فصل: باب وُضُوءِ الصِّبْيَانِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب وُضُوءِ الصِّبْيَانِ

وَمَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْغُسْلُ وَالطُّهُورُ وَحُضُورِهِمْ الْجَمَاعَةَ وَالْعِيدَيْنِ وَالْجَنَائِزَ وَصُفُوفِهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وضوء الصبيان‏)‏ قال الزين بن المنير‏:‏ لم ينص على حكمه، لأنه لو عبر بالندب لاقتضى صحة صلاة الصبي بغير وضوء، ولو عبر بالوجوب لاقتضى أن الصبي يعاقب على تركه كما هو حد الواجب، فأتى بعبارة سالمة من ذلك، وإنما لم يذكر الغسل لندور موجبه من الصبي بخلاف الوضوء، ثم أردفه بذكر الوقت الذي يجب فيه ذلك عليه فقال‏:‏ ومتى يجب عليهم الغسل والطهور ‏"‏ وقوله ‏"‏ والطهور ‏"‏ من عطف العام على الخاص، وليس في أحاديث الباب تعيين وقت الإيجاب إلا في حديث أبي سعيد فإن مفهومه أن غسل الجمعة لا يجب على غير المحتلم، فيؤخذ منه أن الاحتلام شرط لوجوب الغسل، وأما ما رواه أبو داود والترمذي وصححه وكذا ابن خزيمة والحاكم من طريق عبد الملك بن الربيع بن سبرة عن أبيه عن جده مرفوعا ‏"‏ علموا الصبي الصلاة ابن سبع، واضربوه عليها ابن عشر ‏"‏ فهو وإن اقتضى تعيين وقت الوضوء لتوقف الصلاة عليه فلم يقل بظاهر إلا بعض أهل العلم، قالوا‏:‏ تجب الصلاة على الصبي للأمر بضربه على تركها، وهذه صفة الوجوب، وبه قال أحمد في رواية، وحكى البندنيجي أن الشافعي أومأ إليه‏.‏

وذهب الجمهور إلى أنها لا تجب عليه إلا بالبلوغ‏.‏

وقالوا‏:‏ الأمر بضربه للتدريب‏.‏

وجزم البيهقي بأنه منسوخ بحديث ‏"‏ رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم ‏"‏ لأن الرفع يستدعي سبق وضع‏.‏

وسيأتي البحث في ذلك في كتاب النكاح‏.‏

ويؤخذ من إطلاق الصبي على ابن سبع الرد على من زعم أنه لا يسمى صبيا إلا إذا كان رضيعا، ثم يقال له غلام إلى أن يصير ابن سبع، ثم يصير يافعا إلى عشر، ويوافق الحديث قول الجوهري‏:‏ الصبي الغلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحضورهم‏)‏ بالجر عطفا على قوله ‏"‏ وضوء الصبيان ‏"‏ وكذا قوله ‏"‏ وصفوفهم‏"‏‏.‏

ثم أورد في الباب سبعة أحاديث أولها حديث ابن عباس في الصلاة على القبر، والغرض منه صلاة ابن عباس معهم ولم يكن إذ ذاك بالغا كما سيأتي دليله في خامس أحاديث الباب، وسيأتي الكلام عليه في كتاب الجنائز إن شاء الله تعالى‏.‏

ثانيها حديث أبي سعيد، وقد تقدم توجيه إيراده، ويأتي الكلام عليه في كتاب الجمعة إن شاء الله تعالى‏.‏

ثالثها حديث ابن عباس في مبيته في بيت ميمونة، وفيه وضوؤه وصلاته مع النبي صلى الله عليه وسلم وتقريره له على ذلك بأن حوله فجعله عن يمينه، وقد تقدم من هذا الوجه في أوائل كتاب الطهارة، ويأتي بقية مباحثه في كتاب الوتر إن شاء الله تعالى‏.‏

رابعها حديث أنس في صف اليتيم معه خلف النبي صلى الله عليه وسلم، ومطابقته للترجمة من جهة أن اليتم دال على الصبا إذ لا يتم بعد احتلام، وقد أقره صلى الله عليه وسلم على ذلك‏.‏

خامسها حديث ابن عباس في مجيئه إلى منى ومروره بين يدي بعض الصف، ودخوله معهم وتقريره على ذلك وقال فيه إنه كان ناهز الاحتلام أي قاربه، وقد تقدمت مباحثه في أبواب سترة المصلي‏.‏

سادسها حديث عائشة في تأخير العشاء حتى قال عمر ‏"‏ نام النساء والصبيان ‏"‏ قال ابن رشيد‏:‏ فهم منه البخاري أن النساء والصبيان الذين ناموا كانوا حضورا في المسجد، وليس الحديث صريحا في ذلك، إذ يحتمل أنهم ناموا في البيوت، لكن الصبيان جمع محلى باللام فيعم من كان منهم مع أمه أو غيرها في البيوت ومن كان مع أمه في المسجد، وقد أورد المصنف في الباب الذي يليه حديث أبي قتادة رفعه ‏"‏ إني لأقوم إلى الصلاة ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فأسمع بكاء الصبي فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه ‏"‏ وقد قدمنا في شرحه في أبواب الجماعة أن الظاهر أن الصبي كان مع أمه في المسجد وأن احتمال أنها كانت تركته نائما في بيتها وحضرت الصلاة فاستيقظ في غيبتها فبكى بعيد، لكن الظاهر الذي فهمه أن القضاء بالمرئي أولى من القضاء بالمقدر‏.‏

انتهى‏.‏

وقد تقدمت مباحثه في أبواب المواقيت، وساقه المصنف هنا من طريق معمر وشعيب بلفظ معمر ثم ساق لفظ شعيب في الباب الذي بعده، وقوله ‏"‏قال عياش ‏"‏ وقع في بعض الروايات ‏"‏ قال لي عياش ‏"‏ وهو بالتحتانية والمعجمة، وتحول الإسناد عند الأكثر من بعد الزهري، وأتمه في رواية المستملي، ثم ختم الباب بحديث ابن عباس في شهوده صلاة العيد مع النبي صلى الله عليه وسلم وقد صرح فيه بأنه كان صغيرا وسيأتي الكلام عليه في كتاب العيدين، وترجم له هناك ‏"‏ باب خروج الصبيان إلى المصلى ‏"‏ واستشكل قوله في الترجمة ‏"‏ وصفوفهم ‏"‏ لأنه يقتضي أن يكون للصبيان صفوف تخصهم وليس في الباب ما يدل على ذلك وأجيب بأن المراد بصفوفهم وقوفهم في الصف مع غيرهم، وفقه ذلك هل يخرج من وقف معه الصبي في الصف عن أن يكون فردا حتى يسلم من بطلان صلاته عند من يمنعه أو كراهته وظاهر حديث أنس يقتضي الإجزاء، فهو حجة على من منع ذلك من الحنابلة مطلقا، وقد نص أحمد على أنه يجزئ في النفل دون الفرض وفيه ما فيه صلى الله عليه وسلم‏.‏

*3*باب خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى الْمَسَاجِدِ بِاللَّيْلِ وَالْغَلَسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب خروج النساء إلى المساجد بالليل والغلس‏)‏ أورد فيه ستة أحاديث تقدم الكلام عليها إلا الثاني والأخير، وبعضها مطلق في الزمان وبعضها مقيد بالليل أو الغلس، فحمل المطلق في الترجمة على المقيد، وللفقهاء في ذلك تفاصيل ستأتي الإشارة إلى بعضها‏.‏

فأول أحاديث الباب حديث عائشة في تأخير العشاء حتى نادى عمر‏:‏ نام النساء والصبيان، وقد تقدم سادسا لأحاديث الباب الذي قبله‏.‏

ثانيها حديث ابن عمر في النهي عن منع النساء عن المسجد‏.‏

ثالثها حديث أم سلمة في مكث الإمام بعد السلام حتى ينصرف النساء، وقد تقدم الكلا عليه قبل أربعة أبواب‏.‏

رابعها حديث عائشة في صلاة الصبح بغلس ورجوع النساء متلفعات، وقد تقدم الكلام عليه قبل في المواقيت‏.‏

خامسها حديث أبي قتادة في تخفيف الصلاة حين بكى الصبي لأجل أمه، وقد تقدم الكلام عليه في الإمامة‏.‏

سادسها حديث عائشة في منع نساء بني إسرائيل المساجد، وسأذكر فوائده بعد الكلام على الحديث الثاني وهو حديث ابن عمر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ حَنْظَلَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا اسْتَأْذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إِلَى الْمَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ تَابَعَهُ شُعْبَةُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حنظلة‏)‏ هو ابن أبي سفيان الجمحي، وسالم بن عبد الله أي ابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا استأذنكم نساؤكم بالليل إلى المسجد‏)‏ لم يذكر أكثر الرواة عن حنظلة قوله ‏"‏ بالليل ‏"‏ كذلك أخرجه مسلم وغيره، وقد اختلف فيه على الزهري عن سالم أيضا، فأورده المصنف بعد بابين من رواية معمر ومسلم من رواية يونس بن يزيد وأحمد من رواية عقيل والسراج من رواية الأوزاعي كلهم من الزهري بغير تقييد، وكذا أخرجه المصنف في النكاح عن علي بن المديني عن سفيان بن عيينة عن الزهري بغير قيد، ووقع عند أبي عوانة في صحيحه عن يونس بن عبد الأعلى عن ابن عيينة مثله لكن قال في آخره ‏"‏ يعني بالليل ‏"‏ وبين ابن خزيمة عن عبد الجبار بن العلاء أن سفيان بن عيينة هو القائل ‏"‏ يعني‏"‏، وله عن سعيد بن عبد الرحمن عن ابن عيينة قال ‏"‏ قال نافع بالليل‏"‏، وله عن يحيى بن حكيم عن ابن عيينة قال ‏"‏ جاءنا رجل فحدثنا عن نافع قال‏:‏ إنما هو بالليل ‏"‏ وسمي عبد الرزاق عن ابن عيينة الرجل المبهم فقال بعد روايته عن الزهري ‏"‏ قال ابن عيينة وحدثنا عبد الغفار - يعني ابن القاسم - أنه سمع أبا جعفر يعني الباقر يخبر بمثل هذا عن ابن عمر، قال فقال له نافع مولي ابن عمر‏:‏ إنما ذلك بالليل ‏"‏ وكأن اختصاص الليل بذلك لكونه أستر، ولا يخفى أن محل ذلك إذا أمنت المفسدة منهن وعليهن، قال النووي‏:‏ استدل به على أن المرأة لا تخرج من بيت زوجها إلا بإذنه لنوحه الأمر إلى الأزواج بالإذن، وتعقبه ابن دقيق العيد بأنه إن أخذ من المفهوم فهو مفهوم لقب وهو ضعيف، لكن يتقوى بأن يقال‏:‏ إن منع الرجال نساءهم أمر مقرر، وإنما علق الحكم بالمساجد لبيان محل الجواز فيبقى ما عداه على المنع، وفيه إشارة إلى أن الإذن المذكور لغير الوجوب، لأنه لو كان واجبا لانتفى معنى الاستئذان، لأن ذلك إنما يتحقق إذا كان المستأذن مخيرا في الإجابة أو الرد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه شعبة عن الأعمش عن مجاهد عن ابن عمر‏)‏ ذكر المزي في الأطراف تبعا لخلف وأبي مسعود أن هذه المتابعة وقعت بعد رواية ورقاء عن عمرو بن دينار عن مجاهد عن ابن عمر بهذا الحديث، ولم أقف على ذلك في شيء من الروايات التي اتصلت لنا من البخاري في هذا الموضع، وإنما وقعت المتابعة المذكورة عقب رواية حنظلة عن سالم، وقد وصلها أحمد قال ‏"‏ حدثنا محمد بن جعفر قال حدثنا شعبة ‏"‏ فذكر الحديث بزيادة سيأتي ذكرها قريبا‏.‏

نعم أخرج البخاري رواية ورقاء في أوائل كتاب الجمعة بلفظ ‏"‏ ائذنوا للنساء بالليل إلى المساجد ‏"‏ ولم يذكر بعده متابعة ولا غيرها، ووافقه مسلم على إخراجه من هذا الوجه أيضا وزاد فيه ‏"‏ فقال له ابن له يقال له واقد‏:‏ إذا يتخذنه دغلا، قال‏:‏ فضرب في صدره وقال‏:‏ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول لا ‏"‏ ولم أر لهذه القصة ذكرا في شيء من الطرق التي أخرجها البخاري لهذا الحديث، وقد أوهم صنيع صاحب العمدة خلاف ذلك، ولم يتعرض لبيان ذلك أحد من شراحه، وأظن البخاري اختصرها للاختلاف في تسمية ابن عبد الله بن عمر، فقد رواه مسلم من وجه آخر عن ابن عمر وسمي الابن بلالا فأخرجه من طريق كعب بن علقمة عن بلال بن عبد الله بن عمر عن أبيه بلفظ ‏"‏ لا تمنعوا النساء حظوظهن المساجد إذا استأذنكم، فقال بلال‏:‏ والله لنمنعهن ‏"‏ الحديث‏.‏

وللطبراني من طريق عبد الله بن هبيرة عن بلال بن عبد الله نحوه وفيه ‏"‏ فقلت أما أنا فسأمنع أهلي، فمن شاء فليسرح أهله ‏"‏ وفي رواية يونس عن ابن شهاب الزهري عن سالم في هذا الحديث ‏"‏ قال فقال بلال بن عبد الله‏:‏ والله لنمنعهن ‏"‏ ومثله في رواية عقيل عند أحمد، وعنده في رواية شعبة عن الأعمش المذكورة ‏"‏ فقال سالم أو بعض بنيه‏:‏ والله لا ندعهن يتخذنه دغلا ‏"‏ الحديث‏.‏

والراجح من هذا أن صاحب القصة بلال لورود ذلك من روايته نفسه ومن رواية أخيه سالم، ولم يختلف عليهما في ذلك‏.‏

وأما هذه الرواية الأخيرة فمرجوحة لوقوع الشك فيها، ولم أره مع ذلك في شيء من الروايات عن الأعمش مسمى ولا عن شيخه مجاهد، فقد أخرجه أحمد من رواية إبراهيم بن مهاجر وابن أبي نجيح وليث بن أبي سليم كلهم عن مجاهد ولم يسمه أحد منهم، فإن كانت رواية عمرو بن دينار عن مجاهد محفوظة في تسميته واقدا فيحتمل أن يكون كل من بلال وواقع وقع منه ذلك إما في مجلس أو في مجلسين، وأجاب ابن عمر كلا منهما بجواب يليق به، ويقويه اختلاف النقلة في جواب ابن عمر، ففي رواية بلال عند مسلم ‏"‏ فأقبل عليه عبد الله فسبه سبا سيئا ما سمعته يسبه مثله قط ‏"‏ وفسر عبد الله بن هبيرة في رواية الطبراني السب المذكور باللعن ثلاث مرات‏.‏

وفي رواية زائدة عن الأعمش ‏"‏ فانتهره وقال‏:‏ أف لك ‏"‏ وله عن ابن نمير عن الأعمش ‏"‏ فعل الله بك وفعل ‏"‏ ومثله للترمذي من رواية عيسى بن يونس، ولمسلم من رواية أبي معاوية ‏"‏ فزبره ‏"‏ ولأبي داود من رواية جرير ‏"‏ فسبه وغضب ‏"‏ فيحتمل أن يكون بلال البادئ فلذلك أجابه بالسب المفسر باللعن، وأن يكون واقد بدأه فلذلك أجابه بالسب المفسر بالتأفيف مع الدفع في صدره، وكأن السر في ذلك أن بلالا عارض الخبر برأيه ولم يذكر علة المخالفة، ووافقه واقد لكن ذكرها بقوله ‏"‏ يتخذنه دغلا ‏"‏ وهو بفتح المهملة ثم المعجمة وأصله الشجر الملتف ثم استعمل في المخادعة لكون المخادع يلف في ضميره أمرا ويظهر غيره، وكأنه قال ذلك لما رأى من فساد بعض النساء في ذلك الوقت وحملته على ذلك الغيرة، وإنما أنكر عليه ابن عمر لتصريحه بمخالفة الحديث، وإلا فلو قال مثلا إن الزمان قد تغير وإن بعضهن ربما ظهر منه قصد المسجد وإضمار غيره لكان يظهر أن لا ينكر عليه، وإلى ذلك أشارت عائشة بما ذكر في الحديث الأخير‏.‏

وأخذ من إنكار عبد الله على ولده تأديب المعترض على السنن برأيه، وعلى العالم بهواه، وتأديب الرجل ولده وإن كان كبيرا إذا تكلم بما لا ينبغي له، وجواز التأديب بالهجران، فقد وقع في رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد عند أحمد ‏"‏ فما كلمه عبد الله حتى مات ‏"‏ وهذا إن كان محفوظا يحتمل أن يكون أحدهما مات عقب هذه القصة بيسير‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهَا أَنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنَّ إِذَا سَلَّمْنَ مِنْ الْمَكْتُوبَةِ قُمْنَ وَثَبَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ صَلَّى مِنْ الرِّجَالِ مَا شَاءَ اللَّهُ فَإِذَا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ الرِّجَالُ

الشرح‏:‏

حديث أم سلمة ‏"‏ أن النساء كن إذا سلمن من الصلاة قمن وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ قد مضى الكلام عليه في أواخر صفة الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات ‏"‏ وقد تقدم شرحه في المواقيت‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ قَالَ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي لَأَقُومُ إِلَى الصَّلَاةِ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُطَوِّلَ فِيهَا فَأَسْمَعُ بُكَاءَ الصَّبِيِّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلَاتِي كَرَاهِيَةَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ

الشرح‏:‏

حديث أبي قتادة رفعه ‏"‏ إني لأقوم في الصلاة ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فأتجوز في صلاتي كراهية أن أشق على أمه ‏"‏ وقد تقدم شرحه في أبواب الإمامة، قال ابن دقيق العيد‏:‏ هذا الحديث عام في النساء، إلا أن الفقهاء خصوه بشروط‏:‏ منها أن لا تتطيب، وهو في بعض الروايات ‏"‏ وليخرجن تفلات ‏"‏ قلت‏:‏ هو بفتح المثناة وكسر الفاء أي غير متطيبات، ويقال امرأة تفلة إذا كانت متغيرة الريح، وهو عند أبي داود وابن خزيمة من حديث أبي هريرة وعند ابن حبان من حديث زيد بن خالد وأوله ‏"‏ لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ‏"‏ ولمسلم من حديث زينب امرأة ابن مسعود ‏"‏ إذا شهدت إحداكن المسجد فلا تمسن طيبا ‏"‏ انتهى‏.‏

قال‏:‏ ويلحق بالطيب ما في معناه لأن سبب المنع منه ما فيه من تحريك داعية الشهوة كحسن الملبس والحلي الذي يظهر والزينة الفاخرة وكذا الاختلاط بالرجال، وفرق كثير من الفقهاء المالكية وغيرهم بين الشابة وغيرها وفيه نظر، إلا إن أخذ الخوف عليها من جهتها لأنها إذا عريت مما ذكر وكانت مستترة حصل الأمن عليها ولا سيما إذا كان ذلك بالليل‏.‏

وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث وغيره ما يدل على أن صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، وذلك في رواية حبيب بن أبي ثابت عن ابن عمر بلفظ ‏"‏ لا تمنعوا نساءكم المساجد، وبيوتهن خير لهن ‏"‏ أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة‏.‏

ولأحمد والطبراني من حديث أم حميد الساعدية ‏"‏ أنها جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت يا رسول الله، إني أحب الصلاة معك‏.‏

قال‏:‏ قد علمت، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير من صلاتك في مسجد الجماعة ‏"‏ وإسناد أحمد حسن، وله شاهد من حديث ابن مسعود عند أبي داود‏.‏

ووجه كون صلاتها في الإخفاء أفضل تحقق الأمن فيه من الفتنة، ويتأكد ذلك بعد وجود ما أحدث النساء من التبرج والزينة، ومن ثم قالت عائشة ما قالت، وتمسك بعضهم بقول عائشة في منع النساء مطلقا وفيه نظر، إذ لا يترتب على ذلك تغير الحكم لأنها علقته على شرط لم يوجد بناء على ظن ظنته فقالت ‏"‏ لو رأى لمنع ‏"‏ فيقال عليه‏:‏ لم ير ولم يمنع، فاستمر الحكم حتى أن عائشة لم تصرح بالمنع وإن كان كلامها يشعر بأنها كانت ترى المنع‏.‏

وأيضا فقد علم الله سبحانه ما سيحدثن فما أوحى إلى نبيه بمنعهن، ولو كان ما أحدثن يستلزم منعهن من المساجد لكان منعهن من غيرها كالأسواق أولى‏.‏

وأيضا فالإحداث إنما وقع من بعض النساء لا من جميعهن، فإن تعين المنع فليكن لمن أحدثت، والأولى أن ينظر إلى ما يخشى منه الفساد فيجتنب لإشارته صلى الله عليه وسلم إلى ذلك بمنع التطيب والزينة، وكذلك التقيد بالليل كما سبق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لَوْ أَدْرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَحْدَثَ النِّسَاءُ لَمَنَعَهُنَّ كَمَا مُنِعَتْ نِسَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قُلْتُ لِعَمْرَةَ أَوَمُنِعْنَ قَالَتْ نَعَمْ

الشرح‏:‏

قوله في حديث عائشة آخر أحاديث الباب ‏(‏كما منعت نساء بني إسرائيل‏)‏ وقول عمرة ‏(‏نعم‏)‏ في جواب سؤال يحيى بن سعيد لها يظهر أنها تلقته عن عائشة، ويحتمل أن يكون عن غيرها، وقد ثبت ذلك من حديث عروة عن عائشة موقوفا أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولفظه ‏"‏ قالت‏:‏ كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلا من خشب يتشرفن للرجال في المساجد، فحرم الله عليهن المساجد، وسلطت عليهن الحيضة ‏"‏ وهذا وإن كان موقوفا فحكمه حكم الرفع لأنه لا يقال بالرأي صلى الله عليه وسلم، وروى عبد الرزاق أيضا نحوه بإسناد صحيح عن ابن مسعود، وقد أشرت إلى ذلك في أول كتابه الحيض‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية كريمة عقب الحديث الثاني من هذا الباب ‏"‏ باب انتظار الناس قيام الإمام العالم ‏"‏ وكذا في نسخة الصغاني، وليس ذلك بمعتمد إذ لا تعلق لذلك بهذا الموضع، بل قد تقدم في موضعه من الإمامة بمعناه‏.‏

*3*باب صَلَاةِ النِّسَاءِ خَلْفَ الرِّجَالِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب صلاة النساء خلف الرجال‏)‏ أورد فيه حديث أم سلمة في مكث الرجال بعد التسليم، وقد تقدم الكلام عليه‏.‏

ومطابقته للترجمة من جهة أن صف النساء لو كان أمام الرجال أو بعضهم للزم من انصرافهن قبلهم أن يتخطينهم وذلك منهي عنه‏.‏

ثم أورد فيه حديث أنس في صلاة أم سليم خلفه واليتيم معه، وهو ظاهر فيما ترجم له، وقد تقدم الكلام عليه في آخر أبواب الصفوف‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ فقمت ويتيم خلفه ‏"‏ فيه شاهد لمذهب الكوفيين في إجازة العطف على الضمير المرفوع المتصل بدون التأكيد‏.‏

*3*باب سُرْعَةِ انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنْ الصُّبْحِ وَقِلَّةِ مَقَامِهِنَّ فِي الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب سرعة انصراف النساء من الصبح‏)‏ قيد بالصبح لأن طول التأخير فيه يفضي إلى الإسفار، فناسب الإسراع، بخلاف العشاء فإنه يفضي إلى زيادة الظلمة فلا يضر المكث‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ الْمُؤْمِنِينَ لَا يُعْرَفْنَ مِنْ الْغَلَسِ أَوْ لَا يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سعيد بن منصور‏)‏ هو من شيوخ البخاري، وربما روي عنه بواسطة كما هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فينصرفن‏)‏ هو على لغة بني الحارث، وكذا قوله ‏"‏ لا يعرفن بعضهن بعضا ‏"‏ وهذا في رواية الحموي والكشميهني ولغيرهما ‏"‏ لا يعرف ‏"‏ بالإفراد على الجادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نساء المؤمنين‏)‏ ذكر الكرماني أن في بعض النسخ ‏"‏ نساء المؤمنات ‏"‏ وذكر توجيهه، وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في أبواب المواقيت‏.‏

*3*باب اسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا بِالْخُرُوجِ إِلَى الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب استئذان المرأة زوجها بالخروج إلى المسجد‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر، وقد تقدم الكلام عليه قريبا، لكن أورده هنا من طريق يزيد بن زريع عن معمر وليس فيه تقييد بالمسجد‏.‏

نعم أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه بذكر المسجد، وكذا أخرجه أحمد عن عبد الأعلى عن معمر وزاد فيه زيادة ستأتي قريبا‏.‏

ومقتضى الترجمة أن جواز الخروج يحتاج إلى إذن الزوج، وقد تقدم البحث فيه أيضا، والله المستعان‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتملت أبواب صفة الصلاة إلى هنا من الأحاديث المرفوعة على مائة وثمانين حديثا، المعلق منها ثمانية وثلاثون حديثا، والبقية موصولة‏.‏

المكرر منها - فيها وفيما مضى - مائة حديث وخمسة أحاديث وهي جملة المعلق إلا ثلاثة منه وسبعون أخرى موصولة، فالخالص منها خمسة وسبعون منها الثلاثة المعلقة، وافقه مسلم على تخريجها سوى ثلاثة عشر حديثا وهي‏:‏ حديث ابن عمر في الرفع عند القيام من الركعتين، وحديث أنس في النهي عن رفع البصر في الصلاة، وحديث عائشة في أن الالتفات اختلاس من الشيطان، وحديث زيد بن ثابت في قراءة الأعراف في المغرب، وحديث أنس في قراءة الرجل قل هو الله أحد وهو معلق، وحديث أبي بكرة في الركوع دون الصف، وحديث أبي هريرة في جمع الإمام بين التسميع والتحميد، وحديث رفاعة في القول في الاعتدال، وحديث أبي سعيد في الجهر بالتكبير، وحديث ابن عمر في سنة الجلوس في التشهد، وحديث أم سلمة في سرعة انصراف النساء بعد السلام، وحديث أبي هريرة ‏"‏ لا يتطوع الإمام في مكانه ‏"‏ وهو معلق، وحديث عقبة بن الحارث في قسمة التبر‏.‏

وفيه من الآثار الموقوفة على الصحابة وغيرهم ستة عشر أثرا منها ثلاثة موصولة وهي‏:‏ حديث أبي يزيد عمرو بن سلمة في موافقته في صفه الصلاة لحديث مالك بن الحويرث وقد كرره، وحديث ابن عمر في صلاته متربعا ذكره في أثناء حديثه في سنة الجلوس في التشهد، وحديثه في تطوعه في المكان الذي صلى فيه الفريضة والبقية معلقات‏.‏

والله أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب‏.‏

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين‏.‏