فصل: باب الجنايات

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار ***


باب الجنايات

لما فرغ من ذكر أقسام المحرمين وأحكامهم شرع في بيان عوارضهم باعتبار الإحرام والحرم من الجنايات والفوات والإحصار‏.‏ وقدم الجنايات لأن الأداء القاصر أفضل من العدم وهي ما تجنيه من شر‏.‏ تسمية بالمصدر من جنى عليه جناية، وهو عام إلا أنه خص بما يحرم من الفعل، وأصله من جني الثمر‏:‏ وهو أخذه من الشجر كما في المغرب، والمراد هنا خاص منه وهو ما ذكره الشارح، وجمعها باعتبار أنواعها نهر ‏(‏قوله بسبب الإحرام أو الحرم‏)‏ حاصل الأول سبعة نظمها الشيخ قطب الدين بقوله‏:‏ محرم الإحرام يا من يدري إزالة الشعر وقص الظفر واللبس والوطء مع الدواعي والطيب والدهن وصيد البر زاد في البحر ثامنا وهو ترك واجب من واجبات الحج، فلو قال‏.‏ محرم الإحرام ترك واجب‏.‏ إلخ كان أحسن‏.‏ وحاصل الثاني التعرض لصيد الحرم وشجره‏.‏ وقال في البحر‏:‏ وخرج بقوله بسبب إلخ ذكر الجماع بحضرة النساء لأنه منهي عنه مطلقا فلا يوجب الدم‏.‏ وقال ط‏:‏ وفيه أن ذكره إنما نهي عنه مطلقا بحضرة من لا يجوز قربانه، أما الحلائل فلا يمنع منه إلا المحرم وهو داخل فيما تكون حرمته بسبب الإحرام وإن كان لا يجب عليه شيء ‏(‏قوله وقد يجب بها دمان‏)‏ كجناية القارن والمتمتع الذي ساق الهدي بعد أن تلبس بإحرام الحج ط ‏(‏قوله أو دم‏)‏ كأكثر جنايات المفرد ‏(‏قوله أو صوم أو صدقة‏)‏ أو فيها للتخيير، وذلك فيما إذا جنى على الصيد أو تطيب أو لبس أو حلق بعذر، فيخير بين الذبح والتصدق والصيام على ما سيأتي، أو أن الثانية فقط للتخيير فيخير بين الصوم والصدقة في نحو ما لو قتل عصفورا‏.‏ وفي الهداية‏:‏ وكل صدقة في الإحرام غير مقدرة فهي نصف صاع من بر إلا ما يجب بقتل القملة والجرادة ا هـ‏.‏ زاد الشراح أو بإزالة شعرات قليلة، لكن أراد بالصدقة هنا الأعم بدليل قوله في شرح الملتقى أو صدقة ولو ربع صاع بقتل حمامة أو ثمرة بقتل جرادة ‏(‏قوله ففصلها‏)‏ أي فلما اختلفت أنواعها فصلها ط فالفاء تفريعية ‏(‏قوله الواجب دم‏)‏ فسره ابن مالك بالشاة، وأشار في البحر إلى سره بقوله إن سبع البدنة لا يكفي في هذا الباب، بخلاف دم الشكر، لكن قال بعده فيما لو أفسد حجه بجماع في أحد السبيلين أنه يقوم الشرك في البدنة مقام الشاة فليتأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ شرنبلالية‏.‏ قلت‏:‏ وفي أضحية القهستاني‏:‏ لو ذبح سبعة عن أضحية ومتعة وقران وإحصار وجزاء الصيد أو الحلق والعقيقة والتطوع فإنه يصح في ظاهر الأصول‏.‏ وعن أبي يوسف الأفضل أن تكون من جنس واحد، فلو كانوا متفرقين وكل واحد متقرب جاز‏.‏ وعن أبي يوسف أنه يكره كما في النظم ا هـ‏.‏ ثم رأيت بعض المحشين قال‏:‏ وما في البحر مناقض لما ذكره هو في باب الهدي أن سبع البدنة يجزئ وكذلك أغلب كتب المذهب والمناسك مصرحة بالإجزاء ا هـ‏.‏ فافهم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في شرح النقاية للقاري‏:‏ ثم الكفارات كلها واجبة على التراخي، فيكون مؤديا في أي وقت، وإنما يتضيق عليه الوجوب في آخر عمره في وقت يغلب على ظنه أنه لو لم يؤده لفات، فإن لم يؤد فيه حتى مات أثم وعليه الوصية به، ولو لم يوص لم يجب على الورثة، ولو تبرعوا عنه جاز إلا الصوم ‏(‏قوله ولو ناسيا إلخ‏)‏ قال في اللباب‏:‏ ثم لا فرق في وجوب الجزاء بين ما إذا جنى عامدا أو خاطئا، مبتدئا أو عائدا، ذاكرا أو ناسيا، عالما أو جاهلا طائعا أو مكرها، نائما أو منتبها، سكرانا أو صاحيا، مغمى عليه أو مفيقا، موسرا أو معسرا بمباشرته أو مباشرة غيره بأمره‏.‏ قال شارحه القاري‏:‏ وقد ذكر ابن جماعة عن الأئمة الأربعة أنه إذا ارتكب محظور الإحرام عامدا يأثم، ولا يخرجه الفدية والعزم عليها عن كونه عاصيا‏.‏ قال النووي‏:‏ وربما ارتكب بعض العامة شيئا من هذه المحرمات وقال أنا أفدي متوهما أنه بالتزام الفداء يتخلص من وبال المعصية، وذلك خطأ صريح وجهل قبيح، فإنه يحرم عليه الفعل، فإذا خالف أثم ولزمته الفدية مبيحة للإقدام على فعل المحرم، وجهالة هذا كجهالة من يقول أنا أشرب الخمر وأزني والحد يطهرني، ومن فعل شيئا مما يحكم بتحريمه فقد أخرج حجه من أن يكون مبرورا ا هـ‏.‏ وقد صرح أصحابنا بمثل هذا في الحدود فقالوا إن الحد لا يكون طهرة من الذنب ولا يعمل في سقوط الإثم، بل لا بد من التوبة، فإن تاب كان الحد طهرة له وسقطت عنه العقوبة الأخروية بالإجماع وإلا فلا، لكن قال صاحب الملتقط في كتاب الأيمان‏:‏ إن الكفارة ترفع الإثم وإن لم توجد منه التوبة من تلك الجناية ا هـ‏.‏ ويؤيده ما ذكره الشيخ نجم الدين النسفي في تفسيره التيسير عند قوله تعالى‏:‏ ‏{‏فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم‏}‏ أي اصطاد بعد هذا الابتداء قيل هو العذاب في الآخرة مع الكفارة في الدنيا إذا لم يتب منه فإنها لا ترفع الذنب عن المصر ا هـ‏.‏ وهذا تفصيل حسن وتقييد مستحسن يجمع به بين الأدلة والروايات، والله أعلم ا هـ‏.‏ أي فيحمل ما في الملتقط على غير المصر وما في غيره على المصر، وقد ذكر هذا التوفيق العلامة نوح في حاشية الدرر‏.‏

‏[‏تتمة‏]‏

يستثنى من الإطلاق المار في وجوب الجزاء ما في اللباب‏:‏ لو ترك شيئا من الواجبات بعذر لا شيء عليه على ما في البدائع‏.‏ وأطلق بعضهم وجوبه فيها إلا فيما ورد النص به، وهي ترك الوقوف بمزدلفة وتأخير طواف الزيارة عن وقته وترك الصدر للحيض والنفاس، وترك المشي في الطواف والسعي، وترك السعي وترك الحلق لعلة في رأسه ا هـ‏.‏ لكن ذكر شارحه ما يدل على أن المراد بالعذر ما لا يكون من العباد حيث قال عند قول اللباب‏:‏ ولو فاته الوقوف بمزدلفة بإحصار فعليه دم‏.‏ هذا غير ظاهر لأن الإحصار من جملة الأعذار، إلا أن يقال إن هذا مانع من جانب المخلوق فلا يؤثر، ويدل له ما في البدائع فيمن أحصر بعد الوقوف حتى مضت أيام النحر ثم خلي سبيله أن عليه دما لترك الوقوف بمزدلفة ودما لترك الرمي ودما لتأخير طواف الزيارة ا هـ‏.‏ ومثله في إحصار البحر وسيأتي توضيحه هناك إن شاء الله تعالى ‏(‏قوله فيجب‏)‏ تفريع على ما يفهم من المقام من عدم اشتراط الاختيار الذي أفاده ذكر الناسي والمكروه، ووجه الوجوب أن الارتفاق حصل للنائم وعدم الاختيار أسقط الإثم عنه، كما إذا أتلف شيئا منح ط ‏(‏قوله غطى رأسه‏)‏ بالبناء للفاعل أو المفعول‏.‏ ‏(‏قوله إن طيب‏)‏ أي المحرم عضوا‏:‏ أي من أعضائه كالفخذ والساق والوجه والرأس لتكامل الجناية بتكامل الارتفاق، والطيب جسم له رائحة مستلذة كالزعفران والبنفسج والياسمين ونحو ذلك، وعلم من مفهوم شرطه أنه لو شم طيبا أو ثمارا طيبة لا كفارة عليه وإن كره، وقيد بالمحرم لأن الحلال لو طيب عضوا ثم أحرم فانتقل منه إلى آخر فلا شيء عليه اتفاقا، وقيدنا بكونه من أعضائه لأنه لو طيب عضو غيره أو ألبسه المخيط منه فلا شيء عليه إجماعا كما في الظهيرية نهر ‏(‏قوله كاملا‏)‏ لأن المعتبر الكثرة‏.‏ قال ابن الكمال في شرح الهداية‏:‏ واختلف المشايخ في الحد الفاصل بين القليل والكثير لاختلاف عبارات محمد، ففي بعضها جعل حد الكثرة عضوا كبيرا، وفي بعضها في تنفس الطيب، فبعضهم اعتبر الأول، وبعضهم اعتبر الثاني فقال‏:‏ إن بحيث يستكثره الناظر كالكفين من ماء الورد والكف من مسك وغالية فهو كثير، وما لا فلا‏.‏ وبعضهم اعتبر الكثرة بربع العضو الكبير، فقال‏:‏ لو طيب ربع الساق أو الفخذ يلزم الدم، وإن كان أقل يلزم الصدقة‏.‏ وقال شيخ الإسلام‏:‏ إن كان الطيب في نفسه قليلا فالعبرة للعضو الكامل وإن كان كثيرا لا يعتبر العضو ا هـ‏.‏ ملخصا، وهذا توفيق بين الأقوال الثلاثة، حتى لو طيب بالقليل عضوا كاملا أو بالكثير ربع عضو لزم الدم وإلا فصدقة وصححه في المحيط‏.‏ وقال في الفتح‏:‏ إن التوفيق هو التوفيق ورجح في البحر الأول وهو ما في المتون فافهم‏.‏ هذا وقال في الشرنبلالية‏:‏ قوله كالرأس بيان للمراد من العضو فليس كأعضاء العورة فلا تكون الأذن مثلا عضوا مستقلا‏.‏ ا هـ‏.‏ وكذا قال ابن الكمال إن المراد الاحتراز عن العضو الصغير مثل الأنف والأذن لما عرفت أن من اعتبر في حد الكثرة العضو الكامل قيده بالكبير ا هـ‏.‏ ثم ما ذكر من أن فيما دون الكامل صدقة هو قولهما‏.‏ وقال محمد‏:‏ يجب بقدره، فإن بلغ نصف العضو تجب صدقة قدر نصف قيمة الشاة أو ربعا فربع وهكذا‏.‏ قال في البحر‏:‏ واختاره الإمام الإسبيجابي مقتصرا عليه بلا نقل خلاف ‏(‏قوله بأكل طيب‏)‏ أي خالص بلا خلط و بلا طبيخ وإلا فسيأتي حكمه ‏(‏قوله كثير‏)‏ هو ما يلتزق بأكثر فمه فعليه الدم‏.‏ قال في الفتح، وهذه تشهد لعدم اعتبار العضو مطلقا في لزوم الدم، بل ذاك إذا لم يبلغ مبلغ الكثرة في نفسه على ما قدمناه‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر أي فإن لزوم الدم بالطيب الكثير هنا وإن لم يعم جميع الفم يشهد لما مر من التوفيق، وبه يظهر أن قول الشارح لو فمه بعد قوله عضوا كاملا فيه ما فيه فإنه يوهم أن المراد بالكثير هنا ما يعم جميع الفم تأمل ‏(‏قوله أو ما يبلغ عضوا إلخ‏)‏ عطف على عضوا‏:‏ أي أو طيب مواضع لو جمعت تبلغ عضوا كاملا فإنه يجب عليه الدم‏.‏ والظاهر اعتبار بلوغ أصغر عضو من الأعضاء المطيبة كما اعتبروه بانكشاف العورة، لكن بعد كون ذلك الأصغر عضوا كبيرا لما علمت من أن الصغير لا يجب فيه الدم إلا إذا كان الطيب كثيرا على ما مر من التوفيق ‏(‏قوله فلكل طيب‏)‏ أي طيب مجلس من تلك المجالس إن شمل عضوا واحدا أو أكثر ‏(‏قوله كفارة‏)‏ سواء كفر للأول أم لا عندهما‏.‏ وقال محمد‏:‏ عليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأول بحر ‏(‏قوله لتركه‏)‏ لأن ابتداءه كان محظورا فيكون لبقائه حكم ابتدائه بحر ‏(‏قوله المطيب أكثره‏)‏ ظاهره أن المعتبر أكثر الثوب لا كثرة الطيب، وقد تبع في ذلك الشرنبلالية مع أنه ذكر فيها وفي الفتح وغيره أن المعتبر كثرة الطيب في الثوب وأن المرجع فيه العرف، حتى إنه في البحر جعل هذا مرجحا للقول الثاني من الأقوال الثلاثة المارة لأنه يعم البدن والثوب‏.‏ قلت‏:‏ لكن نقلوا عن المجرد إن كان في ثوبه شبر في شبر فمكث عليه يوما يطعم نصف صاع، وإن كان أقل من يوم فقبضة‏.‏ قال في الفتح‏:‏ يفيد التنصيص على أن الشبر في الشبر داخل في القليل ا هـ‏.‏ أي حيث أوجب به صدقة لا دما، ومع هذا يفيد اعتبار الكثرة في الثوب لا في الطيب إلا أنه لا يفيد أن المعتبر أكثر الثوب، بل ظاهره أن ما زاد على الشبر كثير موجب للدم لكثرة الطيب حينئذ عرفا، فرجع إلى اعتبار الكثرة في الطيب لا في الثوب، وعلى هذا فيمكن إجراء التوفيق المار هنا أيضا بأن الطيب إذا كان في نفسه كثيرا لزم الدم وإن أصاب من الثوب أقل من شبر، وإن كان قليلا لا يلزم حتى يصيب أكثر من شبر في شبر، وربما يشير إليه قولهم لو ربط مسكا أو كافورا أو عنبرا كثيرا في طرف إزاره أو ردائه لزمه دم، أي إن دام يوما ولو قليلا فصدقة فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله فيشترط للزوم الدم‏)‏ أفرد الدم لأن المراد بالثوب ثوب المحرم من إزار أو رداء، أما لو كان مخيطا فيجب بدوام لبسه دم آخر سكت عن بيانه لأنه سيأتي ‏(‏قوله دوام لبسه يوما‏)‏ أشار بتقدير الطيب في الثوب بالزمان إلى الفرق بينه وبين العضو فإنه لا يعتبر فيه الزمان، حتى لو غسله من ساعته فالدم واجب كما في الفتح بخلاف الثوب ‏(‏قوله أو خضب رأسه‏)‏ أي مثلا وإلا فلو خضبت يدها أو خضب لحيته بحناء وجب الدم أيضا كما حرره في النهر على خلاف ما في البحر ‏(‏قوله بحناء‏)‏ بالمد منونا لأنه فعال لا فعلاء ليمنع صرفه ألف التأنيث فتح، وصرح به مع دخوله في الطيب للاختلاف فيه بحر ‏(‏قوله أما المتلبد إلخ‏)‏ التلبيد أن يأخذ شيئا من الخطمي والآس والصمغ فيجعله في أصول الشعر ليتلبد بحر؛ فالمناسب أن يقول أما الثخين قال في الفتح‏:‏ فإن كان ثخينا فلبد الرأس ففيه دمان للطيب والتغطية إن دام يوما وليلة على جميع رأسه أو ربعه ا هـ‏.‏ أما لو غطاه أقل من يوم فصدقة وهذا في الرجل، أما المرأة فلا تمنع من تغطية رأسها‏.‏ واستشكل في الشرنبلالية إلزام الدم بالتغطية بالحناء بقولهم إن التغطية بما ليس بمعتاد لا توجب شيئا‏.‏ قلت‏:‏ وقد يجاب بأن التغطية بالتلبيد معتادة لأهل البوادي لدفع الشعث والوسخ عن الشعر، وقد فعله صلى الله عليه وسلم في إحرامه‏.‏ واستشكله في البحر بأنه لا يجوز استصحاب التغطية الكائنة قبل الإحرام بخلاف الطيب، لكن أجاب المقدسي بأن التلبيد الذي فعله عليه الصلاة والسلام يجب حمله على ما هو سائغ وهو اليسير الذي لا تحصل به تغطية‏.‏ قلت‏:‏ وعليه يحمل ما في الفتح عن رشيد الدين في مناسكه‏:‏ وحسن أن يلبد رأسه قبل إحرامه ‏(‏قوله أو ادهن‏)‏ بالتشديد‏:‏ أي دهن عضوا كاملا لباب‏.‏ وذكر شارحه أن بعضهم اعتبر كثرة الطيب بما يستكثره الناظر‏.‏ قال‏:‏ ولعل محله فيما لا يكون عضوا كاملا على ما مر‏:‏ أي من التوفيق، وأنه في النوادر أوجب الدم بدهن ربع الرأس أو اللحية، وأنه تفريع على رواية الربع في الطيب والصحيح خلافها ‏(‏قوله لأنهما أصل الطيب‏)‏ باعتبار أنه يلقى فيهما الأنوار كالورد والبنفسج فيصيران طيبا، ولا يخلوان عن نوع طيب، ويقتلان الهوام، ويلينان الشعر، ويزيلان التفث والشعث بحر، وهذا عند الإمام‏.‏ وقالا عليه صدقة ‏(‏قوله بخلاف بقية الأدهان‏)‏ عبارة البحر‏:‏ وأراد بالزيت دهن الزيتون والسمسم وهو المسمى بالشيرج، فخرج بقية الأدهان كالشحم والسمن ا هـ‏.‏ ومقتضاه خروج نحو دهن اللوز ونوى المشمش فليتأمل‏.‏

‏(‏قوله فلو أكله‏)‏ أي دهن الزيت أو الحل، وأفرد الضمير لمكان أو هذا تفريع على مفهوم قوله ادهن ‏(‏قوله أو استعطه‏)‏ أي استنشقه بأنفه ‏(‏قوله اتفاقا‏)‏ لأنه ليس بطيب من كل وجه، فإذا لم يستعمل على وجه التطيب لم يظهر حكم الطيب فيه ‏(‏قوله ولو على وجه التداوي‏)‏ لكنه يتخير بين الدم والصوم والإطعام على ما سيأتي نهر ‏(‏قوله ولو جعله‏)‏ أي الطيب في طعام إلخ‏.‏ اعلم أن خلط الطيب بغيره على وجوه لأنه إما أن يخلط بطعام مطبوخ أو لا ففي الأول لا حكم للطيب سواء كان غالبا أم مغلوبا، وفي الثاني الحكم للغلبة إن غلب الطيب وجب الدم، وإن لم تظهر رائحته كما في الفتح، وإلا فلا شيء عليه غير أنه إذا وجدت معه الرائحة كره، وإن خلط بمشروب فالحكم فيه للطيب سواء غلب غيره أم لا غير أنه في غلبة الطيب يجب الدم، وفي غلبة الغير تجب الصدقة إلا أن يشرب مرارا فيجب الدم‏.‏ وبحث في البحر أنه ينبغي التسوية بين المأكول والمشروب المخلوط كل منهما بطيب مغلوب‏.‏ إما بعدم وجوب شيء أصلا أو بوجوب الصدقة فيهما، وتمامه فيه‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال ابن أمير حاج الحلبي‏:‏ لم أرهم تعرضوا بماذا تعتبر الغلبة، ولم يفصلوا بين القليل والكثير كما في أكل الطيب وحده‏.‏ والظاهر أنه إن وجد من المخالط رائحة الطيب كما قبل الخلط فهو غالب وإلا فمغلوب، وإذا كان غالبا فإن أكل منه أو شرب شيئا كثيرا وجب عليه دم، والكثير ما يعده العارف العدل كثيرا والقليل ما عداه، فإن أكل ما يتخذ من الحلوى المبخرة بالعود ونحوه فلا شيء عليه، غير أنه إن وجدت الرائحة منه كره بخلاف الحلوى المضاف إلى أجزائها الماورد والمسك، فإن في أكل الكثير دما والقليل صدقة‏.‏ ا هـ‏.‏ نهر‏.‏ قلت‏:‏ لكن قول الفتح المار في غير المطبوخ وإن لم تظهر رائحته يفيد اعتبار الغلبة بالأجزاء لا بالرائحة، وقد صرح به في شرح اللباب‏.‏ ثم الظاهر أنه أراد الحلوى الغير المطبوخة وإلا فالمطبوخ لا تفصيل فيه كما علمت تأمل، هذا حكم المأكول والمشروب، وأما إذا خلط بما يستعمل في البدن كأشنان ونحوه، ففي شرح اللباب عن المنتقى‏:‏ إن كان إذا نظر إليه قالوا هذا أشنان فعليه صدقة، وإن قالوا هذا طيب عليه دم ‏(‏قوله كره‏)‏ أي إن وجدت معه الرائحة كما مر‏.‏

‏(‏قوله أو لبس مخيطا‏)‏ تقدم تعريفه في فصل الإحرام ‏(‏قوله لبسا معتادا‏)‏ بأن لا يحتاج في حفظه عند الاشتغال بالعمل إلى تكلف‏.‏ وضده أن يحتاج إليه، بأن يجعل ذيل قميصه مثلا أعلى وجيبه أسفل شرح اللباب ‏(‏قوله أو وضعه إلخ‏)‏ أي لو ألقى القباء على كتفيه ولم يدخل فيه يديه ولم يزره لا شيء عليه إلا الكراهة وتقدم تمام الكلام في فصل الإحرام ‏(‏قوله أو ستر رأسه‏)‏ أي كله أو ربعه، ومثله الوجه كما يأتي؛ بخلاف ما لو عصب نحو يده، وعطفه على لبس المخيط لأن الستر قد يكون بغيره كالرداء والشاش أفاده في النهر ‏(‏قوله بمعتاد‏)‏ أي بما يقصد به التغطية عادة ‏(‏قوله إجانة‏)‏ بكسر الهمزة وتشديد الجيم‏:‏ أي مركن شرح اللباب وكطاسة وطست ‏(‏قوله أو عدل‏)‏ بكسر العين وقد تفتح‏:‏ أي أحد شقي حمل الدابة شرح اللباب، وقيد العدل في البحر والمنح بالمشغول، بل لا يسمى عدلا إلا بذلك لأنه حينئذ يعادل به قرينه، فلذا أطلقه هنا رحمتي‏.‏ قلت‏:‏ لكني لم أر في البحر والمنح التقييد بما ذكر، فلتراجع نسخة أخرى ‏(‏قوله يوما كاملا أو ليلة‏)‏ الظاهر أن المراد مقدار أحدهما فلو لبس من نصف النهار إلى نصف الليل من غير انفصال أو بالعكس لزمه دم كما يشير إليه قوله وفي الأقل صدقة شرح اللباب ‏(‏قوله وفي الأقل صدقة‏)‏ أي نصف صاع من بر، وشمل الأقل الساعة الواحدة أي الفلكية وما دونها خلافا لما في خزانة الأكمل أنه في ساعة نصف صاع وفي أقل من ساعة قبضة من بر‏.‏ ا هـ‏.‏ بحر، ومشي في اللباب على ما في الخزانة، وأقره شارحه، واعترض بمخالفته لما ذكره الفقهاء‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر بعض شراح المناسك‏:‏ لو أحرم بنسك وهو لابس المخيط وأكمله في أقل من يوم وحل منه لم أر فيه نصا صريحا، ومقتضى قولهم أن الارتفاق الكامل الموجب للدم لا يحصل إلا بلبس يوم كامل أن تلزمه صدقة‏.‏ ويحتمل أن يقال إن التقدير باليوم باعتبار كمال الارتفاق إنما هو فيما إذا طال زمن الإحرام، أما إذا قصر كما في مسألتنا فقد حصل كمال الارتفاق فينبغي وجوب الدم، ولكن مع هذا لا بد من نقل صريح ‏(‏قوله وإن نزعه ليلا وأعاده نهارا‏)‏ ومثله العكس كما في شرح اللباب ‏(‏قوله ولو جميع ما يلبس‏)‏ مبالغة على قوله أو لبس مخيطا‏:‏ أي لو جمع اللباس من قميص وقباء وعمامة وقلنسوة وسراويل وخف ولبس يوما فعليه دم واحد إن اتحد السبب كما في اللباب أي إن كان لبس الكل لضرورة أو لغيرها، فلو اضطر للبعض تعدد الدم كما يأتي، وظاهر ما ذكر أنه لا يلزم لبس الكل في مجلس واحد خلافا لما قيده به القاري‏.‏ بل يكفي جمعها في يوم واحد، ويدل عليه قوله في اللباب ويتحد الجزاء مع تعدد اللبس بأمور منها اتحاد السبب، وعدم العزم على الترك عند النزع، وجمع اللباس كله في مجلس أو يوم ا هـ‏.‏ أي مع اتحاد السبب كما علمت؛ أما لو لبس البعض في يوم والبعض في يوم آخر تعدد الجزاء وإن اتحد السبب‏.‏ ‏(‏قوله ما لم يعزم على الترك‏)‏ فإن نزعه على قصد أن يلبسه ثانيا أو ليلبس بدله لا يلزمه كفارة أخرى لتداخل لبسه وجعلهما لبسا واحدا حكما شرح اللباب ‏(‏قوله كإنشائه بعده‏)‏ أي في وجوب الدم إن دام يوما أو ليلة، وفيه إشارة إلى صحة إحرامه وهو لابس بلا عذر خلافا لما يعتقده العوام لأن التجرد عن المخيط من واجبات الإحرام لا من شروط صحته ‏(‏قوله ولو تعدد سبب اللبس‏)‏ كما إذا كان به حمى فاحتاج إلى اللبس لها فزالت وأصابه مرض آخر أو حمى غيرها ولبس فعليه كفارتان كفر للأول أولا، وإذا حصره العدو فاحتاج إلى اللبس للقتال أياما يلبسها إذا خرج وينزعها إذا رجع فعليه كفارة واحدة ما لم يذهب هذا العدو، فإن ذهب وجاء عدو غيره لزمه كفارة أخرى، ومقتضى ذلك كما قال الحلبي أنه إذا لبس لدفع برد ثم صار ينزع ويلبس لذلك ثم زال ذلك البرد وأصابه برد آخر فليس لذلك أنه يجب عليه كفارتان بحر ‏(‏قوله ولو اضطر إلخ‏)‏ تخصيص لما قبله من تعدد الجزاء بتعدد السبب قال في الذخيرة‏:‏ والأصل في جنس هذه المسائل أن الزيادة في موضع الضرورة لا تعتبر جناية مبتدأة‏.‏ وفي اللباب‏:‏ فإن تعدد السبب كما إذا اضطر إلى لبس ثوب فلبس ثوبين فإن لبسهما على موضع الضرورة نحو أن يحتاج إلى قميص فلبس قميصين أو قميصا وجبة أو يحتاج إلى قلنسوة فلبسها مع العمامة فعليه كفارة واحدة يتخير فيها‏.‏ قال شارحه‏:‏ وكذا إذا لبسهما على موضعين لضرورة بهما في مجلس واحد، بأن لبس عمامة وخفا بعذر فيهما فعليه كفارة واحدة ا هـ‏.‏ وإن لبسهما على موضعين مختلفين موضع الضرورة وغير الضرورة؛ كما إذا اضطر إلى لبس العمامة فلبسها مع القميص مثلا، أو لبس قميصا للضرورة وخفين لغيرها فعليه كفارتان‏:‏ كفارة الضرورة يتخير فيها، وكفارة الاختيار لا يتخير فيها‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله لزمه دم وأثم‏)‏ لزوم الدم بأحدهما والإثم بالآخر، والمناسب التعبير بلزوم الكفارة المخيرة كما قدمناه لأنه حيث كان بعذر لا يتعين الدم كما سيأتي، ولزوم كفارة واحدة في لبس العمامة مع القلنسوة كما في القميصين هو المنصوص عليه كما مر عن اللباب، ومثله في الفتح والمعراج خلافا لما في البحر من التفرقة بينهما كما نبه عليه في الشرنبلالية، وما ذكر من لزوم الإثم نبه عليه في البحر عن الحلبي، ثم قال‏.‏ فليحفظ هذا، فإن كثيرا من المحرمين يغفل عنه كما شاهدناه ‏(‏قوله ولو تيقن إلخ‏)‏ أما لو استمر مع الشك في زوالها فلا شيء عليه بحر ‏(‏قوله كفر أخرى‏)‏ أي بلا تخيير إن دام يوما بعد التيقن ‏(‏قوله كالكل‏)‏ هو المشهور من الرواية عن أبي حنيفة، وهو الصحيح على ما قاله غير واحد شرح اللباب ‏(‏قوله ولا بأس بتغطية أذنيه وقفاه‏)‏ وكذا بقية البدن إلا الكفين والقدمين للمنع من لبس القفازين والجوربين، ومر تمامه في فصل الإحرام ‏(‏قوله بلا ثوب‏)‏ كذا في الفتح والبحر‏.‏ والظاهر أنه لو كان الوضع بالثوب ففيه الكراهة التحريمية فقط لأن الأنف لا يبلغ ربع الوجه أفاده ط‏.‏

‏(‏قوله أي أزال‏)‏ أي أراد بالحلق الإزالة بالموسى أو غيره مختارا أو لا، فلو أزاله بالنورة أو نتف لحيته أو احترق شعره بخبزه أو مسه بيده وسقط فهو كالحلق، بخلاف ما إذا تناثر شعر بالمرض أو النار بحر عن المحيط‏.‏ قلت‏:‏ وشمل أيضا التقصير كما في اللباب، قال شارحه وصرح به في الكافي والكرماني وهو الصواب قياسا على التحلل‏.‏ ووقع في الكفاية وشرح الهداية أن التقصير لا يوجب الدم‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ربع رأسه إلخ‏)‏ هذا هو الصحيح المختار الذي عليه جمهور أصحاب المذهب‏.‏ وذكر الطحاوي في مختصره أن في قول أبي يوسف ومحمد لا يجب الدم ما لم يحلق أكثر رأسه شرح اللباب، وإن كان أصلع إن بلغ شعره ربع رأسه فعليه دم وإلا فصدقة، وإن بلغت لحيته الغاية في الخفة إن كان قدر ربعها كاملة فعليه دم وإلا فصدقة لباب، واللحية مع الشارب عضو واحد فتح ‏(‏قوله محاجمه‏)‏ أي موضع الحجامة من العنق كما في البحر ‏(‏قوله وإلا فصدقة‏)‏ أي وإن لم يحتجم بعد الحلق فالواجب صدقة ‏(‏قوله كما في البحر عن الفتح‏)‏ قال في النهر‏:‏ لم أر ذلك في نسختي من الفتح‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ كأنه سقط من نسخته، وإلا فقد رأيته في الفتح، واستشهد له بقول الزيلعي‏:‏ إن حلقه لمن يحتجم مقصود وهو المعتبر، بخلاف الحلق لغيرها ‏(‏قوله كلها‏)‏ أي كل الثلاثة، وإنما قيد به لأن الربع من هذه الأعضاء لا يعتبر بالكل، لأن العادة لم تجر فيها بالاقتصار على البعض، فلا يكون حلق البعض ارتفاقا كاملا، بخلاف ربع الرأس واللحية فإنه معتاد لبعض الناس‏.‏ وما في المحيط من أن الأكثر من الرقبة كالكل لأن كل عضو لا نظير له في البدن يقوم أكثره مقام كله، ضعيف، وكذا ما في الخانية من أن الإبط إذا كان كثير الشعر يعتبر الربع لوجوب الدم، وإلا فالأكثر‏.‏ والمذهب ما ذكره المصنف من اعتبار الربع في الرأس واللحية والكل في غيرهما في لزوم الدم بحر ملخصا‏.‏ وذكر في اللباب‏:‏ مثل الثلاثة ما لو حلق الصدر أو الساق أو الركبة أو الفخذ أو العضد أو الساعد فعليه دم، وقيل صدقة‏.‏ وإن حلق أقله فصدقة، ولا يقوم الربع منها مقام الكل‏.‏ ا هـ‏.‏ قال شارحه‏:‏ يشير بقوله وقيل صدقة إلى ما في المبسوط متى حلق عضوا مقصودا بالحلق فعليه دم، وإن حلق ما ليس بمقصود فصدقة‏.‏ ثم قال‏:‏ ومما ليس بمقصود حلق شعر الصدر والساق، ومما هو مقصود حلق الرأس والإبطين، ومثله في البدائع والتمرتاشي‏.‏ وفي النخبة‏:‏ وما في المبسوط هو الأصح‏.‏ قال ابن الهمام إنه الحق‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أن كل واحد من الثلاثة أعني الإبط أو العانة والرقبة مقصود بالحلق وحده فيجب به دم، لكن لا يقوم ربعه مقام كله لما مر بخلاف الصدر والساق ونحوهما فيجب بهما صدقة‏.‏ قال في الفتح لأن القصد إلى حلقهما إنما هو في ضمن غيرهما، إذ ليست العادة تنوير الساق وحده بل تنوير المجموع من الصلب إلى القدم فكان بعض المقصود بالحلق‏.‏ قال في البحر‏:‏ فعلى هذا فالتقييد بالثلاثة للاحتراز عن الصدر والساق مما ليس بمقصود‏.‏ واعلم أن المتفرق من الحلق بجمع كالطيب، فلو حلق ربع رأسه من مواضع متفرقة فعليه دم لباب وسيأتي أن في حلق الشارب صدقة‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

ذكر الحلق في الإبطين تبعا للجامع الصغير إيماء إلى جوازه وإن كان النتف هو السنة، ولذا عبر به في الأصل‏.‏ واختلف في المسنون في الشارب هل هو القص أو الحلق‏؟‏ والمذهب عند بعض المتأخرين من مشايخنا أنه القص‏.‏ قال في البدائع‏:‏ وهو الصحيح‏.‏ وقال الطحاوي‏:‏ القص حسن والحلق أحسن، وهو قول علمائنا الثلاثة نهر‏.‏ قال في الفتح‏:‏ وتفسير القص أن ينقص حتى ينتقص عن الإطار، وهو بكسر الهمزة‏:‏ ملتقى الجلدة واللحم من الشفة، وكلام صاحب الهداية على أن يحاذيه‏.‏ ا هـ‏.‏ وأما طرفا الشارب وهما السبالان، فقيل هما منه، وقيل من اللحية، وعليه فقيل لا بأس بتركهما، وقيل يكره لما فيه من التشبه بالأعاجم وأهل الكتاب، وهذا أولى بالصواب، وتمامه في حاشية نوح‏.‏ ورجح في البحر ما قاله الطحاوي، ثم قال‏:‏ وإعفاء اللحية أي الوارد في الصحيحين تركها حتى تكثر، والسنة قدر القبضة، فما زاد قطعه ا هـ‏.‏ وتمامه فيما علقناه عليه ومر بعض ذلك في كتاب الصوم‏.‏ وأما العانة، ففي البحر عن النهاية أن السنة فيها الحلق، لما جاء في الحديث‏:‏ «عشر من السنة منها الاستحداد» وتفسيره حلق العانة بالحديد ‏(‏قوله كحلق إبطيه في مجلسين‏)‏ كون ذلك من اتحاد المحل، بخلاف قص أظفار اليدين مشكل، ومع هذا فلا رواية فيه كما ذكره في العناية‏:‏ أي بل هو من تخريج بعض مشايخ المذهب إن كان أحد نقل أن فيه دما واحدا كما هو مقتضى صنيع الشارح، ولم أر من صرح بذلك‏.‏ وأجاب في العناية عن الإشكال على تقدير ثبوت الرواية بأن ثمة ما يوجب اتحاد المحال وهو التنوير، فإنه لو نور جميع البدن لم تلزمه إلا كفارة واحدة، والحلق مثل التنوير، وليس في صورة النزاع‏:‏ أي مسألة القص ما يجعلها كذلك‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه أن القص كذلك، على أنه يلزم منه أنه لو تعدد محل الحلق واختلف المجلس يجب فيه كفارة مع أنه يجب لكل مجلس موجب جنايته كما صرح به في البحر وغيره ‏(‏قوله أو رأسه في أربعة‏)‏ أي بأن حلق في كل مجلس ربعا منه ففيه دم واحد اتفاقا ما لم يكفر للأول شرح اللباب ‏(‏قوله لوجوبه بالشروع‏)‏ أشار إلى أن الحكم كذلك في كل طواف هو تطوع، فيجب الدم لو طافه جنبا، والصدقة لو محدثا كما في الشرنبلالية عن الزيلعي‏.‏ وأفاد أن الكفارة تجب بترك الواجب الاصطلاحي بلا فرق بين الأقوى والأضعف، فإن ما وجب بالشروع دون ما وجب بإيجابه تعالى كطواف الصدر لاشتراكهما في الوجوب الثابت بالدليل الظني، بخلاف الطواف الفرض الثابت بالقطع فلذا وجبت فيه مع الجناية بدنة إظهارا للتفاوت من حيث الثبوت فافهم ‏(‏قوله أو للفرض محدثا‏)‏ قيد بالحدث لأن الطواف مع نجاسة الثوب أو البدن مكروه فقط‏.‏ وما في الظهيرية من إيجاب الدم في نجاسة كل الثوب لا أصل له في الرواية، وأشار إلى أنه لو طاف عريانا قدر ما لا تجوز الصلاة معه يلزمه دم بترك الستر الواجب، وقيد بالفرض وهو الأكثر لأنه لو طاف أقله محدثا ولم يعد وجب عليه لكل شوط نصف صاع إلا إذا بلغت قيمته دما فينقص منه ما شاء بحر ‏(‏قوله ولو جنبا فبدنة‏)‏ أما لو طاف أقله جنبا ولم يعد وجب عليه شاة، فإن أعاده وجبت عليه صدقة لكل شوط نصف صاع لتأخير الأقل من طواف الزيارة بحر، لكن في اللباب لو طاف أقله جنبا فعليه لكل شوط صدقة، وإن أعاده سقطت تأمل‏.‏ ‏(‏قوله إن لم يعده‏)‏ أي الطواف الشامل للقدوم والصدر والفرض، فإن أعاده فلا شيء عليه فإنه متى طاف أي طواف مع أي حدث ثم أعاده سقط موجبه‏.‏ ا هـ‏.‏ ح قلت‏:‏ لكن إذا أعاد طواف الفرض بعد أيام النحر لزمه دم عند الإمام للتأخير، وهذا إن كانت الإعادة لطوافه جنبا وإلا فلا شيء عليه كما لو أعاده في أيام النحر مطلقا كما في الهداية، ومشى عليه في البحر وصححه في السراج وغيره، وزعم في غاية البيان أنه سهو لتصريح الرواية في شرح الطحاوي بلزوم الدم بالتأخير مطلقا، وأجاب في البحر بأن هذه رواية أخرى‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

من فروع الإعادة ما ذكره في اللباب‏:‏ لو طاف للزيارة جنبا وللصدر طاهرا، فإن طاف للصدر في أيام النحر فعليه دم لترك الصدر لأنه انتقل إلى الزيارة، وإن طاف للزيارة ثانيا فلا شيء عليه أي لانتقال الزيارة إلى الصدر، وإن طاف للصدر بعد أيام النحر فعليه دمان‏:‏ دم لترك الصدر‏:‏ أي لتحوله إلى الزيارة ودم لتأخير الزيارة، وإن طاف للصدر ثانيا سقط عنه دمه، وإن طاف للزيارة محدثا وللصدر طاهرا، فإن حصل الصدر في النحر انتقل إلى الزيارة، ثم إن طاف للصدر ثانيا فلا شيء عليه وإلا فعليه دم لتركه، وإن حصل بعد أيام النحر لا ينتقل وعليه دم لطواف الزيارة محدثا، ولو طاف للزيارة محدثا وللصدر جنبا فعليه دمان ‏(‏قوله والأصح وجوبها‏)‏ أي وجوب الإعادة المفهومة من قوله بعده، وهذا أيضا شامل للقدوم والصدر والفرض‏.‏ قال في البحر‏:‏ لو طاف للقدوم جنبا لزمه الإعادة‏.‏ ا هـ‏.‏ وإذا وجبت الإعادة في القدوم ففي الصدر والفرض أولى‏.‏ ا هـ‏.‏ ح‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في البحر‏:‏ الواجب أحد شيئين إما الشاة أو الإعادة والإعادة هي الأصل ما دام بمكة ليكون الجابر من جنس المجبور، فهي أفضل من الدم‏.‏ وأما إذا رجع إلى أهله، ففي الحدث اتفقوا على أن بعث الشاة أفضل من الرجوع‏.‏ وفي الجنابة اختار في الهداية أن الرجوع أفضل لما ذكرنا‏.‏ واختار في المحيط أن البعث أفضل لمنفعة الفقراء، وإذا رجع للأول يرجع بإحرام جديد بناء على أنه في حق النساء بطواف الزيارة جنبا، فإذا أحرم بعمرة يبدأ بها ثم يطوف للزيارة ويلزمه دم لتأخيره عن وقته ‏(‏قوله وأن المعتبر الأول‏)‏ عطف على وجوبها، وهذا ما ذهب إليه الكرخي وصححه في الإيضاح خلافا للرازي، وهذا في الجناية أما في الحدث فالمعتبر الأول اتفاقا سراج، وقوله فلا تجب إلخ بيان لثمرة الخلاف، فعلى قول الرازي تجب إعادة السعي لأن الطواف الأول قد انفسخ فكأنه لم يكن سراج، فقوله في البحر لا ثمرة للخلاف خلاف الواقع ‏(‏قوله وفي الفتح إلخ‏)‏ عزاه إلى المحيط، ونقله في الشرنبلالية، ومثله في اللباب حيث قال‏:‏ ولو طاف للعمرة كله أو أكثره أو أقله ولو شوطا جنبا أو حائضا أو نفساء أو محدثا فعليه شاة لا فرق فيه بين الكثير والقليل والجنب والمحدث لأنه لا مدخل في طواف العمرة للبدنة ولا للصدقة، بخلاف طواف الزيارة، وكذا لو ترك منه أي من طواف العمرة أقله ولو شوطا فعليه دم وإن أعاده سقط عنه الدم ا هـ‏.‏ لكن في البحر عن الظهيرية‏:‏ لو طاف أقله محدثا وجب عليه لكل شوط نصف صاع من حنطة إلا إذا بلغت قيمته دما فينقص منه ما شاء ا هـ‏.‏ ومثله في السراج‏.‏ والظاهر أنه قول آخر فافهم، وأما ما سيأتي من قول المصنف وكل ما على المفرد به دم بسبب جنايته على إحرامه فعلى القارن دمان وكذا الصدقة‏.‏ وذكر الشارح هناك أن المتمتع كالقارن، فلا يرد على ما هنا وإن كانت جناية المتمتع على إحرام الحج وإحرام العمرة لأن المراد هناك الجناية بفعل شيء من محظورات الإحرام، بخلاف ترك شيء من الواجبات كما سيأتي في كلام الشارح، وهنا الجناية بترك واجب الطهارة فلا ينافي وجوب الصدقة في العمرة بفعل المحظور، ولهذا لم يعمم في اللباب، بل قال لا مدخل في طواف العمرة للصدقة وإن أطلق الشارح العبارة تبعا للفتح فتنبه‏.‏

‏(‏قوله أو أفاض من عرفة إلخ‏)‏ بأن جاوز حدودها قبل الغروب وإلا فلا شيء عليه كما في اللباب ‏(‏قوله ولو بند بعيره‏)‏ الند بفتح النون وتشديد الدال المهملة‏:‏ الهروب ح‏.‏ قال في اللباب‏:‏ ولو ند به بعيره فأخرجه من عرفة قبل الغروب لزمه دم، وكذا لو ند بعيره فتبعه لأخذه ا هـ‏.‏ قال شارحه القاري‏:‏ وفيه أن ترك الواجب لعذر مسقط للدم‏.‏ ا هـ‏.‏ وأجيب بأنه يمكنه التدارك بالعود، وهو مسقط للدم‏.‏ قلت‏:‏ الأحسن الجواب بما قدمناه أول الباب من أن المراد بالعذر المسقط للدم ما لا يكون من قبل العباد وسيأتي توضيحه في الإحصار ‏(‏قوله والغروب‏)‏ قصد بهذا العطف بيان أن مرادهم بالإمام الغروب لما بينهما من الملابسة، فإن الإمام لما كان الواجب عليه النفر بعد الغروب كان النفر معه نفرا بعد الغروب، وإلا فلو غربت فنفروا ولم ينفر الإمام لا شيء عليهم، ولو نفر الإمام قبل الغروب فتابعوه كان عليه وعليهم الدم، وذلك لأن الوقوف في جزء من الليل واجب فبتركه يلزم الدم كما في البحر ح ‏(‏قوله ولو بعده في الأصح‏)‏ إذا عاد بعده فظاهر الرواية عدم السقوط‏.‏ وصحح القدوري رواية ابن شجاع عن الإمام أنه يسقط‏.‏ وأفاد أنه لو عاد قبل الغروب يسقط الدم على الأصح بالأولى كما في البحر فافهم‏.‏ وفي شرح النقاية للقاري أن الجمهور على أن ظاهر الرواية هو الأصح، ولو عاد قبل الغروب فالأظهر عدم السقوط لأن استدامة الوقوف إلى الغروب واجب فيفوت بفوت البعض‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وذكر ابن الكمال في شرحه على الهداية ما حاصله أن الشراح هنا أخطئوا في نقل الرواية، لما في البدائع أنه لو عاد قبل الغروب وقبل نفر الإمام سقط عندنا خلافا لزفر، وإن عاد قبل الغروب بعدما خرج الإمام من عرفة روى ابن شجاع عن الإمام أنه يسقط واعتمده القدوري‏.‏ وذكر في الأصل عدمه، ولو عاد بعد الغروب لا يسقط بلا خلاف لتقرر الواجب فلا يحتمل السقوط بالعود‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله سبع الفرض‏)‏ بفتح السين، والفرض بمعنى المفروض صفة لمحذوف‏:‏ أي الطواف الفرض، أو على تقدير مضاف‏:‏ أي طواف الفرض، لقول الوقاية أو أخر طواف الفرض أو ترك أقله، وعلى كل فإضافة سبع على معنى اللام، ولا يصح جعلها بيانية على معنى سبع هي الفرض لأن الفرض في أشواط الطواف أكثر السبع لا كلها وإن قال المحقق ابن الهمام إن الذي يدين الله تعالى به أن لا يجزئ أقل من السبع ولا يجبر بعضه بشيء فإنه من أبحاثه المخالفة لأهل المذهب قاطبة كما في البحر‏.‏ وقد قال تلميذه العلامة قاسم إن أبحاثه المخالفة للمذهب لا تعتبر فافهم ‏(‏قوله حتى لو طاف للصدر‏)‏ أي مثلا لأن أي طواف حصل بعد الوقوف كان للفرض كما قدمناه شرنبلالية، وأفاد ذلك بقوله يعني ولم يطف غيره‏.‏ ‏(‏قوله ثم إن بقي أقل الصدر‏)‏ أي إن بقي عليه أقل أشواط الصدر وهو قدر ما انتقل منه إلى الركن، بأن ترك من الفرض ثلاثة أشواط وطاف للصدر سبعة فإنه ينتقل منها ثلاثة لطواف الفرض وتبقى هذه الثلاثة عليه من طواف الصدر فيلزمه لها صدقة، أما لو كان طاف للصدر ستة وانتقل منها ثلاثة يبقى عليه أكثر الصدر وهو أربعة فيلزمه لها دم، ثم هذا إن لم يكن أخر طواف الصدر إلى آخر أيام التشريق وإلا لزمه مع الصدقة أو الدم صدقة أخرى لتأخير أقل الفرض عند الإمام لكل شوط نصف صاع من بر، خلافا لهما كما في البحر‏.‏ ومثله في التتارخانية والقهستاني واللباب، لكن في الشرنبلالية عن الفتح وإن كان ترك أقله‏:‏ أي أقل طواف الفرض لزمه للتأخير دم وصدقة للمتروك من الصدر ا هـ‏.‏ فأوجب دما لتأخير الأقل كما ترى فتأمل‏.‏ ‏(‏قوله بقي محرما‏)‏ فإن رجع إلى أهله فعليه حتما أن يعود بذلك الإحرام، ولا يجزئ عنه البدل لباب‏.‏ ‏(‏قوله في حق النساء‏)‏ لأنه بالحلق حل له ما سواهن حتى يطوف ‏(‏قوله لزمه دم‏)‏ أي شاة أو بدنة على ما سيأتي ‏(‏قوله إلا أن يقصد الرفض‏)‏ أي فلا يلزمه بالثاني شيء وإن تعدد المجلس مع أن نية الرفض باطلة لأنه لا يخرج عنه إلا بالأعمال، لكن لما كانت المحظورات مستندة إلى قصد واحد وهو تعجيل الإحلال كانت متحدة فكفاه دم واحد بحر قال في اللباب‏:‏ واعلم أن المحرم إذا نوى رفض الإحرام فجعل يصنع ما يصنعه الحلال من لبس الثياب والتطيب والحلق والجماع وقتل الصيد فإنه لا يخرج بذلك من الإحرام، وعليه أن يعود كما كان محرما، ويجب دم واحد لجميع ما ارتكب ولو كل المحظورات، وإنما يتعدد الجزاء بتعدد الجنايات إذا لم ينو الرفض، ثم نية الرفض إنما تعتبر ممن زعم أنه خرج منه بهذا القصد لجهله مسألة عدم الخروج، وأما من علم أنه لا يخرج منه بهذا القصد فإنها لا تعتبر منه‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ وما ذكر من أن نية الرفض باطلة وأنه لا يخرج من الإحرام إلا بالأفعال محمول على ما إذا لم يكن مأمورا بالرفض كما سنذكره آخر الجنايات، ومن المأمور بالرفض المحصر بمرض أو عدو لأنه بذبح الهدي يحل ويرتفض إحرامه على ما سيأتي في بابه وسنذكر هناك أيضا أن كل من منع عن المضي في موجب الإحرام لحق العبد فإنه يتحلل بغير الهدي كالمرأة والعبد لو أحرما بلا إذن الزوج والمولى، فإن لهما أن يحللاهما في الحال بلا ذبح‏.‏ وبما قررناه اندفع ما في الشرنبلالية حيث زعم المنافاة بين ما مر من أنه لا يخرج عن الإحرام إلا بالأفعال وبين مسألة تحليل المولى أمته بنحو قص ظفر أو جماع‏.‏

‏(‏قوله أو أربعة منه‏)‏ أما لو ترك أقله ففيه صدقة كما سيأتي‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

لم يصرحوا بحكم طواف القدوم لو شرع فيه وترك أكثره أو أقله‏.‏ والظاهر أنه كالصدر لوجوبه بالشروع، وقدمنا تمامه في باب الإحرام ‏(‏قوله ولا يتحقق الترك إلا بالخروج من مكة‏)‏ لأنه ما دام فيها لم يطالب به ما لم يرد السفر‏.‏ قال في البحر‏:‏ وأشار بالترك إلى أنه لو أتى بما تركه لا يلزمه شيء مطلقا لأنه ليس بمؤقت ا هـ‏.‏ أي ليس له وقت يفوت بفوته، وقدمنا عن النهر واللباب أنه لو نفر ولم يطف وجب عليه الرجوع ليطوف ما لم يجاوز الميقات فخير بين إراقة الدم والرجوع بإحرام جديد بعمرة، ولا شيء عليه لتأخيره ‏(‏قوله بلا عذر‏)‏ قيد للترك والركوب‏.‏ قال في الفتح عن البدائع، وهذا حكم ترك الواجب في هذا الباب ا هـ‏.‏ أي أنه إن تركه بلا عذر لزمه دم، وإن بعذر فلا شيء عليه مطلقا‏.‏ وقيل فيما ورد به النص فقط، وهذا بخلاف ما لو ارتكب محظورا كاللبس والطيب فإنه يلزمه موجبه ولو بعذر كما قدمناه أول الباب، ثم لو أعاد السعي ماشيا بعدما حل وجامع لم يلزمه دم لأن السعي غير مؤقت، بل الشرط أن يأتي به بعد الطواف وقد وجد بحر ‏(‏قوله أو الرمي كله‏)‏ إنما وجب بتركه كله دم واحد لأن الجنس متحد كما في الحلق، والترك إنما يتحقق بغروب الشمس من آخر أيام الرمي وهو الرابع لأنه لم يعرف قربة إلا فيها، وما دامت الأيام باقية فالإعادة ممكنة فيرميها على التأليف، ثم بتأخيرها يجب الدم عنده خلافا لهما بحر، وبه علم أن الترك غير قيد لوجوب الدم بتأخير الرمي كله أو تأخير رمي يوم إلى ما يليه، أما لو أخره إلى الليل فلا شيء عليه كما مر تقريره في بحث الرمي ‏(‏قوله أو في يوم واحد‏)‏ ولو يوم النحر لأنه نسك تام بحر ‏(‏قوله أو الرمي الأول‏)‏ داخل فيما قبله كما علمت، لكنه نص عليه تبعا للهداية لأنه لو ترك جمرة العقبة في بقية الأيام يلزمه صدقة؛ لأنها أقل الرمي فيها بخلاف اليوم الأول فإنها كل رمية رحمتي فافهم‏.‏ ‏(‏قوله وأكثره‏)‏ كأربع حصيات فما فوقها في يوم النحر أو إحدى عشرة فيما بعده، وكذا لو أخر ذلك‏.‏ أما لو ترك أقل من ذلك أو أخره فعليه لكل حصاة صدقة إلا أن يبلغ دما فينقص ما شاء لباب ‏(‏قوله أي أكثر رمي يوم‏)‏ المفهوم من الهداية عود الضمير إلى الرمي الأول، وهو رمي العقبة في يوم النحر، وهو المفهوم من عبارة المصنف أيضا لكن ما ذكره الشارح أفود‏.‏

‏(‏قوله أو حلق في حل بحج أو عمرة‏)‏ أي يجب دم لو حلق للحج أو العمرة في الحل لتوقته بالمكان، وهذا عندهما خلافا للثاني ‏(‏قوله في أيام النحر‏)‏ متعلق بحلق بقيد كونه للحج، ولذا قدمه على قوله أو عمرة فيتقيد حلق الحاج بالزمان أيضا، وخالف فيه محمد، وخالف أبو يوسف فيهما، وهذا الخلاف في التضمين بالدم لا في التحلل فإنه يحصل بالحلق في أي زمان أو مكان فتح‏.‏ وأما حلق العمرة فلا يتوقت بالزمان إجماعا هداية، وكلام الدرر يوهم أن قوله في أيام النحر قيد للحج والعمرة، وعزاه إلى الزيلعي مع أنه لا إيهام في كلام الزيلعي كما يعلم بمراجعته ‏(‏قوله فدمان‏)‏ دم للمكان ودم للزمان ط ‏(‏قوله لاختصاص الحلق‏)‏ أي لهما بالحرم وللحج في أيام النحر ط ‏(‏قوله خرج‏)‏ أي من الحرم ‏(‏قوله ثم رجع من حل‏)‏ أي قبل أن يحلق أو يقصر في الحل ‏(‏قوله وكذا الحاج إلخ‏)‏ فيه رد على صاحب الدرر وصدر الشريعة وابن كمال حيث أطلقوا وجوب الدم بخروجه قبل التحلل ثم رجوعه، فإن ذات الخروج من الحرم لا يلزم المحرم به شيء‏.‏ قال في الهداية‏:‏ ومن اعتمر فخرج من الحرم وقصر فعليه دم عندهما‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ لا شيء عليه، وإن لم يقصر حتى رجع وقصر فلا شيء عليه في قولهم جميعا لأنه أتى به في مكانه فلم يلزمه ضمانه‏.‏ ا هـ‏.‏ قال في العناية‏:‏ ولو فعل الحاج ذلك لم يسقط عنه دم التأخير عند أبي حنيفة ا هـ‏.‏ فقد نص على أن الدم الذي يلزم الحاج إنما هو لتأخير الحلق عن أيام النحر، ويفيد أنه إذا عاد بعدما خرج من الحرم وحلق فيه في أيام النحر لا شيء عليه، وهذا لا يتوقف فيه من له أدنى إلمام بمسائل الفقه فليتنبه له، أفاده في الشرنبلالية ‏(‏قوله أو قبل إلخ‏)‏ حاصله أن دواعي الجماع كالمعانقة والمباشرة الفاحشة والجماع فيما دون الفرج والتقبيل واللمس بشهوة موجبة للدم، أنزل أو لا قبل الوقوف أو بعده، ولا يفسد حجه شيء منها كما في اللباب، وشمل قوله قبل الوقوف أو بعده ثلاث صور‏:‏ ما إذا كان قبل الوقوف والحلق أو بعده قبل الحلق، أو بعد الوقوف والحلق قبل الطواف، ففي الأوليين حصل الفرق بين الدواعي والجماع لمقتض، وهو أن الجماع في الأولى مفسد لتعلق فساد الحج بالجماع حقيقة كما قال في البحر، وإنما لم يفسد الحج بالدواعي كما لا يفسد بها الصوم لأن فساده معلق بالجماع حقيقة بالنص، والجماع معنى دونه فلم يلحق به، وفي الثانية موجب للبدنة لغلظ الجناية كما في البحر، ولم يفسد لتمام حجه بالوقوف ولا شيء من ذلك في الدواعي‏.‏ وأما الثالثة فاشترك الجماع ودواعيه في وجوب الشاة لعدم المقضي للتفرقة المذكورة لأن الجماع هنا ليس جناية غليظة لوجود الحل الأول بالحلق، فلذا لم تجب به بدنة ودواعيه ملحقة به في كثير من الأحكام فافهم‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

أطلق في التقبيل واللمس فعم ما لو صدرا في أجنبية أو زوجته أو أمته والظاهر أن الأمر كالأجنبية وإن توقف فيه الحموي، وأخرج بهما النظر إلى فرج امرأة بشهوة فأمنى فإنه لا شيء عليه كما لو تفكر؛ ولو أطال النظر أو تكرر وكذا الاحتلام لا يوجب شيئا هندية ط ‏(‏قوله في الأصح‏)‏ لم أر من صرح بتصحيحه، وكأنه أخذه من التصريح بالإطلاق في المبسوط والهداية والكافي والبدائع وشرح المجمع وغيرها كما في اللباب ورجحه في البحر بأن الدواعي محرمة لأجل الإحرام مطلقا فيجب الدم مطلقا، واشترط في الجامع الصغير الإنزال وصححه قاضي خان في شرحه ‏(‏قوله وأنزل‏)‏ قيد للمسألتين، فإن لم ينزل فيهما فلا شيء عليه ط ‏(‏قوله أو أخر الحاج‏)‏ قيد به لأن حلق المعتمر لا يتقيد بالزمان وكذا طوافه، فلا يلزمه بتأخيرهما شيء ط ‏(‏قوله أو طواف الفرض‏)‏ أي كله أو أكثره فلو أخر أقله يجب صدقة، وأشار إلى أنه لو أخر طواف الصدر لا يجب شيء قهستاني ‏(‏قوله لتوقتهما‏)‏ أي الحلق وطواف الفرض بها أي بأيام النحر عند الإمام، وهذا علة لوجوب الدم بتأخيرهما‏.‏ قال في الشرنبلالية‏:‏ وهذا إذا كان تأخير الطواف بلا عذر، حتى لو حاضت قبل أيام النحر واستمر بها حتى مضت لا شيء عليها بالتأخير وإن حاضت في أثنائها وجب الدم بالتفريط فيما تقدم كذا في الجوهرة عن الوجيز، وأفاد شيخنا أنه لا تفريط لعدم وجوب الطواف عينا في أول وقته، ففي إلزامها بالدم وقد حاضت في الأثناء نظر‏.‏ ا هـ‏.‏ وتقدم تمامه في بحث الطواف‏.‏

‏(‏قوله أو قدم نسكا على آخر‏)‏ أي وقد فعله في أيام النحر لئلا يستغني عنه بقوله قبله أو أخر الحلق إلخ شرنبلالية ‏(‏قوله فيجب إلخ‏)‏ لما كان قوله أو قدم إلخ بيانا لوجوب الدم بعكس الترتيب فرع عليه أن الترتيب واجب مع بيان ما يجب ترتيبه وما لا يجب فافهم ‏(‏قوله لغير المفرد‏)‏ أما هو فالذبح له مستحب كما مر ‏(‏قوله لكن لا شيء على من طاف‏)‏ أي مفردا أو غيره شرح اللباب ‏(‏قوله قبل الرمي والحلق‏)‏ أي وكذا قبل الذبح بالأولى لأن الرمي مقدم على الذبح، فإذا لم يجب ترتيب الطواف على الرمي لا يجب على الذبح ‏(‏قوله وقد تقدم‏)‏ أي عند ذكر الواجبات ‏(‏قوله كما لا شيء على المفرد إلخ‏)‏ فيجب تقديم الرمي على الحلق للمفرد وغيره، وتقديم الرمي على الذبح والذبح على الحلق لغير المفرد، ولو طاف المفرد وغيره قبل الرمي والحلق لا شيء عليه لباب وكذا لو طاف قبل الذبح كما علمت‏.‏ والحاصل أن الطواف لا يجب ترتيبه على شيء من الثلاثة وإنما يجب ترتيب الثلاثة الرمي ثم الذبح ثم الحلق، لكن المفرد لا ذبح عليه فيجب عليه الترتيب بين الرمي والحلق فقط‏.‏

‏(‏قوله حلق قبل ذبحه‏)‏ وكذا لو حلق قبل الرمي بالأولى بحر، وإنما وضع المسألة في القارن لأن المفرد لا شيء عليه في ذلك لأنه لا ذبح عليه فلا يتصور تأخير النسك وتقديمه بالحلق قبله ابن كمال ‏(‏قوله كما حرره المصنف‏)‏ أي تبعا لشيخه في البحر ‏(‏قوله وبه‏)‏ أي بما ذكر من أن المذهب أن أحد الدمين للتأخير والآخر للقران الذي هو دم شكر فافهم ‏(‏قوله ما توهمه بعضهم‏)‏ أي صاحب الهداية حيث قال دم بالحلق في غير أوانه لأن أوانه بعد الذبح ودم بتأخير الذبح عن الحلق ا هـ‏.‏ وقد خطأه شراح الهداية من وجوه‏.‏ منها‏:‏ مخالفته لما نص عليه في الجامع الصغير من أن أحد الدمين للقران والآخر للتأخير‏.‏ ومنها‏:‏ أنه يلزم منه أن يجب عليه خمسة دماء على قول من يقول إن إحرام العمرة لا ينتهي بالوقوف لأن جنايته على إحرامين والتقديم والتأخير جنايتان ففيهما أربعة دماء ودم القران‏.‏ وأجاب في البحر عن الأول بأن ما مشى عليه رواية أخرى غير رواية الجامع وإن كان المذهب خلافه‏.‏ وعن الثاني بأن التضاعف على القارن إنما يكون فيما إذا أدخل نقصا في إحرام عمرته وإلا فلا يجب إلا دم واحد؛ ولهذا إذا أفاض القارن قبل الإمام أو طاف للزيادة جنبا أو محدثا لا يلزمه إلا دم واحد لأنه لا تعلق للعمرة بالوقوف وطواف الزيارة، وتمام الكلام عليه وعلى الجواب عن بقية ما أورد عليه مبسوط فيه وفيما علقناه عليه ‏(‏قوله أقل من عضو‏)‏ أي ولو أكثره كما مر ط وهذا إذا كان الطيب قليلا على ما مر من التوفيق ‏(‏قوله في الخزانة إلخ‏)‏ أفاد في البحر ضعفه كما قدمناه أول الباب ‏(‏قوله أو حلق شاربه‏)‏ لأنه تبع للحية ولا يبلغ ربعها، والقول بوجوب الصدقة فيه هو المذهب المصحح، وقيل فيه حكومة عدل، وقيل دم كما حرر في البحر ‏(‏قوله أو أقل من ربع رأسه إلخ‏)‏ ظاهره كالكنز أن الواجب نصف صاع ولو كان شعرة واحدة، لكن في الخانية إن نتف من رأسه أو أنفه أو لحيته شعرات فلكل شعرة كف من طعام‏.‏ وفي خزانة الأكمل في خصلة نصف صاع فظهر أن في كلام المصنف اشتباها لأنه لم يبين الصدقة ولم يفصلها بحر ‏(‏قوله وقد استقر إلخ‏)‏ إشارة إلى ما في عبارة المصنف من الإيهام كعبارة الدرر وصدر الشريعة وابن كمال لأن مفادها أنه يجب فيما فوق الواحد إلى الخمس نصف صاع‏.‏ قال في الشرنبلالية‏:‏ وهو غلط لما في الكافي والهداية وشروحها من أنه لو قص أقل من خمسة فعليه بكل ظفر صدقة إلا أن يبلغ ذلك دما فينقص ما شاء، ولو قص ستة عشر ظفرا من كل عضو أربعة يجب بكل ظفر طعام مسكين إلا أن يبلغ ذلك دما فحينئذ ينقص ما شاء‏.‏ ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في اللباب‏:‏ كل صدقة تجب في الطواف فهي لكل شوط نصف صاع، أو في الرمي فلكل حصاة صدقة أو في قلم الأظفار فلكل ظفر، أو في الصيد ونبات الحرم فعلى قدر القيمة ا هـ‏.‏ فليحفظ ‏(‏قوله فينقص ما شاء‏)‏ أي لئلا يجب في الأقل ما يجب في الأكثر‏.‏ قال في اللباب‏:‏ وقيل ينقص نصف صاع ا هـ‏.‏ ويأتي بيانه قريبا‏.‏

‏(‏قوله أو طاف للقدوم‏)‏ وكذا كل طواف تطوع جبرا لما دخله من النقص بترك الطهارة نهر ‏(‏قوله من سبع الصدر‏)‏ أما لو ترك ثلاثة من سبع القدوم فلم يذكروه وقدمنا الكلام عليه ‏(‏قوله ومن السعي‏)‏ أي لو ترك ثلاثة منه أو أقل فعليه لكل شوط منه صدقة إلا أن يبلغ دما فيخير بين الدم وتنقيص الصدقة لباب ‏(‏قوله أو إحدى الجمار الثلاث‏)‏ أي التي بعد يوم النحر ط والمراد أن يترك أقل جمار يوم كثلاث من يوم النحر وعشرة مما بعده رحمتي ‏(‏قوله فكما مر‏)‏ أي ينقص ما شاء ‏(‏قوله وأفاد الحدادي‏)‏ أي في السراج وتقدم عن اللباب التعبير عنه بقيل إشارة إلى ضعفه لمخالفته لما في عامة الكتب من إطلاق التنقيص بما شاء‏.‏ لكنه غير محرر لأنه صادق بما لو شاء شيئا قليلا مثل كف من طعام في ترك ثلاث حصيات مثلا لو بلغ الواجب فيها قيمة دم مع أنه لو ترك حصاة واحدة يجب نصف صاع، وقد التزم ذلك بعض شراح اللباب وقال إنه الظاهر من إطلاقهم، وهو بعيد كما علمت؛ لأنهم نقصوا عن قيمة الدم لئلا يجب في القليل ما يجب في الكثير فينبغي أن يكون ما في السراج بيانا لما أطلقوه بمعنى أنه ينقص ما شاء إلا نصف صاع لا أكثر لما قلنا، لكن ما في السراج مجمل، وقد فسره ما نقله بعضهم عن البحر الزاخر إذا بلغ قيمة الصدقات دما ينقص منه نصف صاع ليبلغ قيمة المجموع أقل من ثمن الشاة، وهكذا إذا نقص نصف صاع وكان ثمن الباقي مقدار ثمن الشاة ينقص إلى أن يصير ثمن الصدقة الباقية أقل من ثمن الشاة، حتى لو كان الواجب ابتداء نصف صاع فقط بأن قلم ظفرا واحدا وكان يبلغ هديا ينقص منه ما شاء بحيث يصير ثمن الباقي أقل من ثمن الهدي‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله أو حلق إلخ‏)‏ اعلم أن الحالق والمحلوق إما أن يكونا محرمين أو حلالين، أو الحالق محرما والمحلوق حلالا أو بالعكس؛ ففي كل على الحالق صدقة إلا أن يكونا حلالين، وعلى المحلوق دم إلا أن يكون حلالا نهاية، لكن في حلق المحرم رأس حلال يتصدق الحالق بما شاء، وفي غيره الصدقة نصف صاع كما في الفتح والبحر‏.‏ وبه يعلم ما في قوله أو حلال، ووقع في العناية‏:‏ فيما إذا كان الحالق حلالا والمحلوق محرما أنه لا شيء على الحالق اتفاقا فليتأمل ‏(‏قوله فإنه لا شيء عليه‏)‏ أي على الفاعل، أما المفعول فعليه الجزاء إذا كان محرما لباب وشرحه ‏(‏قوله كالفطرة‏)‏ أفاد أن التقييد بنصف الصاع من البر اتفاقي فيجوز إخراج الصاع من التمر أو الشعير ط عن القهستاني‏.‏ قال بعض المحشين‏:‏ وأما المخلوط بالشعير فإنه ينظر، فإن كانت الغلبة للشعير فإنه يجب عليه صاع، وإن كانت للحنطة فنصفه، كذا في خزانة الأكمل، فإن تساويا ينبغي وجوب الصاع احتياطا، وما ذكروه في الفطرة يجري هنا‏.‏ ا هـ‏.‏

‏(‏قوله بعذر‏)‏ قيد للثلاثة وليست الثلاثة قيدا، فإن جميع محظورات الإحرام إذا كان بعذر ففيه الخيارات الثلاثة كما في المحيط قهستاني، وأما ترك شيء من الواجبات بعذر فإنه لا شيء فيه على ما مر أول الباب عن اللباب وفيه‏:‏ ومن الأعذار الحمى والبرد والجرح والقرح والصدع والشقيقة والقمل، ولا يشترط دوام العلة ولا أداؤها إلى التلف بل وجودها مع تعب ومشقة يبيح ذلك، وأما الخطأ والنسيان والإغماء والإكراه والنوم وعدم القدرة على الكفارة فليست بأعذار في حق التخيير ولو ارتكب المحظور بغير عذر فواجبه الدم عينا، أو الصدقة فلا يجوز عن الدم طعام ولا صيام، ولا عن الصدقة صيام؛ فإن تعذر عليه ذلك بقي في ذمته‏.‏ ا هـ‏.‏ وما في الظهيرية من أنه إن عجز عن الدم صام ثلاثة أيام ضعيف كما في البحر وفيه‏:‏ من الأعذار خوف الهلاك، ولعل المراد بالخوف الظن لا مجرد الوهم، فتجوز التغطية والستر إن غلب على ظنه، لكن بشرط أن لا يتعدى موضع الضرورة، فيغطي رأسه بالقلنسوة فقط إن اندفعت الضرورة بها، وحينئذ فلف العمامة عليها موجب للدم أو الصدقة‏.‏ ا هـ‏.‏ قلت‏:‏ يعني إذا كانت نازلة عن الرأس بحيث تغطي ربعا مما تحرم تغطيته، وإلا فقدمنا عن الفتح وغيره التصريح بخلاف وأنه مثل ما لو اضطر لجبة فلبس جبتين، نعم يأثم، بخلاف ما لو لبس جبة وقلنسوة فإن فيه كفارتين ‏(‏قوله إن شاء ذبح إلخ‏)‏ هذا فيما يجب فيه الدم، أما ما يجب فيه الصدقة، إن شاء تصدق بما وجب عليه من نصف صاع أو أقل على مسكين أو صام يوما كما في اللباب ‏(‏قوله ذبح‏)‏ أفاد أنه يخرج عن العهدة بمجرد الذبح، فلو هلك أو سرق لا يجب غيره، بخلاف ما لو سرق وهو حي وإنما لا يأكل منه رعاية لجهة التصدق، وتمامه في البحر ‏(‏قوله في الحرم‏)‏ فلو ذبح في غيره لم يجز إلا أن يتصدق باللحم على ستة مساكين على كل واحد منهم قدر قيمة نصف صاع حنطة فيجزيه بدلا عن الإطعام بحر ‏(‏قوله أو تصدق‏)‏ أفاد أنه لا بد من التمليك عند محمد ورجحه في البحر تبعا للفتح، فلا تكفي الإباحة، خلافا لأبي يوسف‏.‏ واختلف النقل عن الإمام ‏(‏قوله بثلاثة أصوع طعام‏)‏ بإضافة أصوع، وهو بفتح الهمزة وضم الصاد وسكون الواو أو بسكون الصاد وضم الواو‏:‏ جمع صاع شرح النقاية للقاري، والطعام البر بطريق الغلبة قهستاني ‏(‏قوله على ستة مساكين‏)‏ كل واحد نصف صاع‏.‏ حتى لو تصدق بها على ثلاثة أو سبعة فظاهر كلامهم أنه لا يجوز لأن العدد منصوص عليه‏.‏ وعلى قول من اكتفى بالإباحة ينبغي أنه لو غدى مسكينا واحدا وعشاه ستة أيام أن يجوز أخذا من مسألة الكفارات نهر تبعا للبحر ‏(‏قوله أين شاء‏)‏ أي في غير الحرم أو فيه ولو على غير أهله لإطلاق النص، بخلاف الذبح والتصدق على فقراء مكة أفضل بحر، وكذا الصوم لا يتقيد بالحرم، فيصومه أين شاء كما أشار إليه في بحر وصرح به في الشرنبلالية عن الجوهرة وغيرها‏.‏

‏(‏قوله ووطؤه‏)‏ أي بإيلاج قدر الحشفة وإن لم ينزل ولو بحائل لا يمنع وجود الحرارة واللذة، وسواء كان في امرأة واحدة أو أكثر أجنبية، أو لا، مرة أو مرارا، ولا يتعدد الدم إلا بتعدد المجلس إذا لم ينو بالثاني رفض الإحرام كما مر بيانه، أفاده في البحر ‏(‏قوله في إحدى السبيلين‏)‏ السبيل يذكر ويؤنث أي القبل والدبر‏.‏ قال في النهر‏:‏ ثم هذا في الدبر أصح الروايتين، وهو قولهما ‏(‏قوله من آدمي‏)‏ فلا يفسد بوطء البهيمة مطلقا لقصوره بحر أي سواء أنزل أو لا، وقد ألحقوا التي لا تشتهى بالبهيمة كما مر في الصوم فيقتضي عدم الفساد بوطء الميتة والصغيرة التي لا تشتهى رملي ونحوه في شرح اللباب ‏(‏قوله ولو ناسيا‏)‏ شمل التعميم العبد، لكن يلزمه الهدي وقضاء الحج بعد العتق سوى حجة الإسلام، وكل ما يجب فيه المال يؤاخذ به بعد عتقه، بخلاف ما فيه الصوم فإنه يؤاخذ به للحال، ولا يجوز إطعام المولى عنه إلا في الإحصار فإن المولى يبعث عنه ليحل هو، فإذا عتق فعليه حجة وعمرة بحر ‏(‏قوله أو مكرها‏)‏ ولا رجوع له على المكره كما ذكره الإسبيجابي، وحكى في الفتح خلافا في رجوع المرأة بالدم إذا أكرهها الزوج، ولم أر قولا في رجوعها بمؤنة حجها بحر ‏(‏قوله أو صبيا‏)‏ يؤيده أن المفسد للصلاة والصوم لا فرق فيه بين المكلف وغيره فكذلك الحج، وما في الفتح من أنه لا يفسد حجه ضعيف بحر ونهر ‏(‏قوله لكن لا دم ولا قضاء عليه‏)‏ أي على الصبي أو المجنون، وأفرد الضمير لمكان أو، وكذا لا مضي عليهما في إحرامهما لعدم تكليفهما شرح اللباب ‏(‏قوله قبل وقوف فرض‏)‏ بالإضافة البيانية‏:‏ أي وقوف هو فرض أو بدونها مع التنوين فيهما على الوصفية‏:‏ أي وقوف مفروض، والمراد بالفرضية الركنية فشمل حج النفل، وخرج وقوف المزدلفة إذا جامع قبله فإنه لا يفسد الحج لكن فيه بدنة ‏(‏قوله يفسد حجه‏)‏ أي ينقصه نقصانا فاحشا ولم يبطله كما في المضمرات قهستاني‏.‏ قال صاحب اللباب بعد نقله عنه‏:‏ وهو قيد حسن يزيل بعض الإشكالات‏.‏ قال القاري‏:‏ قلت‏:‏ من جملتها المضي في الأفعال، لكن في عدم الإبطال أيضا نوع إشكال وهو القضاء إلا أنه يمكن دفعه بأنه ليؤدى على وجه الكمال‏.‏ ا هـ‏.‏ أقول‏:‏ حاصله أنه ليس المراد بالفساد هنا البطلان بمعنى عدم وجود حقيقة الفعل الشرعية كالصلاة بلا طهارة بل المراد به الخلل الفاحش الموجب لعدم الاعتداء بفعله ولوجوب القضاء ليخرج عن العهدة، فالحقيقة الشرعية موجودة ناقصة نقصانا أخرجها عن الإجزاء، ولهذا صرح في الفتح عن المبسوط بأنه بإفساد الإحرام لم يصر خارجا عنه قبل الإعمال ا هـ‏.‏ ولو كان باطلا من كل وجه لكان خارجا عنه، ولما كان يلزمه موجب ما يرتكبه بعد ذلك من المحظورات‏.‏ وذكر في اللباب وغيره أنه لو أهل بحجة أخرى ينوي قبل أدائها فهي هي، ونيته لغو لا تصح ما لم يفرغ من الفاسدة، وبهذا ظهر أن قول بعض معاصري صاحب البحر أن الحج إذا فسد لم يفسد الإحرام معناه لم يبطل بالمعنى الذي ذكرنا، فلا يرد ما أورده عليه من تصريحهم بفساده‏.‏ ثم إن هذا يفيد الفرق بين الفساد والبطلان في الحج بخلاف سائر العبادات فهو مستثنى من قولهم لا فرق بينهما في العبادات بخلاف المعاملات، ويؤيده أنه صرح في اللباب في فصل محرمات الإحرام بأن مفسده الجماع قبل الوقوف ومبطله الردة، والله تعالى أعلم‏.‏

‏(‏قوله وكذا لو استدخلت ذكر حمار‏)‏ والفرق بينه وبين ما إذا وطئ بهيمة حيث لا يفسد حجه أن داعي الشهوة في النساء أتم فلم تكن في جانبهن قاصرة، بخلاف الرجل إذا جامع بهيمة ط ‏(‏قوله أو ذكرا مقطوعا‏)‏ ولو لغير آدمي ط ‏(‏قوله ويمضي إلخ‏)‏ لأن التحلل من الإحرام لا يكون إلا بأداء الأفعال أو الإحصار ولا وجود لأحدهما، وإنما وجب المضي فيه مع فساده لما أنه مشروع بأصله دون وصفه، ولم يسقط الواجب به لنقصانه نهر ‏(‏قوله كجائزه‏)‏ أي فيفعل جميع ما فعله في الحج الصحيح ويجتنب ما يجتنب فيه، وإن ارتكب محظورا فعليه ما على الصحيح لباب ‏(‏قوله ويذبح‏)‏ ويقول سبع البدنة مقام الشاة كما صرح به في غاية البيان بحر‏.‏ قلت‏:‏ وهذا صريح، بخلاف ما ذكره قبل هذا كما قدمناه أول الباب ‏(‏قوله ويقضي‏)‏ أي على الفور كما نقله بعض المحشين عن البحر العميق‏.‏ وقال الخير الرملي‏:‏ ويقضي أي من قابل لوجوب المضي، فلا يقضي إلا من قابل، وسيأتي في مجاوزة الوقت بغير إحرام أنه لو عاد ثم أحرم بعمرة أو حجة ثم أفسد تلك العمرة أو الحجة وقضى الحج في عامه يسقط عنه الدم فهو صريح في جواز القضاء من عامه لتدارك ما فاته فليتأمل‏.‏ ا هـ‏.‏ ‏(‏قوله ولو نفلا‏)‏ لوجوبه بالشروع ‏(‏قوله هل يجب قضاؤه‏)‏ أي قضاء القضاء الذي أفسده حتى يقضي حجتين للأولى والثانية ‏(‏قوله لم أره إلخ‏)‏ البحث لصاحب النهر حيث قال فيه لما سئل عن ذلك، لم أر المسألة وقياس كونه إنما شرع فيه مسقطا لا ملزما أن المراد بالقضاء معناه اللغوي، والمراد الإعادة كما هو الظاهر ا هـ‏.‏ ويوافقه قول القهستاني الأولى أن يقول وأعاد لأن جميع العمر وقته‏.‏ ا هـ‏.‏ ولذا قال ابن الهمام في التحرير إن تسميته قضاء مجاز قال شارحه لأنه في وقته وهو العمر فهو أداء على قول مشايخنا ا هـ‏.‏ أي وحيث كان الثاني أداء لم يكن حجا آخر أفسده لأنه لم يشرع فيه ملزما نفسه حجا آخر، بل شرع فيه مسقطا لما عليه في نفس الأمر، وليس هو ظانا حتى يرد أن الظان يلزمه القضاء كما مر أول فصل الإحرام كما لا يخفى، وحينئذ فلا يلزمه قضاء حج آخر وإنما يلزمه أداؤه ثالثا لأن الواجب عليه حج كامل حتى يسقط به الواجب، فكلما أفسده لا يلزمه سوى الواجب عليه أولا كما لو شرع في صلاة فرض فأفسدها‏.‏ وقد وجد العلامة الشيخ إسماعيل النابلسي هذه المسألة منقولة فقال‏:‏ ولفظ المبتغى لو فاته الحج ثم حج من قابل يريد قضاء تلك الحجة فأفسد حجه لم يكن عليه إلا قضاء حجة واحدة كما لو أفسد قضاء صوم رمضان ا هـ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

تقدم في كتاب الصلاة أن الإعادة فعل مثل الواجب في وقته لخلل غير الفساد وهنا الخلل هو الفساد فلا يكون إعادة، لكن مرادهم هناك بالفساد البطلان بناء على عدم الفرق بينهما في العبادات، وقد علمت آنفا الفرق بينهما في الحج فصدق عليه التعريف المذكور على أنا قدمنا هناك عن الميزان تعريفها بالإتيان بمثل الفعل الأول على صفة الكمال فافهم ‏(‏قوله ولم يتفرقا‏)‏ أي الرجل والمرأة في القضاء بعدما أفسدا حجهما بالجماع أي بأن يأخذ كل منهما طريقا غير طريق الآخر بحيث لا يرى أحدهما صاحبه نهر ‏(‏قوله بل ندبا إن خاف الوقاع‏)‏ كذا في البحر عن المحيط وغيره، ومثله في اللباب، وكذا في القهستاني عن الاختيار، وقد راجعت الاختيار فرأيته كذلك فافهم‏.‏ قال في شرح اللباب‏:‏ وأما ما في الجامع الصغير وليست الفرقة بشيء أي بأمر ضروري‏.‏ وقال قاضي خان‏:‏ يعني ليس بواجب‏.‏ وقال زفر ومالك والشافعي‏:‏ يجب افتراقهما‏.‏ وأما وقت الافتراق‏.‏ فعندنا وزفر إذا أحرما وعند مالك إذا خرجا من البيت‏.‏ وعند الشافعي إذا انتهيا إلى مكان الجماع‏.‏

‏(‏قوله بعد وقوفه‏)‏ أي قبل الحلق والطواف ‏(‏قوله وتجب بدنة‏)‏ شمل ما إذا جامع مرة أو مرارا إن اتحد المجلس، فإن اختلف فبدنة للأول وشاة للثاني بحر، وشمل العامد والناسي كما صرح به في المتون واللباب خلافا لما في السراج من أن الناسي عليه شاة‏.‏ قال في شرح اللباب‏:‏ وهو خلاف ما في المشاهير من الروايات من عدم الفرق بينهما في سائر الجنايات‏.‏ وصرح بخصوص المسألة في الخانية ‏(‏قوله قبل الطواف‏)‏ أي طواف الزيارة كله أو أكثره كما في النهر ‏(‏قوله لخفة الجناية‏)‏ أي لوجود الحل الأول بالحلق في حق غير النساء، وما ذكره من التفصيل هو ما عليه المتون، ومشي في المبسوط والبدائع والإسبيجابي على وجوب البدنة قبل الحلق وبعده‏.‏ وفي الفتح أنه الأوجه لإطلاق ظاهر الرواية وجوبها بعد الوقوف بلا تفصيل، وناقشه في البحر والنهر‏.‏ وأما لو جامع بعد طواف الزيارة كله أو أكثره قبل الحلق فعليه شاة لباب‏.‏ قال شارحه القاري‏:‏ كذا في البحر الزاخر وغيره، ولعل وجهه أن تعظيم الجناية إنما كان لمراعاة هذا الركن، وكان مقتضاه أن يستمر هذا الحكم ولو بعد الحلق قبل الطواف إلا أنه سومح فيه لصورة التحلل ولو كان متوقفا على أداء الطواف بالنسبة إلى الجماع ا هـ‏.‏ وظاهره أن وجوب الشاة في هذه المسألة لا نزاع فيه لأحد خلافا لما في شرح النقاية للقاري حيث جعلها محل الخلاف المذكور قبله، نعم استشكلها في الفتح بأن الطواف قبل الحلق لم يحل به من شيء فكان ينبغي وجوب البدنة‏.‏ ويعلم جوابه من التوجيه المذكور عن شرح اللباب‏.‏ هذا، ولم يذكر حكم جماع القارن‏.‏ قال في النهر‏:‏ فإن جامع قبل الوقوف وطواف العمرة فسد حجه وعمرته ولزمه دمان وسقط عنه دم القران، وإن بعدهما قبل الحلق لزمه بدنة للحج وشاة للعمرة‏.‏ واختلف فيما بعده ا هـ‏.‏ وتوضيحه في البحر ‏(‏قوله ووطؤه في عمرته‏)‏ شمل عمرة المتعة ط ‏(‏قوله وذبح‏)‏ أي شاة بحر ‏(‏قوله ووطؤه بعد أربعة ذبح ولم يفسد‏)‏ المناسب أن يقول لم يفسد وذبح ليصح الإخبار عن المبتدأ بلا تكلف إلى تقدير العائد‏.‏ قال في البحر‏:‏ وشمل كلامه ما إذا طاف الباقي وسعى أولا لكن بشرط كونه قبل الحلق، وتركه للعلم به لأنه بالحلق يخرج عن إحرامها بالكلية؛ بخلاف إحرام الحج‏.‏ ولما بين المصنف حكم المفرد بالحج والمفرد بالعمرة علم منه حكم القارن والمتمتع ا هـ‏.‏

‏(‏قوله أي حيوانا بريا إلخ‏)‏ زاد غيره في التعريف ممتنعا بجناحه أو قوائمه، احترازا عن الحية والعقرب وسائر الهوام‏.‏ والبري ما يكون توالده في البر، ولا عبرة بالمثوى، أي المكان‏.‏ واحترز به عن البحري، وهو ما يكون توالده في الماء ولو كان مثواه في البر لأن التوالد أصل والكينونة بعده عارض، فكلب الماء والضفدع المائي كما قيده في الفتح قال ومثله السرطان والتمساح والسلحفاة البحري يحل اصطياده للمحرم بنص الآية وعمومها متناول لغير المأكول منه وهو الصحيح‏.‏ خلافا لما في مناسك الكرماني من تخصيصه بالسمك خاصة‏.‏ أما البري فحرام مطلقا ولو غير مأكول كالخنزير كما في البحر عن المحيط إلا ما يستثنيه بعد من الذئب والغراب والحدأة والسبع الصائل، وأما باقي الفواسق فليست بصيد‏.‏ قال في اللباب‏:‏ وأما طيور البحر فلا يحل اصطيادها لأن توالدها في البر، وعزاه شارحه إلى البدائع والمحيط فما قاله في البحر من أن توالدها في الماء سبق قلم وإلا نافى ما مر من اعتبار التوالد فافهم، ودخل في المتوحش بأصل خلقته نحو الظبي المستأنس وإن كانت ذكاته بالذبح، وخرج البعير والشاة إذا استوحشا وإن كانت ذكاتهما بالبقر لأن المنظور إليه في الصيدية أصل الخلقة، وفي الذكاة الإمكان وعدمه بحر، وخرج الكلب ولو وحشيا لأنه أهلي في الأصل، وكذا السنور الأهلي، أما البري ففيه روايتان عن الإمام فتح وجزم في البحر بأنه كالكلب‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قال في شرح اللباب‏:‏ والظاهر أن ماء البحر لو وجد في أرض الحرم يحل صيده أيضا لعموم الآية وحديث‏:‏ «هو الطهور ماؤه والحل ميتته ‏"‏ وقد صرح به الشافعية حيث قالوا لا فرق بين أن يكون البحر في الحل أو الحرم‏.‏ ا هـ‏.‏ وفيه‏:‏ وقد يوجد من الحيوانات ما تكون في بعض البلاد وحشية الخلقة، وفي بعضها مستأنسة كالجاموس، فإنه في بلاد السودان مستوحش ولا يعرف منه مستأنس عندهم ا هـ‏.‏ ولم يبين حكمه‏.‏ وظاهره أن المحرم منهم في بلاده يحرم عليه صيده ما دام فيها، والله تعالى أعلم‏.‏ ‏(‏قوله أو دل عليه قاتله‏)‏ أراد بالدلالة الإعانة على قتله سواء كانت دلالة حقيقية بالإعلام بمكانه وهو غائب أو لا بحر، فدخل فيها الإشارة كما يشير إليه كلام الشارح وهي ما يكون بالحضرة، وفسرها في الفتح بأنها تحصيل الدلالة بغير اللسان ا هـ‏.‏ ومقتضاه أن الدلالة أعم لحصولها باللسان وغيره‏.‏ وذكر الشيخ إسماعيل عن البرجندي ما نصه‏:‏ ولا يخفى أن ذكر الدلالة يغني عن الإشارة، وقد تخص الإشارة بالحضرة والدلالة بالغيبة ا هـ‏.‏ فكان ينبغي أن يزيد المصنف أو أعانه عليه أو أمره بقتله لحديث أبي قتادة في الصحيحين‏:‏ «هل منكم أحد أمره أو أشار إليه» وفي رواية مسلم‏:‏ «هل أشرتم أو أعنتم‏؟‏ قالوا لا‏.‏ قال‏:‏ فكلوا» وقول البحر إن المراد بالدلالة الإعانة لا يشمل الأمر، إذ لا إعانة فيه ما لم تكن معه دلالة على ما يأتي قريبا، نعم يشمل ما لو دخل الصيد مكانا فدله على طريقه أو على بابه، وما لو دله على آلة يرميه بها، وكذا لو أعارها له على المعتمد إلا إذا كان مع القاتل سلاح غيرها على ما عليه أكثر المشايخ‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

قيد الدال بالمحرم بإرجاع الضمير إليه، وأطلق في القاتل لأن الدال الحلال لا شيء عليه إلا الإثم على ما في المشاهير من الكتب، وقيل عليه نصف القيمة شرح اللباب، ولا يشترط كون المدلول محرما فلو دل محرم حلالا في الحل فقتله فعلى الدال الجزاء دون المدلول لباب ‏(‏قوله مصدقا له‏)‏ هذه الشروط لوجوب الجزاء على الدال المحرم؛ أما الإثم فمتحقق مطلقا كما في البحر‏.‏ زاد في النهر‏:‏ وليس معنى التصديق أن يقول له صدقت؛ بل أن لا يكذبه؛ حتى لو أخبر محرم بصيد فلم يره حتى أخبره محرم آخر فلم يصدق الأول ولم يكذبه ثم طلب الصيد فقتله كان على كل واحد منهما الجزاء؛ ولو كذب الأول لم يكن عليه ‏(‏قوله غير عالم‏)‏ حتى لو دله والمدلول يعلم به‏:‏ أي برؤية أو غيرها لا شيء على الدال لكون دلالته تحصيل الحاصل فكانت كلا دلالة لباب وشرحه‏.‏ وعليه فيشكل ما في المحيط عن المنتقى‏:‏ لو قال خذ أحد هذين وهو يراهما فقتلهما فعلى الدال جزاء واحد وإلا فجزاءان‏:‏ وأجاب في البحر بأن الأمر بالأخذ ليس من قبيل الدلالة فيوجب الجزاء مطلقا‏.‏ قال‏:‏ ويدل عليه ما في الفتح وغيره‏:‏ لو أمر المحرم غيره بأخذ صيد فأمر المأمور آخر فالجزاء على الآمر الثاني لأنه لم يمتثل أمر الأول لأنه لم يأتمر بالأمر، بخلاف ما لو دل الأول على الصيد وأمره فأمر الثاني ثالثا بالقتل حيث يجب الجزاء على الثلاثة فقد فرقوا بين الأمر المجرد والأمر مع الدلالة‏.‏ ا هـ‏.‏ والحاصل أن عدم العلم شرط للدلالة لا للأمر، بل هو موجب للجزاء مطلقا بشرط الائتمار ‏(‏قوله واتصل القتل بالدلالة‏)‏ أي تحصل بسببها شرح اللباب ‏(‏قوله والدال والمشير‏)‏ الأولى أو المشير بأو لأن الحكم ثابت لأحدهما وليصح قوله بعد باق، واحترز بذلك عما إذا تحلل الدال أو المشير فقتله المدلول لا شيء عليه ويأثم هندية ط ‏(‏قوله قبل أن ينفلت عن مكانه‏)‏ فلو انفلت عن مكانه ثم أخذه بعد ذلك فقتله فلا شيء على الدال هندية ط ‏(‏قوله بدءا أو عودا‏)‏ أي لا فرق في لزوم الجزاء بين قتل أول صيد وبين ما بعده‏.‏ وقال ابن عباس لا جزاء على العائد وبه قال داود وشريح، ولكن يقال له اذهب فينتقم الله منك معراج ‏(‏قوله سهوا أو عمدا‏)‏ وكذا مباشرا ولو غير متعد كنائم انقلب على صيد أو متسببا إذا كان متعديا، كما إذا نصب شبكة أو حفر له حفيرة بخلاف ما لو نصب فسطاطا لنفسه فتعلق به صيد أو حفر حفيرة للماء أو لحيوان مباح القتل كذئب فعطب فيها صيد أو أرسل كلبه إلى حيوان مباح فأخذ ما يحرم أو إلى صيد في الحل وهو حلال فجاوز إلى الحرم حيث لا يلزمه شيء لعدم التعدي، وتمامه في النهر والبحر ‏(‏قوله أو مملوكا‏)‏ ويلزمه قيمتان قيمة لمالكه وجزاؤه حقا لله تعالى بحر عن المحيط، ولو كان معلما فيأتي حكمه‏.‏ ‏(‏قوله فعليه جزاؤه‏)‏ ويتعدد بتعدد المقتول إلا إذا قصد به التحلل ورفض إحرامه كما صرح به في الأصل بحر، وقدمناه عن اللباب ‏(‏قوله ولو سبعا‏)‏ اسم لكل مختطف منتهب جارح قاتل عاد عادة، وأراد به كل حيوان لا يؤكل لحمه مما ليس من الفواسق السبعة والحشرات سواء كان سبعا أم لا ولو خنزيرا أو قردا أو فيلا كما في المجمع بحر‏.‏ ودخل فيه سباع الطير كالبازي والصقر، وقيد بغير الصائل لما سيأتي أنه لو صال لا شيء بقتله ‏(‏قوله أو مستأنسا‏)‏ عطف على سبعا‏:‏ أي ولو ظبيا مستأنسا لأن استئناسه عارض، والعبرة للأصل كما مر ‏(‏قوله ولو مسرولا‏)‏ صرح به لخلاف مالك فيه، فإنه يقول لا جزاء فيه لأنه ألوف لا يطير بجناحيه كالبط ‏(‏قوله كما يلزمه‏)‏ أي المضطر إلى الأكل ‏(‏قوله ويقدم الميتة على الصيد‏)‏ أي في قول أبي حنيفة ومحمد‏.‏ وقال أبو يوسف والحسن‏:‏ يذبح الصيد والفتوى على الأول كما في الشرنبلالية ح‏.‏ قلت‏:‏ ورجحه في البحر أيضا بأن في أكل الصيد ارتكاب حرمتين الأكل والقتل، وفي أكل الميتة ارتكاب حرمة الأكل فقط ا هـ‏.‏ والخلاف في الأولوية كما هو ظاهر قول البحر عن الخانية، فالميتة أولى ا هـ‏.‏ والمراد بالحرمة والحرمتين ما هو في الأصل قبل الاضطرار إذ لا حرمة بعده ‏(‏قوله والصيد على مال الغير‏)‏ ترجيحا لحق العبد لافتقاره زيلعي‏.‏

‏[‏تنبيه‏]‏

في البحر عن الخانية وعن بعض أصحابنا‏:‏ من وجد طعام الغير لا تباح له الميتة، وهكذا عن ابن سماعة وبشر أن الغصب أولى من الميتة، وبه أخذ الطحاوي‏.‏ وقال الكرخي هو بالخيار ‏(‏قوله ولحم الإنسان‏)‏ أي لكرامته ولأن الصيد يحل في غير الحرم أو في غير حالة الإحرام، والآدمي لا يحل بحال ح ‏(‏قوله قيل والخنزير‏)‏ بالجر عطفا على الإنسان‏.‏ وعبارة البحر عن الخانية‏:‏ وعن محمد الصيد أولى من لحم الخنزير ا هـ‏.‏ وأفاد الشارح ضعفها، لكن إن كان المراد بالخنزير الميت وهو الظاهر، فوجه الضعف ظاهر لأنه كباقي الميتة فيه ارتكاب حرمة الأكل فقط وإلا فلا لأنه صيد أيضا فاصطياد غيره أولى لأن في كل ارتكاب حرمتين، لكن حرمته أشد، هذا ما ظهر لي‏.‏ وفي البحر عن الخانية‏:‏ والكلب أولى من الصيد لأن في الصيد ارتكاب المحظورين ‏(‏قوله ولو الميت نبيا إلخ‏)‏ غير منصوص في المذهب، بل نقله في النهر عن الشافعية ‏(‏قوله الصيد المذبوح أولى‏)‏ أي ما ذبحه محرم آخر أو ذبحه هو قبل الاضطرار لأن في أكله ارتكاب محظور واحد، بخلاف اصطياد غيره للأكل ‏(‏قوله ويغرم أيضا إلخ‏)‏ أي يغرم الذابح قيمة ما أكله زيادة على الجزاء لو كان الأكل بعد أداء الجزاء أما قبله فيدخل ما أكل في ضمان الصيد، فلا يجب له شيء بانفراده، ولا فرق بين أكله وإطعام كلابه‏.‏ وقالا لا يغرم بأكله شيئا، وتمامه في النهر‏.‏ قال في اللباب‏:‏ ولو أكل منه غير الذابح فلا شيء عليه، ولو أكل الحلال مما ذبحه في الحرم بعد الضمان لا شيء عليه للأكل ‏(‏قوله والجزاء هو ما قومه عدلان‏)‏ أي ما جعله العدلان قيمة للصيد، فما مصدرية أو ما قومه به على أنها موصولة والأول أولى فافهم‏.‏ ويقوم بصفته الخلقية على الراجح كالملاحة والحسن والتصويت لا ما كانت بصنع العباد إلا في تضمين قيمته لمالكه فيقوم بها أيضا إلا إذا كانت للهو كنقر الديك ونطح الكبش فلا تعتبر كما في الجارية المغنية، والمراد بالعدل من له معرفة وبصارة بقيمة الصيد، لا العدل في باب الشهادة بحر ملخصا، وأطلق في كون الجزاء هو القيمة فشمل الصيد الذي له مثل وغيره وهو قولهما، وخصه محمد بما لا مثل له فأوجب فيما له مثل مثله ففي نحو الظبي شاة والنعامة بدنة، وفي حمار الوحش بقرة، وتوجيه كل في المطولات ‏(‏قوله وقيل الواحد ولو القاتل يكفي‏)‏ الأولى إسقاط قوله ولو القاتل لأنه بحث من صاحب البحر، وقال بعده‏:‏ لكنه يتوقف على نقل ولم أره‏.‏ ا هـ‏.‏ على أن صاحب اللباب صرح بخلافه حيث قال ويشترط للتقويم عدلان غير الجاني، وقيل الواحد يكفي ا هـ‏.‏ وعكس في الهداية حيث اكتفي بالواحد، وعبر عن المثنى بقيل ميلا إلى أن العدد في الآية للأولوية وتبعه في التبيين للزيلعي والسراج والجوهرة والكافي، وهو ظاهر العناية أيضا فافهم وما مشى عليه المصنف واللباب استظهره في الفتح‏.‏ وقال في المعراج عن المبسوط على طريقة القياس‏:‏ يكفي الواحد للتقويم كما في حقوق العباد وإن كان المثنى أحوط لكن تعتبر حكومة المثنى بالنص ا هـ‏.‏ ومثله في غاية البيان، ومقتضاه اختيار المثنى، وعزا في البحر والنهر تصحيحه إلى شرح الدرر، وكأنه من جهة اقتصاره عليه متناوبه اندفع اعتراض الشرنبلالي عليهما بأنه لم يصرح في الدرر بتصحيحه، والمراد بالدرر لمنلا خسرو ومثله في درر البحار للقنوي، ومشى في شرحها غرر الأذكار على الاكتفاء بواحد ‏(‏قوله في مقتله‏)‏ أي موضع قتله‏.‏ قال في المحيط‏:‏ وعلى رواية الأصل اعتبر مع المكان الزمان في اعتبار القيمة، وهو الأصح نهر ‏(‏قوله فأو للتوزيع إلخ‏)‏ أي أن المعتبر هو مكانه إن كان يباع فيه الصيد وإلا فالمعتبر هو أقرب مكان يباع فيه، لا أن العدلين يخيران في تقويمه مطلقا‏.‏