فصل: (الْقَدِيرُ الَّذِي لَهُ مُطْلَقُ الْقُدْرَةِ وَكَمَالُهَا وَتَمَامُهَا):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول (نسخة منقحة)



.(الْقَدِيرُ الَّذِي لَهُ مُطْلَقُ الْقُدْرَةِ وَكَمَالُهَا وَتَمَامُهَا):

(الْقَدِيرُ) الَّذِي لَهُ مُطْلَقُ الْقُدْرَةِ وَكَمَالُهَا وَتَمَامُهَا الَّذِي مَا كَانَ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ الَّذِي مَا خَلْقُ الْخَلْقِ وَلَا بَعْثُهُمْ فِي كَمَالِ قُدْرَتِهِ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ الَّذِي إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ، الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ. الَّذِي يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ، وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، الَّذِي وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ والأرض ولا يئوده حِفْظُهُمَا أَيْ: لَا يَكْرُثُهُ وَلَا يُثْقِلُهُ، الْفَعَّالُ لِمَا يَشَاءُ إِذَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ فِي أَيِّ وَقْتٍ شَاءَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى ذَلِكَ قَدِيرًا} [النِّسَاءِ: 133]، وَقَالَ تَعَالَى بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى الْبَدْءِ وَالْإِعَادَةِ: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ} [الْحَجِّ: 62]، الْآيَةَ.
وَقَالَ تَعَالَى بَعْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْحَجِّ: 6]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَكَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطِرٍ: 44]، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لُقْمَانَ: 28]، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْأَحْقَافِ: 33]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15]، وَقَالَ: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38]، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطَّلَاقِ: 112]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 81-82]، وَقَالَ تَعَالَى: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [تَبَارَكَ: 1]، وَقَالَ تَعَالَى: {فَلَا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ إِنَّا لَقَادِرُونَ عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ خَيْرًا مِنْهُمْ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ} [الْمَعَارِجِ: 40]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 18]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [فُصِّلَتْ: 39]، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} [الْعَنْكَبُوتِ: 20-22]، وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ يَطُولُ ذِكْرُهَا بَلْ كُلُّ آيَاتِ اللَّهِ الظَّاهِرَةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ وَجَمِيعُ مَخْلُوقَاتِهِ الْعُلْوِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ تَدُلُّ عَلَى كَمَالِ قُدْرَتِهِ الشَّامِلَةِ الَّتِي لَا يَخْرُجُ عَنْهَا مِثْقَالُ ذَرَّةٍ كَمَا أَنَّهُ لَا يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ وَعِبَارَةُ الْعَبْدِ تَقْصُرُ عَنْ ذَلِكَ الْمَعْنَى الْعَظِيمِ، وَكَفَى الْعَبْدَ دَلِيلًا أَنْ يَنْظُرَ فِي خَلْقِ نَفْسِهِ كَيْفَ قَدَّرَهُ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ وَخَلَقَهُ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ وَشَقَّ لَهُ السَّمْعَ فَسَمِعَ وَالْبَصَرَ فَأَبْصَرَ وَاللِّسَانَ فَنَطَقَ وَالْفُؤَادَ فَعَقَلَ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَكَيْفَ إِذَا سَرَحَ قَلْبُهُ فِي عَجَائِبِ الْمَلَكُوتِ وَنَظَرَ بِعَيْنِ بَصِيرَتِهِ إِلَى مُبْدَعَاتِ الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَرَأَى الْآيَاتِ الْبَاهِرَةَ وَالْبَرَاهِينَ الظَّاهِرَةَ عَلَى كَمَالِ قُدْرَةِ ذِي الْعِزَّةِ وَالْجَبَرُوتِ {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ} [الْأَعْرَافِ: 185]، وَفِي حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ «اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ» الْحَدِيثَ.

.(الْأَزَلِي بِذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ):

(الْأَزَلِي) بِذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ الَّذِي لَا ابْتِدَاءَ لِأَوَّلِيَّتِهِ وَلَا انْتِهَاءَ لِآخِرِيَّتِهِ وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ مُتَجَدِّدًا حَادِثًا لَمْ يَكُنْ قَبْلَ ذَلِكَ، كَذَلِكَ لَهُ كَمَالُ الرُّبُوبِيَّةِ وَلَا مَرْبُوبَ، وَاسْمُ الْخَالِقِ وَلَا مَخْلُوقَ وَهُوَ الْعَلِيمُ قَبْلَ إِيجَادِهِ الْمَعْلُومَاتِ وَالسَّمِيعُ قَبْلَ إِيجَادِهِ الْمَسْمُوعَاتِ وَالْبَصِيرُ قَبْلَ إِيجَادِهِ الْمُبْصَرَاتِ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ أَزَلِيَّةٌ بِأَزَلِيَّةِ ذَاتِهِ، بَاقِيَةٌ بِبَقَاءِ ذَاتِهِ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِهَا فِي أَوَّلِيَّتِهِ وَكَذَلِكَ لَمْ يَزَلْ مُتَّصِفًا بِهَا فِي سَرْمَدِيَّتِهِ لَيْسَ بَعْدَ خَلْقِ الْخَلْقِ اسْتَفَادَ اسْمَ الْخَالِقِ، وَلَا بِإِحْدَاثِهِ الْبَرِّيَّةَ استفاد اسم البارى، بَلْ هُوَ سُبْحَانَهُ الْخَالِقُ قَبْلَ خَلْقِ الْمَخْلُوقِينَ وَالرَّازِقُ قَبْلَ وُجُودِ الْمَرْزُوقِينَ، وَهُوَ الْمُحْيِي الْمُمِيتُ قَبْلَ خَلْقِهِ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ وَكَذَلِكَ وَصَفَ نَفْسَهُ تَبَارَكَ وتعالى فقال: {إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا}، {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}، {وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}، {وَكَانَ اللَّهُ لَطِيفًا خَبِيرًا}، {إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا} إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَيْ: لَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ. ا.هـ.
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتَقَدَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى وُصِفَ بِصِفَةٍ لَمْ يَكُنْ مُتَّصِفًا بِهَا لِأَنَّ صِفَاتِهِ سُبْحَانَهُ كُلَّهَا صِفَاتُ كَمَالٍ وَفُقْدَانَهَا صِفَةُ نَقْصٍ، وَلَا يَجُوزُ كَوْنُهُ قَدْ حَصَلَ لَهُ الْكَمَالُ بَعْدَ أَنْ كَانَ مُتَّصِفًا بِضِدِّهِ، وَتَقَدَّمَ فِي الْأَزَلِيَّةِ حَدِيثُ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي بَدْءِ الْخَلْقِ «كَانَ اللَّهُ وَلَمْ يَكُنْ شَيْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ».

.(الصَّمَدُ الَّذِي يَصْمُدُ إِلَيْهِ الْخَلَائِقُ فِي حَوَائِجِهِمْ):

(الصَّمَدُ) قَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَعْنِي الَّذِي يَصْمُدُ إِلَيْهِ الْخَلَائِقُ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمَسَائِلِهِمْ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: هُوَ السَّيِّدُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي سُؤْدُدِهِ وَالشَّرِيفُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي شَرَفِهِ وَالْعَظِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عَظْمَتِهِ وَالْحَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِلْمِهِ وَالْعَلِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي عِلْمِهِ وَالْحَكِيمُ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي حِكْمَتِهِ وَهُوَ الَّذِي قَدْ كَمُلَ فِي أَنْوَاعِ الشَّرَفِ وَالسُّؤْدُدِ وَهُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ، هَذِهِ صِفَتُهُ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لَهُ لَيْسَ لَهُ كُفْؤٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ سُبْحَانَ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.
وَعَنِ أَبِي وَائِلٍ: (الصَّمَدُ) الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ، وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.
وَعَنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ الصَّمَدُ السَّيِّدُ.
وَقَالَ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ: هُوَ الْبَاقِي بَعْدَ خَلْقِهِ.
وَقَالَ الْحَسَنُ أَيْضًا: الصَّمَدُ الْحَيُّ الْقَيُّومُ الَّذِي لَا زَوَالَ لَهُ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَمْ يَطْعَمْ.
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَمُجَاهِدٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ وَعِكْرِمَةُ أَيْضًا وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَعَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ وَعَطِيَّةُ الْعَوْفِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَالسُّدِّيِّ: الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: هُوَ الَّذِي لَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَلَا يَشْرَبُ الشَّرَابَ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ أَيْضًا: الصَّمَدُ نُورٌ يَتَلَأْلَأُ.
قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: رَوَى ذَلِكَ كُلَّهُ وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ وَالْبَيْهَقِيُّ والطبراني، وكذا أبوجعفر بْنُ جَرِيرٍ سَاقَ أَكْثَرَ ذَلِكَ بِأَسَانِيدِهِ، وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ لَهُ بَعْدَ إِيرَادِهِ كَثِيرًا مِنْ هَذِهِ الْأَقْوَالِ فِي تَفْسِيرِ الصَّمَدِ: وَكُلُّ هَذِهِ صَحِيحَةٌ وَهِيَ صِفَاتُ رَبِّنَا عَزَّ وَجَلَّ، وَهُوَ الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ وَهُوَ الَّذِي قَدِ انْتَهَى سُؤْدُدُهُ وَهُوَ الصَّمَدُ الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَهُوَ الْبَاقِي بَعْدَ خَلْقِهِ، وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ نَحْوَ ذَلِكَ.
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مَنِيعٍ أَخْبَرَنَا أَبُو سَعْدٍ هُوَ الصَّنْعَانِيُّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ ابن كَعْبٍ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} وَالصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ يُولَدُ إِلَّا سيموت وليس شيء يموت إِلَّا سَيُورَثُ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَا يَمُوتُ وَلَا يُورَثُ. {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} قَالَ: لَمْ يَكُنْ لَهُ شَبِيهٌ وَلَا عَدْلٌ وَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. حَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ آلِهَتَهُمْ فَقَالُوا: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، قَالَ: فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذِهِ السُّورَةِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} فَذَكَرَ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِيهِ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ وَهَذَا أَصَحُّ مِنْ حديث أبي سندا. ا. هـ.
قُلْتُ: وَهَذِهِ السُّورَةُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي قَالَ فِيهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ» مُشْتَمِلَةٌ عَلَى تَوْحِيدِ الْإِلَهِيَّةِ وَالرُّبُوبِيَّةِ وَالْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ جَامِعَةٌ بَيْنَ الْإِثْبَاتِ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَبَيْنَ التَّنْزِيهِ لَهُ تَعَالَى عَنِ الْأَشْبَاهِ وَالْأَمْثَالِ، مُتَضَمِّنَةٌ الرَّدَّ عَلَى جَمِيعِ طَوَائِفِ الْكُفْرِ مِنَ الدَّهْرِيَّةِ وَالْوَثَنِيَّةِ وَالْمَلَاحِدَةِ مِنَ الْمُشَبِّهَةِ وَالْمُعَطِّلَةِ وَأَهْلِ الْحُلُولِ وَالِاتِّحَادِ وَمَنْ نَسَبَ لَهُ الصَّاحِبَةَ وَالْوَلَدَ وَغَيْرِهِمْ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

.(الْبَرُّ وَصْفًا وَفِعْلًا):

(الْبَرُّ) وَصْفًا وَفِعْلًا، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اللَّطِيفُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: الصَّادِقُ فِيمَا وَعَدَ.

.(الْمُهَيْمِنُ عَلَى عِبَادِهِ بِأَعْمَالِهِمْ):

(الْمُهَيْمِنُ) قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَالسُّدِّيُّ وَمُقَاتِلٌ: هُوَ الشَّهِيدُ عَلَى عِبَادِهِ بِأَعْمَالِهِمْ، يُقَالُ: هَيْمَنَ يُهَيْمِنُ فَهُوَ مُهَيْمِنٌ إِذَا كَانَ رَقِيبًا على الشيء كا قَالَ تَعَالَى: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [الْبُرُوجِ: 9]، وَقَوْلِهِ: {ثُمَّ اللَّهُ شَهِيدٌ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ} [يُونُسَ: 46]، وَقَالَ: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرَّعْدِ: 33]، وَقَالَ الْحَسَنُ: الْأَمِينُ، وَقَالَ الْخَلِيلُ: هُوَ الرَّقِيبُ الْحَافِظُ، وقال ابن زَيْدٌ: الْمُصَدِّقُ، وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالضَّحَّاكُ: الْقَاضِي.
وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُوَ اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْكُتُبِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ. ا. هـ.

.(الْعَلِي عُلُوَّ قَهْر وَعُلُوَّ الشَّأْنِ ٍ):

(الْعَلِي) فَكُلُّ مَعَانِي الْعُلُوِّ ثَابِتَةٌ لَهُ (عُلُوَّ قَهْرٍ) فَلَا مُغَالِبَ لَهُ وَلَا مُنَازِعَ، بَلْ كُلُّ شَيْءٍ تَحْتَ سُلْطَانِ قَهْرِهِ {قُلْ إِنَّمَا أَنَا مُنْذِرٌ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [ص: 65]. {لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا لَاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} [الزُّمَرِ: 4]، وَقَدْ جَمَعَ اللَّهُ تَعَالَى بَيْنَ عُلُوِّ الذَّاتِ وَالْقَهْرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ} [الْأَنْعَامِ: 18]، أَيْ: وَهُوَ الَّذِي قَهَرَ كُلَّ شَيْءٍ وَخَضَعَ لِجَلَالِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَذَلَّ لِعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ كُلُّ شَيْءٍ وَعَلَا بِذَاتِهِ عَلَى عَرْشِهِ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ.
(وَعُلُوَّ الشَّأْنِ) فَتَعَالَى عَنْ جَمِيعِ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ الْمُنَافِيَةِ لِإِلَهِيَّتِهِ وَرُبُوبِيَّتِهِ وَأَسْمَائِهِ الْحُسْنَى وَصِفَاتِهِ الْعُلَى. تَعَالَى فِي أَحَدِيَّتِهِ عَنِ الشَّرِيكِ وَالظَّهِيرِ وَالْوَلِيِّ وَالنَّصِيرِ، وَتَعَالَى فِي عَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَجَبَرُوتِهِ عَنِ الشَّفِيعِ عِنْدَهُ بِدُونِ إِذْنِهِ وَالْمُجِيرِ. وَتَعَالَى فِي صَمَدِيَّتِهِ عَنِ الصَّاحِبَةِ وَالْوَلَدِ وَالْوَالِدِ وَالْكُفْؤِ وَالنَّظِيرِ. وَتَعَالَى فِي كَمَالِ حَيَاتِهِ وَقَيُّومِيَّتِهِ وَقُدْرَتِهِ عَنِ الْمَوْتِ وَالسِّنَةِ وَالنَّوْمِ وَالتَّعَبِ وَالْإِعْيَاءِ، وَتَعَالَى فِي كَمَالِ عِلْمِهِ عَنِ الْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ، وَعَنْ عُزُوبِ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ عَنْ عِلْمِهِ فِي الْأَرْضِ أَوْ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَى فِي كَمَالِ حِكْمَتِهِ وَحَمْدِهِ عَنِ الْخَلْقِ عَبَثًا وَعَنْ تَرْكِ الْخَلْقِ سُدًى بِلَا أَمْرٍ وَلَا نَهْيٍ وَلَا بَعْثٍ وَلَا جَزَاءٍ، وَتَعَالَى فِي كَمَالِ عَدْلِهِ عَلَى أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا مِثْقَالَ ذَرَّةٍ أَوْ أَنْ يَهْضِمَهُ شَيْئًا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَتَعَالَى فِي كَمَالِ غِنَاهُ عَنْ أَنْ يُطْعَمَ أَوْ يُرْزَقَ أَوْ أَنْ يَفْتَقِرَ إِلَى غَيْرِهِ فِي شَيْءٍ، وَتَعَالَى فِي صِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ عَنِ التَّعْطِيلِ وَالتَّمْثِيلِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا اللَّهُ} وَقَالَ تَعَالَى: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [مُحَمَّدٍ: 19]، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّمَاوَاتِ} [الْأَحْقَافِ: 4]، وَقَالَ: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ} [الْأَنْبِيَاءِ: 22]، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ} [سَبَأٍ: 22]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} [الْإِسْرَاءِ: 111]، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} (سُورَةُ الْإِخْلَاصِ) وَقَالَ تَعَالَى: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا} [الْجِنِّ: 3]، وَقَالَ تَعَالَى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مَرْيَمَ: 65]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى} [الْأَنْبِيَاءِ: 28]، وَقَالَ تَعَالَى: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ} [يُونُسَ: 3]، وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} [الْبَقَرَةِ: 254]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ} [الْمُؤْمِنُونَ: 88]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الْفُرْقَانِ: 58]، وَقَالَ تَعَالَى: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} [الْبَقَرَةِ: 254]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} [ق: 38]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الْأَحْقَافِ: 33]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 17]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} وَقَالَ تَعَالَى عَنْ مُوسَى لَمَّا قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ: {فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى} [طه: 51-52]، وَقَالَ تَعَالَى: {عَالِمِ الْغَيْبِ لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرُ} [سَبَأٍ: 3]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} [ص: 27]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الدُّخَانِ: 38-39]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [الْمُؤْمِنُونَ: 115]، وَقَالَ تَعَالَى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [الْقِيَامَةِ: 36]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} [الْكَهْفِ: 49]، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا} [النِّسَاءِ: 40]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} [طه: 112]، وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ} [الْأَنْعَامِ: 14]، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذَّارِيَاتِ: 56-58]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فَاطِرٍ: 15]، وَقَالَ تَعَالَى: {يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا} [طه: 11]، وَقَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشُّورَى: 11].
وَالْآيَاتُ فِي هَذَا الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهَذَانِ الْمَعْنَيَانِ مِنَ الْعُلُوِّ لَمْ يُخَالِفْ فِيهِمَا أَحَدٌ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ وَيَنْتَسِبُ إِلَيْهِ، وَإِنَّمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ مِنْهُمْ وَأَخْطَأَ فِي التَّنْزِيهِ الَّذِي هُوَ مَقْصُودُهُ حَيْثُ لَمْ يَسْلُكِ الطَّرِيقَ الْمُوَصِّلَةَ إِلَيْهِ، وَأَحْسَنَ الظَّنَّ بِنَفْسِهِ وَعَقْلِهِ وَمَتْبُوعِهِ، وَأَسَاءَهُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَكَثِيرٌ مِنْهُمُ اغْتَرَّ بِقَوْلٍ كَانَ مَقْصُودُ قَائِلِهِ الزَّيْغَ وَالْفَسَادَ وَالْكُفْرَانَ، فَحَسِبَ-لِإِحْسَانِ الظَّنِّ بِهِ- أَنَّ مَقْصُودَهُ التَّحْقِيقُ وَالْإِيمَانُ وَالْعِرْفَانُ. وَاتَّبَعُوا السُّبُلَ الْمُضِلَّةَ فَتَفَرَّقَتْ بِهِمْ عَنْ صِرَاطِ الرَّحْمَنِ فَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّهَهُ تَعَالَى عَنْ فَوْقِيَّتِهِ عَلَى عَرْشِهِ بَائِنًا مِنْ خَلْقِهِ وَوَقَعَ فِي أَعْظَمَ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ اعْتَقَدَ أَنَّهُ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَلَمْ يُنَزِّهْهُ حَتَّى عَنِ الْأَمَاكِنِ الْخَسِيسَةِ. وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّهَهُ عَنِ الْعُلُوِّ وَالْفَوْقِيَّةِ وَجَعَلَهُ هُوَ الْوُجُودُ بِأَسْرِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّهَهُ عَنْ وُجُودِ ذَاتِهِ وَوَصَفَهُ بِالْعَدَمِ الْمَحْضِ، وَمِنْهُمْ مَنْ نَزَّهَهُ عَنْ أَفْعَالِهِ وَمَشِيئَتِهِ فِرَارًا مِنْ وَصْفِهِ بِالظُّلْمِ، وَوَقَعَ فِي تَعْطِيلِهِ عَنْ قُدْرَتِهِ وَنِسْبَتِهِ إِلَى الْعَجْزِ، وَغَلَا بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ حَتَّى أَنْكَرَ عِلْمَهُ السَّابِقَ وَوَصَفَهُ بِضِدِّهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ غَلَا فِي مَسْأَلَةِ الْقَدَرِ وَإِثْبَاتِهِ وَخَاصَمَ بِهِ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فِرَارًا مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الْأَوَّلُونَ وَوَقَعَ فِي أَعْظَمِ ذَلِكَ تَعْطِيلُ الشَّرِيعَةِ وَنِسْبَتُهُ تَعَالَى إِلَى الظُّلْمِ وَإِلَى تَكْلِيفِ عِبَادِهِ مَا لَا يُطَاقُ، تَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا، فَفَرُّوا مِنَ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ وَمِنَ الرُّشْدِ إِلَى الْغَيِّ وَمِنَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْكُفْرِ وَمِنَ السُّنَّةِ إِلَى الْبِدْعَةِ وَمِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ وَضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، وَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ فَجَعَلُوا إِمَامَهُمْ وَقُدْوَتَهُمُ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَسَارُوا مَعَهُمَا حَيْثُ سَارَا وَوَقَفُوا حَيْثُ وَقَفَا، فَأَثْبَتُوا لِلَّهِ مَا أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ وَأَثْبَتَهُ لَهُ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى وَالصِّفَاتِ الْعُلَا، وَآمَنُوا بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ وَتَلَقَّوْهُ بِالرِّضَا، وَالتَّسْلِيمِ وَانْقَادُوا لِلشَّرِيعَةِ فَقَابَلُوا أَوَامِرَهَا وَنَوَاهِيَهَا بِالِامْتِثَالِ وَالتَّعْظِيمِ، فَمَا أَثْبَتَ اللَّهُ لِنَفْسِهِ أَثْبَتُوهُ، وَمَا نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ نَفَوْهُ، فَإِذَا سَمِعُوا آيَاتِ الصِّفَاتِ وَأَحَادِيثَهَا قَالُوا: آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا، وَإِنْ أَحْسَنُوا قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ، وَإِنْ أَسَاءُوا قَالُوا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونُنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، وَإِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا: إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.