فصل: باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْمُثْلَةِ وَالْمَصْبُورَةِ وَالْمُجَثَّمَةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَالْأَصْنَامِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما ذبح على النصب والأصنام‏)‏ النصب بضم أوله وبفتحه واحد الأنصاب، وهي حجارة كانت تنصب حول البيت يذبح عليها باسم الأصنام، وقيل النصب ما يعبد من دون الله، فعلى هذا فعطف الأصنام عطف تفسيري، والأول هو المشهور وهو اللائق بحديث الباب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ يَعْنِي ابْنَ الْمُخْتَارِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَقِيَ زَيْدَ بْنَ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ بِأَسْفَلِ بَلْدَحٍ وَذَاكَ قَبْلَ أَنْ يُنْزَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْوَحْيُ فَقَدَّمَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُفْرَةً فِيهَا لَحْمٌ فَأَبَى أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا ثُمَّ قَالَ إِنِّي لَا آكُلُ مِمَّا تَذْبَحُونَ عَلَى أَنْصَابِكُمْ وَلَا آكُلُ إِلَّا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في قصة زيد ابن عمرو بن نفيل ووقع فيه من الاختلاف نظير ما وقع في الرواية التي في أواخر المناقب، وهو أنه وقع للأكثر ‏"‏ فقدم إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة ‏"‏ وللكشميهني ‏"‏ فقدم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سفرة ‏"‏ وجمع ابن المنير بين هذا الاختلاف بأن القوم الذين كانوا هناك قدموا السفرة للنبي صلى الله عليه وسلم فقدمها لزيد، فقال زيد مخاطبا لأولئك القوم ما قال، وقوله ‏"‏سفرة لحم ‏"‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ سفرة فيها لحم ‏"‏ وقد سبق شرح الحديث مستوفى في أواخر المناقب‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم فليذبح على اسم الله‏)‏ ذكر فيه حديث جندب بن عبد الله في ذبح الضحايا قبل صلاة العيد، وفيه اللفظ المذكور وهو يحتمل أن يكون المراد به الإذن في الذبيحة حينئذ، أو المراد به الأمر بالتسمية على الذبيحة، وسيأتي شرح الحديث مستوفى في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ جُنْدَبِ بْنِ سُفْيَانَ الْبَجَلِيِّ قَالَ ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُضْحِيَةً ذَاتَ يَوْمٍ فَإِذَا أُنَاسٌ قَدْ ذَبَحُوا ضَحَايَاهُمْ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلَمَّا انْصَرَفَ رَآهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ قَدْ ذَبَحُوا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَقَالَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَلْيَذْبَحْ مَكَانَهَا أُخْرَى وَمَنْ كَانَ لَمْ يَذْبَحْ حَتَّى صَلَّيْنَا فَلْيَذْبَحْ عَلَى اسْمِ اللَّهِ

الشرح‏:‏

حديث جندب بن عبد الله في ذبح الضحايا قبل صلاة العيد، وفيه اللفظ المذكور وهو يحتمل أن يكون المراد به الإذن في الذبيحة حينئذ، أو المراد به الأمر بالتسمية على الذبيحة، وسيأتي شرح الحديث مستوفى في كتاب الأضاحي إن شاء الله تعالى‏.‏

وقد استدل به ابن المنير على اشتراط تسمية العامد دون الناسي، ويأتي تقريره هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

ووقع في هذه الرواية ‏"‏ ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحاة ‏"‏ بفتح أوله بمعنى الأضحية‏.‏

*3*باب مَا أَنْهَرَ الدَّمَ مِنْ الْقَصَبِ وَالْمَرْوَةِ وَالْحَدِيدِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد‏)‏ أنهر أي أسال، والمروة حجر أبيض، وقيل هو الذي يقدح منه النار‏.‏

وأشار المصنف بذكرها إلى ما ورد في بعض طرق حديث رافع، فإن في رواية حبيب بن حبيب عن سعيد بن مسروق عند الطبراني ‏"‏ أفنذبح بالقصب والمروة ‏"‏‏؟‏ وفي رواية ليث بن أبي سليم عن عباية ‏"‏ أنذبح بالمروة وشقة العصا ‏"‏‏؟‏ ووقع ذكر الذبح بالمروة في حديث أخرجه أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه من طريق الشعبي عن محمد بن صفوان‏.‏

وفي رواية عن محمد بن صيفي قال ‏"‏ ذبحت أرنبين بمروة، فأمرني النبي صلى الله عليه وسلم بأكلهما ‏"‏ وصححه ابن حبان والحاكم‏.‏

وأخرج الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من حديث حذيفة رفعه ‏"‏ اذبحوا بكل شيء فرى الأوداج ما خلا السن والظفر ‏"‏ وفي سنده عبد الله بن خراش مختلف فيه، وله شاهد من حديث أبي أمامة نحوه، والأشهر في رواية غير من ذكر ‏"‏ أفنذبح بالقصب ‏"‏‏؟‏ وأما الحديد فمن قوله ‏"‏ وليست معنا مدى ‏"‏ فإن فيه إشارة إلى أن الذبح بالحديد كان مقررا عندهم جوازه، والمراد بالسؤال عن الذبح بالمروة جنس الأحجار لا خصوص المروة، ولذلك ذكر في الباب حديث كعب بن مالك وفيه التنصيص على الذبح بالحجر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ سَمِعَ ابْنَ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ يُخْبِرُ ابْنَ عُمَرَ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لَهُمْ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ فَأَبْصَرَتْ بِشَاةٍ مِنْ غَنَمِهَا مَوْتًا فَكَسَرَتْ حَجَرًا فَذَبَحَتْهَا فَقَالَ لِأَهْلِهِ لَا تَأْكُلُوا حَتَّى آتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْأَلَهُ أَوْ حَتَّى أُرْسِلَ إِلَيْهِ مَنْ يَسْأَلُهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بَعَثَ إِلَيْهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَكْلِهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏معتمر‏)‏ هو ابن سليمان التيمي وعبيد الله هو ابن عمر العمري‏.‏

قوله ‏(‏عن نافع سمع ابن كعب بن مالك‏)‏ جزم المزي في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ بأنه عبد الله بن كعب، وقد سبق ما فيه في الوكالة، وأن الذي يترجح أنه عبد الرحمن بن كعب، وقد اختلف في هذا الحديث على نافع كما سأبينه في الباب الذي بعده‏.‏

قوله ‏(‏أن جارية لهم‏)‏ لم أقف على اسمها‏.‏

قوله ‏(‏بسلع‏)‏ بفتح السين المهملة وسكون اللام وحكى فتحها وآخره مهملة‏:‏ جبل معروف بالمدينة‏.‏

قوله ‏(‏فأبصرت بشاة‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ فأصيبت شاة من غنمها‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏موتا‏)‏ في رواية السرخسي والمستملي ‏"‏ موتها‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فذبحتها به‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فذكتها ‏"‏ وسقط لغير أبي ذر ‏"‏ به‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أو حتى أرسل إليه‏)‏ هو شك من الراوي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لَنَا مُدًى فَقَالَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ لَيْسَ الظُّفُرَ وَالسِّنَّ أَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ وَأَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَنَدَّ بَعِيرٌ فَحَبَسَهُ فَقَالَ إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن سعيد بن مسروق‏)‏ هكذا جزم به عبدان عن أبيه عن شعبة، ووقع في رواية غندر عن شعبة ‏"‏ أكبر علمي أني سمعته من سعيد بن مسروق وحدثني به سفيان يعني الثوري عنه ‏"‏ أخرجه النسائي، وأخرجه أحمد عن غندر فبين أن القدر الذي كان يشك شعبة في سماعه له من سعيد بن مسروق هو قوله ‏"‏ وجعل عشرا من الشاء ببعير ‏"‏ قلت‏:‏ ولهذه النكتة اقتصر البخاري من الحديث من رواية شعبة هذه على ما عدا قصة تعديل العشر شياه بالبعير، إذ هو المحقق من السماع، وقد تقدمت مباحث الحديث قريبا‏.‏

قوله ‏(‏عن عباية بن رفاعة‏)‏ في رواية غير أبي ذر ‏"‏ عن عباية بن رافع ‏"‏ ورافع جد عباية وأبوه رفاعة فنسب في هذه الرواية إلى جده ولو أخذ بظاهرها لكان الحديث عن خديج والد رافع وليس كذلك، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ وند بعير فحبسه ‏"‏ فيه اختصار، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة بلفظ ‏"‏ ُ وند بعير منها فسعوا له، فرماه رجل بسهم فحبسه‏"‏‏.‏

*3*باب ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ وَالْأَمَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ذبيحة الأمة والمرأة‏)‏ كأنه يشير إلى الرد على من منع ذلك، وقد نقل محمد بن عبد الحكم عن مالك كراهته، وفي ‏"‏ المدونة ‏"‏ جوازه، وفي وجه للشافعية يكره ذبح المرأة الأضحية، وعند سعيد بن منصور بسند صحيح عن إبراهيم النخعي أنه قال في ذبيحة المرأة والصبي‏:‏ لا بأس إذا أطاق الذبيحة وحفظ التسمية، وهو قول الجمهور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ امْرَأَةً ذَبَحَتْ شَاةً بِحَجَرٍ فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَمَرَ بِأَكْلِهَا وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّهُ سَمِعَ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ يُخْبِرُ عَبْدَ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبٍ بِهَذَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عبدة‏)‏ هو ابن سليمان الكلابي الكوفي وافق معتمر بن سليمان التيمي البصري على روايته عن عبيد الله بن عمر، وذكر الدار قطني أن غيرهما رواه عن عبيد الله فقال ‏"‏ عن نافع أن رجلا من الأنصار‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وكذا تقدم في الباب الذي قبله من رواية جويرية عن نافع، وكذا علقه هنا من رواية الليث عن نافع، ووصله الإسماعيلي من رواية أحمد بن يونس عن الليث به، قال الدار قطني ‏"‏ وكذا قال محمد بن إسحاق عن نافع ‏"‏ وهو أشبه، وسلك الجادة قوم منهم يزيد بن هارون فقال عن يحيى بن سعيد عن نافع عن ابن عمر، وكذا قال مرحوم العطار عن داود العطار عن نافع، وذكر الدار قطني عن غيرهم أنهم رووه كذلك، قال‏:‏ ومنهم من أرسله عن نافع وهو أشبه بالصواب، وأغفل ما ذكره البخاري أواخر الباب من رواية مالك عن نافع عن رجل من الأنصار عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ ‏"‏ أن جارية لكعب ‏"‏ وقد أورده في ‏"‏ الموطآت ‏"‏ له كذلك من حديث جماعة عن مالك، منهم محمد بن الحسن‏.‏

وقال في روايته عن رجل من الأنصار معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ، وأشار إلى تفرد محمد بذلك‏.‏

وقال الباقون عن رجل عن معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ، ومنهم ابن وهب أخرجه من طريقه كالجماعة قال‏:‏ وأخرجه ابن وهب في غير الموطأ فقال ‏"‏ أخبرني مالك وغيره من أهل العلم عن رجل من الأنصار أن جارية لكعب بن مالك ‏"‏ فذكره وقال‏:‏ الصواب ما في الموطأ يعني عن مالك، وأما عن غيره فيحتمل أن يكون ابن وهب أراد الليث وحمل رواية مالك على روايته، وأغرب ابن التين فقال‏:‏ فيه رواية صحابي عن تابعي لأن ابن كعب تابعي وابن عمر صحابي قلت‏:‏ لكن ليس في شيء من طرقه أن ابن عمر رواه عنه، وإنما فيها أن ابن كعب حدث ابن عمر بذلك فحمله عنه نافع، وأما الرواية التي فيها عن ابن عمر فقال راويها فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكر ابن كعب، وقد تقدم أنها شاذة والله أعلم‏.‏

وقال الكرماني الشك من الراوي في معاذ بن سعد أو سعد بن معاذ لا يقدح لأن الصحابة كلهم عدول، وهو كما قال، لكن الراوي الذي لم يسم يقدح في صحة الخبر إلا أنه قد تبين بالطريق الأخرى أن له أصلا‏.‏

قوله ‏(‏جارية‏)‏ وفي لفظ ‏"‏ أمة ‏"‏ لا ينافي قوله في الرواية الأخرى ‏"‏ امرأة ‏"‏ لأنها أعم، فيؤخذ بقول من زاد في روايته صفة وهي كونها أمة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعْدٍ أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا بِسَلْعٍ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا فَأَدْرَكَتْهَا فَذَبَحَتْهَا بِحَجَرٍ فَسُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كُلُوهَا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏فذبحتها‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فذكتها ‏"‏ ووقع في رواية معن بن عيسى عن مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ فأدركت ذكاتها بحجر‏.‏

قوله ‏(‏فسئل النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية الليث ‏"‏ فكسرت حجرا فذبحتها به فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره فقال‏:‏ كلوها ‏"‏ فيستفاد من روايته تعيين الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقد سبق في الباب الذي قبله من رواية جويرية عن نافع فذكروا للنبي صلى الله عليه وسلم، وقد تقدم من رواية عبيد الله بن عمر فيه على الشك والله أعلم‏.‏

وفي الحديث تصديق الأجير الأمين فيما ائتمن عليه حتى يظهر عليه دليل الخيانة‏.‏

وفيه جواز تصرف الأمين كالمودع بغير إذن المالك بالمصلحة، وقد تقدمت ترجمة المصنف بذلك في كتاب الوكالة‏.‏

وقال ابن القاسم‏:‏ إذا ذبح الراعي شاة بغير إذن المالك وقال خشيت عليها الموت لم يضمن على ظاهر هذا الحديث، وتعقب بأن الجارية كانت أمة لصاحب الغنم فلا يتصور تضمينها، وعلى تقدير أن تكون غير ملكه فلم ينقل في الحديث أنه أراد تضمينها، وكذا لو أنزى على الإناث فحلا بغير إذن فهلكت، قال ابن القاسم لا يضمن لأنه من صلاح المال، وقد أومأ البخاري في كتاب الوكالة إلى موافقته حيث قدم الجواز بقصد الإصلاح، وقد تقدم بيان ذلك، وفيه جواز أكل ما ذبح بغير إذن مالكه ولو ضمن الذابح، وخالف في ذلك طاوس وعكرمة كما سيأتي في أواخر كتاب الذبائح، وهو قول إسحاق وأهل الظاهر، وإليه جنح البخاري لأنه أورد في الباب المذكور حديث رافع بن خديج في الأمر بإكفاء القدور وقد سبق ما فيه، وعورض بحديث الباب، وبما أخرجه أحمد وأبو داود بسند قوي من طريق عاصم بن كليب عن أبيه في قصة الشاة التي ذبحتها المرأة بغير إذن صاحبها فامتنع النبي صلى الله عليه وسلم من أكلها لكنه قال ‏"‏ أطعموها الأسارى ‏"‏ فلو لم تكن ذكية ما أمر بإطعامها الأسارى‏.‏

وفيه جواز أكل ما ذبحته المرأة سواء كانت حرة أو أمة كبيرة أو صغيرة مسلمة أو كتابية طاهرا أو غير طاهر، لأنه صلى الله عليه وسلم أمر بأكل ما ذبحته ولم يستفصل، نص على ذلك الشافعي، وهو قول الجمهور، وقد تقدم في صدر الباب‏.‏

*3*باب لَا يُذَكَّى بِالسِّنِّ وَالْعَظْمِ وَالظُّفُرِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب لا يذكي بالسن والعظم والظفر‏)‏ قال الكرماني‏:‏ السن عظم خاص وكذلك الظفر ولكنهما في العرف ليسا بعظمين، وكذا عند الأطباء، وعلى الأول فذكر العظم من عطف العام على الخاص ثم الخاص على العام، ذكر فيه طرفا من حديث رافع بن خديج وقد تقدمت مباحثه، وسفيان هو الثوري‏.‏

قال الكرماني‏:‏ ترجم بالعظم ولم يذكره في الحديث ولكن حكمه يعلم منه‏.‏

قلت‏:‏ والبخاري في هذا ماش على عادته في الإشارة إلى ما يتضمنه أصل الحديث، فإن فيه ‏"‏ أما السن فعظم ‏"‏ وإن كانت هذه الجملة لم تذكر هنا لكنها ثابتة مشهورة في نفس الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلْ يَعْنِي مَا أَنْهَرَ الدَّمَ إِلَّا السِّنَّ وَالظُّفُرَ

الشرح‏:‏

حديث رافع بن خديج قد تقدمت مباحثه، وسفيان هو الثوري قوله ‏(‏قال النبي صلى الله عليه وسلم كل يعني ما أنهر الدم إلا السن والظفر‏)‏ كذا عند الجميع، ولم أره عند أحمد ممن رواه عن الثوري بهذا اللفظ، و ‏"‏ كل ‏"‏ فعل أمر بالأكل ولفظ ‏"‏ يعني ‏"‏ تفسير، كأن الراوي قال كلاما هذا معناه، وقد أخرجه البيهقي من طريق الباغندي عن قبيصة شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة فأصاب الناس إبلا وغنما ‏"‏ قال وذكر الحديث بنحوه وزاد في آخره ‏"‏ قال عباية‏:‏ ثم إن ناضحا تردى بالمدينة فذبح من قبل شاكلته، فأخذ منه ابن عمر عشيرا بدرهمين ‏"‏ وسيأتي الحديث بعد قليل من طريق يحيى القطان عن الثوري مطولا‏.‏

*3*باب ذَبِيحَةِ الْأَعْرَابِ وَنَحْوِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ذبيحة الأعراب ونحوهم‏)‏ كذا للأكثر بالواو والكشميهني بالراء بدل الواو وكذا هو عند النسفي ولكل وجه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أُسَامَةُ بْنُ حَفْصٍ الْمَدَنِيُّ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قَوْمًا قَالُوا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَا بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَقَالَ سَمُّوا عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ قَالَتْ وَكَانُوا حَدِيثِي عَهْدٍ بِالْكُفْرِ تَابَعَهُ عَلِيٌّ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ وَتَابَعَهُ أَبُو خَالِدٍ وَالطُّفَاوِيُّ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أسامة بن حفص المدني‏)‏ هو شيخ لم يزد البخاري في التاريخ في تعريفه على ما في هذا الإسناد، وذكر غيره أنه روى عنه أيضا يحيى بن إبراهيم بن أبي قتيلة بالقاف والمثناة مصغر، ولم يحتج البخاري بأسامة هذا لأنه قد أخرج هذا الحديث من رواية الطفاوي وغيره كما سأبينه‏.‏

قوله ‏(‏تابعه على عن الدراوردي‏)‏ هو علي بن عبد الله بن المديني شيخ البخاري والدراوردي هو عبد العزيز ابن محمد، وإنما يخرج له البخاري في المتابعات، ومراد البخاري أن الدراوردي رواه عن هشام بن عروة مرفوعا كما رواه أسامة بن حفص، وقد أخرجه الإسماعيلي من طر يق يعقوب بن حميد عن الدراوردي به‏.‏

قوله ‏(‏وتابعه أبو خالد والطفاوي‏)‏ يعني عن هشام بن عروة في رفعه أيضا، فأما رواية أبي خالد - وهو سليمان بن حبان الأحمر - فقد وصلها عنه المصنف في كتاب التوحيد وقال عقبه ‏"‏ وتابعه محمد بن عبد الرحمن والدراوردي وأسامة بن حفص ‏"‏ وأما رواية الطفاوي وهو محمد بن عبد الرحمن فقد وصلها عنه المصنف في كتاب البيوع، وحالفهم مالك فرواه عن هشام عن أبيه مرسلا ليس فيه عائشة، قال الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏‏:‏ رواه عبد الرحيم بن سليمان ومحاضر بن المورع والنضر بن شميل وآخرون عن هشام موصولا ورواه مالك مرسلا عن هشام، ووافق مالكا على إرساله الحمادان وابن عيينة والقطان عن هشام، وهو أشبه بالصواب، وذكر أيضا أن يحيى بن أبي طالب رواه عن عبد الوهاب بن عطاء عن مالك موصولا‏.‏

قلت‏:‏ رواية عبد الرحيم عند ابن ماجه ورواية النضر عند النسائي ورواية محاضر عند أبي داود، وقد أخرجه البيهقي من رواية جعفر بن عون عن هشام مرسلا، ويستفاد من صنيع البخاري أن الحديث إذا اختلف في وصله وإرساله حكم للواصل بشرطين‏:‏ أحدهما أن يزيد عدد من وصله على من أرسله، والآخر أن يحتف بقرينة تقوي الرواية الموصولة، لأن عروة معروف بالرواية عن عائشة مشهور بالأخذ عنها، ففي ذلك إشعار بحفظ من وصله عن هشام دون من أرسله‏.‏

ويؤخذ من صنيعه أيضا أنه وإن اشترط في الصحيح أن يكون راويه من أهل الضبط والإتقان أنه إن كان في الراوي قصور عن ذلك ووافقه على رواية ذلك الخبر من هو مثله انجبر ذلك القصور بذلك وصح الحديث على شرطه‏.‏

قوله ‏(‏إن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ لم أقف على تعيينهم، ووقع في رواية مالك ‏"‏ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏إن قوما يأتوننا بلحم‏)‏ في رواية أبي خالد ‏"‏ يأتونا بلحمان ‏"‏ وفي رواية النضر بن شميل عن هشام عند النسائي ‏"‏ إن ناسا من الأعراب ‏"‏ وفي رواية مالك ‏"‏ من البادية‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏لا ندري أذكر اسم الله عليه‏)‏ كذا هنا بضم الذال على البناء للمجهول‏.‏

وفي رواية الطفاوي الماضية في البيوع ‏"‏ اذكروا ‏"‏ وفي رواية أبي خالد ‏"‏ لا ندري يذكرون ‏"‏ زاد أبو داود في روايته ‏"‏ أم لم يذكروا، أفنأكل منها ‏"‏‏؟‏ ‏.‏

قوله ‏(‏سموا عليه أنتم وكلوا‏)‏ في رواية الطفاوي ‏"‏ سموا الله ‏"‏ وفي رواية النضر وأبي خالد ‏"‏ اذكروا اسم الله ‏"‏ زاد أبو خالد ‏"‏ أنتم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قالت وكانوا حديثي عهد بالكفر‏)‏ وفي لفظ ‏"‏ حديث عهدهم ‏"‏ وهي جملة إسمية قدم خبرها ووقعت صفة لقوله ‏"‏ أقواما ‏"‏ ويحتمل أن يكون خبرا ثانيا بعد الخبر الأول وهو قوله ‏"‏ يأتوننا بلحم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏بالكفر‏)‏ وفي لفظ ‏"‏ بكفر ‏"‏ وفي رواية أبي خالد ‏"‏ بشرك ‏"‏ وفي رواية أبي داود ‏"‏ بجاهلية ‏"‏ زاد مالك في آخره ‏"‏ وذلك في أول الإسلام ‏"‏ وقد تعلق بهذه الزيادة قوم فزعموا أن هذا الجواب كان قبل نزول قوله تعالى ‏(‏ولا تأكل مما لم يذكر اسم الله عليه‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ وهو تعلق ضعيف، وفي الحديث نفسه ما يرده لأنه أمرهم فيه بالتسمية عند الأكل فدل على أن الآية كانت نزلت بالأمر بالتسمية عند الأكل، وأيضا فقد اتفقوا على أن الأنعام مكية وأن هذه القصة جرت بالمدينة، وأن الأعراب المشار إليهم في الحديث هم بادية أهل المدينة، وزاد ابن عيينة في روايته ‏"‏ اجتهدوا أيمانهم كلوا ‏"‏ أي حلفوهم على أنهم سموا حين ذبحوا، وهذه الزيادة غريبة في هذا الحديث، وابن عيينة ثقة لكن روايته هذه مرسلة، نعم أخرج الطبراني من حديث أبي سعيد نحوه لكن قال ‏"‏ اجتهدوا أيمانهم أنهم ذبحوها ‏"‏ ورجاله ثقات، وللطحاوي في ‏"‏ المشكل ‏"‏‏:‏ ‏"‏ سأل ناس من الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ أعاريب يأتوننا بلحمان وجبن وسمن ما ندري ما كنه إسلامهم، قال‏:‏ انظروا ما حرم الله عليكم فأمسكوا عنه، وما سكت عنه فقد عفا لكم عنه، وما كان ربك نسيا، اذكروا اسم الله عليه ‏"‏ قال المهلب‏:‏ هذا الحديث أصل في أن التسمية على الذبيحة لا تجب، إذ لو كانت واجبة لاشترطت على كل حال، وقد أجمعوا على أن التسمية على الأكل ليست فرضا، فلما نابت عن التسمية على الذبح دل على أنها سنة لأن السنة لا تنوب عن الفرض، ودل هذا على أن الأمر في حديث عدي وأبي ثعلبة محمول على التنزيه من أجل أنهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية فعلمهما النبي صلى الله عليه وسلم أمر الصيد والذبح فرضه ومندوبه لئلا يواقعا شبهة من ذلك، وليأخذا بأكمل الأمور فيما يستقبلان، وأما الذين سألوا عن هذه الذبائح فإنهم سألوا عن أمر قد وقع ويقع لغيرهم ليس فيه قدرة على الأخذ بالأكمل، فعرفهم بأصل الحل فيه‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أن يراد بالتسمية هنا عند الأكل، وبذلك جزم النووي، قال ابن التين‏:‏ وأما التسمية على ذبح تولاه غيرهم من غير علمهم فلا تكليف عليهم فيه، وإنما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها، ويحتمل أن يريد أن تسميتكم الآن تستبيحون بها أكل ما لم تعلموا أذكر اسم الله عليه أم لا إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمي‏.‏

ويستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين، لأن الغالب أنهم عرفوا التسمية، وكذا الأخير جزم ابن عبد البر فقال‏:‏ فيه أن ما ذبحه المسلم يؤكل ويحمل على أنه سمي، لأن المسلم لا يظن به في كل شيء إلا الخير حتى يتبين خلاف ذلك، وعكس هذا الخطابي فقال‏:‏ فيه دليل على أن التسمية غير شرط على الذبيحة لأنها لو كانت شرطا لم تستبح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه، كما لو عرض الشك في نفس الذبح فلم يعلم هل وقعت الذكاة المعتبرة أو لا، وهذا هو المتبادر من سياق الحديث حيث وقع الجواب فيه ‏"‏ فسموا أنتم وكلوا ‏"‏ كأنه قيل لهم لا تهتموا بذلك بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا، وهذا من أسلوب الحكيم كما نبه عليه الطيبي‏.‏

ومما يدل على عدم الاشتراط قوله تعالى ‏(‏وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم‏)‏ فأباح الأكل من ذبائحهم مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ قال الغزالي في ‏"‏ الأحياء ‏"‏ في مراتب الشبهات‏:‏ المرتبة الأولى ما يتأكد الاستحباب في التورع عنه‏.‏

هو ما يقوى فيه دليل المخالف، فمنه التورع عن أكل متروك التسمية، فإن الآية ظاهرة في الإيجاب، والأخبار متواترة بالأمر بها، ولكن لما صح قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏المؤمن يذبح على اسم الله سمي أو لم يسم ‏"‏ احتمل أن يكون عاما موجبا لصرف الآية والإخبار عن ظاهر الأمر، واحتمل أن يخصص بالناسي ويبقى من عداه على الظاهر، وهذا الاحتمال الثاني أولى والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ الحديث الذي اعتمد عليه وحكم بصحته بالغ النووي في إنكاره فقال‏:‏ هو مجمع على ضعفه، قال‏:‏ وقد أخرجه البيهقي من حديث أبي هريرة وقال‏:‏ منكر لا يحتج به‏.‏

وأخرج أبو داود في ‏"‏ المراسيل ‏"‏ عن الصلت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ ذبيحة المسلم حلال ذكر اسم الله أو لم يذكر ‏"‏ قلت‏:‏ الصلت يقال له السدوسي وذكره ابن حبان في الثقات، وهو مرسل جيد، وحديث أبي هريرة فيه مروان بن سالم وهو متروك، لكن ثبت ذلك عن ابن عباس كما تقدم في أول ‏"‏ باب التسمية على الذبيحة ‏"‏ واختلف في رفعه ووقفه، فإذا انضم إلى المرسل المذكور قوي، أما كونه يبلغ درجة الصحة فلا‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب ذَبَائِحِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَشُحُومِهَا مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ وَغَيْرِهِمْ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ نَصَارَى الْعَرَبِ وَإِنْ سَمِعْتَهُ يُسَمِّي لِغَيْرِ اللَّهِ فَلَا تَأْكُلْ وَإِنْ لَمْ تَسْمَعْهُ فَقَدْ أَحَلَّهُ اللَّهُ لَكَ وَعَلِمَ كُفْرَهُمْ وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ نَحْوُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ بِذَبِيحَةِ الْأَقْلَفِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ طَعَامُهُمْ ذَبَائِحُهُمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ذبائح أهل الكتاب وشحومها، من أهل الحرب وغيرهم‏)‏ أشار إلى جواز ذلك، وهو قول الجمهور وعن مالك وأحمد تحريم ما حرم الله على أهل الكتاب كالشحوم‏.‏

وقال ابن القاسم‏:‏ لأن الذي أباحه الله طعامهم، وليس الشحوم من طعامهم ولا يقصدونها عند الزكاة‏.‏

وتعقب بأن ابن عباس فسر طعامهم بذبائحهم كما سيأتي آخر الباب، وإذا أبيحت ذبائحهم لم يحتج إلى قصدهم أجزاء المذبوح، والتذكية لا تقع على بعض أجزاء المذبوح دون بعض، وإن كانت التذكية شائعة في جميعها دخل الشحم لا محالة، وأيضا فإن الله سبحانه وتعالى نص بأنه حرم عليهم كل ذي ظفر، فكان يلزم على قول هذا القائل أن اليهودي إذا ذبح ماله ظفر لا يحل للمسلم أكله، وأهل الكتاب أيضا يحرمون أكل الإبل فيقع الإلزام كذلك‏.‏

قوله ‏(‏وقوله تعالى أحل لكم الطيبات‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره إلى قوله ‏(‏حل لهم‏)‏ ، وبهذه الزيادة يتبين مراده من الاستدلال على الحل لأنه لم يخص ذميا من حربي ولا خص لحما من شحم، وكون الشحوم محرمة على أهل الكتاب لا يضر، لأنها محرمة عليهم لا علينا، وغايته بعد أن يتقرر أن ذبائحهم لنا حلال أن الذي حرم عليهم منها مسكوت في شرعنا عن تحريمه علينا فيكون على أصل الإباحة‏.‏

قوله ‏(‏وقال الزهري‏:‏ لا بأس بذبيحة نصارى العرب‏.‏

وإن سمعته يهل لغير الله فلا تأكل، وإن لم تسمعه فقد أحله الله لك وعلم كفرهم‏)‏ وصله عبد الرزاق عن معمر قال‏:‏ سألت الزهري عن ذبائح نصارى العرب فذكر نحوه وزاد في آخره قال‏:‏ وإهلاله أن يقول‏:‏ باسم المسيح، وكذا قال الشافعي إن كان لهم ذبح يسمون عليه غير اسم الله مثل اسم المسيح لم يحل، وإن ذكر المسيح على معنى الصلاة عليه لم يحرم، وحكى البيهقي عن الحليمي بحثا أن أهل الكتاب إنما يذبحون لله تعالى، وهم في أصل دينهم لا يقصدون بعبادتهم إلا الله، فإذا كان قصدهم في الأصل ذلك اعتبرت ذبيحتهم ولم يضر قول من قال منهم مثلا باسم المسيح لأنه لا يريد بذلك إلا الله وإن كان قد كفر بذلك الاعتقاد‏.‏

قوله ‏(‏ويذكر عن علي نحوه‏)‏ لم أقف على من وصله، وكأنه لا يصح عنه، ولذلك ذكره بصيغة التمريض‏.‏

بل قد جاء عن علي من وجه آخر صحيح المنع من ذبائح بعض نصارى العرب أخرجه الشافعي وعبد الرزاق بأسانيد صحيحة ‏"‏ عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني عن علي قال‏:‏ لا تأكلوا ذبائح نصارى بني تغلب، فإنهم لم يتمسكوا من دينهم إلا بشرب الخمر ‏"‏ ولا تعارض بين الروايتين عن علي لأن منع الذي منعه فيه أخص من الذي نقل فيه عنه الجواز قوله ‏(‏وقال الحسن وإبراهيم لا بأس بذبيحة الأقلف‏)‏ بالقاف ثم الفاء‏:‏ هو الذي لم يختن، والقلفة بالقاف ويقال بالغين المعجمة الغرلة وهي الجلدة التي تستر الحشفة، وأثر الحسن أخرجه عبد الرزاق عن معمر قال‏:‏ كان الحسن يرخص في الرجل إذا أسلم بعدما يكبر فخاف على نفسه إن اختتن أن لا يختتن، وكان لا يرى بأكل ذبيحته بأسا‏.‏

وأما أثر إبراهيم فأخرجه أبو بكر الخلال من طريق سعيد بن أبي عروبة عن مغيرة عن إبراهيم النخعي قال‏:‏ لا بأس بذبيحة الأقلف‏.‏

وقد ورد ما يخالفه فأخرج ابن المنذر عن ابن عباس‏:‏ الأقلف لا تؤكل ذبيحته ولا تقبل صلاته ولا شهادته‏.‏

وقال ابن المنذر‏:‏ قال جمهور أهل العلم تجوز ذبيحته لأن الله سبحانه أباح ذبائح أهل الكتاب ومنهم من لا يختتن‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس طعامهم ذبائحهم‏)‏ كذا ثبت هذا التعليق هنا عند المستملي، وثبت عند السرخسي والحموي في آخر الباب عقب الحديث المرفوع، وهو موصول عند البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم‏)‏ قال‏:‏ ذبائحهم، وقائل هذا يلزمه أن يجيز ذبيحة الأقلف لأن كثيرا من أهل الكتاب لا يختتنون، وقد خاطب النبي صلى الله عليه وسلم هرقل وقومه بقوله ‏"‏ يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ‏"‏ وهرقل وقومه ممن لا يختتن وقد سموا أهل الكتاب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا مُحَاصِرِينَ قَصْرَ خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لِآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاسْتَحْيَيْتُ مِنْهُ

الشرح‏:‏

حديث عبد الله بن مغفل ‏"‏ كنا محاصرين قصر خيبر، فرمى إنسان بجراب فيه شحم فنزوت ‏"‏ بنون وزاي أي وثبت‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ فبدرت ‏"‏ أي سارعت، وقد تقدمت مباحثه في فرض الخمس، وفيه حجة على من منع ما حرم عليهم كالشحوم لأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر ابن مغفل على الانتفاع بالجراب المذكور، وفيه جواز أكل الشحم مما ذبحه أهل الكتاب ولو كانوا أهل حرب‏.‏

*3*باب مَا نَدَّ مِنْ الْبَهَائِمِ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْوَحْشِ

وَأَجَازَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَا أَعْجَزَكَ مِنْ الْبَهَائِمِ مِمَّا فِي يَدَيْكَ فَهُوَ كَالصَّيْدِ وَفِي بَعِيرٍ تَرَدَّى فِي بِئْرٍ مِنْ حَيْثُ قَدَرْتَ عَلَيْهِ فَذَكِّهِ وَرَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَعَائِشَةُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما ند‏)‏ أي نفر ‏(‏من البهائم‏)‏ أي الإنسية ‏(‏فهو بمنزلة الوحش‏)‏ أي في جواز عقره على أي صفة اتفقت، وهو مستفاد من قوله في الخبر ‏"‏ فإذا غلبكم منها شيء فافعلوا به هكذا ‏"‏ وأما قوله ‏"‏ إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش ‏"‏ فالظاهر أن تقديم ذكر هذا التشبيه كالتمهيد لكونها تشارك المتوحش في الحكم‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ بل المراد أنها تنفر كما ينفر الوحش لا أنها تعطي حكمها، كذا قال، وآخر الحديث يرد عليه‏.‏

قوله ‏(‏وأجازه ابن مسعود‏)‏ يشير إلى ما تقدم في ‏"‏ باب صيد القوس ‏"‏ عن ابن مسعود‏.‏

وأخرج البيهقي من طريق أبي العميس عن غضبان بن يزيد البجلي عن أبيه قال ‏"‏ أعرس رجل من الحي فاشترى جزورا فندت فعرقبها وذكر اسم الله، فأمرهم عبد الله - يعني ابن مسعود - أن يأكلوا، فما طابت أنفعهم حتى جعلوا له منها بضعة ثم أتوه بها فأكل‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ ما أعجزك من البهائم مما في يديك فهو كالصيد، وفي بعير تردى في بئر فذكه من حيث قدرت‏)‏ في رواية كريمة ‏"‏ من حيث قدرت عليه فذكه‏"‏‏.‏

أما الأثر الأول فوصله ابن أبي شيبة من طريق عكرمة عنه بهذا قال‏:‏ فهو بمنزلة الصيد، وأما الثاني فوصله عبد الرزاق من وجه آخر عن عكرمة عنه قال‏:‏ إذا وقع البعير في البئر فاطعنه من قبل خاصرته واذكر اسم الله وكل‏.‏

قوله ‏(‏ورأى ذلك علي وابن عمر وعائشة‏)‏ أما أثر علي فوصله ابن أبي شيبة من طريق أبي راشد السلماني قال‏:‏ كنت أرعى منائح لأهلي بظهر الكوفة، فتردى منها بعير، فخشيت أن يسبقني بذكاته ‏"‏ فأخذت حديدة فوجأت بها في جنبه أو سنامه، ثم قطعته أعضاء وفرقته على أهلي، فأبوا أن يأكلوه، فأتيت عليا فقمت على باب قصره ففلت‏:‏ يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين، فقال‏:‏ يالبيكاه يالبيكاه، فأخبرته خبره، فقال‏:‏ كل وأطعمني‏.‏

وأما أثر ابن عمر فوصله عبد الرزاق في أثر حديث رافع بن خديج من رواية سفيان عن أبيه عن عباية بن رفاعة، وقد تقدم في ‏"‏ باب لا يذكى بالسن والعظم ‏"‏ وأخرجه ابن أبي شيبة من وجه آخر عن عباية بلفظ ‏"‏ تردى بعير في ركية، فنزل رجل لينحره فقال‏:‏ لا أقدر على نحره، فقال له ابن عمر‏:‏ اذكر اسم الله ثم اقتل شاكلته - يعني خاصرته - ففعل ‏"‏ وأخرج مقطعا، فأخذ منه ابن عمر عشيرا بدرهمين أو أربعة‏.‏

وأما أثر عائشة فلم أقف عليه بعد موصولا؛ وقد نقله ابن المنذر وغيره عن الجمهور، وخالفهم مالك والليث، ونقل أيضا عن سعيد بن المسيب وربيعة فقالوا‏:‏ لا يحل أكل الإنسي إذا توحش إلا بتذكيته في حلقه أو لبته، وحجة الجمهور حديث رافع، ثم ذكر حديث رافع بن خديج من رواية يحيى القطان عن سفيان الثوري، ولم يذكر فيه قصة نصب القدور وإكفائها وذكر سائر الحديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَاقُو الْعَدُوِّ غَدًا وَلَيْسَتْ مَعَنَا مُدًى فَقَالَ اعْجَلْ أَوْ أَرِنْ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكَ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ وَأَصَبْنَا نَهْبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَإِذَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا شَيْءٌ فَافْعَلُوا بِهِ هَكَذَا

الشرح‏:‏

قوله فيه ‏(‏عن عباية بن رفاعة بن خديج‏)‏ كذا فيه نسب رفاعة إلى جده، ووقع في رواية كريمة ‏"‏ رفاعة بن رافع بن خديج ‏"‏ بغير نقص فيه‏.‏

قوله ‏(‏فقال أعجل أو أرن‏)‏ في رواية كريمة بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون النون، وكذا ضبطه الخطابي في سنن أبي داود‏.‏

وفي رواية أبي ذر بسكون الراء وكسر النون، ووقع في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه الذي هنا ‏"‏ وأرني ‏"‏ بإثبات الياء آخره، قال الخطابي‏:‏ هذا حرف طالما استثبت فيه الرواة، وسألت عنه أهل اللغة فلم أجد عندهم ما يقطع بصحته، وقد طلبت له مخرجا‏.‏

فذكر أوجها‏:‏ أحدها أن يكون على الرواية بكسر الراء من أران القوم إذا هلكت مواشيهم فيكون المعنى أهلكها ذبحا‏.‏

ثانيها أن يكون على الرواية بسكون الراء بوزن أعط يعني انظروا نظروا نتظر بمعنى، قال الله تعالى حكاية عمن قال ‏(‏انظرونا نقتبس من نوركم‏)‏ أي انظرونا، أو هو بضم الهمزة بمعنى أدم الحز من قولك رنوت إذا أدمت النظر إلى الشيء، وأراد أدم النظر إليه وراعه ببصرك‏.‏

ثالثها أن يكون مهموزا من قولك أر أن يرئن إذا نشط وخف، كأنه فعل أمر بالإسراع لئلا يموت خنقا ورجح في ‏"‏ شرح السنن ‏"‏ هذا الوجه الأخير فقال‏:‏ صوابه أرئن بهمزة ومعناه خف واعجل لئلا تخنقها، فإن الذبح إذا كان بغير الحديد احتاج صاحبه إلى خفة يد وسرعة في إمرار تلك الآلة والإتيان على الحلقوم والأوداج كلها قبل أن تهلك الذبيحة بما ينالها من ألم الضغط قبل قطع مذابحها‏.‏

ثم قال‏:‏ وقد ذكرت هذا الحرف في ‏"‏ غريب الحديث ‏"‏ وذكرت فيه وجوها يحتملها التأويل وكأن قال فيه يجوز أن تكون الكلمة تصحفت، وكان في الأصل أزز بالزاي من قولك أزز الرجل إصبعه إذا جعلها في الشيء، وأززت الجرادة أززا إذا أدخلت ذنبها في الأرض، والمعنى شد يدك على النحر‏.‏

وزعم أن هذا الوجه أقرب الجميع‏.‏

قال ابن بطال عرضت كلام الخطابي على بعض أهل النقد فقال‏:‏ أما أخذه من أران القوم فمعترض لأن أران لا يتعدى وإنما يقال أران هو ولا يقال أران الرجل غنمه‏.‏

وأما الوجه الذي صوبه ففيه نظر وكأنه من جهة أن الرواية لا تساعده‏.‏

وأما الوجه الذي جعله أقرب الجميع فهو أبعدها لعدم الرواية به‏.‏

وقال عياض‏:‏ ضبطه الأصيلي أرني فعل أمر من الرؤية، ومثله في مسلم لكن الراء ساكنة قال‏:‏ وأفادني بعضهم أنه وقف على هذه اللفظة في ‏"‏ مسند علي بن عبد العزيز ‏"‏ مضبوطة هكذا أرني أو أعجل، فكأن الراوي شك في أحد اللفظين وهما بمعنى واحد، والمقصود الذبح بما يسرع القطع ويجري الدم، ورجح النووي أن أرن بمعنى أعجل وأنه شك من الراوي، وضبط أعجل بكسر الجيم، وبعضهم قال في رواية لمسلم أرني بسكون الراء وبعد النون ياء أي أحضرني الآلة التي تذبح بها لأراها ثم أضرب عن ذلك فقال‏:‏ أو أعجل، وأو تجي‏.‏

للإضراب فكأنه قال قد لا يتيسر إحضار الآلة فيتأخر البيان فعرف الحكم فقال أعجل ما أنهر الدم إلخ، قال وهذا أولى من حمله على الشك‏.‏

وقال المنذري‏:‏ اختلف في هذه اللفظة هلى هي بوزن أعط أو بوزن أطع أو هي فعل أمر من الرؤية‏؟‏ فعلى الأول المعنى أدم الحز من رنوت إذا أدمت النظر، وعلى الثاني أهلكها ذبحا من أران القوم إذا هلكت مواشيهم، وتعقب بأنه لا يتعدى، وأجيب بأن المعنى كن ذا شاة هالكة إذا أزهقت نفسها بكل ما أنهر الدم‏.‏

قلت‏:‏ ولا يخفى تكلفه‏.‏

وأما على أنه بصيغة فعل الأمر فمعناه أرني سيلان الدم، ومن سكن الراء اختلس الحركة، ومن حذف الياء جاز، وقوله واعجل بهمزة وصل وفتح الجيم وسكون اللام فعل أمر من العجلة أي اعجل لا تموت الذبيحة خنقة قال‏:‏ ورواه بعضهم بصيغة أفعل التفضيل أي ليكن الذبح أعجل ما أنهر الدم، قلت‏:‏ وهذا وإن تمشى على رواية أبي داود بتقديم لفظ أرني على أعجل لم يستقم على رواية البخاري بتأخيرها، وجوز بعضهم في رواية أرن بسكون الراء أن يكون من أرناني حسن ما رأيته أي حملني على الرنو إليه، والمعنى على هذا أحسن الذبح حتى تحب أن ننظر إليك، ويؤيده حديث ‏"‏ إذا ذبحتم فأحسنوا ‏"‏ أخرجه مسلم‏.‏

وقد سبقت مباحث هذا الحديث مستوفاة قبل، وسياقه هناك أتم مما هنا‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب النَّحْرِ وَالذَّبْحِ

وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ لَا ذَبْحَ وَلَا مَنْحَرَ إِلَّا فِي الْمَذْبَحِ وَالْمَنْحَرِ قُلْتُ أَيَجْزِي مَا يُذْبَحُ أَنْ أَنْحَرَهُ قَالَ نَعَمْ ذَكَرَ اللَّهُ ذَبْحَ الْبَقَرَةِ فَإِنْ ذَبَحْتَ شَيْئًا يُنْحَرُ جَازَ وَالنَّحْرُ أَحَبُّ إِلَيَّ وَالذَّبْحُ قَطْعُ الْأَوْدَاجِ قُلْتُ فَيُخَلِّفُ الْأَوْدَاجَ حَتَّى يَقْطَعَ النِّخَاعَ قَالَ لَا إِخَالُ وَأَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ نَهَى عَنْ النَّخْعِ يَقُولُ يَقْطَعُ مَا دُونَ الْعَظْمِ ثُمَّ يَدَعُ حَتَّى تَمُوتَ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً وَقَالَ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ الذَّكَاةُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَنَسٌ إِذَا قَطَعَ الرَّأْسَ فَلَا بَأْسَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب النحر والذبح‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ والذبائح ‏"‏ بصيغة الجمع، وكأنه جمع باعتبار أنه الأكثر فالنحر في الإبل خاصة، وأما غير الإبل فيذبح، وقد جاءت أحاديث في ذبح الإبل وفي نحر غيرها‏.‏

وقال ابن التين الأصل في الإبل النحر، وفي الشاة ونحوها الذبح، وأما البقر فجاء في القرآن ذكر ذبحها وفي السنة ذكر نحرها، واختلف في ذبح ما ينحر ونحر ما يذبح فأجازه الجمهور ومنع ابن القاسم‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن جريج عن عطاء إلخ‏)‏ وصله عبد الرزاق عن ابن جريج مقطعا، وقوله والذبح قطع الأوداج جمع ودج بفتح الدال المهملة والجيم وهو العرق الذي في الأخدع، وهما عرقان متقابلان، قيل ليس لكل بهيمة غير ودجين فقط وهما محيطان بالحلقوم، ففي الإتيان بصيغة الجمع نظر، ويمكن أن يكون أضاف كل ودجين إلى الأنواع كلها، هكذا اقتصر عليه بعض الشراح، وبقي وجه آخر وهو أنه أطلق على ما يقطع في العادة ودجا تغليبا، فقد قال أكثر الحنفية في كتبهم‏:‏ إذا قطع من الأوداج الأربعة ثلاثة حصلت التذكية، وهما الحلقوم والمريء وعرقان من كل جانب، وحكى ابن المنذر عن محمد بن الحسن‏:‏ إذا قطع الحلقوم والمريء وأكثر من نصف الأوداج أجزأ، فإن قطع أقل فلا خير فيها‏.‏

وقال الشافعي يكفي ولو لم يقطع من الودجين شيئا، لأنهما قد يسلان من الإنسان وغيره فيعيش‏.‏

وعن الثوري إن قطع الودجين أجزأ ولو لم يقطع الحلقوم والمريء، وعن مالك والليث يشترط قطع الودجين والحلقوم فقط، واحتج له بما في حديث رافع ‏"‏ ما أنهر الدم ‏"‏ وإنهاره إجراؤه، وذلك يكون بقطع الأوداج لأنها مجرى الدم، وأما المريء فهو مجرى الطعام وليس به من الدم ما يصل به إنهار، كذا قال‏.‏

وقوله ‏"‏فأخبرني نافع ‏"‏ القائل هو ابن جريج، وقوله ‏"‏النخع ‏"‏ بفتح النون وسكون الخاء المعجمة فسره في الخبر بأنه قطع ما دون العظم، والنخاع عرق أبيض في فقار الظهر إلى القلب، يقال له خيط الرقبة‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ النخع أن تذبح الشاة ثم يكسر قفاها من موضع المذبح، أو تضرب ليعجل قطع حركتها‏.‏

وأخرج أبو عبيد في ‏"‏ الغريب ‏"‏ عن عمر أنه نهى عن الفرس في الذبيحة، ثم حكى عن أبي عبيدة أن الفرس هو النخع، يقال فرست الشاة ونخعتها، وذلك أن ينتهي بالذبح إلى النخاع وهو عظم في الرقبة، قال‏:‏ ويقال أيضا هو الذي يكون في فقار الصلب شبيه بالمخ وهو متصل بالقفا، نهى أن ينتهي بالذبح إلى ذلك‏.‏

قال أبو عبيد أما النخع فهو على ما قال، وأما الفرس فيقال هو الكسر، وإنما نهى أن تكسر رقبة الذبيحة قبل أن تبرد‏.‏

ويبين ذلك أن في الحديث ‏"‏ ولا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق ‏"‏ قلت يعني في حديث عمر المذكور، وكذا ذكره الشافعي عن عمر‏.‏

قوله ‏(‏وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة - إلى - فذبحوها وما كادوا يفعلون‏)‏ زاد في رواية كريمة ‏"‏ وقول الله تعالى‏:‏ وإذ قال موسى لقومه ‏"‏ وهذا من تمام الترجمة، وأراد أن يفسر به قول ابن جريج في الأثر المذكور ذكر الله ذبح البقرة، وفي هذا إشارة منه إلى اختصاص البقر بالذبح، وقد روى شيخه إسماعيل بن أبي أويس عن مالك ‏"‏ من نحر البقر فبئس ما صنع‏.‏

ثم تلا هذه الآية ‏"‏ وعن أشهب إن ذبح بعيرا من غير ضرورة لم يؤكل‏.‏

قوله ‏(‏وقال سعيد عن ابن عباس‏:‏ الذكاة في الحلق واللبة‏)‏ وصله سعيد بن منصور والبيهقي من طريق أيوب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال‏:‏ الذكاة في الحلق واللبة، وهذا إسناد صحيح، وأخرجه سفيان الثوري في جامعه عن عمر مثله، وجاء مرفوعا من وجه واه‏.‏

واللبة بفتح اللام وتشديد الموحدة هي موضع القلادة من الصدر وهي المنحر، وكأن المصنف لمح بضعف الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن من رواية حماد ابن سلمة عن أبي المعشر الدارمي عن أبيه قال ‏"‏ قلت يا رسول الله ما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة، قال لو طعنت في فخذها لأجزأك ‏"‏ لكن من قواه حمله على الوحش والمتوحش‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عمر وابن عباس وأنس‏:‏ إذا قطع الرأس فلا بأس‏)‏ أما أثر ابن عمر فوصله أبو موسى الزمن من رواية أبي مجلز ‏"‏ سألت ابن عمر عن ذبيحة قطع رأسها، فأمر ابن عمر بأكلها ‏"‏ وأما أثر ابن عباس فوصله ابن أبي شيبة بسند صحيح ‏"‏ أن ابن عباس سئل عمن ذبح دجاجة فطير رأسها فقال ذكاة وحية بفتح الواو وكسر الحاء المهملة بعدها تحتانية ثقيلة أي سريعة، منسوبة إلى الوحاء وهو الإسراع والعجلة‏.‏

وأما أثر أنس فوصله ابن أبي شيبة من طريق عبيد الله بن أبي بكر بن أنس ‏"‏ أن جزارا لأنس ذبح دجاجة فاضطربت فذبحها من قفاها فأطار رأسها، فأرادوا طرحها، فأمرهم أنس بأكلها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَلَّادُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَتْنِي فَاطِمَةُ بِنْتُ الْمُنْذِرِ امْرَأَتِي عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ

الشرح‏:‏

ذكر المصنف في الباب حديث أسماء بنت أبي بكر في أكل الفرس، أورده من رواية سفيان الثوري ومن رواية جرير كلاهما عن هشام بن عروة موصولا بلفظ ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وقال في آخره ‏"‏ تابعه وكيع وابن عيينة عن هشام في النحر‏"‏، وأورده أيضا من رواية عبدة وهو ابن سليمان عن هشام بلفظ ‏"‏ ذبحنا ‏"‏ ورواية ابن عيينة التي أشار إليها ستأتي موصولة بعد بابين من رواية الحميدي عن سفيان وهو ابن عيينة به وقال ‏"‏ نحرنا‏"‏‏.‏

ورواية وكيع أخرجها أحمد عنه بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، وأخرجها مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير ‏"‏ حدثنا أبي وحفص بن غياث ووكيع ثلاثتهم عن هشام ‏"‏ بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر والثوري جميعا عن هشام بلفظ ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وقال الإسماعيلي‏:‏ قال همام وعيسى بن يونس وعلي بن مسهر عن هشام بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، واختلف على حماد بن زيد وابن عيينة فقال أكثر أصحابهما ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وقال بعضهم ‏"‏ ذبحنا‏"‏، وأخرجه الدار قطني من رواية مؤمل بن إسماعيل عن الثوري ووهيب بن خالد ومن رواية ابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ومن رواية يحيى القطان كلهم عن هشام بلفظ ‏"‏ ذبحنا ‏"‏ ومن رواية أبي معاوية عن هشام ‏"‏ انتحرنا ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من رواية أبي معاوية وأبي أسامة ولم يسق لفظه، وساقه أبو عوانة عنهما بلفظ ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وهذا الاختلاف كله عن هشام، وفيه إشعار بأنه كان تارة يرويه بلفظ - ‏"‏ ذبحنا ‏"‏ وتارة بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، وهو مصير منه إلى استواء اللفظين في المعنى، وأن النحر يطلق عليه ذبح والذبح يطلق عليه نحر ولا يتعين مع هذا الاختلاف ما هو الحقيقة في ذلك من المجاز إلا إن رجح أحد الطريقين، وأما أنه يستفاد من هذا الاختلاف جواز نحر المذبوح وذبح المنحور كما قاله بعض الشراح فبعيد، لأنه يستلزم أن يكون الأمر في ذلك وقع مرتين، والأصل عدم التعدد مع اتحاد المخرج، وقد جرى النووي على عادته في الحمل على التعدد فقال بعد أن ذكر اختلاف الرواة في قولها نحرنا وذبحنا‏:‏ يجمع بين الروايتين بأنهما قضيتان، فمرة نحروها ومرة ذبحوها‏:‏ ثم قال‏:‏ ويجوز أن تكون قصة واحدة وأحد اللفظين مجاز والأول أصح، كذا قال والله أعلم

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ سَمِعَ عَبْدَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ قَالَتْ ذَبَحْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا وَنَحْنُ بِالْمَدِينَةِ فَأَكَلْنَاهُ

الشرح‏:‏

ذكر المصنف في الباب حديث أسماء بنت أبي بكر في أكل الفرس، أورده من رواية سفيان الثوري ومن رواية جرير كلاهما عن هشام بن عروة موصولا بلفظ ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وقال في آخره ‏"‏ تابعه وكيع وابن عيينة عن هشام في النحر‏"‏، وأورده أيضا من رواية عبدة وهو ابن سليمان عن هشام بلفظ ‏"‏ ذبحنا ‏"‏ ورواية ابن عيينة التي أشار إليها ستأتي موصولة بعد بابين من رواية الحميدي عن سفيان وهو ابن عيينة به وقال ‏"‏ نحرنا‏"‏‏.‏

ورواية وكيع أخرجها أحمد عنه بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، وأخرجها مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير ‏"‏ حدثنا أبي وحفص بن غياث ووكيع ثلاثتهم عن هشام ‏"‏ بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر والثوري جميعا عن هشام بلفظ ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وقال الإسماعيلي‏:‏ قال همام وعيسى بن يونس وعلي بن مسهر عن هشام بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، واختلف على حماد بن زيد وابن عيينة فقال أكثر أصحابهما ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وقال بعضهم ‏"‏ ذبحنا‏"‏، وأخرجه الدار قطني من رواية مؤمل بن إسماعيل عن الثوري ووهيب بن خالد ومن رواية ابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ومن رواية يحيى القطان كلهم عن هشام بلفظ ‏"‏ ذبحنا ‏"‏ ومن رواية أبي معاوية عن هشام ‏"‏ انتحرنا ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من رواية أبي معاوية وأبي أسامة ولم يسق لفظه، وساقه أبو عوانة عنهما بلفظ ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وهذا الاختلاف كله عن هشام، وفيه إشعار بأنه كان تارة يرويه بلفظ - ‏"‏ ذبحنا ‏"‏ وتارة بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، وهو مصير منه إلى استواء اللفظين في المعنى، وأن النحر يطلق عليه ذبح والذبح يطلق عليه نحر ولا يتعين مع هذا الاختلاف ما هو الحقيقة في ذلك من المجاز إلا إن رجح أحد الطريقين، وأما أنه يستفاد من هذا الاختلاف جواز نحر المذبوح وذبح المنحور كما قاله بعض الشراح فبعيد، لأنه يستلزم أن يكون الأمر في ذلك وقع مرتين، والأصل عدم التعدد مع اتحاد المخرج، وقد جرى النووي على عادته في الحمل على التعدد فقال بعد أن ذكر اختلاف الرواة في قولها نحرنا وذبحنا‏:‏ يجمع بين الروايتين بأنهما قضيتان، فمرة نحروها ومرة ذبحوها‏:‏ ثم قال‏:‏ ويجوز أن تكون قصة واحدة وأحد اللفظين مجاز والأول أصح، كذا قال والله أعلم

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ نَحَرْنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَسًا فَأَكَلْنَاهُ تَابَعَهُ وَكِيعٌ وَابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ هِشَامٍ فِي النَّحْرِ

الشرح‏:‏

ذكر المصنف في الباب حديث أسماء بنت أبي بكر في أكل الفرس، أورده من رواية سفيان الثوري ومن رواية جرير كلاهما عن هشام بن عروة موصولا بلفظ ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وقال في آخره ‏"‏ تابعه وكيع وابن عيينة عن هشام في النحر‏"‏، وأورده أيضا من رواية عبدة وهو ابن سليمان عن هشام بلفظ ‏"‏ ذبحنا ‏"‏ ورواية ابن عيينة التي أشار إليها ستأتي موصولة بعد بابين من رواية الحميدي عن سفيان وهو ابن عيينة به وقال ‏"‏ نحرنا‏"‏‏.‏

ورواية وكيع أخرجها أحمد عنه بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، وأخرجها مسلم عن محمد بن عبد الله بن نمير ‏"‏ حدثنا أبي وحفص بن غياث ووكيع ثلاثتهم عن هشام ‏"‏ بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر والثوري جميعا عن هشام بلفظ ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وقال الإسماعيلي‏:‏ قال همام وعيسى بن يونس وعلي بن مسهر عن هشام بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، واختلف على حماد بن زيد وابن عيينة فقال أكثر أصحابهما ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وقال بعضهم ‏"‏ ذبحنا‏"‏، وأخرجه الدار قطني من رواية مؤمل بن إسماعيل عن الثوري ووهيب بن خالد ومن رواية ابن ثوبان وهو عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ومن رواية يحيى القطان كلهم عن هشام بلفظ ‏"‏ ذبحنا ‏"‏ ومن رواية أبي معاوية عن هشام ‏"‏ انتحرنا ‏"‏ وكذا أخرجه مسلم من رواية أبي معاوية وأبي أسامة ولم يسق لفظه، وساقه أبو عوانة عنهما بلفظ ‏"‏ نحرنا ‏"‏ وهذا الاختلاف كله عن هشام، وفيه إشعار بأنه كان تارة يرويه بلفظ - ‏"‏ ذبحنا ‏"‏ وتارة بلفظ ‏"‏ نحرنا‏"‏، وهو مصير منه إلى استواء اللفظين في المعنى، وأن النحر يطلق عليه ذبح والذبح يطلق عليه نحر ولا يتعين مع هذا الاختلاف ما هو الحقيقة في ذلك من المجاز إلا إن رجح أحد الطريقين، وأما أنه يستفاد من هذا الاختلاف جواز نحر المذبوح وذبح المنحور كما قاله بعض الشراح فبعيد، لأنه يستلزم أن يكون الأمر في ذلك وقع مرتين، والأصل عدم التعدد مع اتحاد المخرج، وقد جرى النووي على عادته في الحمل على التعدد فقال بعد أن ذكر اختلاف الرواة في قولها نحرنا وذبحنا‏:‏ يجمع بين الروايتين بأنهما قضيتان، فمرة نحروها ومرة ذبحوها‏:‏ ثم قال‏:‏ ويجوز أن تكون قصة واحدة وأحد اللفظين مجاز والأول أصح، كذا قال والله أعلم

*3*باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الْمُثْلَةِ وَالْمَصْبُورَةِ وَالْمُجَثَّمَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما يكره من المثلة‏)‏ بضم الميم وسكون المثلثة هي قطع أطراف الحيوان أو بعضها وهو حي، يقال مثلت به أمثل بالتشديد للمبالغة‏.‏

قوله ‏(‏والمصبورة‏)‏ بصاد مهملة ساكنة وموحدة مضمومة، ‏(‏والمجثمة‏)‏ بالجيم والمثلثة المفتوحة‏:‏ التي تربط وتجعل غرضا للرمي، فإذا ماتت من ذلك لم يحل أكلها، والجثوم للطير ونحوها بمنزلة البروك للإبل، فلو جثمت بنفسها فهي جاثمة ومجثمة بكسر المثلثة، وتلك إذا صيدت على تلك الحالة فذبحت جاز أكلها، وإن رميت فماتت لم يجز لأنها تصير موقذة‏.‏

ثم ذكر في الباب أربعة أحاديث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ دَخَلْتُ مَعَ أَنَسٍ عَلَى الْحَكَمِ بْنِ أَيُّوبَ فَرَأَى غِلْمَانًا أَوْ فِتْيَانًا نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا فَقَالَ أَنَسٌ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن هشام بن زيد‏)‏ يعني ابن أنس بن مالك‏.‏

قوله ‏(‏دخلت مع أنس على الحكم بن أيوب‏)‏ يعني ابن أبي عقيل الثقفي ابن عم الحجاج بن يوسف ونائبه على البصرة وزوج أخته زينب بنت يوسف، وهو الذي يقول فيه جرير يمدحه‏:‏ حتى أنخناها على باب الحكم خليفة الحجاج غير المتهم وقع ذكره في عدة أحاديث، وكان يضاهي في الجور ابن عمه، وليزيد الضبي معه قصة طويلة تدل على ذلك أوردها أبو يعلى الموصلي في مسند أنس له، ووقع في رواية الإسماعيلي بلفظ خرجت مع أنس بن مالك من دار الحكم بن أيوب أمير البصرة‏.‏

قوله ‏(‏فرأى غلمانا أو فتيانا‏)‏ شك من الراوي، ولم أقف على أسمائهم، وظاهر السياق أنهم من أتباع الحكم بن أيوب المذكور‏.‏

قوله ‏(‏أن تصبر‏)‏ بضم أوله أي تحبس لترمي حتى تموت‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ سمعت أنس بن مالك يقول‏:‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صبر الروح ‏"‏ وأصل الصبر الحبس‏.‏

وأخرج العقيلي في ‏"‏ الضعفاء ‏"‏ من طريق الحسن عن سمرة قال ‏"‏ نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن تصبر البهيمة، وأن يؤكل لحمها إذا صبرت ‏"‏ قال العقيلي‏:‏ جاء في النهي عن صبر البهيمة أحاديث جياد، وأما النهي عن أكلها فلا يعرف إلا في هذا‏.‏

قلت‏:‏ إن ثبت فهو محمول على أنها ماتت بذلك بغير تذكية كما تقدم في المقتول بالبندقة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرٍو عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَهُ يُحَدِّثُ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ وَغُلَامٌ مِنْ بَنِي يَحْيَى رَابِطٌ دَجَاجَةً يَرْمِيهَا فَمَشَى إِلَيْهَا ابْنُ عُمَرَ حَتَّى حَلَّهَا ثُمَّ أَقْبَلَ بِهَا وَبِالْغُلَامِ مَعَهُ فَقَالَ ازْجُرُوا غُلَامَكُمْ عَنْ أَنْ يَصْبِرَ هَذَا الطَّيْرَ لِلْقَتْلِ فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ تُصْبَرَ بَهِيمَةٌ أَوْ غَيْرُهَا لِلْقَتْلِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أنه دخل على يحيى بن سعيد‏)‏ أي ابن العاص وهو أخو عمرو المعروف بالأشدق ابن سعيد بن العاص والد سعيد بن عمرو راويه من ابن عمر‏.‏

قوله ‏(‏وغلام من بني يحيى‏)‏ أي ابن سعيد المذكور لم أقف على اسمه، وكان ليحيى من الذكور عثمان وعنبسة وأبان وإسماعيل وسعيد ومحمد وهشام وعمرو، وكان يحيى بن سعيد قد ولى إمرة المدينة وكذا أخوه عمرو‏.‏

قوله ‏(‏فمشى إليها ابن عمر حتى حلها‏)‏ بتشديد اللام، في رواية السرخسي والمستلمي ‏"‏ حملها ‏"‏ ورواية الكشميهني أوضح لقوله في أول الحديث ‏"‏ رابط دجاجة ‏"‏ ووقع في رواية الإسماعيلي وأبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏‏:‏ فحل الدجاجة‏.‏

قوله ‏(‏ازجروا غلامكم‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ غلمانكم‏"‏‏.‏

‏(‏عن أن يصبر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ أن يصبروا ‏"‏ بصيغة الجمع وهو على نسق الذي قبله، وزاد أبو نعيم في آخر الحديث ‏"‏ وإن أردتم ذبحها فاذبحوها‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏هذا الطير‏)‏ قال الكرماني‏:‏ هذا على لغة قليلة وهي إطلاق الطير على الواحد، واللغة المشهورة في الواحد طائر والجمع الطير‏.‏

قلت‏:‏ وهو هنا محتمل لإرادة الجمع، بل الأولى أنه لإرادة الجنس‏.‏

قوله ‏(‏أن تصبر بهيمة أو غيرها للقتل‏)‏ ‏"‏ أو ‏"‏ للتنويع لا للشك، وهو زائد على حديث أنس فيدخل فيه البهائم والطيور وغيرهما، ونحوه حديث أبي أيوب قال ‏"‏ والذي نفسي بيده لو كانت دجاجة ما صبرتها، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن قتل الصبر ‏"‏ أخرجه أبو داود بسند قوي، ويجمع ذلك حديث شداد بن أوس عند مسلم رفعه ‏"‏ إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ‏"‏ قال ابن أبي جمرة‏:‏ فيه رحمة الله لعباده حتى في حال القتل، فأمر بالقتل، وأمر بالرفق فيه‏.‏

ويؤخذ منه قهره لجميع عباده لأنه لم يترك لأحد التصرف في شيء إلا وقد حد له فيه كيفية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنْتُ عِنْدَ ابْنِ عُمَرَ فَمَرُّوا بِفِتْيَةٍ أَوْ بِنَفَرٍ نَصَبُوا دَجَاجَةً يَرْمُونَهَا فَلَمَّا رَأَوْا ابْنَ عُمَرَ تَفَرَّقُوا عَنْهَا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَنْ فَعَلَ هَذَا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ مَنْ فَعَلَ هَذَا تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ لَعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ مَثَّلَ بِالْحَيَوَانِ وَقَالَ عَدِيٌّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن أبي بشر‏)‏ هو جعفر بن أبي وحشية‏.‏

قوله ‏(‏فمروا بفتية أو بنفر‏)‏ شك من الراوي‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ فإذا فتية نصبوا دجاجة يرمونها وله كل خاطئة ‏"‏ يعني أن الذي يصيبها يأخذ السهم الذي ترمي به إذ لم يصبها‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن عمر‏:‏ من فعل هذا‏)‏ زاد في رواية الإسماعيلي ‏"‏ فتفرقوا‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏إن النبي صلى الله عليه وسلم لعن من فعل هذا‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا ‏"‏ بمعجمتين والفتح أي منصوبا للرمي‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من مثل بالحيوان ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ بالبهائم ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ من تجثم ‏"‏ واللعن من دلائل التحريم، ولأحمد من وجه آخر عن أبي صالح الحنفي عن رجل من الصحابة أراه عن ابن عمر رفعه ‏"‏ من مثل بذي روح ثم لم يتب مثل الله به يوم القيامة ‏"‏ رجاله ثقات‏.‏

قوله ‏(‏تابعه سليمان‏)‏ هو ابن حرب‏.‏

قوله ‏(‏لعن النبي صلى الله عليه وسلم من مثل بالحيوان‏)‏ أي صبره مثله بضم الميم وبالمثلثة، وهذه المتابعة وصلها البيهقي من طريق إسماعيل بن إسحاق القاضي عن سليمان بن حرب، وزاد فيه أيضا قصة أن ابن عمر خرج في طريق من طرق المدينة فرأى غلمانا، فذكر مثل رواية أبي بشر، وفيه ‏"‏ فلما رأوه فروا فغضب ‏"‏ الحديث‏.‏

ووهم مغلطاي وتبعه شيخنا ابن الملقن وغيره فجزموا بأن سليمان هذا هو أبو داود الطيالسي، واستند إلى أن أبا نعيم أخرجه في مستخرجه من طريق أبي خليفة عن الطيالسي‏.‏

قلت‏:‏ وهو غلط ظاهر، فإن الطيالسي الذي يروي عنه أبو خليفة هو أبو الوليد واسمه هشام بن عبد الملك، ولم يدرك أبو خليفة أبا داود الطيالسي فإن مولده بعد وفاته بسنتين، مات أبو داود سنة أربع ومائتين على الصحيح، وولد أبو خليفة سنة ست ومائتين، والمنهال المذكور في السند هو ابن عمرو، يعني أنه تابع أبا بشر في روايته لهذا الحديث عن سعيد بن جبير وخالفهما عدي بن ثابت فرواه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس كما بينه في الطريق التي بعدها‏.‏

قوله ‏(‏وقال عدي‏)‏ هو ابن ثابت ‏(‏عن سعيد‏)‏ هو ابن جبير ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ هو موصول بالإسناد الذي ساقه إلى عدي بن ثابت عن عبد الله بن يزيد، وقد ساقه البخاري في تاريخه عن حجاج بن منهال الذي ساق حديث عبد الله بن يزيد به، ولكن لفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يَزِيدَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ النُّهْبَةِ وَالْمُثْلَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏سمعت عبد الله بن يزيد‏)‏ هو الخطمي بفتح المعجمة وسكون المهملة، تقدم ذكره في الاستسقاء‏.‏

قوله ‏(‏نهى عن النهبى‏)‏ بضم النون وسكون الهاء ثم بالموحدة مقصور، أي أخذ مال المسلم قهرا جهرا، ومنه أخذ مال الغنيمة قبل القسمة اختطافا بغير تسوية‏.‏

قوله ‏(‏والمثلثة‏)‏ تقدم ضبطها وتفسيرها وتقدم في المغازي في ‏"‏ باب قصة عكل وعرينة ‏"‏ لهذا الحديث طريق أخرى، وذكر الإسماعيلي الاختلاف على شعبة فيه، وبين أن يعقوب الحضرمي رواه عن شعبة كما قال حجاج بن منهال، لكن أدخل بين عبد الله بن يزيد والنبي صلى الله عليه وسلم أبا أيوب، ورواية يعقوب بن إسحاق المذكورة وصلها الطبراني‏.‏

وفي هذه الأحاديث تحريم تعذيب الحيوان الآدمي وغيره، وفي الحديث الأول قوة أنس على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع معرفته بشدة الأمير المذكور، لكن كان الخليفة عبد الملك بن مروان نهى الحجاج عن التعرض له بعد أن كان صدر من الحجاج في حقه خشونة، فشكاه لعبد الملك فأغلظ للحجاج وأمره بإكرامه‏.‏