فصل: النوع السادس: أن يتضمن المشهود به ما يصح فيه الحلف مع الشاهد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.الرابع: ما لا يطلع عليه إلا النساء:

كالولادة والاستهلال وعيوب النساء والحيض فيثبت بشهادة امرأتين عدلتين، وفي شهادة النساء فيما يقع بينهن في الأعراس والمأتم كالصبيان قولان.

.الخامس: الأموال وحقوقها:

كالآجال والخيار والشفعة والإجارة وقتل الخطأ وكل جرح لا يوجب إلا المال فيثبت بشهادة رجلين ورجل وامرأتين وبشاهد ويمين وامرأتين ويمين وبرجل ونكول وامرأتين ونكول ويمين ونكول.
ثم اليمين أربعة أحوال:

.الأول: أن تكون ممكنة:

فيحلف القائم ويستحق مطلقًا وعن مالك لا يحلف السفيه مع شاهده ويؤخر حتى يرشد وإذا قلنا يحلف فنكل فقد تقدم قول ابن القاسم أن المطلوب يحلف ويبرأ ولا يحلفها إذا رشد وكذلك البكر المولى عليها تنكل عن اليمين مع الشاهد إذا رضى حالها وقاله مطرف قال: ولو نكل المطلوب أخذ منه المال فإن حلف السفيه بعد رشده مضى له وإن نكل رده، وإذا نكل الرشيد أو العبد المأذون عن اليمين مع الشاهد حلف المطلوب وبرئ ولو نكل غير المأذون حلف سيده واستحق.

.الثاني: أن تكون غير ممكنة:

مثل أن يقوم شاهد بحق لميت ووارثه أخرس لا يفهم ولا يُفهم عنه، فقال سحنون: يحلف المدعى عليه ويبرأ وإلا غرام، وكذلك الشاهد يشهد على رجل أنه حبس حبسًا على الفقراء أو تصدق به عليهم.

.الثالث: أن تكون غير ممكنة حالاً وممكنة مآلاً:

كشاهد يقوم لمعتوه أو صغير أو لغائب فأما المعتوه فإن المطلوب يحلف فإن حلف برئ وإلا غرم ثم إذا حلف ثم عقل المعتوه فإنه يحلف ويستحق، وأما الصغير فإن كان وليه هو المتولي للمعاملة فهو الذي يحلف مع الشاهد، فإن نكل غرم وإن لم يكن هو المتولي ففي المذهب ثلاثة، قال مالك: يحلف الصغير وهو شاذ، وقال ابن كنانة: يحلف أبوه، وقال ابن المواز: يحلف المطلوب وهو المعروف فإن حلف ففي إيقاف الشهود به إن كان معينًا كدار أو عقار أو يكون مما يخشى عليه التلف إن لم يوقف قولان وإن نكل أخذ من يده، وفي كونه أخذ تمليك أو إيقاف قولان، وعلى الثاني فيحلف الصبي إذا بلغ فإن نكل حلف المطلوب وبرئ، وإن نكل فلا شيء عليه. وأما الغائب فإن شهد له بدين لم يحكم له إلا بوكالة وإن شهد أن فلانًا غصب فللحاكم أن يحلفه فإن نكل وقف الشيء المغصوب حتى يقدم، وإن شهد أنه قذفه فمذكور في محله.

.الرابع: أن تكون ممكنة من بعض دون بعض:

مثل أن يشهد شاهد على رجل أنه وقف داره على بنيه وعقبهم بطنًا دون بطن فإن من لم يخلق من الأعقاب يستحيل أن يحلف الآن مع الشاهد والموجود من ولد الصلب يمكن أن يحلف وقد اختلف في ذلك على أربعة أقوال، فقال محمد: الذي ذهب إليه أصحابنا منع اليمين مطلقًا، وروى ابن الماجشون أن الجل إذا حلف ثبت جميعها يريد من هذه الطبقة، وروى إذا حلف واحد ممن يستحق ذلك ثبت جميعها للغائب والحاضر ومن سيولد وقيل: يثبت نصيب من حلف وحده، ومن نكل سقط حقه، وردت اليمين على المشهود عليه.

.النوع السادس: أن يتضمن المشهود به ما يصح فيه الحلف مع الشاهد:

وما لا يصح إلا بشاهدين فإن باشرت الشهادة المال أعطيت حكمه مثل أن يقوم شاهد وامرأتان لرجل على شراء زوجته فيحكم بصحة الشراء وإن أفضى إلى فسخ النكاح، وكذلك لو قام له بذلك شاهد فيحلف معه، وإن باشرت الشهادة ما ليس بمال ففي إجراء ذلك مجرى المال أو مجرى ما ليس بمال قولان لابن القاسم وأشهب مثاله الشهادة بالوكالة على المال وكالنكاح بعد الموت وفي الشهادة على عبد ميت أن سيده أعتقه، أو أن هذا أخوه أو أبوه أو لم يكن له وارث ثابت النسب.

.اللواحق:

تشتمل على خمسة فصول:

.الأول: في الشهادة على الخط:

وفي المذهب أربعة: الجواز مطلقًا وعليه عمل القضاة في زماننا، والمنع مطلقًا لجواز الضرب على الخطوط، والثالث: الجواز على شهادة المقر دون غيره، والرابع: الجواز في حق المقر والميت والغائب والمنع في خط نفسه. وقد روى عن مالك أن الشاهد إذا عرف خطه ولم يذكر موطن الشهادة أنه لا يشهد حتى يذكر الشهادة أو بعضها أو ما يدل على أكثرها وبه قال ابن القاسم وأصبغ.

.الثاني: في الشهادة على الشهادة:

وهي جائزة في جميع الحقوق إذا قال له اشهد على شهادتي أو رآه يشهد بها عند الحاكم، وقال محمد: لا يشهد وإن رآها يؤديها حتى يقول له: اشهد على شهادتي، وإنما يشهد على شهادته لعذر كمرض أو موت أو لغيبة بمكان لا يلزمه الأداء.

.الثالث: في ثبات المواطن التي تثبت بالسماع:

والعمل بشهادة السماع جائز الضرورة في مواطن محصورة وصفتها أن يقولوا: سمعنا سماعًا فاشيًا من أهل العدل وغيرهم والمواطن المشار إليها سبعة وعشرون ذكر منها ابن رشد إحدى وعشرين وزاد ولده ستة، وقد نظمها في هذه الأبيات:
أيا سائلي عما ينفذ حكمه ** ويثبت سمعًا دون علم بأصله

ففي العزل والتجريح والكفر بعده ** وفي سفه أو ضد ذلك كله

وفي البيع والأحباس والصدقات ** والرضاع وخلع النكاح وحله

وفي قسمة أو نسبة وولاية ** وموت وحمل والمضر بأهله

فدونكها عشرين من بعد واحد ** تدل على حفظ الفقيه ونبله

وقال ولده رحمه الله متممًا لها:
ومنها الهبات والوصية فاعلمن ** وملك قديم قد يظن بمثله

ومنها ولادات ومنها حرابة ** ومنها الإباق فليضم لشكله

أبي نظم العشرين من بعد واحد ** وأتبعتها ستًا تمامًا لفعله

.الرابع: تعارض البينتين:

وإذا تعارضت البينات وأمكن الجمع بينهما جمع وإن لم يمكن صير إلى الترجيح وهو من أربعة أوجه:
الأول: زيادة العدالة بخلاف زيادة العدد على الرواية المشهورة.
الثاني: قوة الحجة، قال أشهب: يقدم الشاهدان على الشاهد واليمين وعلى الشاهد والمرأتين إذا استووا في العدالة، وقال ابن القاسم: لا يقدمان، قال: ولو كان أعدل من كل واحد منهما لحكم بشهادته مع اليمين وقد على الشاهدين.
الثالث: اليد فتقدم بينة الداخل على بينة الخارج عند التكافئ مع يمينه على الرواية المشهورة، ولو رجحت بينة الخارج لقدمت مع يمينه على خلاف، وذهب عبد الملك إلى أن الحائز لا ينتفع ببينته، وأن بنية المدعى أولى بتخصيص البينة به في الحديث.
الرابع: اشتمال إحدى البينتين على زيادة تاريخ أو سبب ملك فإن شهدت بينة أنه ملكه منذ سنة وشهدت أخرى أنه ملكه منذ أزيد من ذلك قدمت السابقة ولو كانت إحداهما مطلقة والأخرى مضافة إلى سبب قدمت المضافة ولو شهدت بينة بالحوز والأخرى بالملك قدمت بينة الملك ولو كان تاريخ الحوز متقدمًا.

.الفصل الخامس: في المرجوع عن الشهادة:

وإذا رجع الشاهد عن الشهادة وقال شبه على لم يحكم بها. ثم إن كان عدلاً مأمونًا لم يجرح وإلا جرح وأدب قاله ابن القاسم وعبد الملك، وقال أيضًا: لو أدب لا كان أهلاً، وقال سحنون وغيره: لا يؤدي لئلا يكون ذلك داعية إلى أن لا يرجع أحد عن شهادته وبه العمل، ولو رجع بعد الحكم بشهادته فقيل: لا أدب عليه قال سحنون وغيره ولا إن قال شبه على قال بعض الشيوخ وظاهر ما في الأقضية من المدونة أنه يجرح وأما شاهد الزور فيضرب ويطاف به في المجالس ولا تقبل شهادته أبدًا، قال ابن القاسم: يريد مجالس المسجد الجامع ولم يحفظ عن مالك في غرم الشاهد جواب، قال ابن المواز: إلا أن أصحابه يضمنونه ما أتلف إذا اقر بتعمد الزور، قال ابن الماجشون: فإن رجع ولم يقر بالزور لم يغرم، وقيل: يغرم، قال مالك: ولا ينقض الحكم برجوعه.

.كتاب التفليس:

هو تفعيل من الفلس وهو العدم مأخوذ من الفلوس أي أن هذا صار ذا فلوس بعد أن كان ذا ذهب.
وحقيقته شرعًا: الحجر على المديان.

.حكمة مشروعيته:

صيانة الأموال على أربابها.

.ركناه:

المفلَس بفتح اللام، والمفلِس بكسرها.

.الأول: المفلس:

وهو المديان وإذا كان الرجل عليه ديون قد حلت أو حل بعضها والتمس من حل دينه الحجر عليه مكن من ذلك ولا حجر في الدين المؤجل لكن يحل بالفلس إذا استغرقت الديون الحالة ما بيده، وكذلك إن ظهر منه إتلاف يخاف معه أو يتلف ما بيده قبل حلول الأجل فيفلس إلا أن يضمن أو يجد ثقة يتجر له فيه.

.الثاني: المفلِس:

وهو القاضي قال ابن الماجشون: وحبس المديان رأس تفليسه ومثله لمالك في الموازية وفيها عنه أيضًا إذا قام الغرماء وبينوا على تفليسه قال محمد: وحالوا بينه وبين ماله، قال ابن القاسم: أو تشاوروا في ذلك فذلك حد التفليس قال أصبغ: أو يجتمعوا فيأخذوا ما في حانوته فتحاصصوا فيه ويطلقونه ليأسهم من ماله وإن أراد بعض الغرماء تفليسه فله ذلك وإن كره غيره.

.اللواحق:

وهي ما يترتب على الحجر ويترتب عليه أربعة أحكام:

.الأول: حبسه إلى ثبوت فقره أو يطول سجنه:

فإن طلب أن يعطى حميلاً ويخرج ليثبت عدمه، فقال ابن القاسم: يمكن من ذلك، وقال سحنون: لا يمكن من ذلك يريد لما يلزمه من اليمين عند ثبوت عدمه والحميل لا يحلف عنه ومراده والله أعلم المتقعد بأموال الناس فإذا مكنه القاضي من ذلك ضرب له أجلاً بحسب اجتهاده وجرت عادة القضاة أن يؤجلوه ثمانية عشر يومًا ثم يتلومون له ثلاثة أيام.
تنبيه:
طول السجن يختلف بحسب حال الدين والمسجون إن سجن لاختبار حاله يخرج إذا مضى من المدة ما يختبر حاله فيه، قال ابن الماجشون: يحبس في الدريهمات اليسيرة قدر نصف الشهر وفي المال الكثير أربعة أشهر وفي المتوسطة شهران، وأما الملد المتهم فيسجن حتى يؤدي أو يثبت عدمه، وأما المتقعد بأموال الناس ففي الطرر وإذا أخذ الرجل أموال الناس للتجر أو للدين ثم زعم أن لا شيء معه ولم يعلم أنه غصب فأنه يسجن ويضرب بالسوط في الجمع وغيرها حتى يؤدي ما عليه أو يموت في السجن أو يتبين للإمام أن لا شيء معه فيطلقه بعد أن يحلفه وبذلك كان سحنون يقضي.

.الثاني: منع التصرف في ماله بوجوه التبرعات:

وفي جواز عتقه لأم ولده قولان لابن القاسم والمغيرة وعلى القول بالإمضاء فيتبعها مالها قاله مالك في الموازية، وقال ابن القاسم: إن كان يسيرًا وشراء المفلس على أن يقضي الثمن مما لا حجر عليه فيه جائز وما لا حجر عليه فيه من سائر تصرفاته كالطلاق والنكاح وشبه ذلك جائز وبيعه بعد الحجر بغير محاباة جائز إذا كان نظرًا وما فعله قبل الحجر من هبة أو صدقة أو عتق فمردود إن ثبت أنه حينئذ غير ملى بما عليه من الدين والبينة على من يريد الرد ولو قضى بعض غرمًا به أو أعطاه رهنًا بعد الحجر لم يجز فإن كان قبله فقال مالك ذلك مرة جائز وقال مرة لا يجوز، وقيل: يجوز قضاؤه ولا يجوز رهنه وهذا إذا فعله لمن لا يتهم عليه وأما إن فعله مع المتهم فلا يجوز.

.الثالث: بيع ماله وقسمه للغرماء:

والمتولي لذلك القاضي بعد ثبوت الدين والأعذار فيما له وللغرماء ثم تحليفهم يمين الاستبراء، فإذا فعل ذلك وثبتت أملاكه وحيزت أمر بتسويق الأملاك وطلب الزيادة فيها قال مالك ينادي عليها الشهر والشهرين ولا يؤخر الحيوان إلا السير ويسوق العروض يسيرًا والحيوان أسرع بيعًا فإذا بيع ذلك أمرهم بقسم الأثمان ولا يكلفهم إلا غريم سواهم فإن كان الغريم معروفًا بالدين فيستأنى في الموت وفي الفلس خلاف قال ابن حبيب يأمر من ينادي على باب المسجد ومجتمع الناس أن فلانًا مات أو فلس فمن كان له قبله شيء فليرتفع إلى القاضي قال: وبياع متاعه بالخيار ثلاثًا ويكون البيع بمحضره، وإذا اختلفت أجناس الديون قوم لكل واحد منهم دينه يوم الفلس أو الموت واشترى بما نابه في الحصاص بتلك القيمة ما له قبله أو ما بلغ منه ويترك للغائب منابه وإن هلك بعد العزل فهو منه.

.الرابع: الرجوع إلى عين المال:

وهو واجب في الفلس دون الموت ثم السلعة إن كانت بيد ربها لم يدفعها بعد فهو أحق بها مطلقًا وإن كانت بيد المفلس فيكون أحق بها بستة شروط:
الأول: أن يكون من بيع وما في معناه من هبة الثواب والسلم والإجارة والكراء دون النكاح والخلع والصلح لتعذر استيفاء العرض فرب الأرض أحق بالزرع في الفلس، وقال ابن القاسم: وفي الموت والأجير على سقي النخل أحق بخلاف الأجير على ترحيل الإبل أو رعايتها، أو رعايتها وعلفها والصباغ شريك بقيمة الصبغ، وكذلك البناء والنساج وجميع الصناع أحق بما أسلم إليهم للصنعة وصاحب الدابة أحق بما عليها والمكترى أحق بالدابة المعينة وبغير المعينة إن قبضها ورب الحانوت أسوة الغرماء فيما فيه ورب الأرض وأجير السقي يتحاصان وقيل: رب الأرض مقدم ويقدمان على مرتهن الزرع.
الثاني: أن يثبت أنها سلعته بالشهادة أو بإقرار المفلس بذلك قبل الفلس وفي إقراره بذلك بعد الفلس ثلاثة يفرق في الثالث فإن كان على الأصل بينة قبلت وإلا فلا وهو قول ابن القاسم وإذا قلنا بالقبول ففي استحلاف رب السلعة قولان وإذا فرعنا على عدم القبول فله تحليف الغرماء أنهم لا يعلمون أنها سلعته.
الثالث: أن يختار الأخذ وأما إن اختار الضرب فله ذلك.
الرابع: أن يمتنع الغرماء عن تبدئته بالثمن وأما لو دفعوا له ثمنها من مال المفلس لكانوا أحق بها، وهل يكون لهم دفعه من أموالهم أو لا قولان لابن الماجشون وابن كنانة.
الخامس: أن تكون السلعة باقية على ملك المفلس فإن خرجت عن ملكه فليس له إلا المحاصصة بالثمن.
السادس: أن لا تتغير تغير انتقال فذلك فوت فزرع الحنطة وطحنها وخلطها بأردأ منها فوتًا وذبح الكبش قوت ويبس الثمرة فيه روايتان الفوت وبه أخذ أصبغ وعدمه، وبه أخذ أشهب وكبر الصغير فوت، وفي هرم الكبير قولان مخرجان من القول فيمن اشترى عبدًا فهرم عنده ثم وجد به عيبًا فقيل: هو فوت يمنع الرد وقيل: لا وجعل الزبد سمنًا فوت، وقطع الثوب قميصًا والخشبة بابا فوت.

.كتاب العتق:

.حقيقته:

ارتفاع الملك عن الرقيق ويقال: عتق بفتح العين وأعتقه سيده فهو معتق.

.حكمه:

الندب.

.حكمة مشروعيته:

التنبيه على شرف الآدمي وتكرمته فإن الرق إذلال له والترغيب في مكارم الأخلاق وتعاطي أسباب النجاة من النار.

.أركانه:

المعتِق والمعتَق والصيغة.

.الركن الأول:

من فيه أهلية التبرع فلا ينفذ من المحجور عليه لحق نفسه كالسفيه والمعتوه ولا لحق غيره كالمديان والعبد والمريض والمرأة فيما زاد على الثلث، ولو كان السفيه غير مولى عليه فعتقه جائز، قال ابن القاسم: إلا البين السفه الذي يحجر على مثله.

.الثاني: المعتَق:

كل مملوك لا يتعلق بعينه ولا بثمنه حق لازم فيتناول الذكر والأنثى والمسلم والكافر والصغير والكبير والجنين واحترزنا بالقيد الأخير عن العبد الذي أخدمه رجلاً حياة العبد وعن المرتهن إذا لم يكن له غير العبد فإن كان عنده فكاكة كانت الخدمة أمدًا معلومًا صح العتق بعد انقضاء الأمد كالمستأجر.
وأسباب العتق عشرة: إصدار الصيغة، والكتابة، والتدبير، والإيلاد، والمثلة، والسراية، والقرابة، ويضاف إلى ذلك: اليمين بالعتق، والنذر به، وقتل الخطأ، والظهار، وكفارة اليمين إن اختار العتق فتكون اثتنى عشرة.
ويجب أن تعلم أن ما كثرت أسبابه كان إلى الوقوع أقرب ألا ترى أنه جل وتعالى رتب المغفرة على أسباب كثيرة تكاد تخرج عن الحصر فقال صلى الله عليه وسلم: «صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والآتية، وصوم يوم عاشوراء يكفر الماضية، ورمضان إلى رمضان مكفر لما بينهما، والصلوات الخمس تكفر ما بينها. وإذا توضأ العبد خرجت الخطايا من تحت أشفار عينه» الحديث، وقد قلت لشيخنا شهاب الدين رحمه الله إذا كان صوم يوم عرفة يكفر السنة الماضية والآتية، فأي شيء يكفر صوم يوم عاشوراء، وكذلك ما ذكرناه فقال رحمه الله: ذلك دليل على أنه تعالى مريد للمغفرة لعباده، فإن العبد إذا أخطأه سبب لا يخطؤه غيره. وما كثرت أسبابه كان إلى الوقوع أقرب وكذلك العتق.
ولنذكر كل سبب وما يتعلق به إن شاء الله تعالى.

.السبب الأول: إصدار الصيغة:

اعلم أن الصيغة إن صدرت مطلقة وقع العتق ناجزًا، وإن صدرت معلقة وقع عند صدور المعلق عليه كالطلاق. والصيغة ثلاثة أقسام: صريح وكناية وما ليس بواحد منهما، فالصريح ما فيه لفظ الإعتاق والتحرير وفك الرقبة، وكذلك قوله هو لله أو لوجه الله، وإن لم يقل هو حر. الكناية نحو وهبت لك نفسك أو اذهب أو اغرب وهذا يفتقر إلى النية بخلاف الصريح وكذلك ما ليس بواحد منهما كقوله اسقني الماء وشبه ذلك، ولو قال: وهبتك نفسك اليوم فقال سحنون: هو حر، وقال ابن القاسم: في حر شتم عبدًا، فقال له سيده: هو حر مثلك أراه حرًا، قال سحنون: ولو قال: تصدقت عليك بخراجك وخدمتك ما عشت أنا فهو حر مكانه، وكذلك لو لم يقل ما عشت فهو حر مكانه، قال ابن القاسم: ولو أراد أن يقول: أنت حر من هذا العمل اليوم، وقال: ما أردت حريته حلف ويبرأ وتحصيل المذهب أن اللفظ إذا صدر مقارنًا للكلام النفساني، فإن العتق يقع اتفاقًا كالطلاق وإن صدر اللفظ وحده، وقال: لم أرد به العتق فإن اقترن بذلك قرينة مصدقة كما تقدم آنفًا لم يعتق وإلا عتق وقد قال مالك: إذا قال لعبده أنت حر ولامرأته أنت طالق وقال: أردت الكذب أن العتق والطلاق لا زمان له ولا ينوى وإنما النية فيما له وجه وحكى اللخمي الخلاف في العتق باللفظ دون النية، وفي العتق بالنية وحدها دون اللفظ، وعلى ذلك خرج الخلاف فيمن له عبدان ناصح وميمون فدعا ناصحًا فأجابه ميمون فقال: أنت حر يظنه ناصحًا، وفي ذلك أربعة أقوال كما إذا دعا حفصة فأجابته عمرة فقال: أنت طالق يحسبها حفصة.
تنبيه:
إضافة العتق للبعض والشعر والكلام وإلى القدر المشترك كقوله أحد عبيدي حر كإضافة الطلاق إلى ذلك لكن المشهور في قوله أحد عبيدي حر أنه يختار واحدًا ويعتقه ولو قال: نويت هذا صدق بغير يمين على المشهور فإن نكل عتق هذا بإقراره والباقون بنكوله ولو قال: نويت واحدًا ونسيته عتقوا جميعًا.