فصل: الفصل الثالث: في حكم الغلط والتفويت وموت المكتري وتخلفه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: لباب اللباب في بيان ما تضمنته أبواب الكتاب من الأركان والشروط والموانع والأسباب



.الثالث: المعقود عليه:

وقد قلنا: إنه يتناول الأجرة والمنفعة، فأما الأجرة فكل ام جاز بيعه جاز أن يكون أجرة، وتستثنى من ذلك الأرض بالطعام على المشهور، وإن كان مما لا تنبته وكذلك القطن والكتان والعصفر والزعفران.
وقال ابن كنانة: كل شيء إن أعيد فيه نية لم يجز أن تكرى به.
وقال ابن نافع: تكرى بكل شيء خلا نوع ما يزرع فيها وخلى الحنط وأخواتها.
قال سحنون: ومن أكراها بجزء مما يخرج منها، فهي جرحة في حقه.
قال ابن أبي زيد: إن كان عالمًا، فإنه لا يجوز.
قال: فإن نزل ذلك فلربها كراؤها دراهم.
وأما المنفعة فيشترط فيها سبعة شروط:
الأول: أن تكون مباحة، فلا يجوز استئجار آلات اللهو ولا الاستئجار عليها ولا على صياغة أواني الذهب والفضة، ولا يجوز كراء الأرض ممن يبيع فيها الخمر لاو الدابة ممن يحمل عليها ذلك أو ممن يعلم أنه يريدها لذلك، فإن نزل فسخ ويتصدق بالكراء إن علم أنه إنما أكرى الدار والأرض لذلك، فإن لم يعلم يفسخ وينهى عن ذلك، فإن لم يفعل وتمت المدة بالسكنى أخذ الإمام الكراء فتصدق به وعاقبهما.
الثاني: أن تكون متقومة فما لا قيمة لمنفعته، فلا يجوز استئجاره وفي استئجار الأشجار لتجفيف الثياب قولان، ومنع ابن القاسم استئجار ما لا يعرف بعينه فمنع استئجار الدنانير والدراهم لتزيين الحوانيت وأجازه القاضي أبو بكر إذا كان المالك حاضرًا معه وفي جواز استئجار المصحف قولان لابن القاسم وابن حبيب ولا يجوز لأحد أن يبني مسجدًا ليكريه للصلاة، وكره ابن القاسم أن يكتري بيته لمن يصلي فيه قيام رمضان.
الثالث: أن لا يتضمن استيفاء عين قصدًا، فلا يصح استئجار الأشجار بثمارها ولا الغنم لنتاجها وصوفها ولبنها، ويستثنى من ذلك ما كان تبعًا كاشتراط ثمر الشجرة في الدار المكتراة للسكنى إذا كانت قيمة ذلك الثلث فأدنى ويجوز استئجار الضئر للرضاعة وإن كان الابن غنيًا للضرورة.
الرابع: القدرة على التسليم حسًا وشرعًا، فلا يجوز استئجار الخرص للتعليم ولا الأرض التي لا ماء لها للزراعة، وكذلك أرض المطر المأمونة عادة، وقيل: لا يجوز النقد فيها، وإن كانت مأمونة، ولا يجوز كراء الأرض الغارقة، فإن ظن ذهاب الماء عنها بالعادة جاز.
الخامس: أن يكون الكاري منه المنفعة، فإن كان إنما ملك أن ينتفع لم يجز ككراء بيت في المدرسة.
السادس: أن تكون معلومة.
السابع: أن تحصل للمستأجر فلا يصح الاستئجار في العبادات كالصوم والصلاة، فإن أوضح بحج فله أجر النفقة، ويجوز أن يعطى المؤذن والإمام من بيت المال ومن الأحباس، ويجوز للمؤذن أن يأخذ الأجرة من أجائر الناس، وفي جواز ذلك للإمام ثلاثة: المنع لابن حبيب، والجواز لابن عبد الحكم، والتفرقة، فإن أضاف لذلك أذانًا أو إقامة جاز، وبه العمل والإجارة على تعليم قراءة القرآن جائزة، وذم ابن القاسم الإجارة على تعليم الفقه والفرائض، قال: لأن مالكًا كره بيع كتب الفقه، والشرط على تعليمها أشد. ابن يونس.
قال غيره بجواز بيعها، وعلى قوله: يجوز الاستئجار على تعليمها وهو أصوب، وكره ابن القاسم الإجارة على إجارة الشعر والنحو، وعلى كتابة ذلك أو إجارة كتب فيها ذلك وبيعها، وأجاز ذلك ابن حبيب، وكره الشعر ما فيه ذكر الخمر والخناء وقبيح الهجاء.
قال اللخمي: وأما الغناء والنوح فممنوع.
قال اللخمي: والأجر على القضاء والفتوى رشوة.

.اللواحق:

وينحصر الكلام فيها في خمسة فصول:

.الأول: في حكم الإجارة الفاسدة:

وهو الفسخ ثم إن كان المكتري لم يضمن العين المكتراة فلا يلزمه شيء، وإن قبضها واستعملها فعليه كراء المثل، وكذلك إن لم يستعملها عند ابن القاسم، لكن اختلف المتأخرون هل يلزمه كراء مثلها على أنها مستعملة أو على أنها معطلة، فقال بعض القرويين على أنها معطلة في قول ابن القاسم كمن حبسها بعد انقضاء مدة الكراء.
وقال ابن يونس: على أنها مستعملة؛ لأنها إنما قبضها لينتفع بها وما فعله من العطلة غير مبطل لحق ربهما كما اكتراها كراء صحيحًا فعطلها.

.الثاني: والمقتضي للفسخ أو الخيار بعد وقوعه على الصحة:

وذلك ثمانية أسباب:
الأول: نهي الشارع عن الاستيفاء: مثل أن يستأجر حجامًا على قلع الضرس فيسكن إليه أو على قصاص فيعفو ولي الدم.
الثاني: فوات المنفعة: فمن ذلك موت الدابة والأجير المعينين. ابن القاسم. وإذا اعتلت الدابة بالطريق انفسخ الكراء يريد وهي معينة ولو صحت بعد ذلك ولم تلزمه بقية الطريق. ومنها انهدام بئر الأرض المكتراة للزرع وتقدير سقيها.
تنبيه:
إن أبى رب الأرض من إصلاح البئر فلرب الزرع أن ينفق في ذلك ما يخص كراء تلك السنة، وما زاد فهو فيه متطوع، قاله في المدونة، فإن كان ربها قد قبض كراءها أجبر على إخراج ما ينوب تلك السنة، ومنه انهدام جميع الدار أو ما يتضرر المكتري بالمقام معه ويأبى الآخر من إصلاحه أو يكون عليه في الصبر إلا أن يثبت ضرر. ومنه فساد الأرض المكتراة للزراعة بكثرة الدود والفأر، وكذلك إذا غرقت في الآبار بحيث لو انحسر عنها الماء لم يمكن زرعها.
قال اللخمي: وإذا فسد الزرع بالدود أو الفأر سقط الكراء كان هلاكه في الإبان أو بعده، وكذلك إن هلك بسبب العطش ولو كان هلاكه بأمر خارج كالجراد والطير والجليد والبرد ونحو ذلك من الجوائح لم يسقط عنه من الكراء شيء ومنه قلة الطحن في الأرحاء.
قال صاحب الطرر: إذا قل الواردون للطحن لجهد أصاب الناس في ذلك الزمان أو قل الواردون من البلاد لسكنى الفنادق المتخذة للنزول لفتنة أو خوف حدث في الطريق أو ما أشبه ذلك وجب الخيار للمكتري في الفسخ أو التمسك، فإن سكت حتى انقضت المدة أو بعضها لزمه جميع الكراء ولا يسقط عنه الكراء إلا لجلاء أهل ذلك الموضع حتى تبقى الأرحاء معطلة والفنادق خالية ولا يلزم ربها إذا قلت الواردة أن يحط عن المكتري شيئًا، وإنما له الخيار، وفي المتيطية إذا انقطع الرحا لقلة الماء أو لكثرته أو لخلاء موضعها لفتنة أو لصوص أخافوهم لم يفسخ الكراء، فإذا عاد الأمر إلى حاله وقد يلقى من الأوجبة شيء، فذلك لازم لهما كقول مالك في الأجير يمرض فما يصح في بقية المدة ويسقط عن المكتري ما ينوب قلة الانقطاع على نفاقه.
الثالث: فوات عمل الاستيفاء على خلاف:
فأما موت الصبي المستأجر على رضاعه أو على تعليمه أو موت الدابة المستأجر على رياضتها وعلوق الرمكة ببعض الأكوام التي استأجر الفحل عليها فموجب للفسخ، واختلف في تلف الشيء المستأجر على حمله أو بيعه والقمح المستأجر على طحنه أو حصاده والثوب المستأجر على خياطته.
قال القاضي أبو محمد: الظاهر من مذهب أصحابنا أن محل استيفاء المنافع لا تتعين في الإجارات وأنه إن عين فذلك كالوصف لا ينفسخ العقد بتلفه بخلاف العين المستأجرة، وحكى ابن شاس مثل ذلك في الثوب المستأجر على خياطته يتلف عليه أن يأتي بغيره على ظاهر المذهب.
وقال سحنون في الرجل يستأجر بناء أو حصادًا أو من يعمل له عملاً فمنعه المطر من تمامه أن له ما عمل من النهار، وقال غيره: له جميع الأجرة.
الرابع: وجود العيب:
قال ابن القاسم: إن اكترى دابة معينة أو بعيرًا معينًا، فإذا هو عضوض أو جموح أو لا يسير ليلاً أو به دبرة فاحشة يؤذيه ريحها، فله الفسخ. ولو استأجر عبدًا للخدمة فوجده سارقًا فله الرد.
الخامس: حمل الأمة المستأجرة من سيدها:
قال في الجواهر: من استأجر أمته فله وطؤها، فإن حملت وجبت المحاسبة، وكذلك الضئر تحمل من زوجها.
السادس: بلوغ الصبي وعتق العبد وموت المعمر بعد الإجارة والاستحقاق:
وإذا آجر الوصي يتيمه فبلغ، فقال ابن القاسم: إذ آجره ثلاث سنين وهو يرى أنه لا يحتلم فاحتلم بعد سنة فله فسخ الإجارة إلا أن يبقى منها اليسير كالأيام والشهر.
قال: ولا يؤاجر الأب ولده ولا الوصي يتيمه بعد احتلامه.
قال يحيى: ورشده ولو أكرى ربعه أو رقيقه أو دوابه أعوامًا فاحتلم بعد سنة، فإن كان يظن أنه لا يحتلم تلك المدة فعجل عليه الاحتلام وآنس منه الرشد، فلا فسخ له.
قال ابن القاسم: وقال غيره: لا يلزمه إلا فيما قل.
قال ابن القاسم: وأما إن عقد عليه أمدًا يعلم أنه يبلغ فيه فلا يلزمه، وكذلك الأب.
قال: وأما سفيه بالغ يؤاجر عليه ولي أو سلطان رقيقه أو دوابه سنتين أو ثلاثة، ثم انتقل إلى حال الرشد، فذلك يلزمه.
وقال غيره: إنما يجوز للمولى أن يكري عليه ذلك السنة ونحوها، وأما ما كثر فله فسخه، وإذا آجر السيد عبده ثم أعتقه فلا مقال للعبد والإجارة أملك به وهو حر بتمامها ولا يلحقه دين، وأحكامه أحكام العبيد. ابن حبيب. فإن اختلفا في الإجارة فسأل السيد، فإن قال: أردت أن يكون حرًا بعد تمام الأمد صدق وكانت الإجارة له، وإذا مات المعمر بعد الإجارة ففي الجواهر إذا مات البطن الأول من أرباب الوقف بعد الإجارة وقبل انقضاء مدتها انفسخت في بقية المدة، وقيل: إن أكروا لمن يجوز الكراء إليه لم تنفسخ، وإذا استحقت الأجرة وهي معينة انفسخت الإجارة، فإن كانت غير معينة لم تنفسخ، وإن استحقت العين المستأجرة انفسخ الكراء، إلا أن يكون الكراء مضمونًا فيسلم إليه تلك العين ليستوفي منها، فلا تنفسخ ويلزمه الإتيان بغيرها.
السابع: الغصب: وفيه ثلاثة: المصيبة من المالك مطلقًا.
قال مالك في الواضحة: ومن اكترى أرضًا وقبضها ثم غصبها منه سلطان فمصيبتها من ربها ولا كراء له فيما بقي.
وقال سحنون: الجائحة من المكتري والتفرقة، فإن غصب أصل الدار فالمصيبة من ربها، وإن غصب السكنى فهي من المكتري.
الثامن: هروب الأجير والجمال: وإذا استؤجر رجل مدة معينة فهرب قبل استيفائها فانفسخت الإجارة بانقضائها وإن كانت غير معينة ألزم عملها وإذا هرب الجمال بالإبل وكان الكراء لشيء بعينه انفسخت الإجارة بمضيه من غير افتقار لحكم، وإن كان بشيء لغير عينه ولم يفت ما اكتريت له فليرجع إلى الحاكم، فإن كان لا ضرر على المكتري لم يعجل بالفسخ، فإن كان عليه ضرر فسخ مثل المكتري إلى بلد إن فاته الخروج مع هذه الرفقة فات ما اكتراها له أو يكون الكراء للحج، فإن لم يرفع إلى الحاكم فهل ينفسخ كالمعين أو لا؟ قولان.

.الفصل الثالث: في حكم الغلط والتفويت وموت المكتري وتخلفه:

وإذا اكترى رجل من جمال على حمل بعينه إلى بلد بعينه فأخطأ فحمل غيره فربه بالخيار في تضمينه قيمته في البلد الذي حمله منه ويأخذها حيث هو، وإن أحب أخذ الحمل وغرم الكراء، قاله ابن القاسم.
وقال أشهب: لا كراء له، وليس للجمال أن يقول: أنا أرده ولا لربه أن يلزمه ذلك، وعلى الجمال أن يرجع فيحمل ما استأجره عليه، وإذا فوت رب العين المكتراة تلك العين بالبيع أو الهبة فالمكتري أحق بها في الموت والفلس بقيمة المدة كطعام بعينه مات بائعه أو فلس قبل الكيل، قاله ابن القاسم، ولا ينفسخ الكراء بموت المتكاريين أو أحدهما، وكذلك من اكترى أرضًا أو دارًا فلم يجد بذرًا أو سجنه السلطان وإذا مات المكتري في الطريق فلم يجد وليه كراءه وأراد أن يطرح في شقه حجارة، فقال ابن القاسم: ليس له ذلك، وهو مضار، إلا أن يكون له في تلك الحجارة نفع. ابن شاس. وإذا ظهر للعاقد عذر فتخلف عن استئجار الدابة أو تغيرت خلقته بعد استئجار الحانوت أو مرض فالعقد لازم إذ لا خلل في المعقود عليه.

.الفصل الرابع: في الضمان:

ويتعلق النظر بالأجراء والصناع:
أما الأجراء: فالمعروف أن يد الأجير يد أمانة، وقيل: لا، ولم يختلف في أن يد الحارس يد أمانة.
قال محمد: من استؤجر على حراسة بيت فنام فسرق، فلا ضمان عليه، وله أجره كاملاً، وكذلك جميع الحراس والسمسار لا يضمن، وكذلك الحمامي، وقيل: يضمن الحمامي، إلا أن يأتي بحارس فلا يضمن، ثم في تضمين ذلك الحارس قولان لابن حبيب والمدونة، واستثنى مالك الطعام والشراب مقتاتًا أو غير مقتات، حملوه في سفينة أو على ظهورهم أو دوابهم مع عدم البينة ولا ينتفعون بشرط الضمان، وخص ابن حبيب الضمان بما يقتات دون ما يتفكه به، ثم ما هلك من الطعام بقولهم، فإنهم يضمنون مثله في الموضع الذي يحملونه إليه ولهم جميع الكراء وما لم يضمنوه إما لكون ربه معه أو قامت بينة بهلاكه بأمر سماوي فلا كراء لهم فيه وعليهم حمل مثله من موضع التلف وإن تقم بذلك بينة فجعله ابن المواز مثل ما قامت بهلاكه بينة.
وقال ابن حبيب: ولهم من الكراء بحسب ما مضى وينفسخ ما بقي ثم حيث قلنا بقبولهم التلف، فذلك ما لم يصدر منهم ما يقتضي الضمان، ولذلك ثمانية أسباب:
الأول: ظهور كذبهم مثل أن يدعي التلف فتشهد البينة بعد ذلك على رؤيته عنده.
الثاني: أن يدعي التلف على صفة لا تشبه.
الثالث: كراؤه لغيره على أحد الأقوال وهي ثلاثة: نفي الضمان مطلقًا، ووجوبه مطلقًا، والتفرقة، فإن أكراه من مثله في أمانته لم يضمن، وإلا ضمن، وهو المشهور.
الرابع: في التغرير الفعلي وفي القولي، قولان مثال الأول أن يغره بضعف الجمل أو من عثار.
قال اللخمي: ولصاحب الحمل تغريم الجمال قيمة ذلك بالموضع الذي حمله منه أو بالموضع الذي هلك فيه.
وقال ابن حبيب: ضمن قيمته يوم الهلاك وله من الكراء بحسابه إلى ذلك الموضع.
قال: وهو قول ابن القاسم مثال الثاني أن يدفع له حبلاً ويأمره أن يربط بها الحمل.
الخامس: التعدي والتفريط.
السادس: حبس الكاري المتاع حتى يقبض وحوزه عن ربه كما يحاز الرهن، وذلك موجب الضمان.
قال ابن القاسم: وله الكراء كله إذا بلغ الغاية.
السابع: الجناية عمدًا كانت أو خطأ، إلا ما كان منها مأذون فيه.
قال ابن القاسم: وما فعله الراعي مما يجوز له فعله فأصاب الغنم من فعله عيب لم يضمن.
الثامن: عدم إتيانه بما يصدقه مع القدرة على ذلك.
قال ابن القاسم: في المرتهن يدعى موت الدابة بموضع فيه عدول ولم يعرف واحد منهم موتها هو ضامن فكذلك ينبغي هاهنا.
الصناع: والمذهب أن الصانع ضامن إذا نصب نفسه للناس ولم يقم له دليل بصدقه يصدقه، وسواء عمل بأجر أو بغير أجر كثر العمل أو قل مثل زر في ثوب أو طوق أو رقعة أو فص خاتم، وسواء عمل في حانوته أو في بيته سواء كان التلف بصنعة أو بغر صنعة وأما الصانع الخاص فهو أمين. ابن شاس. إذا لم ينصب نفسه للصنعة فيده يد أمانة، وكذلك لو دعاه رب السلعة فعمل في بيته، وكذلك إن لازمه صاحبها وإذا أقامت للصانع بينة بالهلاك من غير تفريط ولا تعد لم يضمن، قاله ابن القاسم.
وقال أشهب: يضمن، ثم إن أصل القبض على الضمان، ثم إن شهدت بهلاكه بعد تمام العمل، فقال ابن القاسم: لا شيء له من الأجرة.
وقال ابن القاسم: له الأجرة. وإذا اشترط الصانع نفى الضمان نفعه على قول أشهب، ولم ينفعه على قول ابن القاسم، وعليه القيمة يوم القبض، إلا أن يقر أن قيمته يوم التلف أكثر فيضمنه ولو ظهر عنده بعد ذلك فقيمته يوم ظهر عنده وإن كانت أقل، وإذا كان عند الأجير المشترك أجر فتلف بأيديهم ضمن هو دونهم، وإذا دفع القصار للثوب إلى قصار آخر وهرب بعدما قبض أجرته ببينة فلربه أخذ ثوبه بلا غرم ويتبع الثاني الأول بحقه، وإن لم تكن له بينة حلف الثاني ما قبض أجرته وأخذ الأقل من أجرته وإجارة الأول، قاله ابن ميسر. وإذا أخطأ القصار فدفع ثوبك بعدما قصره لغيرك فقطعه وخاطه ثم دفع إليك غيره، فإنك ترده ولك أن تضمن القصار قيمته أو تأخذه مخيطًا بعد دفع أجرة الخياطة نقصته الخياطة أو زادته ولا ترجع بذلك على القصار.

.الفصل الخامس: في التنازع:

وإذا ادعى الصانع الرد فالقول قول رب المتاع عمله بأجر أو بغير أجر.
وقال ابن الماجشون: القول قول الصانع، إلا أن يدفعه إليه ببينة، وإذا قال المكتري: ما يغاب عليه رددته صدق مع يمينه كما يصدق في تلفه وإن قبضه ببينة.
وقال أصبغ: إن قبضه ببينة لم يبرأ إلا ببينة، وإن صدق في التلف وإذا استأجر رجلاً على توصيل الكتاب إلى بلد فالقول قوله في توصيله في أمد يصل في مثله، ويدفع إليه الكراء، وكذلك الحمول، قاله ابن القاسم، ولو أمر رب الثوب الغسال بدفع الثوب إلى الكماد فادعى دفعه وأكذبه الكماد أو ادعى ضياعه ففي قبول قوله قولان لابن الماجشون وأصبغ، وإذا قال: استودعتك، وقال الصانع: أجرتني، فقال مالك: الصانع مصدق، وقيل: بل مدعي، وإذا قال: أمرتك بصبغ الثوب أحمر، وقال الصباغ: بل أخضر، فالصباغ مصدق مع يمينه، إلا أن يصبغه صبغًا لا يشبه مثله، فيصدق ربه مع يمينه وإذا اختلفا في قدر الإجارة فالقول قول الصانع بخلاف البناء، فإن القول قول رب البناء مع يمينه؛ لأن البناء سلم ما بيده لربه، ولو سلم الصانع ما بيده لكان مثله، ثم حيث قلنا بتضمين رب الثوب، فذلك إذا أتى بما يشبه وإلا صدق ربه فيما يشبه، فإن ادعيا معًا ما لا يشبه فله أجر المثل، وإذا قال المكتري: اكتريت منك إلى إفريقية، ويقول الجمال: بل إلى برقة، فإن وقع ذلك قبل الركوب تحالفا وتفاسخا، وإن قبض الكراء، قاله مالك، وقال غيره: القبض فوت، والقول قول الجمال إذا أتى بما يشبه، وإن وقع بعد الركوب فإن كان لم ينقد وكان مما لا ضرر عليه في رجوعه فكذلك، وإلا فالقول قول الجمال إن أتى بما يشبه، فإن نكل حلف المكتري وركب إلى إفريقية، وإن نفق الدابة ببعض الطريق فتخالفا هل هي مضمونة أو معينة، فقال مطرف: والقول قول من ادعى التعيين. وإذا اكترى على متاع فاعترضهم نهر فاحتيج إلى من يجوز المتاع ففي أجرة من يجوزه تفصيل.
قال بعض الشيوخ: إن كان النهر لا يجوز إلا بالمعدية وهو معلوم في الطريق كالنيل فالأجرة على رب المتاع، وإن كان يخاض بالدواب فاعترض فيه حملان لم يعلموا به من كثرة المطر، فذلك على الجمال إلا أن يكون وقت الكراء علموا جريه، فيكون كالنهر الدائم، وإذا اكترى على وزن معلوم فزاد بالمطر، فأراد الجمال أن ينقص منه.
وقال المكتري: هو الذي اكتريت منك عليه بعينه، فقال سحنون: إذا زاد فليس هو بعينه، وليس عليه أن يحمل إلا الوزن المشترط، فإن نقص منه الزائد على الوزن لزمه حمله، وإذا قال: أسكنتني بغير كراء، وقال رب الدار: بالكراء، فالقول قول المالك فيما يشبه، فإن أتى بما لا يشبه فله كراء المثل، قاله ابن القاسم.
وقال غيره على الساكن الأقل مما ادعاه المالك ومن كراء المثل بعد أيمانهما، وإن اختلفا في قدر المدة تحالفا وتفاسخا في بقيتها، وإن اختلفا في قدر الكراء أو في نوعه وأتيا معًا بما لا يشبه تحالفا وتفاسخا وبدأ المالك باليمين وله فيما سكن كراء المثل، قاله في المدونة.
وقال في الموازية: عليه بحساب ما أقر به، وإذا تنازعا في الكراء فالأصل أن القول قول المالك، وقد روى الدمياطي أن القول قول المالك مطلقًا، ولا شك أن الحكم كذلك ما لم يكن عرف فيعمل بمقتضاه، وقد قالوا في الصانع يقول: لم أقبض الأجرة، أن القول قوله ما دام المصنوع بيده أو دفعه، وقان بالقرب، فإن قام بالبعد فالقول قول المالك، وكذلك الجمال يكون القول قوله ما دام الحمل بيده أو بعد أن سلمه وقام بالقرب كاليوم واليومين، وكذلك كراء الحاج يقدم بعد وصوله بالقرب، فإن بعد صدق الحاج، قاله ابن القاسم يريد للعرف، وكذلك الدار إن قام بحدثان حلول الكراء، فالقول قوله، وإن تباعد فالقول قول المكتري مع يمينه فيما تقدم من الشهور ومن السنين، والقول قول رب الدار في الشهر الأخير من السنة الأخيرة مع يمينه إن قام بحدثان ذلك، قال بعضهم: والشهر في ذلك بعد انقضاء المدة قريب.
خاتمة:
إذا قام رجل على من زرع أرضه بغير إذنه ولا علمه واعترف بذلك، وكان ذلك في الإبان فلرب الأرض قلع الزرع إن كان فيه منفعة، ولا يجوز أن يأخذه بقيمته مقلوعًا ويدخله بيع الزرع قبل بدو صلاحه، وقد منع ابن القاسم بيع ما زرعه المكتري من رب الأرض وإن كان نماؤه في أرضه، وقيل: يجوز لأنه يدخل في ضمانه بمجرد العقد لكونه في أرضه، وإليه ذهب التونسي وإن لم تكن له فيه منفعة بقي لرب الأرض، وإذا رضي رب الأرض بأخذ الكراء ويبقيه لربه والزرع مما ينتفع به جاز، وإن كان مما لا ينتفع به لم يجز أخذ الكراء، وإن قدم بعد الإبان وصدقه فله كراء المثل.