فصل: باب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَوْلِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَا جَاءَ فِي غَسْلِ الْبَوْلِ

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِصَاحِب الْقَبْرِ كَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى بَوْلِ النَّاسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في غسل البول‏.‏

وقال النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب القبر‏)‏ أي عن صاحب القبر‏.‏

وقاله الكرماني‏:‏ اللام بمعنى لأجل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان لا يستتر من بوله‏)‏ أشير إلى لفظ الحديث الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يذكر سوى بول الناس‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ أراد البخاري أن المراد بقوله في رواية الباب ‏"‏ كان لا يستتر من البول ‏"‏ بول الناس لا بول سائر الحيوان، فلا يكون فيه حجة لمن حمله على العموم في بول جميع الحيوان، وكأنه أراد الرد على الخطابي حيث قال‏:‏ فيه دليل على نجاسة الأبوال كلها‏.‏

ومحصل الرد أن العموم في رواية ‏"‏ من البول ‏"‏ أريد به الخصوص لقوله ‏"‏ من بوله ‏"‏ والألف واللام بدل من الضمير، لكن يلتحق ببوله بول من هو في معناه من الناس لعدم الفارق، قال‏:‏ وكذا غير المأكول، وأما المأكول فلا حجة في هذا الحديث لمن قال بنجاسة بوله، ولمن قال بطهارته حجج أخرى‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ قوله ‏"‏ من البول ‏"‏ اسم مفرد لا يقتضي العموم، ولو سلم فهو مخصوص بالأدلة المقتضية لطهارة بول ما يؤكل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنِي رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ قَالَ حَدَّثَنِي عَطَاءُ بْنُ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا تَبَرَّزَ لِحَاجَتِهِ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْسِلُ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يعقوب بن إبراهيم‏)‏ هو الدورقي قال ‏"‏ أخبرنا ‏"‏ وللأكثر ‏"‏ حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ‏"‏ وهو المعروف بابن علية، وليس هو أخا يعقوب‏.‏

وروح بن القاسم بفتح الراء على المشهور، ونقل ابن التين والقابسي أنه قرئ بضمها وهو معاذ مردود، وقد تقدمت مباحث المتن في باب الاستنجاء بالماء، والاستدلال به هنا على غسل البول أعم من الاستدلال به على الاستنجاء فلا تكرار فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيغتسل به‏)‏ كذا لأبي ذر - بوزن يفتعل - ولغيره بفتح التحتانية وسكون الغين وكسر السين، وحذف مفعوله للعلم به، أو للحياء من ذكره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خَازِمٍ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ مَرَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَبْرَيْنِ فَقَالَ إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنْ الْبَوْلِ وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَ فَعَلْتَ هَذَا قَالَ لَعَلَّهُ يُخَفِّفُ عَنْهُمَا مَا لَمْ يَيْبَسَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَحَدَّثَنَا وَكِيعٌ قَالَ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ سَمِعْتُ مُجَاهِدًا مِثْلَهُ يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏محمد بن خازم‏)‏ بالخاء المعجمة والزاي هو أبو معاوية الضرير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغرز‏)‏ وفي رواية وكيع في الأدب ‏"‏ فغرس ‏"‏ وهما بمعنى، وأفاد سعد الدين الحارثي أن ذلك كان عند رأس القبر‏.‏

وقال‏:‏ إنه ثبت بإسناد صحيح، وكأنه يشير إلى حديث أبي هريرة عند ابن حبان وقد قدمنا لفظه، ثم وجدته في مسند عبد بن حميد من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش في حديث ابن عباس صريحا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم فعلت‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ هذا ‏"‏ من رواية المستملي والسرخسي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن المثنى‏:‏ وحدثنا وكيع‏)‏ هو معطوف على الأول، وثبتت أداة العطف فيه للأصيلي ولهذا ظن بعضهم أنه معلق، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج من طريق محمد بن المثنى هذا عن وكيع وأبي معاوية جميعا عن الأعمش، والحكمة في إفراد البخاري له أن في رواية وكيع التصريح بسماع الأعمش دون الآخر‏.‏

وباقي مباحث المتن تقدمت في الباب الذي قبله‏.‏

*3*باب تَرْكِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسِ الْأَعْرَابِيَّ حَتَّى فَرَغَ مِنْ بَوْلِهِ فِي الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي‏)‏ اللام فيه للعهد الذهبي، وقد تقدم أن الأعرابي واحد الأعراب وهم من سكن البادية عربا كانوا أو عجما، وإنما تركوه يبول في المسجد لأنه كان شرع في المفسدة فلو منع لزادت إذ حصل تلويث جزء من المسجد، فلو منع لدار بين أمرين‏:‏ إما أن يقطعه فيتضرر، وإما أن لا يقطعه فلا يأمن من تنجيس بدنه أو ثوبه أو مواضع أخرى من المسجد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ فِي الْمَسْجِدِ فَقَالَ دَعُوهُ حَتَّى إِذَا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏همام‏)‏ هو ابن يحيى، وإسحاق هو ابن عبد الله بن أبي طلحة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ ولمسلم ‏"‏ حدثني أنس‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأى أعرابيا‏)‏ حكى أبو بكر التاريخي عن عبد الله بن نافع المزني أنه الأقرع بن حابس التميمي، وقيل غيره كما سيأتي قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في المسجد‏)‏ أي مسجد النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله ‏(‏فقال دعوه‏)‏ كان هذا الأمر بالترك عقب زجر الناس له كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى‏)‏ أي فتركوه حتى فرغ من بوله، فلما فرغ دعا النبي صلى الله عليه وسلم بماء أي في دلو كبير ‏(‏فصبه‏)‏ أي فأمر بصبه كما سيأتي ذلك كله صريحا‏.‏

وقد أخرج مسلم هذا الحديث من طريق عكرمة ابن عمار عن إسحاق فساقه مطولا بنحو مما شرحناه، وزاد فيه‏:‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له ‏"‏ إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله تعالى والصلاة وقراءة القرآن ‏"‏ وسنذكر فوائده في الباب الآتي بعده إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ النَّاسُ فَقَالَ لَهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعُوهُ وَهَرِيقُوا عَلَى بَوْلِهِ سَجْلًا مِنْ مَاءٍ أَوْ ذَنُوبًا مِنْ مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ وَلَمْ تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرني عبيد الله‏)‏ كذا رواه أكثر الرواة عن الزهري، ورواه سفيان ابن عيينة عنه ‏"‏ عن سعيد بن المسيب ‏"‏ بدل عبيد الله، وتابعه سفيان بن حسين، فالظاهر أن الروايتين صحيحتان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قام أعرابي‏)‏ زاد ابن عيينة عند الترمذي وغيره في أوله ‏"‏ أنه صلى ثم قال‏:‏ اللهم ارحمني ومحمدا، ولا ترحم معنا أحدا‏.‏

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لقد تحجرت واسعا‏.‏

فلم يلبث أن بال في المسجد ‏"‏ وهذه الزيادة ستأتي عند المصنف مفردة في الأدب من طريق الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة‏.‏

وقد روى ابن ماجه وابن حبان الحديث تاما من طريق محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وكذا رواه ابن ماجه أيضا من حديث واثلة بن الأسقع، وأخرجه أبو موسى المديني في الصحابة من طريق محمد بن عمرو بن عطاء عن سليمان بن يسار قال ‏"‏ اطلع ذو الخويصرة اليماني وكان رجلا جافيا ‏"‏ فذكره تاما بمعناه وزيادة، وهو مرسل، وفي إسناده أيضا مبهم بين محمد بن إسحاق وبين محمد بن عمرو بن عطاء، وهو عنده من طريق الأصم عن أبي زرعة الدمشقي أحمد بن خالد الذهبي عنه، وهو في جمع مسند ابن إسحاق لأبي زرعة الدمشقي من طريق الشاميين عنه بهذا السند، لكن قال في أوله ‏"‏ اطلع ذو الخويصرة التميمي وكان جافيا ‏"‏ والتميمي هو حرقوص بن زهير الذي صار بعد ذلك من رءوس الخوارج، وقد فرق بعضهم بينه وبين اليماني، لكن له أصل أصيل، واستفيد منه تسمية الأعرابي، وقد تقدم قول التاريخي إنه الأقرع، ونقل عن أبي الحسين بن فارس أنه عيينة بن حصن، والعلم عند الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتناوله الناس‏)‏ أي بألسنتهم، وللمصنف في الأدب ‏"‏ فثار إليه الناس ‏"‏ وله في رواية عن أنس ‏"‏ فقاموا إليه ‏"‏ وللإسماعيلي ‏"‏ فأراد أصحابه أن يمنعوه‏"‏‏.‏

وفي رواية أنس في هذا الباب ‏"‏ فزجره الناس ‏"‏ وأخرجه البيهقي من طريق عبدان شيخ المصنف فيه بلفظ ‏"‏ فصاح الناس به ‏"‏ وكذا للنسائي من طريق ابن المبارك‏.‏

فظهر أن تناوله كان بالألسنة لا بالأيدي‏.‏

ولمسلم من طريق إسحاق عن أنس ‏"‏ فقال الصحابة مه مه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهريقوا‏)‏ ، وللمصنف في الأدب ‏"‏ وأهريقوا ‏"‏ وقد تقدم توجيهها في باب الغسل في المخضب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سجلا‏)‏ بفتح المهملة وسكون الجيم، قال أبو حاتم السجستاني‏:‏ هو الدلو ملأي، ولا يقال لها ذلك وهي فارغة‏.‏

وقال ابن دريد‏:‏ السجل دلو واسعة‏.‏

وفي الصحاح‏:‏ الدلو الضخمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو ذنوبا‏)‏ قال الخليل‏:‏ الدلو ملأي ماء‏.‏

وقال ابن فارس‏:‏ الدلو العظيمة‏.‏

وقال ابن السكيت فيها ماء قريب من الملء، ولا يقال لها وهي فارغة ذنوب‏.‏

انتهى‏.‏

فعلى الترادف ‏"‏ أو ‏"‏ للشك من الراوي، وإلا فهي للتخيير، والأول أظهر فإن رواية أنس لم تختلف في أنها ذنوب‏.‏

وقال في الحديث ‏"‏ من ماء ‏"‏ مع أن الذنوب من شأنها ذلك، لكنه لفظ مشترك بينه وبين الفرس الطويل وغيرهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإنما بعثتم‏)‏ إسناد البعث إليهم على طريق المجاز لأنه هو المبعوث صلى الله عليه وسلم بما ذكر، لكنهم لما كانوا في مقام التبليغ عنه في حضوره وغيبته أطلق عليهم ذلك، إذ هم مبعوثون من قبله بذلك، أي مأمورون‏.‏

وكان ذلك شأنه صلى الله عليه وسلم في حق كل من بعثه إلى جهة من الجهات يقول‏:‏ ‏"‏ يسروا ولا تعسروا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَابُ يُهَرِيقُ الْمَاءَ عَلَى الْبَوْلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ قَالَ وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ فِي طَائِفَةِ الْمَسْجِدِ فَزَجَرَهُ النَّاسُ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا قَضَى بَوْلَهُ أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ فَأُهْرِيقَ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك، ويحيى بن سعيد هو الأنصاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحدثنا خالد‏)‏ سقطت الواو من رواية كريمة، والعطف فيه على قوله ‏"‏ حدثنا عبدان ‏"‏ وسليمان هو ابن بلال، وبان لي المتن على لفظ روايته، لأن لفظ عبدان فيه مخالفة لسياقة كما أشرنا إليه أنه عند البيهقي‏.‏

قوله ‏(‏في طائفة المسجد‏)‏ أي ناحيته، والطائفة القطعة من الشيء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنهاهم‏)‏ في رواية عبدان ‏"‏ فقال اتركوه فتركوه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فهريق عليه‏)‏ كذا لأبي ذر وللباقين ‏"‏ فأهريق عليه‏"‏، ويجوز إسكان الهاء وفتحها كما تقدم، وضبطه ابن الأثير في النهاية بفتح الهاء أيضا‏.‏

وف هذا الحديث من الفوائد‏:‏ أن الاحتراز من النجاسة كان مقررا في نفوس الصحابة، ولهذا بادروا إلى الإنكار بحضرته صلى الله عليه وسلم قبل استئذانه، ولما تقرر عندهم أيضا من طلب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏.‏

واستدل به على جواز التمسك بالعموم إلى أن يظهر الخصوص، قال ابن دقيق العيد‏:‏ والذي يظهر أن التمسك يتحتم عند احتمال التخصيص عند المجتهد، ولا يجب التوقف عن العمل بالعموم لذلك، لأن علماء الأمصار ما برحوا يفتون بما بلغهم من غير توقف على البحث عن التخصيص، ولهذه القصة أيضا إذ لم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على الصحابة ولم يقل لهم لم نهيتم الأعرابي‏؟‏ بل أمرهم بالكف عنه للمصلحة الراجحة، وهو دفع أعظم المفسدين باحتمال أيسرهما‏.‏

وتحصيل أعظم المصلحتين بترك أيسرهما‏.‏

وفيه المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع لأمرهم عند فراغه بصب الماء‏.‏

وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة، لأن الجفاف بالريح أو الشمس لو كان يكفي لما حصل التكليف بطلب الدلو‏.‏

وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة، ويلتحق به غير الواقعة، لأن البلة الباقية على الأرض غسالة نجاسة فإذا لم يثبت أن التراب نقل وعلمنا أن المقصود التطهير تعين الحكم بطهارة البلة، وإذا كانت طاهرة فالمنفصلة أيضا مثلها لعدم الفارق، ويستدل به أيضا على عدم اشتراط نضوب الماء لأنه لو اشترط لتوقفت طهارة الأرض على الجفاف‏.‏

وكذا لا يشترط عصر الثوب إذ لا فارق‏.‏

قال الموفق في المغني بعد أن حكى الخلاف‏:‏ الأولى الحكم بالطهارة مطلقا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشترط في الصب على بول الأعرابي شيئا‏.‏

وفيه الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف إذا لم يكن ذلك منه عنادا، ولا سيما إن كان ممن يحتاج إلى استئلافه‏.‏

وفيه رأفة النبي صلى الله عليه وسلم وحسن خلقه، قال ابن ماجه وابن حبان في حديث أبي هريرة ‏"‏ فقال الأعرابي - بعد أن فقه في الإسلام فقام إلى النبي صلى الله عليه وسلم -‏:‏ بأبي أنت وأمي، فلم يؤنب ولم يسب‏"‏‏.‏

وفيه تعظيم المسجد وتنزيهه عن الأقذار، وظاهر الحصر من سياق مسلم في حديث أنس أنه لا يجوز في المسجد شيء غير ما ذكر من الصلاة والقرآن والذكر، لكن الإجماع على أن مفهوم الحصر منه غير معمول به، ولا ريب أن فعل غير المذكورات وما في معناها خلاف الأولى والله أعلم‏.‏

وفيه أن الأرض تطهر بصب الماء عليها ولا يشترط حفرها، خلافا للحنفية حيث قالوا‏:‏ لا تطهر إلا بحفرها، كذا أطلق النووي وغيره، والمذكور في كتب الحنفية التفصيل بين إذا كانت رخوة بحيث يتخللها الماء حتى يغمرها فهذه لا تحتاج إلى حفر، وبين ما إذا كانت صلبة فلا بد من حفرها وإلقاء التراب لأن الماء لم يغمر أعلاها وأسفلها، واحتجوا فيه بحديث جاء من ثلاث طرق‏:‏ أحدها موصول عن ابن مسعود أخرجه الطحاوي لكن إسناده ضعيف قاله أحمد وغيره، والآخران مرسلان أخرج أحدهما أبو داود من طريق عبد الله بن معقل ابن مقرن والآخر من طريق سعيد بن منصور من طريق طاوس ورواتهما ثقات، وهو يلزم من يحتج بالمرسل مطلقا، وكذا من يحتج به إذا اعتضد مطلقا، والشافعي إنما يعتضد عنده إذا كان من رواية كبار التابعين وكان من أرسل إذا سمي لا يسمى إلا ثقة، وذلك مفقود في المرسلين المذكورين على ما هو ظاهر من سنديهما والله أعلم‏.‏

وسيأتي باقي فوائده في كتاب الأدب إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب بَوْلِ الصِّبْيَانِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب بول الصبيان‏)‏ بكسر الصاد ويجوز ضمها جمح صبي، أي ما حكمه وهل يلتحق به بول الصبايا - جمع صبية - أم لا، وفي الفرق أحاديث ليست على شرط المصنف‏:‏ منها حديث علي مرفوعا في بول الرضيع، ينضح بول الغلام ويغسل بول الجارية، أخرجه أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي من طريق هشام عن قتادة عن أبي حرب بن أبي الأسود عن أبيه عنه، قال قتادة‏:‏ هذا ما لم يطعما الطعام، وإسناده صحيح‏.‏

ورواه سعيد عن قتادة فوقفه، وليس ذلك بعلة قادحة‏.‏

ومنها حديث لبابة بنت الحارث مرفوعا ‏"‏ إنما يغسل من بول الأنثى وينضح من بول الذكر ‏"‏ أخرجه أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وغيره‏.‏

ومنها حديث أبي السمح نحوه بلفظ ‏"‏ يرش ‏"‏ رواه أبو داود والنسائي وصححه ابن خزيمة أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِصَبِيٍّ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بصبي‏)‏ يظهر لي أن المراد به ابن أم قيس المذكور بعده، ويحتمل أن يكون الحسن بن علي أو الحسين، فقد روى الطبراني في الأوسط من حديث أم سلمة بإسناد حسن قالت ‏"‏ بال الحسن - أو الحسين - على بطن رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه حتى قضى بوله ثم دعا بماء فصبه عليه‏"‏‏.‏

ولأحمد عن أبي ليلى نحوه‏.‏

ورواه الطحاوي من طريقه قال ‏"‏ فجيء بالحسن ‏"‏ ولم يتردد، وكذا للطبراني عن أبي أمامة‏.‏

وإنما رجحت أنه غيره لأن عند المصنف في العقيقة من طريق يحيى القطان عن هشام بن عروة ‏"‏ أتى النبي صلى الله عليه وسلم بصبي يحنكه‏"‏، وفي قصته أنه بال على ثوبه، وأما قصة الحسن ففي حديث أبي ليلى وأم سلمة أنه بال على بطنه صلى الله عليه وسلم، وفي حديث زينب بنت جحش عند الطبراني ‏"‏ أنه جاء وهو يحبو والنبي صلى الله عليه وسلم نائم فصعد على بطنه ووضع ذكره في سرته فبال ‏"‏ فذكر الحديث بتمامه، فظهرت التفرقة بينهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتبعه‏)‏ بإسكان المثناة أي أتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم البول الذي على الثوب الماء يصبه عليه، زاد مسلم من طريق عبد الله بن نمير عن هشام ‏"‏ فأتبعه ولم يغسله‏"‏‏.‏

ولابن المنذر من طريق الثوري عن هشام ‏"‏ فصب عليه الماء ‏"‏ وللطحاوي من طريق زائدة الثقفي عن هشام ‏"‏ فنصحه عليه‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أُمِّ قَيْسٍ بِنْتِ مِحْصَنٍ أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجْرِهِ فَبَالَ عَلَى ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ وَلَمْ يَغْسِلْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أم قيس‏)‏ قال ابن عبد البر‏:‏ اسمها جذامة يعني بالجيم والمعجمة‏.‏

وقال السهيلي اسمها آمنة وهي أخت عكاشة بن محصن الأسدي، وكانت من المهاجرات الأول، كما عند مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب في هذا الحديث، وليس لها في الصحيحين غيره وغير حديث آخر في الطب، وفي كل منهما قصة لابنها، ومات ابنها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو صغير كما رواه النسائي، ولم أقف على تسميته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يأكل الطعام‏)‏ لمراد بالطعام ما عدا اللبن الذي يرتضعه والتمر الذي يحنك به والعطل الذي يلعقه للمداواة وغيرها، فكان المراد أنه لم يحصل له الاغتذاء بغير اللبن على الاستقلال، هذا مقتضى كلام النووي في شرح مسلم وشرح المهذب، وأطلق في الروضة - تبعا لأصلها - أنه لم يطعم ولم يشرب غير اللبن‏.‏

وقال في نكت التنبيه‏:‏ المراد أنه لم يأكل غير اللبن وغير ما يحنك به وما أشبهه‏.‏

وحمل الموفق الحموي في شرح التنبيه قوله ‏"‏ لم يأكل ‏"‏ على ظاهره فقال‏:‏ معناه لم يستقل بجعل الطعام في فيه‏.‏

والأول أظهر، وبه جزم الموفق بن قدامه وغيره‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ يحتمل أنها أرادت أنه لم يتقوت بالطعام ولم يستغن به عن الرضاع‏.‏

ويحتمل أنها إنما جاءت به عند ولادته ليحنكه صلى الله عليه وسلم فيحمل النفي على عمومه، ويؤيد ما تقدم أنه للمصنف في العقيقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأجلسه‏)‏ أي وضعه إن قلنا إنه كان لما ولد‏.‏

ويحتمل أن يكون الجلوس حصل منه على العادة إن قلنا كان في سن من يحبو كما في قصة الحسن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على ثوبه‏)‏ أي ثوب النبي صلى الله عليه وسلم، وأغرب ابن شعبان من المالكية فقال‏:‏ المراد به ثوب الصبي، والصواب الأول‏.‏

قوله ‏(‏فنضحه‏)‏ ، ولمسلم من طريق الليث عن ابن شهاب ‏"‏ فلم يزد على أن نضح بالماء ‏"‏ وله من طريق ابن عيينة عن ابن شهاب ‏"‏ فرشه ‏"‏ زاد أبو عوانة في صحيحه ‏"‏ عليه‏"‏‏.‏

ولا تخالف بين الروايتين - أي بين نضح ورش - لأن المراد به أن الابتداء كان بالرش وهو تنقيط الماء، وانتهى إلى النضح وهو صب الماء‏.‏

ويؤيده رواية مسلم في حديث عائشة من طريق جرير عن هشام ‏"‏ فدعا بماء فصبه عليه ‏"‏ ولأبي عوانة ‏"‏ فصبه على البول يتبعه إياه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يغسله‏)‏ ادعى الأصيلي أن هذه الجملة من كلام ابن شهاب راوي الحديث وأن المرفوع انتهى عند قوله ‏"‏ فنضحه ‏"‏ قال‏:‏ وكذلك روى معمر عن ابن شهاب، وكذا أخرجه ابن أبي شيبة قال ‏"‏ فرشه ‏"‏ لم يزد على ذلك انتهى‏.‏

وليس في سياق معمر ما يدل على ما ادعاه من الإدراج، وقد أخرجه عبد الرزاق عنه بنحو سياق مالك لكنه لم يقل ‏"‏ ولم يغسله ‏"‏ وقد قالها مع مالك الليث وعمرو بن الحارث ويونس بن يزيد كلهم عن ابن شهاب أخرجه ابن خزيمة والإسماعيلي وغيرهما من طريق ابن وهب عنهم، وهو لمسلم عن يونس وحده‏.‏

نعم زاد معمر في روايته قال ‏"‏ قال ابن شهاب‏:‏ فمضت السنة أن يرش بول الصبي ويغسل بول الجارية ‏"‏ فلو كانت هذه الزيادة هي التي زادها مالك ومن تبعه لأمكن دعوى الإدراج، لكنها غيرها فلا إدراج‏.‏

وأما ما ذكره عن ابن أبي شيبة فلا اختصاص له بذلك، فإن ذلك لفظ رواية ابن عيينة عن ابن شهاب، وقد ذكرناها عن مسلم وغيره وبينا أنها غير مخالفة لرواية مالك والله أعلم‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد‏:‏ الندب إلى حسن المعاشرة والتواضع، والرفق بالصغار، وتحنيك المولود، والتبرك بأهل الفضل، وحمل الأطفال إليهم حال الولادة وبعدها، وحكم بول الغلام والجارية قبل أن يطعما وهو مقصود الباب، واختلف العلماء في ذلك على ثلاثة مذاهب هي أوجه للشافعية‏:‏ أصحها الاكتفاء بالنضح في بول الصبي لا الجارية، وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد وإسحاق وابن وهب وغيرهم ورواه الوليد بن مسلم عن مالك‏.‏

وقال أصحابه هي رواية شاذة‏.‏

والثاني يكفي النضح فيهما، وهو مذهب الأوزاعي وحكى عن مالك والشافعي، وخصص ابن العربي النقل في هذا بما إذا كانا لم يدخل أجوافهما شيء أصلا‏.‏

والثالث هما سواء في وجوب الغسل وبه قال الحنفية والمالكية، قال ابن دقيق العيد‏:‏ اتبعوا في ذلك القياس وقالوا المراد بقولها ‏"‏ ولم يغسله ‏"‏ أي غسلا مبالغا فيه، وهو خلاف الظاهر، ويبعده ما ورد في الأحاديث الأخر - يعني التي قدمناها - من التفرقة بين بول الصبي والصبية فإنهم لا يفرقون بينهما، قال‏:‏ وقد ذكر في التفرقة بينهما أوجه‏:‏ منها ما هو ركيك، وأقوى ذلك ما قيل إن النفوس أعلق بالذكور منها بالإناث، يعني فحصلت الرخصة في الذكور لكثرة المشقة‏.‏

واستدل به بعض المالكية على أن الغسل لا بد فيه من أمر زائد على مجرد إيصال الماء إلى المحل‏.‏

قلت‏:‏ وهو مشكل عليهم، لأنهم يدعون أن المراد بالنضح هنا الغسل‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال الخطابي‏:‏ ليس تجويز من جوز النضح من أجل أن بول الصبي غير نجس، ولكنه لتخفيف نجاسته‏.‏

انتهى‏.‏

وأثبت الطحاوي الخلاف فقال‏:‏ قال قوم بطهارة بول الصبي قبل الطعام، وكذا جزم به ابن عبد البر وابن بطال ومن تبعهما عن الشافعي وأحمد وغيرهما، ولم يعرف ذلك الشافعية ولا الحنابلة‏.‏

وقال النووي‏:‏ هذه حكاية باطلة انتهى‏.‏

وكأنهم أخذوا ذلك من طريق اللازم، وأصحاب صاحب المذهب أعلم بمراده من غيرهم‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب الْبَوْلِ قَائِمًا وَقَاعِدًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب البول قائما وقاعدا‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ دلالة الحديث على القعود بطريق الأولى، لأنه إذا جاز قائما فقاعدا أجوز‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى حديث عبد الرحمن بن حسنة الذي أخرجه النسائي وابن ماجه وغيرهما فإن فيه ‏"‏ بال رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا، فقلنا انظروا إليه يبول كما تبول المرأة ‏"‏ وحكى ابن ماجه عن بعض مشايخه أنه قال‏:‏ كان من شأن العرب البول قائما، ألا تراه يقول في حديث عبد الرحمن بن حسنة ‏"‏ قعد يبول كما تبول المرأة ‏"‏ وقال في حديث حذيفة ‏"‏ فقام كما يقوم أحدكم‏"‏، ودل حديث عبد الرحمن المذكور على أنه صلى الله عليه وسلم كان يخالفهم في ذلك فيقعد لكونه أستر وأبعد من مماسة البول، وهو حديث صحيح صححه الدارقطني وغيره، ويدل عليه حديث عائشة قالت ‏"‏ ما بال رسول الله صلى الله عليه وسلم قائما منذ أنزل عليه القرآن ‏"‏ رواه أبو عوانه في صحيحه والحاكم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ أَتَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سُبَاطَةَ قَوْمٍ فَبَالَ قَائِمًا ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَجِئْتُهُ بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي وائل‏)‏ ، ولأبي داود الطيالسي في مسنده عن شعبة عن الأعمش أنه سمع أبا وائل ولأحمد عن يحيى القطان عن الأعمش حدثني أبو وائل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سباطة قوم‏)‏ بضم المهملة بعدها موحدة هي المزبلة والكناسة تكون بفناء الدور مرفقا لأهلها وتكون في الغالب سهلة لا يرتد فيها البول على البائل، وإضافتها إلى القوم إضافة اختصاص لا ملك لأنها لا تخلو عن النجاسة، وبهذا يندفع إيراد من استشكله لكون البول يوهي الجدار ففيه إضرار، أو نقول‏:‏ إنما بال فوق السباطة لا في أصل الجدار وهو صريح رواية أبي عوانة في صحيحه، وقيل‏:‏ يحتمل أن يكون علم إذنهم في ذلك بالتصريح أو غيره، أو لكونه مما يتسامح الناس به، أو لعلمه بإيثارهم إياه بذلك، أو لكونه يجوز له التصرف في مال أمته دون غيره لأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأموالهم، وهذا وإن كان صحيح المعنى لكن لم يعهد ذلك من سيرته ومكارم أخلاقه صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم دعا بماء‏)‏ زاد مسلم وغيره من طرق عن الأعمش ‏"‏ فتنحيت فقال‏:‏ ادن، فدنوت حتى قمت عند عقبيه ‏"‏ وفي رواية أحمد عن يحيى القطان ‏"‏ أتى سباطة قوم فتباعدت منه، فأدناني حتى صرت قريبا من عقبيه فبال قائما، ودعا بماء فتوضأ ومسح على خفيه ‏"‏ وكذا زاد مسلم وغيره فيه ذكر المسح على الخفين، وهو ثابت أيضا عند الإسماعيلي وغيره من طرق عن شعبة عن الأعمش، وزاد عيسى بن يونس فيه عن الأعمش، أن ذلك كان بالمدينة أخرجه ابن عبد البر في التمهيد بإسناد صحيح، وزعم في الاستذكار أن عيسى تفرد به، وليس كذلك، فقد رواه البيهقي من طريق محمد بن طلحة بن مصرف عن الأعمش كذلك، وله شاهد من حديث عصمة بن مالك سنذكره بعد‏.‏

واستدل به على جواز المسح في الحضر وهو ظاهر، ولعل البخاري اختصره لتفرد الأعمش به فقد روى ابن ماجه من طريق شعبة أن عاصما رواه له عن أبي وائل عن المغيرة ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما ‏"‏ قال عاصم‏:‏ وهذا الأعمش يرويه عن أبي وائل عن حذيفة وما حفظه، يعني أن روايته هي الصواب‏.‏

قال شعبة‏:‏ فسألت عنه منصورا فحدثنيه عن أبي وائل عن حذيفة يعني كما قال الأعمش، لكن لم يذكر فيه المسح، فقد وافق منصور الأعمش على قوله عن حذيفة دون الزيادة ولم يلتفت مسلم إلى هذه العلة بل ذكرها في حديث الأعمش لأنها زيادة من حافظ وقال الترمذي‏:‏ حديث أبي وائل عن حذيفة أصح، يعني حديثه عن المغيرة، وهو كما قال، وإن جنح ابن خزيمة إلى تصحيح الروايتين لكون حماد بن أبي سليمان وافق عاصما على قوله عن المغيرة، فجاز أن يكون أبو وائل سمعه منهما فيصح القولان معا، لكن من حيث الترجيح رواية الأعمش ومنصور لاتفاقهما أصح من رواية عاصم وحماد لكونهما في حفظهما مقال‏.‏

*3*باب الْبَوْلِ عِنْدَ صَاحِبِهِ وَالتَّسَتُّرِ بِالْحَائِطِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب البول عند صاحبه‏)‏ أي صاحب البائل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ رَأَيْتُنِي أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَتَمَاشَى فَأَتَى سُبَاطَةَ قَوْمٍ خَلْفَ حَائِطٍ فَقَامَ كَمَا يَقُومُ أَحَدُكُمْ فَبَالَ فَانْتَبَذْتُ مِنْهُ فَأَشَارَ إِلَيَّ فَجِئْتُهُ فَقُمْتُ عِنْدَ عَقِبِهِ حَتَّى فَرَغَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏جرير‏)‏ هو ابن عبد الحميد، ومنصور وهو ابن المعتمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رأيتني‏)‏ بضم المثناة من فوق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانتبذت‏)‏ بالنون والذال المعجمة أي تنحيت، يقال جلس فلان نبذة بفتح النون وضمها أي ناحية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأشار إلى‏)‏ يدل على أنه لم يبعد منه بحيث لا يراه‏.‏

وإنما صنع ذلك ليجمع بين المصلحتين‏:‏ عدم مشاهدته في تلك الحالة وسماع ندائه لو كانت له حاجة، أو رؤية إشارته إذا أشار له وهو مستدبره‏.‏

وليست فيه دلالة على جواز الكلام في حال البول لأن هذه الرواية بينت أن قوله في رواية مسلم ‏"‏ إدنه ‏"‏ كان بالإشارة لا باللفظ، وأما مخالفته صلى الله عليه وسلم لما عرف من عادته من الإبعاد - عند قضاء الحاجة - عن الطرق المسلوكة وعن أعين النظارة، فقد قيل فيه إنه صلى الله عليه وسلم كان مشغولا بمصالح المسلمين، فلعله طال عليه المجلس أحتاج إلى البول، فلو أبعد لتضرر، واستدنى حذيفة ليستره من خلفه من رؤية من لعله يمر به وكان قدامه مستورا بالحائط، أو لعله فعله لبيان الجواز‏.‏

ثم هو في البول وهو أخف من الغائط لاحتياجه إلى زيادة تكشف، ولما يقترن به من الرائحة‏.‏

والغرض من الإبعاد التستر وهو يحصل بإرخاء الذيل والدنو من الساتر‏.‏

وروى الطبراني من حديث عصمة بن مالك قال ‏"‏ خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض سكك المدينة فانتهى إلى سباطة قوم فقال يا حذيفة استرني ‏"‏ فذكر الحديث‏.‏

وظهر منه الحكمة في إدنائه حذيفة في تلك الحالة وكان حذيفة لما وقف خلفه عقبه استدبره، وطهر أيضا أن ذلك كان في الحضر لا في السفر، ويستفاد من هذا الحديث دفع أشد المفسدتين بأخفهما والإتيان بأعظم المصلحتين إذا لم يمكنا معا، وبيانه أنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل الجلوس لمصالح الأمة ويكثر من زيارة أصحابه وعيادتهم، فلما حضره البول وهو في بعض تلك الحالات لم يؤخره حتى يبعد كعادته لما يترتب على تأخيره من الضرر، فراعى أهم الأمرين، وقدم المصلحة في تقريب حذيفة منه ليستره من المارة على مصلحة تأخيره عنه إذ لم يمكن جمعهما‏.‏