فصل: ذكر أجزاء جزيرة العرب العلية التي هي من اليمن والحجاز مع حدود اليمامة وعروضها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صفة جزيرة العرب (نسخة منقحة)



.ذكر أجزاء جزيرة العرب العلية التي هي من اليمن والحجاز مع حدود اليمامة وعروضها:

قال أبو الحسن الخزاعي وكان يسكن بأرض نجد العليا وتوطن عروضها وخالط أهل السراة وسمع من الجميع صدراً من الأخبار القديمة قالوا: أصاب الناس أزمة شديدة مكثوا سنةً جرداء وسموها سنة الجمود لجمود الرياح فيها وانقطاع الأمطار وذهاب الماشية وهزالها وثبات الغلاء وقلة الأطعمة وتصرم المياه في الأودية والآبار، ويسمى مثل هذه السّنة الحطمة والأزمة واللّزبة والمجاعة والرّمد وكحل والقصر والشدّة والحاجز، فأقبل الناس بالضّجّة والعواء والتّضرع إلى بيت الله الحرام من أرض نجد واكناف الحجاز وارض تهامة والسروات يدعون الله عز وجل بالفرج لهم ويستسقون وكان في الوفد المستسقين من أهل نجد شاعر يقال له الحزازة العامري أنشد شعراً يذكر آلاء الله عز وجل فيه ورحمته التي كانت تشملهم وتشمل أرضهم بلدا بلدا وواديا واديا وجبل جبلا فقال:
ربّ ندعوك فاستجب فيك ** الدّهر عن الخلق تكشف الغمّاء

إنّ أيّوب حين ناداك لم يحجب ** لأيّوب ربّ عنك النّداء

مسّه الضّرّ فاستجبت له ** الدّعوة لّما به أضرّ البلاء

إنّ هذا الجمود للسّنة الشّهباء ** والمصمئلة الدّهياء

فأغثنا إلا هنا ولك ** الحمد بغيث تجره الأنواء

ينعش الناس في السوارج ** والوحش وتحي الجديدة الغبراء

فلكم ثمّ كم رأيت غيوثاً ** لك تقتادها الرياح الرخاء

سقي الشّحر فالمزون فما حا ** زت ذوّات القطيف فالأحساء

فاليماوات فالكلاب فبحرين ** فحزوى تميم فالوعساء

فالنمّاران فاللّوى من أثال ** فالعقيقان عليا فالجواء

فكثاب الدبيل فالحمرة ** العليا فقهر الوحاف والقوفاء

فعلى مأرب فنجران فالجو ** ف فصنعاء صبّة عزلاء

فقرى الحنو فالمناضج منها ** فسروم الكروم فالطرفاء

رويت فهي للنزول من الغيث ** عليها دجنّة خضراء

القيت للسحاب من أرض ** تثليث فأرض الهجيرة الأعياء

فالشّعيبات من يبنبم ** أحيين فأجزاعهنّ فالميثاء

أعشب الكور كور عامر تيم ** حيث هرجاب فالماذاء

واتلأبت سيول بيشة في ** أعراضها فهي لجة طخياء

وكأن النخيل من بطن ترج ** وهي حوم حنادس ظلماء

وبحوران للأوارك والضّين ** وفي خصب عثر ضوضاء

رويت قيعتا تبالة غيثاً ** فذوات الآصاد فالعبلاء

فقر يحاؤها فرنيّة قد سا ** ل فوادي كلاخها فالكراء

فعكاظ فذو المجاز مع الحر ** ة فالأبرقات فالجرداء

فخريداؤها مع الحضن ** المعروض فالقرن تلك والبوباء

وعلى ذات عرق فالسّي فالرّكبة منها الملثّة الوطفاء
وريت حرتا سليم وسالت ** شعب المعدنين فالأحماء

فضرياتها فيرقة ثهلا ** ن إلى حصنها استمال الرّعاء

سال في حاجز فأودية التّو ** ز سيول يضيق عنها الفضاء

فسميرا لها عباب وعلّت ** مثلها الثعليبة الورقاء

فالحماءان قرن نجد فرمّا ** ن الهبير فالدهناء

فربا يحمد فأجا وسلمى ** تغتبي في نصيبهنّ الظباء

شاكلت فيدها زبالة خصباً ** وكذاك الشقوق فالقرعاء

وسما الغيث حيث برقة شمّاً ** ء وحيث اللذيذ فالخلصاء

فمحياة فالصفاح فأعلى ** ذي فتاق فعاذب فالوفاء

فرياض القطا واودية الشر ** بب فالشّعبتان فالأبلاء

هذان البيتان الخيران مضمّنان وهما للحارث بن حلزة وهذه أسماء بلاد العرب والمناهل النجدية المعروفة المشهورة والمذكورة التي تحتلها العرب من أهل نجد وتقيم على مياهها ومراعيها بالظّعن والمواشي ذكرها الحزازة على الولاء فأحسن إحصاءها وأحكم نظامها قالوا: فسمع الوفد المستسقون من أهل تهامة وسرواتها هذا الشعر، وكان فيهم شاعر يقال له أبو الحياش الحجري من الحجر بن الهنو فسألوه أن يقول شعراً في مثل ما قال الحزازة فأنشأ أبو الحيّاش يقول:
ربّ ما خاب من دعك ولا يح ** جب يا ذا الجلال عنك الدّعاء

لم يخب للنّبيّ يعقوب ياذا ** العرش فيما دعا لديك الرّجاء

رب أنت الذي رددت عليه ** بصراً كان قد محاه البكاء

وابنه يوسف جمعت عليه ** بعد أن مسّ يرسف الضّراء

وحشة منه في الغيابة للج ** ب وفي السّحن حين طال الثواء

رحمة منك هب لنا إننا نح ** ن لك الله أعبد وإماء

إن هاتا لأزمة عمّت النا ** س ومستهم لها البأساء

ولكم ثم كم سقيت لنا الأرض غيوثاُ أتت بها الأنواء
سقيت حضر موت منها ** مع الأحقاف ريّاً وعلّت الأسعاء

طبقت بالسّيول أبين حتى ** لحجها وهي السماء سواء

تلكم أحور وتلك الدّثينا ** ت مع السرو جنّة خضراء

ولذ بحان فالمعافر فالسا ** حل من غورها ضباب عماء

فقرى شرعب مع الجند العل ** يا فما حازت الربادي وراء

فالسّحولان فالمذيخرة الغيناء علّت فحيسها القوراء
وأربّت تصوب فوق زبيد ** مثل ما صب في الحياض الدلاء

ولجبلان سال في رمع الطّم ** م وجادت على ذؤال السماء

وعلى سردد مسفّ من الجو ** د بسقياه أحيت الكدراء

وللعسانها فأرض طمام ** فلعيان ديمة هطّلاء

سقى الطود من حراز فمن هو ** زن غيثاً لهيدتيه الطّخاء

فقرى مور فالقريضة فالشّر ** جة فالواديا فالسلعاء

وادلهمّت على قرى حرض يو ** مين بالسّحّ مزنة سوداء

سقيت برهة قرى خلب منها ** فجازان تلك فالصّبياء

فقرى بيش، فالدويمات فالبر ** ك فحلي ممطورة غيناء

ومن الطود فالزقامات خضر ** رويت فالتّنومة الزّهّراء

فقرى الحجر جهوة الزّرع والضر ** ع فأشجانها الحنا فالجباء

فجبال السّراة فالفرع الوسطى ** حكين الجنان فالحيفاء

فالشّداو أن من سقامة فالمرحلة ** المرجحنّة النّجلاء

فقرى مغسل فأودية النهبيين ** فالوادي ذي النجّول العذاء

فالذّرى من سراة غامد فالنّم ** ر فأجبال دوسها طخياء

فقرى الدّراتين أرض على ّ ** سهلها والجبال منها الماء

فالشبابات فالمعادن فالطا ** ئف فالويل أرضهن سماءُ

فقنوها فارتضمت دوقة فالليث ** فعشم السرين فالسرائر

هذه أسماء بلاد العرب والمناهل والأودية التهامية والسروية المعروفة المشهورة المذكورة التي تحتلها العرب أهل تهامة وسرواتها باديها وحاصرها أبو الحيّاش الحجري فأحسن إحصاءها وجوّد وصفها في الشعر، قالوا وكان في المستسقين من أهل الحجاز شاعرّ يعرف بالعجلاني فقال له أصحابه الحجازيون: قل لنا شعراً نعارض به هذين الشاعرين وأذكر لنا في قولك شبه فأنشأ يقول:
رب إياك نحن ندعو ونرجو ** ولنا أنت ذا الجلال الرجاء

فاستجب ربنا فإنك لا ** يحجب للسائلين عنك الدعاء

إسقنا الغيث كي يفارقنا ** المحل له والسّنيهة اللأواء

رب إن الحجاز مذ كانت الأرض ** بلاد تدوم فيها الغلاء

غير أن الحجاز لم يك يخطي ** ها بمنهلة الغيوث السّماء

ينعش المرمل المعيل لدى ** الخصب وتحيى البهيمة العجماء

رب إنّ الحجاز أجحفها الأز ** ل فقد حل في ذويها الجلاء

رب إن السماء تضحي وتمسي ** فوقها وتي وردة حملاء

جمدت ريحها فلم ير فيها ** منذ حول سحابة هطلاء

ولكم قد رأيت يطمو على السّه ** ل مع الوعر في الحجاز الماء

من غيوث توابع لغيوث ** دالجات درت بها الأنواء

عل منها جبال مكة حتى ** هي مثل الرياض خضر رواء

شاكل الزّيمة المغمس ** والنّخلة فالموقفان فالبطحاء

فمداريجها يلملم فالعم ** ق فتلك السواحل إليهماء

فالفقّيان من خذارق فالفرش ** فهاتلك جدة القوراء

فجديدات فالحوائط فالبر ** قة تلك الغميمة السخماء

فالكراعان فالغميم مغيثا ** ت فعسفان تلك فالبرقاء

طبق الضاحيات من أمج الر ** يّ وأحيت قديدها الفيحاء

فالكليات فالستارة فالجح ** فة فالقدس كل فالأبواء

فالضواحي من بطن ودان فالجا ** ر فبدر يقين فالصفراء

رويت بالسيول سقياً وعلت ** مع تلك المغيثة الرّوحاء

سقيت ينبع فساحتها تل ** ك فتلك الضياع فالشعثاء

واتلأبت تصب من فوق رضوى ** فبواط دلوية وطفاء

رويت من بعاعها العيص فالر ** س سيولاً فالمروة البيضاء

وأرّبت تصب في الحجر والو ** دّ كما صب في الحياض الدلاء

رويت خيبر بها فيديع ** ديمة كان نوءها الجوزاء

أعشب القاع فالحدائق من يثر ** ب للغيث فالضّواحي الظماء

سقي اللاّبتان فالحرة الدّم ** يا فوادي العقيق فالحماء

فالخليعات فالسّيالة فالفر ** ع فتلك السّوائر الطّخياء

هذه أسماء الأشعث الجنبي يصف مفازة صيهد وكان مسلكها من وادي نجران:
هلاّ أرقت لبارق متهجّد ** برق تولع في حبّي منجد

برق يذكّرك الخريدة إنها ** علقت علائقها طوال المسند

علقت علائقها فما إن بعدها ** عندي بناقصها إذا لم لازدد

فلقد ذكرتك ثم راجعت الهوى ** يوم الشرى ودعوت ألاّ تبعدي

وعشية قبل الطّريق يمانيا ** حلّ العرائس صادراً من مذود

حزأت حوازي في حساتي أن أرى ** ما كنت أوعد من مفازة صيهد

فإذا مفازة صيهد بتنوفة ** تيه تظل رياحها لا تهتدي

وتظلّ كدر من قطاها ولًها ** وتروح من دون المياه وتغتدي

بلد تخال بها الغراب إذا بدا ** ملكاً يسربل في الرّياط ويرتدي

فسألت حين تغيبت أعلامنا ** من حضرموت أيّ نجم نفتدي

قالوا المجرة أو سهيلا بادياً ** ثم اهتدوا بقفولهم بالفرقد

تتجشع الأهوال نبغي عامراً ** متحزِّنين عليه إن لم يوجد

وقال الحارث بن حلِّزة يذكر مواضع من محالهم ومحال حلالهم:
آذنتنا بينها أسماء ** ربَّ ثاو يملُّ منه الثَّواء

بعد عهد لنا ببرقة شمَّا ** ء فأدنى ديارها الخلصاء

فنحياة فالصفاح فأعنا ** ق فتاق فعاذب فالوفاء

لا أرى من عهدتُّ فيها ** فأبكي اليوم دلهاًوما يردُّ البكاء

وبعينيك أوقدت هند النَّا ** ر أخيراً تلوي بها العلياء

أوقدتها بين العقيق فشخصي ** ن بعود كما يلوح الضَّياء

فتنورت نارها من بعيد ** بخزازى هيهات منك الصلاء

خزازى جبل في نجد، وعقيق وشخصان مكانان. وقد جمع الأعشى في بيتين من الشعر أمكنة من محالهم فقال:
حلَّ أهلى بطن الغميس فبادو ** لي وحلَّت علويَّة بالسِّهال

ترتعى السَّفح فالكثيب فذاقا ** ر فروض القطافذات الرِّئال

وقال علقمة بن زيد بن بشراخو بني صحار بن خولان بن عمرو بن الحاف بن قضاعة يطلب المدد على هوازن وبني سليم ووصف البلاد التي سلكها من بلده إلى صعدة ثم من صعدة إلى صنعاء في وسط بلد همدان:
سقى طللاً بالجلهتين رعود ** وغرُّ سوار سيلهنَّ مجود

منازل من أم الحصين عهدتها ** تقادم منها العد وهو جديد

وفدما أراها وهي جامعة الهوى ** ينوس بها عصر الصِّبا ويرود

تقول التي من بيتها شخصت بنا ** كائب أمثال العطائف جود

أراك طويت الكشح هجراً على التي ** كلفت بها والقلب منك عميد

فقلت لها: إني أؤمَّل رحلة ** إلى ملك محض نمته جدود

إليك ابن ذي التاجين سرنا ركائباً ** موقعة كأنهنَّ جنود

إذا انبعثت غادرن للسبع سنة ** قرى وقراهنَّ البلاد وخيد

إلى طلق لم يعقد اللؤم كفَّه ** وما زنده في المكرمات صلود

نماه إلى العلياء نفس أبية ** وبأس غداة البأس منه وجود

فلما بطنا السهل من تحت بهتر ** وأسفر من ضوء الصباح عمود

سلكنا بهنَّ السهل سهل سحامة ** لها ذمل من تحتنا وسميد

تداهى بنا مثل السعالي فجافج ** وذو خفقة فوق القتود يميدُ

طوين جميل الخانقين بسحرة ** ومرت بماء الحبط وهي تهود

وقد ودعت هضبي ثقيف مع العما ** بأوسط لبل والعباد هجود

تعدَّت على ماء العميش وقد بدا ** من الظل ميَّاح الجناح ركود

إلى ملك يعطي البرية ما له ** وقال لهم: عودوا فسوف أعود

فلم تعدى الركب سارت نواعج ** سواء عليها سبسب ونجود

إذا مسحت أخفافها الأرض في الخطا ** ظننت أكفّا تحتهن خدود

تعالى إلى باب امرء ذي مركب ** تكامل فيه العقل وهو وليد

أقبُّ طويل الباع من بيت أسلم ** صبورعلى رزء الزمان جليد

ترامت ببوبان بأول ليلها ** وماء أثاف والعريب رقود

فصبَّحهن ذاقين وكبر وفدنا ** وقد قابلتنا أنجم وسعود

تؤم فتى من خير من حملت به ** كرائم ذهل والمجيد مجيد

خولان تقول: اسم ذي يزن الأكبر ذهل وحمير تقول: عامر.
تكامل فيه منصب لم يلت به ** وملك نماه طارف وتليد

ومد إليه يوم غيمان إذ دعا ** من أبناء عمرو أشبل وأسود

ومالت إلى ركني عجيب ركابنا ** يقلّبها خفض له وصعود

يؤملن نصراً منك ياخير سيد ** وأنت وصول للقريب ودود

وحام لسرح الجار عن بعد داره ** لخوفك عنها حيث كان حيود

تحامين أحمى من عداة أقرَّها ** فوارس قيس والمفر يذود

فلما أستوينا رأس طود منفنف ** عبطنا وبطن القاع منه بعيد

إلى الغولة الفيحاء تهوي بفتية ** أصرَّبهم منا سرى وسهود

وقد فارقت داري جماع وأهلها ** إليك وفيها ثروة وعديد

ودار أطاف الكرم والزرع حولها ** وما بينها أطم تنيف مشيد

ومالت إلى أجزاع حيفة ضمَّرا ** شوازب في تسيارهن وئيد

فلما رأينا من أزال قصورها ** تبادر من مخبر وبريد

ولم نر إلا مردف الأرض رحلة ** لأعظامها داراً ونحن حفود

أبا المنذر الفياض يا خير حمير ** وخير بني ذهل إليك تريد

تريد نوالا من سجال غزيرة ** فأنت لها في النائبات مفيد

شوازب قد تطوى نقيلا وسبسباً ** وروحا بليل قرُّهنَّ شديد

وقطعن تيه الأرض من دمنتي دفا ** إليك وقد تعطي المنى وتزيد

صرفت إليك القوم تدمي كلومهم ** ليدمل قرح منهم ولهود

ويرتاش قدح منهم ذو تمرط ** ويفتاق يوما منك وهو سديد

ونصدر منك بالتي تترك العدى ** عباديد منهم خائف وشريد

لعمرك ما أدلي بغير مودَّتي ** ومالي سوى ما قد علمت شهود

وقال طرفة فجمع طرفا من بلد مذحج في بيت:
أتعرف رسم الدار قفرا منازله ** كجفن اليماني زخرف الوشي ماثله

بتثليث أو نجران أو حيث تلتقي ** من النجد في قيعان جاش مسايلة

وقد جمع لبيد كثيراً من نجد والحجاز في قصيدته الكبرى فقال:
عفت الديار محلها فمقامها ** بمنى لأبَّد غولها فرجامها

منى منون موضوع قريب من طخفة بالحمى في بلاد غني، ومنى مكة غير منون وأخذ من منى الأديم وهو عطنة وفي الخبر أن آدم عليه السلام تمنى رؤية حوَّاء بمنى فسميت منى بذلك وأقبلت من جدة فتعارفا بعرفات، والرجمة والرجمات والرجام أجبل تكون في القاع صغار كالهضبات اللطاف والغول والوغل والغولة واحد وهي ما انحنى من الأرض.
دمن تجرم بعد عهد انيسها ** حجج خلون حلالها وحرامها

حفزت وزايلها السراب كأنها ** أجزاع بيشة أثلها ورضامها

مرَّية حلت بفيد وجاورت ** أهل الحجازفأين منك مرامها

بمشارق الجبلين أو بمحجر ** فتضمنتها فردة فرخامها

مواضع بني أسد وغني.
فصوائق أن أيمت فمظنة ** منها وحاف القهر أو طلخامها

بأحزة الثلبوت يربأ فوقها ** قفر المراقب خوفها آرامها

علهت تبلَّد في نهاء صعائد ** سبعا تؤاما كاملا أيامها

ويروي: في شقائق عالج، الشقيقة أرض تشق بين رملين، ومنها:
غلب تشذَّر بالذُّحول كأنها ** جن البديِّ رواسيا أقدامها

البَّدي موضع ينسب إليه كثرة الجن ولا يكاد يعرف، كما يقال جنّ عبقر وجن ذي سمار، وذو سمار موضع معروف، ويقولون غول الرَّبضات موضع معروف بنجد، وجن وبار وهي أرض كانت بها أمم من العرب العاربة ولم ألق من يعرفها، وتشذر شبههابالناقة إذا تشذّرت وهو أن تزلئمَّ إذا همزت عاقداً لذنبها ناضخة ببولها.
وقال أبو داود فذكر عدة مواضع من محال إياد:
أوحشت من سروب قومي تعار ** فأروم فشابة فالستار

بعدما كان سرب قومي حينا ** لهم النخل كلها والبحار

فإلى الدور فالمرورات منهم ** فحفير فناعم فالديار

فقد أمست ديارهم بطن فلج ** ومصيراً لصيفهم تعشار

الدور جوب تنجاب في الرمل وبفلج يريد بها أحبل رمل، وقال أيضاً:
أقفر الدير والأجارع من قو ** مي فغرق فرامح فخفيَّة

فتلاع الملا إلى جرف سندا ** د فقوٌّ، إلى نعاف طميَّه

قال العجاج في الدور وهو يصف ثوراً:
من الدبيل باسطا للدُّور ** يركب كل عاقر جمهور

وقال زهير يذكر ثمانية مواضع:
شج السقاة على ناجودها شبما ** من ماء لينة لاطرقا ولا رنقاً

مازلت أرمقهم حتى إذا هبطت ** أيدي الركاب بهم من راكس فلقاً

دانية لشرورى أوقفا أدم ** يسعى الحداة إلى آثارهم حزقا

ومنها أيضاً:
فسار منها على شيم يؤمُّ بها ** جنبي عماية فالركاء فالعمقا

أدم هذا جبل بالحجاز وأدم جبل باليمن، والدِّمّ والدوم باليمن وقال يذكر غيرها:
ضحوا قليلاً على كثبان أسنمة ** ومنهم بالقسوميات معترك

ثم استمروا وقالوا إن مشربكم ** ماء بشرقيّ سلمى فيد أو ركك

وقال الأعشي:
وطوفت للمال آفاقها ** عمان وحمص فأوري شلم

أتيت النجاشي في داره ** وأرض النبيط وأرض العجم

فنجران فالسَّرو من حمير ** فأيُّ مرام له لم أرم

ومن بعد ذاك إلى حضرموت ** فأوفيت همِّي وحينا أهم

أوري شلم هو إيلياء وقال الأعشى أيضاً:
ألم ترني جوّلت ما بين مأرب ** إلى عدن فالشَّأم والشأم عاند

وذا فائش قد زرته في ممنِّع ** من النيق فيه للوعول موارد

ببعدان أو ريمان أو راس سلية ** شفاء لمن يشكو السمائم بارد

وبالقصر من أرياب لو بتَّ ليلو ** لجاءك مثلوج من الماء جامد

ونادمت فهداً بالمعافر حقبة ** وفهد سماح لم تشبه المواعد

وقيساّ بأعلى حضرموت انتجعته ** فنعم أبو الأضياف والليل راكد

وقال طرفة ويقال للخرنق:
عفا من آل ليلى السه ** ب فالأملاح فالغمر

فعرق فالرماح فالّ ** لوى من أهله قفر

وأبليُّ إلى الغرَّا ** ء فالماوان فالحجر

فأمواه الدنا فالنج ** د فالصحراء فالنسر

فلاة ترتعيها العي ** ن فالظَّلمان فالعفر

وقال أبو داود يصف غيثاً:
وغيث توسّن منه الريا ** ح جونا عشارا وعونا ثقالا

إذا كركرته رياح الجنو ** ب ألقحن منه عجافا حيالا

وإن راح ينهض نهض الكسي ** ر جأجأه الماء حتى أسالا

فحل بذي سلع بركه ** تخال البوارق فيه الذبالا

فروى الضرافة من لعلع ** يسح سجالا ويفري سجالا

تخال مكاكيَّة بالضحى ** حلال الدقاري شربا ثمالا

وقال امرؤ القيس وذكر عشرة مواضع من أرض البحرين:
غشيت ديار الحي بالبكرات ** فعارمة فبرقة العيرات

فغول فحليت فنفء فمنعج ** إلى عاقل فالجب ذي الأمرات

وقال وذكر عشرة مواضع من أرض البحرين:
لمن الديار عرفتها بسحام ** فعمامتين فهضب ذي إقدام

فصفا الأطيط فصاحتين فعاسم ** تمشي النعام بها مع الآرام

أفما ترى أظعانهن بعاقل ** كالنخل من شوكان حين صرام

وقال أيضاً:
عفا شطب من أهله فغرور ** فموبولة إنَّ الديار تدور

فجزع محيّاة كأن لم تقم به ** سلامة حولا كاملا وقذور

وقال ذو الرمة:
تمر لنا الأيام ما لمحت لنا ** بصيرة عين من سوانا إلى شفر

تقضين من أعراف لبن وغمرة ** فلما تعرفن اليمامة عن عفر

تزاورن عن قران عمداً ومن به ** من الناس وازورت سراهم عن حجر

وأصبحن بالحومان يجعلن وجهة ** لأعناقهنّ الجدي أو مطلع الفجر

فصمَّمن في دوية الدو بعدما ** لقين التي بعد اللتيا من الضمر

وأصبحن يعدلن الكواضم يمنة ** وقد قلقت أجوازهن من الصَّفر

أقول وشعر والعرائس بيننا ** وسمر الذرى من هضب ناصفة الحمر

إذا ذكر الأقوام فاذكر بمدحة ** بلالا أخاك الأشعري أبا عمرو

ولكثيِّر:
قنابل خيل ما تزال مظلمة ** عليهم عملوا كل يوم قتالها

دوافع بالروحاء طوراً وتارة ** مخارم رضوى خبتها فرمالها

يقبلن بالبزواء والجيش واقف ** مزاد الروايا يصطببن فضالها

وقد قابلت منها ثرى مستجيزة ** مباضع من وجه الثرى فثغالها

وخيل بعانات فسنّ سميرة ** له لا يردّ الذائدون نهالها

ثرى أسفل وادي الجيِّ، وقال:
عفا ميث كلفى بعدنا فالأجاول ** فأثماد حسنى فالبراق القوابل

كأن لم تكن سعدى بأعناء غيقة ** ولم تر من سعدى بهن منازل

ولم تتربع بالسرير ولم يكن ** له الصَّيف خيمات العذيب الظلائل

إليك ابن ليلى تمتطي العيس صحبتي ** ترامي بنا من مبركين المناقل

تخلل أحوار الخبيب كأنها ** قطاً قازب أعداد حلوان ناهل

وأنت أبو شبلين شاك سلاحه ** خفية منه مألف فالغياطل

له بجنوب القادسية فالشرى ** مواطن لا يمشي بهن الأراجل

وقال وذكر كثيراً ما بين مكة ويثرب من المواضع:
ياخليلي الغداة إن دموعي ** سبقت لمح طرفها بانهمال

قم تأمل وأنت أبصر مني ** هل ترى بالغميم من أجمال

قاضيات لبانة من مناخ ** وطواف وموقف بالجبال

تقول العرب وقفنا بالجبال فنعرف أنهم أرادوا عرفة:
حزيت لي بحزم فيدة تخدي ** كاليهودي من نطاة الرقال

قلن عسفان ثم رحن سراعا ** طالعات عشيَّة من غزال

قارضات الكديد مجتزعات ** كلَّ وادي الجحوف بالأثقال

قصد لفت وهن متسقات ** كالعدوليّ لاحقات التَّوالي

حين ورَّكن دوَّة بيمين ** وسرير البضيع ذات الشمال

جزن وادي المياه محتضرات ** مدرج العرج سالكات الخلال

والعبيلاء منهم بيسار ** وتركن العقيق ذات النصال

طالعات الغميس من عن عبود ** ساكات الخويّ من أملال

وقال أيضاً:
وما ذكره تربي خصيلة بعدما ** ظعن بأجوز المراض فتغلم

فأصبحن باللَّعباء يرمين بالحصى ** مدى كلِّ وحشيّ لهنَّ ومستمي

موازية هضب المضيَّح واتَّقت ** جبال الحمى والأخشبين بأخرم

إليك تبارى بعد ما قلت قد بدت ** جبال الشَّبا أو نكَّبت هضب تريم

بنا العيس تجتاب الفلاة كأنها ** قطا الكدر أمسى قارباً جفر ضمضم

تشكَّى بأعلى ذي جراول موهناً ** مناسم منها تخضب المرو بالدَّم

تبوق العتاق الحميرية صحبتي ** بأعيس نهَّاض على الأين مرجم

كأن المطايا تتَّقي من زبانة ** مناكب ركن من نضاد ململم

تعالى وقد نكبن أعلام عابد ** بأركانها اليسرى هضاب المقطم

وقال يصف الغيث على كثير من الحجاز:
سقى أمَّ كلَّثوم على نأي دارها ** ونسوتها جون الحناتم باكر

أحمُّ رجوف مستهل ربابه ** له فرق مسحنفرات صوادر

تصعَّد في الأحناء ذو عجرفيَّة ** أحم حبركي مرجف متماطر

وأعرض من ذهبان مغرورق الذرى ** تربَّع منه بالِّنطاف الحواجر

وذهبان برحبة صنعاء.
أقام على جمدان يوماً وليلة ** فجمدان منه ماثل متقاصر

وعرَّس بالسكران يومين وارتكى ** وجرَّ كما جرَّ المكيث المسافر

بذي هيدب جون تنجزه الصبا ** وتدفعه دفع الطلا وهو حاسر

وسيًِل أكناف المرابد غدوة ** وسيَّل منه ضاحك والعواقر

ومنه بصحر المحو زرق غمامه ** له سبل وأقور منه الغفائر

وطبق من نحو النجيل كأنه ** بيليل لما خلف النخل ذامر

ومر فأروى ينبعا فجنوبه ** وقد جيد منه جيدة فعباثر

له شعب منها يمان وريق ** شآم ونجدي وآخر غائر

فلمَّا دنا للاَّبتين تقوده ** جوافل دهم بالرباب عواجر

رسا بين سلع والعقيق وفارع ** إلى أحد للمزن فيه غشامر

باسحم زحَّاف كأن ارتجازه ** توعد أجمال لهن قراقر

فأمسى يسح الماء فوق وعيرة ** له باللوى والواديين حوائر

فأقلع عن عش وأصبح مزنة ** أفاق وآفاق السماء حواسر

فكل مسيل من تهامة طيب ** تسيل به مسلنطحات دعاثر

تقلع عمريّ العضاة كأنها ** بأجوازه أسد لهنَّ تزاؤر

يغادر صرعى من أراك وتنضب ** وزرقا بأثباج البحار يغادر

وكل مسيل غارت الشّمس فوقه ** سقيُّ الثريا بينه متجاور

وما أم خشف بالعلاية شادن ** أطاع له بان من المرد ناضر

ترعَّى به البردين ثم مقيلها ** ذرى سلم تأوي إليها الجاذر

بأحسن من أم الحريرث سنَّة ** عشية دمعي مسبل متبادر

وقال أيضاً:
كأن حدائج أظعانها ** بغيقة لما هبطن البراثا

نواعم غرُّ على ميثب ** عظام الجذوع أحلت بعاثا

كدهم الركاب بأثقالها ** غدت من سماهيج أو من جواثا

إذا حل أهلي بالأبرقي ** ن أبرق ذي جدد أو دءاثا

وجاءت سجيفة من أرضها ** روابي ينبتن حفرى دماثا

جواثا من البحرين ودءاثا بتهامة وقال عبيد:
أقفر من أهله ملحوب ** فالقطّبيَّات فالذُّنوب

فراكس فثعبيات ** فذات فرقين فالقليب

فعردة فقفا حبر ** فليس من أهله عريب

وقال امرؤ القيس:
أصاح ترى برقا أريك وميضه ** كلمع اليدين في حبيِّ مكلِّل

يضيء سناه أو مصابيح راهب ** أمال السليط بالذُّبال المفتّل

قعدت له وصحبتي بين ضارج ** وبين العذيب بعد ما متأمَّل

علا قطنا بالشيم أيمن صوبه ** وأيسره على الستار فيذبل

فأضحى يسحّ الماء فوق كتيفة ** يكب على الأذقان دوح الكنهبل

ومر على القنان من نفيانه ** فأنزل منه العصم من كل منزل

وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ** ولا أجماً إلا مشيداً يجندل

كأن ثبيراً في عرانين وبله ** كبير أناس في بجاد مزمل

كأن ذرى رأس المجيمر غدوه ** من السَّيل والغثاء فلكة مغزل

والقى بصحراء الغبيط بعاعه ** نزول اليماني ذي العياب المحمل

وقال في مثله:
قعدت له وصحبتي بين ضارج ** وبين تلاع يثلث فالعريض

أصاب قطيَّات فسال اللولى له ** فوادي البديّ فانتهى ليريض

وقال الأعشى يصف عارضاً:
فقلت للشَّرب في درنا وقد ثملوا ** شيموا وكيف يشيم الشارب الثمل

برقا يضيء على الأجزاع مسقطه ** وبالحبيَّة منه عارض يئل

قالوا نمار فنجد الخال جادهما ** فالعسجدية فالأبواء فالرِّجل

فالسفح يجري فخنزير فبرقته ** حتى تدافع منه الربو والحبل

ثمّت تحمل منه الماء تكلفه ** ورض القطا فكثيب الغينة السَّهل

وقال الشماخ يصف موارد الحمير:
وظلت بأعراف كان عيونها ** إلى الشمس هل تدنو ركي نواكز

ويممها في بطن غاب وحائر ** ومن دونها من رحرحان المفاوز

عليها الدجى الستنشئات كأنها ** هوادج مشدود عليها الجزائز

تعادي إذا استذكى عليها وتتقي ** كما يتقي الفحل المخاض الجوامز

فمر بها فوق الحبيل فجاوزت ** عشاء وما كادت بشرف تجاوز

وهمت بورد القتَّتين فصدَّها ** مضيق الكراع والقنان المواهز

وصدت صدوداً عن وديعة عثلب ** ولا بني عياذ في الصدور حزائر

وحلأها عن ذي الأراكة عامر ** أخو الخضر يرمي حيث ترمى النواحز

وقال شبيب بن البرصاء:
لمن الديار غشيتها بسنام ** فالأبرقين فصوَّة الأرجام

فالسيكران إلى دجوج كأنها ** ورق المصاحف خط بالأقلام

كلبيّة قذف المحل ديارها ** حرمات جوش وساحة الإسلام

وقال المتلمِّس:
ألك السدير وبارق ** ومبايض ولك الخورنق

والقصر من سنداد ذو ** الكعبات والنخل المنبَّق

والغمروالإحساء واللذات ** من صاع وديسق

والقادسية كلها ** والجوف من عان وطلق

وقال القطامي يصف غيثا على مواضع:
أرقت ومعرضات البرق دوني ** لبرق بات يستعر استعارا

تواضع بالسحاسح من منيم ** وجاد العين وافترش الغمارا

وبات يحط من جبلى نوار ** غوارب سيله قلعا كبارا

يسح ويغرق النّجوات منه ** ويبعث عن مرابضها الصوارا

يصطاد الئال إذا علاها ** وإن أمعنّ من فزع فرارا

وحبل من حبالة مستجد ** أبنت لأهله إلا إدِّكارا

يطالعني بدومة يا لقومي ** إذا ماقلت قد نهض استحارا

وقال زهير:
لمن طلل كالوحي عاف منازله ** عفا الرس منه فالرسيس فعاقله

فرقد فصارت فأكناف منعج ** فشرقي سلمى حوضه فأجاوله

فوادي البديّ، فالطّوي فثادق ** فوادي القنان جزعه فأفاكله

وقال زهير أيضاً:
ضحوا قليلا على كثبان أسنمة ** ومنهم بالقسوميّات معترك

ثم استمروا وقالوا إن مشربكم ** ماء بشرقيِّ سلمى فيد أوركك

وقال الأسود بن يعفر:
أهل الخورنق والسدير وبارق ** والقصر ذي الشرفات من سنداد

نزلوا بأنقرة يسيل عليهم ** ماء الفرات يسيل من أطواد

أرض تخيّرها لطيب مقيلها ** كعب بن مامة وابن أمِّ دؤاد

وقال المثقب:
لم ظعن تطالع من صبيب ** فما وردت من الوادي لحين

مررن على شراف فذات رجل ** ونكَّبن الذرانح باليمين

وهن كذاك يوم قطعن فلجا ** كان حمولهن على سفين

وقال ابن مقروم:
تجانف عن شرائع بطن عمرو ** وجدَّبه عن السِّيف الكراع

فأقرب مورد من حيث راحا ** أثال أو غمازة أو نطاع

وقال عبد بني الحسحاس يصف غيثاً:
يضيء سناه الهضب هضب متالع ** وحبَّ بذاك البرق لو كان عاليا

نعمت به بالا وأيقنت أنّه ** يحط الوعول والصَّخور الرواسيا

وما حركته الريح حتى حسبته ** بحرة ليلى أو بنخلة ثاويا

فمر على الأنهاء فالتج مزنه ** فعق طويلاً يسكب الماء ساجيا

ركاما يسح الماء من كل فيقة ** وغادر بالقيعان رنقاً وصافيا

ومر على الأجبال أجبال طيِّئ ** كما سقت منكوب الدَّوابر حافيا

أجش هزيم سيله مع ودقه ** ترى خشب الغلاَّن فيه طوافيا

له فرق منه يحلِّقن حوله ** يفقِّئن بالميث الدَّماث السَّوابيا

فلما تدلى للجبال وأهلها ** وأهل الفرات جاوز البحر ماضيا

بكى شجوه فاغتاظ حتى ظننته ** من الهزم لمّا جلجل الرّعد حاديا

فأصبحت الثيران غرقى فأصبحت ** نساء تميم يلتقطن الصَّياصيا

وقال أبوذؤيب يصف غيثا:
سقى أمَّ عمرو كلَّ آخر ليلة ** حناتم سود ماؤهنَّ ثجيج

شربن ببحر الرُّوم ثم تنصّبت ** ذرى فردات رعدهيّ نتيج

إذا حن يوما واستوى فوق بلدة ** تولى واثباج الحقول تموج

يضيء سناه ريقاً متكشفا ** أغر كمصباح اليهود خلوج

كما نور المصباح للعجم أمرهم ** بعيد رقاد النائمين عريج

أرقت له ذات العشاء كأنه ** مخاريق يدعى تحتهن خريج

تكركره نجديَّة وتمدُّد ** مسفسفة فوق التراب دروج

له هيدب يعلو الإكام وهيدب ** مسفُّ بأذناب التلاع خليج

علاجيمة غرقى رواء كأنها ** قيان شروب رجعهن نشيج

كأن ثقال المزن بين تضارع ** وشابة برك من جذام لبيج

لكل مسيل من تهامة بعدما ** تقطع أقران السحاب عجيج

وقال ساعدة بن جؤية يصف مطرا:
فسقاك ذو حمل كأن وميضه ** غاب تشيمه حريق مثقب

ساج تجرم في البضيع ثمانيا ** يلوي يعيقات البحار ويجنب

حتى ترى عمقا ورجَّع فوقه ** رعد كما هدر الفنيق المصعب

لمارأى نعمان حل بكرفيء ** فئة كما لبخ النزول الأركب

فالسِّدر مختلج فأنزل طافياً ** ما بين عين إلى نباتا الأثأب

والدوم من سعيا وحلية منزل ** والدوم جاء به الشجون فعليب

م انتمى بصرى وأصبح جالساً ** منه لنجد طابق متغرِّب

وقال ابن الرقاع يصف غيثا:
وصاحب غير نكس قد نشأت به ** من نومه وهو فيه ممهد أنق

فقمت أخبره بالغيث لم أره ** والبرق إذبال محرور له أرق

مزن تسبَّح في ريح شآمية ** مكلل بعماء الماء منتطق

ثم اكفهر شريقي اللوى وأوى ** إلى تواليه من سفاره رفق

تربص الليل حتى قل سائمه ** على الرُّويشدأو خرجائه يدق

حتى إذاالمنظر الغربي جاردها ** من حمرة الشمس لما اغتالها الأفق

ألقى على ذات أجفار كلاكله ** وشبّ نيرانه وانجاب يأتلق

وقال أيضاً:
ياشوق مابك يوم بان حدوجها ** من ذي المويقع غدوة فرآها

وكأن نخلا من مطيطة ثاويا ** بالكمع بين قرارها وحجاها

فوق الجمال إذا دنين لسابق ** أنزلن آخر ريِّحا فحداها

وجعلن محمل ذي السلاح مجنة ** نهي اليتيمة وافترشن لواها

وصرفن من وادي أتيدة بعد ما ** بدت الخميلة فاحزأل صواها

قرية حبل المقيظ وأهلها ** بحسى مآب ترى قصور قراها

واحتل أهلك ذا القتود وعروا ** فالصّحصحان فأين منك نواها

وقال أيضاً:
فقلت لها كيف اهتديت ودوننا ** دلوك وأشراف الجبال الظواهر

وجيحان جيحان الجيوش والس ** وحزم خزازي والشعوب القواسر

وقال ابن مقبل يصف غيثاً:
تأمل خليلي هل ترى ضوء بارق ** يمان مرته ريح نجد ففتراً

مرته الصَّبا بالغور غور تهامة ** فلما ونت عنه بشعفين أمطرا

يمانية تمري الرباب كأنه ** رئال نعام بيضه قد تكسرَّا

وطبّق لبوان القبائل بعدما ** كسى الوزن من صفوان صفواً وأكدرا

فأمسى يحطّ المعصمات حبيُّه ** وأصبح زيَّاف الغمامة أقمرا

كأن به بين الطراة ورهوة ** وناصفة السوبان غابا مسعّرا

فغادر ملحوبا تمشَّىضبابه ** عباهيل لم يترك لها السيل محجرا

أقام بشطآن الركاء وراكس ** إذا غرق ابن الماء في الوبل بربرا

أناخ برمل الكومخين إناخة ال ** يماني قلاصاً حطّ عنهن أكورا

في هذه مما ذكرته العرب من أوطانها كفاية، فمن أحب أن يستقصي فيه فليتبع صفات العرب لمواقع الغيث وموارد حمير الوحش، فهذان الفنان يجمعان أكثر مياه العرب وأوطانها ولا نعلم أحداً وصف من جزيرة العرب مسافة أربعة وعشرين يوماً بشعر طبعي ونشر بصفة الإبل والفلوات سوى أحمد بن عيسى الرّداعي رحمه الله من خولان العالية، وكان يسكن برادع من أرض اليمن ومنها وصف البلاد إلى مكة على محجة صنعاء في أرض نجد العليا، وقد سمعت لرجل من البصريين شيئاً في صفة طريق البصرة غير مرتضى بل ضعيفا، وكان أبو يوسف ابن أبي فضالة الأبناري جد أبي يوسف الذي كان في زمن محمد بن يعفر قال في محجة صنعاء شعراً أرجوزة ضعيفة فاهتجرت وأذيلت حتى درست وفقد من ينشدها غير الأبيات التي لا قوة بها ولا طبع، وكان كثير من أهل صنعاء لا سيما الأبناء قد غيروا في قصيدة الرداعي أشياء، نفاسة وحسدا فلم يكن بصنعاء له نسخة على الإستواء، فلم أزل ألتمس صحتها حتى سمعتها من أحمد بن محمد بن عبيد من بني ليف من الفرس، وكان لا يدخل في عصبية ولا يلت أحداً حقه، وكان آل ليف فرقتين فرقة تسكن برواع وفرقة بصنعاء، فقال لي: روانيها أحمد بن عيسى برداع عشرة أبيات، عشرة أبيات حتى حفظتها وأنا حدث فلن تزل عني وهي على ما سمعت بجميع لغاته إلا ما كان منها معيباً من جهة الاضطرار ولا فائدة فيه فقد ثقفته واصلحته، وفسرت منها ما لم يسقط إلى العامة لغته وهذه الأرجوزة فردة في فنها إلا أن يقفوها قاف مجيد وشاعر مفلق وقد كان له سواها شعر لا بأس به: