فصل: باب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْفَجْرِ رَكْعَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أدرك من الفجر ركعة‏)‏ تقدم الكلام على الحكمة في حذف جواب الشرط من الترجمة في ‏"‏ باب من أدرك من العصر ركعة‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنْ الْأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحدثونه‏)‏ أي يحدثون زيد بن أسلم‏.‏

ورجال الإسناد كلهم مدنيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد أدرك الصبح‏)‏ الإدراك الوصول إلى الشيء، فظاهره أنه يكتفي بذلك، وليس ذلك مرادا بالإجماع، فقيل يحمل على أنه أدرك الوقت، فإذا صلى ركعة أخرى فقد كملت صلاته، وهذا قول الجمهور، وقد صرح بذلك في رواية الدراوردي عن زيد بن أسلم أخرجه البيهقي من وجهين ولفظه ‏"‏ من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس وركعة بعدما تطلع الشمس فقد أدرك الصلاة ‏"‏ وأصرح منه رواية أبي غسان محمد بن مطرف عن زيد بن أسلم عن عطاء - وهو ابن يسار - عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ من صلى ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس، ثم صلى ما بقي بعد غروب الشمس فلم يفته العصر‏"‏‏.‏

وقال مثل ذلك في الصبح، وقد تقدمت رواية المصنف في ‏"‏ باب من أدرك من العصر ركعة ‏"‏ من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة وقال فيها ‏"‏ فليتم صلاته‏"‏، وللنسائي من وجه آخر ‏"‏ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها، إلا أنه يقضي ما فاته‏"‏، وللبيهقي من وجه آخر ‏"‏ من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى‏"‏‏.‏

ويؤخذ من هذا الرد على الطحاوي حيث خص الإدراك باحتلام الصبي وطهر الحائض وإسلام الكافر ونحوها، وأراد بذلك نصرة مذهبه في أن من أدرك من الصبح ركعة تفسد صلاته لأنه لا يكملها إلا في وقت الكراهة، وهو مبني على أن الكراهة تتناول الفرض والنفل وهي خلافية مشهورة، قال الترمذي‏:‏ وبهذا يقول الشافعي وأحمد وإسحاق، وخالف أبو حنيفة فقال‏:‏ من طلعت عليه الشمس وهو في صلاة الصبح بطلت صلاته، واحتج لذلك بالأحاديث الواردة في النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس، وادعى بعضهم أن أحاديث النهي ناسخة لهذا الحديث، وهي دعوى تحتاج إلى دليل، فإنه لا يصار إلى النسخ بالاحتمال، والجمع بين الحديثين ممكن بأن تحمل أحاديث النهي على ما لا سبب له من النوافل، ولا شك أن التخصيص، أولى من ادعاء النسخ، ومفهوم الحديث أن من أدرك أقل من ركعة لا يكون مدركا للوقت، وللفقهاء في ذلك تفاصيل بين أصحاب الأعذار وغيرهم، وبين مدرك الجماعة ومدرك الوقت، وكذا مدرك الجمعة، ومقدار هذه الركعة قدر ما يكبر للإحرام ويقرأ أم القرآن ويركع ويرفع ويسجد سجدتين بشروط كل ذلك‏.‏

وقال الرافعي‏:‏ المعتبر فيها أخف ما يقل عليه أحد، وهذا في حق غير أصحاب الأعذار، أما أصحاب الأعذار - كمن أفاق من إغماء، أو طهرت من حيض أو غير ذلك - فإن بقي من الوقت هذا القدر كانت الصلاة في حقهم أداء‏.‏

وقد قال قوم‏:‏ يكون ما أدرك في الوقت أداء وبعده قضاء، وقيل يكون كذلك لكنه يلتحق بالأداء حكما، والمختار أن الكل أداء وذلك من فضل الله تعالى‏.‏

ونقل بعضهم الاتفاق على أنه لا يجوز لمن ليس له عذر تأخير الصلاة حتى لا يبقى منها إلا هذا القدر‏.‏

والله أعلم‏.‏

‏(‏لطيفة‏)‏ أورد المصنف في ‏"‏ باب من أدرك من العصر ‏"‏ طريق أبي سلمة عن أبي هريرة، وفي هذا الباب طريق عطاء بن يسار ومن معه عن أبي هريرة، لأنه قدم في طريق أبي سلمة ذكر العصر، وقدم في هذا ذكر الصبح فناسب أن يذكر في كل منهما ما قدم لما يشعر به التقديم من اهتمام‏.‏

والله الهادي للصواب‏.‏

*3*باب مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الصَّلَاةِ رَكْعَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أدرك من الصلاة ركعة‏)‏ هكذا ترجم، وساق الحديث بلفظ ‏"‏ من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ‏"‏ وقد رواه مسلم من رواية عبيد الله العمري عن الزهري، وأحال به على حديث مالك، وأخرجه البيهقي وغيره من الوجه الذي أخرجه منه مسلم ولفظه كلفظ ترجمة هذا الباب، قدم قوله ‏"‏ من الصلاة ‏"‏ على قوله ‏"‏ ركعة ‏"‏ وقد وضح لنا بالاستقراء أن جميع ما يقع في تراجم البخاري مما يترجم بلفظ الحديث لا يقع فيه شيء مغاير للفظ الحديث الذي يورده إلا وقد ورد من وجه آخر بذلك اللفظ المغاير، فلله دره ما أكثر اطلاعه‏.‏

والظاهر أن هذا أعم من حديث الباب الماضي قبل عشرة أبواب، ويحتمل أن تكون اللام عهدية فيتحدا، ويؤيده أن كلا منهما من رواية أبي سلمة عن أبي هريرة، وهذا مطلق وذاك مقيد فيحمل المطلق على المقيد‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ الفرق بينهما أن الأول فيمن أدرك من الوقت قدر ركعة، وهذا فيمن أدرك من الصلاة ركعة، كذا قال‏.‏

وقال بعد ذلك‏:‏ وفي الحديث أن من دخل في الصلاة فصلى ركعة وخرج الوقت كان مدركا لجميعها، وتكون كلها أداء، وهو الصحيح‏.‏

انتهى‏.‏

وهذا يدل على اتحاد الحديثين عنده لجعلهما متعلقين بالوقت، بخلاف مما قال أولا‏.‏

وقال التيمي‏:‏ معناه من أدرك مع الإمام ركعة فقد أدرك فضل الجماعة‏.‏

وقيل‏:‏ المراد بالصلاة الجمعة، وقيل غير ذلك‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏فقد أدرك الصلاة‏)‏ ليس على ظاهره بالإجماع، لما قدمناه من أنه لا يكون بالركعة الواحدة مدركا لجميع الصلاة بحيث تحصل براءة ذمته من الصلاة، فإذا فيه إضمار تقديره‏:‏ فقد أدرك وقت الصلاة، أو حكم الصلاة، أو نحو ذلك، ويلزمه إتمام بقيتها‏.‏

وقد تقدم بقية مباحثه في الباب الذي قبله‏.‏

ومفهوم التقييد بالركعة أن من أدرك دون الركعة لا يكون مدركا لها، وهو الذي استقر عليه الاتفاق، وكان فيه شذوذ قديم منها إدراك الإمام راكعا يجزئ ولو لم يدرك معه الركوع، وقيل يدرك الركعة ولو رفع الإمام رأسه ما لم يرفع بقية من ائتم به رءوسهم ولو بقي واحد، وعن الثوري وزفر‏:‏ إذا كبر قبل أن يرفع الإمام رأسه أدرك إن وضع يديه على ركبتيه قبل رفع الإمام، وقيل‏:‏ من أدرك تكبيرة الإحرام وتكبيرة الركوع أدرك الركعة، وعن أبي العالية‏:‏ إذا أدرك السجود أكمل بقية الركعة معهم ثم يقوم فيركع فقط وتجزيه‏.‏

*3*باب الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الصلاة بعد الفجر حتى ترتفع الشمس‏)‏ يعني ما حكمها‏؟‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم يثبت حكم النهي، لأن تعين المنهي عنه في هذا الباب مما كثر فيه الاختلاف، وخص الترجمة بالفجر من اشتمال الأحاديث على الفجر والعصر، لأن الصبح هي المذكورة أولا في سائر أحاديث الباب‏.‏

قلت‏:‏ أو لأن العصر ورد فيها كونه صلى الله عليه وسلم صلى بعدها، بخلاف الفجر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي نَاسٌ بِهَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو ابن أبي عبد الله الدستوائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي العالية‏)‏ هو الرياحي بالياء التحتانية واسمه رفيع بالتصغير، ووقع مصرحا به عند الإسماعيلي من رواية غندر عن شعبة، وأورد المصنف طريق يحيى وهو القطان عن شعبة عن قتادة سمعت أبا العالية‏.‏

والسر فيها التصريح بسماع قتادة له من أبي العالية وإن كانت طريق هشام أعلى منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شهد عندي‏)‏ أي أعلمني أو أخبرني، ولم يرد شهادة الحكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مرضيون‏)‏ أي لا شك في صدقهم ودينهم‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن همام ‏"‏ شهد عندي رجال مرضيون فيهم عمر ‏"‏ وله من رواية شعبة ‏"‏ حدثني رجال أحبهم إلى عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ناس بهذا‏)‏ أي بهذا الحديث بمعناه، فإن مسددا رواه ومن طريقه البيهقي ولفظه ‏"‏ حدثني ناس أعجبهم إلى عمر ‏"‏ وقال فيه ‏"‏ حتى تطلع الشمس ‏"‏ ووقع في الترمذي عنه ‏"‏ سمعت غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عمر، وكان من أحبهم إلي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعد الصبح‏)‏ أي بعد صلاة الصبح لأنه لا جائز أن يكون الحكم فيه معلقا بالوقت، إذ لا بد من أداء الصبح، فتعين التقدير المذكور‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا الحديث معمول به عند فقهاء الأمصار، وخالف بعض المتقدمين وبعض الظاهرية من بعض الوجوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تشرق‏)‏ بضم أوله من أشرق، يقال أشرقت الشمس ارتفعت وأضاءت، ويؤيده حديث أبي سعيد الآتي في الباب بعده بلفظ ‏"‏ حتى ترتفع الشمس ‏"‏ ويروى بفتح أوله وضم ثالثه بوزن تغرب يقال شرقت الشمس أي طلعت، ويؤيده رواية البيهقي من طريق أخرى عن ابن عمر شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ حتى تشرق الشمس أو تطلع ‏"‏ على الشك، وقد ذكرنا أن في رواية مسدد ‏"‏ حتى تطلع الشمس ‏"‏ بغير شك، وكذا هو في حديث أبي هريرة الآتي آخر الباب بلفظ ‏"‏ حتى تطلع الشمس ‏"‏ بالجزم، ويجمع بين الحديثين بأن المراد بالطلوع طلوع مخصوص، أي حتى تطلع مرتفعة‏.‏

قال النووي‏:‏ أجمعت الأمة على كراهة صلاة لا سبب لها في الأوقات المنهي عنها، واتفقوا على جواز الفرائض المؤداة فيها، واختلفوا في النوافل التي لها سبب كصلاة تحية المسجد وسجود التلاوة والشكر وصلاة العيد والكسوف وصلاة الجنازة وقضاء الفائتة، فذهب الشافعي وطائفة إلى جواز ذلك كله بلا كراهة، وذهب أبو حنيفة وآخرون إلى أن ذلك داخل في عموم النهي، واحتج الشافعي بأنه صلى الله عليه وسلم قضى سنة الظهر بعد العصر، وهو صريح في قضاء السنة الفائتة فالحاضرة أولى والفريضة المقضية أولى، ويلتحق ما له سبب‏.‏

قلت‏:‏ وما نقله من الإجماع والاتفاق متعقب، فقد حكى غيره عن طائفة من السلف الإباحة مطلقا وأن أحاديث النهي منسوخة، وبه قال داود وغيره من أهل الظاهر، وبذلك جزم ابن حزم، وعن طائفة أخرى المنع مطلقا في جميع الصلوات، وصح عن أبي بكرة وكعب بن عجرة المنع من صلاة الفرض في هذه الأوقات، وحكى آخرون الإجماع على جواز صلاة الجنازة في الأوقات المكروهة، وهو متعقب بما سيأتي في بابه، وما ادعاه ابن حزم وغيره من النسخ مستندا إلى حديث ‏"‏ من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فليصل إليها أخرى ‏"‏ فدل على إباحة الصلاة في الأوقات المنهية‏.‏

انتهى‏.‏

وقال غيرهم‏:‏ ادعاء التخصيص أولى من ادعاء النسخ فيحمل النهي على ما لا سبب له، ويخص منه ما له سبب صلى الله عليه وسلم جمعا بين الأدلة، والله أعلم‏.‏

وقال البيضاوي‏:‏ اختلفوا في جواز الصلاة بعد الصبح والعصر وعند الطلوع والغروب وعند الاستواء، فذهب داود إلى الجواز مطلقا وكأنه حمل النهي على التنزيه‏.‏

قلت‏:‏ بل المحكي عنه أنه ادعى النسخ كما تقدم، قال‏:‏ وقال الشافعي تجوز الفرائض وما له سبب من النوافل‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ يحرم الجميع سوى عصر يومه، وتحرم المنذورة أيضا‏.‏

وقال مالك‏:‏ تحرم النوافل دون الفرائض، ووافقه أحمد، لكنه استثنى ركعتي الطواف‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يقع لنا تسمية الرجال المرضيين الذين حدثوا ابن عباس بهذا الحديث، وبلغني أن بعض من تكلم على العمدة تجاسر وزعم أنهم المذكورون فيها عند قول مصنفها‏:‏ وفي الباب عن فلان وفلان‏.‏

ولقد أخطأ هذا المتجاسر خطأ بينا فلا حول ولا قوة إلا بالله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَحَرَّوْا بِصَلَاتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا وَقَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلَاةَ حَتَّى تَغِيبَ تَابَعَهُ عَبْدَةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هشام‏)‏ هو ابن عروة بن الزبير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تحروا‏)‏ أصله لا تتحروا، فحذفت إحدى التاءين، والمعنى لا تقصدوا‏.‏

واختلف أهل العلم في المراد بذلك، فمنهم من جعله تفسيرا للحديث السابق ومبينا للمراد به فقال‏:‏ لا تكره الصلاة بعد الصبح ولا بعد العصر إلا لمن قصد بصلاته طلوع الشمس وغروبها، وإلى ذلك جنح بعض أهل الظاهر وقواه ابن المنذر واحتج له‏.‏

وقد روى مسلم من طريق طاوس عن عائشة قالت‏:‏ وهم عمر، إنما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتحرى طلوع الشمس وغروبها‏.‏

انتهى‏.‏

وسيأتي من قول ابن عمر أيضا ما يدل على ذلك قريبا بعد بابين، وربما قوى ذلك بعضهم بحديث ‏"‏ من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فليضف إليها الأخرى ‏"‏ فأمر بالصلاة حينئذ، فدل على أن الكراهة مختصة بمن قصد الصلاة في ذلك الوقت لا من وقع له ذلك اتفاقا، وسيأتي لهذا مزيد بيان في آخر الباب الذي بعده، ومنهم من جعله نهيا مستقلا، وكره الصلاة في تلك الأوقات سواء قصد لها أم لم يقصد، وهو قول الأكثر‏.‏

قال البيهقي‏:‏ إنما قالت ذلك عائشة لأنها رأت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بعد العصر، فحملت نهيه على من قصد ذلك لا على الإطلاق، وقد أجيب عن هذا بأنه صلى الله عليه وسلم إنما صلى حينئذ قضاء كما سيأتي، وأما النهي فهو ثابت من طريق جماعة من الصحابة غير عمر رضي الله عنه، فلا اختصاص له بالوهم والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال‏:‏ حدثني ابن عمر‏)‏ هو مقول عروة أيضا، وهو حديث آخر، وقد أفرده الإسماعيلي وذكر أنه وقع له الحديثان معا من رواية على بن مسهر وعيسى بن يونس ومحمد بن بشر ووكيع ومالك ابن سعير ومحاضر كلهم عن هشام، وأنه وقع له الحديث الثاني فقط من رواية عبد الله بن نمير عن هشام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى ترتفع‏)‏ جعل ارتفاعها غاية النهي، وهو يقوى رواية من روى الحديث الماضي بلفظ ‏"‏ حتى تشرق ‏"‏ من الإشراق وهو الارتفاع كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عبدة‏)‏ يعني ابن سليمان، والضمير يعود على يحيى بن سعيد وهو القطان، يعني تابع يحيى القطان على روايته لهذا الحديث عن هشام، ورواية عبدة هذه موصولة عند المصنف في بدء الخلق، وفيه الحديثان معا وقال فيه ‏"‏ حتى تبرز ‏"‏ بدل ترتفع‏.‏

وقال فيه ‏"‏ لا تحينوا، بالياء التحتانية والنون وزاد فيه ‏"‏ فإنها تطلع بين قرني شيطان ‏"‏ وفيه إشارة إلى علة النهي عن الصلاة في الوقتين المذكورين، وزاد مسلم من حديث عمرو بن عبسة ‏"‏ وحينئذ يسجد لها الكفار ‏"‏ فالنهي حينئذ لترك مشابهة الكفار، وقد اعتبر ذلك الشرع في أشياء كثيرة وفي هذا تعقب على أبي محمد البغوي حيث قال‏:‏ إن النهي عن ذلك لا يدرك معناه، وجعله من قبيل التعبد الذي يجب الإيمان به، وسيأتي الكلام على المراد بقوله ‏"‏ بين قرني الشيطان ‏"‏ في أوائل بدء الخلق إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حاجب الشمس‏)‏ أي طرف قرصها، قال الجوهري‏:‏ حواجب الشمس نواحيها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ وَعَنْ صَلَاتَيْنِ نَهَى عَنْ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وَعَنْ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وَعَنْ الِاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ وَعَنْ الْمُنَابَذَةِ وَالْمُلَامَسَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله‏)‏ هو ابن عمر العمري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حفص بن عاصم‏)‏ أي ابن عمر بن الخطاب، وهو جد عبيد الله بن عمر المذكور في هذا الإسناد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعن صلاتين‏)‏ محصل ما في الباب أربعة أحاديث‏:‏ الأول والأخير يتعلقان بالفعل، والثاني والثالث يتعلقان بالوقت، وقد تقدم نقل اختلاف العلماء في ذلك‏.‏

وسيأتي الكلام على البيعتين في كتاب البيع، وعلى اللبستين في كتاب اللباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعد الفجر‏)‏ أي بعد صلاة الفجر كما تقدم‏.‏

*3*باب لَا تُتَحَرَّى الصَّلَاةُ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لا تتحرى‏)‏ بضم المثناة الفوقانية، والصلاة بالرفع لأنها في مقام الفاعل، أو بفتح المثناة التحتانية، والصلاة بالنصب والفاعل محذوف أي المصلي، وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر في الباب الذي قبله، ولا تنافي بين قوله في الترجمة ‏"‏ قبل الغروب ‏"‏ وبين قوله في الحديث ‏"‏ عند الغروب ‏"‏ لما نذكره قريبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُرُوبِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا يتحرى‏)‏ كذا وقع بلفظ الخبر، قال السهيلي‏:‏ يجوز الخبر عن مستقر أمر الشرع، أي لا يكون إلا هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيصلي‏)‏ بالنصب، والمراد نفي التحري والصلاة معا، ويجوز الرفع أي لا يتحرى أحدكم الصلاة في وقت كذا فهو يصلي فيه‏.‏

وقال ابن خروف‏:‏ يجوز في ‏"‏ فيصلي ‏"‏ ثلاثة أوجه‏:‏ الجزم على العطف أي لا يتحرى ولا يصلي، والرفع على القطع أي لا يتحرى فهو يصلي، والنصب على جواب النهي والمعنى لا يتحرى مصليا‏.‏

وقال الطيبي‏:‏ قوله لا يتحرى نفي بمعنى النهي، ويصلي بالنصب لأنه جوابه، كأنه قيل‏:‏ لا يتحرى، فقيل‏:‏ لم‏؟‏ فأجيب‏:‏ خيفة أن يصلي‏.‏

ويحتمل أن يقدر غير ذلك‏.‏

وقد وقع في رواية القعنبي في الموطأ ‏"‏ لا يتحرى أحدكم أن يصلي ‏"‏ ومعناه لا يتحرى الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا صَلَاةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ وَلَا صَلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن صالح‏)‏ هو ابن كيسان ولم يخرج البخاري لصالح بن أبي الأخضر شيئا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا صلاة‏)‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ وصيغة النفي في ألفاظ الشارع إذا دخلت على فعل كان الأولى حملها على نفي الفعل الشرعي لا الحسي، لأنا لو حملناه على نفي الفعل الحسي لاحتجنا في تصحيحه إلى إضمار، والأصل عدمه‏.‏

وإذا حملناه على الشرعي لم نحتج إلى إضمار، فهذا وجه الأولوية‏.‏

وعلى هذا فهو نفي بمعنى النهي، والتقدير لا تصلوا‏.‏

وحكى أبو الفتح اليعمري عن جماعة من السلف أنهم قالوا‏:‏ إن النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر إنما هو إعلام بأنهما لا يتطوع بعدهما، ولم يقصد الوقت بالنهي كما قصد به وقت الطلوع ووقت الغروب، ويؤيد ذلك ما رواه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ لا تصلوا بعد الصبح ولا بعد العصر، إلا أن تكون الشمس نقية ‏"‏ وفي رواية ‏"‏ مرتفعة‏"‏، فدل على أن المراد بالبعدية ليس على عمومه، وإنما المراد وقت الطلوع ووقت الغروب ما قاربهما والله أعلم‏.‏

ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الصلاة المنهية غير صحيحة، فلازمه أن لا يقصد لها المكلف، إذ العاقل لا يشتغل بما لا فائدة فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا صلاة بعد الصبح‏)‏ أي بعد صلاة الصبح، وصرح به مسلم من هذا الوجه في الموضعين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلَاةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن أبان‏)‏ هو البلخي، وقيل الواسطي، ولكل من القولين مرجح وكلاهما ثقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن معاوية‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق معاذ وغيره عن شعبة ‏"‏ خطبنا معاوية ‏"‏ واتفق أصحاب شعبة على أنه من رواية أبي التياح عن حمران، وخالفهم عن بن عمر وأبو داود الطيالسي فقالا ‏"‏ عن أبي التياح عن معبد الجهني عن معاوية ‏"‏ والطريق التي أختارها البخاري أرجح، ويجوز أن يكون لأبي التياح فيه شيخان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصليهما‏)‏ أي الركعتين، وللحموي ‏"‏ يصليها ‏"‏ أي الصلاة‏.‏

وكذا وقع الخلاف بين الرواة في قوله عنها أو عنهما، وكلام معاوية مشعر بأن من خاطبهم كانوا يصلون بعد العصر ركعتين على سبيل التطوع الراتب لها كما يصلي بعد الظهر، وما نفاه من رؤية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لهما قد أثبته غيره، والمثبت مقدم على النافي‏.‏

وسيأتي في الباب الذي بعده قول عائشة ‏"‏ كان لا يصليهما في المسجد ‏"‏ لكن ليس في رواية الإثبات معارضة للأحاديث الواردة في النهي، لأن رواية الإثبات لها سبب كما سيأتي في الباب الذي بعده، فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه، والنهي فيه محمول على ما لا سبب له‏.‏

وأما من يرى عموم النهي ولا يخصه بما له سبب فيحمل إنكار معاوية على من يتطوع ويحمل الفعل على الخصوصية، ولا يخفى رجحان الأول، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَلَاتَيْنِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدة‏)‏ هو ابن سليمان، وبقية الإسناد والمتن تقدم بأتم سياق في الباب الذي قبله‏.‏

*3*باب مَنْ لَمْ يَكْرَهْ الصَّلَاةَ إِلَّا بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ

رَوَاهُ عُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو سَعِيدٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من لم يكره الصلاة إلا بعد العصر والفجر‏)‏ قيل‏:‏ آثر البخاري الترجمة بذكر المذاهب على ذكر الحكم للبراءة من عهدة بت القول في موضع كثر فيه الاختلاف، ومحصل ما ورد من الأخبار في تعيين الأوقات التي تكره فيها الصلاة أنها خمسة‏:‏ عند طلوع الشمس‏.‏

وعند غروبها، وبعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر، وعند الاستواء‏.‏

وترجع بالتحقيق إلى ثلاثة‏:‏ من بعد صلاة الصبح إلى أن ترتفع الشمس، فيدخل فيه الصلاة عند طلوع الشمس، وكذا من صلاة العصر إلى أن تغرب الشمس، ولا يعكر على ذلك أن من لم يصل الصبح مثلا حتى بزغت الشمس يكره له التنفل حينئذ لأن الكلام إنما هو جار على الغالب المعتاد، وأما هذه الصورة النادرة فليست مقصودة‏.‏

وفي الجملة عدها أربعة أجود، وبقي خامس وهو الصلاة وقت استواء الشمس وكأنه لم يصح عند المؤلف على شرطه فترجم على نفيه، وفيه أربعة أحاديث‏:‏ حديث عقبة بن عامر وهو عند مسلم ولفظه ‏"‏ وحين يقوم قائم الظهيرة حتى ترتفع‏"‏، وحديث عمرو بن عبسة وهو عند مسلم أيضا ولفظه ‏"‏ حتى يستقل الظل بالرمح، فإذا أقبل الفيء فصل ‏"‏ وفي لفظ لأبي داود ‏"‏ حتى يعدل الرمح ظله‏"‏، وحديث أبي هريرة وهو عند ابن ماجه والبيهقي ولفظه ‏"‏ حتى تستوي الشمس على رأسك كالرمح، فإذا زالت فصل‏"‏، وحديث الصنابحي وهو في الموطأ ولفظه ‏"‏ ثم إذا استوت قارنها، فإذا زالت فارقها ‏"‏ وفي آخره ‏"‏ ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الصلاة في تلك الساعات ‏"‏ وهو حديث مرسل مع قوة رجاله‏.‏

وفي الباب أحاديث أخر ضعيفة، وبقضية هذه الزيادة قال عمر بن الخطاب فنهى عن الصلاة نصف النهار‏.‏

وعن ابن مسعود قال ‏"‏ كنا ننهى عن ذلك ‏"‏ وعن أبي سعيد المقبري قال ‏"‏ أدركت الناس وهم يتقون ذلك ‏"‏ وهو مذهب الأئمة الثلاثة والجمهور، وخالف مالك فقال‏:‏ ما أدركت أهل الفضل إلا وهم يجتهدون ويصلون نصف النهار‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ وقد روى مالك حديث الصنابحي، فإما أنه لم يصح عنده وإما أنه رده بالعمل الذي ذكره‏.‏

انتهى‏.‏

وقد استثنى الشافعي ومن وافقه من ذلك يوم الجمعة، وحجتهم أنه صلى الله عليه وسلم ندب الناس إلى التبكير يوم الجمعة ورغب في الصلاة إلى خروج الإمام كما سيأتي في بابه، وجعل الغاية خروج الإمام، وهو لا يخرج إلا بعد الزوال، فدل على عدم الكراهة‏.‏

وجاء فيه حديث عن أبي قتادة مرفوعا ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كره الصلاة نصف النهار إلا يوم الجمعة ‏"‏ في إسناده انقطاع‏.‏

وقد ذكر له البيهقي شواهد ضعيفة إذا ضمت قوى الخبر‏.‏

والله أعلم‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ فرق بعضهم بين حكمة النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح والعصر، وعن الصلاة عند طلوع الشمس وعند غروبها فقال‏:‏ يكره في الحالتين الأوليين، ويحرم في الحالتين الآخريين‏.‏

وممن قال بذلك محمد بن سيرين ومحمد بن جرير الطبري واحتج بما يثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى بعد العصر، فدل على أنه لا يحرم، وكأنه يحمل فعله على بيان الجواز‏.‏

وسيأتي ما فيه في الباب الذي بعده‏.‏

وروى عن ابن عمر تحريم الصلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس، وإباحتها بعد العصر حتى تصفر، وبه قال ابن حزم واحتج بحديث على أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بعد العصر إلا والشمس مرتفعة، ورواه أبو داود بإسناد صحيح قوي، والمشهور إطلاق الكراهة في الجميع فقيل‏:‏ هي كراهة تحريم وقيل كراهة تنزيه، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه عمر الخ‏)‏ يريد أن أحاديث هؤلاء الأربعة وهي التي تقدم إيرادها في البابين السابقين لبس فيها تعرض للاستواء، لكن لمن قال به أن يقول‏:‏ إنه زيادة من حافظ ثقة فيجب قبولها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ أُصَلِّي كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يُصَلُّونَ لَا أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ مَا شَاءَ غَيْرَ أَنْ لَا تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلَا غُرُوبَهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حماد‏)‏ هو ابن زيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أصلي‏)‏ زاد الإسماعيلي في أوله من وجهين عن حماد بن زيد ‏"‏ كان لا يصلي من أول النهار حتى تزول الشمس ويقول أصلي الخ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن لا تحروا‏)‏ أصله تتحروا أي تقصدوا، وزاد عبد الرزاق في آخر هذا الحديث عن ابن جريج عن نافع ‏"‏ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وقال‏:‏ إنه يطلع قرن الشيطان مع طلوع الشمس‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قال بعض العلماء‏:‏ المراد بحصر الكراهة في الأوقات الخمسة إنما هو بالنسبة إلى الأوقات الأصلية وإلا فقد ذكروا أنه يكره التنفل وقت إقامة الصلاة، ووقت صعود الإمام لخطبة الجمعة، وفي حالة الصلاة المكتوبة جماعة لمن لم يصلها‏.‏

وعند المالكية كراهة التنفل بعد الجمعة حتى ينصرف الناس، وعند الحنفية كراهة التنفل قبل صلاة المغرب، وسيأتي ثبوت الأمر به في هذا الجامع الصحيح‏.‏

*3*باب مَا يُصَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ الْفَوَائِتِ وَنَحْوِهَا

قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنْ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يصلي بعد العصر من الفوائت ونحوها‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ ظاهر الترجمة إخراج النافلة المحضة التي لا سبب لها‏.‏

وقال أيضا‏:‏ إن السر في قوله ‏"‏ ونحوها ‏"‏ ليدخل فيه رواتب النوافل وغيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال كريب‏)‏ يعني مولى ابن عباس ‏(‏عن أم سلمة الخ‏)‏ وهو طرف من حديث أورده المؤلف مطولا في ‏"‏ باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده ‏"‏ قبيل كتاب الجنائز وقال في آخره ‏"‏ أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان‏"‏‏.‏

قوله في حديث عائشة ‏(‏والذي ذهب به ما تركهما حتى لقي الله‏)‏ وقولها في الرواية الأخرى‏:‏ ‏(‏ما ترك السجدتين بعد العصر عندي قط‏)‏ وفي الرواية الأخرى ‏(‏لم يكن يدعهما سرا ولا علانية‏)‏ وفي الرواية الأخيرة ‏(‏ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين‏)‏ تمسك بهذه الروايات من أجاز التنفل بعد العصر مطلقا ما لم يقصد الصلاة عند غروب الشمس، وقد تقدم نقل المذاهب في ذلك، وأجاب عنه من أطلق الكراهة بأن فعله هذا يدل على جواز استدراك ما فات من الرواتب من غير كراهة، وأما مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك فهو من خصائصه، والدليل عليه رواية ذكوان مولى عائشة أنها حدثته أنه صلى الله عليه وسلم ‏"‏ كان يصلي بعد العصر وينهي عنها، ويواصل وينهي عن الوصال ‏"‏ رواه أبو داود، ورواية أبي سلمة عن عائشة في نحو هذه القصة وفي آخره ‏"‏ وكان إذا صلى صلاة أثبتها ‏"‏ رواه مسلم، قال البيهقي‏:‏ الذي اختص به صلى الله عليه وسلم المداومة على ذلك لا أصل القضاء، وأما ما روى عن ذكوان عن أم سلمة في هذه القصة أنها قالت ‏"‏ فقلت يا رسول الله أنقضيهما إذا فاتتا‏؟‏ فقال لا‏"‏‏.‏

فهي رواية ضعيفة لا تقوم بها حجة صلى الله عليه وسلم‏.‏

قلت‏:‏ أخرجها الطحاوي واحتج بها على أن ذلك كان من خصائصه صلى الله عليه وسلم وفيه ما فيه‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ روى الترمذي من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ إنما صلى النبي صلى الله عليه وسلم الركعتين بعد العصر لأنه أتاه مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر، فصلاهما بعد العصر، ثم لم يعد ‏"‏ قال الترمذي حديث حسن‏.‏

قلت‏:‏ وهو من رواية جرير عن عطاء، وقد سمع منه بعد اختلاطه، وإن صح فهو شاهد لحديث أم سلمة، لكن ظاهر قوله ‏"‏ ثم لم يعد ‏"‏ معارض لحديث عائشة المذكور في هذا الباب، فيحمل النفي على علم الراوي فإنه لم يطلع على ذلك، والمثبت مقدم على النافي‏.‏

وكذا ما رواه النسائي من طريق أبي سلمة عن أم سلمة ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في بيتها بعد العصر ركعتين مرة واحدة ‏"‏ الحديث‏.‏

وفي رواية له عنها ‏"‏ لم أره يصليهما قبل ولا بعد ‏"‏ فيجمع بين الحديثين بأنه صلى الله عليه وسلم لم يكن يصليهما إلا في بيته، فلذلك لم يره ابن عباس ولا أم سلمة، ويشير إلى ذلك قول عائشة في رواية الأولى ‏"‏ وكان لا يصليهما في المسجد مخافة أن يثقل على أمته‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ قَالَتْ وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ وَمَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ عَنْ الصَّلَاةِ وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلَاتِهِ قَاعِدًا تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا وَلَا يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفِّفُ عَنْهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنه سمع عائشة قالت‏:‏ والذي ذهب به‏)‏ في رواية البيهقي من طريق إسحاق بن الحسن، والإسماعيلي من طريق أبي زرعة كلاهما عن أبي نعيم شيخ البخاري فيه أنه دخل عليها فسألها عن ركعتين بعد العصر فقالت ‏"‏ والذي ذهب بنفسه ‏"‏ تعني رسول الله صلى الله عليه وسلم، وزاد فيه أيضا ‏"‏ فقال لها أيمن‏:‏ إن عمر كان ينهي عنهما ويضرب عليهما ‏"‏ فقالت ‏"‏ صدقت، ولكن كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليهما ‏"‏ فذكره‏.‏

والخبر بذلك عن عمر أيضا ثابت في رواية كريب عن أم سلمة التي ذكرناها في ‏"‏ باب إذا كلم وهو يصلي ففي أول الخبر عن كريب أن ابن عباس والمسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن أزهر أرسلوه إلى عائشة فقالوا‏:‏ اقرأ عليها السلام منا جميعا وسلها عن الركعتين بعد صلاة العصر وقل لها إنا أخبرنا أنك تصلينهما، وقد بلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنهما‏.‏

وقال ابن عباس‏:‏ وقد كنت أضرب الناس مع عمر عليهما، الحديث‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ روى عبد الرزاق من حديث زيد بن خالد سبب ضرب عمر الناس على ذلك فقال عن زيد ابن خالد‏:‏ إن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه، فذكر الحديث وفيه ‏"‏ فقال عمر‏:‏ يا زيد لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سلما إلى الصلاة حتى الليل لم أضرب فيهما ‏"‏ فلعل عمر كان يرى أن النهي عن الصلاة بعد العصر إنما هو خشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس، وهذا يوافق قول ابن عمر الماضي وما نقلناه عن ابن المنذر وغيره، وقد روى يحيى بن بكير عن الليث عن أبي الأسود عن عروة عن تميم الداري نحو رواية زيد بن خالد وجواب عمر له وفيه ‏"‏ ولكني أخاف أن يأتي بعدكم قوم يصلون ما بين العصر إلى المغرب حتى يمروا بالساعة التي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يصلي فيها ‏"‏ وهذا أيضا يدل لما قلناه‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما خفف عنهم‏)‏ في رواية المستملي ‏"‏ ما يخفف عنهم ‏"‏ وسيأتي الكلام على ذلك في أعلام النبوة إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَتْ عَائِشَةُ ابْنَ أُخْتِي مَا تَرَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو ابن عروة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ابن أختي‏)‏ بالنصب على النداء وحرف النداء محذوف وأثبته الإسماعيلي في روايته‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلَا عَلَانِيَةً رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد، والشيباني هو أبو إسحاق، وأبو إسحاق المذكور في الإسناد الذي بعده هو السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدعهما‏)‏ زاد النسائي ‏"‏ في بيتي‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ فهمت عائشة رضي الله عنها من مواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس مختص بمن قصد الصلاة عن غروب الشمس لا إطلاقه، فلهذا قالت ما تقدم نقله عنها، وكانت تتنفل بعد العصر‏.‏

وقد أخرجه المصنف في الحج من طريق عبد العزيز بن رفيع قال‏:‏ رأيت ابن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيها إلا صلاهما‏.‏

وكأن ابن الزبير فهم من ذلك ما فهمته خالته عائشة‏.‏

والله أعلم‏.‏

وقد روى النسائي أن معاوية سأل ابن الزبير عن ذلك فرد الحديث إلى أم سلمة، فذكرت أم سلمة قصة الركعتين حيث شغل عنهما فرجع الأمر إلى ما تقدم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ قول عائشة ‏"‏ ما تركهما حتى لقي الله عز وجل ‏"‏ وقولها ‏"‏ لم يكن يدعهما ‏"‏ وقولها ‏"‏ ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين ‏"‏ مرادها من الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ولم ترد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت الصلوات مثلا إلى آخر عمره، بل في حديث أم سلمة ما يدل على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ رَأَيْتُ الْأَسْوَدَ وَمَسْرُوقًا شَهِدَا عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ مَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الواحد‏)‏ هو ابن زياد، والشيباني هو أبو إسحاق، وأبو إسحاق المذكور في الإسناد الذي بعده هو السبيعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدعهما‏)‏ زاد النسائي ‏"‏ في بيتي‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ فهمت عائشة رضي الله عنها من مواظبته صلى الله عليه وسلم على الركعتين بعد العصر أن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس مختص بمن قصد الصلاة عن غروب الشمس لا إطلاقه، فلهذا قالت ما تقدم نقله عنها، وكانت تتنفل بعد العصر‏.‏

وقد أخرجه المصنف في الحج من طريق عبد العزيز بن رفيع قال‏:‏ رأيت ابن الزبير يصلي ركعتين بعد العصر ويخبر أن عائشة حدثته أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يدخل بيها إلا صلاهما‏.‏

وكأن ابن الزبير فهم من ذلك ما فهمته خالته عائشة‏.‏

والله أعلم‏.‏

وقد روى النسائي أن معاوية سأل ابن الزبير عن ذلك فرد الحديث إلى أم سلمة، فذكرت أم سلمة قصة الركعتين حيث شغل عنهما فرجع الأمر إلى ما تقدم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ قول عائشة ‏"‏ ما تركهما حتى لقي الله عز وجل ‏"‏ وقولها ‏"‏ لم يكن يدعهما ‏"‏ وقولها ‏"‏ ما كان يأتيني في يوم بعد العصر إلا صلى ركعتين ‏"‏ مرادها من الوقت الذي شغل عن الركعتين بعد الظهر فصلاهما بعد العصر، ولم ترد أنه كان يصلي بعد العصر ركعتين من أول ما فرضت الصلوات مثلا إلى آخر عمره، بل في حديث أم سلمة ما يدل على أنه لم يكن يفعلهما قبل الوقت الذي ذكرت أنه قضاهما فيه‏.‏

*3*باب التَّبْكِيرِ بِالصَّلَاةِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التبكير بالصلاة في يوم غيم‏)‏ أورد فيه حديث بريدة الذي تقدم في أوقات العصر في ‏"‏ باب من ترك العصر ‏"‏ قال الإسماعيلي‏:‏ جعل البخاري الترجمة لقول بريدة لا للحديث، وكان حق هذه الترجمة أن يورد فيها الحديث المطابق لها، ثم أورده من طريق الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير بلفظ ‏"‏ بكروا بالصلاة في يوم الغيم، فإن من ترك صلاة العصر حبط عمله‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ من عادة البخاري أن يترجم ببعض ما تشتمل عليه ألفاظ الحديث ولو لم يوردها بل ولو لم يكن على شرطه، فلا إيراد عليه‏.‏

وروينا في سنن سعيد بن منصور عن عبد العزيز بن رفيع قال‏:‏ بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ عجلوا صلاة العصر في قوم الغيم ‏"‏ إسناده قوي مع إرساله، وقد تقدم الكلام على المتن في ‏"‏ باب من ترك العصر‏"‏‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ المراد بالتبكير المبادرة إلى الصلاة في أول الوقت، وأصل التبكير فعل الشيء بكرة والبكرة أول النهار، ثم استعمل في فعل الشيء في أول وقته‏.‏

وقيل المراد تعجيل العصر وجمعها مع الظهر، وروى ذلك عن عمر قال ‏"‏ إذا كان يوم غيم فأخروا الظهر وعجلوا العصر‏"‏‏.‏

*3*باب الْأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الأذان بعد ذهاب الوقت‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ ذهاب ‏"‏ من رواية المستملي، قال ابن المنير‏:‏ إنما صرح المؤلف بالحكم على خلاف عادته في المختلف فيه لقوة الاستدلال من الخبر على الحكم المذكور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنْ الصَّلَاةِ قَالَ بِلَالٌ أَنَا أُوقِظُكُمْ فَاضْطَجَعُوا وَأَسْنَدَ بِلَالٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَقَالَ يَا بِلَالُ أَيْنَ مَا قُلْتَ قَالَ مَا أُلْقِيَتْ عَلَيَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ يَا بِلَالُ قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلَاةِ فَتَوَضَّأَ فَلَمَّا ارْتَفَعَتْ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حصين‏)‏ هو ابن عبد الرحمن الواسطي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة‏)‏ كان ذلك في رجوعه من خيبر، كذا جزم به بعض الشراح معتمدا على ما وقع عند مسلم من حديث أبي هريرة، وفيه نظر، لما بينته في ‏"‏ باب الصعيد الطيب ‏"‏ من كتاب التيمم‏.‏

ولأبي نعيم في المستخرج من هذا الوجه في أوله ‏"‏ كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يسير بنا ‏"‏ وزاد مسلم من طريق عبد الله بن رباح عن أبي قتادة في أول الحديث قصة له في مسيره مع النبي صلى الله عليه وسلم وأنه صلى الله عليه وسلم نعس حتى مال عن راحلته، وأن أبا قتادة دعمه ثلاث مرات، وأنه في الأخيرة مال عن الطريق فنزل في سبعة أنفس فوضع رأسه ثم قال ‏"‏ احفظوا علينا صلاتنا ‏"‏ ولم يذكر ما وقع عند البخاري من قول بعض القوم ‏"‏ لو عرست بنا ‏"‏ ولا قول بلال ‏"‏ أنا أوقظكم ‏"‏ ولم أقف على تسمية هذا السائل‏.‏

والتعريس نزول المسافر لغير إقامة، وأصله نزول آخر الليل‏.‏

وجواب ‏"‏ لو ‏"‏ محذوف تقديره‏:‏ لكان أسهل علينا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنا أوقظكم‏)‏ زاد مسلم في رواية ‏"‏ فمن يوقظنا‏؟‏ قال بلال‏:‏ أنا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فغلبته عيناه‏)‏ في رواية السرخسي ‏"‏ فغلبت ‏"‏ بغير ضمير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاستيقظ النبي صلى الله عليه وسلم وقد طلع حاجب الشمس‏)‏ في رواية مسلم ‏"‏ فكان أول من استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم والشمس في ظهره‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا بلال أين ما قلت‏؟‏‏)‏ أي أين الوفاء بقولك أنا أوقظكم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثلها‏)‏ أي مثل النومة التي وقعت له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن الله قبض أرواحكم‏)‏ هو كقوله تعالى ‏(‏الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها‏)‏ ولا يلزم من قبض الروح الموت، فالموت انقطاع تعلق الروح بالبدن ظاهرا وباطنا، والنوم انقطاعه عن ظاهره فقط‏.‏

زاد مسلم ‏"‏ أما أنه ليس في النوم تفريط ‏"‏ الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين شاء‏)‏ حين في الموضعين ليس لوقت واحد، فإن نوم القوم لا يتفق غالبا في وقت واحد بل يتتابعون، فيكون حين الأولى خبرا عن أحيان متعددة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قم فأذن بالناس بالصلاة‏)‏ كذا هو بتشديد ذال أذن وبالموحدة فيهما، وللكشميهني فآذن بالمد وحذف الموحدة من ‏"‏ بالناس‏"‏‏.‏

وآذن معناه أعلم وسيأتي ما فيه بعد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتوضأ‏)‏ زاد أبو نعيم في المستخرج ‏"‏فتوضأ الناس، فلما ارتفعت‏"‏، في رواية المصنف في التوحيد من طريق هشيم عن حصين ‏"‏فقضوا حوائجهم فتوضوا إلى أن طلعت الشمس‏"‏ وهو أبين سياقا، ونحوه لأبي داود من طريق خالد عن حصين، ويستفاد منه أن تأخيره الصلاة إلى أن طلعت الشمس وارتفعت كان بسبب الشغل بقضاء حوائجهم، لا لخروج وقت الكراهة‏.‏

قول ‏(‏وابياضت‏)‏ وزنه إفعال بتشديد اللام مثل إحمار وإبهار، أي صفت‏.‏

وقيل إنما يقال ذلك في كل لون بين لونين، فأما الخالص من البياض مثلا فإنما يقال له أبيض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى‏)‏ زاد أبو داود ‏"‏ بالناس‏"‏‏.‏

وفي الحديث من الفوائد جواز التماس الأتباع ما يتعلق بمصالحهم الدنيوية وغيرها ولكن بصيغة العرض لا بصيغة الاعتراض، وأن على الإمام أن يراعى المصالح الدينية والاحتراز عما يحتمل فوات العبادة عن وقتها بسببه، وجواز التزام الخادم القيام بمراقبة ذلك والاكتفاء في الأمور المهمة بالواحد، وقبول العذر ممن اعتذر بأمر سائغ، وتسويغ المطالبة بالوفاء بالالتزام، وتوجهت المطالبة على بلال بذلك تنبيها له على اجتناب الدعوى والثقة بالنفس وحسن الظن بها لا سيما في مظان الغلبة وسلب الاختيار، وإنما بادر بلال إلى قوله ‏"‏ أنا أوقظكم ‏"‏ اتباعا لعادته في الاستيقاظ في مثل ذلك الوقت لأجل الأذان، وفيه خروج الإمام بنفسه في الغزوات والسرايا، وفيه الرد على منكري القدر وأنه لا واقع في الكون إلا بقدر، وفي الحديث أيضا ما ترجم له وهو الأذان للفائتة، وبه قال الشافعي في القديم وأحمد وأبو ثور وابن المنذر‏.‏

وقال الأوزاعي ومالك والشافعي في الجديد‏:‏ لا يؤذن لها، والمختار عند كثير من أصحابه أن يؤذن لصحة الحديث‏.‏

وحمل الأذان هنا على الإقامة متعقب، لأنه عقب الأذان بالوضوء ثم بارتفاع الشمس، فلو كان المراد به الإقامة لما أخر الصلاة عنها‏.‏

نعم يمكن حمله على المعنى اللغوي وهو محض الإعلام ولا سيما على رواية الكشميهني‏.‏

وقد روى أبو داود وابن المنذر من حديث عمران بن حصين في نحو هذه القصة ‏"‏ فأمر بلالا فأذن فصلينا ركعتين، ثم أمره‏.‏

فأقام فصلى الغداة ‏"‏ وسيأتي الكلام على الحديث الذي احتج به من لم ير التأذين في الباب بعد هذا، وفيه مشروعية الجماعة في الفوائت وسيأتي في الباب الذي بعده أيضا، واستدل به بعض المالكية على عدم قضاء السنة الراتبة لأنه لم يذكر فيه أنهم صلوا ركعتي الفجر، ولا دلالة فيه لأنه لا يلزم من عدم الذكر عدم الوقوع، لا سيما وقد ثبت أنه ركعهما في حديث أبي قتادة هذا عند مسلم، وسيأتي في باب مفرد لذلك في أبواب التطوع، واستدل به المهلب على أن الصلاة الوسطى هي الصبح قال‏:‏ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر أحدا بمراقبة وقت صلاة غيرها، وفيما قاله نظر لا يخفى، قال‏:‏ ويدل على أنها هي المأمور بالمحافظة عليها أنه صلى الله عليه وسلم لم تفته صلاة غيرها لغير عذر شغله عنها ا ه‏.‏

وهو كلام متدافع، فأي عذر أبين من النوم، واستدل به على قبول خبر الواحد، قال ابن بزيزة وليس هو بقاطع فيه لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول بلال بمجرده، بل بعد النظر إلى الفجر لو استيقظ مثلا، وفيه جواز تأخير قضاء الفائتة عن وقت الانتباه مثلا، وقد تقدم ذلك مع بقية فوائده في ‏"‏ باب الصعيد الطيب ‏"‏ من كتاب التيمم‏.‏

*3*باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من صلى بالناس جماعة بعد ذهاب الوقت‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ إنما قال البخاري ‏"‏ بعد ذهاب الوقت ‏"‏ ولم يقل مثلا لمن صلى صلاة فائتة للإشعار بأن إيقاعها كان قرب خروج وقتها لا كالفوائت التي جهل يومها أو شهرها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتْ الشَّمْسُ تَغْرُبُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلَاةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏هشام‏)‏ هو ابن أبي عبد الله الدستوائي، ويحيى هو ابن أبي كثير، وأبو سلمة هو ابن عبد الرحمن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن عمر بن الخطاب‏)‏ قد اتفق الرواة على أن هذا الحديث من رواية جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا حجاج بن نصير فإنه رواه عن علي بن المبارك عن يجيى بن أبي كثير فقال فيه ‏"‏ عن جابر عن عمر ‏"‏ فجعله من مسند عمر، تفرد بذلك حجاج وهو ضعيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يوم الخندق‏)‏ سيأتي شرح أمره في كتاب المغازي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعدما غربت الشمس‏)‏ في رواية شيبان عن يحيى عند المصنف ‏"‏ وذلك بعدما أفطر الصائم ‏"‏ والمعنى واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسب كفار قريش‏)‏ لأنهم كانوا السبب في تأخيرهم الصلاة عن وقتها، إما المختار كما وقع لعمر، وإما مطلقا كما وقع لغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما كدت‏)‏ قال اليعمري‏:‏ لفظه ‏"‏ كاد ‏"‏ من أفعال المقاربة، فإذا قلت كاد زيد يقوم فهم منها أنه قارب القيام ولم يقم، قال‏:‏ والراجح فيها أن لا تقرن بأن، بخلاف عسى فإن الراجح فيها أن تقرن‏.‏

قال‏:‏ وقد وقع في مسلم في هذا الحديث ‏"‏ حتى كادت الشمس أن تغرب‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وفي البخاري في ‏"‏ باب غزوة الخندق ‏"‏ أيضا وهو من تصرف الرواة، وهل تسوغ الرواية بالمعنى في مثل هذا أو لا‏؟‏ الظاهر الجواز، لأن المقصود الإخبار عن صلاته العصر كيف وقعت، لا الإخبار عن عمر هل تكلم بالراجحة أو المرجوحة‏.‏

قال‏:‏ وإذا تقرر أن معنى ‏"‏ كاد ‏"‏ المقاربة فقول عمر ‏"‏ ما كدت أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب ‏"‏ معناه أنه صلى العصر قرب غروب الشمس، لأن نفي الصلاة يقتضي إثباتها، وإثبات الغروب يقتضي نفيه، فتحصل من ذلك لعمر ثبوت الصلاة ولم يثبت الغروب ا هـ‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ لا يلزم من هذا السياق وقوع الصلاة في وقت العصر، بل يلزم منه أن لا تقع الصلاة لأنه يقتضي أن كيدودته كانت كيدودتها، قال‏:‏ وحاصله عرفا ما صليت حتى غربت الشمس ا هـ‏.‏

ولا يخفى ما بين التقريرين من الفرق، وما ادعاه من العرف ممنوع وكذا العندية، للفرق الذي أوضحه اليعمري من الإثبات والنفي لأن كاد إذا أثبتت نفت وإذا نفت أثبتت كما قال فيها المعري ملغزا‏:‏ إذا نفيت والله أعلم أثبتت وإن أثبتت قامت مقام جحود هذا إلى ما في تعبيره بلفظ كيدودة من الثقل والله الهادي إلى الصواب‏.‏

فإن قيل‏:‏ الظاهر أن عمر كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فكيف اختص بأن أدرك صلاة العصر قبل غروب الشمس بخلاف بقية الصحابة، والنبي صلى الله عليه وسلم معهم‏؟‏ فالجواب أنه يحتمل أن يكون الشغل وقع بالمشركين إلى قرب غروب الشمس، وكان عمر حينئذ متوضئا فبادر فأوقع الصلاة، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعلمه بذلك في الحال التي كان النبي صلى الله عليه وسلم فيها قد شرع يتهيأ للصلاة، ولهذا قام عند الإخبار هو وأصحابه إلى الوضوء‏.‏

وقد اختلف في سبب تأخير النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ذلك اليوم، فقيل كان ذلك نسيانا، واستبعد أن يقع ذلك من الجميع‏.‏

ويمكن أن يستدل له بما رواه أحمد من حديث أبي جمعة ‏"‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى المغرب يوم الأحزاب، فلما سلم قال‏:‏ هل علم رجل منكم أني صليت العصر‏؟‏ قالوا‏:‏ لا يا رسول الله، فصلى العصر ثم صلى المغرب ‏"‏ ا هـ‏.‏

وفي صحة هذا الحديث نظر، لأنه مخالف لما في الصحيحين من قوله صلى الله عليه وسلم لعمر ‏"‏ والله ما صليتها ‏"‏ ويمكن الجمع بينهما بتكلف‏.‏

وقيل كان عمدا لكونهم شغلوه فلم يمكنوه من ذلك، وهو أقرب، لا سيما وقد وقع عند أحمد والنسائي من حديث أبي سعيد أن ذلك كان قبل أن ينزل الله في صلاة الخوف ‏(‏فرجالا أو ركبانا‏)‏ وقد اختلف في هذا الحكم هل نسخ أم لا كما سيأتي في كتاب صلاة الخوف إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بطحان‏)‏ بضم أوله وسكون ثانيه‏:‏ واد بالمدينة، وقيل هو بفتح أوله وكسر ثانيه حكاه أبو عبيد البكري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصلى العصر‏)‏ وقع في الموطأ من طريق أخرى أن الذي فاتهم الظهر والعصر، وفي حديث أبي سعيد الذي أشرنا إليه الظهر والعصر والمغرب، وأنهم صلوا بعد هوى من الليل وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي والنسائي ‏"‏ أن المشركين شغلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أربع صلوات يوم الخندق حتى ذهب من الليل ما شاء الله ‏"‏ وفي قوله ‏"‏ أربع ‏"‏ تجوز لأن العشاء لم تكن فاتت‏.‏

قال اليعمري‏:‏ من الناس من رجح ما في الصحيحين، وصرح بذلك ابن العربي فقال‏:‏ إن الصحيح أن الصلاة التي شغل عنها واحدة وهي العصر‏.‏

قلت‏:‏ ويؤيده حديث علي في مسلم ‏"‏ شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ‏"‏ قال‏:‏ ومنهم من جمع بأن الخندق كانت وقعته أياما فكان ذلك في أوقات مختلفة في تلك الأيام، قال‏:‏ وهذا أولى‏.‏

قلت‏:‏ ويقربه أن روايتي أبي سعيد وابن مسعود ليس فيهما تعرض لقصة عمر، بل فيهما أن قضاءه للصلاة وقع بعد خروج وقت المغرب‏.‏

وأما رواية حديث الباب ففيها أن ذلك كان عقب غروب الشمس‏.‏

قال الكرماني‏:‏ فإن قلت كيف دل الحديث على الجماعة‏؟‏ قلت‏:‏ إما أنه يحتمل أن في السياق اختصارا، وإما من إجراء الراوي الفائتة التي هي العصر والحاضرة التي هي المغرب مجرى واحدا‏.‏

ولا شك أن المغرب كانت بالجماعة لما هو معلوم من عادته اهـ‏.‏

وبالاحتمال الأول جزم ابن المنير زين الدين فقال‏:‏ فإن قيل ليس فيه تصريح بأنه صلى في جماعة، أجيب بأن مقصود الترجمة مستفاد من قوله ‏"‏ فقام وقمنا وتوضأ وتوضأنا‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ الاحتمال الأول هو الواقع في نفس الأمر، فقد وقع في رواية الإسماعيلي ما يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم صلى بهم أخرجه من طريق يزيد بن زريع عن هشام بلفظ ‏"‏ فصلى بنا العصر‏"‏، وفي الحديث من الفوائد ترتيب الفوائت، والأكثر على وجوبه مع الذكر لا مع النسيان‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ لا يجب الترتيب فيها، واختلفوا فيما تذكر فائتة في وقت حاضرة ضيق هل يبدأ بالفائتة - وإن خرج وقت الحاضرة - أو يبدأ بالحاضرة، أو يتخير‏؟‏ فقال بالأول مالك‏.‏

وقال بالثاني الشافعي وأصحاب الرأي وأكثر أصحاب الحديث‏.‏

وقال بالثالث أشهب‏.‏

وقال عياض‏:‏ محل الخلاف إذا لم تكثر الصلوات الفوائت، فأما إذا كثرت فلا خلاف أنه يبدأ بالحاضرة، واختلفوا في حد القليل، فقيل‏:‏ صلاة يوم، وقيل أربع صلوات‏.‏

وفيه جواز اليمين من غير استحلاف إذا اقتضت مصلحة من زيادة طمأنينة أو نفي توهم‏.‏

وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من مكارم الأخلاق وحسن التأني مع أصحابه وتألفهم وما ينبغي الاقتداء به في ذلك، وفيه استحباب قضاء الفوائت في الجماعة وبه قال أكثر أهل العلم إلا الليث مع أنه أجاز صلاة الجمعة جماعة إذا فاتت والإقامة للصلاة الفائتة، واستدل به على عدم مشروعية الأذان للفائتة، وأجاب من اعتبره بأن المغرب كانت حاضرة ولم يذكر الراوي الأذان لها، وقد عرف من عادته صلى الله عليه وسلم الأذان للحاضرة، فدل على أن الراوي ترك ذكر ذلك لا أنه لم يقع في نفس الأمر، وتعقب باحتمال أن تكون المغرب لم يتهيأ إيقاعها إلا بعد خروج وقتها على رأي من يذهب إلى القول بتضييقه‏.‏

وعكس ذلك بعضهم فاستدل بالحديث على أن وقت المغرب متسع، لأنه قدم العصر عليها فلو كان ضيقا لبدأ بالمغرب ولا سيما على قول الشافعي في قوله بتقدم الحاضرة وهو الذي قال بأن وقت المغرب ضيق فيحتاج إلى الجواب عن هذا الحديث، وهذا في حديث جابر، وأما حديث أبي سعيد فلا يتأتى فيه هذا لما تقدم أن فيه أنه صلى الله عليه وسلم صلى بعد مضي هوى من الليل‏.‏