فصل: باب يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مِيرَاثِ الْجَدِّ مَعَ الْأَبِ وَالْإِخْوَةِ

وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ الْجَدُّ أَبٌ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَا بَنِي آدَمَ وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَحَدًا خَالَفَ أَبَا بَكْرٍ فِي زَمَانِهِ وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرِثُنِي ابْنُ ابْنِي دُونَ إِخْوَتِي وَلَا أَرِثُ أَنَا ابْنَ ابْنِي وَيُذْكَرُ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَزَيْدٍ أَقَاوِيلُ مُخْتَلِفَةٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ميراث الجد مع الأب والإخوة‏)‏ المراد بالجد هنا من يكون من قبل الأب والمراد بالإخوة الأشقاء ومن الأب، وقد انعقد الإجماع على أن الجد لا يرث مع وجود الأب‏.‏

قوله ‏(‏وقال أبو بكر وابن عباس وابن الزبير الجد أب‏)‏ أي هو أب حقيقة لكن تتفاوت مراتبه بحسب القرب والبعد، وقيل المعنى أنه ينزل منزلة الأب في الحرمة ووجوه البر، والمعروف عن المذكورين الأول، قال يزيد بن هارون في كتاب الفرائض له أخبرنا محمد بن سالم عن الشعبي أن أبا بكر وابن عباس وابن الزبير كانوا يجعلون الجد أبا يرث ما يرث ويحجب ما يحجب، ومحمد بن سالم ضعيف والشعبي عن أبي بكر منقطع، وقد جاء من طريق أخرى، وإذا حمل ما نقله الشعبي على العموم لزم منه خلاف ما أجمعوا عليه في صورة وهي أم الأب إذا علت تسقط بالأب ولا تسقط بالجد، واختلف في صورتين إحداهما أن بني العلات والأعيان يسقطون بالأب ولا يسقطون بالجد إلا عند أبي حنيفة ومن تابعه، والأم مع الأب وأحد الزوجين تأخذ ثلث ما بقي ومع الجد تأخذ ثلث الجميع إلا عند أبي يوسف فقال هو كالأب، وفي الإرث بالولاء صورة ثالثة فيها اختلاف أيضا، فأما قول أبي بكر وهو الصديق فوصله الدارمي بسند على شرط مسلم عن أبي سعيد الخدري أن أبا بكر الصديق جعل الجد أبا، وبسند صحيح إلى أبي موسى أن أبا بكر مثله، وبسند صحيح أيضا إلى عثمان بن عفان أن أبا بكر كان يجعل الجد أبا، وفي لفظ له أنه جعل الجد أبا إذا لم يكن دونه أب وبسند صحيح عن ابن عباس أن أبا بكر كان يجعل الجد أبا، وقد أسند المصنف في آخر الباب عن ابن عباس أن أبا بكر أنزله أبا، وكذا مضى في المناقب موصولا عن ابن الزبير أن أبا بكر أنزله أبا، وأما قول ابن عباس فأخرجه محمد بن نصر المروزي في كتاب الفرائض من طريق عمرو بن دينار عن عطاء عن ابن عباس قال‏:‏ الجد أب‏.‏

وأخرج الدارمي بسند صحيح عن طاوس عنه أنه جعل الجد أبا‏.‏

وأخرج يزيد بن هارون من طريق ليث عن طاوس أن عثمان وابن عباس كانا يجعلان الجد أبا‏.‏

وأما قول ابن الزبير فتقدم في المناقب موصولا من طريق ابن أبي مليكة قال‏:‏ كتب أهل الكوفة إلى ابن الزبير في الجد فقال‏:‏ إن أبا بكر أنزله أبا، وفيه دلالة على أنه أفتاهم بمثل قول أبي بكر وأخرج يزيد بن هارون من طريق سعيد بن جبير قال‏:‏ كنت كاتبا لعبد الله بن عتبة فأتاه كتب ابن الزبير أن أبا بكر جعل الجد أبا‏.‏

قوله ‏(‏وقرأ ابن عباس‏:‏ يا بني آدم - واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب‏)‏ أما احتجاج ابن عباس بقوله تعالى ‏(‏يا بني آدم‏)‏ فوصله محمد بن نصر من طريق عبد الرحمن بن معقل قال‏:‏ جاء رجل إلى ابن عباس فقال له كيف تقول في الجد‏؟‏ قال‏:‏ أي أب لك أكبر‏؟‏ فسكت، وكأنه عيي عن جوابه، فقلت أنا‏:‏ آدم، فقال أفلا تسمع إلى قوله تعالى ‏(‏يا بني آدم‏)‏ أخرجه الدارمي من هذا الوجه‏.‏

وأما احتجاجه بقوله تعالى ‏(‏واتبعت ملة آبائي‏)‏ فوصله سعيد بن منصور من طريق عطاء عن ابن عباس قال‏:‏ الجد أب وقرأ ‏(‏واتبعت ملة آبائي‏)‏ الآية، واحتج بعض من قال بذلك بقوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أنا ابن عبد المطلب ‏"‏ وإنما هو ابن ابنه‏.‏

قوله ‏(‏ولم يذكر‏)‏ هو بضم أوله على البناء للمجهول‏.‏

قوله ‏(‏إن أحدا خالف أبا بكر في زمانه وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم متوافرون‏)‏ كأنه يريد بذلك تقوية حجة القول المذكور فإن الإجماع السكوتي حجة وهو حاصل في هذا، وممن جاء عنه التصريح بأن الجد يرث ما كان يرث الأب عند عدم الأب غير من سماه المصنف معاذ وأبو الدرداء وأبو موسى وأبي بن كعب وعائشة وأبو هريرة، ونقل ذلك أيضا عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود على اختلاف عنهم كما سيأتي، ومن التابعين عطاء وطاوس وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وأبو الشعثاء وشريح والشعبي، ومن فقهاء الأنصار عثمان التيمي وأبو حنيفة وإسحاق بن راهويه وداود وأبو ثور والمزني وابن سريح، وذهب عمر وعلي وزيد بن ثابت وابن مسعود إلى توريث الإخوة مع الجد لكن اختلفوا في كيفية ذلك كما سيأتي بيانه‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس يرثني ابن ابني دون أخوتي ولا أرث أنا ابن ابني‏)‏ وصله سعيد بن منصور من طريق عطاء عنه قال فذكره‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ وجه قياس ابن عباس أن ابن الابن لما كان كالابن عند عدم الابن كان أبو الأب عند عدم الأب كالأب، وقد ذكر من وافق ابن عباس في هذا توجيه قياسه المذكور من جهة أنهم أجمعوا على أنه كالأب في الشهادة له وفي العتق عليه وأنه لا يقتص منه وأنه ذو فرض أو عاصب وعلى أن من ترك ابنا وأبا أن للأب السدس والباقي للابن وكذا لو ترك جدة لأبيه وابنا وعلى أن الجد يضرب مع أصحاب الفروض بالسدس كما يضرب الأب سواء قيل بالعول أم لا، واتفقوا على أن ابن الابن بمنزلة الابن في حجب الزوج عن النصف والمرأة عن الربع والأم عن الثلث كالابن سواء، فلو أن رجلا ترك أبويه وابن ابنه كان لكل من أبويه السدس وأن من ترك أبا جده وعمه أن المال لأبي جده دون عمه فينبغي أن يكون لوالد أبيه دون إخوته فيكون الجد أولى من أولاد أبيه كما أن أباه أولى من أولاد أبيه، وعلى أن الإخوة من الأم لا يرثون مع الجد كما لا يرثون مع الأب فحجبهم الجد كما حجبهم الأب فينبغي أن يكون الجد كالأب في حجب الإخوة وكذا القول في بني الإخوة ولو كانوا أشقاء؛ وقال السهيلي‏:‏ لم ير زيد بن ثابت لاحتجاج ابن عباس بقوله تعالى ‏(‏يا بني آدم‏)‏ ونحوها مما ذكر عنه حجة لأن ذلك ذكر في مقام النسبة والتعريف فعبر بالبنوة ولو عبر بالولادة لكان فيه متعلق، ولكن بين التعبير بالولد والابن فرق، ولذلك قال تعالى ‏(‏يوصيكم الله في أولادكم‏)‏ ولم يقل في أبنائكم، ولفظ الولد يقع على الذكر والأنثى والواحد والجمع بخلاف الابن، وأيضا فلفظ الولد يليق بالميراث بخلاف الابن تقول ابن فلان من الرضاعة ولا تقول ولده، وكذا كان من يتبنى ولد غيره قال له ابني وتبناه ولا يقول ولدي ولا ولده ومن ثم قال في آية التحريم ‏(‏وحلائل أبنائكم‏)‏ إذ لو قال وحلائل أولادكم لم يحتج إلى أن يقول من أصلابكم لأن الولد لا يكون إلا من صلب أو بطن‏.‏

قوله ‏(‏ويذكر عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة‏)‏ سقط ذكر زيد من شرح ابن بطال فلعله من النسخة، وقد أخذ بقوله جمهور العلماء وتمسكوا بحديث ‏"‏ أفرضكم زيد ‏"‏ وهو حديث حسن أخرجه أحمد وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم من رواية أبي قلابة عن أنس وأعله بالإرسال، ورجحه الدار قطني والخطيب وغيرهما، وله متابعات وشواهد ذكرتها في تخريج أحاديث الرافعي، فأما عمر فأخرج الدارمي بسند صحيح عن الشعبي قال ‏"‏ أول جد ورث في الإسلام عمر فأخذ ماله، فأتاه علي وزيد - يعني ابن ثابت - فقالا ليس لك ذلك إنما أنت كأحد الأخوين ‏"‏ وأخرج ابن أبي شيبة من طريق عبد الرحمن بن غنم مثله دون قوله ‏"‏ فأتاه إلخ ‏"‏ لكن قال ‏"‏ فأراد عمر أن يحتاز المال فقلت له‏:‏ يا أمير المؤمنين إنهم شجرة دونك، يعني بني أبيه ‏"‏ وأخرج الدار قطني بسند قوي عن زيد بن ثابت أن عمر أتاه فذكر قصة فيها ‏"‏ أن مثل الجد كمثل شجرة نبتت على ساق واحد فخرج منها غصن ثم خرج من الغصن غصن فإن قطعت الغصن رجع الماء إلى الساق وإن قطعت الثاني رجع الماء إلى الأول، فخطب عمر الناس فقال إن زيدا قال في الجد قولا وقد أمضيته ‏"‏ وأخرج الدارمي من طريق إسماعيل بن أبي خالد قال ‏"‏ قال عمر خذ من الجد ما اجتمع عليه الناس ‏"‏ وهذا منقطع‏.‏

وأخرج الدارمي من طريق عيسى الخياط عن الشعبي قال ‏"‏ كان عمر يقاسم الجد مع الأخ والأخوين فإذا زادوا أعطاه الثلث وكان يعطيه مع الولد السدس‏.‏

وأخرج البيهقي بسند صحيح عن يونس بن يزيد عن الزهري ‏"‏ حدثني سعيد بن المسيب وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وقبيصة بن ذؤيب أن عمر قضى أن الجد يقاسم الإخوة للأب والأم والإخوة للأب ما كانت المقاسمة خيرا له من الثلث، فإن كثر الإخوة أعطى الجد الثلث ‏"‏ وأخرج يزيد ابن هارون في كتاب الفرائض عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة بن عمرو قال ‏"‏ إني لأحفظ عن عمر في الجد مائة قضية كلها ينقض بعضها بعضا ‏"‏ وروينا في الجزء الحادي عشر من ‏"‏ فوائد أبي جعفر الرازي ‏"‏ بسند صحيح إلى ابن عون عن محمد بن سيرين ‏"‏ سألت عبيدة عن الجد فقال‏:‏ قد حفظت عن عمر في الجد مائة قضية مختلفة ‏"‏ وقد استبعد بعضهم هذا عن عمر، وتأول البزار صاحب المسند قوله ‏"‏ قضايا مختلفة ‏"‏ على اختلاف حال من يرث مع الجد كأن يكون أخ واحد أو أكثر أو أخت واحدة أو أكثر، ويدفع هذا التأويل ما تقدم من قول عبيدة بن عمرو ‏"‏ ينقض بعضها بعضا ‏"‏ وسيأتي عن عمر أقوال أخرى‏.‏

وأما علي فأخرج ابن أبي شيبة ومحمد بن نصر بسند صحيح عن الشعبي ‏"‏ كتب ابن عباس إلى علي يسأله عن ستة إخوة وجد، فكتب إليه أن اجعله كأحدهم وامح كتابي ‏"‏ وأخرج الدارمي بسند قوي عن الشعبي قال ‏"‏ كتب ابن عباس إلى علي - وابن عباس بالبصرة - إني أتيت بجد وستة إخوة، فكتب إليه على أن أعط الجد سبعا ولا تعطه أحدا بعده ‏"‏ وبسند صحيح إلى عبد الله بن سلمة أن عليا كان يجعل الجد أخا حتى يكون سادسا، ومن طريق الحسن البصري أن عليا كان يشرك الجد مع الإخوة إلى السدس، ومن طريق إبراهيم النخعي عن علي نحوه‏.‏

وأخرج ابن أبي شيبة من وجه آخر عن الشعبي عن علي أنه أتى في جد وستة إخوة فأعطى الجد السدس‏.‏

وأخرج يزيد بن هارون في الفرائض له عن محمد بن سالم عن الشعبي عن علي نحوه، ومحمد بن سالم هذا فيه ضعف، وسيأتي عن علي أقوال أخرى‏.‏

وأخرج الطحاوي من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الشعبي قال‏:‏ حدثت أن عليا كان ينزل بني الإخوة مع الجد منزلة آبائهم ولم يكن أحد من الصحابة يفعله غيره، ومن طريق السري بن يحيى عن الشعبي عن علي كقول الجماعة، وأما عبد الله بن مسعود فأخرج الدارمي بسند صحيح إلى أبي إسحاق السبيعي قال‏:‏ دخلت على شريح وعنده عامر - يعني الشعبي - وعبد الرحمن بن عبد الله - أي ابن مسعود - في فريضة امرأة منا تسمى العالية تركت زوجها وأمها وأخاها لأبيها وجدها، فذكر قصة فيها فأتيت عبيدة بن عمرو - وكان يقال ليس بالكوفة أعلم بفريضة من عبيدة والحارث الأعور - فسألته فقال‏:‏ إن شئتم نبأتكم بفريضة عبد الله بن مسعود في هذا فجعل للزوج ثلاثة أسهم النصف وللأم ثلث ما بقي وهو السدس من رأس المال وللأخ سهم وللجد سهم، وروينا في كتاب الفرائض لسفيان الثوري من طريق النخعي قال‏:‏ كان عمر وعبد الله يكرهان أن يفضلا أما على جد‏.‏

وأخرج سعيد بن منصور وأبو بكر بن أبي شيبة بسند واحد صحيح إلى عبيد بن نضلة قال‏:‏ كان عمر وابن مسعود يقاسمان الجد مع الإخوة ما بينه وبين أن يكون السدس خيرا له من مقاسمة الإخوة، وأخرجه محمد بن نصر مثله سواء وزاد‏:‏ ثم إن عمر كتب إلى عبد الله ما أرانا إلا قد أجحفنا بالجد، فإذا جاءك كتابي هذا فقاسم به مع الإخوة ما بينه وبين أن يكون الثلث خيرا له من مقاسمتهم، فأخذ بذلك عبد الله‏.‏

وأخرج محمد بن نصر بسند صحيح إلى عبيدة بن عمرو قال‏:‏ كان يعطى الجد مع الإخوة الثلث، وكان عمر يعطيه السدس، ثم كتب عمر إلى عبد الله‏:‏ إنا نخاف أن نكون قد أجحفنا بالجد فأعطه الثلث، ثم قدم علي هاهنا - يعني الكوفة - فأعطاه السدس، قال عبيدة فرأيهما في الجماعة أحب إلي من رأى أحدهما في الفرقة‏.‏

ومن طريق عبيد بن نضلة أن عليا كان يعطي الجد الثلث ثم تحول إلى السدس وأن عبد الله كان يعطيه السدس ثم تحول إلى الثلث‏.‏

وأما زيد بن ثابت فأخرج الدارمي من طريق الحسن البصري قال‏:‏ كان زيد يشرك الجد مع الإخوة إلى الثلث‏.‏

وأخرج البيهقي من طريق ابن وهب أخبرني عبد الرحمن بن أبي الزناد قال‏:‏ أخذ أبو الزناد هذه الرسالة من خارجة بن زيد بن ثابت ومن كبراء آل زيد بن ثابت فذكر قصة فيها‏:‏ قال زيد بن ثابت وكان رأيي أن الإخوة أولى بميراث أخيهم من الجد، وكان عمر يرى أن الجد أولى بميراث ابن ابنه من إخوته، وأخرجه ابن حزم من طريق إسماعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن ابن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد عن أبيه قال‏:‏ كان رأيي أن الإخوة أحق بميراث أخيهم من الجد وكان أمير المؤمنين - يعني عمر - يعطيهم بالوجه الذي يراه على قدر كثرة الإخوة وقلتهم‏.‏

قلت‏:‏ فاختلف النقل عن زيد‏.‏

وأخرج عبد الرزاق من طريق إبراهيم قال‏:‏ كان زيد بن ثابت يشرك الجد مع الإخوة إلى الثلث فإذا بلغ الثلث أعطاه إياه والإخوة ما بقي ويقاسم الأخ للأب ثم يرد على أخيه ويقاسم بالإخوة من الأب مع الإخوة الأشقاء ولا يورث الإخوة للأب شيئا ولا يعطي أخا لأم مع الجد شيئا‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ تفرد زيد من بين الصحابة في معادلته الجد بالإخوة بالأب مع الإخوة الأشقاء وخالفه كثير من الفقهاء القائلين بقوله في الفرائض في ذلك لأن الإخوة من الأب لا يرثون مع الأشقاء فلا معنى لإدخالهم معهم لأنه حيف على الجد في المقاسمة، وقد سأل ابن عباس زيدا عن ذلك فقال‏:‏ إنما أقول في ذلك برأيي كما تقول أنت برأيك‏.‏

وقال الطحاوي‏:‏ ذهب مالك والشافعي وأبو يوسف إلى قول زيد بن ثابت في الجد إن كان معه إخوة أشقاء قاسمهم ما دامت المقاسمة خيرا له من الثلث وإن كان الثلث خيرا له أعطاه إياه ولا ترث الإخوة من الأب مع الجد شيئا ولا بنو الإخوة ولو كانوا أشقاء، وإذا كان مع الجد والإخوة أحد من أصحاب الفروض بدأ بهم ثم أعطى الجد خير الثلاثة من المقاسمة ومن ثلث ما بقي ومن السدس ولا ينقصه من السدس إلا في الأكدرية‏.‏

قال‏:‏ وروى هشام عن محمد بن الحسن أنه وقف في الجد، قال أبو يوسف وكان ابن أبي ليلى يأخذ في الجد بقول علي، ومذهب أحمد أنه كواحد الإخوة فإن كان الثلث أحظ له أخذه وله مع ذي فرض بعده الأحظ من مقاسمة كأخ أو ثلث الباقي أو سدس الجميع‏.‏

والأكدرية المشار إليها تسمى مربعة الجماعة لأنهم أجمعوا على أنها أربعة ولكن اختلفوا في قسمها وهي زوج وأم وأخت وجد فللزوج النصف وللأم الثلث وللجد السدس وللأخت النصف، وتصح من سبعة وعشرين للزوج تسعة وللأم ستة وللأخت أربعة وللجد ثمانية، وقد نظمها بعضهم‏:‏ ما فرض أربعة يوزع بينهم ميراث ميتهم بفرض واقع فلواحد ثلث الجميع وثلث ما يبقى لثانيهم بحكم جامع بثالث من بعد ذا ثلث الذي يبقى وما يبقى نصيب الرابع

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا بَقِيَ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ

الشرح‏:‏

ذكر المصنف حديث ابن عباس ‏"‏ ألحقوا الفرائض ‏"‏ وقد تقدم شرحه، ووجه تعلقه بالمسألة أنه دل على أن الذي يبقى بعد الفرض يصرف لأقرب الناس للميت فكان الجد أقرب فيقدم، قال ابن بطال‏:‏ وقد احتج به من شرك بين الجد والأخ فإنه أقرب إلى الميت بدليل أنه ينفرد بالولاء ولأنه يقوم مقام الولد في حجب الأم من الثلث إلى السدس ولأن الجد إنما يدلي بالميت وهو ولد ابنه والأخ يدلي بالميت وهو ولد أبيه والابن أقوى من الأب لأن الابن ينفرد بالمال ويرد الأب إلى السدس ولا كذلك الأب فتعصيب الأخ تعصيب بنوة وتعصيب الجد تعصيب أبوة والبنوة أقوى من الأبوة في الإرث، ولأن الأخت فرضها النصف إذا انفردت فلم يسقطها الجد كالبنت، ولأن الأخ يعصب أخته بخلاف الجد فامتنع من قوة تعصيبه عليه أن يسقط به‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ الجد أصل ولكن الأخ في الميراث أقوى سببا منه لأنه يدلي بولاية الأب فالولادة أقوى الأسباب في الميراث فإن قال الجد وأنا أيضا ولدت الميت قيل له إنما ولدت والده وأبوه ولد الإخوة فصار سببهم قويا وولد الولد ليس ولدا إلا بواسطة وإن شاركه في مطلق الولدية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ أَمَّا الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُهُ وَلَكِنْ خُلَّةُ الْإِسْلَامِ أَفْضَلُ أَوْ قَالَ خَيْرٌ فَإِنَّهُ أَنْزَلَهُ أَبًا أَوْ قَالَ قَضَاهُ أَبًا

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس أيضا في فضل أبي بكر وقد تقدم شرحه مستوفى في المناقب، وقوله ‏"‏أفضل أو قال خير ‏"‏ شك من الراوي وكذا قوله ‏"‏ أنزله أبا أو قال قضاه أبا‏"‏‏.‏

*3*باب مِيرَاثِ الزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ميراث الزوج مع الولد وغيره‏)‏ أي من الوارثين فلا يسقط الزوج بحال وإنما يحطه الولد عن النصف إلى الربع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ وَرْقَاءَ عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ الْمَالُ لِلْوَلَدِ وَكَانَتْ الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ فَنَسَخَ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَحَبَّ فَجَعَلَ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَجَعَلَ لِلْأَبَوَيْنِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ وَجَعَلَ لِلْمَرْأَةِ الثُّمُنَ وَالرُّبُعَ وَلِلزَّوْجِ الشَّطْرَ وَالرُّبُعَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس ‏"‏ كان المال - أي المخلف عن الميت - للولد والوصية للوالدين ‏"‏ الحديث، قد تقدم في الوصايا وذكرت شرحه هناك مستوفى سندا ومتنا ولله الحمد‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ استشهاد البخاري بحديث ابن عباس هذا مع أن الدليل من الآية واضح إشارة منه إلى تقرير سبب نزول الآية وأنها على ظاهرها غير مؤولة ولا منسوخة، وأفاد السهيلي أن في الآية التي نسختها وهي ‏(‏يوصيكم الله‏)‏ إشارة إلى استمرارها؛ فلذلك عبر بالفعل الدال على الدوام بخلاف غيرها من الآيات حيث قال في الآية المنسوخة الحكم ‏(‏كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا‏)‏ الآية‏.‏

قوله ‏(‏وجعل للأبوين لكل واحد منهما السدس‏)‏ أفاد السهيلي أن الحكمة في إعطاء الوالدين ذلك والتسوية بينهما ليستمرا فيه فلا يجحف بهما إن كثرت الأولاد مثلا، وسوى بينهما في ذلك مع وجود الولد أو الإخوة لما يستحقه كل منهما على الميت من التربية ونحوها، وفضل الأب على الأم عند عدم الولد والإخوة لما للأب من الامتياز بالإنفاق والنصرة ونحو ذلك، وعوضت الأم عن ذلك بأمر الولد بتفضيلها على الأب في البر في حال حياة الولد‏.‏

انتهى ملخصا‏.‏

وأخرج عبد بن حميد من طريق قتادة عن بعض أهل العلم أن الأب حجب الإخوة وأخذ سهامهم لأنه يتولى إنكاحهم والإنفاق عليهم دون الأم‏.‏

*3*باب مِيرَاثِ الْمَرْأَةِ وَالزَّوْجِ مَعَ الْوَلَدِ وَغَيْرِهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ميراث المرأة والزوج مع الوالد وغيره‏)‏ أي من الوارثين فلا يسقط إرث واحد منهما بحال، بل يحط الولد الزوج من النصف إلى الربع، ويحط المرأة من الربع إلى الثمن‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي جَنِينِ امْرَأَةٍ مِنْ بَنِي لَحْيَانَ سَقَطَ مَيِّتًا بِغُرَّةٍ عَبْدٍ أَوْ أَمَةٍ ثُمَّ إِنَّ الْمَرْأَةَ الَّتِي قَضَى لَهَا بِالْغُرَّةِ تُوُفِّيَتْ فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ مِيرَاثَهَا لِبَنِيهَا وَزَوْجِهَا وَأَنَّ الْعَقْلَ عَلَى عَصَبَتِهَا

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في قصة المرأة التي ضربت الأخرى فأسقطت جنينا ثم ماتت الضاربة فقضى النبي صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة وأن العقل على عصبة القاتلة وأن ميراث الضاربة لبنيها وزوجها، وسيأتي شرحه مستوفى في كتاب الديات إن شاء الله تعالى‏.‏

ووجه الدلالة منه على الترجمة ظاهرة، لأن ميراث الضاربة لبنيها وزوجها لا لعصبتها الذين عقلوا عنها فورث الزوج مع ولده، وكذا لو كان الأب هو الميت لورثت الأم مع الأولاد، أشار إلى ذلك ابن التين‏.‏

وكذا لو كان هناك عصبة بغير ولد‏.‏

*3*باب مِيرَاثُ الْأَخَوَاتِ مَعَ الْبَنَاتِ عَصَبَةٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ميراث الأخوات مع البنات عصبة‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أجمعوا على أن الأخوات عصبة البنات فيرثن ما فضل عن البنات، فمن لم يخلف إلا بنتا وأختا فللبنت النصف وللأخت النصف الباقي على ما في حديث معاذ وإن خلف بنتين وأختا فلهما الثلثان وللأخت ما بقي، وإن خلف بنتا وأختا وبنت ابن فللبنت النصف ولبنت الابن تكملة الثلثين وللأخت ما بقي على ما في حديث ابن مسعود، لأن البنات لا يرثن أكثر من الثلثين، ولم يخالف في شيء من ذلك إلا ابن عباس فإنه كان يقول‏:‏ للبنت النصف وما بقي للعصبة وليس للأخت شيء، وكذا للبنتين الثلثان وللبنت وبنت الابن كما مضى والباقي للعصبة، فإذا لم تكن عصبة رد الفضل على البنت أو البنات‏.‏

وقد تقدم البحث في ذلك‏.‏

قال‏:‏ ولم يوافق ابن عباس على ذلك أحد إلا أهل الظاهر‏.‏

قال‏:‏ وحجة الجماعة من جهة النظر أن عدم الولد في قوله تعالى ‏(‏إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت‏)‏ إنما جعل شرطا في فرضها الذي تقاسم به الورثة لا في توريثها مطلقا، فإذا عدم الشرط سقط الفرض، ولم يمنع ذلك أن ترث بمعنى آخر كما شرط في ميراث الأخ من أخته عند عدم الولد، وهو يرثها إن لم يكن لها ولد وقد أجمعوا على أنه يرثها مع البنت، وهو كما جعل النصف في ميراث الزوج شرطا إذا لم يكن ولد ولم يمنع ذلك أن يأخذ النصف مع البنت فبأخذ نصف النصف بالفرض والنصف الآخر بالتعصيب إن كان ابن عم مثلا، فكذلك الأخت والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ قَضَى فِينَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النِّصْفُ لِلْابْنَةِ وَالنِّصْفُ لِلْأُخْتِ ثُمَّ قَالَ سُلَيْمَانُ قَضَى فِينَا وَلَمْ يَذْكُرْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش وإبراهيم هو النخعي والأسود هو ابن يزيد وهو خال إبراهيم الراوي عنه‏.‏

قوله ‏(‏ثم قال سليمان قضى فينا ولم يذكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ القائل ذلك هو شعبة وسليمان هو الأعمش وهو موصول بالسند المذكور‏.‏

وحاصله أن الأعمش روى الحديث أولا بإثبات قوله ‏"‏ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ فيكون مرفوعا على الراجح في المسألة ومرة بدونها فيكون موقوفا، وقد أخرجه الإسماعيلي عن القاسم بن زكريا عن بشر بن خالد شيخ البخاري فيه مثله لكن قال‏:‏ قال سليمان بعد قال القاسم وحدثنا محمد بن عبد الأعلى حدثنا خالد بسنده بلفظ ‏"‏ قضى بذلك معاذ فينا‏"‏‏.‏

قلت وقد مضى في ‏"‏ باب ميراث البنات ‏"‏ من وجه آخر عن الأسود بن يزيد قال ‏"‏ أتانا معاذ بن جبل باليمن معلما وأميرا، فسألناه عن رجل فذكره ‏"‏ وسياقه مشعر بأن ذلك كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمره على اليمن كما مضى صريحا في كتاب الزكاة وغيره، وأخرجه أبو داود والدار قطني من وجه ثالث عن الأسود ‏"‏ أن معاذا ورث فذكره‏"‏‏.‏

وزاد ‏"‏ هو باليمن ونبي الله صلى الله عليه وسلم يومئذ حي ‏"‏ وللدار قطني من وجه آخر عن الأسود ‏"‏ قدم علينا معاذ حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فذكره باختصار‏.‏

وهذا أصرح ما وجدت في ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي قَيْسٍ عَنْ هُزَيْلٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ لَأَقْضِيَنَّ فِيهَا بِقَضَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للْابْنَةِ النِّصْفُ وَلِابْنَةِ الِابْنِ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ فَلِلْأُخْتِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عبد الرحمن‏)‏ هو ابن مهدي وسفيان هو الثوري وأبو قيس هو عبد الرحمن، وقد مضى ذكره وشرح حديثه قبل هذا بأربعة أبواب من طريق شعبة عن أبي قيس وفيه قصة أبي موسى وجزم فيه بقوله ‏"‏ لأقضين فيها بقضاء النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وأما قوله هنا ‏"‏ أو قال قال النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ فهو شك من بعض رواته، وأكثر الرواة أثبتوا الزيادة، ففي رواية وكيع وغيره عن سفيان عند النسائي وغيره ‏"‏ سأقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ومراده بالقضاء بالنسبة إليه الفتيا فإن ابن مسعود يومئذ لم يكن قاضيا ولا أميرا‏.‏

*3*باب مِيرَاثِ الْأَخَوَاتِ وَالْإِخْوَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ميراث الأخوات والإخوة‏)‏ ذكر فيه حديث جابر المذكور في أول كتاب الفرائض، والغرض منه قوله ‏"‏ إنما لي أخوات ‏"‏ فإنه يقتضي أنه لم يكن له ولد، واستنبط المصنف الإخوة بطريق الأولى، وقدم الأخوات في الذكر للتصريح بهن في الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُثْمَانَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا مَرِيضٌ فَدَعَا بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ نَضَحَ عَلَيَّ مِنْ وَضُوئِهِ فَأَفَقْتُ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا لِي أَخَوَاتٌ فَنَزَلَتْ آيَةُ الْفَرَائِضِ

الشرح‏:‏

-10041 سبق شرحه بالباب

*3*باب يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ

إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ فَإِنْ كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة‏)‏ ذكر فيه حديث البراء من طريق أبي إسحاق عنه ‏"‏ آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء‏:‏ يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ‏"‏ وأراد بذلك ما فيها من التنصيص على ميراث الإخوة، وقد أخرج أبو داود في ‏"‏ المراسيل ‏"‏ من وجه آخر عن أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ‏"‏ جاء رجل، فقال‏:‏ يا رسول الله ما الكلالة‏؟‏ قال‏:‏ من لم يترك ولدا ولا والدا فورثته كلالة‏"‏‏.‏

ووقع في صحيح مسلم عن عمر أنه خطب ثم قال ‏"‏ إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة، وما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما راجعته في الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري فقال‏:‏ ألا يكفيك آية النصف التي في آخر سورة النساء‏"‏‏.‏

وقد اختلف في تفسير الكلالة، والجمهور على أنه من لا ولد له ولا والد، واختلف في بنت وأخت هل ترث الأخت مع البنت‏؟‏ وكذا في الجد هل يتنزل منزلة الأب فلا ترث معه الإخوة‏؟‏ قال السهيلي‏:‏ الكلالة من الإكليل المحيط بالرأس لأن الكلالة وراثة تكللت العصبة أي أحاطت بالميت من الطرفين، وهي مصدر كالقرابة، وسمي أقرباء الميت كلالة بالمصدر كما يقال هم قرابة أي ذوو قرابة، وإن عنيت المصدر قلت ورثوه عن كلالة، وتطلق الكلالة على الورثة مجازا‏.‏

قال‏:‏ ولا يصح قول من قال الكلالة المال ولا الميت إلا على إرادة تفسيره معنى من غير نظر إلى حقيقة اللفظ‏.‏

ثم قال‏:‏ ومن العجب أن الكلالة في الآية الأولى من النساء لا يرث فيها الإخوة مع البنت مع أنه لم يقع فيها التقييد بقوله ليس له ولد، وقيد به في الآية الثانية مع أن الأخت فيها ورثت مع البنت، والحكمة فيها أن الأولى عبر فيها بقوله تعالى ‏(‏وإن كان رجل يورث‏)‏ فإن مقتضاه الإحاطة بجميع المال فأغنى لفظ يورث عن القيد، ومثله قوله تعالى ‏(‏وهو يرثها إن لم يكن لها ولد‏)‏ أي يحيط بميراثها‏.‏

وأما الآية الثانية‏:‏ فالمراد بالولد فيها الذكر كما تقدم تقريره، ولم يعبر فيها بلفظ يورث فلذلك ورثت الأخت مع البنت‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ الاستدلال بآية الكلالة على أن الأخوات عصبة لطيف جدا، وهو أن العرف في آيات الفرائض قد اطرد على أن الشرط المذكور فيما هو لمقدار الفرض لا لأصل الميراث، فيفهم أنه إذا لم يوجد الشرط أن يتغير قدر الميراث، فمن ذلك قوله ‏(‏ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد، فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث‏)‏ فتغير القدر ولم يتغير أصل الميراث، وكذا في الزوج وفي الزوجة، فقياس ذلك أن يطرد في الأخت فلها النصف إن لم يكن ولد، فإن كان ولد تغير القدر ولم يتغير أصل الإرث، وليس هناك قدر يتغير إليه إلا التعصيب، ولا يلزم من ذلك أن ترث الأخت مع الابن لأنه خرج بالإجماع فيبقى ما عداه على الأصل والله أعلم‏.‏

وقد تقدم الكلام في آخر ما نزل من القرآن في آخر تفسير سورة البقرة‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ اختلف في تعيين آخر ما نزل فقال البراء هنا‏:‏ خاتمة سورة النساء‏.‏

وقال ابن عباس كما تقدم في آخر سورة البقرة‏:‏ آية الربا، وهذا اختلاف بين الصحابيين ولم ينقل واحد منهما ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم فيحمل على أن كلا منهما قال يظنه، وتعقب بأن الجمع أولى كما تقدم بيانه هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ آخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ النِّسَاءِ يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ

الشرح‏:‏

حديث البراء من طريق أبي إسحاق عنه ‏"‏ آخر آية نزلت خاتمة سورة النساء‏:‏ يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ‏"‏ وأراد بذلك ما فيها من التنصيص على ميراث الإخوة، وقد أخرج أبو داود في ‏"‏ المراسيل ‏"‏ من وجه آخر عن أبي إسحاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ‏"‏ جاء رجل، فقال‏:‏ يا رسول الله ما الكلالة‏؟‏ قال‏:‏ من لم يترك ولدا ولا والدا فورثته كلالة‏"‏‏.‏

ووقع في صحيح مسلم عن عمر أنه خطب ثم قال ‏"‏ إني لا أدع بعدي شيئا أهم عندي من الكلالة، وما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما راجعته في الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري فقال‏:‏ ألا يكفيك آية النصف التي في آخر سورة النساء‏"‏‏.‏

*3*باب ابْنَيْ عَمٍّ أَحَدُهُمَا أَخٌ لِلْأُمِّ وَالْآخَرُ زَوْجٌ

وَقَالَ عَلِيٌّ لِلزَّوْجِ النِّصْفُ وَلِلْأَخِ مِنْ الْأُمِّ السُّدُسُ وَمَا بَقِيَ بَيْنَهُمَا نِصْفَانِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ابني عم أحدهما أخ للأم والآخر زوج‏)‏ صورتها أن رجلا تزوج امرأة فأتت منه بابن ثم تزوج أخرى فأتت منه بآخر ثم فارق الثانية فتزوجها أخوه فأتت منه ببنت فهي أخت الثاني لأمه وابنة عمه، فتزوجت هذه البنت الابن الأول وهو ابن عمها ثم ماتت عن ابني عمها‏.‏

قوله ‏(‏وقال علي للزوج النصف وللأخ من الأم السدس وما بقي بينهما نصفان‏)‏ وحاصله أن الزوج يعطى النصف لكونه زوجا ويعطى الآخر السدس لكونه أخا من أم فيبقى الثلث فيقسم بينهما بطريق العصوبة فيصح للأول الثلثان بالفرض والتعصيب وللآخر الثلث بالفرض والتعصيب، وهذا الأثر وصله عن علي رضي الله عنه سعيد بن منصور من طريق حكيم بن غفال قال‏:‏ أتى شريح في امرأة تركت ابني عمها أحدهما زوجها والآخر أخوها لأمها فجعل للزوج النصف والباقي للأخ من الأم، فأتوا عليا فذكروا له ذلك فأرسل إلى شريح فقال‏:‏ ما قضيت أبكتاب الله أو بسنة من رسول الله‏؟‏ فقال‏:‏ بكتاب الله قال‏:‏ أين‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏)‏ قال‏:‏ فهل قال للزوج النصف وللأخ ما بقي ثم أعطى الزوج النصف وللأخ من الأم السدس ثم قسم ما بقي بينهما‏.‏

وأخرج يزيد بن هارون والدارمي من طريق الحارث قال‏:‏ أتى علي في ابني عم أحدهما أخ لأم فقيل له إن عبد الله كان يعطي الأخ للأم المال كله، فقال‏:‏ يرحمه الله إن كان لفقيها ولو كنت أنا لأعطيت الأخ من الأم السدس ثم قسمت ما بقي بينهما‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ وافق عليا زيد بن ثابت والجمهور‏.‏

وقال عمر وابن مسعود‏:‏ جميع المال - يعني الذي يبقى بعد نصيب الزوج - الذي جمع القرابتين فله السدس بالفرض والثلث الباقي بالتعصيب، وهو قول الحسن وأبي ثور وأهل الظاهر، واحتجوا بالإجماع في أخوين أحدهما شقيق والآخر لأب أن الشقيق يستوعب المال لكونه أقرب بأم، وحجة الجمهور ما أشار إليه البخاري في حديث أبي هريرة الذي أورده في الباب بلفظ ‏"‏ فمن مات وترك مالا فماله لموالي العصبة ‏"‏ والمراد بموالي العصبة بنو العم، فسوى بينهم ولم يفضل أحدا على أحد، وكذا قال أهل التفسير في قوله‏:‏ ‏(‏وإني خفت الموالي من ورائي‏)‏ أي بني العم‏.‏

فإن احتجوا بالحديث الآخر المذكور في الباب أيضا من حديث ابن عباس ‏"‏ فما تركت الفرائض فلأولى رجل ذكر ‏"‏ فالجواب أنهما من جهة التعصيب سواء، والتقدير ألحقوا الفرائض بأهلها أي أعطوا أصحاب الفروض حقهم فإن بقي شيء فهو للأقرب، فلما أخذ الزوج فرضه والأخ من الأم فرضه صار ما بقي موروثا بالتعصيب وهما في ذلك سواء، وقد أجمعوا في ثلاثة إخوة للأم أحدهم ابن عم أن للثلاثة الثلث والباقي لابن العم‏.‏

قال المازري‏:‏ مراتب التعصيب البنوة ثم الأبوة ثم الجدودة، فالابن أولى من الأب وإن فرض له معه السدس، وهو أولى من الإخوة وبنيهم لأنهم ينتسبون بالمشاركة في الأبوة والجدودة، والأب أولى من الإخوة ومن الجد لأنهم به ينتسبون فيسقطون مع وجوده، والجد أولى من بني الإخوة لأنه كالأب معهم، ومن العمومة لأنهم به ينتسبون، والإخوة وبنوهم أولى من العمومة وبنيهم لأن تعصيب الإخوة بالأبوة والعمومة بالجدودة، هذا ترتيبهم وهم يختلفون في القرب، فالأقرب أولى كالإخوة مع بنيهم والعمومة مع بنيهم فإن تساووا في الطبقة والقرب ولأحدهما زيادة كالشقيق مع الأخ لأب قدم، وكذا الحال في بنيهم وفي العمومة وبنيهم، فإن كانت زيادة الترجيح بمعنى غير ما هما فيه كابني عم أحدهما أخ لأم فقيل يستمر الترجيح فيأخذ ابن العم الذي هو أخ لأم جميع ما بقي بعد فرض الزوج وهو قول عمر وابن مسعود وشريح والحسن وابن سيرين والنخعي وأبي ثور والطبري وداود ونقل عن أشهب، وأبى ذلك الجمهور فقالوا‏:‏ بل يأخذ الأخ من الأم فرضه ويقسم الباقي بينهما، والفرق بين هذه الصورة وبين تقدم الشقيق على الأخ لأب طريق الترجيح لأن الشرط فيها أن يكون فيه معنى مناسب لجهة التعصيب لأن الشقيق شارك شقيقه في جهة القرب المتعلقة بالتعصيب بخلاف الصورة المذكورة والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ فَمَنْ مَاتَ وَتَرَكَ مَالًا فَمَالُهُ لِمَوَالِي الْعَصَبَةِ وَمَنْ تَرَكَ كَلًّا أَوْ ضَيَاعًا فَأَنَا وَلِيُّهُ فَلِأُدْعَى لَهُ الْكَلُّ الْعِيَالُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا محمود‏)‏ هو ابن غيلان وعبيد الله شيخه هو ابن موسى وقد حدث البخاري عنه كثيرا بغير واسطة وإسرائيل هو ابن يونس بن أبي إسحاق وأبو حصين بفتح أوله هو عثمان بن عاصم وأبو صالح هو ذكوان السمان‏.‏

قوله ‏(‏أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم‏)‏ زاد في رواية الأصيلي هنا ‏"‏ أزواجه أمهاتهم ‏"‏ قال عياض‏:‏ وهي زيادة في الحديث لا معنى لها هنا‏.‏

قول ‏(‏فلأدعى له‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ هي لام الأمر أصلها الكسر وقد تسكن مع الفاء والواو غالبا فيهما وإثبات الألف بعد العين جائز كقوله ‏"‏ ألم يأتيك والأخبار تنمى ‏"‏ والأصل عدم الإشباع للجزم، والمعنى فادعوني له أقوم بكله وضياعه‏.‏

قوله ‏(‏والكل العيال‏)‏ ثبت هذا التفسير في آخر الحديث في رواية المستملي والكشميهني، وأصل الكل الثقل ثم استعمل في كل أمر يصعب والعيال فرد من أفراده‏.‏

وقال صاحب الأساس‏:‏ كل بصره فهو كليل وكل عن الأمر لم تنبعث نفسه له وكل كلالة أي قصر عن بلوغ القرابة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أُمَيَّةُ بْنُ بِسْطَامٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ رَوْحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلْحِقُوا الْفَرَائِضَ بِأَهْلِهَا فَمَا تَرَكَتْ الْفَرَائِضُ فَلِأَوْلَى رَجُلٍ ذَكَرٍ

الشرح‏:‏

قد مضى شرح حديث ابن عباس في أوائل الفرائض، وروح شيخ يزيد بن زريع فيه هو ابن القاسم المنبري‏.‏

*3*باب ذَوِي الْأَرْحَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ذوي الأرحام‏)‏ أي بيان حكمهم هل يرثون أو لا‏؟‏ وهم عشرة أصناف‏:‏ الخال والخالة والجد للأم وولد البنت وولد الأخت وبنت الأخ وبنت العم والعمة والعم للأم وابن الأخ للأم ومن أدلى بأحد منهم، فمن ورثهم، قال أولاهم أولاد البنت ثم أولاد الأخت وبنات الأخ ثم العم والعمة والخال والخالة، وإذا استوى اثنان قدم الأقرب إلى صاحب فرض أو عصبة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ قُلْتُ لِأَبِي أُسَامَةَ حَدَّثَكُمْ إِدْرِيسُ حَدَّثَنَا طَلْحَةُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ قَالَ كَانَ الْمُهَاجِرُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَرِثُ الْأَنْصَارِيُّ الْمُهَاجِرِيَّ دُونَ ذَوِي رَحِمِهِ لِلْأُخُوَّةِ الَّتِي آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمْ فَلَمَّا نَزَلَتْ وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا مَوَالِيَ قَالَ نَسَخَتْهَا وَالَّذِينَ عَاقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏إسحاق بن إبراهيم‏)‏ هو الإمام المعروف بابن راهويه‏.‏

قوله ‏(‏قلت لأبي أسامة حدثكم إدريس‏)‏ أي ابن يزيد بن عبد الرحمن الأودي والد عبد الله، وطلحة شيخه هو ابن مصرف، وقد نسبه المصنف في التفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة وقال في آخره ‏"‏ سمع إدريس من طلحة وأبو أسامة من إدريس ‏"‏ وقد صرح هنا بالثاني‏.‏

ووقع في رواية أبي داود عن هارون ابن عبد الله عن أبي أسامة ‏"‏ حدثني إدريس بن يزيد حدثنا طلحة بن مصرف ‏"‏ وكذا أخرجه الإسماعيلي عن الهنجاني عن أبي كريب عن أبي أسامة، وكذا عند الطبري عن أبي كريب‏.‏

قوله ‏(‏ولكل جعلنا موالي والذين عاقدت أيمانكم‏)‏ ‏.‏

قال‏:‏ كان المهاجرون حين قدموا المدينة يرث الأنصاري المهاجري دون ذوي رحمه للأخوة التي آخى النبي صلى الله عليه وسلم بينهم فلما نزلت ‏(‏ولكل جعلنا موالي‏)‏ قال‏:‏ نسختها ‏(‏والذين عاقدت أيمانكم‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ كذا وقع في جميع النسخ نسختها ‏(‏والذين عاقدت أيمانكم‏)‏ والصواب أن المنسوخة ‏(‏والذين عاقدت أيمانكم‏)‏ والناسخة ‏(‏ولكل جعلنا موالي‏)‏ قال ووقع في رواية الطبري بيان ذلك ولفظه ‏"‏ فلما نزلت هذه الآية ‏(‏ولكل جعلنا موالي‏)‏ نسخت‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم في الكفالة التفسير من رواية الصلت بن محمد عن أبي أسامة مثل ما عزاه للطبري فكان عزوه إلى ما في البخاري أولى، مع أن في سياقه فائدة أخرى وهو أنه قال‏:‏ ‏(‏ولكل جعلنا موالي‏)‏ ورثة، فأفاد تفسير الموالي بالورثة، وأشار إلى أن قوله‏:‏ ‏(‏والذين عاقدت أيمانكم‏)‏ ابتداء شيء يريد أن يفسره أيضا، ويؤيده أنه وقع في رواية الصلت ‏"‏ ثم قال‏:‏ ‏(‏والذين عاقدت‏)‏ وبقي قوله نسختها مشكلا كما قال ابن بطال ‏"‏ وقد أجاب ابن المنير في الحاشية فقال‏:‏ الضمير في نسختها عائد على المؤاخاة لا على الآية والضمير في نسختها وهو الفاعل المستتر يعود على قوله‏:‏ ‏(‏ولكل جعلنا موالي‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏والذين عاقدت أيمانكم‏)‏ بدل من الضمير، وأصل الكلام لما نزلت ‏(‏ولكل جعلنا موالي‏)‏ نسخت ‏(‏والذين عاقدت أيمانكم‏)‏ وقال الكرماني‏:‏ فاعل نسختها آية جعلنا والذين عاقدت منصوب بإضمار أعني‏.‏

قلت‏:‏ ووقع في سياقه هنا أيضا موضع آخر وهو أنه عبر بقوله‏:‏ ‏"‏ يرث الأنصاري المهاجري ‏"‏ وتقدم في رواية الصلت بالعكس، وأجاب عنه الكرماني بأن المقصود إثبات الوراثة بينهما في الجملة‏.‏

قلت‏:‏ والأولى أن يقرأ الأنصاري بالنصب على أنه مفعول مقدم فتتحد الروايتان، ووقع في رواية الصلت موضع ثالث مشكل وهو قوله‏:‏ ‏(‏والذين عاقدت أيمانكم‏)‏ من النصر إلخ، وظاهر الكلام أن قوله من النصر يتعلق بعاقدت أيمانكم وليس كذلك وإنما يتعلق بقوله‏:‏ ‏(‏فآتوهم نصيبهم‏)‏ وقد بين ذلك أبو كريب في روايته، وكذلك أخرجه أبو داود عن هارون بن عبد الله عن أبي أسامة، وقد تقدم في تفسير النساء عدة طرق لذلك مع إعراب الآية، والكلام على حكم المعاقدة المذكورة ونسخها بما يغني عن إعادته، والمراد بإيراد الحديث هنا أن قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولكل جعلنا موالي‏)‏ نسخ حكم الميراث الذي دل عليه ‏(‏والذين عاقدت أيمانكم‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أكثر المفسرين على أن الناسخ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏والذين عاقدت أيمانكم‏)‏ قوله تعالى في الأنفال‏:‏ ‏(‏وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض‏)‏ وبذلك جزم أبو عبيد في ‏"‏ الناسخ والمنسوخ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ كذا أخرجه أبو داود بسند حسن عن ابن عباس ‏"‏ قال ابن الجوزي‏:‏ كان جماعة من المحدثين يرون الحديث من حفظهم فتقصر عباراتهم خصوصا العجم فلا يبين للكلام رونق مثل هذه الألفاظ في هذا الحديث، وبيان ذلك أن مراد الحديث المذكور أن النبي صلى الله عليه وسلم كان آخى بين المهاجرين والأنصار فكانوا يتوارثون بتلك الأخوة ويرونها داخلة في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏والذين عاقدت أيمانكم‏)‏ فلما نزل قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏)‏ نسخ الميراث بين المتعاقدين وبقي النصر والرفادة وجواز الوصية لهم، وقد وقع في رواية العوفي عن ابن عباس بيان السبب في إرثهم قال‏:‏ كان الرجل في الجاهلية يلحق به الرجل فيكون تابعه، فإذا مات الرجل صار لأقاربه الميراث وبقي تابعه ليس له شيء، فنزلت ‏(‏والذين عاقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم‏)‏ فكانوا يعطونه من ميراثه، ثم نزلت ‏(‏وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله‏)‏ فنسخ ذلك‏.‏

قلت‏:‏ والعوفي ضعيف، والذي في البخاري هو الصحيح المعتمد، وتصحيح السياق قد ظهر من نفس الرواية وأن بعض الرواة قدم بعض الألفاظ على بعض وحذف منها شيئا وأن بعضهم ساقها على الاستقامة وذلك هو المعتمد‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ اختلف الفقهاء في توريث ذوي الأرحام وهم من لا سهم له وليس بعصبة، فذهب أهل الحجاز والشام إلى منعهم الميراث، وذهب الكوفيون وأحمد وإسحاق إلى توريثهم، واحتجوا بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض‏)‏ واحتج الآخرون بأن المراد بها من له سهم في كتاب الله لأن آية الأنفال مجملة وآية المواريث مفسرة وبقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ من ترك مالا فلعصبته ‏"‏ وأنهم أجمعوا على ترك القول بظاهرها فجعلوا ما يخلفه المعتوق إرثا لعصبته دون مواليه فإن فقدوا فلمواليه دون ذوي رحمه، واختلفوا في توريثهم فقال أبو عبيد‏:‏ رأى أهل العراق رد ما بقي من ذوي الفروض إذا لم تكن عصبة على ذوي الفروض وإلا فعليهم وعلى العصبة، فإن فقدوا أعطوا ذوي الأرحام، وكان ابن مسعود ينزل كل ذي رحم منزلة من يجر إليه‏.‏

وأخرج بسند صحيح عن ابن مسعود أنه جعل العمة كالأب والخالة كالأم فقسم المال بينهما أثلاثا، وعن علي أنه كان لا يرد على البنت دون الأم، ومن أدلتهم حديث ‏"‏ الخال وارث من لا وارث له ‏"‏ وهو حديث حسن أخرجه الترمذي وغيره، وأجيب عنه بأنه يحتمل أن يراد به إذا كان عصبة ويحتمل أن يريد بالحديث المذكور السلب كقولهم ‏"‏ الصبر حيلة من لا حيلة له ‏"‏ ويحتمل أن يكون المراد به السلطان لأنه خال المسلمين، حكى هذه الاحتمالات ابن العربي‏.‏

*3*باب مِيرَاثِ الْمُلَاعَنَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ميراث الملاعنة‏)‏ بفتح العين المهملة ويجوز كسرها والمراد بيان ما ترثه من ولدها الذي لاعنت عليه، ذكر فيه حديث ابن عمر المختصر في الملاعنة وقد مضى شرحه في كتاب اللعان ومن وجه آخر مطول عن ابن عمر ومن حديث سهل بن سعد، والغرض منه هنا قوله‏:‏ ‏"‏ وألحق الولد بالمرأة ‏"‏ وقد اختلف السلف في معنى إلحاقه بأمه مع اتفاقهم على أنه لا ميراث بينه وبين الذي نفاه، فجاء عن علي وابن مسعود أنهما قالا في ابن الملاعنة‏:‏ ‏"‏ عصبته عصبة أمه يرثهم ويرثونه ‏"‏ أخرجه ابن أبي شيبة وبه قال النخعي والشعبي، وجاء عن علي وابن مسعود أنهما كانا يجعلان أمه عصبة وحدها فتعطى المال كله، فإن ماتت أمه قبله فماله لعصبتها، وبه قال جماعة منهم الحسن وابن سيرين ومكحول والثوري وأحمد في رواية، وجاء عن علي أن ابن الملاعنة ترثه أمه وإخوته منها فإن فضل شيء فهو لبيت المال، وهذا قول زيد بن ثابت وجمهور العلماء وأكثر فقهاء الأمصار، قال مالك‏:‏ وعلى هذا أدركت أهل العلم‏.‏

وأخرج عن الشعبي قال‏:‏ بعث أهل الكوفة إلى الحجاز في زمن عثمان يسألوني عن ميراث ابن الملاعنة فأخبروهم أنه لأمه وعصبتها، وجاء عن ابن عباس عن علي أنه أعطى الملاعنة الميراث وجعلها عصبة، قال ابن عبد البر‏:‏ الرواية الأولى أشهر عند أهل الفرائض، قال ابن بطال‏:‏ هذا الخلاف إنما نشأ من حديث الباب حيث جاء فيه‏:‏ ‏"‏ وألحق الولد بالمرأة ‏"‏ لأنه لما ألحق بها قطع نسب أبيه فصار كمن لا أب له من أولاد البغي، وتمسك الآخرون بأن معناه إقامتها مقام أبيه فجعلوا عصبة أمه عصبة أبيه‏.‏

قلت‏:‏ وقد جاء في المرفوع ما يقوي القول الأول، فأخرج أبو داود من رواية مكحول مرسلا ومن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏"‏ جعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها ‏"‏ ولأصحاب السنن الأربعة عن واثلة رفعه ‏"‏ تحوز المرأة ثلاثة مواريث‏:‏ عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ ليس بثابت‏.‏

قلت‏:‏ وحسنه الترمذي وصححه الحاكم وليس فيه سوى عمر بن رؤية بضم الراء وسكون الواو بعدها موحدة مختلف فيه، قال البخاري‏:‏ فيه نظر، ووثقه جماعة، وله شاهد من حديث ابن عمر عند ابن المنذر ومن طريق داود بن أبي هند عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن رجل من أهل الشام ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لأمة هي بمنزلة أبيه وأمه ‏"‏ وفي رواية أن عبد الله بن عبيد كتب إلى صديق له من أهل المدينة يسأله عن ولد الملاعنة فكتب إليه ‏"‏ إني سألت فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لأمة ‏"‏ وهذه طرق يقوى بعضها ببعض، قال ابن بطال‏:‏ تمسك بعضهم بالحديث الذي جاء أن الملاعنة بمنزلة أبيه وأمه، وليس فيه حجة لأن المراد أنها بمنزلة أبيه وأمه في تربيته وتأديبه وغير ذلك مما يتولاه أبوه، فأما الميراث فقد أجمعوا أن ابن الملاعنة لو لم تلاعن أمه وترك أمه وأباه كان لأمه السدس، فلو كانت بمنزلة أبيه وأمه لورثت سدسين فقط سدس بالأمومة وسدس بالأبوة، كذا قال وفيه نظر تصويرا واستدلالا وحجة الجمهور ما تقدم في اللعان أن في رواية فليح عن الزهري عن سهل في آخره ‏"‏ فكانت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض لها ‏"‏ أخرجه أبو داود، وحديث ابن عباس ‏"‏ فهو لأولى رجل ذكر ‏"‏ فإنه جعل ما فضل عن أهل الفرائض لعصبة الميت دون عصبة أمه، وإذا لم يكن لولد الملاعنة عصبة من قبل أبيه فالمسلمون عصبته، وقد تقدم من حديث أبي هريرة ‏"‏ ومن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فَفَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا وَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِالْمَرْأَةِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر المختصر في الملاعنة قد مضى شرحه في كتاب اللعان ومن وجه آخر مطول عن ابن عمر ومن حديث سهل بن سعد، والغرض منه هنا قوله‏:‏ ‏"‏ وألحق الولد بالمرأة ‏"‏ وقد اختلف السلف في معنى إلحاقه بأمه مع اتفاقهم على أنه لا ميراث بينه وبين الذي نفاه، فجاء عن علي وابن مسعود أنهما قالا في ابن الملاعنة‏:‏ ‏"‏ عصبته عصبة أمه يرثهم ويرثونه ‏"‏ أخرجه ابن أبي شيبة وبه قال النخعي والشعبي، وجاء عن علي وابن مسعود أنهما كانا يجعلان أمه عصبة وحدها فتعطى المال كله، فإن ماتت أمه قبله فماله لعصبتها، وبه قال جماعة منهم الحسن وابن سيرين ومكحول والثوري وأحمد في رواية، وجاء عن علي أن ابن الملاعنة ترثه أمه وإخوته منها فإن فضل شيء فهو لبيت المال، وهذا قول زيد بن ثابت وجمهور العلماء وأكثر فقهاء الأمصار، قال مالك‏:‏ وعلى هذا أدركت أهل العلم‏.‏

وأخرج عن الشعبي قال‏:‏ بعث أهل الكوفة إلى الحجاز في زمن عثمان يسألوني عن ميراث ابن الملاعنة فأخبروهم أنه لأمه وعصبتها، وجاء عن ابن عباس عن علي أنه أعطى الملاعنة الميراث وجعلها عصبة، قال ابن عبد البر‏:‏ الرواية الأولى أشهر عند أهل الفرائض، قال ابن بطال‏:‏ هذا الخلاف إنما نشأ من حديث الباب حيث جاء فيه‏:‏ ‏"‏ وألحق الولد بالمرأة ‏"‏ لأنه لما ألحق بها قطع نسب أبيه فصار كمن لا أب له من أولاد البغي، وتمسك الآخرون بأن معناه إقامتها مقام أبيه فجعلوا عصبة أمه عصبة أبيه‏.‏

قلت‏:‏ وقد جاء في المرفوع ما يقوي القول الأول، فأخرج أبو داود من رواية مكحول مرسلا ومن رواية عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال‏:‏ ‏"‏ جعل النبي صلى الله عليه وسلم ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها ‏"‏ ولأصحاب السنن الأربعة عن واثلة رفعه ‏"‏ تحوز المرأة ثلاثة مواريث‏:‏ عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عليه ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ ليس بثابت‏.‏

قلت‏:‏ وحسنه الترمذي وصححه الحاكم وليس فيه سوى عمر بن رؤية بضم الراء وسكون الواو بعدها موحدة مختلف فيه، قال البخاري‏:‏ فيه نظر، ووثقه جماعة، وله شاهد من حديث ابن عمر عند ابن المنذر ومن طريق داود بن أبي هند عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن رجل من أهل الشام ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لأمة هي بمنزلة أبيه وأمه ‏"‏ وفي رواية أن عبد الله بن عبيد كتب إلى صديق له من أهل المدينة يسأله عن ولد الملاعنة فكتب إليه ‏"‏ إني سألت فأخبرت أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى به لأمة ‏"‏ وهذه طرق يقوى بعضها ببعض، قال ابن بطال‏:‏ تمسك بعضهم بالحديث الذي جاء أن الملاعنة بمنزلة أبيه وأمه، وليس فيه حجة لأن المراد أنها بمنزلة أبيه وأمه في تربيته وتأديبه وغير ذلك مما يتولاه أبوه، فأما الميراث فقد أجمعوا أن ابن الملاعنة لو لم تلاعن أمه وترك أمه وأباه كان لأمه السدس، فلو كانت بمنزلة أبيه وأمه لورثت سدسين فقط سدس بالأمومة وسدس بالأبوة، كذا قال وفيه نظر تصويرا واستدلالا وحجة الجمهور ما تقدم في اللعان أن في رواية فليح عن الزهري عن سهل في آخره ‏"‏ فكانت السنة في الميراث أن يرثها وترث منه ما فرض لها ‏"‏ أخرجه أبو داود، وحديث ابن عباس ‏"‏ فهو لأولى رجل ذكر ‏"‏ فإنه جعل ما فضل عن أهل الفرائض لعصبة الميت دون عصبة أمه، وإذا لم يكن لولد الملاعنة عصبة من قبل أبيه فالمسلمون عصبته، وقد تقدم من حديث أبي هريرة ‏"‏ ومن ترك مالا فليرثه عصبته من كانوا‏"‏‏.‏