فصل: الفصل الثاني: في نقل الضمان وما يترتب عليه من تلف وتعييب وجناية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.الركن السادس: العقد:

ويشترط أن لا يقع في زمن مستحق للعبادة شرعًا، والأصل في ذلك النهي عن البيع وقت نداء الجمعة الموجب للسعي إلى الجمعة، وهو النداء إذا جلس الخطيب على المنبر، وألحق المتأخرون بذلك الصلوات كلها إذا تعين وقتها. وحكى الغرناطي أن البيع في وقت الفتنة حرام، وحكى ابن رشد أن البيع في الموضع المغصوب حرام، ثم إذا وقع وقت النداء فسخ على المشهور.
وقال ابن القاسم: فإذا فات ففيه القيمة، وقيل: يمضي بالثمن ويقوم وقت العقد بتقدير الحل.
وقال أشهب: بعد انقضاء الصلاة إذ لا قيمة له حينئذ شرعًا، ثم العقد قد يكون بتًا وعلى خيار كل واحد منهما، إما أن يكون بعد المساومة أو بعد المزايدة أو المرابحة، والأصل البت والخيار إنما يكون بشرط المساومة، وهو البيع من غير بيان رأس المال وهو جائز ولا يدخله تدليس إلا من وجه واحد، وهو أن يظن المشتري أنه طرئ الشراء وهو قديم، قاله ابن محرز.

.المزايدة:

وهو جائز أيضًا.
قال ابن محرز: ولا يدخله التدليس، إلا أن تكون السلعة لبعض أهل السوق، فيدخلها النداء مع جملة ما يدخله الجالبون. ثم إذا وقع النداء على سلعة، فمن أعطى فيها ثمنًا لزمه، والخيار للبائع، فإن زاد عليه غيره انتقل اللزوم إلى الثاني، وإن لم يزد، فللبائع أخذه بذلك ما لم تطل غيبته.
قال سحنون: ولا يجوز للسمسار أن ينادي على سلعة ويأخذ جعلاً إلا إذا جعل ربها بيعها بيده، وإذا أخذ السمسار الثمن ليدفعه إلى البائع إن رضي بالبيع فضاع منه لزمه إذا لم يؤمر بالبيع بعد المرابحة، وهو أن يذكر البائع للمشتري رأس المال ويطلب منه الربح ويدخله التدليس من وجهين أن لا يذكر زمن الشراء، وأن يكذب في الثمن، والواجب عليه حفظ الأمة والصدق في قدر الثمن، وفي الإخبار عن كل ما لو علمه المشتري لقلت رغبته في السلعة، فيبين ما طرأ عليها من عيب منقص أو جناية، ويبين ما به عقد وما نقد، وهل اشتراها بنقد أو نسيئة، وفي أي زمن اشترى، وهل تجوز عنه في الثمن أو أخره به أو بشيء منه، وما غرم على السلعة مما له عين قائمة، إذ لا يحل ذلك البيع، حتى يتنزل المبتاع منزلته في علم جميع ذلك. وإذا كذب البائع في زيادة الثمن خير المبتاع في الأخذ بجميع الثمن أو الرد ما لم يحط البائع عنه الكذب وربحه.
وقال ابن الماجشون: له الخيار، وإن حط لخبث مكسبه.
وقال بعض المتأخرين: إن أي منتصلاً لم يكن له خيار، وإلا فله الخيار، فإن فاتت السلعة فعليه قيمتها يوم القبض ما لم تكن أكثر أو أقل، ولو غلط البائع فنقص من الثمن وصدقه المبتاع أو قامت له بينة خير المبتاع في أخذها بما قال أو ردها، فإن فاتت فللمبتاع أن يعطيه ذلك أو قيمتها ما لم تنقص عن الغلط وربحه.

.الخيار:

وهو عندنا بالشرط لا بالمجلس، ثم الخيار يكون لثلاثة ليؤتى بالثمن وليؤامر نفيه في الغرم على الشراء، مع علمه بموقع الثمن في الغلاء والرخص ليختبر المبيع، وأي ذلك كان فالخيار جائز، ثم الخيار إن كان ليؤتى بالثمن لم يكن له قبض السلعة، وإن كان ليعاود نظره في الثواب أو ليختبره جاز له قبضه ومدته غير محدودة على المشهور، حكاه عياض، وفي المدونة هي في الدار الشهر يريد وفي سائر الرباع، وفي الرقيق خمسة والجمعة وشبه ذلك والدابة تركب اليوم ونحوه ولا بأس باشتراط البريد ونحوه، وفي الثوب اليوم ونحوه واليومين وشبه ذلك لا أكثر.
قال بعض الشيوخ: وهذا التحديد إنما هو إذا كان الخيار للاختيار، وإن كان للمشورة فيكون الأمد مقدار ما يتشاور فيه النقد بغير شرطه جائز في جميع المبيعات خلا العلى من الإماء؛ لأنه إذا قبل يصير كمن أخذ جارية تتواضع من دين. وكذلك العبد الغائب والمسلم والكراء المضمون؛ لأن البيع إذا تم دخله فسخ دين في دين، والنقد بشرط غير جائز ويفسخ، وإن أسقط الشرط وقيل: يصح إذا أسقط الإيقاف، وإذا طلب البائع إيقاف الثمن كالغائب والمواضعة على المشهور فيهما لم يلزم؛ لأنه لم ينبرم، وإذا اشترط المتبائعان خيار رجل أو رضاه أو مشورته، فلهما الاستبداد، وإن اشترط ذلك أحدهما فأما المشهورة فلمشترطها الاستبداد، وأما الخيار والرضاء فإن أراد مشترطه أن يستبد ووافقه الآخر في ذلك، وإن خالفه ففي المذهب أربعة له أن يستبد كالمشورة وليس له ذلك، وهو قوله في المدونة في المبتاع، وله في غيرها مثل ذلك في البائع، والثالث أن ذلك حق لهما معًا، فإن اشترطه البائع ثم أراد الإمضاء وأباه من اشترط خياره لزم المشتري، وإن أراد البائع الرد وأراد من اشترط خياره الإمضاء فللمشتري الأخذ، وإن اشترطه المبتاع وأراد الأخذ فله ذلك، وإن أباه من اشترط خياره وإن أراد الرد وأباه المبتاع، فللبائع أن يلزمه البيع، ورابعها التفرقة، فإن اشترط ذلك البائع فله أن يستبد بالرد والإمضاء، وإن اشترطه المبتاع فليس له أن يستبد.
الدال على الرضاء: قول وترك وفعل، أما القول فواضح، وأما الترك فمثل أن يمسك على القول أو الفعل حتى تنقضي مدة الخيار، فإن كان الخيار للبائع والسلعة بيده، فذلك اختيار منه للرد، وإن كان بيد المبتاع دل على اختيار الإمضاء، ولو كانت بيد البائع دل على اختياره الرد، فإن ردها أحدهما بالقرب، فقال في المدونة: له ذلك بعد غروب الشمس، ومن الغد أو بقرب ذلك، وقيل: لا رد بعد الغروب. وأما الفعل فما لا يفعله الإنسان إلا في ملكه فهو صريح في الرد من البائع وفي الإمضاء من المشتري، وذلك كالعتق والكتابة والاستيلاد وشبه ذلك، واختلف في البيع، فقال مالك في رواية ابن القاسم: إذا باع المشتري السلعة والخيار له، فذلك رضى.
وقال في رواية ابن زياد: ليس ذلك برضى، واختلف في الرهن والإجارة وتزويج العبد والسوم بالسلعة، فقال ابن القاسم: ذلك رضى.
وقال أشهب: ليس برضى، ويحلف، والملك في زمن الخيار للبائع، والإمضاء نقل لا تقدير، وقيل: للمشتري، فيكون الإمضاء تقديرًا لا نقلاً.
الطوارئ ثلاثة:
الغلة: وهي للبائع بضمانه.
العيب: وإذا أصاب المبيع عيب في أيام الخيار بسماوي فحكمه حكم ما كان به قبل البيع؛ لأنه من ضمان البائع.
التلف: وإذا تلف بسماوي في أيام الخيار وقامت البينة على ذلك لم يكن لواحد منهما مقال، وإن ادعى من هو بيده أنه تلف، فإن كان البائع والخيار له فلا مقال للمبتاع، وإن كان الخيار للمبتاع والمبيع مما يغاب عليه واختار الإمضاء، فله تحليف البائع، ثم إذا حلف برئ عند ابن القاسم ولزمته القيمة عند أشهب إن كانت أكثر، وإن كان قيد المشتري وهو مما لا يغاب عليه صدق بعد يمينه ولا ضمان عليه إلا أن يأتي مما يدل على كذبه.
قال في الموازية: وإن كان ما يغاب عليه ضمنه ما لم تقم له بينة، وإذا تنازعا في وقت تلف المبيع، فقال المبتاع في أيام الخيار، وقال البائع بعدها، فقال ابن القاسم: القول قول البائع؛ لأن المبتاع مدعي نقض البيع، فعليه البينة، ابن أبي زيد يريد أنهما تصادقا اليوم على أن أيام الخيار انقضت، وأما لو قال المبتاع: لم تنقض لصدق بعد يمينه؛ لأن المبتاع يريد أن يضمنه.

.اللواحق:

ينحصر الكلام فيها في ثمانية فصول:

.الأول: في حكم الفاسد بعد وقوعه:

وإذا وقع الإخلال بشرط من شروط الصحة، فالجاري على المذهب وجوب الفسخ؛ لأن النهي عندنا يدل على الفساد مطلقًا، وتفصيل المذهب أن ما نهي عنه لأجل حق الغير فيقف الفسخ عليه على المشهور، وما حرم لوقوعه في محل محرم أو وقت معين كالبيع في الدار المغصوبة، والواقع في وقت معين لصلاة لم يفسخ، قاله ابن رشد، وينبغي أن يفسخ على القول بفسخ ما بيع وقت نداء الجمعة، وما كان من بيوع الثنيا كالبيع على أن لا يبيع ولا يهب فقد تقدم ذكره، وذكروا فيما إذا باعه على أنه إن لم يأت بالثمن إلى ثلاثة أيام ونحوها، فلا بيع بينهما أربعة أقوال ثالثها يصح البيع ويبطل الشرط، وقد تبين أنه قول ابن القاسم، ورابعها الجواز فيما لا يسرع إليه التغير كالرباع والكراهة فيما يسرع إليه، وهو قول مالك في الموازية، وما نهي عنه لأجل الربا والغرر وفسخ الدين في الدين، وما يؤدي إليه فيفسخ، والضابط أن كل ما اتفق على تحريمه فيفسخ إن كان قائمًا، وتجب فيه القيمة في المتقوم والمثل في المثلي إن كان فائتًا، ويفسخ أيضًا ما اختلف الناس فيه، فإن فاته مضى بالثمن في رواية ابن القاسم، وفي رواية ابن نافع تجب فيه القيمة أو المثل كالأول.
قال ابن القاسم: وينتقل الضمان فيه بالقبض.
وقال أشهب: وبالتمكين وقبض الثمن.
وقال سحنون: إن كان مجمعًا على فساده لم يضمن إلا ضمان الرهان، ثم حيث أوجبنا القيمة عند التلف فيقوم يوم القبض على المشهور، وقيل: يوم العقد، وقيل: يوم الفوات واستغلاله مطروح؛ لأن الخراج بالضمان، وانتقال الملك لا يكون إلا بعد القبض والفوات على المشهور.
وأسباب الفوات أربعة:
الأول: تغير الذات، وهو عامل في جميع المبيعات والمعتبر فوات الغرض المقصود من العين.
الثاني: تغير السوق، والمشهور اختصاصه بالحيوان والعروض.
وقال ابن وهب وأشهب: هو عام.
الثالث: الخروج عن اليد بالبيع الصحيح، وهو عام في الجميع، وذلك إذا باعه بعد قبضه، وقبل القيام بالفسخ.
الرابع: تعلق حق الغير كالرهن والإجارة والإخدام إن كانت الخدمة إلى أجل، وهو فوت في الجميع.

.الفصل الثاني: في نقل الضمان وما يترتب عليه من تلف وتعييب وجناية:

والبيع إن كان فاسدًا فقد تقدم، وإن كان صحيحًا وانعقد على الصفة أو على الخيار، فقد تقدم أيضًا، وإلا نظرت، فإن تعلق به حق توفية فضمانه من البائع حتى يستوفيه المبتاع، فإن تلف في المكيال أو في الميزان فثلاثة ثالثها التفرقة، فإن تولى البائع أو وكيله الكيل فضمانه منه، وإن تولاه المبتاع فضمانه منه، ورواه سحنون عن ابن القاسم، وإن لم يتعلق به حق توفية وبيع جزافًا وتمكن المشتري من نقله، فالضمان منه، وإن لم يتمكن من ذلك إما لعدة كلبن غنم بأعيانها مدة معلومة، وكشرب من عين مدة معلومة، وإما لبقائه لمصلحة كالثمار، فالضمان من البائع، وما بيع على العهدة وعلى المواضعة فلا ينتقل الضمان إلا بعد انفصال أمد العهدة والمواضعة، واختلف في المحبوس بالثمن على ثلاثة أقوال: الضمان من البائع رواه أشهب وبه أخذ، ومن المبتاع رواه ابن القاسم وبه أخذ حكاه ابن يونس، والثالث إن كان المشتري بلديًا موسرًا فالضمان من البائع، وإن كان عربيًا أو معسرًا فمن المبتاع، قاله مالك في مختصر ما ليس في المختصر، وحكى ابن الحاجب أن ضمان المحبوس بالثمن من البائع عند ابن القاسم خاصة. واختلف إذا لم يكن هنالك شيء مما ذكرناه هل ينتقل الضمان بمجرد العقد أو بشرط مضي زمن يتسع للقبض وهو المختار أو لا ينتقل إلا بالقبض.
التلف: وإذا تلف المبيع بآفة سماوية وقت ضمان البائع انفسخ العقد، وإن تلف وقت ضمان المشتري فهو منه، وإن تلف بعضه وقت ضمان البائع انفسخ البيع فيه، ثم التلف إن كان الأقل لزم المشتري بقيته بقسطه من الثمن، وإن كان الأكثر أو النصف افترق الجواب، فإن كان مثليًا وتلف الأكثر فهو بالخيار في الباقي، وإن تلف النصف ففي ثبوت الخيار أو لزوم النصف قولان، والمتقوم إن تلف أكثره أو ما هو وجه الصفقة فليس له التمسك بما بقي من حصته، إذ لا يعلم إلا بعد التقويم، وقد وجب هل الرد، فيكون رضاه بذلك بيعًا مؤتنفًا بثمن مجهول.
التعييب: وإذا أصاب المبيع عيب وقت ضمان البائع، فهو كالموجود فيه قبل البيع، وإذا أصابه وقت ضمان المبتاع فهي مصيبة نزلت به.
الجناية: وإذا جنى على المبيع جان وقت ضمان المبتاع، فالبيع ثابت ويرجع على الجاني بالأرش إن تعيب، وبالقيمة إن تلف، وبالمثل في المثلي، ولو جنى وقت ضمان البائع والجاني هو المبتاع، فذلك قبض حكاه ابن شاس، ولم يفرق بين عمد ولا خطأ.
وقال اللخمي: إن كانت عمدًا فقبض، وإن كانت خطأ انفسخ البيع وغرم القيمة، ولو كان البائع هو الجاني، فقال اللخمي: إن كانت خطأ انفسخ البيع، وإن كانت عمدًا وأتلفه وكانت القيمة أكثر غرم فضل القيمة على الثمن.
قال: وإن أتلفه أجنبي عمدًا أو خطأ، فللبائع عليه الأكثر من القيمة أو الثمن؛ لأنه أبطل عليه الدين الذي له على المشتري، وحكى ابن شاس أن البيع لا ينفسخ، وعليه القيمة، وظاهره أن القيمة للمبتاع وعليه الثمن، وهذا خلاف ما قاله اللخمي.

.الفصل الثالث: في جوائح الثمار:

والجائحة ما يؤلم، وخصت في الشرع بما يتلف الثمار أو يفسدها من أمر سماوي والجيش جائحة، وظاهر كلام ابن الماجشون أنه ليس بجائحة، وفي السارق ثلاثة في المدونة ليس بجائحة، وعكسه في الموازية، وقيل: جائحة في الفتنة حيث لا يستطاع الحرز، وخلاء البلد جائحة إذ لا يجد من يبيع الثمار كمن اكترى حمامًا أو فندقًا فانجلى أهل البلد لفتنة أو خوف، ورأى ابن يونس أن موت دود الخز جائحة في ورق التوت، فإذا أصابت الثمار جائحة سقط عن المشتري ما يقابل المجاح بأربعة شروط:
الأول: أن يصير إليه بيع محض، فلا جائحة فيما كان صداقًا، قاله ابن القاسم؛ لأن الأصل في النكاح المكارمة، وخالفه ابن الماجشون قياسًا على البيع بجامع الرد بالعيب.
الثاني: أن يشتريها مفردة فلا جائحة فيما بيع بأصله، ولم يؤبر، واشترطه المبتاع بما أبر وهو بلح أو بسر أو رطب؛ لأنه لغو، وإن أوجبه الشرط. ابن المواز. وسواء كانت الثمرة هنا الثلث أو أكثر.
وقال أصبغ: أما ما عظم خطره ففيه الجائحة بعد أن يفض الثمن على الأصل والثمرة؛ لأنها زاد لأجلها زيادة عظيمة، وأما ما لم يعظم خطره فلا.
الثالث: أن تكون محتاجة للبقاء ليكمل طيبها، فلا جائحة في الثمار اليابسة، ولو كان بقاؤها لحفظ تجارتها كالعنب يشترى بعد تمام صلاحه، وكالبقول والأصول المغيبة في الأرض كاللفت والجزر والفجل والبصل والقصيل والقرطم، ففي وجوب الجائحة فيها خلاف.
الرابع: أن يجاح الثلث فأكثر فيما يحتاج إلى البقاء برسم الكمال، فلا جائحة فيما دون الثلث، إلا أن يكون من الثلث فيوضع القليل والكثير، والمشهور في البقول أنه يوضع قليلها وكثيرها والمعتبر عند ابن القاسم ثلث الثمرة مطلقًا، ووافقه أشهب في النوع الواحد الذي يحبس أوله على آخره كثمرة النخل والعنب وخالفه فيما عداه فاعتبر ثلث القيمة يوم الصفقة.
تنبيه:
ما بقي بعد الجائحة لازم للمشتري وإن قل، وليس للبائع أن يقول أمسكه بجميع الثمن أو رد.

.الفصل الرابع: في الإقالة والتولية والشركة:

الإقالة: عبارة عن رد المبيع إلى ملك البائع، وهل هي ابتداء بيع أو حل بيع خلاف، وظاهر المذهب إنها ابتداء بيع إلا في المرابحة والإقالة من الطعام والإقالة من الشقص المأخوذ بالشفعة.
وقال سحنون: هي ابتداء بيع إن كانت بزيادة أو بنقصان، ثم حيث هي ابتداء بيع أو حل بيع فيما ذر فيها من البيع والسلف ومن فسخ الدين في الدين، ويتصور ذلك في المضمون دون المعين، ويحاذر في الطعام من بيعه قبل قبضه، فإذا اشترى سلعة بعينها ويدفع له ثمنها ثم يقيله، فله أن يؤخره بالثمن ما شاء لأنه معين ولو باعه عبدًا بثوب فأقاله على أن يأخذ منه العبد إلى مثل أجل السلم جاز؛ لأن البيع وقع على غير معين، فسلم من فسخ الدين في الدين، ولو اشترى منه سلعة غائبة مما لا يجوز النقد، فأجاز أشهب الإقالة فيها، ومنه في المدونة: قال: لأنها إن كانت سالمة في البيع الأول، فقد وجب له في ذمته ثمن باع منه فيه سلعة غائبة، وذلك دين في دين، ولو أسلم إليه في عروض أو في طعام ثم أقاله قبل الأجل أو بعده من بعض وأخذ بعضًا لم يجز؛ لأنه بيع وسلف مع ما في الطعام من بيعه قبل قبضه، ولو أسلم رجلان إلى رجل جاز أن يقيله أحدهما ما لم يكونا متفاوضين، وأنكره سحنون، لكون للآخر أن يدخل معه فيؤدي إلى البيع والسلف.
التولية: جائزة في الطعام وغيره ويحاذر فيها من الدين بالدين، ومن بيع الطعام قبل قبضه، فإذا أسلم في عروض أو في طعام فولاه رجلاً لم يجز أن يؤخره بالثمن، ويجوز ذلك في المعين وله أسلم عروضًا في طعام، وكانت من المثليات جازت التولية على مثلها بالعين، قاله في المدونة. ابن يونس. لعله يريد والمثل حاضر عنده كما قال أشهب، وإن كانت من المتقومات لم يجزئ، يوليه بقيتها كما لو كان الطعام معينًا لم يجز أن يوليه إياه بذلك ويدخله بيعه قبل قبضه، ولو كان الطعام معينًا حاضرًا أو اشتراه بنقد جاز أن يوليه بثمن نقدًا أو بماله وذمته؛ لأنه في حكم النقد بشرط أن يستويا في المقدار والصفة، وإذا اشترى ثلاثة أرطال تينًا كل رطل بدرهم فباع من رجل رطلاً قبل أن يقبضه بدرهم، فإن سماه بيعًا لم يجز، وإن سماه تولية جاز، وإذا اشترى طعامًا بدينار فولى نصفه لرجل، فقال مالك: يدفع له دينارًا ويرد عليه نصفه دراهم واستثقل أن يأخذ في التولية إلا مثل ما أعطى إن ذهبًا فذهب، وإن دراهم فدراهم، ولم يجز ابن القاسم أن يترك له شيئًا من الثمن على وجه الصدقة.
الشركة: وإذا فرعنا على القول المشهور في جواز الشركة في الطعام قبل قبضه أو كانت في غير الطعام فيحاذر فيها من الدين بالدين، ومن البيع والسلف، ومن بيع الطعام قبل قبضه، فإذا أسلم في طعام أو في عروض ثم أشرك فيهما جاز إذا أنقد ولم يجز التأخير؛ لأنه دين بدين مع ما يدخله في الطعام من بيعه قبل قبضه ولو اشترى سلعة بثمن فأشرك فيها رجلاً على أن ينقد عنها ثمنها لم يجز؛ لأنه بيع وسلف.

.الفصل الخامس: في الاستحقاق:

وهو الحكم بإخراج المدعي فيه الملكية من يد حائزه إلى يد المدعي بعد ثبوت السبب والشرط وانتفاء المانع. السبب قيام الشهادة على عينه بأنه ملك للمدعي لا يعلمون خروجه ولا خرج شيء منه عن ملكه حتى الآن والشهادة في أنها لم تخرج عن ملكه إنما تكون على نفي العلم في قول ابن القاسم المعمول به والشروط ثلاثة الحيازة إذا تعذر حصول المدعى فيه عند الحاكم يشهد على عينه وهي أن يوجه القاضي عدلين، وقيل: أو عدلاً مع الشهود الذين شهدوا بالملكية، فإذا كانت مثلاً دارًا قالوا لهما مثلاً: هذه هي الدار التي شهدنا فيها عند القاضي فلان الشهادة المقيدة أعلاه، ثم إن القاضي يعذر في ذلك إلى الحائز وهو الشرط الثاني، فإن ادعى مدفعًا أجله فيه بحسب ما يراه، فإن عجز عن الإثبات أو سلم الشهادة حكم عليه بعد يمين المدعي يمين الاستبراء وهو الشرط الثالث ولابد من يمين الاستبراء في جميع الأشياء، قاله ابن القاسم، وابن وهب، وسحنون.
وقال ابن كنانة: لا يمين في ذلك، والمعمول به عند الأندلسيين أنه لا يحلف في العقار ويحلف في غيره.
قال الباجي في سجلاته: ولو استحق ذلك من يد غاصب لم يحلف، وذكره ابن أبي زيد في النوادر، وهو مذهب المدونة. وأما المانع ففعل وسكوت، فالفعل أن يشتري ما ادعاه من عند حائزه، فلو قال: إنما اشتريته منه خوف أن يغيب عليه، فإذا أثبته رجعت عليه بالثمن لم يكن له مقال.
وقال أصبغ: إلا أن تكون بينة بعيدة جدًا، ويشهد قبل الشراء أنه إنما اشتراه لذلك، فذلك ينفعه، ولو اشتراه وهو يرى أن لا بينة له ثم وجد بينة فله القيام، وأخذ الثمن منه.
قال أصبغ: والقول قوله، وأما السكوت فمثل أن يترك القيام من غير مانع أمدًا تحصل به الحيازة وهو حاضر، فإن كان الحائز ذا سلطان لم يضره ذلك، ويشهد أنه باق على حقه والغائب باق على حقه.
قال ابن القاسم: إلا أن يكون عرف ذلك فتركه حتى طال الأمد طولاً يكون حيازة وعدم علم الحاضر بملكه عذر والقول قوله في ذلك مع يمينه ثم الحائز إن كان أجنبيًا وهو شريك فلا اعتبار بحيازته ولو عشرة أعوام إلا أن يتصرف بالهدم والبناء وإن لم يكن شركًا وحازه عشرة أعوام.
قال ابن القاسم: وهدم وبنى فتلك حيازة مانعة من القيام في الأصول وإن لم يهدم ولا بنى، وإنما حاز بالسكنى فهي حيازة على المشهور.
قال أصبغ: وتحاز الثياب بالسنة والسنتين إذا كانت تمتهن والدواب بالسنتين والثلاث إذا كانت تركب وكذلك في الإماء إذا كن يستخدمن، وفي العبيد والعروض فوق ذلك ولا يبلغ بذلك كله فوق عشرة أعوام، وإن كان صهرًا أو من الموالي ففي حيازته فيما لا شرك له فيه ثلاثة قبل عشرة أعوام، وإن لم يكن هدم ولا بنى، وقيل: لا تكون حيازة إلا مع الهدم والبناء، قاله ابن القاسم.
وقال أيضًا: ولا يكون مع البناء إلا أن يطول الزمان جدًا، وإليه رجع، وإن كان أبًا أو ابنًا، فإن حاز بالسكنى والحرث، فلا اعتبار بذلك وتفويته بالبيع حيازة، ولو حاز بالبناء والهدم والغرس، فلا حيازة بذلك إلا أن ينسبه إلى نفسه بشراء أو صدقة أو هبة، وكذلك الجد وولد الولد وإن كان من الأقارب ففيهم خلاف والمتحصل من ذلك ثلاثة العشرة الأعوام مع الهدم والبناء ولا يكون ذلك حيازة، إلا مع الطول والثالث التفرقة فتكون حيازة مع غير الاشتراك دون الاشتراك، وإذا حكم القاضي للمستحق بإخراج المستحق من يد حائزه أدخل في ضمانه بلا خلاف.
وقال مالك في العتبية: إذا أثبته بشاهدين أو بشاهد وامرأتين دخل في ضمانه من يوم الثبوت ولم ير ذلك ابن القاسم ويترتب على ذلك أربعة أحكام: الغلة، والولد، والرجوع بالبناء، والغرس، والرجوع بالثمن.
الغلة: قال في المدونة: هي لمن كانت بيده حتى يقضى بها.
وقال في الموطأ: هي للمستحق من يوم الثبوت. اللخمي. الغلة للمشتري في خمسة مواضع إذا رد المعيب بعيب أو كان شراؤه فاسدًا فنقض أو رد المبيع لفلس أو أخذ بالشفعة أو استحق، وكذلك من صارت إليه عنه بإرث أو هبة، فالغلة له لأنه حل فيها محله.
الولد: والمذهب أنه ليس بغلة ثم إن كان بزنى فهو رق للمستحق وكذلك إن كان بنكاح وهو يعلم أنها أمة، وإن كان غير عالم فهو حر، وكذلك إن نشأ عن وطء الملك ويغرم قيمة الولد، وهل له أخذ الأم، فقال مالك وابن القاسم: يأخذها، وفي الجلاب لا يأخذ إلا قيمتها.
البناء والغرس: وإذا بنى الحائز أو غرس فيما يعتقد أنه له، ثم استحق من يده فيه الرجوع بقيمة ذلك قائمًا.
وقال مالك في المستخرجة: له الرجوع عليه بما عمر من عمل الناس، فأما بنيان للأمراء فلا أدري ما هذا، قيل: فما حسبه من عمل الناس.
قال: ذلك له، قيل: أفيكون للباني على القائم قيمة البنيان أو نفقته.
قال: بل نفقته ولو بنى داره مسجدًا فللمستحق هدمه، قاله ابن القاسم، ولم يقل يأخذ قيمة البناء.
قال سحنون: وكأنه نحا إلى أن النقض لما جعله لله تعالى فلم يأخذ عنه قيمة ولكن يأخذه ويجعله في مسجد آخر، قاله عنه ابن عبدوس، وهذا إذا كان الباني غاصبًا، وأما إن بنى بوجه شبهة فيأخذ قيمته قائمًا فيجعلها في مثله، وإذا امتنع المستحق من دفع القيمة قيل للآخر: ادفع قيمة أرضه، فإن أبى أو كان عديمًا كانا شريكين على قدر قيمة الأرض والبناء ولو بنى وغرس بغير وجه شبهة فله قيمة ذلك منقوضًا بعد رعي أجرة الإخلاء وكذلك الباني في أرض العارية والإجارة.
الرجوع بالثمن: وإذا استحق الجميع أو ما له قدر واختار الرد رجع بالثمن وإذا استحق بعض المبيع، فإن كان عقارًا، وكان ذلك البعض معينًأ تافهًا كبيت من دار عظيمة لا يضرها ذلك لزمه البيع في بقيتها ورجع بقيمة ذلك ولو كان يضرها أو كان المستحق جل ذلك رد الباقي ورجع بجميع الثمن وليس له حبس الباقي بحصته من الثمن عند ابن القاسم؛ لأن ذلك مجهول لا يعلم إلا بعد التقويم وقد وجب له الرد فيكون رضاه بذلك مؤتنفًا بثمن مجهول، وقيل: ذلك له وصوبه اللخمي وإن كان شائعًا ففي المدونة إن استحق النصف أو الجل أو دون النصف مما يضر.
قال ابن يونس: وإن كان العشر فهو مخير في الرد أو التمسك ويرجع بحصة ذلك من الثمن، وإن كان غير عقار واستحق منه جزء معين، فإن كان الأقل رجع بحصته، وإن كان وجه الصفقة رد الجميع ولا يجوز له التمسك بما بقي لما مر وإن كان شائعًا وهو مما لا ينقسم كالعبد والدابة، فله الرد بعيب الشركة وله التمسك بما بقي لأن حصته معلومة، وإن كان مما ينقسم كالطعام، فإن استحق منه الأقل رجع بحصته وإن استحق الأكثر فله الخيار، ثم إذا وقع الحكم بالرد وطلب المستحق من يده الرجوع بالثمن، فإن كان عالمًا بحصة ملك الذي اشتراه منه، ففي رجوعه عليه قولان لأشهب وابن القاسم، وإن لم يكن عالمًا ثبت له الرجوع، فإن كان البائع غائبًا وكان المبيع دابة فطلب المستحق من يده أن يضع قيمتها ويأخذها ليرجع بثمنها على الغائب مكنه القاضي من ذلك وضرب له أجلاً، فإن لم يأت بعده سلم القيمة للمستحق وجرى العمل بالطبع على رقاب الدواب إذا وجه بها ويدفع له الأمة أيضًا إن كان مأمونًا وإلا فيكتب له القاضي بما ثبت عنده من صفتها.