فصل: فَصْلٌ: الحكمُ إذا زَالَتْ الْمَوَانِعُ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: كشاف القناع عن متن الإقناع



.فَصْلٌ: الحكمُ إذا زَالَتْ الْمَوَانِعُ:

وَمَتَى زَالَتِ الْمَوَانِعُ مِنْهُمْ فَبَلَغَ الصَّبِيُّ وَعَقَلَ الْمَجْنُونُ وَأَسْلَمَ الْكَافِرُ وَتَابَ الْفَاسِقُ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُمْ بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ لِأَنَّ رَدَّهَا إنَّمَا كَانَ لِمَانِعٍ وَقَدْ زَالَ.
(وَلَا يُعْتَبَرُ فِي التَّائِبِ إصْلَاحُ الْعَمَلِ) لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ» وَلِأَنَّ شَهَادَةَ الْكَافِرِ تُقْبَلُ بِمُجَرَّدِ الْإِسْلَامِ فَلَأَنْ تُقْبَلَ شَهَادَةُ الْفَاسِقِ بِمُجَرَّدِ التَّوْبَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَلِقَوْلِ عُمَرَ لِأَبِي بَكْرَةَ تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ وَلِحُصُولِ النَّفْرَةِ بِهَا.
(وَتَوْبَةُ غَيْرِ قَاذِفٍ نَدَمٌ) بِقَلْبِهِ عَلَى مَا سَبَقَ مِنْ ذَنْبِهِ (وَإِقْلَاعٌ) عَنْ الذَّنْبِ الَّذِي تَابَ مِنْهُ (وَعَزْمٌ أَنْ لَا يَعُودَ) إلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ لِلَّهِ تَعَالَى لَا لِأَجْلِ نَفْعِ الدُّنْيَا أَوْ أَذَى النَّاسِ اخْتِيَارًا لَا بِإِكْرَاهٍ وَإِلْجَاءٍ وَعُلِمَ مِنْ كَلَامِهِ أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ مَعَ ذَلِكَ لَفْظُ إنِّي تَائِبٌ أَوْ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَنَحْوُهُ وَقِيلَ بَلَى (وَإِنْ كَانَ فِسْقُهُ بِتَرْكٍ وَاجِبٍ فَلَا بُدَّ مِنْ فِعْلِهِ) أَيْ الْوَاجِبِ الَّذِي تَرَكَهُ (وَيُسَارِعُ) بِفِعْلِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ بَلْ تَجِبُ التَّوْبَةُ فَوْرًا مِنْ كُلِّ مَعْصِيَةٍ.
(وَيُعْتَبَرُ لِصِحَّةِ تَوْبَةٍ مِنْ) نَحْوِ غَصْبٍ (رَدُّ مَظْلَمَةٍ إلَى رَبِّهَا) إنْ كَانَ حَيًّا (أَوْ إلَى وَرَثَتِهِ إنْ كَانَ مَيِّتًا أَوْ) أَنْ (يَجْعَلَهُ مِنْهَا) أَيْ الْمَظْلَمَةِ (فِي حِلٍّ) بِأَنْ يَطْلُبَ مِنْهُ أَنْ يُبْرِئَهُ (وَيَسْتَمْهِلَهُ مُعْسِرًا) أَيْ يَسْتَمْهِلُ التَّائِبُ رَبَّ الْمَظْلَمَةِ إنْ عَجِزَ عَنْ رَدِّهَا أَوْ بَدَّلَهَا لِعُسْرَتِهِ.
وَتَوْبَةُ الْمُبْتَدِعِ الِاعْتِرَافُ بِبِدْعَتِهِ وَالرُّجُوعُ عَنْهَا وَاعْتِقَادُ ضِدِّ مَا كَانَ يَعْتَقِدُهُ مِنْ مُخَالَفَةِ أَهْلِ السُّنَّةِ.
(وَتَوْبَةُ قَاذِفٍ بِزِنَا) أَوْ لِوَاطٍ (أَنْ يُكَذِّبَ نَفْسَهُ) وَلَوْ كَانَ صَادِقًا فَيَقُولُ كَذَبْتُ فِيمَا قُلْتُ (لِكَذِبِهِ حُكْمًا) أَيْ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ {فَإِذَا لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ} فَتَكْذِيبُ الصَّادِقِ نَفْسَهُ يَرْجِعُ إلَى أَنَّهُ كَاذِبٌ فِي حُكْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ صَادِقًا.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ عُمَرَ مَرْفُوعًا فِي قَوْله تَعَالَى: {إلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} قَالَ: تَوْبَتُهُ إكْذَابُ نَفْسِهِ.
(وَتَصِحُّ تَوْبَتُهُ) أَيْ الْقَاذِفِ (قَبْلَ الْحَدِّ) لِعُمُومِ مَا سَبَقَ وَ(لِصِحَّتِهَا مِنْ قَذْفٍ وَغِيبَةٍ وَنَحْوِهِمَا) كَسَبٍّ (قَبْلَ إعْلَامِهِ وَ) قَبْلَ (التَّحَلُّلِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَقْذُوفِ وَنَحْوِهِ.
(وَالْقَاذِفُ بِالشَّتْمِ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَرِوَايَتُهُ وَفُتْيَاهُ حَتَّى يَتُوبَ).
(وَالشَّاهِدُ بِالزِّنَا إذَا لَمْ تَكْمُلْ الْبَيِّنَةُ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ لَا شَهَادَتُهُ) لِأَنَّ عُمَرَ لَمْ يَقْبَلْ شَهَادَةَ أَبِي بَكْرَةَ وَقَالَ لَهُ تُبْ أَقْبَلْ شَهَادَتَكَ قَالَ فِي الشَّرْحِ: وَلَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي قَبُولِ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرَةٍ مَعَ رَدِّ شَهَادَتِهِ (وَتَقَدَّمَ بَعْضُهُ فِي الْقَذْفِ).
وَتَقَدَّمَ فِي مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ تَوْبَةُ الزَّانِيَةِ إنْ تُرَاوَدْ فَتَمْتَنِعْ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى مَا إذَا أَرَادَتْ النِّكَاحَ خَاصَّةً.
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَبْدِ حَتَّى فِي مُوجِبِ حَدٍّ وَقَوَدٍ كَالْحُرِّ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْأَمَةِ فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحُرَّةِ) لِعُمُومِ آيَاتِ الشَّهَادَةِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِيهَا فَإِنَّهُ مِنْ رِجَالِنَا وَهُوَ عَدْلٌ تُقْبَلُ رِوَايَتُهُ وَفُتْيَاهُ وَأَخْبَارُهُ الدِّينِيَّةُ وَرَوَاهُ الْخَلَّالُ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ عَنْ أَنَسٍ وَرَوَاهُ عَنْ عَلِيٍّ «وَلِحَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ الْحَارِث قَالَ: تَزَوَّجْتُ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ فَقَالَتْ قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا فَذَكَرْت ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ كَيْفَ وَقَدْ زَعَمَتْ ذَلِكَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
(وَمَتَى تَعَيَّنَتْ) الشَّهَادَةُ (عَلَيْهِ) أَيْ الْقِنِّ (حَرُمَ عَلَى سَيِّدِهِ مَنْعُهُ مِنْهَا) أَيْ مِنْ قِيَامِهِ بِالشَّهَادَةِ كَسَائِرِ الْوَاجِبَاتِ فَلَوْ عَتَقَ بِمَجْلِسِ الْحُكْمِ فَشَهِدَ حُرِّمَ رَدُّهُ قَالَ فِي الِانْتِصَارِ وَالْمُفْرَدَاتِ: فَلَوْ رَدَّهُ مَعَ ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ فَسَقَ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمُدَبَّرُ وَأُمُّ الْوَلَدِ وَالْمُعْتَقُ بَعْضُهُ كَالْقِنِّ.
(وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ فِي الْمَرْئِيَّاتِ) لِأَنَّهُ فِيهَا كَغَيْرِهِ (وَ) تَجُوزَ شَهَادَةُ الْأَصَمِّ (بِمَا سَمِعَهُ قَبْلَ صَمَمِهِ) لِأَنَّهُ فِي ذَلِكَ كَمَنْ لَيْسَ بِهِ صَمَمٌ.
(وَتَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى فِي الْمَسْمُوعَاتِ إذَا تَيَقَّنَ الصَّوْتَ) أَيْ صَوْتَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُمَا أَجَازَا شَهَادَةَ الْأَعْمَى وَلَا يُعْرَفُ لَهُمَا مُخَالِفٌ فِي الصَّحَابَةِ لِحُصُولِ الْعِلْمِ لَهُ بِذَلِكَ كَاسْتِمْتَاعِهِ بِزَوْجَتِهِ.
(وَ) تَجُوزُ شَهَادَةُ الْأَعْمَى (بِمَا رَآهُ قَبْلَ عَمَاهُ إذَا عَرَفَ الْفَاعِلَ بِاسْمِهِ وَنَسَبِهِ) لِأَنَّ الْعَمَى فَقْدُ حَاسَّةٍ لَا يُخِلُّ بِالتَّكْلِيفِ فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ كَالصَّمَمِ فَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ أَيْ لَمْ يَعْرِفْ الْأَعْمَى (إلَّا بِعَيْنِهِ قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ (إذَا وَصَفَهُ) الْأَعْمَى (لِلْحَاكِمِ بِمَا يَتَمَيَّزُ بِهِ) لِأَنَّ الْمَقْصُودَ تَمْيِيزُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ حَصَلَ فَوَجَبَ قَبُولَهُ لِذَلِكَ.
(قَالَ الشَّيْخُ: وَكَذَا الْحُكْمُ إنْ تَعَذَّرَتْ رُؤْيَةُ الْعَيْنِ الْمَشْهُودِ لَهَا أَوْ عَلَيْهِمَا أَوْ بِهَا لِغَيْبَةٍ أَوْ مَوْتٍ أَوْ عَمًى) وَاقْتَصَرَ عَلَيْهِ فِي الْفُرُوعِ وَغَيْرِهِ وَجُزِمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْقَاضِي إلَى الْقَاضِي مَا يُعَارِضهُ فَلْيُرَاجَعْ.
(وَإِنْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ ثُمَّ عَمِيَ أَوْ خَرِسَ أَوْ صُمَّ أَوْ جُنَّ أَوْ مَاتَ لَمْ يَمْنَعْ الْحَاكِمُ بِشَهَادَتِهِ) إنْ كَانَ عَدْلًا لِأَنَّ ذَلِكَ مَعْنًى طَرَأَ بَعْدَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ لَا يَقْتَضِي تُهْمَةً فِي حَالِ الشَّهَادَةِ فَلَا يَمْنَعُ قَبُولَهَا بِخِلَافِ الْفِسْقِ فَإِنَّهُ يُورِثُ تُهْمَةً حَالَ الشَّهَادَةِ.
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ وَلَدِ الزِّنَا فِي الزِّنَا وَغَيْرِهِ) لِعُمُومِ الْأَدِلَّةِ وَلِأَنَّهُ قَوْلٌ مَقْبُولُ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةُ فِي غَيْرِ الزِّنَا فَتُقْبَلُ فِيهِ كَغَيْرِهِ وَلِأَنَّ الْفَاعِلَ لِلْقَبِيحِ غَيْرُهُ.
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْإِنْسَانِ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهِ كَالْمُرْضِعَةِ عَلَى إرْضَاعِهَا وَإِنْ كَانَ الْإِرْضَاعُ بِأُجْرَةٍ) لِحَدِيثِ عُقْبَةَ السَّابِقِ.
(وَ) كَشَهَادَةِ (الْقَاسِمِ عَلَى قِسْمَتِهِ بَعْدَ فَرَاغِهِ) مِنْ الْقِسْمَةِ (وَلَوْ) كَانَ يَقْسِمُ (بِعِوَضٍ وَالْحَاكِمُ عَلَى حُكْمِهِ بَعْدَ الْعَزْلِ) قِيَاسًا عَلَى الْمُرْضِعَةِ وَقُيِّدَ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالْمُغْنِي وَالْقَاضِي وَأَصْحَابِهِ فِي الْقَاسِمِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
(وَ) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ الْقَرَوِيِّ عَلَى الْبَدَوِيِّ وَعَكْسِهِ) أَيْ شَهَادَةُ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ؛ لِأَنَّ مَنْ قُبِلَتْ شَهَادَتُهُ عَلَى أَهْلِ الْبَدْوِ قُبِلَتْ عَلَى أَهْلِ الْقُرَى وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُد وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدْوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ» فَمَحْمُولٌ عَلَى مَا إذَا جُهِلَتْ عَدَالَتُهُ الْبَاطِنَةُ وَخَصَّهُ بِهَذَا لِأَنَّ الْغَالِبَ أَنْ لَا يَكُونَ مَنْ يُسْأَلُ الْحَاضِرُ عَنْهُ.

.بَابُ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ:

الْمَوَانِعُ جَمْعُ مَانِعٍ مِنْ مَنَعَ الشَّيْءَ إذَا حَالَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَقْصُودِهِ فَهَذِهِ الْمَوَانِعُ تَحُولُ بَيْنَ الشَّهَادَةِ وَمَقْصُودِهَا فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهَا قَبُولُهَا وَالْحُكْمُ بِهَا (وَهِيَ سِتَّةُ) أَشْيَاءَ (أَحَدُهَا قُرَابَةُ الْوِلَادَةِ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ عَمُودِيِّ النَّسَبِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ مِنْ وَالِدٍ وَإِنْ عَلَا وَلَوْ مِنْ جِهَةِ الْأُمِّ) كَأَبِي الْأُمِّ وَابْنِهِ وَجَدِهِ.
(وَ) مِنْ (وَلَدٍ وَإِنْ سَفَلَ مِنْ وَلَدِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ) لِأَنَّ كُلًّا مِنْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَوْلَادِ مُتَّهَمٌ فِي حَقِّ صَاحِبِهِ لِأَنَّهُ يَمِيلُ إلَيْهِ بِطَبْعِهِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي يُرِيبُنِي مَا أَرَابَهَا» وَسَوَاءٌ اتَّفَقَ دِينُهُمْ أَوْ اخْتَلَفَ وَسَوَاءٌ جَرَّ بِهَا نَفْعًا لِلْمَشْهُودِ لَهُ أَوْ لَا كَقَذْفٍ وَعَقْدِ نِكَاحٍ (إلَّا مِنْ زِنًا أَوْ رَضَاعٍ) فَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَلَدِ لِأَبِيهِ مِنْ زِنًا وَرَضَاعٍ وَعَكْسِهِ لِعَدَمِ وُجُوبِ الْإِنْفَاقِ وَالصِّلَةِ وَعِتْقِ أَحَدهمَا عَلَى صَاحِبِهِ (وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوْ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ} وَلِأَنَّ شَهَادَتَهُ عَلَيْهِ لَا تُهْمَةَ فِيهَا وَهِيَ أَبْلَغُ فِي الصِّدْقِ كَشَهَادَتِهِ عَلَى نَفْسِهِ.
(وَ) تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدْلِ (لِبَاقِي أَقَارِبِهِ) الَّذِينَ لَيْسُوا مِنْ عَمُودَيْ نَسَبِهِ (كَ) شَهَادَتِهِ لِ (أَخِيهِ وَعَمِّهِ وَابْنِ عَمِّهِ وَخَالِهِ وَنَحْوِهِمْ) كَابْنِ أَخِيهِ وَابْنِ أُخْتِهِ (وَ) شَهَادَةِ (الصَّدِيقِ لِصَدِيقِهِ وَ) شَهَادَةِ (الْمَوْلَى لِعَتِيقِهِ وَعَكْسِهِ) كَشَهَادَةِ الْعَتِيقِ لِمَوْلَاهُ.
(وَلَوْ أَعْتَقَ عَبْدَيْنِ فَادَّعَى رَجُلٌ أَنَّ الْمُعْتِقَ غَصَبَهُمَا مِنْهُ فَشَهِدَ الْعَتِيقَانِ بِصِدْقِ الْمُدَّعِي لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِرَدِّهِمَا إلَى الرِّقِّ وَكَذَا لَوْ شَهِدَا بَعْد عِتْقِهِمَا أَنَّ مُعْتِقَهُمَا كَانَ غَيْرَ بَالِغِ حَالَ الْعِتْقِ أَوْ) شَهِدَا (بِجَرْحِ شَاهِدَيْ حُرِّيَّتِهِمَا وَكَذَا لَوْ عَتَقَا بِتَدْبِيرٍ أَوْ وَصِيَّةٍ فَشَهِدَا بِدَيْنٍ يَسْتَوْعِبُ التَّرِكَةَ أَوْ وَصِيَّةٍ مُؤَثِّرَةٍ فِي الرِّقِّ) كَمَا لَوْ شَهِدَا بِوَصِيَّةٍ تَسْتَوْعِبُ التَّرِكَةَ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُمَا لِإِقْرَارِهِمَا بَعْدَ الْحُرِّيَّةِ بِرِقِّهِمَا لِغَيْرِ سَيِّدِهِمَا.
الْمَانِعُ (الثَّانِي الزَّوْجِيَّةُ فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ لِصَاحِبِهِ) لِأَنَّهُ يَنْتَفِعُ بِشَهَادَتِهِ لِتَبَسُّطِ كُلِّ وَاحِدٍ فِي مَالِ الْآخَرِ وَاتِّسَاعِهِ بِسَعَتِهِ وَإِضَافَةِ مَالَ كُلِّ وَاحِدٍ إلَى الْآخَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ} وَ{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ} لِأَنَّ يَسَارَ الرَّجُلِ يَزِيدُ فِي نَفَقَتِهِ امْرَأَتَهُ وَيَسَارَهَا يَزِيدُ فِي قِيمَةِ الْبُضْعِ الْمَمْلُوكِ لِزَوْجِهَا وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَرِثُ الْآخَرَ مِنْ غَيْرِ حَجْبٍ فَأَوْجَبَ التُّهْمَةَ فِي شَهَادَتِهِ (وَلَوْ) كَانَتْ شَهَادَةُ أَحَدِهِمَا لِصَاحِبِهِ (بَعْدَ الْفِرَاقِ) بِطَلَاقٍ أَوْ خُلْعٍ أَوْ فَسْخٍ لِنَحْوٍ عَنْهُ (إنْ كَانَتْ) الشَّهَادَةُ (رُدَّتْ قَبْلَهُ) أَيْ قَبْلَ الْفِرَاقِ لِلتُّهْمَةِ (وَإِلَّا) أَيْ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُدَّتْ قَبْلَهُ وَإِنَّمَا شَهِدَا ابْتِدَاءً بَعْدَ الْفِرَاقِ (قُبِلَتْ) الشَّهَادَةُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.
وَقَالَ فِي التَّنْقِيحِ وَلَوْ فِي الْمَاضِي وَتَبِعَهُ فِي الْمُنْتَهَى وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ أَنْ تَكُونَ الشَّهَادَةُ رُدَّتْ قَبْلُ أَوْ لَا قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي حَاشِيَتِهِ وَهُوَ غَرِيبٌ مُنَاقِضٌ لِكَلَامِهِ انْتَهَى لَكِنَّ كَلَامَهُ فِي الْمُبْدِعِ مُوَافِقٌ لِلتَّنْقِيحِ قَالَ وَظَاهِرُهُ وَلَوْ بَعْدَ الْفِرَاقِ انْتَهَى وَيُؤَيِّدهُمَا مَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَغَيْرُهُ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِمُوَكِّلِهِ فِيمَا هُوَ مُوَكَّلٌ فِيهِ وَلَوْ بَعْدَ الْعَزْلِ مِنْ الْوَكَالَةِ (وَتُقْبَلُ) شَهَادَةُ أَحَدِ الزَّوْجَيْنِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى صَاحِبِهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي دَعْوَى النَّسَبِ (فِي غَيْرِ الزِّنَا) فَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهَا بِالزِّنَا لِأَنَّهُ يُقِرُّ عَلَى نَفْسِهِ بِعَدَاوَتِهِ لَهَا لِإِفْسَادِهَا فِرَاشَهُ.
(وَلَا) تُقْبَلُ (شَهَادَةُ السَّيِّدِ لِعَبْدِهِ) لِأَنَّ مَالَ الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ فَشَهَادَتُهُ لَهُ شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ قَالَ فِي الشَّرْحِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِسَيِّدِهِ بِنِكَاحٍ وَلَا لِأَمَتِهِ بِطَلَاقٍ (وَلَا الْعَبْدِ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّهُ يَنْبَسِطُ فِي مَالِهِ وَتَجِبُ فِيهِ نَفَقَتُهُ فَهُوَ كَالْأَبِ وَابْنِهِ زَادَ فِي الرِّعَايَةِ الْكُبْرَى بِمَالٍ.
(قَالَ ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ لَوْ شَهِدَ عِنْدَ الْحَاكِمِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْحَاكِمِ لَهُ كَشَهَادَةِ وَلَدِ الْحَاكِمِ عِنْدَ الْأَجْنَبِيِّ أَوْ) شَهَادَةِ (وَالِدِهِ) أَيْ الْحَاكِمِ (أَوْ) شَهَادَةِ (زَوْجَتِهِ فِيمَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ النِّسَاءِ يَتَوَجَّهُ عَدَمُ قَبُولِهَا) أَيْ تِلْكَ الشَّهَادَةِ لَعَلَّ وَجْهَهُ عَدَمُ تَحَرِّيهِ فِي عَدَالَتِهِمْ لَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْقَضَاءِ يَحْكُمُ بِشَهَادَتِهِمْ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمُصَنِّفُ وَصَاحِبُ الْمُنْتَهَى وَغَيْرُهُمَا هُنَاكَ.
(وَقَالَ) ابْنُ نَصْرِ اللَّهِ (لَوْ شَهِدَ عَلَى الْحَاكِمِ بِحُكْمِهِ مَنْ شَهِدَ عِنْدَهُ بِالْمَحْكُومِ فِيهِ الْأَظْهَرُ لَا تُقْبَلُ وَقَالَ تَزْكِيَةُ الشَّاهِدِ رَفِيقَهُ فِي الشَّهَادَةِ لَا تُقْبَلُ انْتَهَى) أَمَّا فِي الثَّانِيَةِ فَلِأَنَّهُ يَشْهَدُ عَلَى الْحَاكِمِ أَنَّهُ قَبِلَ شَهَادَتَهُ وَحَكَمَ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ شَهَادَتُهُ فَيَكُونُ قَدْ شَهِدَ لِنَفْسِهِ بِأَنَّ الْحَاكِمَ قَبِلَهُ وَأَمَّا فِي الْأَخِيرَةِ فَلِإِفْضَائِهِ إلَى انْحِصَارِ الشَّهَادَةِ فِي أَحَدِهِمَا.
(وَلَوْ شَهِدَ اثْنَانِ عَلَى أَبِيهِمَا بِقَذْفِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا وَهِيَ) أَيْ أُمُّهُمَا (تَحْتَهُ أَوْ) شَهِدَا عَلَى زَوْجِ أُمِّهِمَا بِ (طَلَاقِهَا) أَيْ طَلَاقِ ضَرَّةِ أُمِّهِمَا (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمَا لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ عَلَى الْأَبِ كَمَا لَوْ لَمْ تَكُنْ أُمُّهُمَا تَحْتَهُ وَلِأَنَّ حَقَّ أُمِّهِمَا لَا يُزَادُ بِذَلِكَ وَتَوْفِيرُ الْمِيرَاثِ لَا يَمْنَعُ قَبُولَ الشَّهَادَةِ بِدَلِيلِ شَهَادَةِ الْوَارِثِ لِمَوْرُوثِهِ.
(قَالَ فِي التَّرْغِيبِ وَمِنْ مَوَانِعِهَا) أَيْ الشَّهَادَةِ (الْعَصَبِيَّةُ) وَجَزَمَ بِهِ فِي الْمُنْتَهَى (فَلَا شَهَادَةَ) مَقْبُولَةً (لِمَنْ عُرِفَ بِهَا وَبِالْإِفْرَاطِ فِي الْحَمِيَّةِ لِتَعَصُّبِ قَبِيلَةٍ عَلَى قَبِيلَةٍ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ) الْعَصَبِيَّةُ رُتْبَةَ الْعَدَاوَةِ.
(وَمَنْ حَلَفَ مَعَ شَهَادَتِهِ لَمْ تُرَدَّ) شَهَادَتُهُ.
(الثَّالِثُ) مِنْ مَوَانِعِ الشَّهَادَةِ (أَنْ يَجُرَّ) الشَّاهِدُ (إلَى نَفْسِهِ نَفْعًا) بِشَهَادَةٍ (كَشَهَادَةِ السَّيِّدِ لِمُكَاتَبِهِ وَ) شَهَادَةِ (الْمُكَاتَبِ لِسَيِّدِهِ) لِأَنَّ الْمُكَاتَبَ رَقِيقٌ لِحَدِيثِ: «الْمُكَاتَبُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ» (وَ) كَشَهَادَةِ (الْوَارِثِ بِجَرْحِ مَوْرُوثِهِ) قَبْلَ انْدِمَالِهِ فَلَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَسْرِي الْجَرْحُ إلَى النَّفْسِ فَتَجِبُ الدِّيَةُ لِلشَّاهِدِ بِشَهَادَتِهِ فَيَصِيرُ كَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ.
(وَتُقْبَلُ) شَهَادَةُ الْوَارِثِ (لَهُ) أَيْ لِمَوْرُوثِهِ (بِدَيْنِهِ فِي مَرَضِهِ) لِأَنَّ هَذَا الدَّيْنَ يَجُوزُ أَنْ يَنْتَقِلَ إلَى الشَّاهِدِ وَيَجُوزُ أَنْ لَا يَنْتَقِلَ إلَيْهِ وَالْمَانِعُ مِنْ قَبُولِ الشَّهَادَةِ مَا يَحْصُلُ بِهِ نَفْعٌ حَالَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ (فَلَوْ حُكِمَ بِهَذِهِ الشَّهَادَةِ) ثُمَّ مَاتَ الْمَشْهُودُ لَهُ فَوَرِثَهُ الشَّاهِدُ (لَمْ يَتَغَيَّرْ الْحُكْمُ بَعْدَ مَوْتِهِ) لِوُقُوعِهِ صَحِيحًا وَلَمْ يَطْرَأ عَلَيْهِ مَا يُفْسِدُهُ.
(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ وَلَوْ بَعْدَ عَزْلِهِ) مِنْ الْوَكَالَةِ (وَفَرَاغِ الْإِجَارَةِ وَانْفِصَالِ الشَّرِيكِ) مِنْ شَرِيكِهِ الْمَشْهُودِ لَهُ لِاتِّهَامِهِمْ وَالْوَصِيُّ يَثْبُتُ لَهُ فِيمَا يَشْهَدُ بِهِ حَقُّ التَّصَرُّفِ.
(وَلَا) شَهَادَةُ (أَحَدِ الشَّفِيعِينَ بِعَفْوِ الْآخَرِ عَنْ شُفْعَتِهِ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ.
(أَوْ) أَيْ وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الشَّفِيعِ (بِبَيْعِ الشِّقْصِ الَّذِي تَجِبُ فِيهِ الشُّفْعَةُ) لِلتُّهْمَةِ (وَإِنْ أَسْقَطَ) الشَّفِيعُ (شُفْعَتَهُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ) بِعَفْوِ شَرِيكِهِ أَوْ بَيْعِ الشِّقْصِ (قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ وَ(لَا) تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إنْ عَفَا عَنْ شُفْعَتِهِ (بَعْدَ الرَّدِّ) لِشَهَادَتِهِ لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ لِكَوْنِهِ إنَّمَا عَفَا لِتُقْبَلَ شَهَادَتُهُ.
(وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (غَرِيمٍ لِمُفْلِسٍ بِمَالٍ بَعْدَ الْحَجْرِ) عَلَى الْمَدِينِ لِلْمُفْلِسِ.
(أَوْ) أَيْ وَلَا تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْغَرِيمِ (لِمَيِّتٍ لَهُ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِمَالٍ) لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَالَ يَعُودُ إلَى الْغَرِيمِ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ.
(وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مُضَارِبٍ بِمَالِ الْمُضَارَبَةِ وَلَا حَاكِمٍ وَلَا وَصِيٍّ لِمَنْ فِي حَجْرِهِ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ.
(وَتُقْبَلُ) شَهَادَةُ الْوَارِثِ وَمَنْ بَعْدَهُ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى مَنْ تَقَدَّمَ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ لَهُ لِانْتِفَاءِ التُّهْمَةِ.
(وَلَا تُقْبَلُ) شَهَادَةٌ (لِمَنْ لَهُ كَلَامٌ وَاسْتِحْقَاقٌ فِي شَيْءٍ وَإِنْ قَلَّ) لِلْجِهَةِ الْمَوْقُوفِ عَلَيْهَا (كَرِبَاطٍ وَمَدْرَسَةٍ) قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فِي قَوْمٍ فِي دِيوَانِ أَجَّرُوا أَشْيَاءَ لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ أَحَدٍ مِنْهُمْ عَلَى مُسْتَأْجَرِهِ لِأَنَّهُمْ وُكَلَاءُ أَوْ وُلَاةٌ قَالَ وَلَا شَهَادَةُ الْأَمْوَالِ السُّلْطَانِيَّةِ عَلَى الْخُصُومِ.
(الرَّابِعُ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ) بِشَهَادَتِهِ (ضَرَرًا كَشَهَادَةِ الْعَاقِلَةِ بِجَرْحِ شُهُودِ الْخَطَأِ) لِمَا فِيهِ مِنْ التُّهْمَةِ بِدَفْعِ الدِّيَةِ عَنْ أَنْفُسِهِمْ فَإِنْ كَانَ الْجَارِحُ فَقِيرًا أَوْ بَعِيدًا فَاحْتِمَالَانِ أَحَدُهُمَا تُقْبَلُ لِأَنَّهُ لَا يَحْمِلُ شَيْئًا مِنْ الدِّيَةِ وَالثَّانِي لَا لِجَوَازِ أَنْ يُوسِرَ أَوْ يَمُوتَ مَنْ هُوَ أَقْرَبُ مِنْهُ قَبْلَ الْحَوْلِ فَيَحْمِلُهَا (وَ) كَشَهَادَةِ (الْغُرَمَاءِ بِجَرْحِ شُهُودِ الدَّيْنِ عَلَى الْمُفْلِسِ) لِمَا فِيهِ مِنْ تَوْفِيرِ الْمَالِ عَلَيْهِمْ.
(وَ) كَشَهَادَةِ (السَّيِّدِ بِجَرْحِ مَنْ شَهِدَ عَلَى مُكَاتَبِهِ أَوْ عَبْدِهِ بِدَيْنٍ) لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ فِيهَا لِمَا يَحْصُلُ بِهَا مِنْ دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فَكَأَنَّهُ شَهِدَ لِنَفْسِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ مَضَتْ السُّنَّةُ فِي الْإِسْلَامِ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينَ وَالظَّنِينُ الْمُتَّهَمُ.
(وَ) كَشَهَادَةِ (الْوَصِيِّ بِجَرْحِ الشَّاهِدِ عَلَى الْأَيْتَامِ وَالشَّرِيكِ بِجَرْحِ الشَّاهِدِ عَلَى شَرِيكِهِ كَشَهَادَةِ مَنْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِإِنْسَانٍ إذَا شَهِدَ بِجَرْحِ الشَّاهِدِ عَلَيْهِ) كَعَمُودَيْ النَّسَبِ وَالزَّوْجِ وَالْوَكِيلِ لِأَنَّهُمْ مُتَّهَمُونَ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ.
(وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ الضَّامِنِ لِلْمَضْمُونِ عَنْهُ بِقَضَاءِ الْحَقِّ وَالْإِبْرَاءِ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْحَقِّ لِأَنَّهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ بِبَرَاءَتِهِ (وَلَا شَهَادَةُ بَعْضِ غُرَمَاءِ الْمُفْلِسِ عَلَى بَعْضٍ بِإِسْقَاطِ دَيْنِهِ أَوْ اسْتِيفَائِهِ) لِأَنَّ قِسْطَهُ يَتَوَفَّرُ عَلَيْهِمْ.
(وَلَا) تُقْبَلُ شَهَادَةُ (مَنْ أُوصِيَ لَهُ بِمَالٍ) مُوصَى لَهُ (عَلَى آخَرَ بِمَا يُبْطِلُ وَصِيَّتَهُ إذَا كَانَتْ وَصِيَّتُهُ يَحْصُلُ بِهَا مُزَاحَمَةٌ إمَّا لِضِيقِ الثُّلُثِ عَنْهَا أَوْ لِكَوْنِ الْوَصِيَّتَيْنِ بِمُعَيَّنٍ) لِمَا رَوَى سَعِيدٌ بِإِسْنَادِهِ عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْفٍ مُرْسَلًا قَالَ «قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ» وَلَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَصْمٍ وَلَا ظَنِينَ.
(وَتُقْبَلُ فُتْيَا مَنْ يَدْفَعُ عَنْ نَفْسِهِ ضَرَرًا بِهَا) أَيْ بِفُتْيَاهُ كَمَا تُقْبَلُ عَلَى عَدُوِّهِ وَلِوَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَتَقَدَّمَ.
(الْخَامِسُ) مِنْ الْمَوَانِعِ (الْعَدَاوَةُ الدُّنْيَوِيَّةُ) لِحَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا قَالَ: «لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ خَائِنٍ وَلَا خَائِنَةٍ وَلَا زَانِيَةٍ وَلَا ذِي غَمْرٍ عَلَى أَخِيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْغَمْرُ الْحِقْدُ وَلِأَنَّ الْعَدَاوَةَ تُورِثُ تُهْمَةً شَدِيدَةً فَمُنِعَتْ بِالشَّهَادَةِ كَالْقَرَابَةِ الْقَرِيبَةِ (كَشَهَادَةِ الْمَقْذُوفِ عَلَى قَاذِفِهِ وَالزَّوْجِ عَلَى امْرَأَتِهِ بِالزِّنَا) لِأَنَّهُ مُعْتَرِفٌ لِعَدَاوَتِهِ بِهَا لِفَسَادِ فِرَاشِهِ.
(وَلَا) شَهَادَةُ (الْمَقْتُولِ وَلِيِّهِ عَلَى الْقَاتِلِ وَ) لَا شَهَادَةُ (الْمَجْرُوحِ عَلَى الْجَارِحِ وَ) لَا شَهَادَةُ (الْمَقْطُوعِ عَلَيْهِ الطَّرِيقُ عَلَى قَاطِعِهِ) لِمَا تَقَدَّمَ (فَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَيْنَا أَوْ عَلَى الْقَافِلَةِ لَمْ تُقْبَلْ) شَهَادَتُهُمْ (وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّ هَؤُلَاءِ قَطَعُوا الطَّرِيقَ بَلْ هَؤُلَاءِ قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمْ (وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَسْأَلَهُمْ هَلْ قَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَيْكُمْ مَعَهُمْ) أَوْ لَمْ يَقْطَعُوهَا عَلَيْكُمْ مَعَهُمْ لِأَنَّهُ لَا يَبْحَثُ عَمَّا شَهِدَ بِهِ الشُّهُودُ (وَإِنْ شَهِدُوا أَنَّهُمْ عَرَضُوا لَنَا وَقَطَعُوا الطَّرِيقَ عَلَى غَيْرِنَا قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُمْ قَدَّمَهُ فِي الْفُصُولِ قَالَ وَعِنْدِي لَا تُقْبَلُ.
(وَيُعْتَبَرُ فِي عَدَمِ قَبُولِ الشَّهَادَةِ) لِلْعَدَاوَةِ (كَوْنُ الْعَدَاوَةِ لِغَيْرِ اللَّهِ) تَعَالَى (سَوَاءٌ) كَانَتْ الْعَدَاوَةُ (مَوْرُوثَةً أَوْ مُكْتَسَبَةً).
وَفِي الْحَدِيثِ: «ثَلَاثَةٌ لَا يَنْجُو مِنْهُنَّ أَحَدٌ: الْحَسَدُ وَالظَّنُّ وَالطِّيَرَةُ وَسَأُحَدِّثُكُمْ بِالْمَخْرَجِ مِنْ ذَلِكَ إذَا حَدَّثْتَ فَلَا تَبْغِ وَإِذَا ظَنَنْتَ فَلَا تُحَقِّقْ وَإِذَا تَطَيَّرْتَ فَامْضِ».
(فَأَمَّا الْعَدَاوَةُ فِي الدِّينِ كَالْمُسْلِمِ يَشْهَدُ عَلَى الْكَافِرِ وَالْمُحِقُّ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ يَشْهَدُ عَلَى الْمُبْتَدِعِ فَلَا تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الدِّينَ يَمْنَعُهُ مِنْ ارْتِكَابِ مَحْظُورٍ فِي دِينِهِ).
(وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ لِعَدُوِّهِ) لِعَدَمِ التُّهْمَةِ وَتُقْبَلُ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى عَدُوِّهِ (فِي عَقْدِ نِكَاحٍ) بِأَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ عَدُوًّا لِلزَّوْجَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا أَوْ لِلْوَلِيِّ وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ.
(وَمَنْ شَهِدَ بِحَقٍّ مُشْتَرَكٍ بَيْنَ مَنْ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ لَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا تُرَدُّ) شَهَادَتُهُ لَهُ (لَمْ تُقْبَلْ) الشَّهَادَةُ (لِأَنَّهَا لَا تَتَبَعَّضُ فِي نَفْسِهَا وَمَنْ سَرَّهُ مُسَاءَةُ أَحَدٍ أَوْ غَمَّهُ فَرَحًا وَطَلَبَ لَهُ الشَّرَّ وَنَحْوَهُ فَهُوَ عَدُوُّهُ) لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَيْهِ لِلتُّهْمَةِ.
(السَّادِسُ مَنْ شَهِدَ عِنْدَ حَاكِمٍ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ بِتُهْمَةٍ لِرَحِمٍ أَوْ زَوْجِيَّةٍ أَوْ عَدَاوَةٍ أَوْ طَلَبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضَرَرٍ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ فَادَّعَاهَا لَمْ تُقْبَلْ كَمَا لَوْ رُدَّتْ لِفِسْقٍ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ التَّوْبَةِ) لِلتُّهْمَةِ فِي أَدَائِهَا لِكَوْنِهِ يُعَيَّرُ بِرَدِّهَا فَرُبَّمَا قَصَدَ بِأَدَائِهَا أَنْ يُقْبَلَ لِإِزَالَةِ الْعَارِ الَّذِي لَحِقَهُ بِرَدِّهَا وَلِأَنَّهَا رُدَّتْ بِاجْتِهَادٍ فَقَبُولُهَا نَقْضٌ لِذَلِكَ الِاجْتِهَادِ.
(تَنْبِيهٌ) يُتَصَوَّرُ زَوَالُ الرَّحِمِ فِي نَحْوِ مَا لَوْ شَهِدَ ابْنٌ لِأَبِيهِ الْغَائِبِ بِحَقٍّ ثُمَّ حَضَرَ وَلَاعَنَ عَلَى نَفْيِهِ بِشَرْطِهِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِي عَنْهُ بِاللِّعَانِ فَإِذَا أَعَادَ شَهَادَةً بَعْدُ لَمْ تُقْبَلْ لِمَا تَقَدَّمَ.
(وَلَوْ لَمْ يَشْهَدْ بِهَا الْفَاسِقُ عِنْدَ الْحَاكِمِ حَتَّى صَارَ عَدْلًا قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ قَالَ فِي الْمُبْدِعِ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ لِأَنَّ التُّهْمَةَ كَانَتْ مِنْ أَجْلِ الْعَارِ الَّذِي يَلْحَقُهُ فِي الرَّدِّ وَهُوَ مُنْتَفٍ هُنَا.
(وَإِنْ رُدَّتْ) الشَّهَادَةُ (لِكُفْرٍ أَوْ صِغَرٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ خَرَسٍ ثُمَّ أَعَادَهَا بَعْدَ زَوَالِ الْمَانِعِ قُبِلَتْ) شَهَادَتُهُ لِأَنَّ التُّهْمَةَ هُنَا مُنْتَفِيَةٌ لِأَنَّ رَدَّ الشَّهَادَةِ فِي تِلْكَ الْحَالَاتِ لَا غَضَاضَةَ فِيهِ وَلِأَنَّ الصِّبْيَانَ فِي زَمَنِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانُوا يَرْوُونَ بَعْدَ مَا كَبِرُوا كَابْنِ الزُّبَيْرِ وَالشَّهَادَةُ فِي مَعْنَى الرِّوَايَةِ.
وَإِنْ شَهِدَ الشَّاهِدُ (عِنْدَهُ) أَيْ الْحَاكِمِ ثُمَّ حَدَثَ مَانِعٌ مِنْ عَمًى أَوْ خَرَسٍ أَوْ صَمَمٍ أَوْ جُنُونٍ أَوْ مَوْتٍ مِنْ قَبُولِ شَهَادَتِهِ (لَمْ يُمْنَعْ الْحُكْمُ) لِأَنَّهُ مَعْنًى لَا يَقْتَضِي تُهْمَةً فِي حَالِ الشَّهَادَةِ فَلَمْ يُمْنَعْ قَبُولُهَا (إلَّا كُفْرٌ أَوْ فِسْقٌ أَوْ تُهْمَةٌ) فَيُمْنَعُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ ذَلِكَ عِنْدَ الشَّهَادَةِ وَانْتِفَاءِ ذَلِكَ حَالَ الشَّهَادَةِ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الْحُكْمِ فَوَجَبَ أَنْ يَمْنَعَهُ.
(فَأَمَّا عَدَاوَةٌ ابْتَدَأَهَا مَشْهُودٌ عَلَيْهِ كَقَذْفِهِ الْبَيِّنَةَ لَمَّا شَهِدَتْ عَلَيْهِ لَمْ تُرَدّ شَهَادَتُهَا بِذَلِكَ وَكَذَا مُقَاوَلَتُهُ) أَيْ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ لِلْبَيِّنَةِ (وَقْتَ غَضَبٍ وَمُحَاكَمَةٍ بِدُونِ عَدَاوَةٍ ظَاهِرَةٍ سَابِقَةٍ) فَإِنَّهَا لَا تَمْنَعُ الْحُكْمَ وَإِلَّا لَتَمَكَّنَ كُلُّ مَشْهُودٍ عَلَيْهِ مِنْ إبْطَالِ الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِابْتِدَاءِ عَدَاوَةِ الشَّاهِدِ فَوَجَبَ أَنْ لَا تُمْنَعَ لِذَلِكَ قَالَ فِي التَّرْغِيبِ مَا لَمْ يَصِلْ إلَى حَدِّ الْعَدَاوَةِ أَوْ الْفِسْقِ وَحُدُوثِ مَانِعٍ فِي شَاهِدٍ أَصْلِيٍّ كَحُدُوثِهِ فِيمَنْ أَقَامَ الشَّهَادَةَ.
(وَإِنْ حَدَثَ مَانِعٌ بَعْدَ الْحُكْمِ لَمْ يُسْتَوْفَ حَدٌّ وَلَوْ قَذْفًا) لِأَنَّ الْحُدُودَ تُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ (وَلَا قَوَدٌ) لِأَنَّهُ إتْلَافٌ لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ (بَلْ) يَسْتَوْفِي (مَالٌ) حُكِمَ بِهِ لِنُفُوذِ الْحُكْمِ ظَاهِرًا.
(وَإِنْ شَهِدَ) السَّيِّدُ (لِمُكَاتَبِهِ أَوْ) شَهِدَ الْوَارِثُ (لِمَوْرُوثِهِ بِجُرْحٍ قَبْلَ بُرْئِهِ فَرُدَّتْ) الشَّهَادَةُ (ثُمَّ أَعَادَهَا مَا بَعْدَ الْعِتْقِ وَالْبُرْءِ لَمْ تُقْبَلْ) الشَّهَادَةُ لِأَنَّهَا رُدَّتْ لِلتُّهْمَةِ أَشْبَهَتْ الْمَرْدُودَةَ لِفِسْقٍ وَلِأَنَّ رَدَّهَا كَانَ بِاجْتِهَادٍ فَلَا يَنْقَضِ بِاجْتِهَادٍ آخَرَ أَوْ رُدَّتْ شَهَادَتُهُ لِدَفْعِ ضَرَرٍ أَوْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ عَدَاوَةٍ ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ وَأَعَادَهَا.