فصل: بَاب مَنْ رَهَنَ دِرْعَهُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*2*كتاب في الرهن

*3*باب الرَّهْنِ فِي الْحَضَرِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - كتاب في الرهن في الحضر، وقول الله عز وجل ‏(‏فرهان مقبوضة‏)‏‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ باب ‏"‏ بدل ‏"‏ كتاب‏"‏، ولابن شبويه ‏"‏ باب ما جاء ‏"‏ وكلهم ذكروا الآية من أولها‏.‏

والرهن بفتح أوله وسكون الهاء‏:‏ في اللغة الاحتباس من قولهم رهن الشيء إذا دام وثبت، ومنه‏:‏ ‏(‏كل نفس بما كسبت رهينة‏)‏ ‏.‏

وفي الشرع‏:‏ جعل مال وثيقة على دين‏.‏

ويطلق أيضا على العين المرهونة تسمية للمفعول باسم المصدر‏.‏

وأما الرهن بضمتين فالجمع، ويجمع أيضا على رهان بكسر الراء ككتب وكتاب، وقرئ بهما‏.‏

وقوله ‏"‏في الحضر ‏"‏ إشارة إلى أن التقييد بالسفر في الآية خرج للغالب فلا مفهوم له لدلالة الحديث على مشروعيته في الحضر كما سأذكره وهو قول الجمهور، واحتجوا له من حيث المعنى بأن الرهن شرع توثقة على الدين لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإن أمن بعضكم بعضا‏)‏ فإنه يشير إلى أن المراد بالرهن الاستيثاق، وإنما قيده بالسفر لأنه مظنة فقد الكاتب فأخرجه مخرج الغالب، وخالف في ذلك مجاهد والضحاك فيما نقله الطبري عنهما فقالا‏:‏ لا يشرع إلا في السفر حيث لا يوجد الكاتب، وبه قال داود وأهل الظاهر‏.‏

وقال ابن حزم‏:‏ إن شرط المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك، وإن تبرع به الراهن جاز، وحمل حديث الباب على ذلك‏.‏

وقد أشار البخاري إلى ما ورد في بعض طرقه كعادته، وقد تقدم الحديث في ‏"‏ باب شراء النبي صلى الله عليه وسلم بالنسيئة ‏"‏ في أوائل البيوع من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ ولقد رهن درعا له بالمدينة عند يهودي ‏"‏ وعرف بذلك الرد على من اعترض بأنه ليس في الآية والحديث تعرض للرهن في الحضر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ مَا أَصْبَحَ لِآلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا صَاعٌ وَلَا أَمْسَى وَإِنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مسلم بن إبراهيم‏)‏ تقدم في أوائل البيوع مقرونا بإسناد آخر، وساقه هناك على لفظه وهنا على لفظ مسلم بن إبراهيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولقد رهن درعه‏)‏ هو معطوف على شيء محذوف، بينه أحمد من طريق أبان العطار عن قتادة عن أنس ‏"‏ أن يهوديا دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجابه ‏"‏ والدرع بكسر المهملة يذكر ويؤنث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بشعير‏)‏ وقع في أوائل البيوع من هذا الوجه بلفظ ‏"‏ ولقد رهن النبي صلى الله عليه وسلم درعا له بالمدينة عند يهودي وأخذ منه شعيرا لأهله ‏"‏ وهذا اليهودي هو أبو الشحم، بينه الشافعي ثم البيهقي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم رهن درعا له عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر في شعير ‏"‏ انتهى، وأبو الشحم بفتح المعجمة وسكون المهملة اسمه كنيته، وظفر بفتح الظاء والفاء بطن من الأوس وكان حليفا لهم، وضبطه بعض المتأخرين بهمزة موحدة ممدودة ومكسورة اسم الفاعل من الإباء، وكأنه التبس عليه بأبي اللحم الصحابي، وكان قدر الشعير المذكور ثلاثين صاعا كما سيأتي للمصنف من حديث عائشة في الجهاد وأواخر المغازي‏.‏

وكذلك رواه أحمد وابن ماجة والطبراني وغيرهم من طريق عكرمة عن ابن عباس، وأخرجه الترمذي والنسائي من هذا الوجه فقالا‏:‏ ‏"‏ بعشرين ‏"‏ ولعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة وألغى أخرى، ووقع لابن حبان من طريق شيبان عن قتادة عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارا وزاد أحمد من طريق شيبان الآتية في آخره ‏"‏ فما وجد ما يفتكها به حتى مات‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ومشيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بخبز شعير وإهالة سنخة‏)‏ والإهالة بكسر الهمزة وتخفيف الهاء ما أذيب من الشحم والإلية، وقيل هو كل دسم جامد، وقيل ما يؤتدم به من الأدهان، وقوله‏:‏ ‏"‏ سنخة ‏"‏ بفتح المهملة وكسر النون بعدها معجمة مفتوحة أي المتغيرة الريح، ويقال فيها بالزاي أيضا‏.‏

ووقع لأحمد من طريق شيبان عن قتادة عن أنس ‏"‏ لقد دعي نبي الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم على خبز شعير وإهالة سنخة ‏"‏ فكأن اليهودي دعا النبي صلى الله عليه وسلم على لسان أنس فلهذا قال‏:‏ ‏"‏ مشيت إليه ‏"‏ بخلاف ما يقتضيه ظاهره أنه حضر ذلك إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولقد سمعته‏)‏ فاعل ‏"‏ سمعت ‏"‏ أنس والضمير للنبي صلى الله عليه وسلم وهو فاعل يقول، وجزم الكرماني بأنه أنس وفاعل سمعت قتادة، وقد أشرت إلى الرد عليه في أوائل البيوع‏.‏

وقد أخرجه أحمد وابن ماجة من طريق شيبان المذكورة بلفظ ‏"‏ ولقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ والذي نفس محمد بيده ‏"‏ فذكر الحديث لفظ ابن ماجة وساقه أحمد بتمامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أصبح لآل محمد إلا صاع ولا أمسى‏)‏ كذا للجميع، وكذا ذكره الحميدي في ‏"‏ الجمع‏"‏، وأخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق الكجي عن مسلم بن إبراهيم شيخ البخاري فيه بلفظ ‏"‏ ما أصبح لآل محمد ولا أمسى إلا صاع ‏"‏ وخولف مسلم بن إبراهيم في ذلك فأخرجه أحمد عن أبي عامر والإسماعيلي من طريقه والترمذي من طريق ابن أبي عدي ومعاذ بن هشام والنسائي من طريق هشام بلفظ ‏"‏ ما أمسى في آل محمد صاع من تمر ولا صاع من حب ‏"‏ وتقدم من وجه آخر في أوائل البيوع بلفظ ‏"‏ بر ‏"‏ بدل تمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإنهم لتسعة أبيات‏)‏ في رواية المذكورين ‏"‏ وإن عنده يومئذ لتسع نسوة ‏"‏ وسيأتي سياق أسمائهن في كتاب المناقب إن شاء الله تعالى‏.‏

ومناسبة ذكر أنس لهذا القدر مع ما قبله الإشارة إلى سبب قوله صلى الله عليه وسلم هذا وإنه لم يقله متضجرا ولا شاكيا - معاذ الله من ذلك - وإنما قاله معتذرا عن إجابته دعوة اليهودي ولرهنه عنده درعه، ولعل هذا هو الحامل الذي زعم بأن قائل ذلك هو أنس فرارا من أن يظن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ذلك بمعنى التضجر والله أعلم‏.‏

وفي الحديث جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم عين المتعامل فيه وعدم الاعتبار بفساد معتقدهم ومعاملاتهم فيما بينهم، واستنبط منه جواز معاملة من أكثر ماله حرام‏.‏

وفيه جواز بيع السلاح ورهنه وإجارته وغير ذلك من الكافر ما لم يكن حربيا، وفيه ثبوت أملاك أهل الذمة في أيديهم وجواز الشراء بالثمن المؤجل واتخاذ الدروع والعدد وغيرها من آلات الحرب وأنه غير قادح في التوكل، وأن قنية آلة الحرب لا تدل على تحبيسها قاله ابن المنير، وأن أكثر قوت ذلك العصر الشعير قاله الداودي، وأن القول قول المرتهن في قيمة المرهون مع يمينه حكاه ابن التين‏.‏

وفيه ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم من التواضع والزهد في الدنيا والتقلل منها مع قدرته عليها، والكرم الذي أفضى به إلى عدم الادخار حتى احتاج إلى رهن درعه، والصبر على ضيق العيش والقناعة باليسير، وفضيلة لأزواجه لصبرهن معه على ذلك، وفيه غير ذلك مما مضى ويأتي‏.‏

قال العلماء‏:‏ الحكمة في عدوله صلى الله عليه وسلم عن معاملة مياسير الصحابة إلى معاملة اليهود إما لبيان الجواز، أو لأنهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجة غيرهم أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنا أو عوضا فلم يرد التضييق عليهم، فإنه لا يبعد أن يكون فيهم إذ ذاك من يقدر على ذلك وأكثر منه، فلعله لم يطلعهم على ذلك وإنما اطلع عليه من لم يكن موسرا به ممن نقل ذلك‏.‏

الله أعلم‏.‏

*3*بَاب مَنْ رَهَنَ دِرْعَهُ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ تَذَاكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ وَالْقَبِيلَ فِي السَّلَفِ فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى مِنْ يَهُودِيٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ

الشرح‏:‏

حديث الأعمش ‏(‏قال تذاكرنا عند إبراهيم‏)‏ هو النخعي ‏(‏الرهن والقبيل‏)‏ بفتح القاف وكسر الموحدة أي الكفيل وزنا ومعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اشترى من يهودي‏)‏ تقدم التعريف به في الباب الذي قبله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏طعاما إلى أجل‏)‏ تقدم جنسه في الباب الذي قبله، وأما الأجل ففي صحيح ابن حبان من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش أنه سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورهنه درعه‏)‏ تقدم في أوائل البيوع من طريق عبد الواحد عن الأعمش بلفظ ‏"‏ ورهنه درعا من حديد ‏"‏ واستدل به على جواز بيع السلاح من الكافر وسيذكر في الذي بعده‏.‏

ووقع في أواخر المغازي من طريق الثوري عن الأعمش بلفظ ‏"‏ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة ‏"‏ وفي حديث أنس عند أحمد ‏"‏ فما وجد ما يفتكها به ‏"‏ وفيه دليل على أن المراد بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة ‏"‏ نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه ‏"‏ قيل هذا محله في غير نفس الأنبياء فإنها لا تكون معلقة بدين فهي خصوصية، وهو حديث صححه ابن حبان وغيره ‏"‏ من لم يترك عند صاحب الدين ما يحصل له به الوفاء ‏"‏ وإليه جنح الماوردي؛ وذكر ابن الطلاع في ‏"‏ الأقضية النبوية ‏"‏ أن أبا بكر افتك الدرع بعد النبي صلى الله عليه وسلم، لكن روى ابن سعد عن جابر أن أبا بكر قضى عدات النبي صلى الله عليه وسلم وأن عليا قضى ديونه ‏"‏ وروى إسحاق بن راهويه في مسنده عن الشعبي مرسلا ‏"‏ أن أبا بكر افتك الدرع وسلمها لعلي بن أبي طالب ‏"‏ وأما من أجاب بأنه صلى الله عليه وسلم افتكها قبل موته فمعارض بحديث عائشة رضي الله عنها‏.‏

*3*باب رَهْنِ السِّلَاحِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب رهن السلاح‏)‏ قال ابن المنير‏:‏ إنما ترجم لرهن السلاح بعد رهن الدرع لأن الدرع ليست بسلاح حقيقة وإنما هي آلة يتقى بها السلاح، ولهذا قال بعضهم‏:‏ لا تجوز تحليتها، وإن قلنا بجواز تحلية السلاح كالسيف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ أَنَا فَأَتَاهُ فَقَالَ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقَالَ ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ قَالَ فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَةَ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي السِّلَاحَ فَوَعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَقَتَلُوهُ ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرُوهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللأمة‏)‏ بلام مشددة وهمزة ساكنة قد فسرها سفيان الراوي بالسلاح، وسيأتي الكلام على هذا الحديث مستوفى في قصة كعب بن الأشرف من المغازي‏.‏

قال ابن بطال‏:‏ ليس في قولهم ‏"‏ نرهنك اللأمة ‏"‏ دلالة على جواز رهن السلاح، وإنما كان ذلك من معاريض الكلام المباحة في الحرب وغيره‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ ليس فيه ما بوب له لأنهم لم يقصدوا إلا الخديعة، وإنما يؤخذ جواز رهن السلاح من الحديث الذي قبله، قال‏:‏ وإنما يجوز بيعه ورهنه عند من تكون له ذمة أو عهد باتفاق، وكان لكعب عهد ولكنه نكث ما عاهد عليه من أنه لا يعين على النبي صلى الله عليه وسلم فانتقض عهده بذلك، وقد أعلن صلى الله عليه وسلم بأنه آذى الله ورسوله، وأجيب بأنه لو لم يكن معتادا عندهم رهن السلاح عند أهل العهد لما عرضوا عليه، إذ لو عرضوا عليه ما لم تجر به عادتهم لاستراب بهم وفاتهم ما أرادوا من مكيدته، فلما كانوا بصدد المخادعة له أوهموه بأنهم يفعلون ما يجوز لهم عندهم فعله، ووافقهم على ذلك لما عهده من صدقهم فتمت المكيدة بذلك، وأما كون عهده انتقض فهو في نفس الأمر لكنه ما أعلن ذلك ولا أعلنوا له به، وإنما وقعت المحاورة بينهم على ما يقتضيه ظاهر الحال وهذا كاف في المطابقة‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ في قوله‏:‏ ‏"‏ من لكعب بن الأشرف ‏"‏ جواز قتل من سب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولو كان هذا عهد خلافا لأبي حنيفة، كذا قال، وليس متفقا عليه عند الحنفية‏.‏

والله أعلم‏.‏