فصل: تفسير الآيات (20- 25):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: محاسن التأويل



.تفسير الآيات (20- 25):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} [20- 25].
{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} أي: الدنيا العاجلة، بإيثار شهواتها {وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ} أي: بالإعراض عن الأعمال التي تورث منازلها، أو تنسون الآخرة ووعيدها، وهول حسابها وجزائها.
{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ} أي: حسنة جميلة من النعيم.
{إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} أي: مشاهدة إياه، ترى جمال ذاته العلية، ونور وجهه الكريم، كما وردت بذلك الأخبار والآثار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
{وَوُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ بَاسِرَةٌ} أي: كالحة، لجهامة هيئاتها، وهول ما تراه هناك من الأهوال، وأنواع العذاب والخسران.
{تَظُنُّ أَن يُفْعَلَ بِهَا فَاقِرَةٌ} أي: داهية تفصِم فقارَ الظهر، لشدتها وسوء حالها ووبالها. وشتان ما بين المرتبتين! ويظهر أن في عود الضمير من {بِّهَا} إلى الوجوه- مراداً بها الذوات- شبه استخدام، ولم أر من نبَّه عليه.

.تفسير الآيات (26- 30):

القول في تأويل قوله تعالى: {كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} [26- 30].
{كَلَّا إِذَا بَلَغَتْ التَّرَاقِيَ} أي: بلغت النفس أعالي الصدر. وإضمارها- وإن لم يجر لها ذكر- لدلالة السياق عليها، كقول حاتم:
أماويّ مَا يُغْني الثَّراءُ عَنِ الفَتَى ** إذا حَشرَجَتْ يَوْمَاً وَضاقَ بِها الصدَّرُ

قال الرازي: يكنى ببلوغ النفس التراقي، عن القرب من الموت، ومنه قول دريد ابن الصمة:
ورب عظيمة دافعتُ عنها ** وقد بلَغَتْ نفوسُهُمُ التَّراقِي

ونظيره قوله تعالى: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ} [الواقعة: 83] {وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ} قال ابن جرير: أي: وقال أهله: من ذا يَرقيه ليشفيه مما قد نزل به، وطلبوا له الأطباء والمداويين، فلم يغنوا عنه من أمر الله الذي قد نزل به شيئاً. أي: فالاستفهام بمعنى الطلب لراقٍ أو طبيب. وجوز كونه بمعنى الإنكار، يأساً من أن يقدر أحد على نفعه برقية أو عوذة.
لطيفة:
قال الواحدي: إن إظهار النون عند حروف الفم لحن، فلا يجوز إظهار نون {مَنْ} في قوله:
{مَنْ رَاقٍ} وروى حفص بن عاصم إظهار النون في قوله:
{مَنْ رَاقٍ} و{بَلْ رَانَ} قال أبو علي الفارسي: ولا أعرف وجه ذلك. قال الواحدي: والوجه أن يقال: قصد الوقف على {مَنْ} و{بَلَ} فأظهرهما، ثم ابتدأ بما بعدهما. وهذا غير مرضي من القراءة. انتهى.
نقله الرازي.
{وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ} أي: وأيقن الذي قد نزل ذلك به أنه فراق الدنيا والأهل والمال.
{وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ} أي: الْتوَت ساقه بساقه، فلا يقدر على تحريكها. وقيل: هما ساقاه، إذا التفتا في الكفن. وقيل: الساق عبارة عن الشدة، كما مر في سورة القلم. والتعريف للعهد أيضاً.
قال الشهاب: فإن قلت: ما مرّ هو الكشف عن الساق، ووجه ظاهر، لأن المصاب يكشف عن ساقه، فكيف ينزل هذا عليه؟
قلت: الأمر كما ذكرت، لكنه شاع فيه، ففهم ذلك من السياق وحده، حتى صار عبارة عن كل أمر فظيع، كما أشار إليه الراغب، انتهى.
{إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ} أي: سوقه إلى حكمه تعالى.

.تفسير الآيات (31- 40):

القول في تأويل قوله تعالى: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [31- 40].
{فَلَا صَدَّقَ} أي: بالدِّين والكتاب. أو صدق ماله، أي: ما زكَّاه {وَلَا صَلَّى} أي: الصلاة التي هي رأس العبادات، التي سها عنها.
{وَلَكِن كَذَّبَ} أي: بدل التصديق {وَتَوَلَّى} أي: بدل الصلاة التي بها كمال التوجه إلى الله تعالى: {ثُمَّ} أي: مع هذه التقصيرات في جنب الله تعالى: {ذَهَبَ إِلَى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى} أي: يتبختر في مشيته. وأصله يتمطط، أي: يتمدد، لأن المتبختر يمد خطاه.
تنبيهات:
الأول: الضمير في الآيات للإنسان المتقدم في قوله تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ}
الثاني: قال الرازي: إنه تعالى شرح كيفية عمله فيما يتعلق بأصول الدين وفروعه، وفيما يتعلق بدنياه. أما ما يتعلق بأصول الدين فهو أنه ما صدق بالدين، ولكن كذب به. وأما ما يتعلق بفروع الدين فهو أنه ما صلى، ولكنه تولى، وأعرض. وأما ما يتعلق بدنياه، فهو أنه ذهب على أهله يتمطى ويختال في مشيته.
الثالث: دلت الآية على أن الكافر يستحق الذم والعقاب بترك الصلاة، كما يستحقهما بترك الإيمان.
الرابع: قال الرازي: قال أهل العربية: لا هاهنا في موضع لم، فقوله:
{فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} أي: لم يصدق ولم يصلّ، وهو كقوله:
{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: 11]، أي: لم يقتحم.
وكذلك ما روي: «أرأيت من لا أكل ولا شرب ولا استهل». قال الكسائي: لم أر العرب قالت في مثل هذا كلمة وحدها، حتى تتبعها بأخرى، إما مصرحاً بها، أو مقدراً. أما المصرح، فلا يقولون لا عبد الله خارج، حتى يقولوا: ولا فلان، ولا يقولون: مررت برجل لا يحسن، حتى يقولوا: ولا يجمل. وأما المقدر فهو كقوله:
{فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ} [البلد: 11]، ثم اعترض الكلام فقال: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ أَوْ إِطْعَامٌ}، وكان التقدير: لا فك رقبة ولا أطعم مسكيناً، فاكتفى به مرة واحدة. ومنهم من قال: التقدير في قوله:
{فَلَا اقْتَحَمَ} أي: أفلا اقتحم، وهلا اقتحم. انتهى.
{أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى ثُمَّ أَوْلَى لَكَ فَأَوْلَى} أي: ويل لك مرة بعد مرة. دعاء عليه بأن يليه ما يكرهه ولاءً متكرراً متضاعفاً.
وقيل: المعنى بُعْداً لك، فبعداً في أمر دنياك، وبعداً لك فبعداً في أمراً أخراك، حكاه الرازي عن القاضي، ثم قال: قال القفال: هذا يحتمل وجوهاً.
أحدها: أنه وعيد مبتدأ من الله للكافر.
والثاني: أنه شيء قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعدوه- يعني أبا جهل- فاستنكره عدو الله لعزته عند نفسه، فأنزل الله تعالى مثل ذلك.
والثالث: أن يكون ذلك أمراً من الله لنبيه بأن يقولها لعدو الله، فيكون المعنى: ثم ذهب إلى أهله يتمطى، فقل له يا محمد: أولى لك فأولى، أي: احذر، فقد قرب منك مالا قِبل لك به من المكروه. انتهى. والأظهر هو الأول.
لطيفة:
تفسير {أَوْلَى لَكَ} بـ ويل لك، قال الشهاب: هو محصل معناه المراد منه، فإنه مثله، فيرد للدعاء عليه، أو للتهديد والوعيد.
وعن الأصمعي أنها تكون للتحسُّر على أمر فات.
هذا هو المعنى المراد لها. وأما الكلام في لفظها فقيل: هو فعل ماض دعائي من الوَلي، واللام مزيدة. أي: أولاك الله ما تكرهه. أو غير مزيدة، أي: أدنى الهلاك لك. وقريب منه قول الأصمعي: إن معناه قاربه ما يهلكه أن ينزل به. واستحسنه ثعلب.
وقيل: إنه اسم وزنه أفعل، من الويل، فقلب. وقيل فَعْلَى، ولذا لم ينون. ومعناه ما ذكر، وألفه للإلحاق لا للتأنيث. وعلى الاسمية هو مبتدأ، و{لَكَ} الخبر. وقيل: إنه اسم فعل مبنيّ، ومعناه وَلِيَك شر بعد شر.
ونقل الزمخشري عن أبي عليّ أنه عَلَمٌ لمعنى الويل، وهو غير منصرف للعلمية ووزن الفعل. وقيل عليه: إن الويل غير متصرف، ومثل يوم أيوم، غير منقاس، ولا يفرد عن الموصوف. وادعاء القلب من غير دليل لا يسمع، وعلم الجنس خارج عن القياس، فما ذكر بعيد من وجوه عدة. وقيل: الأحسن أنه أفعل تفضيل خبر لمبتدأ يقدر كما يليق بمقامه، فالتقدير هنا: النار أولى لك، يعني: أنت أحق بها، وأهل لها. انتهى.
{أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى} أي: همَلاً لا يؤمر ولا ينهى ولا يجازى، مع أنه الْإِنْسَاْن الذي أودع العقل وعلِّم البيان، وغرز في طبعه أن يعيش مجتمعاً، وخص من المواهب ما فضل على غيره. فمن تمام الإحسان إليه إنقاذه من حيرته، وإعلامه بسبيل هدايته، وأن لا يترك خابطاً في متائه جهالته، وقد كان ذلك بفضل الله ونعمته، كما أشار لذلك بقوله: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى} أي: يصبّ في الرحم {ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً} أي: دماً {فَخَلَقَ} أي: قدّر أعضاءه {فَسَوَّى} أي: سوى تلك الأعضاء لأعمالها وعدّلها. {فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ} أي: الصنفين {الذَّكَرَ وَالْأُنثَى} أي: لبقاء نوعه، يعمر الدنيا إلى الأجل الذي كتبه وقدره.
{أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} أي: فيوجدهم بعد مماتهم لعمارة الآخرة.
وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأها قال: «سبحانك، فبَلىَ»- رواه أبو داود عن رجل من الصحابة. ورواه أيضاً عن أبي هريرة بلفظ: من قرأ: {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} فانتهى إلى {أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَن يُحْيِيَ الْمَوْتَى} فليقل: بلى. ورواه الإمام أحمد والترمذي أيضاً، والله أعلم.

.سورة الإنسان:

بسم الله الرحمن الرحيم

.تفسير الآية رقم (1):

القول في تأويل قوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} [1].
{هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئاً مَّذْكُوراً} أي: في ذلك الحين، بل كان شيئاً منسيّاً، نطفته في الأصلاب. والاستفهام للتقرير.
قال الشهاب: أي: الحمل على الإقرار بما دخلت عليه، والمقرر به من ينكر البعث. وقد علم أنهم يقولون: نعم، قد مضى دهر طويل لا إنسان فيه، فيقال لهم: فالذي أوجدهم بعد أن لم يكونوا، كيف يمتنع عليه إحيائهم بعد موتهم؟ والمراد بالْإِنْسَاْن جنس بني آدم.

.تفسير الآية رقم (2):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} [2].
{إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} أي: ذات أخلاط، وهي موادها المؤلفة منها. جمع مشَج أو مشيج، كسبب وأسباب، ونصير وأنصار. أو مفرد، كبرمة أعشار، البرمة: القدر. وأعشار أي: منكرة كأنها صارة عشر قطع. انتهى {نَّبْتَلِيهِ} أي: نختبره. والجملة في موضع الحال أي: خلقناه مبتلين له، أي: مريدين ابتلاءهُ، لا عبثاً وسدى {فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً} أي: لننظر هل صرف سمعه وبصره إلى استماع آيات الله والنظر فيها. ولما كان تمام المنَّة بهما بهبة العقل، وأشار إليه بقوله سبحانه:

.تفسير الآية رقم (3):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [3].
{إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} أي: سبيل الخير والشر والنجاة والهلاك، أي: عرّفناه وبيَّنا له ذلك، بأدلة العقل والسمع {إِمَّا شَاكِراً} أي: بالاهتداء والأخذ فيه {وَإِمَّا كَفُوراً} أي: بالإعراض عنه. ونصبهما بيكون مقدرة، أي: ليكون إما شاكراً وإما كفوراً، أي: ليتميز شكره من كفره، وطاعته من معصيته، كقوله:
{لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} [الملك: 2].
قال الرازي: قال القفال: ومجاز هذه الكلمة على هذا التأويل قول القائل: قد نصحت لك، إن شئت فاقبل، وإن شئت فاترك، أي: فإن شئت فتحذف الفاء. فكذا المعنى {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ} فإما شاكراً وإما كفوراً، فتحذف الفاء. وقد يحتمل أن يكون ذلك على جهة الوعيد. أي: إنا هديناه السبيل فإن شاء فليكفر، وإن شاء فليشكر، فإنا أعتدنا للكافرين كذا وللشاكرين كذا. كقوله:
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]. انتهى.
لطيفة:
قال في النهر: لما كان الشكر قلّ من يتصف به قال: {شَاكِراً} ولما كان الكفر كثيراً من يتصف به ويكثر وقوعه من الْإِنْسَاْن بخلاف الشكر قال: {كَفُوراً} بصيغة المبالغة. انتهى.
وهذا ألطف من القول بمراعاة رؤوس الآي.

.تفسير الآية رقم (4):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا وَأَغْلَالاً وَسَعِيراً} [4].
{إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَا} أي: ليقادوا بها ويستوثق بها منهم شداً في الجحيم {وَأَغْلَالاً} أي: لتشد فيها أيديهم إلى أعناقهم {وَسَعِيراً} أي: ناراً تسعر عليهم فتتوقد.

.تفسير الآيات (5- 6):

القول في تأويل قوله تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} [5- 6].
{إِنَّ الْأَبْرَارَ} أي: الذين برّوا بطاعتهم ربهم في أداء فرائضه واجتناب معاصيه {يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ} أي: خمر، أطلقت عليها للمجاورة {كَانَ مِزَاجُهَا} أي: ما تمزج به {كَافُوراً} قال ابن جرير: يعني في طيب رائحتها كالكافور. ولما كان الكافور من أطيابهم كان كناية عما يطيب به مما له عرف ذكي.
{عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيراً} أي: يثيرونها من منابعها في روض الجنة، وإثارة مبهجة، تفنناً في النعيم. و{عَيْناً} منصوب بنحو يؤتون، والباء في {بِّهَا} بمعنى من. وقوله تعالى:

.تفسير الآية رقم (7):

القول في تأويل قوله تعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً} [7].
{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} استئناف مسوق لبيان ما لأجله رزقوا ما ذكر من النعيم، مشتمل على نوع تفصيل لما ينبئ عنه اسم الأبرار إجمالاً، كأنه قيل: ماذا يفعلون حتى ينالوا تلك الرتبة العالية؟ فقيل: يوفون بما أوجبوه على أنفسهم، فكيف بما أوجبه الله تعالى عليهم؟ {وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ} أي: عذابه {مُسْتَطِيراً} منتشراً ظاهراً للغاية.