فصل: كِتَاب الْحَيْضِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كِتَاب الْحَيْضِ

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ إِلَى قَوْلِهِ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب الحيض‏)‏ أصله السيلان، وفي العرف جريان دم المرأة من موضع مخصوص في أوقات معلومة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله تعالى‏)‏ بالجر عطفا على الحيض، والمحيض عند الجمهور هو الحيض، وقيل زمانه، وقيل مكانه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أذى‏)‏ قال الطيبي‏:‏ سمي الحيض أذى لنتنه وقذره ونجاسته‏.‏

وقال الخطابي‏:‏ الأذى المكروه الذي ليس بشديد، كما قال تعالى ‏(‏لن يضروكم إلا أذى‏)‏ ، فالمعنى أن المحيض أذى يعتزل من المرأة موضعه ولا يتعدى ذلك إلى بقيه بدنها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاعتزلوا النساء في المحيض‏)‏ روى مسلم وأبو داود من حديث أنس أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة أخرجوها من البيت، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت الآية فقال ‏"‏ اصنعوا كل شيء إلا النكاح ‏"‏ فأنكرت اليهود ذلك، فجاء أسيد بن حضير وعباد بن بشر فقالا‏:‏ يا رسول الله ألا نجامعهن في الحيض‏؟‏ يعني خلافا لليهود، فلم يأذن في ذلك‏.‏

وروى الطبري عن السدي أن الذي سأل أولا عن ذلك هو ثابت بن الدحداح‏.‏

*3*باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْحَيْضِ

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف كان بدء الحيض‏)‏ أي ابتداؤه، وفي إعراب ‏"‏ باب ‏"‏ الأوجه المتقدمة أول الكتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هذا شيء‏)‏ يشير إلى حديث عائشة المذكور عقبه، لكن بلفظ ‏"‏ هذا أمر ‏"‏ وقد وصله بلفظ ‏"‏ شيء ‏"‏ من طريق أخرى بعد خمسة أبواب أو ستة، والإشارة بقوله ‏"‏ هذا ‏"‏ إلى الحيض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعضهم‏:‏ كان أول‏)‏ بالرفع لأنه اسم كان والخبر ‏"‏ على بني إسرائيل ‏"‏ أي على نساء بني إسرائيل، وكأنه يشير إلى ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن مسعود بإسناد صحيح قال ‏"‏ كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون جميعا، فكانت المرأة تتشرف للرجل، فألقى الله عليهن الحيض ومنعهن المساجد ‏"‏ وعنده عن عائشة نحوه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحديث النبي صلى الله عليه وسلم أكثر‏)‏ قيل معناه أشمل لأنه عام في جميع بنات آدم، فيتناول الإسرائيليات ومن قبلهن، أو المراد أكثر شواهد أو أكثر قوة‏.‏

وقال الداودي ليس بينهما مخالفة فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم، فعلى هذا فقوله بنات آدم عام أريد به الخصوص‏.‏

قلت‏:‏ ويمكن أن يجمع بينهما مع القول بالتعميم بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن عقوبة لهن لا ابتداء وجوده‏.‏

وقد روى الطبري وغيره عن ابن عباس وغيره أن قوله تعالى في قصة إبراهيم ‏(‏وامرأته قائمة فضحكت‏)‏ أي حاضت‏.‏

والقصة متقدمة على بني إسرائيل بلا ريب، وروى الحاكم وابن المنذر بإسناد صحيح عن ابن عباس ‏"‏ أن ابتداء الحيض كان على حواء بعد أن أهبطت من الجنة‏"‏، وإذا كان كذلك فبنات آدم بناتها، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ قَالَ سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ يَقُولُ سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ خَرَجْنَا لَا نَرَى إِلَّا الْحَجَّ فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَبْكِي قَالَ مَا لَكِ أَنُفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ فَاقْضِي مَا يَقْضِي الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ قَالَتْ وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعت القاسم‏)‏ يعني أباه، وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا نرى‏)‏ بالضم أي لا نظن‏.‏

و ‏"‏ سرف ‏"‏ بفتح المهملة كسر الراء بعدها فاء موضع قريب من مكة بينهما نحو من عشرة أميال، وهو ممنوع من الصرف وقد يصرف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاقضى‏)‏ المراد بالقضاء هنا الأداء وهما في اللغة بمعنى واحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غير أن لا تطوفي بالبيت‏)‏ زاد في الرواية الآتية ‏"‏ حتى تطهري ‏"‏ وهذا الاستثناء مختص بأحوال الحج لا بجميع أحوال المرأة، وسيأتي الكلام على هذا الحديث بتمامه في كتاب الحج إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب غَسْلِ الْحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله‏)‏ بالجر عطفا على غسل، أي تسريح شعر رأسه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا حَائِضٌ

الشرح‏:‏

الحديث مطابق لما ترجم له من جهة الترجيل، والحق به الغسل قياسا، أو إشارة إلى الطريق الآتية في باب مباشرة الحائض فإنها صريحة في ذلك، وهو دال على أن ذات الحائض طاهرة، وعلى أن حيضها لا يمنع ملامستها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ أَخْبَرَنِي هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّهُ سُئِلَ أَتَخْدُمُنِي الْحَائِضُ أَوْ تَدْنُو مِنِّي الْمَرْأَةُ وَهِيَ جُنُبٌ فَقَالَ عُرْوَةُ كُلُّ ذَلِكَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْدُمُنِي وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ بَأْسٌ أَخْبَرَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ تَعْنِي رَأْسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَائِضٌ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ يُدْنِي لَهَا رَأْسَهُ وَهِيَ فِي حُجْرَتِهَا فَتُرَجِّلُهُ وَهِيَ حَائِضٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا هشام‏)‏ وفي رواية الأكثر ‏"‏ أخبرني هشام بن عروة ‏"‏ وفي هذا الإسناد لطيفة، وهي اتفاق اسم شيخ الراوي وتلميذه، مثاله هذا ابن جريج عن هشام وعنه هشام، فالأعلى ابن عروة والأدنى ابن يوسف، وهو نوع أغفله ابن الصلاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مجاور‏)‏ أي معتكف، وثبت هذا التفسير في نسخة الصغاني في الأصل، وحجرة عائشة كانت ملاصقة للمسجد، وألحق عروة الجنابة بالحيض قياسا، وهو جلي لأن الاستقذار بالحائض أكثر من الجنب، وألحق الخدمة بالترجيل‏.‏

وفي الحديث دلالة على طهارة بدن الحائض وعرقها، وأن المباشرة الممنوعة للمعتكف هي الجماع ومقدماته، وأن الحائض لا تدخل المسجد‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ فيه حجة على الشافعي في قوله أن المباشرة مطلقا تنقض الوضوء، كذا قال‏.‏

ولا حجة فيه لأن الاعتكاف لا يشترط فيه الوضوء، وليس في الحديث أنه عقب ذلك الفعل بالصلاة، وعلى تقدير ذلك فمس الشعر لا ينقض الوضوء‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حَجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ

وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ خَادِمَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إِلَى أَبِي رَزِينٍ فَتَأْتِيهِ بِالْمُصْحَفِ فَتُمْسِكُهُ بِعِلَاقَتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قراءة الرجل في حجر امرأته وهي حائض‏)‏ الحجر بفتح المهلة وسكون الجيم ويجوز كسر أوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان أبو وائل‏)‏ هو التابعي المشهور صاحب ابن مسعود، وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يرسل خادمه‏)‏ أي جاريته، والخادم يطلق على الذكر والأنثى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى أبي رزين‏)‏ هو التابعي المشهور أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعلاقته‏)‏ بكسر العين، أي الخيط الذي يربط به كيسه، وذلك مصير منهما إلى جواز حمل الحائض المصحف لكن من غير مسه، ومناسبته لحديث عائشة من جهة أنه نظر حمل الحائض العلاقة التي فيها المصحف بحمل الحائض المؤمن، الذي يحفظ القرآن لأنه حامله في جوفه، وهو موافق لمذهب أبي حنيفة، ومنع الجمهور ذلك وفرقوا بأن الحمل مخل بالتعظيم، والاتكاء لا يسمى في العرف حملا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ سَمِعَ زُهَيْرًا عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ أَنَّ أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمع زهيرا‏)‏ هو ابن معاوية الجعفي، ومنصور بن صفية منسوب إلى أمه لشهرتها وهو منصور ابن عبد الرحمن الحجبي وأمه صفية بنت شيبة بن عثمان من صغار الصحابة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يقرأ القرآن‏)‏ وللمصنف في التوحيد ‏"‏ كان يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض ‏"‏ فعلى هذا فالمراد بالاتكاء وضع رأسه في حجرها‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ في هذا الفعل إشارة إلى أن الحائض لا تقرأ القرآن لأن قراءتها لو كانت جائزة لما توهم امتناع القراءة في حجرها حتى احتيج إلى التنصيص عليها، وفيه جواز ملامسة الحائض وأن ذاتها وثيابها على الطهارة ما لم يلحق شيئا منها نجاسة، وهذا مبني على منع القراءة في المواضع المستقذرة، وفيه جواز القراءة بقرب محل النجاسة، قاله النووي‏:‏ وفيه جواز استناد المريض في صلاته إلى الحائض إذا كانت أثوابها طاهرة، قاله القرطبي‏.‏

*3*باب مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا وَالْحَيْضَ نِفَاسًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من سمي النفاس حيضا‏)‏ قيل هذه الترجمة مقلوبة لأن حقها أن يقول من سمي الحيض نفاسا، وقيل يحمل على التقديم والتأخير، والتقدير‏:‏ من سمي حيضا النفاس، ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ من سمي ‏"‏ من أطلق لفظ النفاس على الحيض فيطابق ما في الخير بغير تكلف‏.‏

وقال المهلب وغيره لما لم يجد المصنف نصا على شرطه في النفساء ووجد تسمية الحيض نفاسا في هذا الحديث فهم منه أن حكم دم النفاس حكم دم الحيض‏.‏

وتعقب بأن الترجمة في التسمية لا في الحكم، وقد نازع الخطابي في التسوية بينهما من حيث الاشتقاق كما سيأتي‏.‏

وقال ابن رشيد وغيره‏:‏ مراد البخاري أن يثبت أن النفاس هو الأصل في تسمية الدم الخارج، والتعبير به تعبير بالمعنى الأعم، والتعبير عنه بالحيض تعبير بالمعنى الأخص‏.‏

فعبر النبي صلى الله عليه وسلم بالأول وعبرت أم سلمة بالثاني، فالترجمة على هذا مطابقة لما عبرت به أم سلمة، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ زَيْنَبَ بِنْتَ أُمِّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعَةٌ فِي خَمِيصَةٍ إِذْ حِضْتُ فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي قَالَ أَنُفِسْتِ قُلْتُ نَعَمْ فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا هشام‏)‏ هو الدستوائي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي سلمة‏)‏ في رواية مسلم حدثني أبو سلمة أخرجها من طريق معاذ بن هشام عن أبيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مضطجعة‏)‏ بالرفع ويجوز النصب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في خميصة‏)‏ بفتح الخاء المعجمة وبالصاد المهملة‏:‏ كساء أسود له أعلام يكون من صوف وغيره ولم أر في شيء من طرقه بلفظ خميصة إلا في هذه الرواية‏.‏

وأصحاب يحيى ثم أصحاب هشام كلهم قالوا خميلة باللام بدل الصاد، وهو موافق لما في آخر الحديث، قيل‏:‏ الخميلة القطيفة، وقيل الطنفسة‏.‏

وقال الخليل‏:‏ الخميلة ثوب له خمل أي هدب، وعلى هذا لا منافاة بين الخميصة والخميلة فكأنها كانت كساء أسود لها أهداب قوله‏:‏ ‏(‏فانسللت‏)‏ بلامين الأولى مفتوحة والثانية ساكنة، أي ذهبت في خفية‏.‏

زاد المصنف من رواية شيبان عن يحيى كما سيأتي قريبا ‏"‏ فخرجت منها ‏"‏ أي من الخميصة قال النووي كأنها خافت وصول شيء من دمها إليه، أو خافت أن يطلب الاستمتاع بها فذهبت لتتأهب لذلك، أو تقذرت نفسها ولم ترضها لمضاجعته، فلذلك أذن لها في العود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثياب حيضتي‏)‏ وقع في روايتنا الحاء وكسرها معا، ومعنى الفتح أخذت ثيابي التي ألبسها زمن الحيض، لأن الحيضة بالفتح هي الحيض‏.‏

ومعنى الكسر أخذت ثيابي التي أعددتها لألبسها حالة الحيض، وحزم الخطابي برواية الكسر ورجحها النووي، ورجح القرطبي رواية الفتح لوروده في بعض طرقه بلفظ حيضي بغير تاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنفست‏)‏ ‏؟‏ قال الخطابي‏:‏ أصل هذه الكلمة من النفس وهو الدم، إلا أنهم فرقوا بين بناء الفعل من الحيض والنفاس، فقالوا في الحيض نفست بفتح النون، وفي الولادة بضمها‏.‏

انتهى، وهذا قول كثير من أهل اللغة، لكن حكى أبو حاتم عن الأصمعي قال‏:‏ يقال نفست المرأة في الحيض والولادة، بضم النون فيهما‏.‏

وقد ثبت في روايتنا بالوجهين فتح النون وضمها، وفي الحديث جواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع معها في لحاف واحد، واستحباب اتخاذ المرأة ثيابا للحيض غير ثيابها المعتادة، وقد ترجم المصنف على ذلك كما سيأتي، وسيأتي الكلام على مباشرتها في الباب الذي بعده‏.‏

*3*باب مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب مباشرة الحائض‏)‏ المراد بالمباشرة هنا التقاء البشرتين، لا الجماع‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ الْأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ كِلَانَا جُنُبٌ وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ فَيُبَاشِرُنِي وَأَنَا حَائِضٌ وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَيَّ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا قبيصة‏)‏ القاف والصاد المهملة هو ابن عقبة، وسفيان هو الثوري، ومنصور هو ابن المعتمر‏.‏

والإسناد كله إلى عائشة كوفيون، وتقدم الكلام على اغتسالها مع النبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد في كتاب الغسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتزر‏)‏ كذا في روايتنا، وغيرها بتشديد التاء المثناة بعد الهمزة، وأصله فئأتزر بهمزة ساكنة بعد الهمزة المفتوحة ثم المثناة بوزن أفتعل، وأنكر أكثر النحاة الإدغام حتى قال صاحب المفصل إنه خطأ، لكن نقل غيره أنه مذهب الكوفيين، وحكاه الصغاني في مجمع البحرين‏.‏

وقال ابن مالك‏:‏ إنه مقصور على السماع ومنه قراءة ابن محيص ‏(‏فليؤد الذي اؤتمن‏)‏ بالتشديد، والمراد بذلك أنها تشد إزارها على وسطها، وحدد ذلك الفقهاء بما بين السرة والركبة عملا بالعرف الغالب‏.‏

وقد سبق الكلام على بقية الحديث قبل ببابين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ قَالَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ هُوَ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا قَالَتْ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْلِكُ إِرْبَهُ تَابَعَهُ خَالِدٌ وَجَرِيرٌ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسماعيل بن خليل‏)‏ كذا في رواية أبي ذر وكريمة، ولغيرهما ‏"‏ الخليل‏"‏‏.‏

والإسناد أيضا إلى عائشة كلهم كوفيون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إحدانا‏)‏ أي إحدى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن تتزر‏)‏ بتشديد المثناة الثانية، وقد تقدم توجيهها، وللكشميهني ‏"‏ أن تأتزر ‏"‏ بهمزة ساكنة وهي أفصح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في فور حيضتها‏)‏ قال الخطابي‏:‏ فور الحيض أوله ومعظمه‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ فور الحيضة معظم صبها، من فوران القدر وغليانها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يملك إربه‏)‏ بكسر الهمزة وسكون الراء ثم موحدة، قيل المراد عضوه الذي يستمتع به، وقيل حاجته، والحاجة تسمى إربا بالكسر ثم السكون وأربا بفتح الهمزة والراء، وذكر الخطابي في شرحه أنه روى هنا بالوجهين، وأنكر في موضع آخر كما نقله النووي وغيره عنه رواية الكسر، وكذا أنكرها النحاس‏.‏

وقد ثبتت رواية الكسر، وتوجيهها ظاهر فلا معنى لإنكارها، والمراد أنه صلى الله عليه وسلم كان أملك الناس لأمره، فلا يخشى عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، ومع ذلك فكان يباشر فوق الإزار تشريعا لغيره ممن ليس بمعصوم‏.‏

وبهذا قال أكثر العلماء، وهو الجاري على قاعدة المالكية في باب سد الذرائع‏.‏

وذهب كثير من السلف والثوري وأحمد وإسحاق إلى أن الذي يمتنع من الاستمتاع بالحائض الفرج فقط، وبه قال محمد بن الحسن من الحنفية ورجحه الطحاوي، وهو اختيار أصبغ من المالكية، وأحد القولين أو الوجهين للشافعية واختاره ابن المنذر‏.‏

وقال النووي‏:‏ هو الأرجح دليلا لحديث أنس في مسلم ‏"‏ اصنعوا كل شيء إلا الجماع ‏"‏ وحملوا حديث الباب وشبهه على الاستحباب جمعا بين الأدلة‏.‏

وقال ابن دقيق العيد‏:‏ ليس في حديث الباب ما يقتضي منع ما تحت الإزار لأنه فعل مجرد‏.‏

انتهى‏.‏

ويدل على الجواز أيضا ما رواه أبو داود بإسناد قوي عن عكرمة عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أراد من الحائض شيئا ألقى على فرجها ثوبا، واستدل الطحاوي على الجواز بأن المباشرة تحت الإزار دون الفرج لا توجب حدا ولا غسلا فأشبهت المباشرة فوق الإزار‏.‏

وفصل بعض الشافعية فقال‏:‏ إن كان يضبط نفسه عند المباشرة عن الفرج ويثق منها باجتنابه جاز وإلا فلا، واستحسنه النووي‏.‏

ولا يبعد تخريج وجه مفرق بين ابتداء الحيض وما بعده لظاهر التقييد بقولها ‏"‏ فور حيضتها‏"‏، ويؤيده ما رواه ابن ماجه بإسناد حسن عن أم سلمة أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتقي سورة الدم ثلاثا ثم يباشر بعد ذلك، ويجمع بينه وبين الأحاديث الدالة على المبادرة إلى المباشرة على اختلاف هاتين الحالتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه خالد‏)‏ هو ابن عبد الله الواسطي، وجرير هو ابن عبد الحميد، أي تابعا علي بن مسهر في رواية هذا الحديث عن أبي إسحاق الشيباني بهذا الإسناد‏.‏

وللشيباني فيه إسناد آخر كما سيأتي عقبه، ومتابعة خالد وصلها أبو القاسم التنوخي في فوائده من طريق وهب بن بقية عنه، وقد أوردت إسنادها في تعليق التعليق، ومتابعة جرير وصلها أبو داود والإسماعيلي والحاكم في المستدرك‏.‏

وهذا مما وهم في استدراكه لكونه مخرجا في الصحيحين من طريق الشيباني‏.‏

ورواه أيضا عن الشيباني عن عبد الرحمن بن الأسود بسنده هذا منصور بن أبي الأسود‏.‏

أخرجه أبو عوانة في صحيحه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ تَقُولُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا فَاتَّزَرَتْ وَهِيَ حَائِضٌ وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنْ الشَّيْبَانِيِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو النعمان‏)‏ هو الذي يقال له عارم، وعبد الواحد هو ابن زياد البصري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الله بن شداد‏)‏ أي ابن أسامة بن الهاد الليثي، وهو من أولاد الصحابة له رؤية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمرها‏)‏ أي بالاتزار ‏(‏فاتزرت‏)‏ وهو في روايتنا بإثبات الهمزة على اللغة الفصحى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه سفيان‏)‏ يعني الثوري ‏(‏عن الشيباني‏)‏ يعني بسند عبد الواحد، وهو عند الإمام أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان نحوه‏.‏

وقد رواه عن الشيباني أيضا بهذا الإسناد خالد بن عبد الله عند مسلم وجرير بن عبد الحميد عند الإسماعيلي، وذلك مما يدفع عنه توهم الاضطراب، وكأن الشيباني كان يحدث به تارة من مسند عائشة وتارة من مسند ميمونة، فسمعه منه جرير وخالد بالإسنادين، وسمعه غيرهما بأحدهما‏.‏

ورواه عنه أيضا - بإسناد ميمونة - حفص بن غياث عند أبي داود وأبو معاوية عند الإسماعيلي وأسباط بن محمد عند أبي عوانه في صحيحه‏.‏

وقد تقدم ذكر من رواه عنه بإسناد عائشة‏.‏

*3*باب تَرْكِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ترك الحائض الصوم‏)‏ قال ابن رشيد وغيره‏:‏ جرى البخاري على عادته في إيضاح المشكل دون الجلي، وذلك أن تركها الصلاة واضح من أجل أن الطهارة مشترطة في صحة الصلاة وهي غير طاهر، وأما الصوم فلا يشترط له الطهارة فكان تركها له تعبدا محضا فاحتاج إلى التنصيص عليه بخلاف الصلاة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ أَخْبَرَنِي زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَضْحَى أَوْ فِطْرٍ إِلَى الْمُصَلَّى فَمَرَّ عَلَى النِّسَاءِ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ فَقُلْنَ وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ الرَّجُلِ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ عَقْلِهَا أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ وَلَمْ تَصُمْ قُلْنَ بَلَى قَالَ فَذَلِكِ مِنْ نُقْصَانِ دِينِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا سعيد بن أبي مريم‏)‏ هو سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم المصري الجمحي، لقيه البخاري وروى مسلم وأصحاب السنن عنه بواسطة، ومحمد بن جعفر هو ابن أبي كثير أخو إسماعيل، والإسناد منه فصاعدا مدنيون، وفيه تابعي عن تابعي، زيد بن أسلم عن عياض بن عبد الله وهو ابن أبي سرح العامري، لأبيه صحبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في أضحى أو فطر‏)‏ شك من الراوي‏.‏

قوله ‏(‏إلى المصلى فمر على النساء‏)‏ اختصره المؤلف هنا، وقد ساقه في كتاب الزكاة تاما ولفظه‏:‏ ‏"‏ إلى المصلى فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال‏:‏ أيها الناس تصدقوا، فمر على النساء‏"‏، وقد تقدم في كتاب العلم من وجه آخر أبي سعيد أنه كان وعد النساء بأن يفردهن بالموعظة فأنجزه ذلك اليوم، وفيه أنه وعظهن وبشرهن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا معشر النساء‏)‏ المعشر كل جماعة أمرهم واحد، ونقل عن ثعلب أنه مخصوص بالرجال، وهذا الحديث يرد عليه، إلا إن كان مراده بالتخصيص حالة إطلاق المعشر لا تقييده كما في الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أريتكن‏)‏ بضم الهمزة وكسر الراء على البناء للمفعول، والمراد أن الله تعالى أراهن له ليلة الإسراء، وقد تقدم في العلم من حديث ابن عباس، بلفظ ‏"‏ أريت النار فرأيت أكثر أهلها النساء ‏"‏ ويستفاد من حديث ابن عباس أن الرؤية المذكورة وقعت في حال صلاة الكسوف كما سيأتي واضحا في باب صلاة الكسوف جماعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وبم‏؟‏‏)‏ الواو استئنافية والباء تعليلية والميم أصلها ما الاستفهامية فحذفت منها الألف تخفيفا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وتكفرن العشير‏)‏ أي تجحدن حق الخليط - وهو الزوج - أو أعم من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من ناقصات‏)‏ صفة موصوف محذوف قال الطيبي في قوله ‏"‏ ما رأيت من ناقصات الخ ‏"‏ زيادة على الجواب تسمى الاستتباع، كذا قال وفيه نظر، ويظهر لي أن ذلك من جملة أسباب كونهن أكثر أهل النار، لأنهن إذا كن سببا لإذهاب عقل الرجل الحازم حتى يفعل أو يقول ما لا ينبغي فقد شاركنه في الإثم وزدن عليه‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏أذهب‏)‏ أي أشد إذهابا، واللب أخص من العقل وهو الخالص منه، ‏(‏الحازم الضابط لأمره، وهذه مبالغة في وصفهن بذلك لأن الضابط لأمره إذا كان ينقاد لهن فغير الضابط أولى، واستعمال أفعل التفضيل من الإذهاب جائز عند سيبويه حيث جوزه من الثلاثي والمزيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلن‏:‏ وما نقصان ديننا‏)‏ ‏؟‏ كأنه خفي عليهن ذلك حتى سألن عنه، ونفس السؤال دال على النقصان لأنهن سلمن ما نسب إليهن من الأمور الثلاثة - الإكثار والكفران والإذهاب - ثم استشكلن كونهن ناقصات‏.‏

وما ألطف ما أجابهن به صلى الله عليه وسلم من غير تعنيف ولا لوم، بل خاطبهن على قدر عقولهن، وأشار بقوله ‏"‏ مثل نصف شهادة الرجل ‏"‏ إلى قوله تعالى ‏(‏فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء‏)‏ لأن الاستظهار بأخرى مؤذن بقلة ضبطها وهو مشعر بنقص عقلها، وحكى ابن التين عن بعضهم أنه حمل العقل هنا على الدية وفيه بعد قلت‏:‏ بل سياق الكلام يأباه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذلك‏)‏ بكسر الكاف خطابا التي تولت الخطاب، ويجوز فتحها على أنه للخطاب العام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم تصل ولم تصم‏)‏ فيه إشعار بأن منع الحائض من الصوم والصلاة كان ثابتا بحكم الشرع قبل ذلك المجلس‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد‏:‏ مشروعية الخروج إلى المصلى في العيد، وأمر الإمام الناس بالصدقة فيه، واستنبط منه بعض الصوفية جواز الطلب من الأغنياء للفقراء وله شروط، وفيه حضور النساء العيد، لكن بحيث ينفردن عن الرجال خوف الفتنة، وفيه جواز عظة الإمام النساء على حدة وقد تقدم في العلم، وفيه أن جحد النعم حرام، وكذا كثرة استعمال الكلام القبيح كاللعن والشتم، استدل النووي على أنهما من الكبائر بالتوعد عليها بالنار، وفيه ذم اللعن وهو الدعاء بالإبعاد من رحمة الله تعالى، وهو محمول على ما إذا كان في معين، وفيه إطلاق الكفر على الذنوب التي لا تخرج عن الملة تغليظا على فاعلها لقوله في بعض طرقه ‏"‏ بكفرهن ‏"‏ كم تقدم في الإيمان، وهو كإطلاق نفي الإيمان، وفيه الإغلاظ في النصح بما يكون سببا لإزالة الصفة التي تعاب، وأن لا يواجه بذلك الشخص المعين لأن التعميم تسهيلا على السامع، وفيه أن الصدقة تدفع العذاب، وأنها قد تكفر الذنوب التي بين المخلوقين، وأن العقل يقبل الزيادة والنقصان، وكذلك الإيمان كما تقدم، وليس المقصود بذكر النقص في النساء لومهن على ذلك لأنه من أصل الخلقة، لكن التنبيه على ذلك تحذيرا من الافتتان بهن، ولهذا رتب العذاب على ما ذكر من الكفران وغيره لا على النقص، وليس، نقص، الدين منحصرا فيما يحصل به الإثم بل في أعم من ذلك قاله النووي، لأنه أمر نسبي، فالكامل مثلا ناقص عن الأكمل، ومن ذلك الحائض لا تأثم بترك الصلاة زمن الحيض لكنها ناقصة عن المصلي، وهل تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به كما يثاب المريض على النوافل التي كان يعملها في صحته وشغل بالمرض عنها‏؟‏ قال النووي‏:‏ الظاهري أنها لا تثاب، والفرق بينها وبين المريض أنه كان يفعلها بنية الدوام عليها مع أهليته، والحائض ليست كذلك‏.‏

وعندي - في كون هذا الفرق مستلزما لكونها لا تثاب - وقفة، وفي الحديث أيضا مراجعة المتعلم لمعلمه والتابع لمتبوعه فيما لا يظهر له معناه، وفيه ما كان عليه صلى الله عليه وسلم من الخلق العظيم والصفح الجميل والرفق والرأفة، زاده الله تشريفا وتكريما وتعظيما‏.‏

*3*باب تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلَّا الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ لَا بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الْآيَةَ وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ بَأْسًا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ الْحُيَّضُ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ هِرَقْلَ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ الْآيَةَ وَقَالَ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ حَاضَتْ عَائِشَةُ فَنَسَكَتْ الْمَنَاسِكَ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَا تُصَلِّي وَقَالَ الْحَكَمُ إِنِّي لَأَذْبَحُ وَأَنَا جُنُبٌ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب تقضي الحائض‏)‏ أي تؤدي ‏(‏المناسك كلها إلا الطواف بالبيت‏)‏ قيل مقصود البخاري بما ذكر في هذا الباب من الأحاديث والآثار أن الحيض وما في معناه من الجنابة لا ينافي جميع العبادات، بل صحت معه عبادات بدنية من أذكار وغيرها، فمناسك الحج من جملة ما لا ينافها، إلا الطواف فقط‏.‏

وفي كون هذا مراده نظر، لأن كون مناسك الحج كذلك حاصل بالنص فلا يحتاج إلى الاستدلال عليه، والأحسن ما قاله ابن رشيد تبعا لابن بطال وغيره‏:‏ إن مراده الاستدلال على جواز قراءة الحائض والجنب بحديث عائشة رضي الله عنها، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يستثن من جميع مناسك الحج إلا الطواف، وإنما استثناه لكونه صلاة مخصوصة، وأعمال الحج مشتملة على ذكر وتلبيه ودعاء، ولم تمنع الحائض من شيء من ذلك، فكذلك الجنب لأن حدثها أغلظ من حدثه، ومنع القراءة إن كان لكونه ذكرا لله فلا فرق بينه وبين ما ذكر، وإن كان تعبدا فيحتاج إلى دليل خاص، ولم يصح عند المصنف شيء من الأحاديث الواردة في ذلك، وإن كان مجموع ما ورد في ذلك تقوم به الحجة عند غيره لكن أكثرها قابل للتأويل كما سنشير إليه، ولهذا تمسك البخاري ومن قال بالجواز غيره كالطبري وابن المنذر وداود بعموم حديث ‏"‏ كان يذكر الله على كل أحيانه ‏"‏ لأن الذكر أعم من أن يكون بالقرآن أو بغيره، وإنما فرق بين الذكر والتلاوة بالعرف والحديث المذكور وصله مسلم من حديث عائشة، وأورد المصنف أثر إبراهيم وهو النخعي بأن منع الحائض من القراءة ليس مجمعا عليه، وقد وصله الدارمي وغيره بلفظ ‏"‏ أربعة لا يقرءون القرآن‏:‏ الجنب والحائض وعند الخلاء وفي الحمام، إلا الآية ونحوها للجنب والحائض‏"‏، وروي عن مالك نحو قول إبراهيم وروي عنه الجواز مطلقا وروي عنه الجواز للحائض دون الجنب، وقد قيل إنه قول الشافعي في القديم، ثم أورد أثر ابن عباس، وقد وصله ابن المنذر بلفظ ‏"‏ إن عباس كان يقرأ ورده وهو جنب ‏"‏ وأما حديث أم عطية فوصله المؤلف في العيدين‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ ويدعون ‏"‏ كذا لأكثر الرواة، وللكشميهني ‏"‏ يدعين ‏"‏ بياء تحتانية بدل الواو، ووجه الدلالة منه ما تقدم من أنه لا فرق بين التلاوة وغيرها، ثم أورد المصنف طرفا من حديث أبي سفيان في قصة هرقل وهو موصول عنده في بدء الوحي وغيره، ووجه الدلالة منه أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى الروم وهم كفار والكافر جنب، كأنه يقول‏:‏ إذا جاز مس الكتاب للجنب مع كونه مشتملا على آيتين فكذلك يجوز له قراءته، كذا قاله ابن رشيد‏.‏

وتوجيه الدلالة منه إنما هي من حيث إنه إنما كتب إليهم ليقرءوه فاستلزم جواز القراءة بالنص لا بالاستنباط، وقد أجيب ممن منع ذلك - وهم الجمهور - بأن الكتاب اشتمل على أشياء غير الآيتين، فأشبه ما لو ذكر بعض القرآن في كتاب في الفقه أو في التفسير فإنه لا يمنع قراءته ولا مسه عند الجمهور لأنه لا يقصد منه التلاوة، ونص أحمد أنه يجوز مثل ذلك في المكاتبة لمصلحة التبليغ‏.‏

وقال به كثير من الشافعية، ومنهم من خص الجواز بالقليل كالآية والآيتين، قال الثوري‏:‏ لا بأس أن يعلم الرجل النصراني الحرف من القرآن عسى الله أن يهديه، وأكره أن يعلمه الآية هو كالجنب، وعن أحمد أكره أن يضع القرآن في غير موضعه، وعنه إن رجى منه الهداية جاز وإلا فلا‏.‏

وقال بعض من منع‏:‏ لا دلالة في القصة على جواز تلاوة الجنب القرآن، لأن الجنب إنما منع التلاوة إذا قصدها وعرف أن الذي يقرأه قرآن، أما لو قرأ في ورقة ما لا يعلم أنه من القرآن فإنه لا يمنع، وكذلك الكافر‏.‏

وسيأتي مزيد لهذا في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ ذكر صاحب المشارق أنه وقع في رواية القابسي والنسفي وعبدوس هنا ‏(‏ويا أهل الكتاب‏)‏ بزيادة واو قال‏:‏ وسقطت لأبي ذر والأصيلي وهو الصواب‏.‏

قلت فافهم أن الأولى خطأ لكونها مخالفة للتلاوة، وليست خطأ، وقد تقدم توجيه إثبات الواو في بدء الوحي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عطاء عن جابر‏)‏ هو طرف من حديث موصول عند المصنف في كتاب الأحكام وفي آخره ‏"‏ غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تصلي، وأما أثر الحكم - وهو الفقيه الكوفي - فوصله البغوي في الجعديات من روايته عن علي بن الجعد عن شعبة عنه، ووجه الدلالة منه أن الذبح مستلزم لذكر الله بحكم الآية التي ساقها، وفي جميع ما استدل به نزاع يطول ذكره، ولكن الظاهر من تصرفه ما ذكرناه‏.‏

واستدل الجمهور على المنع بحديث علي ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحجبه عن القرآن شيء، ليس الجنابة ‏"‏ رواه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن حبان، وضعف بعضهم بعض رواته، والحق أنه من قبيل الحسن يصلح للحجة، لكن قيل‏:‏ في الاستدلال به نظر، لأنه فعل مجرد فلا يدل على تحريم ما عداه، وأجاب الطبري عنه بأنه محمول على الأكمل جمعا بين الأدلة، وأما حديث ابن عمر مرفوعا ‏"‏ لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن ‏"‏ فضعيف من جميع طرقه، وقد تقدم الكلام على حديث عائشة في أول كتاب الحيض، وقولها ‏"‏ طمثت ‏"‏ بفتح الميم وإسكان المثلثة أي حضت، ويجوز كسر الميم يقال طمثت المرأة بالفتح والكسر في الماضي تطمث بالضم في المستقبل‏.‏