فصل: باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*1*المجلد الثالث عشر

*2*كِتَاب الْفِتَنِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الفتن‏)‏ في رواية كريمة والأصيلي تأخير البسملة‏.‏

والفتن جمع فتنة، قال الراغب‏:‏ أصل الفتن إدخال الذهب في النار لتظهر جودته من رداءته، ويستعمل في إدخال الإنسان النار ويطلق على العذاب كقوله ‏(‏ذوقوا فتنتكم‏)‏ ، وعلى ما يحصل عند العذاب كقوله تعالى ‏(‏ألا في الفتنة سقطوا‏)‏ ، وعلى الاختبار كقوله ‏(‏وفتناك فتونا‏)‏ ، وفيما يدفع إليه الإنسان من شدة ورخاء، وفي الشدة أظهر معنى وأكثر استعمالا، قال تعالى ‏(‏ونبلوكم بالشر والخير فتنة‏)‏ ومنه قوله ‏(‏وإن كادوا ليفتنونك‏)‏ أي يوقعونك في بلية وشدة في صرفك عن العمل بما أوحي إليك‏.‏

وقال أيضا الفتنة تكون من الأفعال الصادرة من الله ومن العبد كالبلية والمصيبة والقتل والعذاب والمعصية وغيرها من المكروهات‏:‏ فإن كانت من الله فهي على وجه الحكمة، وإن كانت من الإنسان بغير أمر الله فهي مذمومة، فقد ذم الله الإنسان بإيقاع الفتنة كقوله ‏(‏والفتنة أشد من القتل‏)‏ وقوله ‏(‏إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات‏)‏ وقوله ‏(‏ما أنتم عليه بفاتنين‏)‏ وقوله ‏(‏بأيكم المفتون‏)‏ كقوله ‏(‏واحذرهم أن يفتنوك‏)‏ ‏.‏

وقال غيره‏:‏ أصل الفتنة الاختبار، ثم استعملت فيما أخرجته المحنة والاختبار إلى المكروه، ثم أطلقت على كل مكروه أو آيل إليه كالكفر والإثم والتحريق والفضيحة والفجور وغير ذلك‏.‏

*3*باب مَا جَاءَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً

وَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَذِّرُ مِنْ الْفِتَنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب ما جاء في قول الله تعالى‏:‏ واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏)‏ ‏.‏

قلت‏:‏ ورد فيه ما أخرجه أحمد والبزار من طريق مطرف بن عبد الله بن الشخير قال ‏"‏ قلنا للزبير - يعني في قصة الجمل - يا أبا عبد الله ما جاء بكم‏؟‏ ضيعتم الخليفة الذي قتل - يعني عثمان - بالمدينة ثم جئتم تطلبون بدمه - يعني بالبصرة - فقال الزبير‏:‏ إنا قرأنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة‏)‏ ، لم نكن نحسب أنا أهلها حتى وقعت منا حيث وقعت ‏"‏ وأخرج الطبري من طريق الحسن البصري قال ‏"‏ قال الزبير‏:‏ لقد خوفنا بهذه الآية ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما ظننا أنا خصصنا بها ‏"‏ وأخرجه النسائي من هذا الوجه نحوه وله طرق أخرى عن الزبير عند الطبري وغيره‏.‏

وأخرج الطبري من طريق السدي قال‏:‏ نزلت في أهل بدر خاصة فأصابتهم يوم الجمل، وعند ابن أبي شيبة نحوه‏:‏ وعند الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال ‏"‏ أمر الله المؤمنين أن لا يقروا المنكر بين أظهرهم فيعمهم العذاب ‏"‏ ولهذا الأثر شاهد من حديث عدي بن عميرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله عز وجل لا يعذب العامة بعمل الخاصة حتى يروا المنكر بين ظهرانيهم وهم قادرون على أن ينكروه، فإذا فعلوا ذلك عذب الله الخاصة والعامة ‏"‏ أخرجه أحمد بسند حسن وهو عند أبي داود من حديث العرس بن عميرة وهو أخو عدي، وله شواهد من حديث حذيفة وجرير وغيرهما عند أحمد وغيره‏.‏

قوله ‏(‏وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحذر‏)‏ بالتشديد ‏(‏من الفتن‏)‏ يشير إلى ما تضمنه حديث الباب من الوعيد على التبديل والإحداث، فإن الفتن غالبا إنما تنشأ عن ذلك، ثم ذكر حديث أسماء بنت أبي بكر مرفوعا ‏"‏ أنا على حوضي أنتظر من يرد علي، فيؤخذ بناس ذات الشمال ‏"‏ الحديث وحديث عبد الله بن مسعود رفعه ‏"‏ أنا فرطكم على الحوض فليرفعن إلي أقوام ‏"‏ الحديث، وحديث سهل بن سعد بمعناه، ومعه حديث أبي سعيد وفي جميعها ‏"‏ إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك ‏"‏ لفظ ابن مسعود والآخرين بمعناه، وقد تقدمت في ذكر الحوض آخر كتاب الرقاق وتقدم شرحها في ‏"‏ باب الحشر ‏"‏ قبل ذلك في كتاب الرقاق أيضا، وقوله في حديث أسماء ‏"‏ حدثنا بشر بن السري ‏"‏ هو بكسر الموحدة وسكون المعجمة وأبوه بفتح المهملة وكسر الراء بعدها ياء ثقيلة، وبشر بصري سكن مكة وكان صاحب مواعظ فلقب الأفوه، وهو ثقة عند الجميع إلا أنه كان تكلم في شيء يتعلق برؤية الله في الآخرة فقام عليه الحميدي فاعتذر وتنصل فتكلم فيه بعضهم حتى قال ابن معين رأيته بمكة يدعو على من ينسبه لرأي جهم‏.‏

وقال ابن عدي‏:‏ له أفراد وغرائب‏.‏

قلت‏:‏ وليس له في البخاري سوى هذا الموضع، وقد وضح أنه متابعة

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ سَمِعْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ فَمَنْ وَرَدَهُ شَرِبَ مِنْهُ وَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ لَمْ يَظْمَأْ بَعْدَهُ أَبَدًا لَيَرِدُ عَلَيَّ أَقْوَامٌ أَعْرِفُهُمْ وَيَعْرِفُونِي ثُمَّ يُحَالُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ قَالَ أَبُو حَازِمٍ فَسَمِعَنِي النُّعْمَانُ بْنُ أَبِي عَيَّاشٍ وَأَنَا أُحَدِّثُهُمْ هَذَا فَقَالَ هَكَذَا سَمِعْتَ سَهْلًا فَقُلْتُ نَعَمْ قَالَ وَأَنَا أَشْهَدُ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَسَمِعْتُهُ يَزِيدُ فِيهِ قَالَ إِنَّهُمْ مِنِّي فَيُقَالُ إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا بَدَّلُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ سُحْقًا سُحْقًا لِمَنْ بَدَّلَ بَعْدِي

الشرح‏:‏

وقوله في حديث سهل ‏"‏ من ورده شرب ‏"‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ يشرب ‏"‏ وقوله ‏"‏ لم يظمأ ‏"‏ قيل هو كناية عن أنه يدخل الجنة لأنه صفة من يدخلها، وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ إنك لا تدري ما بدلوا ‏"‏ وقع في رواية الكشميهني ‏"‏ ما أحدثوا ‏"‏ وحاصل ما حمل عليه حال المذكورين أنهم إن كانوا ممن ارتد عن الإسلام فلا إشكال في تبرى النبي صلى الله عليه وسلم منهم وإبعادهم، وإن كانوا ممن لم يرتد لكن أحدث معصية كبيرة من أعمال البدن أو بدعة من اعتقاد القلب فقد أجاب بعضهم بأنه يحتمل أن يكون أعرض عنهم ولم يشفع لهم اتباعا لأمر الله فيهم حتى يعاقبهم على جنايتهم، ولا مانع من دخولهم في عموم شفاعته لأهل الكبائر من أمته فيخرجون عند إخراج الموحدين من النار والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أُمُورًا تُنْكِرُونَهَا

وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم سترون بعدي أمورا تنكرونها‏)‏ هذا اللفظ بعض المتن المذكور في ثاني أحاديث الباب وهي ستة أحاديث‏.‏

الأول قوله ‏(‏وقال عبد الله بن زيد إلخ‏)‏ هو طرف من حديث وصله المصنف في غزوة حنين من كتاب المغازي وفيه أنه صلى الله عليه وسلم قال للأنصار ‏"‏ إنكم ستلقون بعدي أثرة، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض ‏"‏ وتقدم شرحه هناك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَهْبٍ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ قَالَ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورًا تُنْكِرُونَهَا قَالُوا فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَدُّوا إِلَيْهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللَّهَ حَقَّكُمْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا زيد بن وهب‏)‏ للأعمش فيه شيخ آخر أخرجه الطبراني في الأوسط من رواية يحيى بن عيسى الرملي عن الأعمش عن أبي حازم عن أبي هريرة مثل رواية زيد بن وهب‏.‏

قوله ‏(‏عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود وصرح به في رواية الثوري عن الأعمش في علامات النبوة‏.‏

قوله ‏(‏إنكم سترون بعدي أثرة‏)‏ في رواية الثوري ‏"‏ أثرة ‏"‏ وتقدم ضبط الأثرة وشرحها في شرح الحديث الذي قبله، وحاصلها الاختصاص بحظ دنيوي‏.‏

قوله ‏(‏وأمورا تنكرونها‏)‏ يعني من أمور الدين، وسقطت الواو من بعض الروايات فهذا بدل من أثرة، وفي حديث أبي هريرة الماضي في ذكر بني إسرائيل عن منصور هنا زيادة في أوله قال ‏"‏ كان بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء، كلما مات نبي قام بعده نبي، وإنه لا نبي بعدي، وستكون خلفاء فيكثرون ‏"‏ الحديث وفيه معنى ما في حديث ابن مسعود‏.‏

قوله ‏(‏قالوا فما تأمرنا‏)‏ أي أن نفعل إذا وقع ذلك‏.‏

قوله ‏(‏أدوا إليهم‏)‏ أي إلى الأمراء ‏(‏حقهم‏)‏ أي الذي وجب لهم المطالبة به وقبضه سواء كان يختص بهم أو يعم‏.‏

ووقع في رواية الثوري ‏"‏ تؤدون الحق الذي عليكم ‏"‏ أي بذل المال الواجب في الزكاة والنفس في الخروج إلى الجهاد عند التعيين ونحو ذلك‏.‏

قوله ‏(‏وسلوا الله حقكم‏)‏ في رواية الثوري ‏"‏ وتسألون الله الذي لكم ‏"‏ أي بأن يلهمهم إنصافكم أو يبدلكم خيرا منهم، وهذا ظاهره العموم في المخاطبين، ونقل ابن التين عن الداودي أنه خاص بالأنصار وكأنه أخذه من حديث عبد الله بن زيد الذي قبله، ولا يلزم من مخاطبة الأنصار بذلك أن يختص بهم فإنه يختص بهم بالنسبة إلى المهاجرين ويختص ببعض المهاجرين دون بعض، فالمستأثر من يلي الأمر ومن عداه هو الذي يستأثر عليه، ولما كان الأمر يختص بقريش ولا حظ للأنصار فيه خوطب الأنصار بأنكم ستلقون أثرة، وخوطب الجميع بالنسبة لمن يلي الأمر، فقد ورد ما يدل على التعميم، ففي حديث يزيد بن سلمة الجعفي عند الطبراني أنه قال ‏"‏ يا رسول الله إن كان علينا أمراء يأخذون بالحق الذي علينا ويمنعونا الحق الذي لنا أنقاتلهم‏؟‏ قال‏:‏ لا، عليهم ما حملوا وعليكم ما حملتم ‏"‏ وأخرج مسلم من حديث أم سلمة مرفوعا ‏"‏ سيكون أمراء فيعرفون وينكرون، فمن كره برئ ومن أنكر سلم، ولكن من رضي وتابع‏.‏

قالوا‏:‏ أفلا نقاتلهم‏؟‏ قال‏:‏ لا، ما صلوا ‏"‏ ومن حديث عوف بن مالك رفعه في حديث في هذا المعنى ‏"‏ قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك‏؟‏ قال‏:‏ لا، ما أقاموا الصلاة ‏"‏ وفي رواية له ‏"‏ بالسيف ‏"‏ وزاد ‏"‏ وإذا رأيتم من ولاتكم شيئا تكرهونه فاكرهوا عمله ولا تنزعوا يدا من طاعة ‏"‏ وفي حديث عمر في مسنده للإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال ‏"‏ أتاني جبريل فقال‏:‏ إن أمتك مفتتنة من بعدك، فقلت‏:‏ من أين‏؟‏ قال‏:‏ من قبل أمرائهم وقرائهم، بمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون، ويتبع القراء هؤلاء الأمراء فيفتنون‏.‏

قلت‏:‏ فكيف يسلم من سلم منهم‏؟‏ قال بالكف والصبر إن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنْ الْجَعْدِ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ كَرِهَ مِنْ أَمِيرِهِ شَيْئًا فَلْيَصْبِرْ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنْ السُّلْطَانِ شِبْرًا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس من وجهين في الثاني التصريح بالتحديث والسماع في موضعي العنعنة في الأول‏.‏

قوله ‏(‏عبد الوارث‏)‏ هو ابن سعيد، والجعد هو أبو عثمان المذكور في السند الثاني، وأبو رجاء هو العطاردي واسمه عمران‏.‏

قوله ‏(‏من كره من أميره شيئا فليصبر‏)‏ زاد في الرواية الثانية ‏"‏ عليه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فإنه من خرج من السلطان‏)‏ أي من طاعة السلطان، ووقع عند مسلم ‏"‏ فإنه ليس أحد من الناس يخرج من السلطان ‏"‏ وفي الرواية الثانية ‏"‏ من فارق الجماعة ‏"‏ وقوله ‏"‏ شبرا ‏"‏ بكسر المعجمة وسكون الموحدة وهي كناية عن معصية السلطان ومحاربته، قال ابن أبي جمرة‏:‏ المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء، فكني عنها بمقدار الشبر، لأن الأخذ في ذلك يؤول إلى سفك الدماء بغير حق‏.‏

قوله ‏(‏مات ميتة جاهلية‏)‏ في الرواية الأخرى ‏"‏ فمات إلا مات ميتة جاهلية ‏"‏ وفي رواية لمسلم ‏"‏ فميتته ميتة ‏"‏ جاهلية ‏"‏ وعنده في حديث ابن عمر رفعه ‏"‏ من خلع يدا من طاعة لقي الله ولا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ الاستثناء هنا بمعنى الاستفهام الإنكاري أي ما فارق الجماعة أحد إلا جرى له كذا، أو حذفت ‏"‏ ما ‏"‏ فهي مقدرة، أو ‏"‏ إلا ‏"‏ زائدة أو عاطفة على رأي الكوفيين، والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر الميم حالة الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع، لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك، وليس المراد أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا، ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن هو جاهليا، أو أن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير وظاهره غير مراد، ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه قوله في الحديث الآخر ‏"‏ من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع ربقة الإسلام من عنقه ‏"‏ أخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان ومصححا من حديث الحارث بن الحارث الأشعري في أثناء حديث طويل، وأخرجه البزار والطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من حديث ابن عباس وفي سنده خليد بن دعلج وفيه مقال‏.‏

وقال ‏"‏من رأسه ‏"‏ بدل ‏"‏ عنقه ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ في الحديث حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار، وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وأن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء وتسكين الدهماء، وحجتهم هذا الخبر وغيره مما يساعده، ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث الذي بعده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ بُكَيْرٍ عَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ دَخَلْنَا عَلَى عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ وَهُوَ مَرِيضٌ قُلْنَا أَصْلَحَكَ اللَّهُ حَدِّثْ بِحَدِيثٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِ سَمِعْتَهُ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ دَعَانَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَايَعْنَاهُ فَقَالَ فِيمَا أَخَذَ عَلَيْنَا أَنْ بَايَعَنَا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي مَنْشَطِنَا وَمَكْرَهِنَا وَعُسْرِنَا وَيُسْرِنَا وَأَثَرَةً عَلَيْنَا وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا عِنْدَكُمْ مِنْ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا إسماعيل‏)‏ هو ابن أبي أويس‏.‏

قوله ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن الحارث وعند مسلم ‏"‏ حدثنا عمرو بن الحارث‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏عن بكير‏)‏ هو ابن عبد الله بن الأشج، وعند مسلم ‏"‏ حدثني بكير‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏عن بسر‏)‏ بضم الموحدة وسكون المهملة، ووقع في بعض النسخ بكسر أوله وسكون المعجمة وهو تصحيف، وجنادة بضم الجيم وتخفيف النون، ووقع عند الإسماعيلي من طريق عثمان بن صالح ‏"‏ حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو أن بكيرا حدثه أن بسر بن سعيد حدثه أن جنادة حدثه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا‏:‏ أصلحك الله حدث بحديث‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ حدثنا ‏"‏ وقولهم ‏"‏ أصلحك الله ‏"‏ يحتمل أنه أراد الدعاء له بالصلاح في جسمه ليعافى من مرضه أو أعم من ذلك، وهي كلمة اعتادوها عند افتتاح الطلب‏.‏

قوله ‏(‏دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه‏)‏ ليلة العقبة كما تقدم إيضاحه في أوائل كتاب الإيمان أول الصحيح‏.‏

قوله ‏(‏فقال فيما أخذ علينا‏)‏ أي اشترط علينا‏.‏

قوله ‏(‏أن بايعنا‏)‏ بفتح العين ‏(‏على السمع والطاعة‏)‏ أي له ‏(‏في منشطنا‏)‏ بفتح الميم والمعجمة وسكون النون بينهما ‏(‏ومكرهنا‏)‏ أي في حالة نشاطنا وفي الحالة التي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر به‏.‏

ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد الأشياء التي يكرهونها، قال ابن التين‏:‏ والظاهر أنه أراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج ليطابق قوله منشطنا‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيده ما وقع في رواية إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبادة عند أحمد ‏"‏ في النشاط والكسل‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وعسرنا ويسرنا‏)‏ في رواية إسماعيل بن عبيد ‏"‏ وعلى النفقة في العسر واليسر ‏"‏ وزاد ‏"‏ وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وأثرة علينا‏)‏ بفتح الهمزة والمثلثة وقد تقدم موضع ضبطها في أول الباب، والمراد أن طواعيتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصالهم حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم‏.‏

قوله ‏(‏وأن لا ننازع الأمر أهله‏)‏ أي الملك والإمارة، زاد أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة ‏"‏ وإن رأيت أن لك - أي وإن اعتقدت أن لك - في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة، زاد في رواية حبان أبي النضر عن جنادة عند ابن حبان وأحمد ‏"‏ وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك ‏"‏ وزاد في رواية الوليد بن عبادة عن أبيه ‏"‏ وأن نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم ‏"‏ وسيأتي في كتاب الأحكام‏.‏

قوله ‏(‏إلا أن تروا كفرا بواحا‏)‏ بموحدة ومهملة ‏"‏ قال الخطابي‏:‏ معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره ‏"‏ وأنكر ثابت في الدلائل بواحا وقال‏:‏ إنما يجوز بوحا بسكون الواو وبؤاحا بضم أوله ثم همزة ممدودة‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ من رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى، وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء، وقيل البراح البيان يقال برح الخفاء إذا ظهر‏.‏

وقال النووي‏:‏ هو في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء‏.‏

قلت‏:‏ ووقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب في هذا الحديث كفرا صراحا، بصاد مهملة مضمومة ثم راء، ووقع في رواية حبان أبي النضر المذكورة ‏"‏ إلا أن يكون معصية لله بواحا ‏"‏ وعند أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة ‏"‏ ما لم يأمروك بإثم بواحا ‏"‏ وفي رواية إسماعيل بن عبيد عند أحمد والطبراني والحاكم من روايته عن أبيه عن عبادة ‏"‏ سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون، فلا طاعة لمن عصى الله ‏"‏ وعند أبي بكر بن أبي شيبة من طريق أزهر بن عبد الله عن عبادة رفعه ‏"‏ سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏عندكم من الله فيه برهان‏)‏ أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل، قال النووي‏:‏ المراد بالكفر هنا المعصية، ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام؛ فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم انتهى‏.‏

وقال غيره‏:‏ المراد بالإثم هنا المعصية والكفر، فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر، والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية، فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف، ومحل ذلك إذا كان قادرا والله أعلم‏.‏

ونقل ابن التين عن الداودي قال‏:‏ الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب، وإلا فالواجب الصبر‏.‏

وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء، فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه، والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا وَلَمْ تَسْتَعْمِلْنِي قَالَ إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي

الشرح‏:‏

حديث أنس عن أسيد بن حضير ذكره مختصرا، وقد تقدم بتمامه مشروحا في مناقب الأنصار، والسر في جوابه عن طلب الولاية بقوله ‏"‏ سترون بعدي أثرة ‏"‏ إرادة نفي ظنه أنه آثر الذي ولاه عليه؛ فبين له أن ذلك لا يقع في زمانه، وأنه لم يخصه بذلك لذاته بل لعموم مصلحة المسلمين، وأن الاستئثار للحظ الدنيوي إنما يقع بعده، وأمرهم عند وقوع ذلك بالصبر‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلَاكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ أُغَيْلِمَةٍ سُفَهَاءَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم هلاك أمتي على يدي أغيلمة سفهاء‏)‏ زاد في بعض النسخ لأبي ذر ‏"‏ من قريش ‏"‏ ولم يقع لأكثرهم، وقد ذكره في الباب من حديث أبي هريرة بدون قوله ‏"‏ سفهاء ‏"‏ وذكر ابن بطال أن علي بن معبد أخرجه يعني في كتاب الطاعة والمعصية من رواية سماك عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ على رءوس غلمة سفهاء من قريش‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وهو عند أحمد والنسائي من رواية سماك عن أبي ظالم عن أبي هريرة ‏"‏ إن فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش ‏"‏ هذا لفظ أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن سماك عن عبد الله بن ظالم، وتابعه أبو عوانة عن سماك عند النسائي، ورواه أحمد أيضا عن زيد بن الحباب عن سفيان لكن قال ‏"‏ مالك ‏"‏ بدل ‏"‏ عبد الله ‏"‏ ولفظه ‏"‏ سمعت أبا هريرة يقول لمروان ‏"‏ أخبرني حبي أبو القاسم صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ فساد أمتي على يدي غلمة سفهاء من قريش‏.‏

وكذا أخرجه من طريق شعبة عن سماك، ولم يقف عليه الكرماني فقال‏:‏ لم يقع في الحديث الذي أورده بلفظ ‏"‏ سفهاء ‏"‏ فلعله بوب به ليستدركه ولم يتفق له، أو أشار إلى أنه ثبت في الجملة لكنه ليس على شرطه‏.‏

قلت‏:‏ الثاني هو المعتمد وقد أكثر البخاري من هذا‏.‏

قوله في الترجمة ‏(‏أغيلمة‏)‏ تصغير غلمة جمع غلام وواحد الجمع المصغر غليم بالتشديد يقال للصبي حين يولد إلى أن يحتلم غلام وتصغيره غليم وجمعه غلمان وغلمة وأغيلمة ولم يقولوا أغلمة مع كونه القياس كأنهم استغنوا عنه بغلمة، وأغرب الداودي فيما نقله عنه ابن التين فضبط أغيلمة بفتح الهمزة وكسر الغين المعجمة، وقد يطلق على الرجل المستحكم القوة غلام تشبيها له بالغلام في قوته‏.‏

وقال ابن الأثير المراد بالأغيلمة هنا الصبيان ولذلك صغرهم‏.‏

قلت‏:‏ وقد يطلق الصبي والغليم بالتصغير على الضعيف العقل والتدبير والدين ولو كان محتلما وهو المراد هنا، فإن الخلفاء من بني أمية لم يكن فيهم من استخلف وهو دون البلوغ وكذلك من أمروه على الأعمال، إلا أن يكون المراد بالأغيلمة أولاد بعض من استخلف فوقع الفساد بسببهم فنسب إليهم، والأولى الحمل على أعم من ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ قَالَ أَخْبَرَنِي جَدِّي قَالَ كُنْتُ جَالِسًا مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْمَدِينَةِ وَمَعَنَا مَرْوَانُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ هَلَكَةُ أُمَّتِي عَلَى يَدَيْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ مَرْوَانُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ غِلْمَةً فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ لَوْ شِئْتُ أَنْ أَقُولَ بَنِي فُلَانٍ وَبَنِي فُلَانٍ لَفَعَلْتُ فَكُنْتُ أَخْرُجُ مَعَ جَدِّي إِلَى بَنِي مَرْوَانَ حِينَ مُلِّكُوا بِالشَّأْمِ فَإِذَا رَآهُمْ غِلْمَانًا أَحْدَاثًا قَالَ لَنَا عَسَى هَؤُلَاءِ أَنْ يَكُونُوا مِنْهُمْ قُلْنَا أَنْتَ أَعْلَمُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو‏)‏ زاد في علامات النبوة عن أحمد بن محمد المكي ‏"‏ حدثنا عمرو بن يحيى الأموي‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أخبرني جدي‏)‏ هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية، وقد نسب يحيى في رواية عبد الصمد بن عبد الوارث عن عمرو بن يحيى إلى جد جده الأعلى فوقع في روايته ‏"‏ حدثنا عمرو بن يحيى ابن العاص سمعت جدي سعيد بن العاص ‏"‏ فنسب سعيدا أيضا إلى والد جد جده، وأبوه عمرو بن سعيد هو المعروف بالأشدق قتله عبد الملك بن مروان لما خرج عليه بدمشق بعد السبعين‏.‏

قوله ‏(‏كنت جالسا مع أبي هريرة‏)‏ كان ذلك زمن معاوية‏.‏

قوله ‏(‏ومعنا مروان‏)‏ هو ابن الحكم بن أبي العاص بن أمية الذي ولي الخلافة بعد ذلك، وكان يلي لمعاوية إمرة المدينة تارة وسعيد بن العاص - والد عمرو - يليها لمعاوية تارة‏.‏

قوله ‏(‏سمعت الصادق المصدوق‏)‏ تقدم بيانه في كتاب القدر والمراد به النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقع في رواية عبد الصمد المذكور أن أبا هريرة قال ‏"‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وفي رواية له أخرى ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏هلكة أمتي‏)‏ في رواية المكي ‏"‏ هلاك أمتي ‏"‏ وهو المطابق لما في ‏"‏ الترجمة‏"‏‏.‏

وفي رواية عبد الصمد ‏"‏ هلاك هذه الأمة ‏"‏ والمراد بالأمة هنا أهل ذلك العصر ومن قاربهم لا جميع الأمة إلى يوم القيامة‏.‏

قوله ‏(‏على يدي غلمة‏)‏ كذا للأكثر بالتثنية، وللسرخسي والكشميهني ‏"‏ أيدي ‏"‏ بصيغة الجمع، قال ابن بطال‏:‏ جاء المراد بالهلاك مبينا في حديث آخر لأبي هريرة أخرجه علي بن معبد وابن أبي شيبة من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ أعوذ بالله من إمارة الصبيان، قالوا وما إمارة الصبيان‏؟‏ قال‏:‏ إن أطعتموهم هلكتم - أي في دينكم - وإن عصيتموهم أهلكوكم ‏"‏ أي في دنياكم بإزهاق النفس أو بإذهاب المال أو بهما‏.‏

وفي رواية ابن أبي شيبة ‏"‏ أن أبا هريرة كان يمشي في السوق ويقول‏:‏ اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان ‏"‏ وفي هذا إشارة إلى أن أول الأغيلمة كان في سنة ستين وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة أربع وستين فمات ثم ولي ولده معاوية ومات بعد أشهر، وهذه الرواية تخصص رواية أبي زرعة عن أبي هريرة الماضية في علامات النبوة بلفظ ‏"‏ يهلك الناس هذا الحي من قريش ‏"‏ وإن المراد بعض قريش وهم الأحداث منهم لا كلهم، والمراد أنهم يهلكون ناس بسبب طلبهم الملك والقتال لأجله فتفسد أحوال الناس ويكثر الخبط بتوالي الفتن، وقد وقع الأمر كما أخبر صلى الله عليه وسلم، وأما قوله ‏"‏ لو أن الناس اعتزلوهم ‏"‏ محذوف الجواب وتقديره‏:‏ لكان أولى بهم، والمراد باعتزالهم أن لا يداخلوهم ولا يقاتلوا معهم ويفروا بدينهم من الفتن، ويحتمل أن يكون ‏"‏ لو ‏"‏ للتمني فلا يحتاج إلى تقدير جواب‏.‏

ويؤخذ من هذا الحديث استحباب هجران البلدة التي يقع فيها إظهار المعصية فإنها سبب وقوع الفتن التي ينشأ عنها عموم الهلاك قال ابن وهب عن مالك‏:‏ تهجر الأرض التي يصنع فيها المنكر جهارا، وقد صنع ذلك جماعة من السلف‏.‏

قوله ‏(‏فقال مروان‏:‏ لعنة الله عليهم غلمة‏)‏ في رواية عبد الصمد ‏"‏ لعنة الله عليهم من أغيلمة ‏"‏ وهذه الرواية تفسر المراد بقوله في رواية المكي ‏"‏ فقال مروان غلمة ‏"‏ كذا اقتصر على هذه الكلمة فدلت رواية الباب أنها مختصرة من قوله لعنة الله عليهم غلمة فكان التقدير غلمة عليهم لعنة الله أو ملعونون أو نحو ذلك، ولم يرد التعجب ولا الاستثبات‏.‏

قوله ‏(‏فقال أبو هريرة‏:‏ لو شئت أن أقول بني فلان وبني فلان لفعلت‏)‏ في رواية الإسماعيلي ‏"‏ من بني فلان وبني فلان لقلت ‏"‏ وكأن أبا هريرة كان يعرف أسماءهم وكان ذلك من الجواب الذي لم يحدث به، وتقدمت الإشارة إليه في كتاب العلم، وتقدم هناك قوله ‏"‏ لو حدثت به لقطعتم هذا البلعوم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فكنت أخرج مع جدي‏)‏ قائل ذلك عمرو بن يحيى بن سعيد بن عمرو وجده سعيد بن عمرو ‏"‏ وكان مع أبيه لما غلب على الشام، ثم لما قتل تحول سعيد بن عمرو إلى الكوفة فسكنها إلى أن مات‏.‏

قوله ‏(‏حين ملكوا الشام‏)‏ أي وغيرها لما ولوا الخلافة، وإنما خصت الشام بالذكر لأنها كانت مساكنهم من عهد معاوية‏.‏

قوله ‏(‏فإذا رآهم غلمانا أحداثا‏)‏ هذا يقوي الاحتمال الماضي وأن المراد أولاد من استخلف منهم، وأما تردده في أيهم المراد بحديث أبي هريرة فمن جهة كون أبي هريرة لم يفصح بأسمائهم، والذي يظهر أن المذكورين من جملتهم، وأن أولهم يزيد كما دل عليه قول أبي هريرة رأس الستين وإمارة الصبيان فإن يزيد كان غالبا ينتزع الشيوخ من إمارة البلدان الكبار ويوليها الأصاغر من أقاربه، وقوله ‏"‏قلنا أنت أعلم ‏"‏ القائل له ذلك أولاده وأتباعه ممن سمع منه ذلك، وهذا مشعر بأن هذا القول صدر منه في أواخر دولة بني مروان بحيث يمكن عمرو بن يحيى أن يسمع منه ذلك‏.‏

وقد ذكر ابن عساكر أن سعيد بن عمرو هذا بقي إلى أن وفد على الوليد بن يزيد بن عبد الملك وذلك قبيل الثلاثين ومائة، ووقع في رواية الإسماعيلي أن بين تحديث عمرو بن يحيى بذلك وسماعه له من جده سبعين سنة، قال ابن بطال‏:‏ وفي هذا الحديث أيضا حجة لما تقدم من ترك القيام على السلطان ولو جار، لأنه صلى الله عليه وسلم أعلم أبا هريرة بأسماء هؤلاء وأسماء آبائهم ولم يأمرهم بالخروج عليهم مع إخباره أن هلاك الأمة على أيديهم لكون الخروج أشد في الهلاك وأقرب إلى الاستئصال من طاعتهم، فاختار أخف المفسدتين وأيسر الأمرين‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ يتعجب من لعن مروان الغلمة المذكورين مع أن الظاهر أنهم من ولده فكأن الله تعالى أجرى ذلك على لسانه ليكون أشد في الحجة عليهم لعلهم يتعظون، وقد وردت أحاديث في لعن الحكم والد مروان وما ولد أخرجها الطبراني وغيره غالبها فيه مقال وبعضها جيد، ولعل المراد تخصيص الغلمة المذكورين بذلك‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ويل للعرب من شر قد اقترب‏)‏ إنما خص العرب بالذكر لأنهم أو من دخل في الإسلام، وللإنذار بأن الفتن إذا وقعت كان الهلاك أسرع إليهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ أَنَّهُ سَمِعَ الزُّهْرِيَّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أُمِّ سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ أَنَّهَا قَالَتْ اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ النَّوْمِ مُحْمَرًّا وَجْهُهُ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ وَعَقَدَ سُفْيَانُ تِسْعِينَ أَوْ مِائَةً قِيلَ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ

الشرح‏:‏

حديث زينب بنت جحش وهو مطابق للترجمة، ومالك بن إسماعيل شيخه فيه وهو أبو غسان النهدي، وكأنه اختار تخريج هذا الحديث عنه لتصريحه في روايته بسماع سفيان بن عيينة له من الزهري‏.‏

قوله ‏(‏عن عروة‏)‏ هو ابن الزبير‏.‏

قوله ‏(‏عن زينب بنت أم سلمة‏)‏ في رواية شعيب عن الزهري ‏"‏ حدثني عروة أن زينب بنت أبي سلمة حدثته‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏عن أم حبيبة‏)‏ في رواية شعيب ‏"‏ أن أم حبيبة بنت أبي سفيان حدثتها ‏"‏ هكذا قال بعض أصحاب سفيان بن عيينة منهم مالك بن إسماعيل هذا ومنهم عمرو بن محمد الناقد عند مسلم ومنهم سعيد بن منصور في السنن له ومنهم قتيبة وهارون بن عبد الله عند الإسماعيلي والقعنبي عند أبي نعيم، وكذا قال مسدد في مسنده، قلت وهكذا تقدم في أحاديث الأنبياء من رواية عقيل وفي علامات النبوة من رواية شعيب ويأتي في أواخر كتاب الفتن من رواية محمد بن أبي عتيق كلهم عن الزهري ليس في السند حبيبة زاد جماعة من أصحاب ابن عيينة عنه ذكر حبيبة فقالوا عن زينب بنت أم سلمة عن حبيبة بنت أم حبيبة عن أمها أم حبيبة، هكذا أخرجه مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وسعيد بن عمرو الأشعثي وزهير بن حرب ومحمد بن يحيى بن أبي عمر أربعتهم عن سفيان عن الزهري، قال مسلم‏:‏ زادوا فيه حبيبة، وهكذا أخرجه الترمذي عن سعيد بن عبد الرحمن المخزومي وغير واحد كلهم عن سفيان، قال الترمذي‏:‏ جود سفيان هذا الحديث هكذا رواه الحميدي وعلي ابن المديني وغير واحد من الحفاظ عن سفيان بن عيينة، قال الحميدي قال سفيان‏:‏ حفظت عن الزهري في هذا الحديث أربع نسوة زينب بنت أم سلمة عن حبيبة وهما ربيبتا النبي صلى الله عليه وسلم عن أم حبيبة عن زينب بنت جحش وهما زوجا النبي صلى الله عليه وسلم وأخرجه أبو نعيم في المستخرج من طريق الحميدي فقال في روايته عن حبيبة بنت أم حبيبة عن أمها أم حبيبة‏.‏

وقال في آخره‏:‏ قال الحميدي‏:‏ قال سفيان ‏"‏ أحفظ في هذا الحديث عن الزهري أربع نسوة قد رأين النبي صلى الله عليه وسلم ثنتين من أزواجه أم حبيبة وزينب بنت جحش وثنتين ربيبتاه زينب بنت أم سلمة وحبيبة بنت أم حبيبة أبوها عبيد الله بن جحش مات بأرض الحبشة‏"‏‏.‏

انتهى كلامه‏.‏

وأخرجه أبو نعيم أيضا من رواية إبراهيم بن بشار الرمادي ونصر بن علي الجهضمي، وأخرجه النسائي عن عبيد الله بن سعيد وابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة والإسماعيلي من رواية الأسود بن عامر كلهم عن ابن عيينة بزيادة حبيبة في السند، وساق الإسماعيلي عن هارون بن عبد الله قال قال لي الأسود بن عامر‏:‏ كيف يحفظ هذا عن ابن عيينة‏؟‏ فذكره له بنقص حبيبة فقال ‏"‏ لكنه حدثنا عن الزهري عن عروة عن أربع نسوة كلهن قد أدركن النبي صلى الله عليه وسلم بعضهن عن بعض ‏"‏ قال الدار قطني أظن سفيان كان تارة يذكرها وتارة يسقطها‏.‏

قلت ورواه شريح بن يونس عن سفيان فأسقط حبيبة وزينب بنت جحش أخرجه ابن حبان، ومثله لأبي عوانة عن الليث عن الزهري ومن رواية سليمان بن كثير عن الزهري وصرح فيه بالأخبار، وسأذكر شرح المتن في آخر كتاب الفتن إن شاء الله تعالى، وحبيبة بنت عبيد الله بالتصغير ابن جحش هذه ذكرها موسى ابن عقبة فيمن هاجر إلى الحبشة فتنصر عبيد الله بن جحش ومات هناك وثبتت أم حبيبة على الإسلام فتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وجهزها إليه النجاشي، وحكى ابن سعد أن حبيبة إنما ولدت بأرض الحبشة فعلى هذا تكون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صغيرة فهي نظير التي روت عنها في أن كلا منهما ربيبة النبي صلى الله عليه وسلم وفي أن كلا منهما من صغار الصحابة، وزينب بنت جحش هي عمة حبيبة المذكورة فروت حبيبة عن أمها عن عمتها وكانت وفاة زينب قبل وفاة أم حبيبة، وزعم بعض الشراح أن رواية مسلم بذكر حبيبة تؤذن بانقطاع طريق البخاري، قلت وهو كلام من لم يطلع على طريق شعيب التي نبهت عليها، وقد جمع الحافظ عبد الغني ابن سعيد الأزدي جزءا في الأحاديث المسلسلة بأربعة من الصحابة وجملة ما فيه أربعة أحاديث، وجمع ذلك بعده الحافظ عبد القادر الرهاوي ثم الحافظ يوسف بن خليل فزاد عليه قدرها وزاد واحدا خماسيا فصارت تسعة أحاديث وأصحها حديث الباب، ثم حديث عمر في العمالة وسيأتي في كتاب الأحكام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح و حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ أَشْرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى قَالُوا لَا قَالَ فَإِنِّي لَأَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَوَقْعِ الْقَطْرِ

الشرح‏:‏

حديث أسامة بن زيد، قوله ‏(‏عن الزهري‏)‏ في رواية الحميدي في مسنده عن سفيان ابن عيينة ‏"‏ حدثنا الزهري ‏"‏ وأخرجه أبو نعيم في مستخرجه على مسلم من طريقه‏.‏

قوله ‏(‏عن عروة عن أسامة بن زيد‏)‏ في رواية الحميدي وابن أبي عمر في مسنده عن ابن عيينة عن الزهري ‏"‏ أخبرني عروة أنه سمع أسامة بن زيد ‏"‏ وقوله ‏"‏ حدثنا محمود ‏"‏ هو ابن غيلان‏.‏

قوله ‏(‏أشرف النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ عند الإسماعيلي في رواية معمر ‏"‏ أوفى ‏"‏ وهو بمعنى أشرف أي اطلع من علو‏.‏

قوله ‏(‏على أطم‏)‏ بضمتين هو الحصن وقد تقدم بيانه في آخر الحج‏.‏

قوله ‏(‏من آطام المدينة‏)‏ تقدم في علامات النبوة عن أبي نعيم بهذا السند بلفظ ‏"‏ على أطم من الآطام ‏"‏ فاقتضى ذلك أن اللفظ الذي ساقه هنا لفظ معمر‏.‏

قوله ‏(‏هل ترون ما أرى‏؟‏ قالوا‏:‏ لا‏)‏ وهذه الزيادة أيضا لمعمر، ولم أرها في شيء من الطرق عن ابن عيينة‏.‏

قوله ‏(‏فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم‏)‏ في رواية أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان ‏"‏ إني لأرى مواقع الفتن ‏"‏ والمراد بالمواقع مواضع السقوط، والخلال النواحي، قال الطيبي‏:‏ تقع مفعول ثان ويحتمل أن يكون حالا وهو أقرب، والرؤية بمعنى النظر أي كشف لي فأبصرت ذلك عيانا‏.‏

قوله ‏(‏كوقع القطر‏)‏ في رواية المستملي والكشميهني ‏"‏ المطر ‏"‏ وفي رواية علامات النبوة ‏"‏ كمواقع القطر ‏"‏ وقد تقدم الكلام على هذه الرواية في آخر الحج، وإنما اختصت المدينة بذلك لأن قتل عثمان رضي الله عنه كان بها، ثم انتشرت الفتن في البلاد بعد ذلك، فالقتال بالجمل وبصفين كان بسبب قتل عثمان، والقتال بالنهروان كان بسبب التحكيم بصفين وكل قتال وقع في ذلك العصر إنما تولد عن شيء من ذلك أو عن شيء تولد عنه‏.‏

ثم أن قتل عثمان كان أشد أسبابه الطعن على أمرائه ثم عليه بتوليته لهم، وأول ما نشأ ذلك من العراق وهي من جهة المشرق فلا منافاة بين حديث الباب وبين الحديث الآتي أن الفتنة من قبل المشرق، وحسن التشبيه بالمطر لإرادة التعميم لأنه إذا وقع في أرض معينة عمها ولو في بعض جهاتها، قال ابن بطال‏:‏ أنذر النبي صلى الله عليه وسلم في حديث زينب بقرب قيام الساعة كي يتوبوا قبل أن تهجم عليهم، وقد ثبت أن خروج يأجوج ومأجوج قرب قيام الساعة فإذا فتح من ردمهم ذاك القدر في زمنه صلى الله عليه وسلم لم يزل الفتح يتسع على مر الأوقات، وقد جاء في حديث أبي هريرة رفعه ‏"‏ ويل للعرب من شر قد اقترب، موتوا إن استطعتم ‏"‏ قال‏:‏ وهذا غاية في التحذير من الفتن والخوض فيها حيث جعل الموت خيرا من مباشرتها، وأخبر في حديث أسامة بوقوع الفتن خلال البيوت ليتأهبوا لها فلا يخوضوا فيها ويسألوا الله الصبر والنجاة من شرها‏.‏

*3*بَاب ظُهُورِ الْفِتَنِ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّمَ هُوَ قَالَ الْقَتْلُ الْقَتْلُ وَقَالَ شُعَيْبٌ وَيُونُسُ وَاللَّيْثُ وَابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة، قوله ‏(‏حدثنا عياش‏)‏ بتحتانية ثقيلة ومعجمة، وشيخه عبد الأعلى هو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري، وسعيد هو ابن المسيب ونسبه أبو بكر بن أبي شيبة في روايته له عن عبد الأعلى المذكور أخرجه ابن ماجه، وكذا عند الإسماعيلي من رواية عبد الأعلى وعبد الواحد وعبد المجيد بن أبي رواد كلهم عن معمر، وهو عند مسلم عن أبي بكر لكن لم يسق لفظه‏.‏

قوله ‏(‏يتقارب الزمان‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية السرخسي ‏"‏ الزمن ‏"‏ وهي لغة فيه‏.‏

قوله ‏(‏وينقص العلم‏)‏ كذا للأكثر‏.‏

وفي رواية المستملي والسرخسي ‏"‏ العمل‏"‏، ومثله في رواية شعيب عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة عند مسلم، وعنده من رواية يونس عن الزهري في هذه الطريق ‏"‏ ويقبض العلم ‏"‏ ووقع مثله في رواية الأعرج عن أبي هريرة سيأتي في أواخر كتاب الفتن وهي تؤيد رواية من رواه بلفظ ‏"‏ وينقص العمل ‏"‏ ويؤيده أيضا الحديث الذي بعده بلفظ ‏"‏ ينزل الجهل ويرفع العلم‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏ويكثر الهرج، قالوا يا رسول الله أيما هو‏)‏ بفتح الهمزة وتشديد الياء الأخيرة بعدها ميم خفيفة وأصله أي شيء هو، ووقعت للأكثر بغير ألف بعد الميم، وضبطه بعضهم بتخفيف الياء كما قالوا إيش‏؟‏ في موضع أي شيء‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي ‏"‏ وما هو‏؟‏ ‏"‏ وفي رواية أبي بكر بن أبي شيبة ‏"‏ قالوا يا رسول الله وما الهرج‏؟‏ ‏"‏ وهذه رواية أكثر أصحاب الزهري‏.‏

وفي رواية عنبسة بن خالد عن يونس عند أبي داود ‏"‏ قيل يا رسول الله إيش هو‏؟‏ قال‏:‏ القتل القتل ‏"‏ وفي رواية للطبراني عن ابن مسعود ‏"‏ القتل والكذب‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏قال القتل القتل‏)‏ صريح في أن تفسير الهرج مرفوع، ولا يعارض ذلك مجيئه في غير هذه الرواية موقوفا ولا كونه بلسان الحبشة، وقد تقدم في كتاب العلم من طريق سالم بن عبد الله بن عمر ‏"‏ سمعت أبا هريرة ‏"‏ فذكر نحو حديث الباب دون قوله ‏"‏ يتقارب الزمان ‏"‏ ودون قوله ‏"‏ ويلقى الشح ‏"‏ وزاد فيه ‏"‏ ويظهر الجهل ‏"‏ وقال في آخره ‏"‏ قيل يا رسول الله وما الهرج‏؟‏ فقال هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل ‏"‏ فيجمع بأنه جمع بين الإشارة والنطق فحفظ بعض الرواة ما لم يحفظ بعض كما وقع لهم في الأمور المذكورة، وجاء تفسير أيام الهرج فيما أخرجه أحمد والطبراني بسند حسن من حديث خالد بن الوليد ‏"‏ أن رجلا قال له‏:‏ يا أبا سليمان اتق الله، فإن الفتن ظهرت، فقال‏:‏ أما وابن الخطاب حي فلا، إنما تكون بعده، فينظر الرجل فيفكر هل يجد مكانا لم ينزل به مثل ما نزل بمكانه الذي هو به من الفتنة والشر فلا يجد، فتلك الأيام التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة أيام الهرج‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏وقال يونس‏)‏ يعني ابن يزيد ‏(‏وشعيب‏)‏ يعني ابن أبي حمزة والليث وابن أخي الزهري عن الزهري عن حميد يعني ابن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة، يعني أن هؤلاء الأربعة خالفوا معمرا في قوله ‏"‏ عن الزهري عن سعيد ‏"‏ فجعلوا شيخ الزهري حميدا لا سعيدا، وصنيع البخاري يقتضي أن الطريقين صحيحان، فإنه وصل طريق معمر هنا ووصل طريق شعيب في كتاب الأدب، وكأنه رأى أن ذلك لا يقدح، لأن الزهري صاحب حديث فيكون الحديث عنده عن شيخين، ولا يلزم من ذلك إطراده في كل من اختلف عليه في شيخه إلا أن يكون مثل الزهري في كثرة الحديث والشيوخ، ولولا ذلك لكانت رواية يونس ومن تابعه أرجح، وليست رواية معمر مدفوعة عن الصحة لما ذكرته، فأما رواية يونس فوصلها مسلم كما ذكرت من طريق ابن وهب عنه ولفظه ‏"‏ ويقبض العلم ‏"‏ وقدم ‏"‏ وتظهر الفتن ‏"‏ على ‏"‏ ويلقى الشح ‏"‏ وقال ‏"‏ قالوا وما الهرج‏؟‏ قال‏:‏ القتل ‏"‏ ولم يكرر لفظ القتل‏.‏

ومثله له من رواية سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يكثر الهرج ‏"‏ فذكره مقتصرا عليه، وأخرجه أبو داود من رواية عنبسة ابن خالد عن يونس بن يزيد بلفظ ‏"‏ وينقص العلم ‏"‏ وأما رواية شعيب فوصلها المصنف في كتاب الأدب عن أبي اليمان عنه وقال في روايته ‏"‏ يتقارب الزمان وينقص العمل ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ العلم ‏"‏ والباقي مثل لفظ معمر‏.‏

وقال في روايتي يونس وشعيب عن الزهري ‏"‏ حدثني حميد بن عبد الرحمن ‏"‏ وأما رواية الليث فوصلها الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من رواية عبد الله بن صالح عنه به مثل رواية ابن وهب، وأما رواية ابن أخي الزهري فوصلها الطبراني أيضا في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من طريق صدقة بن خالد عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر عن ابن أخي الزهري واسمه محمد بن عبد الله بن مسلم وقال في روايته ‏"‏ سمعت أبا هريرة ‏"‏ ولفظه مثل لفظ ابن وهب إلا أنه قال ‏"‏ قلنا وما الهرج يا رسول الله‏؟‏ ‏"‏ وأخرجه مسلم من رواية عبد الرحمن بن يعقوب وهمام بن منبه وأبي يونس مولى أبي هريرة ثلاثتهم عن أبي هريرة قال بمثل حديث حميد بن عبد الرحمن غير أنهم لم يذكروا ‏"‏ ويلقى الشح‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وساق أحمد لفظ همام وأوله ‏"‏ يقبض العلم ويقترب الزمن ‏"‏ وقد جاء عن أبي هريرة من طريق أخرى زيادة في الأمور المذكورة، فأخرج الطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من طريق سعيد بن جبير عنه رفعه ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والبخل ويخون الأمين ويؤتمن الخائن وتهلك الوعول وتظهر التحوت، قالوا يا رسول الله وما التحوت والوعول‏؟‏ قال الوعول وجوه الناس وأشرافهم والتحوت الذين كانوا تحت أقدام الناس ليس يعلم بهم ‏"‏ وله من طريق أبي علقمة ‏"‏ سمعت أبا هريرة يقول إن من أشراط الساعة ‏"‏ تحوه وزاد كذلك ‏"‏ أنبأنا عبد الله بن مسعود سمعته من حبي‏؟‏ قال نعم، قلنا وما التحوت‏؟‏ قال‏:‏ فسول الرجال وأهل البيوت الغامضة قلنا وما الوعول قال أهل البيوت الصالحة ‏"‏ قال ابن بطال‏:‏ ليس في هذا الحديث ما يحتاج إلى تفسير غير قوله يتقارب الزمان ومعناه والله أعلم تقارب أحوال أهله في قلة الدين حتى لا يكون فيهم من يأمر بمعروف ولا ينهى عن منكر لغلبة الفسق وظهور أهله، وقد جاء في الحديث لا يزال الناس بخير ما تفاضلوا فإذا تساووا هلكوا يعني لا يزالون بخير ما كان فيهم أهل فضل وصلاح وخوف من الله يلجأ إليهم عند الشدائد ويستشفى بآرائهم ويتبرك بدعائهم ويؤخذ بتقويمهم وآثارهم‏.‏

وقال الطحاوي‏:‏ قد يكون معناه في ترك طلب العلم خاصة والرضا بالجهل، وذلك لأن الناس لا يتساوون في العلم لأن درج العلم تتفاوت قال تعالى ‏(‏وفوق كل ذي علم عليم‏)‏ وإنما يتساوون إذا كانوا جهالا، وكأنه يريد غلبة الجهل وكثرته بحيث يفقد العلم بفقد العلماء قال ابن بطال‏:‏ وجميع ما تضمنه هذا الحديث من الأشراط قد رأيناها عيانا فقد نقص العلم وظهر الجهل وألقي الشح في القلوب وعمت الفتن وكثر القتل قلت‏:‏ الذي يظهر أن الذي شاهده كان منه الكثير مع وجود مقابله، والمراد من الحديث استحكام ذلك حتى لا يبقى مما يقابله إلا النادر، وإليه الإشارة بالتعبير بقبض العلم فلا يبقى إلا الجهل الصرف، ولا يمنع من ذلك وجود طائفة من أهل العلم لأنهم يكونون حينئذ مغمورين في أولئك، ويؤيد ذلك ما أخرجه ابن ماجه بسند قوي عن حذيفة قال ‏"‏ يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدري ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة ويسري على الكتاب في ليلة فلا يبقى في الأرض منه آية ‏"‏ الحديث وسأذكر مزيدا لذلك في أواخر كتاب الفتن، وعند الطبراني عن عبد الله بن مسعود قال ‏"‏ ولينزعن القرآن من بين أظهركم يسري عليه ليلا فيذهب من أجواف الرجال فلا يبقى في الأرض منه شيء ‏"‏ وسنده صحيح لكنه موقوف وسيأتي بيان معارضه ظاهرا في كتاب الأحكام والجمع بينهما، وكذا القول في باقي الصفات، والواقع أن الصفات المذكورة وجدت مباديها من عهد الصحابة ثم صارت تكثر في بعض الأماكن دون بعض، والذي يعقبه قيام الساعة استحكام ذلك كما قررته، وقد مضى من الوقت الذي قال فيه ابن بطال ما قال نحو ثلاثمائة وخمسين سنة والصفات المذكورة في ازدياد في جميع البلاد لكن يقل بعضها في بعض ويكثر بعضها في بعض، وكلما مضت طبقة ظهر النقص الكثير في التي تليها، وإلى ذلك الإشارة بقوله في حديث الباب الذي بعده ‏"‏ لا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه ‏"‏ ثم نقل ابن بطال عن الخطابي في معنى تقارب الزمان المذكور في الحديث الآخر يعني الذي أخرجه الترمذي من حديث أنس وأحمد من حديث أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان فتكون السنة كالشهر والشهر كالجمعة والجمعة كاليوم ويكون اليوم كالساعة وتكون الساعة كاحتراق السعفة ‏"‏ قال الخطابي هو من استلذاذ العيش، يريد والله أعلم أنه يقع عند خروج المهدي ووقوع الأمنة في الأرض وغلبة العدل فيها فيستلذ العيش عند ذلك وتستقصر مدته، وما زال الناس يستقصرون مدة أيام الرخاء وإن طالت ويستطيلون مدة المكروه وإن قصرت، وتعقبه الكرماني بأنه لا يناسب أخواته من ظهور الفتن وكثرة الهرج وغيرهما‏.‏

وأقول‏:‏ إنما احتاج الخطابي إلى تأويله بما ذكر لأنه لم يقع النقص في زمانه، وإلا فالذي تضمنه الحديث قد وجد في زماننا هذا فإنا نجد من سرعة مر الأيام ما لم نكن نجده في العصر الذي قبل عصرنا هذا وإن لم يكن هناك عيش مستلذ، والحق أن المراد نزع البركة من كل شيء حتى من الزمان وذلك من علامات قرب الساعة‏.‏

وقال بعضهم‏:‏ معنى تقارب الزمان استواء الليل والنهار، قلت وهذا مما قالوه في قوله ‏"‏ إذا اقترب الزمان لم تكد رؤيا المؤمن تكذب ‏"‏ كما تقدم بيانه فيما مضى‏.‏

ونقل ابن التين عن الداودي أن معنى حديث الباب أن ساعات النهار تقصر قرب قيام الساعة ويقرب النهار من الليل انتهى، وتخصيصه ذلك بالنهار لا معنى له بل المراد نزع البركة من الزمان ليله ونهاره كما تقدم‏.‏

قال النووي تبعا لعياض وغيره‏:‏ المراد بقصره عدم البركة فيه وأن اليوم مثلا يصير الانتفاع به بقدر الانتفاع بالساعة الواحدة، قالوا وهذا أظهر وأكثر فائدة وأوفق لبقية الأحاديث، وقد قيل في تفسير قوله ‏"‏ يتقارب الزمان ‏"‏ قصر الأعمار بالنسبة إلى كل طبقة فالطبقة الأخيرة أقصر أعمارا من الطبقة التي قبلها، وقيل تقارب أحوالهم في الشر والفساد والجهل، وهذا اختيار الطحاوي، واحتج بأن الناس لا يتساوون في العلم والفهم، فالذي جنح إليه لا يناسب ما ذكر معه، إلا أن نقول إن الواو لا ترتب فيكون ظهور الفتن أولا ينشأ عنها الهرج ‏"‏ ثم يخرج المهدي فيحصل الأمن‏"‏‏.‏

قال ابن أبي جمرة‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان قصره على ما وقع في حديث ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى تكون السنة كالشهر ‏"‏ وعلى هذا فالقصر يحتمل أن يكون حسيا ويحتمل أن يكون معنويا، أما الحسي فلم يظهر بعد ولعله من الأمور التي تكون قرب قيام الساعة، وأما المعنوي فله مدة منذ ظهر يعرف ذلك أهل العلم الديني ومن له فطنة من أهل السبب الدنيوي فإنهم يجدون أنفسهم لا يقدر أحدهم أن يبلغ من العمل قدر ما كانوا يعملونه قبل ذلك ويشكون ذلك ولا يدرون العلة فيه، ولعل ذلك بسبب ما وقع من ضعف الإيمان لظهور الأمور المخالفة للشرع من عدة أوجه، وأشد ذلك الأقوات ففيها من الحرام المحض ومن الشبه ما لا يخفى حتى إن كثيرا من الناس لا يتوقف في شيء ومهما قدر على تحصيل شيء هجم عليه ولا يبالي، والواقع أن البركة في الزمان وفي الرزق وفي النبت إنما يكون من طريق قوة الإيمان واتباع الأمر واجتناب النهي، والشاهد لذلك قوله تعالى ‏(‏ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض‏)‏ انتهى ملخصا‏.‏

وقال البيضاوي‏:‏ يحتمل أن يكون المراد بتقارب الزمان تسارع الدول إلى الانقضاء والقرون إلى الانقراض فيتقارب زمانهم وتتدانى أيامهم، وأما قول ابن بطال إن بقية الحديث لا تحتاج إلى تفسير فليس كما قال، فقد اختلف أيضا في المراد بقوله ‏"‏ ينقص العلم ‏"‏ فقيل المراد نقص علم كل عالم بأن يطرأ عليه النسيان مثلا، وقيل نقص العلم بموت أهله فكلما مات عالم في بلد ولم يخلفه غيره نقص العلم من تلك البلد، وأما نقص العمل فيحتمل أن يكون بالنسبة لكل فرد فرد، فإن العامل إذا دهمته الخطوب ألهته عن أوراده وعبادته، ويحتمل أن يراد به ظهور الخيانة في الأمانات والصناعات‏.‏

قال ابن أبي جمرة‏:‏ نقص العمل الحسي ينشأ عن نقص الدين ضرورة، وأما المعنوي فبحسب ما يدخل من الخلل بسبب سوء المطعم وقلة المساعد على العمل، والنفس ميالة إلى الراحة وتحن إلى جنسها، ولكثرة شياطين الإنس الذين هم أضر من شياطين الجن‏.‏

وأما قبض العلم فسيأتي بسط القول فيه في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى‏.‏

وأما قوله ‏"‏ ويلقى الشح ‏"‏ فالمراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم والفتوى، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره، ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير، وليس المراد وجود أصل الشح لأنه لم يزل موجودا‏.‏

والمحفوظ في الروايات ‏"‏ يلقى ‏"‏ بضم أوله من الرباعي‏.‏

وقال الحميدي لم تضبط الرواة هذا الحرف، ويحتمل أن يكون بفتح اللام وتشديد القاف أي يتلقى ويتعلم ويتواصى به كما في قوله ‏(‏ولا يلقاها إلا الصابرون‏)‏ قال‏:‏ والرواية بسكون اللام مخففا تفسد المعنى لأن الإلقاء بمعنى الترك ولو ترك لم يكن موجودا وكان مدحا والحديث ينبئ بالذم‏.‏

قلت‏:‏ وليس المراد بالإلقاء هنا أن الناس يلقونه، وإنما المراد أنه يلقى إليهم أي يوقع في قلوبهم ومنه ‏(‏إني ألقي إلي كتاب كريم‏)‏ قال الحميدي ولو قيل بالفاء مع التخفيف لم يستقم لأنه لم يزل موجودا‏.‏

قلت‏:‏ لو ثبتت الرواية بالفاء لكان مستقيما، والمعنى أنه يوجد كثيرا مستفيضا عند كل أحد كما تقدمت الإشارة إليه‏.‏

وقال القرطبي في التذكرة‏:‏ يجوز أن يكون ‏"‏ يلقى ‏"‏ بتخفيف اللام والفاء أي يترك لأجل كثرة المال وإفاضته حتى يهم ذا المال من يقبل صدقته فلا يجد، ولا يجوز أن يكون بمعنى يوجد لأنه ما زال موجودا، كذا جزم به، وقد تقدم ما يرد عليه، وأما قوله ‏"‏ وتظهر الفتن ‏"‏ فالمراد كثرتها واشتهارها وعدم التكاتم بها والله المستعان‏.‏

قال ابن أبي جمرة‏:‏ يحتمل أن يكون إلقاء الشح عاما في الأشخاص، والمحذور من ذلك ما يترتب عليه مفسدة، والشحيح شرعا هو من يمنع ما وجب عليه وإمساك ذلك ممحق للمال مذهب لبركته، ويؤيده ‏"‏ ما نقص مال من صدقة ‏"‏ فإن أهل المعرفة فهموا منه أن المال الذي يخرج منه الحق الشرعي لا يلحقه آفة ولا عاهة بل يحصل له النماء، ومن ثم سميت الزكاة لأن المال ينمو بها ويحصل فيه البركة انتهى ملخصا‏.‏

قال‏:‏ وأما ظهور الفتن فالمراد بها ما يؤثر في أمر الدين، وأما كثرة القتل فالمراد بها ما لا يكون على وجه الحق كإقامة الحد والقصاص‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى فَقَالَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا مسدد حدثنا عبيد الله بن موسى‏)‏ كذا وقع عند أبي ذر عن شيوخه في نسخة معتمدة وسقط في غيرها‏.‏

وقال عياض‏:‏ ثبت للقابسي عن أبي زيد المروزي وسقط مسدد للباقين وهو الصواب‏.‏

قلت‏:‏ وعليه اقتصر أصحاب الأطراف‏.‏

قوله ‏(‏كنت مع عبد الله‏)‏ هو ابن مسعود، وأبو موسى هو الأشعري‏.‏

قوله ‏(‏فقالا‏)‏ يظهر من الروايتين اللتين بعدها أن الذي تلفظ بذلك هو أبو موسى لقوله في روايته ‏"‏ فقال أبو موسى ‏"‏ فذكره، ولا يعارض ذلك الرواية الثالثة من طريق واصل عن أبي وائل عن عبد الله وأحسبه رفعه قال ‏"‏ بين يدي الساعة ‏"‏ فذكره لاحتمال أن يكون أبو وائل سمعه من عبد الله أيضا لدخوله في قوله في رواية الأعمش ‏"‏ قالا ‏"‏ وقد اتفق أكثر الرواة عن الأعمش على أنه عن عبد الله وأبي موسى معا، ورواه أبو معاوية عن الأعمش فقال ‏"‏ عن أبي موسى ‏"‏ ولم يذكر عبد الله أخرجه مسلم، وأشار ابن أبي خيثمة إلى ترجيح قول الجماعة وأما رواية عاصم المعلقة التي ختم بها الباب فلولا أنه دون الأعمش وواصل في الحفظ لكانت روايته هي المعتمدة لأنه جعل لكل من أبي موسى وعبد الله لفظ متن غير الآخر، لكن يحتمل أن يكون المتن الآخر كان عند عبد الله ابن مسعود مع المتن الأول‏.‏

قوله ‏(‏ينزل فيها الجهل ويرفع فيها العلم‏)‏ معناه أن العلم يرتفع بموت العلماء فكلما مات عالم ينقص العلم بالنسبة إلى فقد حامله، وينشأ عن ذلك الجهل بما كان ذلك العالم ينفرد به عن بقية العلماء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا شَقِيقٌ قَالَ جَلَسَ عَبْدُ اللَّهِ وَأَبُو مُوسَى فَتَحَدَّثَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ أَيَّامًا يُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ قَالَ إِنِّي لَجَالِسٌ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فَقَالَ أَبُو مُوسَى سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ وَالْهَرْجُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْقَتْلُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏إن بين يدي الساعة لأياما‏)‏ في رواية الكشميهني بحذف اللام‏.‏

قوله ‏(‏ويكثر فيها الهرج، والهرج القتل‏)‏ كذا في هاتين الروايتين، وزاد في الرواية الثالثة وهي رواية جرير ابن عبد الحميد عن الأعمش ‏"‏ والهرج بلسان الحبشة القتل ‏"‏ ونسب التفسير في رواية واصل لأبي موسى، وأصل الهرج في اللغة العربية الاختلاط يقال هرج الناس اختلطوا واختلفوا وهرج القوم في الحديث إذا كثروا وخلطوا، وأخطأ من قال نسبة تفسير الهرج بالقتل للسان الحبشة وهم من بعض الرواة وإلا فهي عربية صحيحة، ووجه الخطأ أنها لا تستعمل في اللغة العربية بمعنى القتل إلا على طريق المجاز لكون الاختلاط مع الاختلاف يفضي كثيرا إلى القتل وكثيرا ما يسمى الشيء باسم ما يؤول إليه، واستعمالها في القتل بطريق الحقيقة هو بلسان الحبش، وكيف يدعى على مثل أبي موسى الأشعري الوهم في تفسير لفظة لغوية بل الصواب معه، واستعمال العرب الهرج بمعنى القتل لا يمنع كونها لغة الحبشة وإن ورد استعمالها في الاختلاط والاختلاف كحديث معقل بن يسار رفعه ‏"‏ العبادة في الهرج كهجرة إلى ‏"‏ أخرجه مسلم، وذكر صاحب المحكم للهرج معاني أخرى ومجموعها تسعة‏:‏ شدة القتل وكثرة القتل والاختلاط والفتنة في آخر الزمان وكثرة النكاح وكثرة الكذب وكثرة النوم وما يرى في النوم غير منضبط وعدم الإتقان للشيء‏.‏

وقال الجوهري‏:‏ أصل الهرج الكثرة في الشيء يعني حتى لا يتميز‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَحْسِبُهُ رَفَعَهُ قَالَ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ أَيَّامُ الْهَرْجِ يَزُولُ فِيهَا الْعِلْمُ وَيَظْهَرُ فِيهَا الْجَهْلُ قَالَ أَبُو مُوسَى وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ وَقَالَ أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَبْدِ اللَّهِ تَعْلَمُ الْأَيَّامَ الَّتِي ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّامَ الْهَرْجِ نَحْوَهُ قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكْهُمْ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ

الشرح‏:‏

قوله في رواية واصل ‏(‏وأحسبه رفعه‏)‏ زاد في رواية القواريري عن غندر ‏"‏ إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي وكذا أخرجه أحمد عن غندر، ومحمد شيخ البخاري فيه لم ينسب عند الأكثر، ونسبه أبو ذر في روايته محمد بن بشار‏.‏

قوله ‏(‏وقال أبو عوانة عن عاصم‏)‏ هو ابن أبي النجود القارئ المشهور، ووجدت لأبي عوانة عن عاصم في المعنى سندا آخر أخرجه ابن أبي خيثمة عن عفان وأبي الوليد جميعا عن أبي عوانة عن عاصم عن شقيق عن عروة بن قيس عن خالد بن الوليد فذكر قصة فيها ‏"‏ فأولئك الأيام التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة أيام الهرج ‏"‏ وذكر فيه أن ‏"‏ الفتنة تدهش حتى ينظر الشخص هل يجد مكانا لم ينزل به فلا يجد ‏"‏ وقد وافقه على حديث ابن مسعود الأخير زائدة أخرجه الطبراني من طريقه عن عاصم عن شقيق عن عبد الله ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله ‏(‏أنه قال لعبد الله‏)‏ يعني ابن مسعود ‏(‏تعلم الأيام التي ذكر - إلى قوله - نحوه‏)‏ يريد نحو الحديث المذكور ‏"‏ بين يدي الساعة أيام الهرج ‏"‏ وقد رواه الطبراني من طريق زائدة عن عاصم مقتصرا على حديث ابن مسعود المرفوع دون القصة، ووقع عند أحمد وابن ماجه من رواية الحسن البصري عن أسيد بن المتشمس عن أبي موسى في المرفوع زيادة ‏"‏ قال رجل يا رسول الله إنا نقتل في العام الواحد من المشركين كذا وكذا فقال‏:‏ ليس بقتلكم المشركين، ولكن بقتل بعضكم بعضا ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله ‏(‏وقال ابن مسعود‏)‏ هو بالسند المذكور‏.‏

قوله ‏(‏من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء‏)‏ قال ابن بطال‏:‏ هذا وإن كان لفظه لفظ العموم فالمراد به الخصوص، ومعناه أن الساعة تقوم في الأكثر والأغلب على شرار الناس بدليل قوله ‏"‏ لا تزال طائفة من أمتي على الحق حتى تقوم الساعة ‏"‏ فدل هذا الخبر أن الساعة تقوم أيضا على قوم فضلاء‏.‏

قلت‏:‏ ولا يتعين ما قال، فقد جاء ما يؤيد العموم المذكور كقوله في حديث ابن مسعود أيضا رفعه ‏"‏ لا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ‏"‏ أخرجه مسلم، ولمسلم أيضا من حديث أبي هريرة رفعه ‏"‏ إن الله يبعث ريحا من اليمن ألين من الحرير فلا تدع أحدا في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته ‏"‏ وله في آخر حديث النواس بن سمعان الطويل في قصة الدجال وعيسى ويأجوج ومأجوج ‏"‏ إذ بعث الله ريحا طيبة فتقبض روح كل مؤمن ومسلم ويبقى شرار الناس يتهارجون تهارج الحمر فعليهم تقوم الساعة ‏"‏ وقد اختلفوا في المراد بقوله ‏"‏ يتهارجون ‏"‏ فقيل يتسافدون وقيل يتثاورون، والذي يظهر أنه هنا بمعنى يتقاتلون أو لأعم من ذلك؛ ويؤيد حمله على التقاتل حديث الباب، ولمسلم أيضا ‏"‏ لا تقوم الساعة على أحد يقول الله الله ‏"‏ وهو عند أحمد بلفظ ‏"‏ على أحد يقول لا إله إلا الله ‏"‏ والجمع بينه وبين حديث ‏"‏ لا تزال طائفة ‏"‏ حمل الغاية في حديث ‏"‏ لا تزال طائفة ‏"‏ على وقت هبوب الريح الطيبة التي تقبض روح كل مؤمن ومسلم فلا يبقى إلا الشرار فتهجم الساعة عليهم بغتة كما سيأتي بيانه بعد قليل‏.‏