فصل: الفصل السادس: في أحكام العهد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.الفصل السادس: في أحكام العهد:

والغرض ذكر من تتوجه عليه في الاستحقاق والعيب، وبيان العهدة في الرقيق والاستبراء.
أما الأول فالمتولي للبيع إن كان هو المالك فالعهدة عليه في البيع والسلم. وأما التولية والشركة فهي أيضًا في السلم على البائع. وأما في البيع فإن وقعتا عند صدور الإيجاب والقبول نسقًا فهي على البائع، فإن شرطها على المولى والمشرك جاز.
قال مالك: وإن وقعتا بعد افتراقهما ولم تطل المدة فهي على المولى والمشرك، فإن اشترطها على البائع، فقال ابن حبيب: ليس له ذلك، إلا أن يشاء البائع فتكون حمالة وقيل له ذلك إن كان افتراقهما قبل المسير إلى السوق ونحوه حكاه ابن أبي زمنين عن ابن القاسم، وإن طال لم يجز اشتراطها عليه بوجه، وإن كان المتولي غير المالك وذلك وكيل وسمسار ووصي وقاض وفضولي، فأما الوكيل فإن كان مفوضًا فالعهدة عليه، وكذلك العامل في القراض والشريك المفوض، وإن كان وكيلاً خاصًا بالبيع فالعهدة عليه، إلا أن يتبين أنه وكيل. وأما السمسار فلا عهدة عليه، بل على رب السلعة، فإن لم يعرف فهي مصيبة نزلت بالمشتري ويحلف ما يعرفه. وأما الوصي فإن تجر لنفسه فالعهدة عليه، وإن باع عليه لنفقة أو لبعض مؤنة وبين لم تكن عليه عهدة ويرجع المبتاع في عين شيئه، فإن أنفقه عليه لم يكن عليه شيء، حكاه اللخمي يريد، فإن كان لليتيم مال رجع عليه، وأما القاضي فلا عهدة عليه، وهي في مال اليتيم، فإن هلك ما له لم يكن عليه شيء، ثم إن كان بيعه للنفقة أو للصدقة، فإن المشتري يرجع على من قبض الثمن إن كان غائبًا، فإن أنفقه لم يرجع عليه بشيء، وإن باعه لقضاء دين المفلس رجع على الغرماء مطلقًا، وأما الفضولي فلا يختلف في أن العهدة عليه ما لم يجز المالك البيع، فإن أجازه ففي انتقال العهدة قولان لابن القاسم وسحنون، وأما عهدة الرقيق والاستبراء فتختص بما يطرأ في ذلك الزمان من العيوب وغيرها والضمان فيها من البائع على ما سنذكره.
والعهدة: قسمان: صغرى في الزمان كبرى في الضمان، وكبرى في الزمان صغرى في الضمان.
الأولى: عهدة الثلاث من كل الأدواء فما يطرأ على الرقيق من نقص في بدن أو فوات عين في مدة ثلاثة أيام فمن البائع، وكأن هذه المدة مضافة إلى ملك البائع ولذلك كانت النفقة عليه إلا أن الغلة ليست له.
الثانية: عهدة السنة من الجنون والجذام والبرص فما حدث في الرقيق في سنة من يوم البيع من ذلك فهو من البائع وهاتان العهدتان يقضى بهما مطلقًا في رواية المدنيين ولا يقضى بهما في رواية المصريين كابن القاسم وأشهب وغيرهما إلا إن جرت العادة بذلك أو يحمل السلطان الناس عليهما، وهل للسلطان حمل الناس عليهما أم لا روايتان، ومبدأ الثلاث من أول النهار الموالي لزمن العقد ليلاً كان أو نهارًا.
وقال الباجي: مقتضى مذهب سحنون الابتداء من أول زمن العقد إلى مثله وتدخل عهدة الثلاث في عهدة السنة، وقيل: بل يبتدأ من حين انقضائها وقبض الثمن يصح على الطوع لا على الشرط لئلا يكون تارة سلفًا وتارة ثمنًا، وإن كان مما يعرف بعينه لأنه ينتفع باستعماله.
الاستبراء: وكل أمة تحتاج إلى استبراء فلا تباع إلا على المواضعة والعهدة فيها على البائع حتى ينقضي الاستبراء، وإذا قبضها المبتاع وجهلا أمد المواضعة أو تعمدا تركها والبائع مع ذلك منتف من وطئها أو مدع لاستبرائها، فإنها تخرج من يد المبتاع وتوضع تحت يد ثقة، ولو تأخر الأمد حتى ماتت فزعم المبتاع أنها لم تحض عنده لنظرت، فإن كانت أيام حيضتها معلومة وذهب قدرها حكم باستبرائها، وإن كانت مجهولة حملت على الغالب من أحوال النساء، وهو الشهر، فإن ماتت قبل تمامه فهي من البائع، وإلا فمن المبتاع، ولو رضي البائع بوضعها تحت يد المبتاع ثم أتى بعد شهرين أو ثلاثة فزعم أن حيضتها رفعتها وطلب الرد أو بعيب حدث بها عنده أو ماتت فطلب الثمن، فله ذلك كما لو قالت الأمينة: إنها استبرأتها فإنها تسلم للمبتاع، ووجب على من وقف الثمن عنده تسليمه، وكما لو قال ذلك الأمين، فإن قيل له: بم عرفت ذلك، فقال: أخبرتني بذلك زوجتي أو جاريتي، فذلك جائز، والنقد فيما بيع على المواضعة بالشرط غير جائز وبالطوع جائز.

.الفصل السابع: في الاختلاف والتنازع:

والاختلاف إما في نفس الثمن أو في عين المبيع أو في كيفية البيع أو فيما تشتمل عليه الحدود.
أما الاختلاف في الثمن فله ست صور:
الأولى: أن يختلف في جنسه مثل أن يقول أحدهما دنانير، ويقول الآخر: ثوب فالحكم التحالف والتفاسخ اتفاقًا ويرد المبتاع قيمة السلعة عند فواتها.
الثانية: أن يختلفا في النوع مثل أن يقول أحدهما قمح والآخر شعير والحكم كالأول وقيل: كمقدار الثمن.
الثالثة: أن يختلفا في مقدار الثمن مثل أن يقول أحدهما: خمسة، والآخر: عشرة، وفي ذلك أربع روايات، إحداها التحالف والتفاسخ ما لم يقبض المشتري السلعة فيصدق مع يمينه لليد، وثانيتها التحالف والتفاسخ ما لم يقبضها وبين بها، وثالثتها يتحالفان ويتفاسخان، وإن بان بها ما لم تفت بتغير سوق أو بدن، فيكون القول قول المشتري، وهي رواية ابن القاسم في المدونة، وبها أخذ، ورابعتها يتحالفان ويتفاسخان، وإن فاتت ويرد القيمة بدلاً من العين، وهي رواية أشهب، وبها أخذ، واختاره المازري وغيره، ويراعى الأشبه مع الفوات، ولا يراعى مع القيام على المشهور، ويبدأ البائع باليمين على المشهور، وقيل: المبتاع، وقيل: يقرع بينهما ونكولهما كأيمانهما، قاله ابن القاسم. وروى ابن حبيب أنه يمضي بما قال البائع، وفي انفساخ البيع بتمام التحالف أو يفتقر إلى حكم ثلاث الأول لسحنون، والثاني لابن القاسم، وقيل: إن تحالفا بأمر القاضي فلابد من الحكم وإلا فلا. وينفسخ البيع ظاهرًا وباطنًا، وقيل: ظاهرًا لا باطنًا، وفائدة الخلاف حلية الوطء وغيره من التصرفات.
الرابعة: أن يختلفا في التعجيل والتأجيل، وفي ذلك خمسة.
قال ابن القاسم: يتحالفان ويتفاسخان.
وقال أيضًا: لا يصدق المبتاع في دعوى الأجل، ويؤخذ بما أقر به حالاً.
وقال أيضًا: إن كان ما يدعيه قريبًا لا يتهم فيه، فالقول قوله، وإلا صدق البائع إلا أن يكون للسلعة أمد معلوم تباع إليه، فالقول قول مدعيه منهما، وقاله مالك، يريد والسلعة قائمة.
وقال ابن وهب: إن كانت السلعة بيد البائع صدق مع يمينه، وإلا صدق المبتاع إن ادعى ما يشبه بعد يمينه، وقيل: إن ادعى أجلاً قريبًا تحالفا وتفاسخا إن كانت السلعة قائمة، وإن فاتت فالقول قول المشتري، وإن ادعى أجلاً بعيدًا فالقول قول البائع.
الخامسة: أن يختلفا في القبض والأصل بقاء كل عوض بيد صاحبه، فإن قامت بينة أو ثبت عرف عمل عليه، وقد ثبت فيما يباع في الأسواق في اللحم والخبز والفاكهة وشبه ذلك، فإن قبضه المبتاع وبان به فالقول قوله في دفع العوض، وإن لم يبن فالقول قوله أيضًا عند ابن القاسم، وقول البائع في رواية أشهب.
وقال يحيى بن عمر: القول قول المشتري فيما قل، وقول البائع فيما كثر، وأما غير ذلك من السلع والحيوان والعقار، فالقول فيه قول البائع مع يمينه ما لم يمض من الزمان ما لم يمكن الصبر إليه كالعشرين سنة ونحوها. ابن بشير. وذلك راجع إلى العادة وإشهاد المشتري بالثمن مقتض لقبض المثمون عرفًا على المشهور، ويحلف البائع إن قام بحرارة البيع والإشهاد، وإن سكت حتى طال لم يحلف، قاله أصبغ.
وقال ابن القاسم في كتاب ابن سحنون: يقبل قول المبتاع إن قال ذلك نسقًا، وإلا لم يقبل.
قال سحنون: وغير ابن القاسم يقول في هذا كله: القول قول البائع، وإذا طلب المبتاع من البائع أن ينزله فيما اشتراه منه من الرباع، فإن تقيد عليه أنه تمكن منه لم يكن له مقال، وكذلك إن أقر بصحة ملك البائع له، فإن دفعه عنه دافع فالمصيبة منه، قاله سحنون، وإن لم يتقيد عليه بذلك ولا كان عالمًا لزمه إنزاله فيه.
قال ابن الهندي: وبه مضى العمل.
وقال بعض الموثقين: إن مضى للابتياع عام لم يلزمه إن أقر المبتاع أنه عمر أو ثبت ذلك عليه. وفي الطرر قال المشاور إذا اشترى ملكًا من رجل قد اشتراه وهو معروف لغيره فعليه إنزاله فيه ودفع الوثائق المتضمنة لشرائه إليه أو نسخها، فإن أبى وظهرت الوثائق جبر على ذلك.
قال غيره: فإن لم تظهر فللمبتاع الرد.
السادسة: أن يختلفا في طيبه وفي كماله وسكته، وإذا ادعى البائع أنه وجد الدراهم زيوفا، فإن تقيد عليه أنها طيبة لم يكن له تحليف المبتاع، وإلا حلف ما علمتها من دراهمي، وما دفعت لك إلا جيدًا في علمي، ولو حقق أنها ليست بدراهمه حلف على البت، فإن رد اليمين على البائع حلف أيضًا على البت أنها دراهمه، وما خلطها بسواها ولزمه بدلها ودعوى النقص كذلك، فإن تقيد عليه أنه قبضها تامة لم يحلف له، وإن عدها له وأخذها على أنها كاملة ثم ادعى الغلط حلف، وإن اختلفا في السكة، فقال ابن القاسم: له المتعارف، فإن اختلفت النقود في بلد المبيع فسخ، فإن فاتت السلعة فله قيمتها، قاله أصبغ، إلا أن يكون بعضها غالبًا فيقضي به، ولو قال البائع: كان البيع بالوازنة ولا تجري الناقصة عندهم إلا على التجاوز فله الوازنة.
الاختلاف في عين المبيع: وإذا حكم على المبتاع برد الثوب، فقال البائع: ليس هذا ثوبي، فالقول قوله مع يمينه؛ لأن المبتاع مدعي براءته منه بخلاف السمسار يدعى رد الثوب.
قال الأبياني في رجل أعطى سمسارًا ثوبًا ليريه فلما رده قال: ليس هذا ثوبي، إن القول قول السمسار مع يمينه.
الاختلاف في كيفية البيع: وفيه أربع صور:
الأولى: أن يختلفا في البت والخيار، وفي المذهب ثلاثة، قال ابن القاسم: القول قول مدعي البت.
وقال أشهب: قول مدعي الخيار، وقيل: كمقدار الثمن.
الثانية: أن يختلفا في الصحة والفساد، وإذا تقيد عليهما الإشهاد بالصحة فلا اعتبار بقول مدعي الفساد، وإلا فالقول قول مدعي الصحة، قاله في المدونة.
وقال عبد الحميد: إن غلب الفساد فالقول قول مدعيه.
الثالثة: أن يختلفا في الرهن والحميل، وذلك كمقدار الثمن.
الرابعة: أن يختلفا في الرهنية والتاليج، وإذا ادعى البائع أنه على سبيل الرهن، فإن تقييد عليه في عقد الشراء أنه بيع صحيح لا على سبيل رهن لم يكن له تحليف المبتاع، وإن لم يتقيد ذلك عليه فأربعة: وجوب اليمين، وبه العمل، وعدم وجوبها، ووجوبها إن اتهم إلا أن تشهد البينة أنهما حضرا العقد بينهما على الصحة، والرابع أن المبتاع إن كان ممن يعامل بمثل ذلك ويستسهله حلف البائع أنه رهن وأخذه ورد ما قبض، وإلا حلف المبتاع، وإذا باع الرجل من أحد بنيه ملكًا، ثم مات فزعم أخوته أن ذلك توليج، ففي وجوب اليمين عليه ثالثها يحلف إن أثبتوا ميل أبيهم إليه وانحرافه عنهم.
الاختلاف في الاتباع وما يشتمل عليه الحدود: وإذا اشترى عبدًا ثم زعم أنه اشتراه بماله أو يشتري نخلاً وفيها ثمرة مأبورة فيدعي أنه اشتراها مع النخل، وكذلك الزرع، والقول في ذلك كله قول البائع؛ لأن ذلك ثابت له بنفس العقد، ولا يكون للمبتاع إلا بشرط، وليس ذلك بمنزلة أن يبيعه ثوبًا فيقول: اشتريته مع هذا الثوب الآخر، فإنهما يتحالفان ويتفاسخان؛ لأن أحد الثوبين لبس تبعًا للآخر، وإذا باع رجل حانوتًا ملاصقة دارًا له وحفرتها في الحانوت ولم يعلم بذلك المبتاع، فأراد البائع تنقيتها فمنعه المبتاع، وقال: بيعك الحانوت بحقوقه ومنافعه يقطع حقك في الحفرة، قال ابن زرب: بيعه للحانوت يقطع حقه في الحفرة. واحتج بقول أصبغ فيمن باع عرصته السفلى، وكان ماء عرصته العليا يجري عليها، ولم يبين ذلك فمنعه المشتري، فقال أصبغ: ذلك له، ويصرفه عنه، إلا أن يكون من الأمور الظاهرة التي تعرف ويعرفها المشتري أن لا معدل لها، وأن الماء ينصب إليها، فإن كان المشتري دخل عليها وإلا فلا.
وقال ابن المكوي: المبتاع بالخيار في التزام الحانوت بعيبه أو تركه، والاختلاف في السلم جار على ما تقدم، والمسلم وزان المشتري في بياعات النقد، والمسلم إليه وزان البائع، فينظر اختلافهما في أي شيء هو، واختلف إذا كان رأس المال عينًا واختلفا في المقدار هل يكون القول قول المسلم إليه في قبض الثمن وغيبته عليه أو بعد أن يطول طولاً ما أو بعد الطول الكثير، وفي ذلك ثلاثة.

.الفصل الثامن: في أسباب الخيار:

وهي خمسة: الغبن، والغلط، والتغرير، ومخالفة الشرط، ووجود العيب.

.السبب الأول: الغبن:

قال القاضي عياض في إكماله: المغابنة بين الناس ماضية، وإن كثرت، وهو قول مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، وقيل: للمغبون الخيار، وفي المقدمات إن كان مسترسلاً فله الخيار، وإن باعه على المكايسة فلا خيار له على المشهور، وعلى القول بالخيار فحده ابن القصار بالثلث.

.السبب الثاني: الغلط:

فإن كان في الثمن، فقد تقدم في المرابحة، وإن كان في صفة البيع مثل أن يكون حجرًا، فإذا هي جوهرة، فقد تقدم أيضًا في أول البيوع.

.الثالث: في التغرير:

وهو إما قولي كالنجش، وإما فعلي كالتصرية، والنجش قد تقدم تفسيره وحكمه، والتصرية أن يربط أخلاف الناقة أو الشاة فلا تحتلب اليومين والثلاثة حتى يجتمع لبنها فيزيد المشتري في ثمنها لذلك، ويلحق بذلك كل ما يظن به المشتري كمالاً كتلطيخ ثوب العبد بالمداد، فيظنه المشتري كاتبًا، وذلك كله موجب للخيار.

.الرابع: مخالفة الشرط:

وله صورتان:
الأولى: أن تكون في البدن بزيادة أو نقصان مثاله أن يشتري دارًا على أن قيسها مائة ذراع فتزيد ذراعًا، وقد قال في الموازية: هو مخير إن شاء دفع حصة الذراع، وإن شاء رد، إلا أن يترك له البائع الزيادة. وفي الواضحة: إذا اشترى عرصة بذراع مسمى فله الرد بالنقص والزيادة له كالثوب، وأما الدار ذات المنازل، فإنما توصف بحدودها، فإذا سمى مع ذلك الذراع فهو كالتحلية، فإن نقص الذراع يسيرًا فلا قول للمبتاع، وإن تفاحش النقصان بما له خطر فيكون عيبًا يرد به، وإن اشترط الذراع اشتراطًا منصوصًا فله الخيار فيما قل أو كثر، ولو اشترى ثوبًا على أن فيه سبعة أذرع فوجده ثمانية فله الزيادة بما يخصها من الثمن.
قال ابن المواز: وله الرد بالنقص.
الثانية: أن تكون في صفة مثل أن يشترط وصفًا فيجد غيره، فإن كان ما شرط يتعلق بفواته إذهاب مالية وجب الخيار للمشتري، ولو شرط ما لا غرض فيه ولا مالية لغي، وإن شرط ما فيه غرض ولا مالية فيه، ففي لزوم الوفاء به قولان، ثم الوصف المخالف إن كان أعلى مما شرط لم يكن له خيار، إلا أن يتعلق له بما شرط غرض، ويظهر ذلك مثاله أن يشتري أمة على أنها ثيب فيجدها بكرًا، فيقول: إنما اشترطت ذلك لعدم قدرتي على افتضاض البكر، أو لأن علي يمينًا لا اشتريت بكرًا، فيكون له الرد، وكذلك لو اشترط أنها كافرة فيجدها مسلمة، فيقول: أردت الكافرة لأزوجها من عبدي النصراني، وإن كان أدنى فله الخيار، وإن كان مساويًا لكن الأغراض تختلف مثل أن يشترط في الأمة أنها نصرانية فيجدها يهودية ولا تفاوت بينهما في الثمن، ولا غرض إلا في كونها كافرة ليزوجها من عبد له كافر لم يكن له خيار على الظاهر من المذهب، ثم إذا صرح بالشرط فواضح، وإن وصفه البائع بوصف يرغب المبتاع فيه لأجله ينزل منزلة الشرط، وكذلك إن كان ذلك عادة البيع، وبهذه القاعدة تظهر لك مسائل هذا الباب، وبه تعرف سبب الخلاف فيما اختلف فيه.

.السبب الخامس: وجود العيب:

والمبتاع إن لم يشترط السلامة من العيب فالعرف قاض بأنه لا يدخل إلا على السلامة.
ومسائل هذا الباب تنحصر في: الموجِب والموجَب:
الموجِب له ثلاثة شروط:
الأول: أن يكون بالمبيع وقت ضمان البائع.
الثاني: أن يستلزم نقصًا في المبيع أو في الثمن أو في التصرف أو يخاف عاقبته، وذلك يوجب النقص في الثمن خلا الخصي، فإنه ربما زاد في الثمن وهو من العيوب، وأما ما كان من نقص في البدن لا يستلزمه خلا ما ذكرناه، فلا أثر له كالخرق اليسير في الثوب يخرج في التفصيل وما يستلزم النقص، فإن كان كثيرًا فالمبتاع مخير في الرد أو يمسك ولا شيء له، وإن كان يسيرًا فثلاثة: وجوب الخيار، وعدم وجوبه، والتفرقة، فإن كان من الأصول لم يكن له خيار، وإنما يرجع بقيمة العيب، وإن كان من غيرها فله الخيار، ابن أبي زيد، ما كان من عيب خطير في الدور يستغرق معظم الثمن، أو يخشى منه سقوط حائط أوجب الرد، وما كان يسيرًا لا ينقص من الثمن لم يوجب ردًا ولا رجوعًا بقيمة، وما كان بخلاف ذلك كصدع يسير في حائط لم يوجب ردًا ويرجع بقيمته، فإن طلب المبتاع الأرض، فقال له البائع: اردد علي مالي وخذ مالك، وإلا أمسك ولا شيء لك لم يكن له ذلك.
الشرط الثالث: أن يكون العيب مما يمكن التدليس به، فإن لم يكن كذلك مثل أن يكون البائع والمبتاع قد استويا في الجهل به، وفي ذلك خمسة: عدم الرد مطلقًا لمالك وهو المشهور، وعكسه رواه عنه الأبهري، والتفرقة بين ما هو أصل الخلقة فلا يوجب، وما يطرأ لسبب فيوجب، قاله ابن حبيب، والتفرقة أيضًا فيرد بالكثير دون اليسير، إذ لا يسلم منه، قاله ابن الماشجون.
وقال أشهب: إن أمكن اختباره ككسر الجوزة والجوزتين والقثاة والقثاتين، ففيه الرد إذا وجد باطنه رديئًا، ومثل أن يكون العيب ظاهرًا لا يخفى، فحكى ابن رشد أنه لا يوجب ردًا، وسئل عمن ابتاع كرمًا فوجده شارفًا أنه لا يرد بذلك؛ لأنه من العيوب الظاهرة، وفي المتيطية إذا قام بعيب في الدار فزعم البائع أنه من العيوب الظاهرة، وأنه اكتفى بظهوره على أن يبينه له، وزعم المبتاع أنه لم يره، وشهدت البينة بظهوره أن المبتاع يحلف ما رآه وله الرد.
الموجَب: هو ثبوت الخيار على ما تقدم، فإذا أراد بعض المبيع، فإن كانت الصفقة متحدة، فليس له ذلك، وإن كانت متعددة، فإن تعددت من جهة البائع مثل أن يشتري عبدًا من رجلين فيجد به عيبًا، فيريد أن يرد نصيب أحدهما دون الآخر، فله ذلك على المنصوص، وإن تعددت من جهة المبتاع مثل أن يشتري رجلان عبدًا من رجل صفقة واحدة، فيريد أحدهما رد نصيبه ويريد الآخر التمسك، فقال مالك في رواية ابن القاسم: له الرد، ولا مقال للبائع، وهو قول الشافعي.
وقال في رواية أشهب: ليس له ذلك، وهو قول أبي حنيفة، وإذا فرعنا على رواية أشهب فرضي البائع بذلك جاز، وكان شريكًا للتمسك، وليس للمتمسك أخذ نصيب الراد.
وقال ابن المواز: له ذلك.
وقال ابن وهب: إذا أراد أحدهما الرد وأبى الآخر تقاوما؛ لأن البائع لا يقبل إلا جميعه. وحكى عبد الوهاب أن أحد المتبائعين إذا أراد الرد وأبى صاحبه يقال للبائع: إما أن تجيز له رد نصيبه وإلا فادفع له قيمة العيب، وإن تعددت من جهة المبيع، فإن كان بعض المبيع أخًا لصاحبه كالخفين والمصراعين لم يكن له ذلك، وإن لم يكن كذلك، وكان المعيب وجه الصفقة، وهو هنا ما زاد نصفه على نصفه الثمن فليس له رده وحده، فإما رد الجميع أو أمسك الجميع، وإن لم يكن وجه الصفقة فله رده والرجوع بقسطه من الثمن، ولو اشترى عبدين بمائة قيمتها سواء، فله رد المعيب منهما والرجوع بحصته، وليس له رد الآخر، وإن كان أحدهما تبعًا ووجد العيب بالأرفع فإما ردهما معًا أو أمسكهما، ولو كان بالأدنى فله رده ولزم الأرفع، ولو فاته الأدنى ووجد العيب بالأرفع فله رده، ومضى الفائت بما ينوبه من الثمن، ولا تفيته هنا حوالة الأسواق؛ لأن العيب لما وجد بالأرفع فكأن العيب وجد بيهما معًا، وقيل: يغرم قيمة الفائت، ويرجع بجميع الثمن.
تنبيه:
عيوب الطعام تخالف عيوب العروض؛ لأنه مخير في الطعام إذا وجد الثلث أو الربع معيبًا كالكثير في العروض لحاجة الناس إلى الطعام، فله مزية كما خص بالنهي عن بيعه قبل قبضه، وبالنهي عن التفاضل فيه إذا بيع بنوعه.
وقال سحنون: إذا وجد العيب بيسيره لزمه السالم بحصته، يريد إذا شاء ذلك البائع، قال: وإن وجد ذلك في الكثير فليس لأحدهما أن يلزم الآخر البيع في السالم، إلا باجتماعهما. ابن أبي زيد، يعني فيما يكال أو يوزن؛ لأن حصته معلومة. ابن حبيب عن ابن القاسم: عشرون من مائة يسير، وإذا قام المبتاع وخالفه البائع في ذلك وطلب المبتاع الحكم كلفه الحاكم بثبوت العيب، وأنه أقدم من أمد التبائع، وأنه ينقص من الثمن كثيرًا، ثم يعذر في ذلك إلى البائع، فإن ادعى مدفعًا أجله في إثباته ثمانية أيام ثم ثمانية أيام، وعليه حميل بالثمن، ويجوز أن يكون بالوجه ويعرف بمقدار الثمن وتكون الجارية إن كان العيب بها عند المشتري إلا أن تكون رايعة ولا يوثق به، فتخرج من عنده إلى أمين، وإذا كان العيب لا يعرفه إلا غير العدول قبلت شهادتهم فيه، وإن كانوا نصارى والواحد كاف لأنه من باب الخبر، وهذا هو المشهور.
وقال محمد: لا يرد من العيوب إلا ما اجتمع عليه عدلان من أهل المعرفة.
وقال ابن الماجشون: إن كان العبد المعيب حيًا حاضرًا اكتفى بالواحد، وإلا فلابد من اثنين عدلين.
قال بعض العلماء: وهذا إذا كان القاضي أرسلهم، وإن كان المبتاع هو الذي أتى بهم، فلابد من اثنين باتفاق أصحاب مالك، وإن كان العيب مما لا يطلع عليه إلا النساء يثبته بشهادة امرأتين.
وقال سحنون: إن كان في الجسد كشف عنه الثوب ونظر إليه الرجال، وإذا فرعنا على الأول وكان العيب مما يميزه النساء قبل فيه قول امرأتين، وإن لم يميزنه وصفنه لأهل المعرفة وعلم على قولهم، وإذا عجز المبتاع عن إثبات العيب وطلب يمين البائع، فقال ابن القاسم: لا يمين له عليه إلا أن يدعي في عيب ظاهر يمكن اطلاع البائع عليه، ولو مكن من ذلك لأحلفه في كل يوم ثم حيث نقول بوجوب الرد فلابد من شروط، ثم ذكر ما يترتب على الرد.
والشروط ستة:
الأول: أن لا يصدر عن المبتاع ما يدل على رضاه، وذلك إما قول أو فعل أو سكوت، أما القول فواضح، وأما الفعل فمثل أن يتصرف في المبيع تصرفًا تقضي العادة بأن ذلك رضى بشرط أن يعلم بالعيب، كوطء الجارية وبيعها، وركوب الدابة، فإن علمه وهو راكب نزل عنها ما لم يتعذر قودها، والسكوت هو ترك القيام بعد علمه بالعيب.
الشرط الثاني: بقاء العيب، فلو زال ولم تبق علاقته وأمن عوده سقط قيامه.
الثالث: بقاء المبيع بيد المبتاع، فإن أخرجه عن يده كرهنه وإجارته، فله الرد إذا رجع إلى يده عند ابن القاسم، فإن أخرجه عن يده كرهنه وإجارته، فله الرد إذا رجع إلى يده عند ابن القاسم، فإن أخرجه عن ملكه بغير عوض كالهبة والصدقة، فله الأرش على المشهور، فإن أخرجه بعوض كالبيع، فإن باع من بائعه منه بمثل الثمن، فلا كلام له، وإن باعه بأقل رجع ببقية الثمن، وإن باعه بأكثر وكان البائع مدلسًا لم يكن له عليه شيء وإلا رجع بالزائد على الثمن، وإن باعه من غيره لم يكن له رجوع بشيء.
قال ابن القاسم: لأنه إن باعه بالثمن أو أكثر فقد استوفى حقه، وإن باعه بأقل فالنقص لم يكن لأجل العيب، وهذا إذا رضي المبتاع بالعيب، وأما إن رجع بقيمة العيب، فله الرجوع بأقل من ثلاثة ما رجع به عليه، وتمام الثمن وقيمة العيب من الصفقة الأولى.
الشرط الرابع: بقاء المعيب على حال لم يدخله نقص ولا زيادة.
والنقص على ثلاثة أضرب:
الأول: أن يكون يسيرًا كذهاب الأنملة والظفر من الوحش والمبتاع في هذا مخير بين أن يرد ولا شيء عليه أو يمسك ولا شيء له.
الضرب الثاني: أن يصير العين كأنها ليست هي كفقء عيني العبد وقطع يديه أو رجليه، وهذا مفيت فيتعين الأرض كما لو مات أو قتل، وكذلك إذا فصل الثوب تباين ومثله لا يفصل كذلك.
الضرب الثالث: ألا يخرجه ذلك عن المقصود منه، وإنما يؤثر فيه تأثيرًا له بال، فهذا يوجب الخيار للمشتري بين أن يمسك ويأخذ الأرض أو يرد ما نقصه، هذه قاعدة المذهب وما وقع من خلاف في إحدى الصور ففيه شهادة.
والزيادة على ثلاثة أضرب: زيادة في القيمة، وزيادة في العين، وزيادة معنى مضافة إليه.
الأول: الزيادة في القيمة، فإن كانت بحوالة الأسواق، فكالعدم، وإن كانت لزيادة وصف كتعليم العبد الصنعة، وتعليم الأمة الطبخ والغسل، فكذلك عند مالك.
وقال بعض القرويين: يجب أن يمسك ويرجع بقيمة العيب لما أخرج في تعليمها، وما قاله حسن. وقد قال ابن القاسم فيمن غصب طعامًا ونقله، ثم لقيه صاحبه فأراد أخذه أنه لا يمكن من ذلك لكون الغاصب غرم على نقله ثمنًا، وكذلك من غصب عودًا فنقشه أو نحاسًا فصنعه أنه لا يؤخذ منه، فراعى الغرامة فيما لا شبهة فيه، فلأن يراعيها فيما فيه شبهة أولى.
الثاني: الزيادة في العين، وذلك ككبر الصغير وسمن الدابة، فأما كبر الصغير فإن صار إلى الهرم، فذلك فوت؛ لأن الزيادة تضمنت نقصًا، وإن لم تتضمن نقصًا فقولان.
قال مالك: ذلك فوت يوجب الرجوع بقيمة العيب، ولا خيار لأحدهما في رد كبير فات بهرم أو صغير فات بكبر.
وقال أيضًا: ليس له ذلك بفوت، فإما رد ولا شيء له في الزيادة، أو أمسك وأخذ الأرض، وأما سمن الدابة، ففيها ثلاثة أقوال.
قال مالك: هو بالخيار بين أن يرد ولا شيء له، أو يمسك ويرجع بقيمة العيب.
وقال أيضًا: ليس له إلا الرد أو يمسك ولا شيء له.
وقال ابن القاسم: إن كان سمنًا بينًا فله أن يمسك ويرجع بالأرض أو يرد.
الضرب الثالث: زيادة معنى مضاف إليه، فإن كان بصنعة لا يمكن زواله إلا بالفساد كصبغ الثوب وخياطته وقصارته، فذلك يوجب الخيار بين أن يمسك ويأخذ الأرض أو يرد، ويكون شريكًا بما زادت الصنعة فيه، وإن كان مما يمكن انفصاله وكان مخالفًا لصورة المبيع كالثمار والصوف واللبن وغلات العبيد والدور، فليس له إلا الرد أو يمسك ولا شيء له، وإن كان موافقًا لصورته كالولد، ففي المدونة: من اشترى إبلاً أو بقرًا أو غنمًا، فولدت عنده، ثم وجد بها عيبًا، فلا يردها إلا مع ولدها، ولا شيء عليه في الولادة إلا أن ينقصها، فيرد معها ما نقصها، يريد ولو كان في الولد ما يجبر به النقص جبره على قول ابن القاسم في الأمة يزوجها فتلد، فليس له أن يردها إلا مع ما نقصها التزويج أو يمسكها ويرجع بالأرض ولا يردها إلا مع ولدها، ثم إن كان الولد كفافًا لما حدث عنده من العيب، فله ردها ولا يعطى قيمة العيب أو يمسك ولا شيء له.
الشرط الخامس: أن لا ينقل المبيع إلى موضع بعيد، وهو مما له حمل ومؤنة، والبائع غير مدلس، فإن نقله فذلك فوت يوجب القيمة، ولو نقله إلى موضع قريب لزمه رده إلى حيث أخذه من البائع، ولو كان البائع مدلسًا لزمه أخذ المبيع حيث وجده، وليس على المبتاع رده، حكاه في المتيطية.
الشرط السادس: أن لا يشترط البائع البراءة من العيب، فإن اشترطها لم يكن للمبتاع رد على ما أذكره من التفصيل، وذلك أن البائع إذا كان عالمًا بالعيب فأراه للمبتاع فرضيه، فلا يختلف أن ذلك نافع، ولو سمى له عيبًا ولم يره إياه ولا أخبره أنه بالمبيع مثل أن يتبرأ إليه من عور ولم يره إياه ولم يخبره أنه بالمبيع لم ينفعه ذلك، إذ قد يظن المشتري أن ذلك استظهار في التحرز، وليس هو بالمبيع، قاله مالك في رواية أشهب، وإن لم يبين العيب وإنما تبرأ إليه مطلقًا، فإن كان عالمًا بالعيب لم ينتفع بذلك حتى يعينه ويبين ما في الدبرة من نقل، وإن كان جاهلاً انتفع به على المشهور، وحكى القاضي أبو محمد رواية أنه لا ينتفع بذلك ولا يبرأ إلا مما يريه المبتاع، وإذا فرعنا على المشهور فهل يعم الانتفاع بشرط البراءة جميع المبيعات أو يختص ببعضها قولان: التعميم رواه ابن حبيب وابن وهب عن مالك، وقاله ابن كنانة، والتخصيص في البعض، واختلف في تعينه، فروى تخصيصه بالحيوان ناطقًا أو صامتًا، وهو مذهب الموطأ، وروىي بالناطق خاصة، وهو مذهب المدونة.
وأما ما يترتب على الرد فخمسة أحكام:
الحكم الأول: الرجوع بالثمن: كما تقدم ثم إن كان عينًا رجع بمثله، وإن كان ثوبًا رجع في عينه إن كان قائمًا، فإن فات بحوالة أسواق أو بدن رجع بقيمته، وإن كان مما يكال أو يوزن رجع في عينه، فإن تغير سوقه أو تلف رجع بمثله، وقال أشهب: إذا فات فهو بالخيار بين أن يتكلف شراء المثل ويرجع بقيمة العيب.
الثاني: في الضمان: إذا تلف المعيب ولابد من تمهيد قاعدتين:
الأولى: في الرد بالعيب، هل هو ابتداء بيع أو حل بيع.
والثانية: أن المذهب اختلف في دخول المعيب في ضمان البائع على ثلاثة أقوال.
قال أصبغ: يدخل في ضمانه بنفس إشهاد المشتري أنه غير راض بالعيب ما لم يطل حتى يرى أنه راض به، وقيل: من حين إثبات العيب، وقيل: حتى يحكم به أو يرضى البائع بقبض الجميع، فعلى الأول يضمنه البائع إذا أشهد المبتاع بالرد.
قال ابن القصار: ينفسخ بنفس قوله رددت وسواء كان ذلك قبل القبض أو بعده يريد إذا كان العيب مما يوجب الرد بلا شك، وأما لو كان العيب يحتاج فيه إلى اجتهاد أهل المعرفة هل هو مما يذهب بالعلاج فلا رد له قاله اللخمي، وعلى الثاني يضمنه البائع بعد ثبوت العيب، وعلى الثالث لا يضمنه إلا بعد الحكم وهو قوله في المدونة وسواء هلك بيد المشترى أو بيد البائع.
الثالث: رد السمسار الجعل: إذا كان البائع غير مدلس وإن كان مدلسًا فلا.
قال اللخمي: إلا أن يكون السمسار عالمًا بالعيب فدلس به.
قال غيره: وللسمسار تحليف البائع أنه ما دلس بالعيب وحينئذ يرد الجعل، وهذه إحدى المسائل الخمس التي يفترق الحكم فيها بين المدلس وغيره وهلاك المبيع من العيب وشراء البائع ما دلس فيه بعيب من مشتريه منه بأكثر من الثمن الذي باعها وإذا حدث عيب عند المبتاع بسببه مثل أن يفصل الثوب غير التفصيل المعتاد وأن يبيع بالبراءة ما يجوز بيعه بها فإنه يبرأ مما لا يعلم دون ما علم وقد مضى الكلام على ذلك كله.
الرابع: حكم ما يأخذه المكاس: مثل أن يشتري حمارًا فيؤدي عليه مكسًا ثم يجد به عيبًا فيريد الرجوع به على البائع، ولم يحضرني الآن في المسألة نقل والذي يوجبه النظر أن البائع إذا كان مدلسًا فيرجع به عليه وإلا فلا، وقد أشار ابن يونس إلى الخلاف في المبتاع يؤدي مكسًا على المبيع، ثم يؤخذ بالشفعة هل يلزم المبتاع دفع ذلك أو لا وأجرى ذلك بعضهم على مسألة من اشترى شيئًا من يد لص هل يأخذه ربه بلا ثمن أو حتى يدفع للمشتري ما دفع فيه ويمكن أن يقال: إنه ظلم فيكون ممن أخذ منه الحكم.
الخامس: الغلة: ولا خلاف أن ما لا يتولد عن المبيع ككراء الدواب والعبيد والدور وشبه ذلك أنه غلة وأنه للمبتاع إلى يوم الرد وعليه النفقة والولد ليس بغلة فيرده، والصوف إن كان على الغنم يوم البيع وقد كمل فجزه، فإن كان بعد علمه بالعيب، فذلك رضى وإن جزه قبل علمه ففي رده قولان لابن القاسم وأشهب بناء على أن له حظًا من الثمن أو لا على قول ابن القاسم يرد مثله إن فات وما ثبت بعد الشراء فهو له، وسواء جزه في إبان الجزاز أو قبله والثمار إن كانت مأبورة قبل العقد واشتراطها فإن ردجها بحالها رجع بالسقي والعلاج عند ابن القاسم وأشهب وإن جزها حينئذ فهو بالخيار بالرد ورد ما نقص أو يمسك ويرجع بقيمة العيب وإن ردها بعد الطياب ردت الثمرة على مذهب ابن القاسم وإن يبست فإن فاتت رد مكيلتها، فإن جهلت رد قيمتها وإن باعها رد ثمنها ورجع بالسقي والعلاج، قاله ابن القاسم وأشهب، وقيل: لا يرجع بشيء، فإن جذها قبل وجود العيب، فذلك نقص يوجب الخيار كما تقدم، وإن ردها بعد الإبار فحكمها حكم النخل التي لا ثمر فيها ثم يردها وبها ثمرة مأبورة، وإن كان بها حينئذ ثمرة قد طابت ردها مع الأصل، فإن فاتت رد مكيلتها، فإن جهلت مضت بما ينوبها من الثمن، وقيل: يرد قيمتها وإن كانت الثمار معدمة يوم البيع ورد الأصول قبل أن تصير فيها ثمرة وقد سقى وعالج فلا رجوع له بشيء من ذلك، وقيل: بل يرجع به على مذهب ابن القاسم، وإن ردها بها ثمرة غير مأبورة رجع بالسقي والعلاج على مذهب ابن القاسم وأشهب، ولم يرجع به عند ابن المشجون وسحنون، فإن جذ الثمرة في هذا الحال، فقال ابن رشد: لا أعلم فيها نصًا، وموجب النظر عندي أن ذلك نقص يوجب الخيار، وإن ردها وبها ثمرة مأبورة ردها مع الأصول، وفي الرجوع بالسقي والعلاج قولان.
قال ابن رشد: والقياس على قول من يرى الرد بالعيب ابتداء بيع أن تبقى له الثمرة.