فصل: (فَصْلٌ): حُكمُ مَنْ شَهِدَ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.(فَصْلٌ): حُكمُ مَنْ شَهِدَ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ:

(وَمَنْ شَهِدَ بِنِكَاحٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْعُقُودِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ شُرُوطِهِ) لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِي بَعْضِ الشُّرُوطِ فَرُبَّمَا يَكُونُ تَرَكَ شَرْطًا يَرَى الشَّاهِدُ صِحَّتَهُ بِدُونِهِ دُونَ الْحَاكِم (وَتَقَدَّمَ فِي) بَابِ (طَرِيقِ الْحُكْمِ) وَصِفَتِهِ وَكَذَا الدَّعْوَى فَيُعْتَبَرُ فِي نِكَاحٍ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بِرِضَاهَا بِوَلِيٍّ مُرْشِدٍ وَشَاهِدَيْ عَدْلٍ وَأَنَّهَا حِينَ الْعَقْدِ كَانَتْ خَلِيَّةً مِنْ الْمَوَانِعِ.
(وَإِنْ شَهِدَ بِرَضَاعٍ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ عَدَدِ الرَّضَعَاتِ وَأَنَّهُ شَرِبَ مِنْ ثَدْيِهَا أَوْ مِنْ لَبَنٍ حُلِبَ مِنْهُ) لِأَنَّ النَّاسَ يَخْتَلِفُونَ فِي عَدَدِ الرَّضَعَاتِ وَفِي الرَّضَاعِ الْمُحَرَّمِ وَلَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ ارْتَضَعَ (فِي الْحَوْلَيْنِ) لِأَنَّ الرَّضَاعَ بَعْدَهُمَا غَيْرُ مُحَرَّمٍ (فَلَا يَكْفِي أَنْ يَشْهَدَ) الشَّاهِدُ (أَنَّهُ ابْنُهَا مِنْ الرَّضَاعِ) لِاخْتِلَافِ النَّاسِ فِيمَا يَصِيرُ بِهِ ابْنُهَا.
(وَإِنْ شَهِدَ بِقَتْلٍ احْتَاجَ أَنْ يَقُولَ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ أَوْ غَيْرِهِ أَوْ جَرَحَهُ فَقَتَلَهُ أَوْ مَاتَ مِنْ ذَلِكَ وَإِنْ قَالَ) الشَّاهِدُ (جَرَحَهُ فَمَاتَ لَمْ يُحْكَمْ بِهِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَاتَ بِغَيْرِ هَذَا (وَإِنْ شَهِدَ بِزِنًا ذَكَرَ الْمَزْنِيَّ بِهَا) لِئَلَّا تَكُونَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ (وَأَيْنَ) أَيْ فِي أَيِّ مَكَان (وَكَيْفَ) زَنَى بِهَا مِنْ كَوْنِهِمَا نَائِمَيْنِ أَوْ جَالِسَيْنِ أَوْ قَائِمَيْنِ (وَفِي أَيِّ زَمَانٍ) زَنَى بِهَا لِتَكُونَ الشَّهَادَةُ مِنْهُمْ عَلَى فِعْلِ وَاحِدٍ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا غَيْرَ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ (وَأَنَّهُ رَأَى ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا) لِأَنَّ اسْمَ الزَّمَانِ يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَقَدْ يَعْتَقِدُ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِزِنًا زِنًا فَاعْتُبِرَ ذِكْرُ صِفَتِهِ وَاعْتُبِرَ ذِكْرُ الْمَرْأَةِ لِئَلَّا تَكُونَ مِمَّنْ تَحِلُّ لَهُ أَوْ لَهُ فِي وَطْئِهَا شُبْهَةٌ وَتَقَدَّمَ فِي الزِّنَا لَا يُعْتَبَرُ ذِكْرُ الْمَزْنِيِّ بِهَا وَلَا مَكَانَهُ مَعَ مَا فِيهِ.
(وَإِنْ شَهِدَ بِسَرِقَةٍ اُشْتُرِطَ ذِكْرُ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ وَ) ذِكْرُ (النِّصَابِ وَ) ذِكْرُ (الْحِرْزِ وَ) ذِكْرُ (صِفَةِ السَّرِقَةِ) مِثْلُ أَنْ يَقُولَ خُلِعَ الْبَابُ لَيْلًا وَأُخِذَ الْفَرَسُ أَوْ زَالَ رَأْسُهُ عَنْ رِدَائِهِ وَهُوَ نَائِمٌ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِتَمْيِيزِ السَّرِقَةِ الْمُوجِبَةِ لِلْقَطْعِ مِنْ غَيْرِهَا (وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَذْفِ ذَكَرَ الْمَقْذُوفُ وَصِفَةَ الْقَذْفِ) بِأَنْ يَقُولَ قَالَ لَهُ يَا زَانِي أَوْ يَا لُوطِيُّ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ لِيُعْلَمَ كَوْنُهُ يُوجِبُ الْحَدَّ أَوْ لَا.
(وَإِنْ شَهِدَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ ابْنُ أَمَتِهِ أَوْ) شَهِدَ أَنَّ (هَذِهِ الثَّمَرَةَ مِنْ ثَمَرَةِ شَجَرَتِهِ لَمْ يُحْكَمْ بِهِمَا حَتَّى يَقُولَا وَلَدَتْهُ) فِي مِلْكِهِ (وَأَثْمَرَتْهُ فِي مِلْكِهِ) لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ أَوْ أَثْمَرَتْهُ قَبْلَ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونَانِ لَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَا وَلَدَتْهُ أَوْ أَثْمَرَتْهُ فِي مِلْكِهِ فَإِنَّهُمَا يَكُونَانِ لَهُ لِأَنَّهُمَا نَمَاءُ مِلْكِهِ (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا) أَيْ الْعَيْنَ الْمُدَّعِي بِهَا (مِنْ فُلَانٍ أَوْقَفَهَا عَلَيْهِ أَوْ أَعْتَقَهَا لَمْ يَحْكُمْ بِهَا حَتَّى يَقُولَا وَهِيَ مِلْكُهُ) لِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بَاعَ أَوْ وَقَفَ أَوْ أَعْتَقَ مَا لَيْسَ فِي مِلْكِهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يُشْتَرَطْ لَتَمَكَّنَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْزِعَ شَيْئًا مِنْ يَدِ غَيْرِهِ أَنْ يَتَّفِقَ هُوَ وَشَخْصٌ وَيَبِيعَهُ إيَّاهُ بِحَضْرَةِ شَاهِدِينَ ثُمَّ يَنْزِعَهُ الْمُشْتَرِي مِنْ يَدِ صَاحِبهِ (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا الْغَزْلَ مِنْ قُطْنِهِ أَوْ) أَنَّ هَذَا (الطَّائِرَ مِنْ بَيْضِهِ أَوْ) أَنَّ هَذَا (الدَّقِيقَ مِنْ حِنْطَتِهِ حُكِمَ لَهُ بِهَا) لِأَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَكُونَ الْغَزْلُ مِنْ قُطْنِهِ أَوْ الطَّائِرُ مِنْ بَيْضَتِهِ أَوْ الدَّقِيقُ مِنْ حَبِّهِ قَبْلَ مِلْكِهِ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُ لَيْسَ غَيْرَهُ وَإِنَّمَا تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ فَكَأَنَّ الْبَيِّنَةَ قَالَتْ هَذَا غَزْلُهُ وَطَيْرُهُ وَدَقِيقُهُ وَ(لَا) يُحْكَمُ لَهُ بِالْبَيْضَةِ (إنْ شَهِدَ أَنَّ هَذِهِ الْبَيْضَةَ مِنْ طَيْرِهِ حَتَّى يَقُولَا بَاضَتْهَا فِي مِلْكِهِ) لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ بَاضَتْهَا قَبْلَ مِلْكِهِ إيَّاهَا.
(وَإِنْ شَهِدَا لِمَنْ ادَّعَى إرْثَ مَيِّتٍ أَنَّهُ وَارِثُهُ لَا يَعْلَمَانِ لَهُ وَارِثًا سِوَاهُ حُكِمَ لَهُ بِتَرِكَتِهِ سَوَاءٌ كَانَا) أَيْ الشَّاهِدَانِ (مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ) بِصُحْبَةٍ أَوْ مُعَامَلَةٍ أَوْ جِوَارٍ (أَوْ لَا) مِنْ أَهْلِ الْخِبْرَةِ الْبَاطِنَةِ لِأَنَّهُ قَدْ ثَبَتَ إرْثُهُ وَالْأَصْلُ عَدَمُ الشَّرِيكِ فِيهِ (وَيُعْطَى ذُو الْفَرْضِ فَرْضَهُ كَامِلًا) وَلَا يُوقَفُ لَهُ شَيْءٌ حَيْثُ لَا حَجْبَ كَزَوْجَةٍ مَعَ الْأَخِ الْمَشْهُودِ لَهُ بِذَلِكَ فَتُعْطَى الرُّبْعَ كَامِلًا، وَقِيلَ الْيَقِينُ وَهُوَ ثُمُنٌ عَائِلًا لِلزَّوْجَةِ وَسُدُسٌ عَائِلًا لِلْأُمِّ.
(وَإِنْ قَالَا) الشَّاهِدَانِ (لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ فِي هَذِهِ الْبَلَدِ أَوْ بِأَرْضِ كَذَا فَكَذَلِكَ) لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُهُ فِي غَيْرِ هَذَا الْبَلَدِ وَقَدْ نَفَيَا الْعِلْمَ بِهِ فِي هَذَا الْبَلَدِ فَصَارَ فِي حُكْمِ الْمُطْلَقِ وَ(لَا) يُحْكَمُ لَهُ بِإِرْثِهِ (إنْ قَالَا لَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا فِي الْبَيْتِ ثُمَّ إنْ شَهِدَا أَنَّ هَذَا وَارِثُهُ شَارَكَ الْأَوَّلَ) لِأَنَّهُ لَا تَنَافِيَ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَا قَالَا وَلَا نَعْلَمُ لَهُ وَارِثًا غَيْرَهُ لِأَنَّ الْإِثْبَاتَ يُقَدَّمُ عَلَى النَّفْيِ (وَإِنْ شَهِدَتْ بَيِّنَةٌ أَنَّ هَذَا ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ وَ) شَهِدَتْ (بَيِّنَةٌ أُخْرَى لِآخَرَ أَنَّ هَذَا ابْنُهُ لَا وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ ثَبَتَ نَسَبُهُمَا) لِعَدَمِ التَّنَافِي بَيْنَهُمَا (وَقُسِّمَ الْمَالُ بَيْنَهُمَا) عَمَلًا بِمَا أَثْبَتَتْهُ كُلٌّ مِنْ الْبَيِّنَتَيْنِ وَإِلْغَاءً لِلنَّفْيِ وَإِنْ شَهِدَ أَنَّهُ وَارِثُهُ فَقَطْ سُلِّمَ إلَيْهِ بِكَفِيلٍ.
قَالَ الْمُوَفَّقُ فِي فَتَاوِيهِ إنَّمَا احْتَاجَ إلَى إثْبَاتِ أَنْ لَا وَارِثَ لَهُ سِوَاهُ لِأَنَّهُ يُعْلَمُ ظَاهِرًا فَإِنَّهُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ يَعْرِفُهُ جَارُهُ وَمَنْ يَعْرِفُ بَاطِنَ أَمْرِهِ بِخِلَافِ دَيْنِهِ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَحْتَاجُ إلَى إثْبَاتِ لَا دَيْنَ سِوَاهُ لِخُلَفَاءِ الدَّيْنِ.
تَنْبِيهٌ:
قَالَ الْأَزَجِيُّ فِيمَنْ ادَّعَى إرْثًا: لَا يَحُوجُ فِي دَعْوَاهُ إلَى بَيَانِ السَّبَبِ الَّذِي يَرِثُ بِهِ وَإِنَّمَا يَدَّعِي الْإِرْثَ مُطْلَقًا؛ لِأَنَّ أَدْنَى حَالَاتِهِ أَنْ يَرِثَهُ بِالرَّحِمِ وَهُوَ صَحِيحٌ عَلَى أَصْلِنَا، فَإِذَا أَتَى بِبَيِّنَةٍ فَشَهِدَتْ لَهُ بِمَا ادَّعَاهُ مِنْ كَوْنِهِ وَارِثًا حُكِمَ لَهُ بِهِ (وَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ عَلَى النَّفْيِ الْمَحْصُورِ) بِدَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ وَمَسْأَلَةِ الْإِعْسَارِ وَالْبَيِّنَةُ فِيهِ يَثْبُتُ مَا يَظْهَرُ وَيُشَاهَدُ بِخِلَافِ شَهَادَتِهِمَا لَا حَقَّ لَهُ عَلَيْهِ.
(وَ) يَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ (إنْ كَانَ النَّفْيُ مَحْصُورًا قُبِلَتْ كَقَوْلِ الصَّحَابِيِّ) «دُعِيَ أَيْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ وَكَانَ يَأْكُلُ لَحْمًا مَشْوِيًّا مِنْ شَاةٍ يَحْتَزُّ مِنْهُ بِالسِّكِّينِ فَطَرَحَ السِّكِّينَ وَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» قَالَ الْقَاضِي: لِأَنَّ الْعِلْمَ بِالتَّرْكِ وَالْعِلْمَ بِالْفِعْلِ سَوَاءٌ فِي هَذَا الْمَعْنَى، وَلِهَذَا نَقُولُ إنَّ مَنْ قَالَ صَحِبْت فُلَانًا فِي يَوْمِ كَذَا فَلَمْ يَقْذِفْ فُلَانًا قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ كَمَا تُقْبَلُ فِي الْإِثْبَاتِ وَأَطَالَ فِيهِ فِي الْفُرُوعِ.
(وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ فِي مَحْفِلٍ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ طَلَّقَ أَوْ أَعْتَقَ قُبِلَ، وَكَذَا لَوْ شَهِدَا عَلَى خَطِيبٍ أَنَّهُ قَالَ أَوْ فَعَلَ عَلَى الْمِنْبَرِ فِي الْخُطْبَةِ شَيْئًا لَمْ يَشْهَدْ بِهِ غَيْرُهُمَا مَعَ الْمُشَارَكَةِ فِي سَمْعٍ وَبَصَرٍ) قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمَا الْأَصْحَابِ (إذَا انْفَرَدَ وَاحِدٌ فِيمَا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ) أَيْ تَدْعُو الْحَاجَةُ إلَى نَقْلِهَا (مَعَ مُشَارَكَةِ خَلْقٍ كَثِيرٍ رُدَّ) قَوْلُهُ لِلْفَرْقِ بَيْنَ شَهَادَةِ وَاحِدٍ وَشَهَادَةِ اثْنَيْنِ وَبَيْنَ تَقْيِيدِهِمْ بِكَوْنِ ذَلِكَ الشَّيْءِ مِمَّا تَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ وَبَيْنَ عَدَمِ ذَلِكَ الْقَيْدِ (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ طَلَّقَ) مِنْ نِسَائِهِ وَاحِدَةً وَنَسِيَا عَيْنَهَا (أَوْ) شَهِدَا أَنَّهُ (أَعْتَقَ) مِنْ أَرِقَّائِهِ رَقَبَةً وَنَسِيَا عَيْنَهَا (أَوْ) شَهِدَا أَنَّهُ (أَبْطَلَ مِنْ وَصَايَاهُ وَاحِدَةً وَنَسِيَا عَيْنَهَا لَمْ يُقْبَلْ) مِنْهُمَا ذَلِكَ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ بِغَيْرِ مُعَيَّنٍ فَلَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ بِهَا.
(وَتَصِحُّ شَهَادَةُ مُسْتَخْفٍ) وَهُوَ الْمُتَوَارِي عَنْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ رَوَاهُ سَعِيدٌ بِإِسْنَادٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ وَلِأَنَّ الْحَاجَةَ تَدْعُو إلَى ذَلِكَ بِأَنْ يُقِرَّ الْخَصْمُ سِرًّا وَيَجْحَدَ جَهْرًا وَتَقَدَّمَ.
(وَ) تَصِحُّ (شَهَادَةُ مَنْ سَمِعَ مُكَلَّفًا يُقِرُّ بِحَقٍّ أَوْ) بِعَقْدٍ أَوْ (عِتْقٍ أَوْ طَلَاقٍ أَوْ) سَمِعَهُ (يُشْهِدُ شَاهِدًا بِحَقٍّ أَوْ يَسْمَعُ الْحَاكِمَ يَحْكُم أَوْ) سَمِعَ الْحَاكِمَ (يُشْهِدُ عَلَى حُكْمِهِ وَإِنْفَاذِهِ وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَشْهَدَ بِمَا سَمِعَ) مِنْ ذَلِكَ وَنَحْوِهِ لِأَنَّ الْمُعْتَمَدَ عَلَيْهِ السَّمَاعُ وَهُوَ مَوْجُودٌ وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَأَصْحَابَهُ شَهِدُوا عَلَى الْمُغِيرَةِ وَلَمْ يَقُلْ عُمَرُ هَلْ أَشْهَدَكُمْ أَوْ لَا وَكَذَلِكَ عُثْمَانُ لَمْ يَسْأَلْ الَّذِينَ شَهِدُوا عَلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ بِذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ هَذَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَا غَيْرِهِمْ وَعَنْهُ لَا كَالشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ وَفَرَّقَ الْمُوَفَّقُ بِأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ ضَعِيفَةٌ فَاعْتَبَرَ تَقْوِيَتَهَا بِالِاسْتِدْعَاءِ.

.(فَصْلٌ): اختلاف الشَّاهِدِينِ على القتل وصفته:

(وَإِنْ شَهِدَ أَحَدُ الشَّاهِدِينَ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ عَمْدًا أَوْ) شَهِدَ أَنَّهُ (قَتَلَهُ عَمْدًا وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِقَتْلِهِ أَوْ قَتَلَهُ وَسَكَتَ) عَنْ صِفَةِ الْقَتْلِ (ثَبَتَ الْقَتْلُ) لِاتِّفَاقِ الشَّاهِدَيْنِ عَلَيْهِ (وَصُدِّقَ الْمُدَّعِي عَلَيْهِ فِي صِفَتِهِ) أَيْ الْقَتْلِ مِنْ كَوْنِهِ عَمْدًا أَوْ خَطَأ لِأَنَّهَا لَمْ تَثْبُتْ (وَإِنْ شَهِدَا بِفِعْلٍ مُتَّحِدٍ فِي نَفْسِهِ كَإِتْلَافِ ثَوْبٍ وَنَحْوِهِ وَقَتْلِ زَيْدٍ) وَنَحْوِهِ وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِهِ وَنَحْوِهِ لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ لِلتَّنَافِي (أَوْ) شَهِدَا بِفِعْلٍ مُتَّحِدٍ (بِاتِّفَاقِهِمَا كَسَرِقَةٍ وَغَصْبٍ) اتَّفَقَا عَلَى اتِّحَادِهِمَا (وَاخْتَلَفَا) فِي وَقْتِهِ أَيْ الْفِعْلِ الْمَذْكُورِ بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا فَعَلَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَالْآخَرُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ (أَوْ) اخْتَلَفَا فِي (مَكَانِهِ أَوْ فِي صِفَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِهِ كَلَوْنِهِ وَآلَةِ قَتْلِهِ) بِأَنْ قَالَ أَحَدُهُمَا قَتَلَهُ بِسَيْفٍ وَالْآخَرُ بِسِكِّينٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ (مِمَّا يَدُلُّ عَلَى تَغَايُرِ الْفِعْلَيْنِ لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ) لِلتَّنَافِي لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ الشَّاهِدَيْنِ يُكَذِّبُ الْآخَرَ فَيَتَعَارَضَانِ وَيَسْقُطَانِ كَمَا فِي الْقَتْلِ.
(فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَ ثَوْبًا أَحْمَرَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ غَصَبَ ثَوْبًا أَبْيَضَ) لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ (أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ غَصَبَ الْيَوْمَ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ غَصَبَ أَمْسِ لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ) لِأَنَّ مَا شَهِدَ بِهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ مَا شَهِدَ بِهِ الْآخَرُ (وَكَذَا لَوْ شَهِدَ) أَحَدُهُمَا (أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا أَمْسِ) وَشَهِدَ (الْآخَرُ أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا الْيَوْمَ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَالِ كِيسًا أَبْيَضَ، وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ سَرَقَ مَعَ الزَّوَال كِيسًا أَسْوَدَ، أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ سَرَقَ هَذَا الْكِيسَ غُدْوَةً، وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ سَرَقَهُ عَشِيَّةً، وَكَذَا الْقَذْفُ إذَا اخْتَلَفَ الشَّاهِدَانِ فِي وَقْتِ قَذْفِهِ) بِأَنْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَالْآخَرُ أَنَّهُ قَذَفَهُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلَا تَكْمُلُ الْبَيِّنَةُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ.
أَمَّا فِي الْأَفْعَالِ فَلِمَا تَقَدَّمَ مِنْ التَّنَافِي، وَأَمَّا النِّكَاحُ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ بِكُلِّ عَقْدٍ إلَّا شَاهِدٌ وَاحِدٌ فَلَمْ يَثْبُتْ وَأَيْضًا لِلشَّهَادَةِ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ، فَإِذَا اخْتَلَفَا فِي الْوَقْتِ لَمْ يَتَحَقَّقْ حُصُولُ الشَّرْطِ فَلَمْ يَثْبُتْ الْمَشْرُوطُ مَعَ عَدَمِ تَحَقُّقِ شَرْطِهِ، وَأَمَّا الْقَذْفُ فَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ لَمْ تَكْمُلْ بِهِ؛ وَلِأَنَّ اخْتِلَافَ الشُّهُودِ شُبْهَةٌ وَالْحَدُّ يُدْرَأُ بِهَا.
(وَإِنْ أَمْكَنَ تَعَدُّدُهُ) أَيْ الْفِعْلِ كَالسَّرِقَةِ وَالْغَصْبِ (وَلَمْ يَشْهَدَا بِاتِّحَادِهِ) وَاخْتَلَفَا فِي مَكَانِهِ أَوْ وَقْتِهِ وَنَحْوِهِ (فَكُلُّ شَيْءٍ شَاهِدٌ فَيُعْمَلُ بِمُقْتَضَى ذَلِكَ وَلَا تَنَافِيَ) لِجَوَازِ التَّعَدُّدِ (وَإِنْ كَانَ بَدَلُ كُلِّ شَاهِدٍ بَيِّنَةً) تَامَّةً (ثَبَتَا هُنَا) أَيْ حَيْثُ أَمْكَنَ التَّعَدُّدُ وَلَمْ يَشْهَدُوا بِاتِّحَادِهِ (إنْ ادَّعَاهُمَا) أَيْ الْفِعْلَيْنِ الْمَشْهُودِ بِهِمَا الْمُدَّعِي قَبْلَ أَدَاءِ الشُّهُودِ الشَّهَادَةَ (وَإِلَّا) بِأَنْ ادَّعَى أَحَدُهُمَا وَحْدَهُ ثَبَتَ (مَا ادَّعَاهُ) دُونَ مَا لَمْ يَدَّعِهِ لِاشْتِرَاطِ تَقَدُّمِ الدَّعْوَى عَلَى الشَّهَادَةِ.
(وَإِنْ كَانَ الْفِعْلُ) الْمَشْهُودُ بِهِ (مِمَّا لَا يُمْكِنُ تَكْرَارُهُ كَقَتْلِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ) وَعَيَّنَ كُلُّ اثْنَيْنِ وَقْتًا أَوْ مَكَانًا وَنَحْوَهُ (تَعَارَضَتَا) لِلتَّنَافِي وَكَذَا لَوْ أَمْكَنَ تَكْرَارُهُ لَكِنْ شَهِدُوا بِاتِّحَادِهِ (وَلَوْ كَانَتْ الشَّهَادَةَ عَلَى إقْرَارٍ بِفِعْلٍ) مِنْ غَصْبٍ أَوْ سَرِقَةٍ وَنَحْوِهَا (أَوْ) عَلَى إقْرَارٍ (بِغَيْرِهِ) مِنْ بَيْعٍ أَوْ إجَارَةٍ (وَلَوْ) كَانَ الْمُقَرُّ بِهِ (نِكَاحًا أَوْ قَذْفًا) وَاخْتَلَفَا فِي وَقْتِ الْإِقْرَارِ أَوْ مَكَانِهِ وَنَحْوِهِ (جُمِعَتْ) الْبَيِّنَةُ لِأَنَّهُمَا وَإِنْ كَانَا إقْرَارَيْنِ فَهُمَا إقْرَارٌ بِشَيْءٍ وَاحِدٍ (فَلَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ أَمْسِ وَشَهِدَ الْآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ بِأَلْفٍ الْيَوْمَ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ بَاعَهُ دَارِهِ أَمْسِ وَ) شَهِدَ (آخَرُ أَنَّهُ بَاعَهُ إيَّاهَا الْيَوْمَ كَمُلَتْ) الْبَيِّنَةُ (وَثَبَتَ الْبَيْعُ) لِأَنَّ الْمَشْهُودَ بِهِ شَيْءٌ وَاحِدٌ يَجُوزُ أَنْ يُعَادَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى فَلَمْ يُؤَثِّرْ كَمَا لَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا بِالْعَرَبِيَّةِ وَالْآخَرُ بِالْفَارِسِيَّةِ (وَ) ثَبَتَ (الْإِقْرَارُ) فِي الصُّورَةِ الْأُولَى لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَإِنْ شَهِدَ وَاحِد بِالْفِعْلِ وَآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ) بِالْفِعْلِ كَأَنْ شَهِدَ وَاحِدٌ أَنَّهُ سَرَقَ وَآخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ أَنَّهُ سَرَقَ (جُمِعَتْ) الْبَيِّنَةُ، نَصَّ عَلَيْهِ لِقِصَّةِ الْوَلِيدِ فِي شُرْبِ الْخَمْرِ (وَإِنْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِعَقْدِ نِكَاحٍ) وَشَهِدَ آخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ بِعَقْدٍ لَمْ تَجْتَمِعْ (أَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ عَلَى قَتْلٍ خَطَأٍ وَآخَرُ عَلَى إقْرَارِهِ) بِقَتْلِ الْخَطَأِ (لَمْ تُجْمَعْ) الْبَيِّنَةُ لِأَنَّ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ أَحَدُهُمَا غَيْرُ الَّذِي يَشْهَدُ بِهِ الْآخَرُ (وَلِمُدَّعِي الْقَتْلِ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ أَحَدِهِمَا لِأَنَّ قَتْلَ الْخَطَأِ يُوجِبُ الدِّيَةَ فَهُوَ مِمَّا يُقْصَدُ بِهِ الْمَالُ فَيَثْبُتُ) بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ (وَيَأْخُذُ الدِّيَةَ) إذَا حَلَفَ وَمَتَى حَلَفَ مَعَ شَاهِدِ الْفِعْلِ فَالدِّيَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ وَمَعَ شَاهِدِ الْإِقْرَارِ فَفِي مَالِ الْقَاتِلِ (وَمَتَى جَمَعْنَا) الشَّهَادَةَ (مَعَ اخْتِلَافِ وَقْتٍ فِي قَتْلٍ أَوْ طَلَاقٍ، فَالْعِدَّةُ وَالْإِرْثُ يَلِيَانِ آخِرَ الدِّيَتَيْنِ) لِأَنَّ الْأَصْلَ بَقَاءُ الْحَيَاةِ وَالزَّوْجِيَّةِ إلَى آخِرِ الْمُدَّةِ.
(وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفٍ) وَشَهِدَ (آخَرُ أَنَّهُ أَقَرَّ لَهُ بِأَلْفَيْنِ أَوْ شَهِدَ أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا) وَشَهِدَ (آخَرُ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفَيْنِ كَمُلَتْ بَيِّنَةُ الْأَلْفِ وَثَبَتَ) الْأَلْفُ لِاتِّفَاقِهِمَا عَلَيْهِ كَمَا لَوْ لَمْ يَزِدْ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ (وَلَهُ) أَيْ الْمُدَّعِي (أَنْ يَحْلِفَ مَعَ شَاهِدِهِ عَلَى الْأَلْفِ الْأُخْرَى) لِأَنَّ الْمَالَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، قَالَ فِي الشَّرْح: وَهَذَا إذَا أَطْلَقَا الشَّهَادَةَ وَلَمْ تَخْتَلِفْ الْأَسْبَابُ أَوْ الصِّفَاتُ (وَلَوْ شَهِدَا بِمِائَةٍ) وَشَهِدَ (آخَرَانِ بِخَمْسِينَ دَخَلَتْ) الْخَمْسُونَ (فِيهَا) أَيْ الْمِائَةِ لِاشْتِمَالِهَا عَلَيْهَا (إلَّا مَعَ مَا يَقْتَضِي التَّعَدُّدَ) بِأَنْ اخْتَلَفَتْ الْأَسْبَابُ أَوْ الصِّفَاتُ كَمَا لَوْ شَهِدَتْ إحْدَى الْبَيِّنَتَيْنِ بِمِائَةٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ أَوْ صِحَاحٍ، وَالْأُخْرَى بِخَمْسِينَ مِنْ قَرْضٍ أَوْ مُكَسَّرَةٍ (فَيَلْزَمَانِهِ) أَيْ الْمِائَةُ وَالْخَمْسُونَ.
(وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَلْفٍ مِنْ قَرْضٍ) وَشَهِدَ (آخَرُ بِأَلْفٍ مِنْ ثَمَنِ مَبِيعٍ لَمْ تَكْمُلْ) الشَّهَادَةُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا غَيْرُ الْآخَرِ وَلَهُ أَنْ يَحْلِفَ مَعَ كُلِّ شَاهِدٍ وَيَأْخُذَ مَا شَهِدَ بِهِ (وَلَوْ شَهِدَ وَاحِدٌ بِأَلْفٍ) وَشَهِدَ (آخَرُ بِأَلْفٍ مِنْ قَرْضٍ كَمُلَتْ) الْبَيِّنَةُ حَمْلًا لِلْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ (وَإِنْ شَهِدَ أَنَّ لَهُ عَلَيْهِ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا) أَيْ الشَّاهِدَيْنِ (قَضَاهُ بَعْضَهُ بَطَلَتْ شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ مَا قَضَاهُ لَمْ يَبْقَ عَلَيْهِ فَيَتَنَاقَضُ كَلَامُهُ فَيَفْسُدُ وَفَارَقَ مَا لَوْ شَهِدَ بِأَلْفٍ ثُمَّ قَالَ لَا بَلْ بِخَمْسِمِائَةٍ لِأَنَّ ذَلِكَ رُجُوعٌ عَنْ الشَّهَادَةِ بِخَمْسِمِائَةٍ وَإِقْرَارٌ بِغَلَطِ نَفْسِهِ (وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ أَقْرَضَهُ أَلْفًا ثُمَّ قَالَ أَحَدُهُمَا قَضَاهُ خَمْسَمِائَةٍ صَحَّتْ شَهَادَتُهُمَا بِالْأَلْفِ)؛ لِأَنَّ الْوَفَاءَ لَا يُنَافِي الْقَرْضَ فَيَحْتَاجُ إثْبَاتُ قَضَاءِ الْخَمْسِمِائَةِ إلَى شَاهِدٍ آخَرَ أَوْ يَمِينٍ وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ أَخْبَرَهُ عَدْلٌ بِاقْتِضَاءِ الْحَقِّ أَوْ انْتِقَالِهِ أَنْ يَشْهَدَ بِهِ.
(وَإِذَا كَانَتْ لَهُ بَيِّنَةٌ بِأَلْفٍ فَقَالَ أُرِيدُ أَنْ تَشْهَدَا لِي بِخَمْسِمِائَةٍ لَمْ يَجُزْ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلَّ الْحُكْمَ فَوْقَهَا) نَصَّ عَلَيْهِ وَقَدَّمَهُ أَئِمَّةُ الْمَذْهَبِ وَصَحَّحَهُ الْمُوَفَّقُ وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يَأْتُوا بِالشَّهَادَةِ عَلَى وَجْهِهَا} وَلِأَنَّهُ لَوْ سَاغَ لَهُ ذَلِكَ لَسَاغَ لِلْقَاضِي أَنْ يَقْضِيَ بِهِ بِبَعْضِ مَا شَهِدَ بِهِ الشَّاهِدُ.
وَقَالَ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ السُّلْطَانِيَّةِ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَشْهَدَ بِالْأَلْفِ وَالْقَاضِي يَحْكُمُ بِالْقَدْرِ الَّذِي جُعِلَ لَهُ الْحُكْمُ فِيهِ، وَذَكَرَهُ نَصًّا.
وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ يَجُوزُ لِأَنَّ مَالِكَ الشَّيْءِ مَالِكٌ لِبَعْضِهِ، فَمَنْ شَهِدَ بِأَلْفٍ فَقَدْ شَهِدَ بِخَمْسِمَائَةٍ.
تَنْبِيهٌ:
قَوْلُهُ إذَا كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلِّ الْحُكْمَ فَوْقَهَا ذَكَرَهُ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ فِي الْفُرُوعِ وَالْوَجِيزِ وَالْمُبْدِعِ زَادَ فِي الْوَجِيزِ وَإِلَّا جَازَ قَالَ ابْنُ قُنْدُسٍ فِي حَوَاشِي الْمُحَرَّرِ وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى وَالنَّقْلِ قَالَ: وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْهُ فِي الْمُقْنِعِ وَالْكَافِي لِأَنَّهُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- فَهِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِقَيْدٍ يُحْتَرَزُ بِهِ وَأَطَالَ فِيهِ وَلِهَذَا قَالَ فِي الْمُنْتَهَى وَلَوْ كَانَ الْحَاكِمُ لَمْ يُوَلِّ الْحُكْمَ فَوْقَهَا.

.بَابُ شُرُوطُ مَنْ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ:

وَالْحِكْمَةُ فِي اعْتِبَارهَا حِفْظُ الْأَمْوَالِ وَالْأَعْرَاضِ وَالْأَنْفُسِ أَنْ تُنَالَ بِغَيْرِ حَقٍّ فَاعْتُبِرَتْ أَحْوَالُ الشُّهُودِ بِخُلُوِّهِمْ عَمَّا يُوجِبُ التُّهْمَةَ فِيهِمْ وَوُجُوبُ مَا يُوجِبُ تَيَقُّظَهُمْ (وَهِيَ سِتَّةٌ أَحَدُهَا الْبُلُوغُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ هُوَ دُونَهُ فِي جِرَاحٍ وَلَا) فِي (غَيْرِهِ وَلَوْ مِمَّنْ) أَيْ صَغِيرٍ (هُوَ فِي حَالِ أَهْلِ الْعَدَالَةِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} وَالصَّبِيُّ لَا يُسَمَّى رَجُلًا؛ وَلِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْبُولِ الْقَوْلِ فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَفِي حَقِّ غَيْرِهِ أَوْلَى، وَلِأَنَّهُ غَيْرُ كَامِلِ الْعَقْلِ فَهُوَ فِي مَعْنَى الْمَعْتُوهِ.
(الثَّانِي: الْعَقْلُ وَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْعُلُومِ الضَّرُورِيَّةِ) كَالْعِلْمِ بِأَنَّ الضِّدَّيْنِ لَا يَجْتَمِعَانِ وَنَحْوَهُ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ زَكَرِيَّا الْأَنْصَارِيُّ فِي شَرْحِ آدَابِ الْبَحْثِ قَالَ أَيْ الْغَزَالِيُّ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الِاسْمُ لُغَةً وَاصْطِلَاحًا لِتِلْكَ الْغَرِيزَةِ وَإِنَّمَا أُطْلِقَ عَلَى الْمَعْلُومِ مَجَازًا مِنْ حَيْثُ إنَّهَا ثَمَرَتُهُ كَمَا يُعْرَفُ الشَّيْءُ بِثَمَرَتِهِ فَيُقَالُ الْعِلْمُ هُوَ الْخَشْيَةُ (وَالْعَاقِلُ مَنْ عَرَفَ الْوَاجِبَ عَقْلًا الضَّرُورِيَّ وَغَيْرَهُ) كَوُجُودِ الْبَارِي سُبْحَانَهُ وَكَوْنِ الْوَاحِدِ أَقَلَّ مِنْ الِاثْنَيْنِ.
(وَ) عَرَفَ (الْمُمْكِنَ) كَوُجُودِ الْعَالَمِ (وَ) عَرَفَ (الْمُمْتَنِعَ) وَهُوَ الْمُسْتَحِيلُ كَاجْتِمَاعِ الضِّدَّيْنِ وَكَوْنِ الْجِسْمِ الْوَاحِدِ لَيْسَ فِي مَكَانَيْنِ (وَ) عَرَفَ (مَا يَضُرُّهُ وَمَا يَنْفَعُهُ غَالِبًا) لِأَنَّ النَّاسَ لَوْ اتَّفَقُوا عَلَى مَعْرِفَةِ ذَلِكَ لَمَا اخْتَلَفَتْ الْآرَاءُ.
(فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مَجْنُونٍ وَ) لَا (مَعْتُوهٍ) لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ تَحَمُّلَ الشَّهَادَةِ وَلَا أَدَاؤُهَا لِاحْتِيَاجِهَا إلَى الضَّبْطِ وَهُوَ لَا يَعْقِلُهُ.
(وَيُقْبَلُ مِمَّنْ يُخْنَقُ أَحْيَانًا) إذَا شَهِدَ (فِي حَالِ إفَاقَتِهِ) لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ مِنْ عَاقِلٍ أَشْبَهَ مَنْ لَمْ يُجَنّ.
(الثَّالِثُ الْكَلَامُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَخْرَسِ وَلَوْ فُهِمَتْ إشَارَتُهُ) لِأَنَّ الشَّهَادَةَ يُعْتَبَرُ فِيهَا الْيَقِينُ، وَلِذَلِكَ لَا يُكْتَفَى بِإِشَارَةِ النَّاطِقِ، وَإِنَّمَا اُكْتُفِيَ بِإِشَارَةِ الْأَخْرَسِ فِي أَحْكَامِهِ الْمُخْتَصَّةِ بِهِ لِلضَّرُورَةِ (إلَّا إذَا أَدَّاهَا) الْأَخْرَسُ (بِخَطِّهِ) فَتُقْبَلْ.
(الرَّابِعُ الْإِسْلَامُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ كَافِرٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَالْكَافِرُ لَيْسَ مِنَّا وَلَوْ قُبِلَ شَهَادَةُ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: مِنْكُمْ فَائِدَةٌ وَلِأَنَّ الْكَافِرَ غَيْرُ مَأْمُونٍ (وَلَوْ) كَانَ الْكَافِرُ (مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَلَوْ) شَهِدَ الْكَافِرُ (عَلَى مِثْلِهِ) لِمَفْهُومِ مَا سَبَقَ وَحَدِيثُ جَابِرِ «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجَازَ شَهَادَةَ أَهْلِ الذِّمَّةِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ مُجَالِدٍ وَلَوْ سَلَّمَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَرَادَ الْيَمِينَ لِأَنَّهَا تُسَمَّى شَهَادَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاَللَّهِ}.
(إلَّا رِجَالَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِالْوَصِيَّةِ فِي السَّفَرِ مِمَّنْ حَضَرَ الْمَوْتَ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ عِنْدَ عَدَمِ مُسْلِمٍ فَتُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَقَطْ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ لَهُمْ ذِمَّةٌ وَيُحَلِّفُهُمْ الْحَاكِمُ وُجُوبًا بَعْدَ الْعَصْرِ) لِخَبَرِ أَبِي مُوسَى قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةِ لِأَنَّهُ وَقْتٌ تُعَظِّمُهُ أَهْلُ الْأَدْيَانِ (مَعَ رَيْبٍ) أَيْ شَكٍّ (مَا خَانُوا وَلَا حَرَّفُوا وَإِنَّهَا لِوَصِيَّةُ الرَّجُلِ) الْمَيِّتِ.
(فَإِنْ عُثِرَ) أَيْ اُطُّلِعَ (عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إثْمًا حَلَفَ اثْنَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ) أَيْ وَرَثَةِ (الْمُوصِي بِاَللَّهِ لَشَهَادَتُنَا أَحَقُّ مِنْ شَهَادَتِهِمَا وَلَقَدْ خَانَا وَكَتَمَا وَيَقْضِي لَهُمْ) أَيْ الْوَرَثَةِ الْمُوصِي لِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ} الْآيَاتُ نَزَلَتْ فِي تَمِيمٍ الدَّارِيِّ وَعَدِيِّ بْنِ زَيْدٍ شَهِدَا بِوَصِيَّةِ أَيْ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سَهْمٍ سُمِّيَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: وَقَضَى بِهِ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ الْمَائِدَةُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ حَسَنٌ غَرِيبٌ.
قَالَتْ عَائِشَةُ مَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَلَالٍ فَأَحَلُّوهُ، وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهَا مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَضَى ابْنُ مَسْعُودٍ بِذَلِكَ فِي زَمَنِ عُثْمَانَ رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَبِهَذَا قَالَ أَكَابِرُ الْمَاضِينَ الْآيَةُ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ غَيْرِ عَشِيرَتِكُمْ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ جَمَاعَةً مِنْهُمْ ابْنُ مَسْعُود وَابْنُ عَبَّاسٍ قَالُوا مِنْ غَيْرِ مِلَّتِكُمْ وَدِينِكُمْ وَلِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ لَا قَسَامَةَ عَلَيْهِمَا وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى التَّحَمُّلِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِإِطْلَاقِهِمْ وَلَا يَمِينَ فِي التَّحَمُّلِ، وَحَمْلُهَا عَلَى الْيَمِينِ غَيْرُ مَقْبُولٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} وَلِأَنَّهُ عَطَفَ عَلَى ذَوِي الْعَدْلِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهُمَا شَاهِدَانِ.
(الْخَامِسُ: الْحِفْظُ، فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُغَفَّلٍ وَلَا مَعْرُوفٍ بِكَثْرَةِ غَلَطٍ وَنِسْيَانٍ) لِأَنَّ الثِّقَةَ لَا تَحْصُلُ بِقَوْلِهِ لِاحْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ شَهَادَتُهُ مِمَّا غَلَطَ فِيهَا وَسَهَا؛ وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا شَهِدَ عَلَى غَيْرِ مَنْ اُسْتُشْهِدَ عَلَيْهِ أَوْ بِغَيْرِ مَا شَهِدَ بِهِ أَوْ لِغَيْرِ مَنْ أَشْهَدَهُ وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهَا تُقْبَلُ مِمَّنْ يُقْبَلُ مِنْهُ ذَلِكَ لِأَنَّ أَحَدًا لَا يَسْلَمُ مِنْ الْغَلَطِ مَرَّةً وَالنِّسْيَانِ.
(السَّادِسُ الْعَدَالَةُ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ} وَقَوْله {إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} وَقُرِئَ بِالْمُثَلَّثَةِ وَلِأَنَّ غَيْرَ الْعَدْلِ لَا يُؤْمَنُ مِنْهُ أَنْ يَتَحَامَلَ عَلَى غَيْرِهِ فَيَشْهَدُ عَلَيْهِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ، وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ الْقَانِعِ لِأَهْلِ الْبَيْتِ»- وَالْقَانِعُ الَّذِي يُنْفِقُ عَلَيْهِ أَهْلُ الْبَيْتِ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد (وَهِيَ) أَيْ الْعَدَالَةُ (اسْتِوَاءُ أَحْوَالِهِ فِي دِينِهِ وَاعْتِدَالُ أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ) لِأَنَّ الْعَدَالَةَ ضِدُّ الْجَوْرِ، وَالْجَوْرُ الْمَيْلُ، فَالْعَدْلُ الِاسْتِوَاءُ فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا.
(وَيُعْتَبَرُ لَهَا) أَيْ الْعَدَالَةِ (شَيْئَانِ: الصَّلَاحُ فِي الدِّينِ) وَهُوَ أَدَاءُ الْفَرَائِضِ بِسُنَنِهَا الرَّاتِبَةِ فَلَا تُقْبَلُ الشَّهَادَةُ (إنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِهَا) أَيْ الرَّوَاتِبِ (لِفِسْقِهِ) قَالَ الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى: مَنْ دَاوَمَ عَلَى تَرْكِ السُّنَنِ الرَّاتِبَةِ أَثِمَ وَهُوَ قَوْلُ إِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ.
وَقَالَ الْمُحَقِّقُونَ: نَرُدُّ شَهَادَتَهُ لِذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّهَاوُنِ بِالسُّنَنِ الْمُؤَكَّدَةِ قَالَ فِي الْفُرُوعِ: وَمُرَادُهُ أَيْ الْقَاضِي أَنَّهُ يَأْثَمُ مَنْ تَرَكَ الْفَرْضُ وَإِلَّا فَلَا يَأْثَمُ بِسُنَّةٍ (وَاجْتِنَابِ الْمُحَرَّمِ) لِأَنَّ مَنْ أَدَّى الْفَرَائِضَ وَاجْتَنَبَ الْمَحَارِمَ عُدَّ صَالِحًا عُرْفًا فَكَذَا شَرْعًا (فَلَا يَرْتَكِبُ كَبِيرَةً وَلَا يُدْمِنُ عَلَى صَغِيرَةٍ) لِأَنَّ اعْتِبَارَ اجْتِنَابِ كُلِّ الْمَحَارِمِ يُؤَدِّي أَنْ لَا تُقْبَلَ شَهَادَةُ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْ ذَنْبٍ مَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إلَّا اللَّمَمَ} مَدَحَهُمْ لِاجْتِنَابِهِمْ مَا ذُكِرَ وَإِنْ وُجِدَتْ مِنْهُمْ الصَّغِيرَةُ وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «إنْ تَغْفِرْ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا، وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ لَا أَلَمَّا» أَيْ لَمْ يُلِمَّ.
وَنَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْ قَبُولِ شَهَادَةَ الْقَاذِفِ وَقِيسَ عَلَيْهِ كُلُّ مُرْتَكِبِ كَبِيرَةٍ وَلِأَنَّ مَنْ لَمْ يَرْتَكِبْ كَبِيرَةً وَأَدْمَنَ عَلَى الصَّغِيرَةِ لَا يُعَدُّ مُجْتَنِبًا لِلْمَحَارِمِ.
وَقَالَ فِي الِاخْتِيَارَاتِ: الْعَدْلُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ وَطَائِفَةٍ بِحَسَبِهَا فَيَكُونُ الشَّهِيدُ فِي كُلِّ قَوْمٍ مَنْ كَانَ ذَا عَدْلٍ فِيهِمْ وَإِنْ كَانَ أَوْ كَانَ فِي غَيْرِهِمْ لَكَانَ عَدْلُهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ وَلِهَذَا يُمْكِنُ الْحُكْمُ بَيْنَ النَّاسِ وَإِلَّا فَلَوْ اُعْتُبِرَ فِي شُهُودِ كُلِّ طَائِفَةٍ أَنْ لَا يَشْهَدَ عَلَيْهِمْ إلَّا مَنْ يَكُونُ قَائِمًا بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَتَرْكِ الْمُحَرَّمَاتِ كَمَا كَانَتْ الصَّحَابَةُ لَبَطَلَتْ الشَّهَادَاتُ كُلُّهَا أَوْ غَالِبُهَا (وَالْكَبِيرَةُ مَا فِيهِ حَدٌّ فِي الدُّنْيَا وَوَعِيدٌ فِي الْآخِرَةِ) كَأَكْلِ الرِّبَا وَعُقُوقِ الْوَالِدَيْنِ الْمُسْلِمَيْنِ وَفِي مُعْتَمَدِ الْقَاضِي مَعْنَى الْكَبِيرَةِ أَنَّ عِقَابَهَا أَعْظَمُ وَالصَّغِيرَةُ أَقَلُّ وَلَا يُعْلَمَانِ إلَّا بِالتَّوْقِيفِ.
(زَادَ الشَّيْخُ أَوْ غَضَبٍ أَوْ لَعْنَةٍ أَوْ نَفْيِ إيمَانٍ وَالْكَذِبُ صَغِيرَةٌ) فَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهِ إذَا لَمْ يُدْمَنْ عَلَيْهِ (إلَّا فِي شَهَادَةِ زُورٍ أَوْ كَذِبٍ عَلَى نَبِيٍّ أَوْ رَمْيِ فِتَنٍ وَنَحْوِهِ) كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدِ الرَّعِيَّةِ عِنْدَ حَاكِمٍ ظَالِمٍ (فَكَبِيرَةٌ) قَالَ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ اللَّهِ: وَيُعْرَفُ الْكَذَّابُ بِخَلْفِ الْمَوَاعِيدِ (وَيَجِبُ أَنْ يُخَلَّصَ بِهِ) أَيْ الْكَذِبِ (مُسْلِمٌ مِنْ قَتْلٍ) قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ لَوْ كَانَ الْمَقْصُودُ وَاجِبًا (وَيُبَاحُ) الْكَذِبُ (لِإِصْلَاحٍ) بَيْنَ مُتَخَاصِمَيْنِ.
(وَ) ل (حَرْبٍ وَ) ل (زَوْجَةٍ) لِحَدِيثِ «أُمِّ كُلْثُومٍ بِنْتِ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ قَالَتْ: لَمْ أَسْمَعْهُ تَعْنِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرَخِّصُ فِي شَيْءٍ مِنْ الْكَذِبِ إلَّا فِي ثَلَاثٍ: الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثِ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَفِي الْحَرْبِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ.
(قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: وَكُلُّ مَقْصُودٍ مَحْمُودٍ حَسَنٍ لَا يُتَوَصَّلُ إلَيْهِ إلَّا بِهِ).
وَقَالَ فِي الْهَدْيِ: يَجُوزُ كَذِبُ الْإِنْسَانِ عَلَى نَفْسِهِ وَغَيْرِهِ إذَا لَمْ يَتَضَمَّنْ ضَرَرُ ذَلِكَ إذَا كَانَ يَتَوَصَّلُ بِالْكَذِبِ إلَى حَقِّهِ قَالَ: وَنَظِيرُ هَذَا الْإِمَامِ أَوْ الْحَاكِمِ يُوهِمُ الْخَصْمَ خِلَافَ الْحَقِّ لِيَتَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى اسْتِعْلَامِ الْحَقِّ كَمَا أَوْهَمَ سُلَيْمَانُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ بِشَقِّ الْوَلَدِ نِصْفَيْنِ حَتَّى تَوَصَّلَ بِذَلِكَ إلَى مَعْرِفَةِ أُمِّهِ انْتَهَى.
قَالَ فِي الْآدَابِ: وَمَهْمَا أَمْكَنَ الْمَعَارِيضُ حُرِّمَ وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ غَيْرِ وَاحِدٍ وَصَرَّحَ بِهِ آخَرُونَ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إذَنْ وَظَاهِرُ كَلَامِ أَبِي الْخَطَّابِ: يَجُوزُ وَجَزَمَ بِهِ فِي رِيَاضِ الصَّالِحِينَ.
(فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ فَاسِقٍ مِنْ جِهَةِ الْأَفْعَالِ) كَالزَّانِي وَاللَّائِطِ وَالْقَاتِلِ وَنَحْوِهِ (أَوْ) مِنْ جِهَةِ (الِاعْتِقَادِ) وَهُمْ أَهْلُ الْبِدَعِ (وَلَوْ تَدَيَّنَ بِهِ) أَيْ اعْتَقَدَ أَنَّهُ دِينُ حَقٍّ فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِعُمُومِ النُّصُوصِ (فَلَوْ قَلَّدَ) فِي الْقَوْلِ (بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أَوْ نَفَى الرُّؤْيَةِ) أَيْ رُؤْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْآخِرَةِ (أَوْ الرَّفْضِ أَوْ التَّجَهُّمِ) بِتَشْدِيدِ الْهَاءِ (وَنَحْوِهِ) كَالتَّجْسِيمِ وَخَلْقِ الْعَبْدِ أَفْعَالِهِ (فَسَقَ وَيُكَفَّرُ مُجْتَهِدُهُمْ الدَّاعِيَةُ) قَالَ الْمَجْدُ الصَّحِيحُ أَنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ كَفَّرْنَا فِيهَا الدَّاعِيَةَ فَإِنَّا نُفَسِّقُ الْمُقَلِّدَ فِيهَا كَمَنْ يَقُولُ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ أَوْ بِأَنَّ أَلْفَاظَنَا بِهِ مَخْلُوقَةٌ أَوْ أَنَّ عِلْمَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَخْلُوقٌ أَوْ أَنَّ أَسْمَاءَهُ مَخْلُوقَةٌ أَوْ أَنَّهُ لَا يُرَى فِي الْآخِرَةِ أَوْ يَسُبُّ الصَّحَابَةَ تَدَيُّنًا، أَوْ أَنَّ الْإِيمَانَ مُجَرَّدُ الِاعْتِقَادِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، فَمَنْ كَانَ عَالِمًا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْبِدَعِ يَدْعُو إلَيْهِ وَيُنَاظِرُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَحْكُومٌ بِكُفْرِهِ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ انْتَهَى، وَاخْتَارَ الْمُوَفَّقُ: لَا يَكْفُرُ مُجْتَهِدُهُمْ الدَّاعِيَةُ فِي رِسَالَتِهِ إلَى صَاحِبِ التَّلْخِيصِ لِقَوْلِ أَحْمَدَ لِلْمُعْتَصِمِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ (وَمَنْ أَخَذَ بِالرُّخَصِ فَسَقَ) قَالَ الْقَاضِي غَيْرَ مُتَأَوِّلٍ وَلَا مُقَلِّدٍ.
(قَالَ الشَّيْخُ: لَا يَتَرَيَّبُ أَحَدٌ فِيمَنْ صَلَّى مُحْدِثًا أَوْ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ) عَامِدًا (أَوْ) صَلَّى (بَعْدَ الْوَقْتِ) بِلَا عُذْرٍ (أَوْ بِلَا قِرَاءَةٍ أَنَّهُ كَبِيرَةٌ وَمِنْ الْكَبَائِرِ عَلَى مَا ذَكَرَ أَصْحَابُنَا) كَمَا نَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عِنْدَ قَوْله تَعَالَى: {إنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ} عَنْ شَيْخِهِ ابْنِ الْقَيِّمِ (الشِّرْكُ) أَيْ الْكُفْرُ عَلَى اخْتِلَافِ أَنْوَاعِهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ بِالذَّكَرِ فِي أَكْثَرِ الْأَحَادِيثِ لِكَثْرَتِهِ فِي الْعَرَبِ (وَقَتْلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ وَأَكْلُ الرِّبَا، وَالسِّحْرُ وَالْقَذْفُ بِالزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ بِغَيْرِ حَقٍّ وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ) أَيْ الْفِرَارُ عِنْدَ الْجِهَادِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ (وَالزِّنَا وَاللِّوَاطُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ وَ) شُرْبُ (كُلِّ مُسْكِرٍ وَقَطْعُ الطَّرِيقِ وَالسَّرِقَةُ، وَأَكْلُ الْأَمْوَالِ بِالْبَاطِلِ وَدَعْوَاهُ مَا لَيْسَ لَهُ وَشَهَادَةُ الزُّورِ، وَالْغِيبَةُ وَالنَّمِيمَةُ صَحَّحَهُ فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ.
وَقَالَ قُدَامَةُ بْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَا قَدَّمَهُ فِي فُرُوعِهِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ لَا خِلَافَ أَنَّ الْغِيبَةَ مِنْ الْكَبَائِرِ انْتَهَى وَقِيلَ إنَّهَا مِنْ الصَّغَائِرِ اخْتَارَهُ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ صَاحِبُ الْفُصُولِ وَالْغُنْيَةِ وَالْمُسْتَوْعِبِ.
وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: «إنَّ مِنْ الْكَبَائِرِ اسْتِطَالَةَ الْمَرْءِ فِي عِرْضِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ حَقٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد).
وَقَالَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الْغِيبَةُ مَرْعَى اللِّئَامِ (وَ) مِنْ الْكَبَائِرِ (الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَتَرْكُ الصَّلَاةِ وَالْقُنُوطُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ وَإِسَاءَةُ الظَّنِّ بِاَللَّهِ تَعَالَى وَأَمْنُ مَكْرِ اللَّهِ وَقَطِيعَةُ الرَّحِمِ وَالْكِبْرُ وَالْخُيَلَاءُ وَالْقِيَادَةُ وَالدِّيَاثَةُ وَنِكَاحُ الْمُحَلِّلِ وَهِجْرَةُ الْمُسْلِمِ الْعَدْلِ) أَيْ تَرْكُ كَلَامِهِ قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ سَنَةً وَاسْتَدَلَّ لَهُ وَأَمَّا هِجْرَةٌ فَوْقَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مِنْ الْكَبَائِرِ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ دُونُهَا (وَتَرْكُ الْحَجِّ لِلْمُسْتَطِيعِ وَمَنْعُ الزَّكَاةِ وَالْحُكْمُ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَالرِّشْوَةُ فِيهِ) أَيْ فِي الْحُكْمِ بِغَيْرِ الْحَقِّ (وَالْفِطْرُ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ بِلَا عُذْرٍ وَالْقَوْلُ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلْمٍ) فِي أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْكَامِهِ وَتَقْدِيمُ الْخَيَالِ الْمُسَمَّى بِالْعَقْلِ وَالسِّيَاسَةُ الظَّالِمَةُ وَالْعَوَائِدُ الْبَاطِلَةُ وَالْآرَاءُ الْفَاسِدَةُ وَالْأَذْوَاقُ وَالْكُشُوفَاتُ الشَّيْطَانِيَّةُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ رَسُولُهُ قَالَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ (وَسَبُّ الصَّحَابَةِ وَالْإِصْرَارُ عَلَى الْعِصْيَانِ) لِحَدِيثِ «لَا صَغِيرَةَ مَعَ إصْرَارٍ وَلَا كَبِيرَةَ مَعَ اسْتِغْفَارٍ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ (وَتَرْكُ التَّنَزُّهِ مِنْ الْبَوْلِ) لِحَدِيثِ أَنَسٍ مَرْفُوعًا «تَنَزَّهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ (وَنُشُوزُهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (عَلَى زَوْجِهَا وَإِلْحَاقُهَا بِهِ وَلَدًا مِنْ غَيْرِهِ وَإِتْيَانُهَا) أَيْ الْمَرْأَةِ (فِي الدُّبُرِ وَكَتْمُ الْعِلْمِ عَنْ أَهْلِهِ) عِنْدَ الْحَاجَةِ إلَى إظْهَارِهِ وَتَعَلُّمُ عِلْمِ الدُّنْيَا وَالْمُبَاهَاةُ وَالْجَاهُ وَالْعُلُوُّ عَلَى النَّاسِ وَتَصْوِيرُ ذِي الرُّوحِ وَإِتْيَانُ الْكَاهِنِ وَالْعَرَّافِ وَتَصْدِيقُهُمَا وَالسُّجُودُ لِغَيْرِ اللَّهِ وَالدُّعَاءُ إلَى بِدْعَةٍ (أَوْ ضَلَالَةٍ وَالْغُلُولُ وَالنُّوَاحُ) يَعْنِي النِّيَاحَةَ (وَالتَّطَيُّرُ).
قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ قَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ» فَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْكَبَائِرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ دُونَهَا انْتَهَى.
وَقَالَ فِي الرِّعَايَةِ تُكْرَهُ الطِّيَرَةُ وَالتَّشَاؤُمُ (وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَجَوْرُ الْمُوصِي فِي وَصِيَّتِهِ وَمَنْعُهُ) أَيْ الْوَارِثَ (مِيرَاثَهُ وَإِبَاقُ الرَّقِيقِ وَبَيْعُ الْخَمْرِ وَاسْتِحْلَالُ الْبَيْتِ الْحَرَامِ وَكِتَابَةُ الرِّبَا) أَيْ تَحَمُّلُ الشَّهَادَةِ بِهِ وَكِتَابَتُهَا (وَالشَّهَادَةُ) أَيْ أَدَاؤُهَا (عَلَيْهِ) أَيْ الرِّبَا (وَكَوْنُهُ ذَا وَجْهَيْنِ) بِأَنْ يُظْهِرَ وُدًّا وَنَحْوَهُ وَيُبْطِنَ الْعَدَاوَة وَنَحْوَهَا (وَادِّعَاؤُهُ نَسَبًا غَيْرَ نَسَبِهِ) خُصُوصًا دَعْوَى الشَّرَفِ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهِ وَانْتِسَابِهِ إلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِدُخُولِهِ أَيْضًا فِيمَنْ كَذَبَ عَلَيْهِ (وَغِشُّ الْإِمَامِ الرَّعِيَّةَ وَإِتْيَانُ الْبَهِيمَةِ وَتَرْكُ الْجُمُعَةِ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَسَيِّئُ الْمَلَكَةِ وَغَيْرُ ذَلِكَ) كَلَطْمِ الْخُدُودِ وَشَقِّ الثِّيَابِ وَحَلْقِ الْمَرْأَةِ رَأْسَهَا عِنْدَ الْمُصِيبَةِ بِالْمَوْتِ وَغَيْرِهِ وَأَكْلُ الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ وَالْمَنُّ بِالصَّدَقَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ عَمَلِ الْخَيْرِ وَالِاسْتِمَاعِ إلَى حَدِيثِ قَوْمٍ لَا يُحِبُّونَ اسْتِمَاعَهُ وَتَخْبِيبُ الْمَرْأَةِ عَلَى زَوْجِهَا وَالْعَبْدِ عَلَى سَيِّدِهِ وَأَنْ يُرِيَ عَيْنَيْهِ فِي الْمَنَامِ مَا لَمْ يَرَيَاهُ وَلَعْنُ مَنْ يَسْتَحِقُّ اللَّعْنَ وَالْحَلِفُ بِغَيْرِ اللَّهِ وَنَحْوُهَا.
(فَأَمَّا مَنْ أَتَى شَيْئًا مِنْ الْفُرُوعِ الْمُخْتَلَفِ فِيهَا) بَيْنَ الْأَئِمَّةِ اخْتِلَافًا شَائِعًا ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ (كَمَنْ تَزَوَّجَ بِلَا وَلِيٍّ) أَوْ بِلَا شُهُودٍ (أَوْ شَرِبَ مِنْ النَّبِيذِ مَا لَا يُسْكِرُهُ أَوْ أَخَّرَ زَكَاةً أَوْ حَجًّا مَعَ إمْكَانِهِمَا وَنَحْوَهُ) مِنْ مَسَائِلِ الْخِلَافِ (مُتَأَوِّلًا لَهُ) أَيْ مُسْتَدِلًّا عَلَى حِلِّهِ بِاجْتِهَادِهِ أَوْ مُقَلِّدًا لِمَنْ يَرَى حِلَّهُ (لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَخْتَلِفُونَ فِي الْفُرُوعِ وَقَبِلُوا شَهَادَةَ كُلَّ مُخَالِفٍ لَهُمْ فِيهَا وَلِأَنَّهُ اجْتِهَادٌ سَائِغٌ فَلَا يَفْسُقُ بِهِ الْمُخَالِفُ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (وَإِنْ اعْتَقَدَ) فَاعِلُ ذَلِكَ (تَحْرِيمَهُ رُدَّتْ) شَهَادَتُهُ قَالَ فِي الشَّرْحِ إذَا تَكَرَّرَ كَالْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ (وَأَدْخَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ الْفُقَهَاءَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَأَخْرَجَهُمْ) مِنْ الْأَهْوَاءِ (ابْنُ عَقِيلٍ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ وَ) هُوَ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الْقَاضِي (ذَكَرَهُ ابْنُ مُفْلِحٍ فِي أُصُولِهِ).
(الشَّيْءُ الثَّانِي) مِنْ الشَّيْئَيْنِ الْمُعْتَبَرَيْنِ لِلْعَدَالَةِ (اسْتِعْمَالُ الْمُرُوءَةِ) وَهِيَ بِالْهَمْزِ بِوَزْنِ سُهُولَةٍ: الْإِنْسَانِيَّةُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَلَك أَنْ تَشْدُدَ (وَهُوَ مَا يُجَمِّلُهُ وَيُزَيِّنُهُ وَتَرْكُ مَا يُدَنِّسُهُ وَيُشِينُهُ عَادَةً) لِأَنَّ مَنْ فَقَدَهُمَا فَقَدْ اتَّصَفَ بِالدَّنَاءَةِ وَالسُّقَاطَةِ فَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِكَلَامِهِ (فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ مُصَافِعٍ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الصَّفْعُ كَلِمَةٌ مُوَلَّدَةٌ فَالْمُصَافِعُ إذَنْ مَنْ يَصْفَعُ غَيْرَهُ وَيُمَكِّنُ غَيْرَهُ مِنْ قَفَاهُ فَيَصْفَعُهُ (وَمُتَمَسْخِرٍ وَمُغَنٍّ وَيُكْرَهُ سَمَاعُ الْغِنَاءِ) بِكَسْرِ الْغَيْنِ وَالْمَدِّ (وَالنَّوْحِ بِلَا آلَةِ لَهْوٍ) مِنْ عُودٍ وَطُنْبُورٍ وَنَحْوِهِمَا (وَيُحَرَّمُ مَعَهَا) أَيْ مَعَ آلَةِ اللَّهْوِ سَمَاعُ الْغِنَاءِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَالْغِنَاءُ وَالنَّوْحُ مَعْنًى وَاحِدٌ نَقَلَهُ عَنْهُ فِي الْمُغْنِي فَلَيْسَ الْمُرَادُ النَّوْحُ بِمَعْنَى النِّيَاحَةِ لِأَنَّهُ يَحْرُمُ بَلْ كَبِيرَةٌ كَمَا تَقَدَّمَ فَاسْتِمَاعُهُ حَرَامٌ (وَيُبَاحُ الْحُدَاءُ) بِالضَّمِّ وَالْمَدِّ وَيَجُوزُ كَسْرُ الْحَاءِ (الَّذِي يُسَاقُ بِهِ الْإِبِلُ وَ) يُبَاحُ (نَشِيدُ الْعَرَبِ) لِفِعْلِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
(وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ شَاعِرٍ مُفْرِطٍ بِالْمَدْحِ بِإِعْطَاءٍ أَوْ ذَمٍّ بِعَدَمِهِ فَالشِّعْرُ كَالْكَلَامِ حَسَنُهُ حَسَنٌ وَقَبِيحُهُ قَبِيحٌ) لِحَدِيثِ: «إنَّ مِنْ الشِّعْرِ لَحِكَمًا» وَكَانَ يُصْنَعُ لِحَسَّانَ مِنْبَرٌ يَقُومُ عَلَيْهِ فَيَهْجُو مَنْ هَجَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنْشَدَ كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ قَصِيدَةً فَقَالَ: بَانَتْ سُعَادُ فَقَلْبِي الْيَوْمَ مَتْبُولُ فِي الْمَسْجِدِ وَالشِّعْرُ قَدْ قَالَهُ الصَّحَابَةُ وَالْعُلَمَاءُ وَالْحَاجَةُ تَدْعُو إلَيْهِ لِمَعْرِفَةِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ وَالِاسْتِشْهَادِ بِهِ فِي التَّفْسِيرِ وَمَعَانِي السُّنَّةِ وَيُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى النَّسَبِ وَالتَّارِيخِ وَأَيَّامِ الْعَرَبِ وَيُقَالُ الشِّعْرُ دِيوَانُ الْعَرَبِ.
(وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مُشَبِّبٌ بِمَدْحِ خَمْرٍ وَبِالتَّشْبِيبِ بِمَدْحِ الْخَمْرِ) أَوْ الْمَرْأَةُ الْمُغَنِّيَةُ الْمُحَرَّمَةُ لِتَحْرِيمِهِ (لَا إنْ شَبَّبَ بِامْرَأَتِهِ أَوْ أَمَتِهِ) الْمُبَاحَةِ لَهُ.
(وَلَا) شَهَادَةُ رَقَّاصٍ أَيْ كَثِيرِ الرَّقْصِ (وَ) لَا شَهَادَةُ (مُشَعْوِذٍ) وَهِيَ خِفَّةٌ فِي الْيَدَيْنِ كَالسِّحْرِ (وَمَنْ يَلْعَبُ بِنَرْدٍ أَوْ شِطْرَنْجٍ لِتَحْرِيمِهِمَا وَإِنْ عَرِيَا عَنْ الْقِمَارِ) أَيْ الْعِوَضِ (غَيْرِ مُقَلِّدٍ فِي الشِّطْرَنْجِ) كَمَنْ يَرَى حِلَّهُ فَإِنْ قَلَّدَهُ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ.
(ك) مَا تُرَدُّ شَهَادَةُ لَاعِبٍ بِشِطْرَنْجٍ (مَعَ عِوَضٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ أَوْ فِعْلٍ مُحَرَّمٍ إجْمَاعًا).
(وَلَا) شَهَادَةُ (مَنْ يَلْعَبُ بِحَمَامٍ طَيَّارَةٍ أَوْ يَسْتَرْعِيهَا مِنْ الْمَزَارِعِ أَوْ لِيَصِيدَ بِهَا حَمَامَ غَيْرِهِ أَوْ يُرَاهِنُ بِهَا وَتُبَاحُ) أَيْ الْحَمَامُ (لِلْأُنْسِ بِصَوْتِهَا وَلِاسْتِفْرَاخِهَا وَحَمْل كُتُبٍ مِنْ غَيْرِ أَذَى النَّاسِ) قَالَ مُهَنَّا: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ بُرُوجِ الْحَمَامِ الَّتِي تَكُونُ بِالشَّامِ فَكَرِهَهَا وَقَالَ مَا تَأْكُلُ زُرُوعَ النَّاسِ فَقُلْتُ لَهُ وَإِنَّمَا كَرِهْتُهَا بِحَالِ أَنَّهَا تَأْكُلُ الزُّرُوعَ فَقَالَ أَكْرَهُهَا أَيْضًا لِأَنَّهُ قَدْ أُمِرَ بِقَتْلِ الْحَمَامِ فَقُلْتُ لَهُ تُقْتَلُ؟ قَالَ تُذْبَحُ.
(وَلَا) شَهَادَةُ اللَّاعِبِ (بِكُلِّ مَا فِيهِ دَنَاءَةٌ حَتَّى فِي أُرْجُوحَةٍ وَأَحْجَارٍ ثَقِيلَةٍ).
(وَ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مَنْ يَكْشِفُ مِنْ بَدَنِهِ مَا الْعَادَةُ تَغْطِيَتُهُ) كَكَشْفِ رَأْسِهِ أَوْ بَطْنِهِ أَوْ ظَهْرِهِ أَوْ صَدْرِهِ فِي مَوْضِعٍ لَمْ تَجْرِ الْعَادَةُ بِكَشْفِهِ فِيهِ لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّنَاءَةِ (وَنَوْمِهِ بَيْنَ جَالِسِينَ وَخُرُوجِهِ عَنْ مُسْتَوَى الْجُلُوسِ بِلَا عُذْرٍ وَطُفَيْلِيٌّ وَمَنْ يَدْخُلُ الْحَمَّامَ بِلَا مِئْزَرٍ أَوْ يَتَغَذَّى فِي السُّوقِ بِحَضْرَةِ النَّاسِ زَادَ فِي الْفُتْيَةِ أَوْ عَلَى الطَّرِيقِ وَلَا يَضُرُّ أَكْلُ الْيَسِيرِ كَالْكِسْرَةِ وَنَحْوِهَا) كَالتُّفَّاحَةِ (أَوْ يَمُدُّ رِجْلَيْهِ فِي مَجْمَعِ النَّاسِ أَوْ يَتَحَدَّثُ بِمَا يَصْنَعُهُ مَعَ أَهْلِهِ أَوْ غَيْرِهِمَا) لِمَا فِيهِ مِنْ الدَّنَاءَةِ وَقِلَّةِ الْمُبَالَاةِ.
وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إلَى الْمَرْأَةِ ثُمَّ يُفْشِي سِرَّهَا» (أَوْ يُخَاطِبُ أَهْلَهُ أَوْ أَمَتَهُ أَوْ غَيْرَهُمَا بِفَاحِشٍ بِحَضْرَةِ النَّاسِ وَحَاكِي الْمُضْحِكَاتِ وَمُتَزَيِّي بِزِيٍّ يُسْخَرُ مِنْهُ وَنَحْوِهِ) مِنْ كُلِّ مَا فِيهِ سُخْفَةٌ وَدَنَاءَةٌ لِأَنَّ مَنْ رَضِيَهُ لِنَفْسِهِ وَاسْتَخَفَّهُ فَلَيْسَ لَهُ مُرُوءَةٌ وَلَا تَحْصُلُ الثِّقَةُ بِقَوْلِهِ وَمَنْ فَعَلَ شَيْئًا مِنْ هَذَا مُخْتَفِيًا بِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ لِأَنَّ مُرُوءَتَهُ لَا تَسْقُطُ بِهِ وَكَذَلِكَ إنْ فَعَلَهُ مَرَّةً أَوْ شَيْئًا قَلِيلًا لَمْ تُرَدّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ صَغِيرَ الْمَعَاصِي لَا يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ إذَا قَلَّ فَهَذَا أَوْلَى وَلِأَنَّ الْمُرُوءَةَ لَا تَخْتَلُّ بِقَلِيلِ هَذَا مَا لَمْ يَكُنْ عَادَةٌ.
(قَالَ الشَّيْخُ وَتَحْرُمَ مُحَاكَاةُ النَّاسِ وَيُعَزَّرُ هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُهُ انْتَهَى) وَقَدْ عَدَّهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ مِنْ الْغِيبَةِ (وَلَا بَأْسَ بِالثِّقَافِ وَاللَّعِبِ بِالْحِرَابِ وَنَحْوِهَا) لِأَنَّ الْحَبَشَةَ لَعِبَتْ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَامَتْ عَائِشَةُ تَنْظُرُ لَهُمْ وَتَتَسَتَّرُ بِهِ حَتَّى مَلَّتْ.
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ مَنْ صِنَاعَتُهُ دَنِيئَةٌ عُرْفًا كَحَجَّامٍ وَحَائِكٍ وَحَارِسٍ وَنَخَّالٍ وَهُوَ الَّذِي يَتَّخِذُ غِرْبَالًا أَوْ نَحْوَهُ يُغَرْبِلُ بِهِ فِي جَارِي الْمَاءِ وَمَا فِي الطُّرُقَاتِ مِنْ حَصَى وَتُرَابٍ لِيَجِدَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا مِنْ الْفُلُوسِ أَوْ الدَّرَاهِمِ وَغَيْرِهَا وَهُوَ الْمُقَلِّشُ وَمُحَرِّشٌ بَيْنَ الْبَهَائِمِ) وَفِي الْمُبْدِعِ لَا تُقْبَلُ.
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (صَبَّاغٍ وَنَفَّاطٍ وَهُوَ اللَّعَّابُ بِالنِّفْطِ وَزَبَّالٍ وَكَنَّاسِ الْعَذِرَةِ فَإِنْ صَلَّى بِالنَّجَاسَةِ وَلَمْ يَتَنَظَّفْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ) لِفَقْدِ عَدَالَتِهِ (وَكَبَّاشٍ وَهُوَ الَّذِي يَلْعَبُ بِالْكَبْشِ وَيُنَاطِحُ بِهِ وَدَبَّاغٍ وَقَرَّادٍ وَهُوَ الَّذِي يَلْعَبُ بِالْقِرْدِ وَيَطُوفُ بِهِ فِي الْأَسْوَاقِ وَنَحْوِهَا مُتَكَسِّبًا بِذَلِكَ وَحَدَّادٍ وَدَبَّابٍ إذَا حَسُنَتْ طَرِيقَتُهُمْ فِي دِينِهِمْ).
(وَيُكْرَهُ كَسْبُ مَنْ صِفَتُهُ دَنِيئَةٌ) إذَا أَمْكَنَهُ غَيْرُهَا (وَتَقَدَّمَ أَوَّلَ بَابِ الصَّيْدِ).
(وَأَمَّا سَائِرُ الصِّنَاعَاتِ الَّتِي لَا دَنَاءَ فِيهَا فَلَا تُرَدُّ الشَّهَادَةُ بِهَا) لِعَدَمِ الْمَانِعِ مِنْ قَبُولِهَا (إلَّا مَنْ كَانَ يَحْلِفُ مِنْهُمْ كَاذِبًا أَوْ يَعِد وَيُخْلِفُ وَغَلَبَ هَذَا عَلَيْهِ أَوْ كَانَ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ أَوْقَاتِهَا أَوْ يَتَنَزَّهُ عَنْ النَّجَاسَاتِ أَوْ كَانَتْ صِنَاعَتُهُ مُحَرَّمَةً كَصِنَاعَةِ الْمَزَامِيرِ مِنْ خَشَبٍ أَوْ قَصَبٍ وَالطَّنَابِيرِ أَوْ يَكْثُرُ فِي صِنَاعَتِهِ الرِّبَا كَالصَّائِغِ وَالصَّيْرَفِيِّ وَلَمْ يَتَوَقَّ ذَلِكَ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ).
(وَكَذَا) تُرَدُّ شَهَادَةُ (مَنْ دَاوَمَ عَلَى اسْتِمَاعِ الْمُحَرَّمَاتِ مِنْ ضَرْبِ النَّايَاتِ وَالْمَزَامِيرِ وَالْعُودِ وَالطُّنْبُورِ وَالرَّبَابِ وَنَحْوِ ذَلِكَ) مِنْ آلَاتِ اللَّهْوِ (وَالصَّفَّاقِينَ مِنْ نُحَاسٍ) أَوْ صِينِيٍّ وَنَحْوِهِ (يَضْرِبُ بِإِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَتُحَرَّمُ آلَاتُ اللَّهْوِ اتِّخَاذًا وَاسْتِعْمَالًا وَصِنَاعَةً وَلَعِبٍ فِيهِ قِمَارٌ وَتَكَرَّرَ مِنْهُ) ذَلِكَ اللَّعِبُ أَيُّ لَعِبٍ كَانَ وَهُوَ مِنْ الْمَيْسِرِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِاجْتِنَابِهِ وَمَا خَلَا مِنْ الْقِمَارِ وَهُوَ الْعِوَضُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ أَوْ مِنْ أَحَدِهِمَا فَمِنْهُ مَا هُوَ مُحَرَّمٌ كَالنَّرْدِ وَالشِّطْرَنْجِ إلَّا أَنَّ النَّرْدَ آكَدُ لِوُرُودِ النَّصِّ فِيهِ وَمِنْهُ مَا هُوَ مُبَاحٌ كَالثِّقَافِ وَتَقَدَّمَ وَسَائِرُ اللَّعِبِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ضَرَرٌ وَلَا شَغَلَ عَنْ وَاجِبٍ فَالْأَصْلُ إبَاحَتُهُ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ وَشَرْحِ الْمُنْتَهَى.
(أَوْ سَأَلَ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَحِلَّ لَهُ الْمَسْأَلَةُ فَأَكْثَرَ) مِنْ السُّؤَالِ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّهُ فَعَلَ مُحَرَّمًا وَأَكَلَ سُحْتًا وَأَتَى دَنَاءَةً فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ تُبَاحُ لَهُ الْمَسْأَلَةُ لَمْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ إلَّا أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ عُمْرِهِ سَائِلًا فَيَنْبَغِي أَنْ تُرَدَّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ ذَلِكَ دَنَاءَةٌ وَسُقُوطُ مُرُوءَةٍ ذَكَرَهُ فِي الشَّرْحِ.
(أَوْ بَنَى حَمَّامًا لِلنِّسَاءِ) فَتُرَدُّ شَهَادَتُهُ بِذَلِكَ كُلِّهِ وَنَحْوِهِ مِمَّا هُوَ مُحَرَّمٌ أَوْ فِيهِ دَنَاءَةٌ.
وَأَمَّا مَا اتَّخَذَهُ أَرْبَابُ الدُّنْيَا مِنْ الْعَادَاتِ وَالنَّزَاهَةِ الَّتِي لَمْ يُقَبِّحْهَا السَّلَفُ وَلَا اجْتَنَبَهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلُ تَقَذُّرِهِمْ مِنْ حَمْلِ الْحَوَائِجِ وَالْأَقْوَاتِ لِلْعِيَالِ وَلُبْسِ الصُّوفُ وَرُكُوبُ الْحِمَارِ وَحَمْلُ الْمَاءِ عَلَى الظَّهْرِ وَالرِّزْمَةِ إلَى السُّوقِ فَلَا يُعْتَبَرُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فِي الْمُرُوءَةِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَدْ كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا يَحْمِلُ الْمَاءَ لِأَهْلِهِ وَهَذَا يَحْمِلُ الرِّزْمَةَ لِلسُّوقِ «وَقَدْ رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحِمَارَ وَلَبِسَ الصُّوفَ وَاحْتَذَى الْمَخْصُوفَ» مَعَ كَوْنِهِ قَدْ أُوتِيَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ فَلَا ازْدِرَاءَ فِي ذَلِكَ وَلَا إسْقَاطَ مُرُوءَةٍ قَالَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ.