فصل: سورة الْحَجِّ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*سورة كهيعص

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ اللَّهُ يَقُولُهُ وَهُمْ الْيَوْمَ لَا يَسْمَعُونَ وَلَا يُبْصِرُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ يَعْنِي قَوْلَهُ أَسْمِعْ بِهِمْ وَأَبْصِرْ الْكُفَّارُ يَوْمَئِذٍ أَسْمَعُ شَيْءٍ وَأَبْصَرُهُ لَأَرْجُمَنَّكَ لَأَشْتِمَنَّكَ وَرِئْيًا مَنْظَرًا وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حَتَّى قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا تُزْعِجُهُمْ إِلَى الْمَعَاصِي إِزْعَاجًا وَقَالَ مُجَاهِدٌ إِدًّا عِوَجًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وِرْدًا عِطَاشًا أَثَاثًا مَالًا إِدًّا قَوْلًا عَظِيمًا رِكْزًا صَوْتًا غَيًّا خُسْرَانًا وَقَالَ مُجَاهِدٌ فَلْيَمْدُدْ فَلْيَدَعْهُ وَقَالَ غَيْرُهُ بُكِيًّا جَمَاعَةُ بَاكٍ صِلِيًّا صَلِيَ يَصْلَى نَدِيًّا وَالنَّادِي وَاحِدٌ مَجْلِسًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - سورة كهيعص‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر، وهي له بعد الترجمة‏.‏

وروى الحاكم من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ الكاف من كريم، والهاء من هادي، والياء من حكيم، والعين من عليم، والصاد من صادق ‏"‏ ومن وجه آخر عن سعيد نحوه لكن قال‏:‏ ‏"‏ يمين ‏"‏ بدل حكيم، و ‏"‏ عزيز ‏"‏ بدل عليم‏.‏

وللطبري من وجه آخر عن سعيد نحوه لكن قال‏:‏ ‏"‏ الكاف من الكبير ‏"‏ وروى الطبري طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ كهيعص قسم، أقسم الله به، وهو من أسمائه ‏"‏ ومن طريق فاطمة بنت علي قالت‏:‏ ‏"‏ كان علي يقول‏:‏ يا كهيعص اغفر لي ‏"‏ وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ هي اسم من أسماء القرآن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ أسمع بهم وأبصر الله يقوله، وهم اليوم لا يسمعون ولا يبصرون في ضلال مبين ‏"‏ يعني بقوله‏:‏ ‏(‏أسمع بهم وأبصر‏)‏ الكفار يومئذ أسمع شيء وأبصره‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس، وعند عبد الرزاق عن قتادة ‏(‏أسمع بهم وأبصر‏)‏ يعني يوم القيامة‏.‏

زاد الطبري من وجه آخر عن قتادة‏:‏ سمعوا حين لا ينفعهم السمع، وأبصروا حين لا ينفعهم البصر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأرجمنك لأشتمنك‏)‏ وصله ابن أبي حاتم بإسناد الذي قبله، ومن وجه آخر عن ابن عباس قال‏:‏ الرجم الكلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورئيا منظرا‏)‏ وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس به، ولابن أبي حاتم من طريق أبي ظبيان عن ابن عباس قال‏:‏ الأثاث المتاع، والرئي المنظر‏.‏

ومن طريق أبي رزين قال‏:‏ الثياب‏.‏

ومن طريق الحسن البصري قال‏:‏ الصور‏.‏

وسيأتي مثله عن قتادة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو وائل إلخ‏)‏ تقدم في أحاديث الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عيينة ‏(‏تؤزهم أزا‏)‏ تزعجهم إلى المعاصي إزعاجا‏)‏ كذا هو في ‏"‏ تفسير ابن عيينة ‏"‏ ومثله عند عبد الرزاق، وذكره عبد بن حميد عن عمرو بن سعد وهو أبو داود الحفري عن سفيان وهو الثوري قال‏:‏ تغريهم إغراء‏.‏

ومثله عند ابن أبي حاتم عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، ومن طريق السدي‏:‏ تطغيهم طغيانا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ إدا عوجا‏)‏ سقط هذا من رواية أبي ذر، وقد وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ وردا عطاشا‏)‏ تقدم في بدء الخلق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أثاثا‏)‏ مالا، وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة ‏(‏أحسن أثاثا ورئيا‏)‏ قال‏:‏ أكثر أموالا وأحسن صورا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إدا قولا عظيما‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غيا خسرانا‏)‏ ثبت لغير أبي ذر، وقد وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏.‏

وقال ابن مسعود‏:‏ الغي واد في جهنم بعيد القعر، أخرجه الحاكم والطبري‏.‏

ومن طريق عبد الله بن عمرو بن العاص مثله، ومن طريق أبي أمامة مرفوعا مثله وأتم منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ركزا صوتا‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وعند عبد الرزاق عن قتادة مثله‏.‏

وقال الطبري‏:‏ الركز في كلام العرب الصوت الخفي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ بكيا جماعة باك‏)‏ هو قول أبي عبيدة، وتعقب بأن قياس جمع باك بكاة مثل قاض وقضاة، وأجاب الطبري بأن أصله بكوا بالواو الثقيلة مثل قاعد وقعود فقلبت الواو ياء لمجيئها بعد كسرة، وقيل هو مصدر على وزن فعول مثل جلس جلوسا، ثم قال‏:‏ يجوز أن يكون المراد بالبكي نفس البكاء، ثم أسند عن عمر أنه قرأ هذه الآية فسجد ثم قال‏:‏ ويحك هذا السجود فأين البكاء‏؟‏ كذا قال، وكلام عمر يحتمل أن يريد الجماعة أيضا أي أين القوم البكي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صليا صلي يصلى‏)‏ هو قول أبي عبيدة وزاد‏:‏ والصلي فعول، ولكن انقلبت الواو ياء ثم أدغمت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نديا والنادي واحد مجلسا‏)‏ قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏وأحسن نديا‏)‏ قال‏:‏ مجلسا‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏وأحسن نديا‏)‏ ‏:‏ أي مجلسا، والندي والنادي واحد والجمع أندية، وقيل أخذ من الندى وهو الكرم لأن الكرماء يجتمعون فيه، ثم أطلق على كل مجلس‏.‏

وقال ابن إسحاق في ‏"‏ السيرة ‏"‏ في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فليدع ناديه‏)‏ النادي المجلس، ويطلق على الجلساء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ فليمدد فليدعه‏)‏ هو بفتح الدال وسكون العين، وصله الفريابي بلفظ ‏"‏ فليدعه الله في طغيانه ‏"‏ أي يمهله إلى مدة، وهو بلفظ الأمر والمراد به الإخبار‏.‏

وروى ابن أبي حاتم من طريق حبيب بن أبي ثابت قال في حرف أبي بن كعب‏:‏ ‏"‏ قل من كان في الضلالة ‏"‏ فإن الله يزيده ضلالة‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله عز وجل‏:‏ وأنذرهم يوم الحسرة‏)‏ ذكر فيه حديث أبي سعيد في ذبح الموت، وسيأتي في الرقاق مشروحا، وقوله فيه‏:‏ ‏"‏ فيشرئبون ‏"‏ بمعجمة وراء مفتوحة ثم همزة مكسورة ثم موحدة ثقيلة مضمومة أي يمدون أعناقهم ينظرون‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ أملح ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ الحكمة في ذلك أن يجمع بين صفتي أهل الجنة والنار السواد والبياض‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُؤْتَى بِالْمَوْتِ كَهَيْئَةِ كَبْشٍ أَمْلَحَ فَيُنَادِي مُنَادٍ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ ثُمَّ يُنَادِي يَا أَهْلَ النَّارِ فَيَشْرَئِبُّونَ وَيَنْظُرُونَ فَيَقُولُ هَلْ تَعْرِفُونَ هَذَا فَيَقُولُونَ نَعَمْ هَذَا الْمَوْتُ وَكُلُّهُمْ قَدْ رَآهُ فَيُذْبَحُ ثُمَّ يَقُولُ يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ فَلَا مَوْتَ ثُمَّ قَرَأَ وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهَؤُلَاءِ فِي غَفْلَةٍ أَهْلُ الدُّنْيَا وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏ثم قرأ وأنذرهم‏)‏ في رواية سعيد بن منصور عن أبي معاوية عن الأعمش في آخر الحديث ‏"‏ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏"‏ فيستفاد منه انتفاء الإدراج‏.‏

وللترمذي من وجه آخر عن الأعمش في أول الحديث ‏"‏ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ وأنذرهم يوم الحسرة، فقال‏:‏ يؤتى بالموت إلخ‏"‏‏.‏

*3*باب وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ وما نتنزل إلا بأمر ربك، له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك‏)‏ قال عبد الرزاق، عن معمر عن قتادة‏:‏ ‏"‏ ما بين أيدينا الآخرة، وما خلفنا الدنيا، وما بين ذلك ما بين النفختين‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ ذَرٍّ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِجِبْرِيلَ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَزُورَنَا أَكْثَرَ مِمَّا تَزُورُنَا فَنَزَلَتْ وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل‏:‏ ما يمنعك أن تزورنا‏)‏ روى الطبري من طريق العوفي وابن مردويه من طريق سماك بن حرب عن سعيد بن جبير كلاهما عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ احتبس جبريل عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وروى عبد بن حميد وابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال‏:‏ ‏"‏ أبطأ جبريل في النزول أربعين يوما، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ يا جبريل ما نزلت حتى اشتقت إليك، قال‏:‏ أنا كنت أشوق إليك، ولكني مأمور، وأوحى الله إلى جبريل قل له‏:‏ ‏(‏وما نتنزل إلا بأمر ربك‏)‏ ‏"‏ وروى ابن مردويه في سبب ذلك من طريق زياد النميري أن أنس قال‏:‏ ‏"‏ سئل النبي صلى الله عليه وسلم أي البقاع أحب إلى الله وأيها أبغض إلى الله‏؟‏ قال‏:‏ ما أدري حتى أسأل فنزل جبريل وكان قد أبطأ عليه ‏"‏ الحديث‏.‏

وعند ابن إسحاق من وجه آخر عن ابن عباس ‏"‏ أن قريشا لما سألوا عن أصحاب الكهف فمكث النبي صلى الله عليه وسلم خمس عشرة ليلة لا يحدث الله له في ذلك وحيا، فلما نزل جبريل قال له‏:‏ أبطأت ‏"‏ فذكره‏.‏

وحكى ابن التين للداودي في هذا الموضع كلاما في استشكال نزول الوحي في القضايا الحادثة، مع أن القرآن قديم‏.‏

وجوابه واضح فلم أتشاغل به هنا، لكن ألممت به في كتاب التوحيد‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ الأمر في هذه الآية معناه الإذن بدليل سبب النزول المذكور، ويحتمل الحكم أي نتنزل مصاحبين لأمر الله عباده بما أوجب عليهم أو حرم، ويحتمل أن يكون المراد ما هو أعم من ذلك عند من يجيز حمل اللفظ على جميع معانيه‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا‏)‏ قراءة الأكثر بفتحتين، والكوفيين سوى عاصم بضم ثم سكون، قال الطبري‏:‏ لعلهم أرادوا التفرقة بين الواحد والجمع، لكن قراءة الفتح أشمل وهي أعجب إلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الأعمش عن أبي الضحى‏)‏ كذا رواه بشر بن موسى وغير واحد عن الحميدي، وأخرجه ابن مردويه من وجه آخر عن الحميدي بهذا الإسناد فقال‏:‏ ‏"‏ عن أبي وائل ‏"‏ بدل أبي الضحى والأول أصوب، وشذ حماد بن شعيب فقال أيضا عن الأعمش عن أبي وائل، وأخرجه ابن مردويه أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ سَمِعْتُ خَبَّابًا قَالَ جِئْتُ الْعَاصَ بْنَ وَائِلٍ السَّهْمِيَّ أَتَقَاضَاهُ حَقًّا لِي عِنْدَهُ فَقَالَ لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ لَا حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ قَالَ وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ إِنَّ لِي هُنَاكَ مَالًا وَوَلَدًا فَأَقْضِيكَهُ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا رَوَاهُ الثَّوْرِيُّ وَشُعْبَةُ وَحَفْصٌ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَوَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏جئت العاص بن وائل السهمي‏)‏ هو والد عمرو بن العاص الصحابي المشهور، وكان له قدر في الجاهلية ولم يوفق للإسلام، قال ابن الكلبي‏:‏ كان من حكام قريش، وقد تقدم في ترجمة عمر بن الخطاب أنه أجار عمر بن الخطاب حين أسلم‏.‏

وقد أخرج الزبير بن بكار هذه القصة مطولة وفيها ‏"‏ أن العاص بن وائل قال‏:‏ رجل اختار لنفسه أمرا، فما لكم وله‏؟‏ فرد المشركين عنه ‏"‏ وكان موته بمكة قبل الهجرة، وهو أحد المستهزئين‏.‏

قال عبد الله بن عمرو‏:‏ سمعت أبي يقول‏:‏ عاش أبي خمسا وثمانين، وإنه ليركب حمارا إلى الطائف فيمشي عنه أكثر مما يركب، ويقال أن حماره رماه على شوكة أصابت رجله فانتفخت فمات منها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أتقاضاه حقا لي عنده‏)‏ بين في الرواية التي بعده هذه أنه أجره سيفا عمله له‏.‏

وقال فيها‏:‏ ‏"‏ كنت قينا ‏"‏ وهو بفتح القاف وسكون التحتانية بعدها نون وهو الحداد، ولأحمد من وجه آخر عن الأعمش ‏"‏ فاجتمعت لي عند العاص بن وائل دراهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلت لا‏)‏ أي لا أكفر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى تموت ثم تبعث‏)‏ مفهومه أنه يكفر حينئذ لكنه لم يرد ذلك لأن الكفر حينئذ لا يتصور، فكأنه قال‏:‏ لا أكفر أبدا‏.‏

والنكتة في تعبيره بالبعث تعيير العاص بأنه لا يؤمن به، وبهذا التقرير يندفع إيراد من استشكل قوله هذا فقال‏:‏ علق الكفر، ومن علق الكفر كفر، وأجاب بأنه خاطب العاص بما ينتقده فعلق على ما يستحيل بزعمه، والتقرير الأول يغني عن هذا الجواب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأقضيك، فنزلت‏)‏ زاد ابن مردويه من وجه آخر عن الأعمش ‏"‏ فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه الثوري وشعبة وحفص وأبو معاوية ووكيع عن الأعمش‏)‏ أما رواية الثوري فوصلها بعد هذا، وكذا رواية شعبة ووكيع، وأما رواية حفص وهو ابن غياث فوصلها في الإجارة، وأما رواية أبي معاوية فوصلها أحمد قال‏:‏ ‏"‏ حدثنا أبو معاوية حدثنا الأعمش به - وفيه - قال‏:‏ فإني إذا مت ثم بعثت جئتني ولي ثم مال وولد فأعطيك، فأنزل الله‏:‏ أفرأيت الذي كفر بآياتتا - إلى قوله - ويأتينا فردا ‏"‏ وأخرجه مسلم والترمذي والنسائي من رواية أبي معاوية‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا قَالَ مَوْثِقًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا‏.‏

قال‏:‏ موثقا‏)‏ سقط قوله‏.‏

‏(‏موثقا‏)‏ من رواية أبي ذر، وساق المؤلف الحديث من رواية الثوري وقال في آخره‏:‏ ‏"‏ أم اتخذ عند الرحمن عهدا، قال‏:‏ موثقا ‏"‏ وكذا أخرجه ابن أبي حاتم عن أبيه عن محمد بن كثير شيخ البخاري فيه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ خَبَّابٍ قَالَ كُنْتُ قَيْنًا بِمَكَّةَ فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ السَّهْمِيِّ سَيْفًا فَجِئْتُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ لَا أُعْطِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ قُلْتُ لَا أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ يُحْيِيَكَ قَالَ إِذَا أَمَاتَنِي اللَّهُ ثُمَّ بَعَثَنِي وَلِي مَالٌ وَوَلَدٌ فَأَنْزَلَ اللَّهُ أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لَأُوتَيَنَّ مَالًا وَوَلَدًا أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمْ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا قَالَ مَوْثِقًا لَمْ يَقُلْ الْأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ سَيْفًا وَلَا مَوْثِقًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يقل الأشجعي عن سفيان سيفا ولا موثقا‏)‏ هو كذلك في تفسير الثوري رواية الأشجعي عنه‏.‏

*3*باب كَلَّا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَهُ مِنْ الْعَذَابِ مَدًّا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا‏)‏ ساق فيه الحديث المذكور من رواية شعبة عن الأعمش‏.‏

*3*باب قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْجِبَالُ هَدًّا هَدْمًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ونرثه ما يقول ويأتينا فردا‏)‏ ساق فيه الحديث المذكور من رواية وكيع وسياقه أتم كسياق أبي معاوية، ويحيى شيخه هو ابن موسى، ويؤخذ من هذا السياق الجواب عن إيراد المصنف الآيات المذكورة في هذه الأبواب مع أن القصة واحدة، فكأنه أشار إلى أنها كلها نزلت في هذه القصة بدليل هذه الرواية وما وافقها‏.‏

قوله في الترجمة ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ هدا هدما‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه‏.‏

*3*سورة طه

قَالَ عِكْرِمَةُ وَالضَّحَّاكُ بِالنَّبَطِيَّةِ أَيْ طَهْ يَا رَجُلُ يُقَالُ كُلُّ مَا لَمْ يَنْطِقْ بِحَرْفٍ أَوْ فِيهِ تَمْتَمَةٌ أَوْ فَأْفَأَةٌ فَهِيَ عُقْدَةٌ وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَلْقَى صَنَعَ أَزْرِي ظَهْرِي فَيَسْحَتَكُمْ يُهْلِكَكُمْ الْمُثْلَى تَأْنِيثُ الْأَمْثَلِ يَقُولُ بِدِينِكُمْ يُقَالُ خُذْ الْمُثْلَى خُذْ الْأَمْثَلَ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا يُقَالُ هَلْ أَتَيْتَ الصَّفَّ الْيَوْمَ يَعْنِي الْمُصَلَّى الَّذِي يُصَلَّى فِيهِ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خَوْفًا فَذَهَبَتْ الْوَاوُ مِنْ خِيفَةً لِكَسْرَةِ الْخَاءِ فِي جُذُوعِ أَيْ عَلَى جُذُوعِ النَّخْلِ خَطْبُكَ بَالُكَ مِسَاسَ مَصْدَرُ مَاسَّهُ مِسَاسًا لَنَنْسِفَنَّهُ لَنَذْرِيَنَّهُ قَاعًا يَعْلُوهُ الْمَاءُ وَالصَّفْصَفُ الْمُسْتَوِي مِنْ الْأَرْضِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ أَوْزَارًا أَثْقَالًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ وَهِيَ الْحُلِيُّ الَّتِي اسْتَعَارُوا مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ وَهِيَ الْأَثْقَالُ فَقَذَفْتُهَا فَأَلْقَيْتُهَا أَلْقَى صَنَعَ فَنَسِيَ مُوسَى هُمْ يَقُولُونَهُ أَخْطَأَ الرَّبَّ لَا يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلًا الْعِجْلُ هَمْسًا حِسُّ الْأَقْدَامِ حَشَرْتَنِي أَعْمَى عَنْ حُجَّتِي وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا فِي الدُّنْيَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِقَبَسٍ ضَلُّوا الطَّرِيقَ وَكَانُوا شَاتِينَ فَقَالَ إِنْ لَمْ أَجِدْ عَلَيْهَا مَنْ يَهْدِي الطَّرِيقَ آتِكُمْ بِنَارٍ تُوقِدُونَ وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ أَمْثَلُهُمْ أَعْدَلُهُمْ طَرِيقَةً وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هَضْمًا لَا يُظْلَمُ فَيُهْضَمُ مِنْ حَسَنَاتِهِ عِوَجًا وَادِيًا وَلَا أَمْتًا رَابِيَةً سِيرَتَهَا حَالَتَهَا الْأُولَى النُّهَى التُّقَى ضَنْكًا الشَّقَاءُ هَوَى شَقِيَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ الْمُبَارَكِ طُوًى اسْمُ الْوَادِي يَفْرُطُ عُقُوبَةً بِمِلْكِنَا بِأَمْرِنَا مَكَانًا سِوًى مَنْصَفٌ بَيْنَهُمْ يَبَسًا يَابِسًا عَلَى قَدَرٍ مَوْعِدٍ لَا تَنِيَا تَضْعُفَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة طه - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ قال عكرمة والضحاك‏:‏ بالنبطية أي طه يا رجل، كذا لأبي ذر والنسفي، ولغيرهما قال ابن جبير أي سعيد، فأما قول عكرمة في ذلك فوصله ابن أبي حاتم من رواية حصين بن عبد الرحمن عن عكرمة في قوله طه ‏"‏ أي طه يا رجل ‏"‏ وأخرجه الحاكم من وجه آخر عن عكرمة عن ابن عباس في قوله طه‏:‏ ‏"‏ قال‏:‏ هو كقولك يا محمد بالحبشية ‏"‏ وأما قول الضحاك فوصله الطبري من طريق قرة بن خالد عن الضحاك بن مزاحم في قوله طه‏:‏ ‏"‏ قال‏:‏ يا رجل بالنبطية ‏"‏ وأخرجه عبد بن حميد من وجه آخر قال‏:‏ قال رجل من بني مازن ما يخفى علي من القرآن شيء، فقال له الضحاك‏:‏ ما طه‏؟‏ قال‏:‏ اسم من أسماء الله تعالى، قال‏:‏ إنما هو بالنبطية يا رجل‏.‏

وسيأتي الكلام على النبط في سورة الرحمن‏.‏

وأما قول سعيد بن جبير فرويناه في ‏"‏ الجعديات ‏"‏ للبغوي، وفي ‏"‏ مصنف ابن أبي شيبة ‏"‏ من طريق سالم الأفطس عنه مثل قول الضحاك، وزاد الحارث في مسنده من هذا الوجه فيه ابن عباس‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن وعن قتادة ‏"‏ قالا في قوله طه قال‏:‏ يا رجل ‏"‏ وعند عبد بن حميد عن الحسن وعطاء مثله، ومن طريق الربيع بن أنس قال‏:‏ ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى قام على رجل ورفع أخرى، فأنزل الله تعالى طه، أي طأ الأرض ‏"‏ ولابن مردويه من حديث علي نحوه بزيادة أن ذلك لطول قيام الليل، وقرأت بخط الصدفي في هامش نسخته‏:‏ بلغنا أن موسى عليه السلام حين كلمه الله قام على أطراف أصابعه خوفا، فقال الله عز وجل طه أي اطمئن‏.‏

وقال الخليل بن أحمد‏:‏ من قرأ طه بفتح ثم سكون فمعناه يا رجل، وقد قيل إنها لغة عك، ومن قرأ بلفظ الحرفين فمعناه اطمئن أو طأ الأرض‏.‏

قلت‏:‏ جاء عن ابن الكلبي أنه لو قيل لعكي يا رجل لم يجب حتى يقال له طه‏.‏

وقرأ بفتح ثم سكون الحسن وعكرمة، وهي اختيار ورش، وقد وجهوها أيضا على أنها فعل أمر من الوطء إما بقلب الهمزة ألفا أو بإبدالها هاء، فيوافق ما جاء عن الربيع بن أنس فإنه على قوله يكون قد أبدل الهمزة ألفا ولم يحذفها في الأمر نظرا إلى أصلها، لكن في قراءة ورش حذف المفعول البتة، وعلى ما نقل الربيع بن أنس يكون المفعول هو الضمير وهو للأرض، وإن لم يتقدم لها ذكر لما دل عليه الفعل، وعلى ما تقدم يكون اسما‏.‏

وقد قيل إن طه من أسماء السورة كما قيل في غيرها من الحروف المقطعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد ألقى صنع‏:‏ أزري‏:‏ ظهري، فيسحتكم‏:‏ يهلككم‏)‏ تقدم ذلك كله في قصة موسى من أحاديث الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المثلى‏:‏ تأنيث الأمثل إلخ‏)‏ هو قول أبي عبيدة وقد تقدم شرحه في قصة موسى أيضا، وكذلك قوله‏:‏ ‏(‏فأوجس في نفسه خيفة‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏في جذوع النخل‏)‏ و ‏(‏خطبك‏)‏ و ‏(‏مساس‏)‏ و ‏(‏لننسفنه في اليم نسفا‏)‏ وكله كلام أبي عبيدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قاعا يعلوه الماء، والصفصف المستوي من الأرض‏)‏ قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ القاع الصفصف الأرض المستوية‏.‏

وقال الفراء‏:‏ القاع ما انبسط من الأرض ويكون فيه السراب نصف النهار، والصفصف الأملس الذي لا نبات فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ أوزارا أثقالا‏)‏ ثبت هذا لأبي ذر، وهو عند الفريابي من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من زينة القوم‏:‏ الحلي الذي استعاروا من آل فرعون‏)‏ وهو الأثقال، وصله الفريابي أيضا، وقد تقدم في قصة موسى‏.‏

وروى الحاكم من حديث علي قال‏:‏ ‏"‏ عمد السامري إلى ما قدر عليه من الحلي فضربه عجلا، ثم ألقى القبضة في جوفه فإذا هو عجل له خوار ‏"‏ الحديث، وفيه ‏"‏ فعمد موسى إلى العجل فوضع عليه المبارد على شفير الماء فما شرب من ذلك أحد ممن كان عبد العجل إلا اصفر وجهه ‏"‏ وروى النسائي في الحديث الطويل الذي يقال له حديث الفتون عن ابن عباس قال‏:‏ ‏"‏ لما توجه موسى لميقات ربه خطب هارون بني إسرائيل فقال‏:‏ إنكم خرجتم من مصر ولقوم فرعون عندكم ودائع وعواري، وأنا أرى أن نحفر حفيرة ونلقي فيها ما كان عندكم من متاعهم فنحرقه، وكان السامري من قوم يعبدون البقر وكان من جيران بني إسرائيل فاحتمل معهم فرأى أثرا فأخذ منه قبضة فمر بهارون فقال له‏:‏ ألا تلقي ما في يدك‏؟‏ فقال‏:‏ لا ألقيها حتى تدعو الله أن يكون ما أريد، فدعا له فألقاها فقال‏:‏ أريد أن يكون عجلا له جوف يخور، قال ابن عباس‏:‏ ليس له روح، كانت الريح تدخل من دبره وتخرج من فيه فكان الصوت من ذلك، فتفرق بنو إسرائيل عند ذلك فرقا ‏"‏ الحديث بطوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقذفتها ألقيتها، ألقى صنع، فنسي موسى هم يقولونه أخطأ الرب، لا يرجع إليهم قولا‏:‏ العجل‏)‏ تقدم كله في قصة موسى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏همسا حس الأقدام‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وعن قتادة قال‏:‏ ‏"‏ صوت الأقدام ‏"‏ أخرجه عبد الرزاق، وعن عكرمة قال‏:‏ ‏"‏ وطء الأقدام ‏"‏ أخرجه عبد بن حميد‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله همسا قال‏:‏ صوتا خفيا‏.‏

قوله ‏(‏حضرتني أعمى عن حجتي، وقد كنت بصيرا في الدنيا‏)‏ وصله الفريابي من طريق مجاهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس بقبس ضلوا الطريق وكانوا شاتين إلخ‏)‏ وصله ابن عيينة من طريق عكرمة عنه وفي آخره ‏"‏ آنكم بنار توقدون ‏"‏ ووقع في رواية أبي ذر تدفئون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عيينة‏:‏ أمثلهم طريقة أعدلهم‏)‏ كذا هو في ‏"‏ تفسير ابن عيينة ‏"‏ وفي رواية للطبري عن سعيد بن جبير ‏"‏ أوفاهم عقلا ‏"‏ وفي أخرى عنه ‏"‏ أعلمهم في أنفسهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ هضما لا يظلم فيهضم من حسناته‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏فلا يخاف ظلما ولا هضما‏)‏ قال‏:‏ لا يخاف ابن آدم يوم القيامة أن يظلم فيزاد في سيئاته ولا يهضم فينقص من حسناته‏.‏

وعن قتادة عند عبد بن حميد مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عوجا واديا، ولا أمتا رابية‏)‏ وصله ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ العوج بكسر أوله ما اعوج من المسايل والأودية، والأمت الانثناء، يقال مد حبله حتى ما ترك فيه أمتا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ضنكا الشقاء‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وللطبري عن عكرمة مثله، ومن طريق قيس بن أبي حازم في قوله ‏(‏معيشة ضنكا‏)‏ قال‏:‏ رزقا في معصية، وصحح ابن حبان من حديث أبي هريرة مرفوعا في قوله ‏(‏معيشة ضنكا‏)‏ قال‏:‏ عذاب القبر، أورده من وجهين مطولا ومختصرا، وأخرجه سعيد بن منصور والحاكم من حديث أبي سعيد الخدري موقوفا ومرفوعا، والطبراني من حديث ابن مسعود، ورجح الطبري هذا مستندا إلى قوله في آخر الآيات ‏(‏ولعذاب الآخرة أشد وأبقى‏)‏ وفي تفسير الضنك أقوال أخرى‏:‏ قيل الضيق وهذا أشهرها، ويقال إنها كلمة فارسية معناها الضيق وأصلها التنك بمثناة فوقانية بدل الضاد فعربت، وقيل الحرام، وقيل الكسب الخبيث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هوى شقي‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سيرتها‏:‏ حالتها الأولى، وقوله النهى‏:‏ التقى، بالوادي المقدس‏:‏ المبارك، طوى‏:‏ اسم الوادي‏)‏ تقدم كله في أحاديث الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بملكنا‏.‏

بأمرنا، سوى‏:‏ منصف بينهم، يبسا‏:‏ يابسا‏.‏

على قدر‏:‏ على موعد‏)‏ سقط هذا كله لأبي ذر، وقد تقدم في قصة موسى أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يفرط‏:‏ عقوبة‏)‏ قال أبو عبيدة، في قوله‏:‏ ‏(‏أن يفرط علينا‏)‏ قال‏:‏ يقدم علينا بعقوبة، وكل متقدم أو متعجل فارط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تنيا‏.‏

لا تضعفا‏)‏ وصله عبد بن حميد من طريق قتادة مثله، ومن طريق مجاهد كذلك، ومن طريق أخرى ضعيفة عن مجاهد عن ابن عباس، وروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله ‏(‏لا تنيا‏)‏ لا تبطئا‏.‏

*3*باب وَاصْطَنَعْتُكَ لِنَفْسِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب واصطنعتك لنفسي‏)‏ وقع في رواية أبي أحمد الجرجاني ‏"‏ واصطفيتك ‏"‏ وهو تصحيف، ولعلها ذكرت على سبيل التفسير؛

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بْنُ مَيْمُونٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْتَقَى آدَمُ وَمُوسَى فَقَالَ مُوسَى لِآدَمَ آنْتَ الَّذِي أَشْقَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنْ الْجَنَّةِ قَالَ آدَمُ أَنْتَ مُوسَى الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَاصْطَفَاكَ لِنَفْسِهِ وَأَنْزَلَ عَلَيْكَ التَّوْرَاةَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَوَجَدْتَهَا كُتِبَ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي قَالَ نَعَمْ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في محاجة موسى وآدم عليهما السلام وسيأتي شرحه في كتاب القدر‏.‏

*3*باب وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا

لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَمَا هَدَى الْيَمُّ الْبَحْرُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ولقد أوحينا إلى موسى إلخ‏)‏ وقع عند غير أبي ذر ‏"‏ وأوحينا إلى موسى ‏"‏ وهو خلاف التلاوة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اليم البحر‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق أسباط بن نصر عن السدي

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ وَالْيَهُودُ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَسَأَلَهُمْ فَقَالُوا هَذَا الْيَوْمُ الَّذِي ظَهَرَ فِيهِ مُوسَى عَلَى فِرْعَوْنَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَحْنُ أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ فَصُومُوهُ

الشرح‏:‏

ابن عباس في صيام عاشوراء، وقد سبق شرحه في كتاب الصيام مستوفى‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنْ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى‏)‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ النَّجَّارِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ حَاجَّ مُوسَى آدَمَ فَقَالَ لَهُ أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنْ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وَأَشْقَيْتَهُمْ قَالَ قَالَ آدَمُ يَا مُوسَى أَنْتَ الَّذِي اصْطَفَاكَ اللَّهُ بِرِسَالَتِهِ وَبِكَلَامِهِ أَتَلُومُنِي عَلَى أَمْرٍ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي أَوْ قَدَّرَهُ عَلَيَّ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَنِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في محاجة موسى وآدم عليهما السلام وسيأتي في القدر إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*سُورَةُ الْأَنْبِيَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الأنبياء - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ ذكر فيه حديث ابن مسعود قال‏:‏ بني إسرائيل كذا فيه، وزعم بعض الشراح أنه وهم وليس كذلك بل له وجه وهو أن الأصل سورة بني إسرائيل فحذف المضاف وبقي المضاف إليه على هيئته، ثم وجدت في رواية الإسماعيلي ‏"‏ سمعت ابن مسعود يقول في بني إسرائيل إلخ ‏"‏ وقد تقدم شرحه مستوفى في تفسير سبحان، وزاد في هذه الرواية ما لم يذكره في تلك، وحاصله أنه ذكر خمس سور متوالية، ومقتضى ذلك أنهن نزلن بمكة، لكن اختلف في بعض آيات منهن أما في سبحان فقوله‏:‏ ‏(‏ومن قتل مظلوما‏)‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏(‏وإن كادوا ليستفزونك - إلى - تحويلا‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏ولقد آتينا موسى تسع آيات‏)‏ الآية، وقوله‏:‏ ‏(‏وقل رب أدخلني مدخل صدق‏)‏ الآية‏.‏

وفي الكهف قوله‏:‏ ‏(‏واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم‏)‏ الآية، وقيل من أولها إلى ‏(‏أحسن عملا‏)‏ وفي مريم ‏(‏وإن منكم إلا واردها‏)‏ الآية‏.‏

وفي طه ‏(‏وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها‏)‏ الآية، وفي الأنبياء ‏(‏أفلا يرون أنا نأتي الأرض ننقصها‏)‏ الآية، قيل في جميع ذلك إنه مدني، ولا يثبت شيء من ذلك، والجمهور على أن الجميع مكيات، وشذ من قال خلاف ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطه وَالْأَنْبِيَاءُ هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي وَقَالَ قَتَادَةُ جُذَاذًا قَطَّعَهُنَّ وَقَالَ الْحَسَنُ فِي فَلَكٍ مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ يَسْبَحُونَ يَدُورُونَ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَفَشَتْ رَعَتْ لَيْلًا يُصْحَبُونَ يُمْنَعُونَ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً قَالَ دِينُكُمْ دِينٌ وَاحِدٌ وَقَالَ عِكْرِمَةُ حَصَبُ حَطَبُ بِالْحَبَشِيَّةِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَحَسُّوا تَوَقَّعُوا مِنْ أَحْسَسْتُ خَامِدِينَ هَامِدِينَ وَالْحَصِيدُ مُسْتَأْصَلٌ يَقَعُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ وَالْجَمِيعِ لَا يَسْتَحْسِرُونَ لَا يُعْيُونَ وَمِنْهُ حَسِيرٌ وَحَسَرْتُ بَعِيرِي عَمِيقٌ بَعِيدٌ نُكِّسُوا رُدُّوا صَنْعَةَ لَبُوسٍ الدُّرُوعُ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ اخْتَلَفُوا الْحَسِيسُ وَالْحِسُّ وَالْجَرْسُ وَالْهَمْسُ وَاحِدٌ وَهُوَ مِنْ الصَّوْتِ الْخَفِيِّ آذَنَّاكَ أَعْلَمْنَاكَ آذَنْتُكُمْ إِذَا أَعْلَمْتَهُ فَأَنْتَ وَهُوَ عَلَى سَوَاءٍ لَمْ تَغْدِرْ وَقَالَ مُجَاهِدٌ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ تُفْهَمُونَ ارْتَضَى رَضِيَ التَّمَاثِيلُ الْأَصْنَامُ السِّجِلُّ الصَّحِيفَةُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال قتادة‏:‏ جذاذا قطعهن‏)‏ وصله الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏فجعلهم جذاذا‏)‏ أي قطعا‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قرأ الجمهور ‏(‏جذاذا‏)‏ بضم أوله وهو اسم للشيء المكسر كالحطام في المحطم، وقيل جمع جذاذة كزجاج وزجاجة، وقرأ الكسائي وابن محيصن بكسر أوله فقيل هو جمع جذيذ ككرام وكريم، فيها قراءات أخرى في الشواذ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الحسن‏:‏ في فلك مثل فلكة المغزل‏)‏ وصله ابن عيينة عن عمرو عن الحسن في قوله‏:‏ ‏(‏وكل في فلك يسبحون‏)‏ مثل فلكة المغزل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يسبحون يدورون‏)‏ وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏كل في فلك يسبحون‏)‏ قال‏:‏ يدورون حوله‏.‏

ومن طريق مجاهد ‏(‏في فلك‏)‏ كهيئة حديدة الرحى ‏(‏يسبحون‏)‏ يجرون‏.‏

وقال الفراء‏:‏ قال يسبحون لأن السباحة من أفعال الآدميين فذكرت بالنون مثل ‏(‏والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ نفشت رعت ليلا‏)‏ سقط ‏"‏ ليلا ‏"‏ لغير أبي ذر، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس بهذا وهو قول أهل اللغة‏:‏ نفشت إذا رعت ليلا بلا راع، وإذا رعت نهارا بلا راع قيل هملت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصحبون يمنعون‏)‏ وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏ولا هم منا يصحبون‏)‏ قال‏:‏ يمنعون‏.‏

ومن وجه آخر منقطع عن ابن عباس ‏"‏ يمنعون ‏"‏ قال‏:‏ ينصرون، وهو قول مجاهد رواه الطبري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أمتكم أمة واحدة‏:‏ دينكم دين واحد‏)‏ قال قتادة في هذه الآية‏:‏ ‏(‏إن هذه أمتكم‏)‏ قال‏:‏ دينكم، أخرجه الطبري وابن المنذر من طريقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عكرمة‏:‏ حصب جهنم حطب بالحبشة‏)‏ سقط هذا لأبي ذر وقد تقدم في بدء الخلق، وروى الفراء بإسنادين عن علي وعائشة أنهما قرآا حطب بالطاء، وعن ابن عباس أنه قرأها بالضاد الساقطة المنقوطة قال وهو ما هيجت به النار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ أحسوا توقعوا من أحسست‏)‏ كذا لهم وللنسفي‏.‏

وقال معمر‏:‏ أحسوا إلخ، ومعمر هذا هو بالسكون وهو أبو عبيدة معمر بن المثنى اللغوي، وقد أكثر البخاري نقل كلامه، فتارة يصرح بعزوه وتارة يبهمه‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏فلما أحسوا بأسنا‏)‏ لقوه يقال هل أحسست فلانا أي هل وجدته، وهل أحسست من نفسك ضعفا أو شرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏خامدين هامدين‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏حصيدا خامدين‏)‏ مجاز خامد أي هامد، كما يقال للنار إذا طفئت خمدت، قال‏:‏ والحصيد المستأصل، وهو يوصف بلفظ الواحد والاثنين والجمع من الذكر والأنثى سواء كأنه أجري مجرى المصدر، قال‏:‏ ومثله ‏(‏كانتا رتقا‏)‏ ومثله ‏(‏فجعلهم جذاذا‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والحصيد مستأصل يقع على الواحد والاثنين والجميع‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره حصيدا مستأصلا وهو قول أبي عبيدة كما ذكرته قبل‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ هذه القصة نزلت في أهل حضور بفتح المهملة وضم المعجمة قرية بصنعاء من اليمن، وبه جزم ابن الكلبي‏.‏

وقيل بناحية الحجاز من جهة الشام، بعث إليهم نبي من حمير يقال له شعيب وليس صاحب مدين بين زمن سليمان وعيسى فكذبوه فقصمهم الله تعالى، ذكره الكلبي‏.‏

وقد روى قصته ابن مردويه من حديث ابن عباس ولم يسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا يستحسرون لا يعيبون، ومنه حسير وحسرت بعيري‏)‏ هو قول أبي عبيدة أيضا، وكذا روى الطبري من طريق سعيد عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏ولا يستحسرون‏)‏ قال‏:‏ لا يعيبون‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية أبي ذر ‏"‏ يعيون ‏"‏ بفتح أوله ورواه ابن التين وقال‏:‏ هو من أعيي أي الصواب بضم أوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عميق بعيد‏)‏ كذا ذكره هنا، وإنما وقع ذلك في السورة التي بعدها وهو قول أبي عبيدة‏.‏

وكأنه لما وقع في هذه السورة ‏(‏فجاجا‏)‏ وجاء في التي بعدها ‏(‏من كل فج عميق‏)‏ كأنه استطرد من هذه لهذه أو كان في طرة فنقلها الناسخ إلى غير موضعها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نكسوا ردوا‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏ثم نكسوا على رءوسهم‏)‏ أي قلبوا، وتقول نكسته على رأسه إذا قهرته‏.‏

وقال الفراء‏:‏ نكسوا رجعوا‏.‏

وتعقبه الطبري بأنه لم يتقدم شيء يصح أن يرجعوا إليه، ثم اختاروا ما رواه ابن إسحاق وحاصله أنهم قلبوا في الحجة فاحتجوا على إبراهيم بما هو حجة لإبراهيم عليه السلام‏.‏

وهذا كله على قراءة الجمهور‏.‏

وقرأ ابن أبي عبلة ‏(‏نكسوا‏)‏ بالفتح وفيه حذف تقديره نكسوا أنفسهم على رءوسهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صنعة لبوس الدروع‏)‏ قال أبو عبيدة‏:‏ اللبوس السلاح كله من درع إلى رمح‏.‏

وروى عبد الرزاق عن معمر عن قتادة‏:‏ اللبوس الدروع كانت صفائح، وأول من سردها وحلقها داود‏.‏

وقال الفراء‏:‏ من قرأ ‏(‏لتحصنكم‏)‏ بالمثناة فلتأنيث الدروع، ومن قرأ بالتحتانية فلتذكير اللبوس‏.‏

قوله ‏(‏تقطعوا أمرهم اختلفوا‏)‏ هو قول أبي عبيدة وزاد‏:‏ وتفرقوا‏.‏

وروى الطبري من طريق زيد بن أسلم مثله وزاد ‏"‏ في الدين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الحسيس والحس والجرس والهمس واحد، وهو من الصوت الخفي‏)‏ سقط لأبي ذر ‏"‏ والهمس‏"‏‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله ‏(‏لا يسمعون حسيسها‏)‏ أي صوتها، والحسيس والحس واحد، وقد تقدم في أواخر سورة مريم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آذناك أعلمناك، آذنتكم إذا أعلمته فأنت وهو على سواء لم تغدر‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏آذنتكم على سواء‏)‏ ‏:‏ إذا أنذرت عدوك وأعلمته ذلك ونبذت إليه الحرب حتى تكون أنت وهو على سواء فقد آذنته‏.‏

وقد تقدم في تفسير سورة إبراهيم عليه السلام‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏آذناك‏)‏ هو في سورة حم فصلت ذكره هنا استطرادا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ لعلكم تسألون تفهمون‏)‏ وصله الفريابي من طريقه، ولابن المنذر من وجه آخر عنه ‏"‏ تفقهون‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ارتضى رضي‏)‏ وصله الفريابي من طريقه بلفظ ‏"‏ رضي عنه ‏"‏ وسقط لأبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏التماثيل الأصنام‏)‏ وصله الفريابي من طريقه أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏السجل الصحيفة‏)‏ وصله الفريابي من طريقه وجزم به الفراء، وروى الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏كطي السجل‏)‏ يقول‏:‏ كطي الصحيفة على الكتاب، قال الطبري‏:‏ معناه كطي السجل على ما فيه من الكتاب وقيل على بمعنى من أي من أجل الكتاب لأن الصحيفة تطوي حسناته لما فيها من الكتابة‏.‏

وجاء عن ابن عباس أن السجل اسم كاتب كان للنبي صلى الله عليه وسلم أخرجه أبو داود والنسائي والطبري من طريق عمرو بن مالك عن أبي الجوزاء عن ابن عباس بهذا، وله شاهد من حديث ابن عمر عند ابن مردويه، وفي حديث ابن عباس المذكور عند ابن مردويه‏:‏ والسجل الرجل بلسان الحبش‏.‏

وعند ابن المنذر من طريق السدي قال‏:‏ السجل الملك‏.‏

وعند الطبري من وجه آخر عن ابن عباس مثله‏.‏

وعند عبد بن حميد من طريق عطية مثله‏.‏

وبإسناد ضعيف عن على مثله‏.‏

وذكر السهيلي عن النقاش أنه ملك في السماء الثانية ترفع الحفظة إليه الأعمال كل خميس واثنين‏.‏

وعند الطبري من حديث ابن عمر بعض معناه‏.‏

وقد أنكر الثعلبي والسهيلي أن السجل اسم الكاتب بأنه لا يعرف في كتاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا في أصحابه من اسمه السجل، قال السهيلي‏:‏ ولا وجد إلا في هذا الخبر، وهو حصر مردود، فقد ذكره في الصحابة ابن منده وأبو نعيم وأوردا من طريق ابن نمير عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر قال‏:‏ ‏"‏ كان للنبي صلى الله عليه وسلم كاتب يقال له سجل ‏"‏ وأخرجه ابن مردويه من هذا الوجه‏.‏

*3*بَاب كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ شَيْخٌ مِنْ النَّخَعِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ خَطَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ إِلَى اللَّهِ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ ثُمَّ إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ أَلَا إِنَّهُ يُجَاءُ بِرِجَالٍ مِنْ أُمَّتِي فَيُؤْخَذُ بِهِمْ ذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ يَا رَبِّ أَصْحَابِي فَيُقَالُ لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ إِلَى قَوْلِهِ شَهِيدٌ فَيُقَالُ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ

الشرح‏:‏

ابن عباس ‏"‏ إنكم محشورون إلى الله حفاة عراة ‏"‏ الحديث، وسيأتي شرحه في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*سورة الْحَجِّ

وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ الْمُخْبِتِينَ الْمُطْمَئِنِّينَ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ إِذَا حَدَّثَ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي حَدِيثِهِ فَيُبْطِلُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ وَيُحْكِمُ آيَاتِهِ وَيُقَالُ أُمْنِيَّتُهُ قِرَاءَتُهُ إِلَّا أَمَانِيَّ يَقْرَءُونَ وَلَا يَكْتُبُونَ وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَشِيدٌ بِالْقَصَّةِ جِصٌّ وَقَالَ غَيْرُهُ يَسْطُونَ يَفْرُطُونَ مِنْ السَّطْوَةِ وَيُقَالُ يَسْطُونَ يَبْطِشُونَ وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ أُلْهِمُوا وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَالِدٍ إِلَى الْقُرْآنِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِسَبَبٍ بِحَبْلٍ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ ثَانِيَ عِطْفِهِ مُسْتَكْبِرٌ تَذْهَلُ تُشْغَلُ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏سورة الحج - بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عيينة‏:‏ المخبتين المطمئنين‏)‏ هو كذلك في ‏"‏ تفسير ابن عيينة ‏"‏ لكن أسنده عن ابن أبي نجيح عن مجاهد، وكذا هو عند ابن المنذر من هذا الوجه، ومن وجه آخر عن مجاهد قال‏:‏ المصلين، ومن طريق الضحاك قال‏:‏ المتواضعين‏.‏

والمخبت من الإخبات؛ وأصله الخبت بفتح أوله وهو المطمئن من الأرض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس ‏(‏إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته‏)‏ إذا حدث ألقى الشيطان في حديثه، فيبطل الله ما يلقي الشيطان ويحكم آياته‏)‏ ، وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس مقطعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقال أمنيته قراءته، إلا أماني‏:‏ يقرؤون ولا يكتبون‏)‏ هو قول الفراء قال‏:‏ التمني التلاوة قال‏:‏ وقوله‏:‏ ‏(‏لا يعلمون الكتاب إلا أماني‏)‏ قال‏:‏ الأماني أن يفتعل الأحاديث، وكانت أحاديث يسمعونها من كبرائهم وليست من كتاب الله، قال‏:‏ ومن شواهد ذلك قول الشاعر‏:‏ تمنى كتاب الله أول ليلة تمني داود الزبور على رسل قال الفراء والتمني أيضا حديث النفس انتهى‏.‏

قال أبو جعفر النحاس في كتاب ‏"‏ معاني القرآن ‏"‏ له بعد أن ساق رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تأويل الآية‏:‏ هذا من أحسن ما قيل في تأويل الآية وأعلاه وأجله‏.‏

ثم أسند عن أحمد بن حنبل قال‏:‏ بمصر صحيفة في التفسير رواها علي بن أبي طلحة لو رحل رجل فيها إلى مصر قاصدا ما كان كثيرا انتهى‏.‏

وهذه النسخة كانت عند أبي صالح كاتب الليث رواها عن معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهي عند البخاري عن أبي صالح وقد اعتمد عليها في صحيحه هذا كثيرا على ما بيناه في أماكنه وهي عند الطبري وابن أبي حاتم وابن المنذر بوسائط بينهم وبين أبي صالح انتهى‏.‏

وعلى تأويل ابن عباس هذا يحمل ما جاء عن سعيد بن جبير، وقد أخرج ابن أبي حاتم والطبري وابن المنذر من طرق عن شعبة عن أبي بشر عنه قال‏:‏ ‏"‏ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة والنجم، فلما بلغ ‏(‏أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى‏)‏ ألقى الشيطان على لسانه‏:‏ تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى، فقال المشركون‏:‏ ما ذكر آلهتنا بخير قبل اليوم، فسجد وسجدوا، فنزلت هذه الآية ‏"‏ وأخرجه البزار وابن مردويه من طريق أمية بن خالد عن شعبة فقال في إسناده‏:‏ ‏"‏ عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ‏"‏ فيما أحسب، ثم ساق الحديث‏.‏

وقال البزار‏:‏ لا يروى متصلا إلا بهذا الإسناد، تفرد بوصله أمية بن خالد وهو ثقة مشهور، قال‏:‏ وإنما يروى هذا من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس انتهى‏.‏

والكلبي متروك ولا يعتمد عليه، وكذا أخرجه النحاس بسند آخر فيه الواقدي، وذكره ابن إسحاق في السيرة مطولا وأسندها عن محمد بن كعب، وكذلك موسى بن عقبة في المغازي عن ابن شهاب الزهري، وكذا ذكره أبو معشر في السيرة له عن محمد بن كعب القرظي ومحمد بن قيس وأورده من طريقه الطبري، وأورده ابن أبي حاتم من طريق أسباط عن السدي؛ ورواه ابن مردويه من طريق عباد بن صهيب عن يحيى بن كثير عن الكلبي عن أبي صالح وعن أبي بكر الهذلي وأيوب عن عكرمة وسليمان التيمي عمن حدثه ثلاثتهم عن ابن عباس، وأوردها الطبري أيضا من طريق العوفي عن ابن عباس، ومعناهم كلهم في ذلك واحد، وكلها سوى طريق سعيد بن جبير إما ضعيف وإلا منقطع، لكن كثرة الطرق تدل على أن للقصة أصلا، مع أن لها طريقين آخرين مرسلين رجالهما على شرط الصحيحين أحدهما ما أخرجه الطبري من طريق يونس بن يزيد عن ابن شهاب حدثني أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام فذكر نحوه، والثاني ما أخرجه أيضا من طريق المعتمر بن سليمان وحماد بن سلمة فرقهما عن داود بن أبي هند عن أبي العالية، وقد تجرأ أبو بكر بن العربي كعادته فقال‏:‏ ذكر الطبري في ذلك روايات كثيرة باطلة لا أصل لها، وهو إطلاق مردود عليه‏.‏

وكذا قول عياض هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل مع ضعف نقلته واضطراب رواياته وانقطاع إسناده، وكذا قوله‏:‏ ومن حملت عنه هذه القصة من التابعين والمفسرين لم يسندها أحد منهم ولا رفعها إلى صاحب، وأكثر الطرق عنهم في ذلك ضعيفة واهية، قال وقد بين البزار أنه لا يعرف من طريق يجوز ذكره إلا طريق أبي بشر عن سعيد بن جبير مع الشك الذي وقع في وصله، وأما الكلبي فلا تجوز الرواية عنه لقوة ضعفه‏.‏

ثم رده من طريق النظر بأن ذلك لو وقع لارتد كثير ممن أسلم، قال‏:‏ ولم ينقل ذلك انتهى، وجميع ذلك لا يتمشى على القواعد، فإن الطرق إذا كثرت وتباينت مخارجها دل ذلك على أن لها أصلا، وقد ذكرت أن ثلاثة أسانيد منها على شرط الصحيح وهي مراسيل يحتج بمثلها من يحتج بالمرسل وكذا من لا يحتج به لاعتضاد بعضها ببعض، وإذا تقرر ذلك تعين تأويل ما وقع فيها مما يستنكر وهو قوله‏:‏ ‏"‏ ألقى الشيطان على لسانه‏:‏ تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى ‏"‏ فإن ذلك لا يجوز حمله على ظاهره لأنه يستحيل عليه صلى الله عليه وسلم أن يزيد في القرآن عمدا ما ليس منه، وكذا سهوا إذا كان مغايرا لما جاء به من التوحيد لمكان عصمته - وقد سلك العلماء في ذلك مسالك، فقيل جرى ذلك على لسانه حين أصابته سنة وهو لا يشعر، فلما علم بذلك أحكم الله آياته‏.‏

وهذا أخرجه الطبري عن قتادة، ورده عياض بأنه لا يصح لكونه لا يجوز على النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا ولاية للشيطان عليه في النوم، وقيل إن الشيطان ألجأه إلى أن قال ذلك بغير اختياره، ورده ابن العربي بقوله تعالى حكاية عن الشيطان‏:‏ ‏(‏وما كان لي عليكم من سلطان‏)‏ الآية قال‏:‏ فلو كان للشيطان قوة على ذلك لما بقي لأحد قوة في طاعة‏.‏

وقيل‏:‏ إن المشركين كانوا إذا ذكروا آلهتهم وصفوهم بذلك، فعلق ذلك بحفظه صلى الله عليه وسلم فجرى على لسانه لما ذكرهم سهوا‏.‏

وقد رد ذلك عياض فأجاد‏.‏

وقيل لعله قالها توبيخا للكفار، قال عياض‏.‏

وهذا جائز إذا كانت هناك قرينة تدل على المراد‏.‏

ولا سيما وقد كان الكلام في ذلك الوقت في الصلاة جائزا - وإلى هذا نحا الباقلاني‏.‏

وقيل إنه لما وصل إلى قوله‏:‏ ‏"‏ ومناة الثالثة الأخرى ‏"‏ خشي المشركون أن يأتي بعدها بشيء يذم آلهتهم به فبادروا إلى ذلك الكلام فخلطوه في تلاوة النبي صلى الله عليه وسلم على عادتهم في قولهم‏.‏

(‏لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه‏)‏ ونسب ذلك للشيطان لكونه الحامل لهم على ذلك، أو المراد بالشيطان شيطان الإنس، وقيل‏:‏ المراد بالغرانيق العلى الملائكة وكان الكفار يقولون‏:‏ الملائكة بنات الله ويعبدونها، فسيق ذكر الكل ليرد عليهم بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ألكم الذكر وله الأنثى‏)‏ فلما سمعه المشركون حملوه على الجميع وقالوا‏:‏ قد عظم آلهتنا، ورضوا بذلك، فنسخ الله تلك الكلمتين وأحكم آياته‏.‏

وقيل‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم يرتل القرآن فارتصده الشيطان في سكتة من السكتات ونطق بتلك الكلمات محاكيا نغمته بحيث سمعه من دنا إليه فظنها من قوله وأشاعها‏.‏

قال‏:‏ وهذا أحسن الوجوه‏.‏

ويؤيده ما تقدم في صدر الكلام عن ابن عباس من تفسير ‏(‏تمنى‏)‏ بتلا‏.‏

وكذا استحسن ابن العربي هذا التأويل وقال قبله‏:‏ أن هذه الآية نص في مذهبنا في، براءة النبي صلى الله عليه وسلم مما نسب إليه - قال‏:‏ ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏في أمنيته‏)‏ أي في تلاوته، فأخبر تعالى في هذه الآية أن سنته في رسله إذا قالوا قولا زاد الشيطان فيه من قيل نفسه، فهذا نص في أن الشيطان زاده في قول النبي صلى الله عليه وسلم لا أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله قال‏:‏ وقد سبق إلى ذلك الطبري لجلالة قدره وسعة علمه وشدة ساعده في النظر فصوب على هذا المعنى وحوم عليه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ هذه القصة وقعت بمكة قبل الهجرة اتفاقا فتمسك بذلك من قال إن سورة الحج مكية، لكن تعقب بأن فيها أيضا ما يدل على أنها مدنية كما في حديث علي وأبي ذر في ‏(‏هذان خصمان‏)‏ فإنها نزلت في أهل بدر، وكذا قوله ‏(‏أذن للذين يقاتلون‏)‏ الآية وبعدها ‏(‏الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق‏)‏ فإنها نزلت في الذين هاجروا من مكة إلى المدينة فالذي يظهر أن أصلها مكي ونزل منها آيات بالمدينة ولها نظائر، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ مشيد بالقصة، جص‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏وقصر مشيد‏)‏ قال‏:‏ بالقصة يعني الجص والقصة بفتح القاف وتشديد الصاد هي الجص بكسر الجيم وتشديد المهملة‏.‏

ومن طريق عكرمة قال‏:‏ المشيد المجصص، قال‏:‏ والجص في المدينة يسمى الشيد، وأنشد الطبري قول امرئ القيس‏:‏ وتيماء لم يترك بها جذع نخلة ولا أجما إلا مشيدا بجندل ومن طريق قتادة قال‏:‏ كان أهله شيدوه وحصنوه‏.‏

وقصة القصر المشيد ذكر أهل الأخبار أنه من بناء شداد بن عاد فصار معطلا بعد العمران لا يستطيع أحد أن يدنو منه على أميال مما يسمع فيه من أصوات الجن المنكرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ ‏(‏يسطون‏)‏ يفرطون من السطوة، ويقال يسطون يبطشون‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏يكادون يسطون‏)‏ أي يفرطون عليه من السطوة‏.‏

وقال الفراء كان مشركو قريش إذا سمعوا المسلم يتلو القرآن كادوا يبطشون به وتقدم في تفسير طه‏.‏

وقال عبد بن حميد أخبرني شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏يكادون‏)‏ أي كفار قريش ‏(‏يسطون‏)‏ أي يبطشون بالذين يتلون القرآن‏.‏

وروى ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏يسطون‏)‏ فقال‏:‏ يبطشون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهدوا إلى صراط الحميد‏:‏ الإسلام‏)‏ هكذا لهم، وسيأتي تحريره من رواية النسفي قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ ‏(‏بسبب‏)‏ بحبل إلى سقف البيت‏)‏ وصله عبد بن حميد من طريق أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس بلفظ ‏"‏ من كان يظن أن لن ينصر الله محمدا في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب بحبل إلى سماء بيته فليختنق به‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثاني عطفه‏:‏ مستكبر‏)‏ ثبت هذا للنسفي، وسقط للباقين‏.‏

وقد وصله ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏ثاني عطفه‏)‏ قال‏:‏ مستكبر في نفسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهدوا إلى الطيب من القول‏:‏ ألهموا إلى القرآن‏)‏ سقط قوله‏:‏ ‏"‏ إلى القرآن ‏"‏ لغير أبي ذر، ووقع في رواية النسفي ‏"‏ وهدوا إلى الطيب‏:‏ ألهموا ‏"‏ وقال ابن أبي خالد‏:‏ ‏"‏ إلى القرآن، وهدوا إلى صراط الحميد‏:‏ الإسلام ‏"‏ وهذا هو التحرير‏.‏

وقد أخرج الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏وهدوا إلى الطيب من القول‏)‏ قال‏:‏ ألهموا‏.‏

وروى ابن المنذر من طريق سفيان عن إسماعيل بن أبي خالد في قوله‏:‏ ‏(‏إلى الطيب من القول‏)‏ قال‏:‏ القرآن‏:‏ وفي قوله‏:‏ ‏(‏وهدوا إلى صراط الحميد‏)‏ ‏:‏ الإسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تذهل تشغل‏)‏ روى ابن المنذر من طريق الضحاك قال في قوله‏:‏ ‏(‏تذهل كل مرضعة‏)‏ أي تسلو من شدة خوف ذلك اليوم‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏تذهل كل مرضعة‏)‏ أي تسلو، قال الشاعر‏:‏ ‏"‏ صحا قلبه يا عز أو كاد يذهل ‏"‏ وقيل‏:‏ الذهول الاشتغال عن الشيء مع دهش‏.‏

*3*باب وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله‏:‏ وترى الناس سكارى‏)‏ سقط الباب والترجمة لغير أبي ذر، وقدم عندهم الطريق الموصول على التعاليق، وعكس ذلك في رواية أبي ذر، وسيأتي شرح الحديث الموصول في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَا آدَمُ يَقُولُ لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ فَيُنَادَى بِصَوْتٍ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكَ أَنْ تُخْرِجَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ بَعْثًا إِلَى النَّارِ قَالَ يَا رَبِّ وَمَا بَعْثُ النَّارِ قَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ أُرَاهُ قَالَ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ فَحِينَئِذٍ تَضَعُ الْحَامِلُ حَمْلَهَا وَيَشِيبُ الْوَلِيدُ وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ حَتَّى تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَمِنْكُمْ وَاحِدٌ ثُمَّ أَنْتُمْ فِي النَّاسِ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الْأَبْيَضِ أَوْ كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جَنْبِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ ثُلُثَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا ثُمَّ قَالَ شَطْرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَكَبَّرْنَا قَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ تَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَقَالَ مِنْ كُلِّ أَلْفٍ تِسْعَ مِائَةٍ وَتِسْعَةً وَتِسْعِينَ وَقَالَ جَرِيرٌ وَعِيسَى بْنُ يُونُسَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ سَكْرَى وَمَا هُمْ بِسَكْرَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو أسامة عن الأعمش‏:‏ سكارى وما هم بسكارى‏)‏ يعني أنه وافق حفص بن غياث في رواية هذا الحديث عن الأعمش بإسناده ومتنه، وقد أخرجه أحمد عن وكيع عن الأعمش كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال‏:‏ من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين‏)‏ أي أنه جزم بذلك، بخلاف حفص فإنه وقع في روايته ‏"‏ من كل ألف أراه قال ‏"‏ فذكره‏.‏

ورواية أبي أسامة هذه وصلها المؤلف في قصة يأجوج ومأجوج من أحاديث الأنبياء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال جرير وعيسى بن يونس وأبو معاوية‏:‏ سكرى وما هم بسكرى‏)‏ يعني أنهم رووه عن الأعمش بإسناده هذا ومتنه لكنهم خالفوا في هذه اللفظة، فأما رواية جرير فوصلها المؤلف في الرقاق كما قال، وأما رواية عيسى بن يونس فوصلها إسحاق بن راهويه عنه كذلك، وأما رواية أبي معاوية فاختلف عليه فيها، فرواها بلفظ سكرى أبو بكر من أبي شيبة عنه، وقد أخرجها سعيد بن منصور عن أبي معاوية والنسائي عن أبي كريب عن أبي معاوية فقالا في روايتهما ‏"‏ سكارى وما هم بسكارى ‏"‏ وكذا عند الإسماعيلي من طريق أخرى عن أبي معاوية، وأخرجها مسلم عن أبي كريب عنه مقرونة برواية وكيع وأحال بهما على رواية جرير، وروى ابن مردويه من طريق محاضر والطبري من طريق المسعودي كلاهما عن الأعمش بلفظ ‏"‏ سكرى ‏"‏ وقال الفراء‏:‏ أجمع القراء على ‏"‏ سكارى وما هم بسكارى ‏"‏ ثم روي بإسناده عن ابن مسعود ‏"‏ سكرى وما هم بسكرى ‏"‏ قال‏:‏ وهو جيد في العربية انتهى‏.‏

ونقله الإجماع عجب، مع أن أصحابه الكوفيين يحيى بن وثاب وحمزة والأعمش والكسائي قرؤوا بمثل ما نقل عن ابن مسعود، ونقلها أبو عبيد أيضا عن حذيفة وأبي زرعة بن عمرو واختارها أبو عبيد، وقد اختلف أهل العربية في ‏"‏ سكرى ‏"‏ هل هي صيغة جمع على فعلى مثل مرضى أو صيغة مفرد فاستغني بها عن وصفه الجماعة‏.‏