخرجه من رواية فليح بن سليمان عن هلال بن علي عن عطاء ابن يسار عنه ورجال سنده كلهم مدنيون، وقد ضاق مخرجه على الإسماعيلي وأبي نعيم وسائر من استخرج على الصحيح فأخرجوه من عدة طرق عن البخاري عن إبراهيم بن المنذر عن محمد بن فليح عن أبيه‏.‏

قوله ‏(‏بينا أنا نائم‏)‏ كذا بالنون للأكثر وللكشميهني ‏"‏ قائم ‏"‏ بالقاف وهو أوجه، والمراد به قيامه على الحوض يوم القيامة، وتوجه الأولى بأنه رأى في المنام في الدنيا ما سيقع له في الآخرة‏.‏

قوله ‏(‏ثم إذا زمرة، حتى إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلم‏)‏ المراد بالرجل الملك الموكل بذلك، ولم أقف على اسمه‏.‏

قوله ‏(‏إنهم ارتدوا القهقرى‏)‏ أي رجعوا إلى خلف، ومعنى قولهم رجع القهقرى رجع الرجوع المسمى بهذا الاسم وهو رجوع مخصوص وقيل معناه العدو الشديد‏.‏

قوله ‏(‏فلا أراه يخلص منهم إلا مثل همل النعم‏)‏ يعني من هؤلاء الذين دنوا من الحوض وكادوا يردونه فصدوا عنه، والهمل بفتحتين الإبل بلا راع‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ الهمل ما لا يرعى ولا يستعمل ويطلق على الضوال، والمعنى أنه لا يرده منهم إلا القليل، لأن الهمل في الإبل قليل بالنسبة لغيره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ ما بين بيتي ومنبري ‏"‏ وفيه ‏"‏ ومنبري على حوضي ‏"‏ تقدم شرحه في أواخر الحج والمراد بتسمية ذلك الموضع روضة أن تلك البقعة تنقل إلى الجنة فتكون روضة من رياضها، أو أنه على المجاز لكون العبادة فيه تئول إلى دخول العابد روضة الجنة وهذا فيه نظر إذ لا اختصاص لذلك بتلك البقعة، والخبر مسوق لمزيد شرف تلك البقعة على غيرها، وقيل فيه تشبيه محذوف الأداة أي هو كروضة لأن من يقعد فيها من الملائكة ومؤمني الإنس والجن يكثرون الذكر وسائر أنواع العبادة‏.‏

وقال الخطابي المراد من هذا الحديث الترغيب في سكنى المدينة وأن من لازم ذكر الله في مسجدها آل به إلى روضة الجنة وسقي يوم القيامة من الحوض‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبًا قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ

الشرح‏:‏

حديث جندب، وعبد الملك راويه عنه هو ابن عمير الكوفي، والفرط بفتح الفاء والراء السابق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الْآنَ وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الْأَرْضِ أَوْ مَفَاتِيحَ الْأَرْضِ وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي وَلَكِنْ أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏يزيد‏)‏ هو ابن أبي حبيب، وأبو الخير هو مرثد بن عبد الله اليزني، وعقبة ابن عامر هو الجهني، وقد مر شرحه في كتاب الجنائز فيما يتعلق بالصلاة على الشهداء، وفي علامات النبوة فيما يتعلق بذلك، وقد تقدم الكلام على المنافسة في شرح حديث أبي سعيد في أوائل كتاب الرقاق هذا‏.‏

قوله ‏(‏والله إني لأنظر إلى حوضي الآن‏)‏ يحتمل أنه كشف له عنه لما خطب وهذا هو الظاهر، ويحتمل أن يريد رؤية القلب‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ النكتة في ذكره عقب التحذير الذي قبله أنه يشير إلى تحذيرهم من فعل ما يقتضي إبعادهم عن الحوض، وفي الحديث عدة أعلام من أعلام النبوة كما سبق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَرَمِيُّ بْنُ عُمَارَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ أَنَّهُ سَمِعَ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ الْحَوْضَ فَقَالَ كَمَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَصَنْعَاءَ وَزَادَ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مَعْبَدِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ حَارِثَةَ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ حَوْضُهُ مَا بَيْنَ صَنْعَاءَ وَالْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ الْمُسْتَوْرِدُ أَلَمْ تَسْمَعْهُ قَالَ الْأَوَانِي قَالَ لَا قَالَ الْمُسْتَوْرِدُ تُرَى فِيهِ الْآنِيَةُ مِثْلَ الْكَوَاكِبِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏معبد بن خالد‏)‏ هو الجدلي بفتح الجيم والمهملة من ثقات الكوفيين، ولهم معبد بن خالد اثنان غيره أحدهما أكبر منه وهو صحابي جهني والآخر أصغر منه وهو أنصاري مجهول‏.‏

قوله ‏(‏حارثة بن وهب‏)‏ هو الخزاعي، صحابي نزل الكوفة له أحاديث، وكان أخا عبيد الله بالتصغير ابن عمر بن الخطاب لأمه‏.‏

قوله ‏(‏كما بين المدينة وصنعاء‏)‏ قال ابن التين‏:‏ يرد صنعاء الشام‏.‏

قلت‏:‏ ولا بعد في حمله على المتبادر هو صنعاء اليمن لما تقدم توجيهه، وقد تقدم في الحديث الخامس التقييد بصنعاء اليمن فليحمل المطلق عليه، ثم قال يحتمل أن يكون ما بين المدينة وصنعاء الشام قدر ما بينها وصنعاء اليمن وقدر ما بينها وبين أيلة وقدر ما بين جرباء وأذرح انتهى‏.‏

وهو احتمال مردود فإنها متفاوتة إلا ما بين المدينة وصنعاء وبينها وصنعاء الأخرى والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏وزاد ابن أبي عدي‏)‏ هو محمد بن إبراهيم، وأبو عدي جده لا يعرف اسمه، ويقال بل هي كنية أبيه إبراهيم، وهو بصري ثقة كثير الحديث، وقد وصله مسلم والإسماعيلي من طريقه‏.‏

قوله ‏(‏سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال حوضه‏)‏ كذا لهم وفيه التفات‏.‏

ووقع في رواية مسلم ‏"‏ حوضي‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقال له المستورد‏)‏ بضم الميم وسكون المهملة وفتح المثناة بعدها واو ساكنة ثم راء مكسورة ثم مهملة هو ابن شداد بن عمرو بن حسل بكسر أوله وسكون ثانيه وإهمالهما ثم لام القرشي الفهري، صحابي بن صحابي، شهد فتح مصر وسكن الكوفة، ويقال مات سنة خمس وأربعين، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وحديثه مرفوع وإن لم يصرح به، وقد تقدم البحث فيما زاده من ذكر الأواني‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ عَنْ نَافِعِ بْنِ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي عَلَى الْحَوْضِ حَتَّى أَنْظُرَ مَنْ يَرِدُ عَلَيَّ مِنْكُمْ وَسَيُؤْخَذُ نَاسٌ دُونِي فَأَقُولُ يَا رَبِّ مِنِّي وَمِنْ أُمَّتِي فَيُقَالُ هَلْ شَعَرْتَ مَا عَمِلُوا بَعْدَكَ وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا يَرْجِعُونَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ فَكَانَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ يَقُولُ اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَرْجِعَ عَلَى أَعْقَابِنَا أَوْ نُفْتَنَ عَنْ دِينِنَا أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ تَرْجِعُونَ عَلَى الْعَقِبِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن أسماء بنت أبي بكر‏)‏ جمع مسلم بين حديث ابن أبي مليكة عن عبد الله ابن عمرو وحديثه عن أسماء، فقدم ذكر حديث عبد الله بن عمرو في صفة الحوض ثم قال بعد قوله لم يظمأ بعدها أبدا ‏"‏ قال وقالت أسماء بنت أبي بكر ‏"‏ فذكره‏.‏

قوله ‏(‏وسيؤخذ ناس دوني‏)‏ هو مبين لقوله في حديث ابن مسعود في أوائل الباب ثم ليختلجن دوني وأن المراد طائفة منهم‏.‏

قوله ‏(‏فأقول‏:‏ يا رب مني ومن أمتي‏)‏ فيه دفع لقول من حملهم على غير هذه الأمة‏.‏

قوله ‏(‏هل شعرت ما عملوا بعدك‏)‏ فيه إشارة إلى أنه لم يعرف أشخاصهم بأعيانها وإن كان قد عرف أنهم من هذه الأمة بالعلامة‏.‏

قوله ‏(‏ما برحوا يرجعون على أعقابهم‏)‏ أي يرتدون كما في حديث الآخرين‏.‏

قوله ‏(‏قال ابن أبي مليكة‏)‏ هو موصول بالسند المذكور، فقد أخرجه مسلم بلفظ ‏"‏ قال فكان ابن أبي مليكة يقول‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أن نرجع على أعقابنا أو نفتن عن ديننا‏)‏ أشار بذلك إلى أن الرجوع على العقب كناية عن مخالفة الأمر الذي تكون الفتنة سببه فاستعاذ منهما جميعا‏.‏

قوله ‏(‏على أعقابكم تنكصون ترجعون على العقب‏)‏ هو تفسير أبي عبيدة للآية وزاد‏:‏ نكص رجع على عقبيه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ أخرج مسلم والإسماعيلي هذا الحديث عقب حديث عبد الله بن عمرو وهو الخامس، وكأن البخاري أخر حديث أسماء إلى آخر الباب لما في آخره من الإشارة الأخرية الدالة على الفراغ كما جرى بالاستقراء من عادته أنه يختم كل كتاب بالحديث الذي تكون فيه الإشارة إلى ذلك بأي لفظ اتفق‏.‏

والله أعلم‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الرقاق من الأحاديث المرفوعة على مائة وثلاثة وتسعين حديثا، المعلق منها ثلاثة وثلاثون طريقا والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى مائة وأربعة وثلاثون والخالص تسعة وخمسون وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث ابن عمر ‏"‏ كن في الدنيا كأنك غريب ‏"‏ وحديث ابن مسعود في الخالط وكذا حديث أنس فيه وحديث أبي بن كعب في نزول ‏(‏ألهاكم التكاثر‏)‏ وحديث ابن مسعود ‏"‏ أيكم مال وارثه أحب إليه ‏"‏ وحديث أبي هريرة ‏"‏ أعذر الله إلى امرئ ‏"‏ وحديثه ‏"‏ الجنة أقرب إلى أحدكم ‏"‏ وحديثه ‏"‏ ما لعبدي المؤمن إذا قبضت صفيه ‏"‏ وحديث عبد الله بن الزبير ‏"‏ لو كان لابن آدم واد من ذهب ‏"‏ وحديث سهل بن سعد ‏"‏ من يضمن لي ‏"‏ وحديث أنس ‏"‏ إنكم لتعملون أعمالا ‏"‏ وحديث أبي هريرة ‏"‏ من عادى لي وليا ‏"‏ وحديثه ‏"‏ بعثت أنا والساعة كهاتين ‏"‏ وحديث في بعث النار، وحديث عمران في الجهنميين، وحديث أبي هريرة ‏"‏ لا يدخل أحد الجنة إلا أرى مقعده ‏"‏ وحديث عطاء بن يسار عن أبي هريرة فيمن يدفع عن الحوض فإن فيه زيادات ليست عند مسلم‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة فمن بعدهم سبعة عشر أثرا، والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏