فصل: باب: رَهْن الرَّجُلَيْنِ الشيء الواحد من الرجل الواحد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: نهاية المطلب في دراية المذهب



.باب: رَهْن الرَّجُلَيْنِ الشيء الواحد من الرجل الواحد:

قال: "وإذا رهنا عبداً بمائة... إلى آخره".
3737- إذا رهن رجلان عبداً مشتركاً بينهما بمائة درهم لإنسانٍ عليهما، وتم الرهن ولزم، فالمائة مقسطة على الراهنين على كل واحد منهما خمسون فيما نصوره، فإذا أدى أحدهما ما عليه من المائة، انفك الرهن عن حصّته في العبد، وبقي نصيب الثاني من العبد مرتهناً بما عليه من الدين. وتعليل ذلك بيّن؛ فإنَّ كل واحد من الراهنين رهن ملكه بما عليه، وقد أدّى تمام ما عليه. ويستحيل أن يبرأ الراهن من الدَّين، ويبقى ملكه مرهوناً، ولو بقي مرهوناً، لبقي مرهوناً بدين غيره، ويستحيل ذلك؛ فإنه ما رهن نصيبه بدين غيره، وقال أبو حنيفة لا ينفك الرهن عن شيء من العبد ما بقي من دين واحد منهما شيء. وهذا ظاهر السقوط.
وإنما نذكر في الأحايين مذهباً يخالف مذهبنا حتى يكون ذلك تذكرة، ويتمهد الأصل به.
3738- ولو رهن رجل واحدٌ من رجلين عبداً بدينين لهما عليه، فَأَوْجَبَ الرهنَ بلفظه وقبلاه، فإذا أدّى ما لأحدهما عليه، انفك الرهن في حصته، وانطلق تصرفه فيه، وبقي الباقي مرهوناً بدين المرتهن الآخر، وتعليل ذلك أن أحد المرتهنين استوفى جميع حقه وبرىء الراهن من دينه، فيستحيل أن يبقى ما كان مرهوناً به على الراهن.
وأبو حنيفة يخالف في هذا الطرف أيضاً، ويقول: تمام العبد مرهونٌ عند كل واحد منهما، وإذا أدى الراهن نصيب أحدهما، لم ينفك من الرهن شيء، ثم ناقض أصلَه، فقال أوَّلاً: جميع العبد مرهون عند كل واحد منهما، وبنى عليه أنَّ الرهن لا ينفك عن شيء من العبد بأداء أحد الدينين، ثم ناقض وقال: لو هلك العبد وقيمته ألف، وكل دين ألف، لم تسقط الألفان بسقوط الدين بتلف المرهون، ولكن يسقط من كل دين مقدار قيمة الحصة المرهونة عنده.
ولا فرق في مذهبنا إذا رهن الرجل من رجلين بين أن يثبت الدينان عليه من جهتين، وبين أن يثبتا من جهة واحدة، كإتلاف مقوم عليهما، أو كابتياع عبدٍ منهما، فالحكم ما ذكرناه.
وحكى صاحب التقريب وجهاًً غريباً، أن الدين إذا ثبت لهما من جهةٍ واحدة، فلا ينفك الرهن بأداء حصة أحدهما. وهذا غلط صريح؛ إذ لا يتحقق الشيوع في الدين. وكل واحد يطالِب بحقه من غير مزيد، فبقاء الرهن في تلك الصورة مع سقوط الدين محال. ولا يتصور أن يثبت دينان لرجلين إلا على حكم التعدد والتميز.
3739- ولو استعار رجلٌ من رجل عبداً ليرهنه بمائة، فرهن من شخصين بمائة، ثم قضى دينَ أحدهما، انفك الرهن في النصف، كما قدمناه.
ولو استعار من رجلين، ورهن من رجلين، ثم قضى دين أحدهما، انفكَّ الرهن في النصف، ويقع ذلك النصف للمعيرين لا محالة؛ فإن الرهن جرى في ملك مشترك، وحصتين شائعتين، فينزل الفك على حسب ذلك.
ولو استعار رجلان من واحد، ورهنا من واحدٍ، ثم قضى أحدهما ما عليه من الدين، انفك النصف من الرهن، وعاد إلى المعير. وكذلك لو رهنا من رجلين بدينين عليهما.
ولو استعار من شخصين، ورهن من واحدٍ فالراهن واحد، وهو المستعير، والمرتهن واحد، فإذا قضى الراهنُ المستعيرُ نصفَ الدين ليفتك نصفُ الرهن، ففي المسألة قولان، نص عليهما في الرهن الصغير:
أحدهما: لا يفتك من الرهن شيء؛ لأن الدين واحد، ومستحقه واحد، وقد وقع الرهن من واحد بدين واحدٍ، وحكم الرهن أن يكون كله متعلقاً بكل جزء من الدين الواحد، وما ذكرناً من الصّور قبل هذا مضمونه تعدد الدين، إمَّا بتعدد من عليه، وإمّا بتعدد مستحق الدين، وإما بالتعدد من الجانبين، فجرت تلك التفاصيل بناء على تعدّد الدين، والدين متحد في مسألتنا، وإنما وجد التعدد في مالك الرهن. وسبب التمكن من تصوير العدد في الملك مع اتحاد الدّين والراهن والمرتهن التصويرُ في الرهن المستعار؛ فإن الملاك المتعددين لا دين عليهم، والراهن لا ملك له، فلما اجتمع عدد المالك حيث لا دين، واتحاد الراهن الذي عليه الدين، ولا ملك له، انتظم منه القولان.
وقد ذكرنا أحدهما.
والقول الثاني: أنه ينفك، لأن صَدَرَ الرهن عن ملكين، فينبغي أن يكون ذلك كما لو صدر عن دينين.
3740- ولا يتم الغرض في هذا مالم نوضح التصوير ببيانٍ أظهرَ ممَّا ذكرناه.
فالمسألة فيه إذا استعار رجل عبداً من رجلين مشتركين فيه، ورهنه بألف درهم من رجل واحد، ثم أدى خمسمائة.
هذا أصل التصوير. وتمامه أنه إن نوى بالخمسمائة فكَّ نصيب أحدهما، وعين ذلك الشخصَ بقصده، فالمسألة تخرجُ على قولين:
أحدهما: أنه لا ينفك شيء.
والثاني: ينفك حصة من عينه. وأما إذا قصدنا بخمسمائة أن تؤدّى على الشيوع، من غير تخصيص بحقه، فلا ينفك في هذه الصورة من الرهن شيء؛ فإنه إذا تحقق تقدير أداء البعض عن كل حصة، فتلك الحصّة بكمالها تبقى مرتهنة إلى تقدير أداء جميع ما يقابلها من الدين. هذا حكم الرهن، فتصوير محل القولين يفتقر إلى فرض قصد المؤدي في فك إحدى الحصتين.
ولو استعار عبدين من شخصين، ورهنهما من رجل واحد بدين عليه متحد، ثم قضى نصفَ الحق وقصد فكَ الرهن في أحد العبدين، وكانت قيمة كل واحد منهما مائة، فقد اختلف أصحابنا في هذه المسألة على طريقين: فذهب جمعٌ من الأصحاب إلى أنه يفتك الرهن في العبد الذي عينه بقصده؛ ففرق هؤلاء بين العبدين والعبد الواحد؛ من جهة تعدد المحل وتميز أحد العبدين عن الثاني.
وذهب المحققون إلى طرد القولين في صورة العبدين إذا اتحد الدين باتحاد الراهن، فالتعويل على اتحاد الدين وتعدده والمرهون لا ينظر إلى تعدده واتحاده، ولا يشك الناظر أن مسألة العبدين فيه إذا انفرد كل مالكٍ بعبدٍ، فعند ذلك تخيل أقوام الفرقَ، فأمّا إذا كانا مشتركين بين سيدين، فلا يخفى أن المسألة من صور القولين.
ونقل بعضُ الأثباتِ عن الشافعي في الأم نصاً غريباً، وهو أنه قال: إن كان المرتهن عالماً بحقيقة الحال، وكونِ المرهون مستعاراً من شخصين، افتك الرهن في النصف؛ لمكان علمه بتعدد مالك الرهن، فإن لم يعلمه، لم يفتك. وهذا لا ندري له وجهاً؛ فإن عدم الانفكاك سببه اتحادُ الدَّين، وعدمُ النظر إلى تعدد المالك واتحاده. وهذا لا يختلف بعلم المرتهن وجهله.
نعم يؤثّر العلمُ والجهل في شيء آخر، وهو أن من رهن عبداً مستعاراً من مالكين عند رجلٍ واحدٍ بثمن مشروط بالرّهن، وفرعنا على أن أداء ما يقابل نصيب أحد المعيرين يوجب انفكاك الرهن في حصته، نظر في المرتهن: فإن كان جاهلاً بتعدد المالك وصفة الحال، ثبت له الخيار إذا تبين الأمر؛ فإنه بنى الأمر على رهن مطلق بدينٍ واحد، وموجبه أن لا ينفك منه شيء ما بقي من الدين شيء. وإن كان عالماً بحقيقة الحال دارياً بأن ذلك يُفضي إلى تبعيضٍ في الفك، فلا خيار له إذا حصل التبعيض في الفك.
ولو كان بين رجلين عبد مشترك، فأذن أحد الشريكين لصاحبه في أن يرهن نصيبه من المشتري مع نصيبه المملوك له، فرهن العبدَ، ونصفُه ملكُه، ونصفه مستعار من شريكه، بالدين الواحد الذي عليه، فلو قصد فك الرهن في نصيب نفسه وإبقائه في نصيب الشريك المعيرِ، أو على العكس، ففي المسألة القولان المقدمان؛ فإن المالك متعدد، وأحدهما المعير، والثاني الراهن، والدين متحد. وهذا منشأ الخلاف.
3741- ولو وكَّل رجلان رجلاً واحداً ليرهن عبداً لهما من واحد، بدين لذلك الواحد عليهما، فإذا قضى أحد الموكِّلين نصيبَه من الدين، فقد ذكر بعض أصحابنا أن هذا من صور القولين؛ لأن الراهن متحد، وكذلك المرتهن، والراهن المتحد هو الوكيل.
وهذا خطأ، ولا ننظر إلى اتحاد الراهن من طريق الصورة، وإنما يَفْهَم عَقْدَ هذا الباب من يدري أن قطبه ومداره على اتحاد الدين، وإذا كان لرجل على رجلين دين، فهو في التحقيق دينان، ولا يتصور اتحاد الدين مع تعدد المستحق أو تعدد المستحق عليه.
فصل:
قال: "ولو كان الرهن ممَّا يكال، كان للذي افتك نصفه أن يقاسم المرتهن بإذن شريكه... إلى آخره".
3742- إذا رهن رجلان شيئاًً من المكيلات مشتركاً، أو من الموزونات، فإذا قضى أحدُهما نصيبه من الدين، فقد افتك الرهنَ في نصيبه، بناء على ما مهدناه، من تعدد الدين. قال الشافعي: "للذي افتك نصيبه أن يقاسِم " وهذا الذي ذكره جواب على قولنا: "القسمة إفراز حق". فإن جعلناها بيعاً، لم يجز، لأنه يؤدي إلى بيع المرهون بغيره، وهذا أصل يجري على الاطراد فيما يمتنع البيع فيه، ففي إجراء القسمة قولان مبنيان على أن القسمة إفرازٌ أو بيع، وقد يطرأ على قول البيع في بعض المواضع قول في جواز القسمة؛ وذلك لمكان الضرورة. وهذا كما سنذكره في قسمة الوقف؛ فإنه على التأبيد والشركة القائمة قد تجرّ عسراً عظيماً. فإذا لم تفرض ضرورة ظاهرة، انطبق جواز القسمة ومنعها على القولين في أن القسمة بيع أم ليست بيعاً.
ومسألتنا من صور القولين؛ فإن الرهن ينفك عما قليل، فلا يظهر الضّرر.
3743- ثم ذكر الشافعي لفظاً، فقال: "للذي افتك نصيبَه أن يقاسم المرتهن بإذن
الشريك".
قلنا: المقاسمة الحقيقية تجري مع الشريك؛ فإن المقسوم هو الملك، وهو منسوب إلى المالكين، ولكن الشافعي توسع في الكلام؛ إذ قال: يقاسم من افتك نصيبَه المرتهنَ، وحقيقة الاقتسام يتعلق بالمالك، والمرتهنُ ليس مالكاً، حتى إذا فرّعنا على إجراء القسمة، فقد اختلف أصحابنا في أن إذن المرتهن، هل يشترط؟ فمنهم من قال: لا يشترط إذنُه، ولا تعلق للقسمة به. ومنهم من قال: لابد من مراجعته لمكان حقه، وهذا كقولنا: لا يصح بيع الرهن دون مراجعة المرتهن، وإن زعم الراهن أنه يبيعه في حقه.
ثم القسمة في المكيلات والموزونات قسمةُ إجبارٍ، فمن دعا إليها أجابه الحاكم، وإن امتنع الشريك المالك؛ فلا أثر للمراجعة؛ فإن المستدعي مجابٌ. نعم، حق على الحاكم أن يراجع الشريك؛ فإن أطاع، كان هو المنشىء للقسمة، وإن أبى، فإذ ذاك يظهر إجبار الوالي، وعلى هذا التفسير في مراجعة المرتهن من الخلاف ما قدمناه. فافهموه.
ولا يختص ما ذكرناه بالمكيلات والموزونات، ولكن كل قسمة يَجري الإجبارُ عليها على الجملة، فإذا فرض الرهن في جنسه، فالكلام في القسمة فيه على ما مضى.
3744- ولو رهن رجلان عبدين مشتركين بينهما بدين كان لرجلين عليهما، ثم قضى أحدُهما ما عليه من الدين، فافتك الرهنَ في نصفي العبدين، فلو قال لشريكه: العبدان متساويان في القيمة، فتعال نقتسمها، وينفرد كل واحد منا بعبدٍ، فهذه القسمة ليست قسمة جزئية؛ إذ لا يعبر عن الحصتين فيهما بجزأين، بل لو جرت، لانفرد كل واحد بشخصٍ، وهذا النوع يسمى قسمةَ التعديل، ومعناه أنها لا تعتمد إلا تعديلَ القيمة.
فالقِسَم ثلاثٌ: منها ما يعتمد الجزئية المحضة، وهي في المثليات، ومنها ما يعتمد التعديل في القيمة والجزئية، وعليها بناء قسمة الأقرحة والدور. والإجبار يجري في هذين القسمين. والقسم الثالث: يعتمد تعديل القيمة، ولا مجال للجزئية فيه، كتمييز عبدٍ من عبد، وكوضع القسمة على أن ينفرد شريك بدار، وينفرد الآخر بدارٍ أو بستانٍ، أو سلعة من المنقولات. وللشافعي في الإجبار على هذه القسم الأخير قولان سيأتي ذكرهما في باب القِسام، إن شاء الله تعالى.
فإن قلنا: يجري الإجبار على هذه القسمة، فمن أصحابنا من قال: هذا النوع بيعٌ قولاً واحداً. ومنهم من قال: هو خارجٌ على القولين. فإن قلنا: هي بيع قولاً واحداً، امتنع جريانُها في الرّهن. فإن قيل: أرأيت لو رضي المرتهن؛ قلنا: لا يصح مع رضاه أيضاً؛ فإن رضاه يعمل في فك الرّهن، فأما في بيع الرهن بما ليس برهن ليصير رهناً، فلا مساغ لهذا أصلاً. والأجوبة وإن اختلفت في جواز نقل الرهن من عين إلى عين على حكم التراضي، فلا اختلاف في أن التبادل بصيغة البيع لا يجوز.
وإن قلنا: القولان جاريان في هذا الضرب من القسمة، فإن قلنا: لا إجبار عليها، فصحة القسمة مبنية على القولين، كما ذكرناه. ولكنا ذكرنا اختلافاً في القسمين المقدمين في أن المرتهن هل يُراجع؟ فإن قلنا ثَمَّ: يراجع، فلأن يراجع ها هنا أولى. وإن قلنا ثَمّ: لا يراجع، فهاهنا وجهانِ ذكرهما القاضي.
والأصح عندي أنه لابد من مراجعة المرتهن، فإن ضرورة الإجبار إن أوهبَ حقُّ المرتهن فيما تقدم، فيبعد جداً في صورةٍ لا إجبار فيها أن يخرج عن حق المرتهن في معرض التراضي شيءٌ كان متعلقَ حقِّه.
فليفهم النّاظر ما يمر به من البدائع.
3745- ثم ذكر الشافعي بعضَ تفريعات رهن المستعار، وبين أن حق المستعير أن يذكر للمعير الدَّينَ الذي يرهن به. وهذا تفريع منه على أن رهن المستعار ينحى به نحو الضّمان.
وقد تقصينا بما فيه مقنع.
فصل:
قال: "ولو رهن عبده رجلين، وأقر لكل واحد منهما بقبضه كله... إلى آخره".
3746- هذا الفصل فيه تعقد من جهة التصوير، لا من مأخذ الفقه، والتدرج إلى البيان فيه يستدعي الاعتناء بالتفصيل.
فنقدم أولاً على الخصوص في المقصود تجديدَ العهد بأمور سبق تمهيدها: أولاً- إذا أقر المالك بأنه رهن عبده من زيد، ثم بأن أنه رهنه من عمرو، وسلمه إليه، ولم يتعرض في الإقرار الأول للقبض، وإنما ذكر الرهن المطلق، فيسلم الرهن إلى المقر له الثاني؛ من قِبل أنه لم يعترف في حق الأول إلا بالرهن، ولو رهن من رجلٍ، ولم يُقبض، ثم رهن من الثاني وأقبض، فيرتفع الرهن الأول، ويتم الثاني. هذا إذا جرى الإقراران على هذا الترتيب.
ولو قال أولاً: رهنت من زيد عبدي هذا، وسلمه إليه، ثم أقرّ بعد ذلك أنه رهنه أولاً من عمرو، وسلمه إليه، فكان إقراره الثاني مخالفاً للأول. أما الرهن، فهو في ظاهر الأمر مسلَّمٌ إلى المقر له أولاً، وهل يغرَم المقِر للمقر له ثانياً قيمة ذلك الرهن لتوضع رهناً؟ فهو على قولين مأخوذين من أصلٍ معروف في أن الحيلولة في الأموال بالأقارير وبالشهادات هل توجب الغرامة على المتسبب إلى إيقاعها بالإقرار أو بالشهادة المتصلة بحكم الحاكم؟ هذا الأصل على قولين.
ومن صوره لو قال: غصبت هذه الدارَ من فلان، لا بل من فلان.
وسيأتي تفصيل ذلك إن شاء الله عز وجل في كتاب الغصوب، وفيه يتبين تفاوت المراتب في مسائل الأصل، ويتسلسل الترتيب، وما ذكرناه من القولين في الرهن ليسا على كمال البيان.
وكمال بيانهما في أثناء الفصل، وإنما غرضنا التنبيه على ما يُفضي إليه الإقرار الثاني من أمر الغرم.
3747- ومما نقدمه أن المالك لو قال: رهنت عبدي فلاناً من زيدٍ وأقبضته، بعد أن كنتُ رهنته من عمرو وأقبضته، فصدقُ الإقرار يقتضي تقديمَ زيد. ومنتهى الكلام المنعطف على أوله يقتضي أن يكون المتقدم عمراً.
هذا تخريجٌ على القولين في أن الاعتبار في مثل ذلك بأول الإقرار، أو بآخر الكلام المتواصل. فإن قلنا: الاعتبار بآخر الكلام، فالمقَرُّ له بحق السبق هو المذكور آخراً.
وإن قلنا: الاعتبار بصدر الكلام، فالمقر له أولاً هو المذكور أولاً في صدر الكلام، وهذا مأخوذ من قول القائل: لفلان علي ألفُ درهم من ثمن خمرٍ، فإن بنينا الأمر على آخر الكلام، لم نُلزمه شيئاًً، وإن بنيناه على أوله، ألزمناه الألفَ المقرَّ به، المذكورَ صدراً في الكلام، وأحبطنا الآخر، وسيأتي بيان هذا في الأقارير إن شاء الله.
فإذا تبين الاختلاف في مسألة الرّهن في أن الأوّل في ظاهر الحكم مَنْ؟ فمن نقدره أولاً، فالرهن مسلم إليه، وهل يغرَم المقر لمن نقدِّره آخراً أم لا؟ فعلى ما قدمناه من القولين.
3748- عاد بنا الكلامُ إلى الهجوم على مقصود الفصل. فإذا ادعى رجلان على واحدٍ، كلُّ واحدِ منهما يدعي عليه أنه رهن عبده منه وسلمه إليه، وقال كل واحد منهما: إنه بعدما سلمه إليه رهناً مستحقاً، انتزعه من يده غصباً أو استعاره منه وسلمه إلى الثاني.
ونفرض المسألة فيه إذا لم يكن لواحد منهما بينة؛ فإن القول في البينات وتعارضها لا يبين إلا في كتاب الشهادات، فإذاً لا بينة، والدعوتان مطلقتان، لا تاريخ في واحد منهما، إلا أن كل واحد منهما يدعي السبقَ والتقديمَ بالقبض، فلا يخلو إما أن يكون العبد في يد المالك أو في أيديهما، أو في يد أحدهما:
3749- فإن كان في يدي المالك، أو يدي وكيله أو نائبه، فلا يخلو في التقسيمة الأولى إما أن يصدقهما، وإما أن يكذبهما، وإما أن يصدق أحدهما ويكذبَ الآخر، فإن كذبهما، فالقول قوله مع يمينه، فيحلف وينتفي العقدان.
وإن صدق أحدَهما وكذّب الثاني، حكم بالرهن في ترتيب الكلام للمصدَّق منهما. وهل للمكذَّب أن يستحلف المقِرَّ؟ هذا يبتني على أنه لو أقرّ له بعد أن أقر للأوَّل، فهل يغرم القيمة للثاني؟ فعلى قولين، نبهنا عليهما في صَدْر الفصل. فإن قلنا: لا يغرَم، فلا فائدة في تحليفه؛ فإن اليمين تعرض حتى يهابها المعروض عليه، ويقرّ. ولو أقر لم يكن لإقراره حكمٌ في حق الثاني: لا في نقض حق الأول من الرهن، ولا في إثبات العوض، فلا معنى لليمين إذاً.
وهاهنا تنبيه على خبطٍ لبعض الأصحاب، تردد في مواضع فإن قلنا: لا يحلف المقِرّ، فلا كلام. وإن قلنا: يحلف، فإن حلف، فلا كلام. وإن نكل، رُدّت اليمين على المدعي، فإن نكل كان نكولُه بمنزلة حلف صاحبه. وقد مضى حُكم حلفه. وإن حلف، فقد قال بعض أصحابنا: هذا ينبني على أن يمين الرد بمثابة إقرار المحلَّف الناكل، أو بمثابة بيِّنةٍ مقامة في الخصومة؟ فإن قلنا: هي بمثابة إقراره، فلا يثبت إلا الغرم، كما تفصل من قبل. وإن قلنا: يمين الرد كبينة، فقد قال بعض الضعفة: تُجعل يمين الرد كبينة في الواقعة، تزيل يدَ المقر له أولاً، ويسلم الرهن إلى الثاني، كما لو قامت بينة على حسب هذا.
وهدا غلط صريح، صرّح الأصحاب بنقله، ونحن لا ننقل أمثاله إلا للتنبيه على كونه زللاً.
والوجه فيه أن يمين الرد لا يكون كبينة في حق غير المتخاصمين، واعتقاد هذا محالٌ؛ فإن قصاراه أن يصير نكولٌ من خصم، ويمين من آخر حجةً على غيرهما، ولا يصير إلى اعتقاد هذا ذو لبٍ، وإذا كان غلطاً، فلا معنى للاعتناء بالتفريع عليه على عادتنا في العرض. ولكن القدر الذي فرعه الأصحاب على هذا الوجه الضعيف أنا لو استرددنا الرَّهن من الأول، ورددناه إلى الثاني، فالأول هل يغرم القيمة، من حيث قصر فلم يحلف؟ فيه طريقان: منهم من قال: قولان، ومنهم من قطع بأنه لا غرم عليه للأوَّل؛ فإنه إن كان يلتزم بالإقرار الثاني بعد الإقرار الأول غرماً، فسببه أنه قال ما كان من حقه أن لا يقوله، وتقصيره في مسألة الحلف امتناعه من اليمين، ويبعد أن يوجب ذلك تغريماً.
ولا ينبغي أن نزيد على هذا الخبط في تفريع أصلٍ هو خطأ.
هذا كله فيه إذا كذبهما، أو كذّب أحدهما وصدق الثاني.
3750- فإن صدقهما، وقال: قد رهنت منك، وسلمته إليك، وقال للآخر: قد رهنته منك وسلمته إليك، وكنت في أحد الرهنين والتسليمين مبطلاً، ولست أدري من المحق منكما ومن المبطل، وكيف جرى تأريخ السبق والتقدّم، فإذا قال المالك ذلك، لم يخل المدعيان إما أن يدعيا علمه، فكلٌّ يقول: تعلم سبقي وتنكر علمك به، وإما ألا يدعيا علمه، فإن لم يدّعيا إحاطته بحقيقة الحال، فلا نزاع لهما معه، والخصومة بين المدعيين، فلكل واحد منهما أن يحلِّف صاحبه، فإن تحالفاً أو نكلا، عسر إمضاء الأمر بينهما، ولم يكن أحدهما أولى بحقه من الثاني.
قال الأصحاب: إذا انتهى الأمر إلى هذا المنتهى، انفسخ الرهن. قال الشيخ
أبو محمد: يمكن أن يجعل هذا بمثابة ما لو تحالف المتبايعان، وفيه خلاف في أن
العقد ينفسخ أو يُفسخ، ثم إن قلنا: ينشأ فسخُه، فالقاضي يفسخ أو المتعاقدان، فليخرّج هذا على ذاك، فإن حكمنا بالانفساخ، أو نفذنا الفسخ كما سنذكره، فالقول في الظاهر والباطن يعود، وهذا اختلافٌ حقُّه الجريان في كل موضع ترتب الحكم بالفسخ فيه على الإشكال، وتعذُّرِ إمضاءِ العقد.
فإن قلنا بالانفساخ، وهو الذي أطلقه الأصحاب في هذه المسألة، فلا كلام.
وإن قلنا بأنشاء الفسخ، فليس ذلك إلى المدعيَين، ولكن يفسخ الحاكم. ويبعد أن يقال: يفسخ المالك؛ فإن الخصومة ما تعلقت به: فالوجه والله أعلم تفويض الأمرِ إلى الحاكم. فإن قيل: إذا استوى المتداعيان في الحلف، أو في النكول، فهلا قلتم يقسم الرهن بينهما؟ قلنا: تداعيا عقداً، والعقود لا تقبل التقسيط. وسيكون لنا إلى هذا الفصل عودة في أثناء الكلام، إن شاء الله تعالى.
وإن حلف أحدهما ونكل الآخر، قُضي للحالف. وكل ذلك فيه إذا لم يدعيا علمَ المالك.
3751- فإن ادّعيا علمَه، وكلٌّ يدعي علمه على وفق ما يدعيه ففي ذلك مسائل: إحداها- أن ينكل عن اليمين في حقهما جميعاً، فتعود الخصومة إليهما، كما لو لم يدعيا علمَه؛ فإنه بنكوله عن اليمين حسم باب العلم، وأبهم الأمرَ. وإذا عادت الخصومة إلى المتداعيين، فقد تفصل ذلك بما فيه مقنع.
ولو حلف المالك على نفي العلم في حق كل واحد منهما، ففي المسألة وجهان:
أحدهما: أن هذا منتهى الخصومة، وقد تحقق تعذر الإمضاء، فيترتب على حلفه لهما على نفي العلم انفساخُ الرهنين. ثم الكلامُ في الانفساخ ما مضى.
والوجه الثاني- أنَّ فائدة حلفه لهما أن تنقطع الخصومة عنه من جهتهما، والخصومة قائمة بين المتداعيين ما بلغت منتهاها، وهذا الوجه الثاني ذكره صاحب التقريب وشيخي وهو حسن فقيه.
وذكر بعض أصحابنا وجهاً ثالثاً- أن الرهن بين المتداعيين نصفان؛ إذ هو مُقِرّ لهما، وقد أشكل المتقدم منهما، ولا يمكننا أن نجعل العين كلَّها رهناً من كل واحدٍ، ولا من واحدٍ على التعيين، فالتقسيط أعدل. وهذا و إن كان مشهوراً، فليس يستند إلى فقه مُبين، مع بقاء المتداعيَيْن على النزاع القائم.
نعم لو اعترفا بالالتباس كما حلف المالك عليه، فالمصير إلى التقسيط في مثل ذلك رأيٌ قد نقول به، في الأملاك المُشْكِلَةِ، المترددة بين طائفة من المدعين، على ما سيأتي بيان الأملاك المشكلة بين المتنازعين، ثم حكمها إذا اعترفوا بالإشكال.
ثم قال القاضي إذا ذكرنا وجهاًً في أن الرهن بينهما، وقد حلف المالك، فهذا الوجه يخرج إذا نكل عن اليمين في حقهما جميعاً؛ إذ لا فرق.
هذا كله إذا التبس الأمر كما قدمناه.
3752- فأمّا إذا أقر لأحدهما، فإقراره له مقبول. وهل يحلف للثاني؟ فعلى وجهين، أو قولين:
أحدهما: أنه يقبل إقراره للمقَر له بلا يمين؛ إذ الملك له، وإليه الرجوع. ولو رجع عن إقراره، لم ينفعه رجوعه.
والثاني: يحلف. وهذه الأصول الملتفة راجعة إلى قواعدَ مضبوطة. فتحليفه في حق الثاني مأخوذ مما تقدم، من أنه هل يغرم للثاني لو أقر له. وقد مضى هذا. وعليه بنينا مسألةً في الجنايات من كتاب الرهن، وهي أن الراهن لو أقر بعد جريان القبض في الرهن بجناية قبل الرهن، وقلنا: القول قول الراهن، فهل يصدق بلا يمين؟ أم لابد من تحليفه؟ فيه قولان: فإن قلنا: إنه يحلف، فلو حلف، انقطعت الخصومة، واستمر الإقرار، وإن نكل عن اليمين، ونكل المدعي أيضاًً عن يمين الرّد، فهو كما لو حلف المقر المالك.
وإن حلف من رددنا عليه، فمن أصحابنا من قال: في المسألة وجهان:
أحدهما: أنه ينفسخ الرهنان، والثاني: يقسم بينهما. وهذا القائل يزعم أن الاقرار السّابق حجة، ويمين الرد من المدعي الثاني حجة، وينزل ما تقدم مع ما تأخّر منزلةَ ما لو ادعى المرتهنان عليه، فحلف لا يعلم، وذلك أن حلفه في الصورة المتقدمة يُلبّس الأمرَ ويُعمي الخصومة، ويوجب استواء المرتهنين. ثم ينشأ من استوائهما أوجهٌ، قدمناها. وجهان منها: أن الرهن بينهما؛ إذ الرهنان ينفسخان، وقد تحقق الاستواء بالإقرار، ويمين الرد. وهذا مسلكٌ لبعض الأصحاب. وإذا قيل له: فلو أقرّ للثاني بعدما أقر للأول، لم يتضمن إقراره للثاني المترتب على الأول استواءً بين المرتهنين، حتى يقضى بأنفساخ الرهن أو انقسامه، قال مجيباً: الإقرار الثاني مردود إلا في حق الغرم، واليمين الصادرة من المدعي حجة انتظمت الخصومة بها، وأفضت إليها، فلم يكن كإقرار ثانٍ بعد الإقرار الأول.
وسلك بعضُ أصحابنا مسلكاً آخر، فقال: إن جعلنا يمين الرد بمثابة الإقرار، فلا يستفيد الحالف المردود عليه حيث انتهى التفريع إليه إلا الغرم، كما قدمناه. وإن جعلنا يمين الرد بمثابة بيّنة، فالرهن يسلم إلى الحالف الآن؛ ويبطل حكم الإقرار الأول. وهذه الطريقة ضعيفة.
والطريقة الصحيحة القطع بتقرير الرهن الأول على موجب الإقرار الأول، من غير أن يُتبع بشركةٍ أو نقض، أو انفساخ؛ فإن الانفساخ يعتمد الإشكال، وقد استقل الإقرار الأول في البيان. والشركة تعتمد الاستواء، ولا استواء مع التقدم والتأخر.
ونقض الرهن الأول، وتسليمه إلى الثاني نتيجة بيّنةٍ تقوم، وقد ذكرنا أن يمين الرد ليست بيّنة في حق غير الناكل والمردود عليه، فقد بطلت هذه المآخذ. ولم يبق إلا القطع بأن الرهن يسلم إلى الأول، والناكل يغرَم للحالف القيمة؛ فإذا تبيّنا جواز تحليفه على تقديم الغرم، لا ينقدح عندنا في القياس إلا هذه الطريقة.
3753- وكل ما ذكرناه فيه إذا كان الرهن في يدي الراهن أو في يدي نائبه، بتقدير نزعه الرهن ممن سلمه إليه.
وقد أجرينا المذهب بكماله في هذا الطرف. ولكنا نخشى أن يتخبط على الناظر، فاللائق بطلب البيان أن نترجم ما قدمناه إلى الآن، ثم نبتدىء القسم الثاني.
فنقول: إذا جرى رهنٌ وتسليمٌ من رجلين، وعسر درك السابق منهما، فإن ادعيا علماً على الراهن والرهن في يده، فإن حلف لا يعلم، فقد أشكل الأمر من جهته، ونشأ منه أوجه: أحدها: قسمة الرهن؛ أخذاً من استواء المدعيين.
والثاني: انقسام الرهن، تلقياً من الاستواء. ولا تبعيض بينهما بالاتفاق. والثالث: وهو الأصح الأقيس أن المرتهنين لابد وأن يختصما. فإن تحالفا، أو نكلا، اعترض عند ذلك الانفساخ-والفسخُ في معناه- أو القسمة، للاستواء. وإن حلف أحدهما، قُضي له؛ فإنه منتهى الخصومة.
هذا إذا ادّعى علمَ الراهن، فحلف. فأما إذا نكل، فلا تقف الخصومة على النكول، وجهاً واحداً؛ فإن القضاء بالنكول لا يلائم مذهبنا، ولكن تسترسل الخصومة على المدعيين. ثم قد ذكرنا منتهى خصومتهما.
هذا إذا ادعيا علمه.
فإن لم يدعيا علمه، فلا يتركان والاختصام من غير مراجعة المالك. ولكن لو اعترفا بأنه لا يعلم، وهو معترف أيضاً، فيكون هذا بمثابة ما لو نكل عن اليمين الموجهة عليه في دعوى العلم. ثم منتهى خصومتهما إذا أفضى إلى استواءٍ في نكولٍ أو حلف، عاد الوجهان في الانفساخ والانقسام. وإن وقعت الخصومةُ على حلف من أحدهما، ونكولٍ من الثاني، جرى القضاء باليمين، لا محالة.
ولو قال الراهن: أنا على علم، وأقر لأحدهما، واليد له، نفذ إقراره. ولو أقر للثاني، فقولا الغرم، وإن لم يقر، ففي التحليف قولان مأخوذان من الغرم. فإن حلف، انتهت الخصومة، واستقر الرهن على موجب الإقرار. وإن نكل، ونكل المدعي، فهو كما لو حلف.
وإن حلف المدّعي، تحزب الأصحاب أحزاباً، وذكروا طرقاً ثلاثة، أتينا عليها في آخر التفصيل، وارتضينا الصحيحَ الجاري على القياس.
هذه ترجمة ما قدمناه.
3754- ونحن نخوض الآن في القسم الأخير من مضمون أصل الباب. فنقول: كل ما ذكرناه فيه إذا كانت اليد فيه للراهن، فأما إذا كانت اليد لأحد المدعيين، أو كان الرهن في أيديهما جميعاً، فنقول في ذلك: لو كان في يد أحد المدعيين، نظر، فإن أقر المالكُ لصاحب اليد، حكم له بالرهن؛ فإنه حصلت له شهادة اليد، وإقرار المالك. وإن أقر المالك لصاحبه الذي لا يدَ له في الحال، وزعم أن هذا المرتهن الذي هو ذو اليد، أزال يده التي أثبتها له، ففي المسألة قولان:
أحدهما: أنا نرجّح الإقرار على اليد؛ فإن قول المالك هو المعتبر، وإليه الرجوع، واليد لا تدل على الرهن وإنما تدل على الملك. على تفاصيلَ ستأتي، وذو اليد ليس يدعي إلا حقّ الرهن.
والقول الثاني أن الترجيح لليد. وهذا ضعيف لما قدمناه. وإن كان مشهوراً.
وصاحبه يقول: إذا كنَّا نرجح اليد في دعوى الملك، فاعتبارها في دعوى الوثيقة ليس بعيداً، واليد أليق بالرهن منها بالملك، فإن القبض ركن الرهن، ولا يكاد يخفى فرض المسائل كلها في تسليم جريان الرهن في صورته مع الرجلين، وإنما النزاع في السابق بالقبض.
3755- ولو كان الرهن في أيديهما، فأقر لأحدهما، فإن قلنا: نرجح الإقرار على اليد، حُكم به للمقر له. وإن قلنا: نرجح اليدَ على الإقرار، فالرهن بينهما.
ثم من قضينا له بالإقرار، تمَّ أمرُه في استحقاق الرهن، وإن كنا نرجح اليدَ، فلا نقضي باليد المجردةِ، فيبقى النزاع معها، غير أن القول قول صاحب اليد مع يمينه، وهذا لا شك فيه، وهو الشاهد بأن الإقرار أولى من اليد.
واختار المزني أضعفَ القولين فقال: إذا أقر المالك بالرهن والقبض لمن لا يد له، فالقول قول صاحب اليد. وهذا تقديم منه لليد على الإقرار، وليس له أصل ولا نعرف الخلاف أن الإنسان إذا كان في يده ملكٌ لغيره، فادعى أنه رهنه منه المالك، وأنكر صاحب الملك أصلَ الرهن، فالقول قول المالك في نفيه، ولا حكم ليد مدّعي الرهن. وإنما القولان فيه إذا جرى الرهن، وآل النزاع إلى القبض. وإذا كان الرهن لا يلزم بنفسه، فأي أثر له والقبض متنازع فيه.
ثم فرع المزني، فقال: إذا صادفنا الرهن في يد أحدهما، فقال: لقد قبضت، وقبض صاحبي أيضاًً، ولكن كان قبضي أسبق من قبضه، فيقال له: لو كان قبضك أسبق من قبضه، كانت اليد لصاحبك الآن، فإنك أقررت له بصورة القبض أيضاًً، وادعيت أنك السابق، وهذا يقتضي أن تكون اليد لصاحبك، وقد تلقاها منك غصباً، أو استعارةً، فموجب ما قلت يتضمن إقراراً لصاحبك باليد، فسلِّم إليه الرهنَ، ثم أثبت سبقَك.
قال القفال: فيما قاله نظر، وتفصيل، فنقول: إن صرح بأنه لم يقبض إلا مرّة واحدة، وكذلك صاحبه، لم تتجدد يده. ثم قال: وأنا سابق، ولم تزل يدي، فلم يتكرر، فهذه مناقضة. والجوابُ ما قال المزني.
فأمّا إذا قال: كنت السابق بالقبض، فأخذ مني صاحبي غصباً، فانتزعته من يده، ففي هذه الصورة يبقى في يده.
وما ذكره المزني محتمل في الصورة التي ذكرها القفال آخراً، فإنه على الجملة اعترف له بيده قبل هذه اليد التي نشاهدها. وادعى: أنه كان مغتصباً فيها، فعليه إقامة البينة فيما يدعيه من الغصب، والأمر محتمل كما ترى.