فصل: باب يَلْبَسُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بَيْنَمَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِذْ دَخَلَ رَجُلٌ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِمَ تَحْتَبِسُونَ عَنْ الصَّلَاةِ فَقَالَ الرَّجُلُ مَا هُوَ إِلَّا أَنْ سَمِعْتُ النِّدَاءَ تَوَضَّأْتُ فَقَالَ أَلَمْ تَسْمَعُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا رَاحَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا في الأصل بغير ترجمة، وهو كالفصل من الباب الذي قبله، ووجه تعلقه به أن فيه إشارة إلى الرد على من ادعى إجماع أهل المدينة على ترك التبكير إلى الجمعة لأن عمر أنكر عدم التبكير بمحضر من الصحابة وكبار التابعين من أهل المدينة‏.‏

ووجه دخوله في فضل الجمعة ما يلزم من إنكار عمر على الداخل احتباسه مع عظم شأنه، فإنه لولا عظم الفضل في ذلك لما أنكر عليه، وإذا ثبت الفضل في التبكير إلى الجمعة ثبت الفضل لها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ دخل رجل‏)‏ سماه عبيد الله بن موسى في روايته عن شيبان ‏"‏ عثمان بن عفان ‏"‏ أخرجه الإسماعيلي ومحمد بن سابق عن شيبان عند قاسم بن أصبغ، وكذا سماه الأوزاعي عند مسلم وحرب بن شداد عند الطحاوي كلاهما عن يحيى بن أبي كثير، وصرح مسلم في روايته بالتحديث في جميع الإسناد‏.‏

وقد تقدمت بقية مباحثه في ‏"‏ باب فضل الغسل يوم الجمعة‏"‏‏.‏

*3*باب الدُّهْنِ لِلْجُمُعَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب الدهن للجمعة‏)‏ أي استعمال الدهن، ويجوز أن يكون بفتح الدال فلا يحتاج إلى تقدير‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ ابْنِ وَدِيعَةَ عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلَا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الْإِمَامُ إِلَّا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن وديعة‏)‏ هو عبد الله، سماه أبو علي الحنفي عن ابن أبي ذئب بهذا الإسناد عند الدارمي، وليس له في البخاري غير هذا الحديث، وهو تابعي جليل، وقد ذكره ابن سعد في الصحابة، وكذا ابن منده، وعزاه لأبي حاتم‏.‏

ومستندهم أن بعض الرواة لم يذكر بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أحدا، لكنه لم يصرح بسماعه، فالصواب إثبات الواسطة‏.‏

وهذا من الأحاديث التي تتبعها الدار قطني على البخاري وذكر أنه اختلف فيه على سعيد المقبري فرواه ابن أبي ذئب عنه هكذا، ورواه ابن عجلان عنه فقال‏:‏ عن أبي ذر بدل سلمان، وأرسله أبو معشر عنه فلم يذكر سلمان ولا أبا ذر، ورواه عبيد الله العمري عنه فقال‏:‏ عن أبي هريرة اهـ‏.‏

ورواية ابن عجلان المذكور عند ابن ماجه ورواية أبي معشر عند سعيد بن منصور ورواية العمري عند أبي يعلى، فأما ابن عجلان فهو دون ابن أبي ذئب في الحفظ فروايته مرجوحة، مع أنه يحتمل أن يكون ابن وديعة سمعه من أبي ذر وسلمان جميعا، ويرجح كونه عن سلمان وروده من وجه آخر عنه، أخرجه النسائي وابن خزيمة من طريق علقمة بن قيس عن قرثع الضبي، وهو بقاف مفتوحة وراء ساكنة ثم مثلثة، قال‏:‏ وكان من القراء الأولين، وعن سلمان نحوه ورجاله ثقات، وأما أبو معشر فضعيف، وقد قصر فيه بإسقاط الصحابي، وأما العمري فحافظ وقد تابعه صالح بن كيسان عن سعيد عند ابن خزيمة، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عن رجل عن سعيد، وأخرجه ابن السكن من وجه آخر عن عبد الرزاق وزاد فيه مع أبي هريرة عمارة بن عامر الأنصاري ا هـ‏.‏

وقوله ‏"‏ابن عامر ‏"‏ خطأ، فقد رواه الليث عن ابن عجلان عن سعيد فقال ‏"‏ عمارة بن عمرو بن حزم ‏"‏ أخرجه ابن خزيمة، وبين الضحاك بن عثمان عن سعيد أن عمارة إنما سمعه من سلمان ذكره الإسماعيلي‏.‏

وأفاد في هذه الرواية أن سعيدا حضر أباه لما سمع هذا الحديث من ابن وديعة، وساقه الإسماعيلي من رواية حماد بن مسعدة وقاسم بن يزيد الجرمي كلاهما عن ابن أبي ذئب عن سعيد عن ابن وديعة ليس فيه عن أبيه، فكأنه سمعه مع أبيه من ابن وديعة، ثم استثبت أباه فيه فكان يرويه على الوجهين‏.‏

وإذا تقرر ذلك عرف أن الطريق التي اختارها البخاري أتقن الروايات، وبقيتها إما موافقة لها أو قاصرة عنها أو يمكن الجمع بينهما‏.‏

وفي الإسناد ثلاثة من التابعين في نسق، فإن ثبت أن لابن وديعة صحبة ففيه تابعيان وصحابيان كلهم من أهل المدينة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويتطهر ما استطاع من الطهر‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ من طهر ‏"‏ والمراد به المبالغة في التنظيف، ويؤخذ من عطفه على الغسل أن إفاضة الماء تكفي في حصول الغسل، أو المراد به التنظيف بأخذ الشارب والظفر والعانة، أو المراد بالغسل غسل الجسد، وبالتطهير غسل الرأس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويدهن‏)‏ المراد به إزالة شعث الشعر به وفيه إشارة إلى التزين يوم الجمعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو يمس من طيب بيته‏)‏ أي إن لم يجد دهنا، ويحتمل أن يكون ‏"‏ أو ‏"‏ بمعنى الواو، وإضافته إلى البيت تؤذن بأن السنة أن يتخذ المرء لنفسه طيبا ويجعل استعماله له عادة فيدخره في البيت‏.‏

كذا قال بعضهم بناء على أن المراد بالبيت حقيقته، لكن في حديث عبد الله بن عمرو عند أبي داود ‏"‏ أو يمس من طيب امرأته ‏"‏ فعلى هذا فالمعنى إن لم يتخذ لنفسه طيبا فليستعمل من طيب امرأته، وهو موافق لحديث أبي سعيد الماضي ذكره عند مسلم حيث قال فيه ‏"‏ ولو من طيب المرأة‏"‏‏.‏

وفيه أن بيت الرجل يطلق ويراد به امرأته‏.‏

وفي حديث عبد الله بن عمرو المذكور من الزيادة ‏"‏ ويلبس من صالح ثيابه‏"‏‏.‏

وسيأتي الكلام عليه في الباب الذي بعد هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يخرج‏)‏ زاد في حديث أبي أيوب عند ابن خزيمة ‏"‏ إلى المسجد ‏"‏ ولأحمد من حديث أبي الدرداء ‏"‏ ثم يمشي وعليه السكينة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا يفرق بين اثنين‏)‏ في حديث عبد الله بن عمرو المذكور ‏"‏ ثم لم يتخط رقاب الناس‏"‏‏.‏

وفي حديث أبي الدرداء ‏"‏ ولم يتخط أحدا ولم يؤذه‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم يصلي ما كتب له‏)‏ في حديث أبي الدرداء ‏"‏ ثم يركع ما قضى له ‏"‏ وفي حديث أبي أيوب ‏"‏ فيركع إن بدا له‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم ينصت إذا تكلم الإمام‏)‏ زاد في رواية قرثع الضبي ‏"‏ حتى يقضي صلاته ‏"‏ ونحوه في حديث أبي أيوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى‏)‏ في رواية قاسم بن يزيد ‏"‏ حط عنه ذنوب ما بينه وبين الجمعة الأخرى ‏"‏ والمراد بالأخرى التي مضت، بينه الليث عن ابن عجلان في روايته عند ابن خزيمة ولفظه ‏"‏ غفر له ما بينه وبين الجمعة التي قبلها‏"‏، ولابن حبان من طريق سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة ‏"‏ غفر له ما بينه وبين الجمعة الأخرى وزيادة ثلاثة أيام من التي بعدها ‏"‏ وهذه الزيادة أيضا في رواية سعيد عن عمارة عن سلمان، لكن لم يقل من التي بعدها، وأصله عند مسلم من حديث أبي هريرة باختصار وزاد ابن ماجه في رواية أخرى عن أبي هريرة ‏"‏ ما لم يغش الكبائر ‏"‏ ونحوه لمسلم‏.‏

وفي هذا الحديث من الفوائد أيضا كراهة التخطي يوم الجمعة، قال الشافعي‏:‏ أكره التخطي إلا لمن لا يجد السبيل إلى المصلي إلا بذلك اهـ‏.‏

وهذا يدخل فيه الإمام ومن يريد وصل الصف المنقطع إن أبي السابق من ذلك ومن يريد الرجوع إلى موضعه الذي قام منه لضرورة كما تقدم، واستثنى المتولي من الشافعية من يكون معظما لدينه أو علمه أو ألف صلى الله عليه وسلم مكانا يجلس فيه أنه لا كراهة في حقه، وفيه نظر، وكان مالك يقول‏:‏ لا يكره التخطي إلا إذا كان الإمام على المنبر‏.‏

وفيه مشروعية النافلة قبل صلاة الجمعة لقوله ‏"‏ صلى ما كتب له ‏"‏ ثم قال ‏"‏ ثم ينصت إذا تكلم الإمام ‏"‏ فدل على تقدم ذلك على الخطبة، وقد بينه أحمد من حديث نبيشة الهذلي بلفظ ‏"‏ فإن لم يجد الإمام خرج صلى ما بدا له ‏"‏ وفيه جواز النافلة نصف النهار يوم الجمعة، واستدل به على أن التبكير ليس من ابتداء الزوال لأن خروج الإمام يعقب الزوال فلا يسع وقتا يتنفل فيه‏.‏

وتبين بمجموع ما ذكرنا أن تكفير الذنوب من الجمعة إلى الجمعة مشروط بوجود جميع ما تقدم من غسل وتنظف وتطيب أو دهن ولبس أحسن الثياب والمشي بالسكينة وترك التخطي والتفرقة بين الاثنين وترك الأذى والتنفل والإنصات وترك اللغو‏.‏

ووقع في حديث عبد الله بن عمرو ‏"‏ فمن تخطى أو لغا كانت له ظهرا ‏"‏ ودل التقييد بعدم غشيان الكبائر على أن الذي يكفر من الذنوب هو الصغائر فتحمل المطلقات كلها على هذا المقيد، وذلك أن معنى قوله ‏"‏ ما لم تغش الكبائر ‏"‏ أي فإنها إذا غشيت لا تكفر، وليس المراد أن تكفير الصغائر شرطه اجتناب الكبائر صلى الله عليه وسلم إذ اجتناب الكبائر بمجرده يكفرها كما نطق به القرآن، ولا يلزم من ذلك أن لا يكفرها إلا اجتناب الكبائر، وإذا لم يكن للمرء صغائر تكفي رجى له أن يكفر عنه بمقدار ذلك من الكبائر، وإلا أعطى من الثواب بمقدار ذلك، وهو جار في جميع ما ورد في نظائر ذلك، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ طَاوُسٌ قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ ذَكَرُوا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا وَأَصِيبُوا مِنْ الطِّيبِ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَمَّا الْغُسْلُ فَنَعَمْ وَأَمَّا الطِّيبُ فَلَا أَدْرِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكروا‏)‏ لم يسم طاوس من حدثه بذلك، والذي يظهر أنه أبو هريرة فقد رواه ابن خزيمة وابن حبان والطحاوي من طريق عمرو بن دينار عن طاوس عن أبي هريرة نحوه، وثبت ذكر الطيب أيضا في حديث أبي سعيد وسلمان وأبي ذر وغيرهم كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اغتسلوا يوم الجمعة وإن لم تكونوا جنبا‏)‏ معناه اغتسلوا يوم الجمعة إن كنتم جنبا للجنابة، وإن لم تكونوا جنبا للجمعة‏.‏

وأخذ منه أن الاغتسال يوم الجمعة للجنابة يجزئ عن الجمعة سواء نواه للجمعة أم لا، وفي الاستدلال به على ذلك بعد‏.‏

نعم روى ابن حبان من طريق ابن إسحاق عن الزهري في هذا الحديث ‏"‏ اغتسلوا يوم الجمعة إلا أن تكونوا جنبا ‏"‏ وهذا أوضح في الدلالة على المطلوب، لكن رواية شعيب عن الزهري أصح‏.‏

قال ابن المنذر‏:‏ حفظنا الإجزاء عن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين اهـ‏.‏

والخلاف في هذه المسألة منتشر في المذاهب، واستدل به على أنه لا يجزئ قبل طلوع الفجر لقوله ‏"‏ يوم الجمعة ‏"‏ وطلوع الفجر أول اليوم شرعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واغسلوا رءوسكم‏)‏ هو من عطف الخاص على العام للتنبيه على أن المطلوب الغسل التام لئلا يظن أن إفاضة الماء دون حل الشعر مثلا يجزئ في غسل الجمعة، وهو موافق لقوله في حديث أبي هريرة ‏"‏ كغسل الجنابة ‏"‏ ويحتمل أن يراد بالثاني المبالغة في التنظيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأصيبوا من الطيب‏)‏ ليس في هذه الرواية ذكر الدهن المترجم به، لكن لما كانت العادة تقتضي استعمال الدهن بعد غسل الرأس أشعر ذلك به، كذا وجهه الزين بن المنير جوابا لقول الداودي‏:‏ ليس في الحديث دلالة على الترجمة، والذي يظهر أن البخاري أراد أن حديث طاوس عن ابن عباس واحد ذكر فيه إبراهيم بن ميسرة الدهن ولم يذكره الزهري، وزيادة الثقة الحافظ مقبولة‏.‏

وكأنه أراد بإيراد حديث ابن عباس عقب حديث سلمان الإشارة إلى أن ما عدا الغسل من الطيب والدهن والسواك وغيرها ليس هو في التأكد كالغسل، وإن كان الترغيب ورد في الجميع، لكن الحكم يختلف إما بالوجوب عند من يقول به أو بتأكيد بعض المندوبات على بعض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ أما الغسل فنعم، وأما الطيب فلا أدري‏)‏ هذا يخالف ما رواه عبيد بن السباق عن ابن عباس مرفوعا ‏"‏ من جاء إلى الجمعة فليغتسل وإن كان له طيب فليس منه ‏"‏ أخرجه ابن ماجه من رواية صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد، وصالح ضعيف، وقد خالفه مالك فرواه عن الزهري عن عبيد بن السباق بمعناه مرسلا، فإن كان صالح حفظ فيه ابن عباس احتمل أن يكون ذكره بعد ما نسيه أو عكس ذلك، وهشام المذكور في طريق ابن عباس الثانية هو ابن يوسف الصنعاني‏.‏

*3*باب يَلْبَسُ أَحْسَنَ مَا يَجِدُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يلبس أحسن ما يجد‏)‏ أي يوم الجمعة من الجائز‏.‏

أورد فيه حديث ابن عمر ‏"‏ أن عمر رأى حلة سيراء عند باب المسجد فقال‏:‏ يا رسول الله لو اشتريت هذه فلبستها يوم الجمعة ‏"‏ الحديث‏.‏

ووجه الاستدلال به من جهة تقريره صلى الله عليه وسلم لعمر على أصل التجمل للجمعة، وقصر الإنكار على لبس مثل تلك الحلة لكونها كانت حريرا‏.‏

وقد تعقبه الداودي بأنه ليس في الحديث دلالة على الترجمة‏.‏

وأجاب ابن بطال بأنه كان معهودا عندهم أن يلبس المرء أحسن ثيابه للجمعة‏.‏

وتبعه ابن التين‏.‏

وما تقدم أولى‏.‏

وقد ورد الترغيب في ذلك في حديث أبي أيوب وعبد الله بن عمر، وعند ابن خزيمة بلفظ ‏"‏ ولبس من خير ثيابه ‏"‏ ونحوه في رواية الليث عن ابن عجلان، ولأبي داود من طريق محمد بن إبراهيم عن أبي سلمة وأبي أمامة عن أبي سعيد وأبي هريرة نحو حديث سلمان وفيه ‏"‏ ولبس من أحسن ثيابه ‏"‏ وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ ما على أحدكم لو اتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوبي مهنته ‏"‏ ووصله ابن عبد البر في ‏"‏ التمهيد ‏"‏ من طريق يحيى بن سعيد الأموي عن يحيى بن سعيد الأنصاري عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها، وفي إسناده نظر، فقد رواه أبو داود من طريق عمرو بن الحارث وسعيد بن منصور عن ابن عيينة وعبد الرزاق عن الثوري ثلاثتهم عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان مرسلا، ووصله أبو داود وابن ماجه من وجه آخر عن محمد بن يحيى عن عبد الله ابن سلام، ولحديث عائشة طريق عند ابن خزيمة وابن ماجه، وسيأتي الكلام على حديث ابن عمر في كتاب اللباس‏.‏

وقوله ‏"‏سيراء ‏"‏ بكسر المهملة وفتح التحتانية ثم راء ثم مد أي حرير‏.‏

قال ابن قرقول‏:‏ ضبطناه عن المتقنين بالإضافة كما يقال ثوب خز، وعن بعضهم بالتنوين على الصفة أو البدل‏.‏

قال الخطابي‏:‏ يقال حلة سيراء كناقة عشراء‏.‏

ووجهه ابن التين فقال‏:‏ يريد أن عشراء مأخوذ من عشرة أي أكملت الناقة عشرة أشهر فسميت عشراء، وكذلك الحلة سميت سيراء لأنها مأخوذة من السيور، هذا وجه التشبيه، وعطارد صاحب الحلة هو ابن حاجب التميمي‏.‏

وقوله ‏"‏فكساها أخا له بمكة مشركا ‏"‏ سيأتي أن اسمه عثمان بن حكيم، وكان أخا عمر من أمه، وقيل غير ذلك، وقد اختلف في إسلامه، والله أعلم‏.‏

*3*باب السِّوَاكِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَنُّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب السواك يوم الجمعة‏)‏ أورد فيه حديثا معلقا وثلاثة موصولة، والمعلق طرف من حديث أبي سعيد المذكور في ‏"‏ باب الطيب للجمعة ‏"‏ فإن فيه ‏"‏ وأن يستن ‏"‏ أي يدلك أسنانه بالسواك‏.‏

وأما الموصولة فأولها حديث أبي هريرة ‏"‏ لولا أن أشق ‏"‏ ومطابقته للترجمة من جهة اندراج الجمعة في عموم قوله ‏"‏ كل صلاة ‏"‏ وقال الزين بن المنير‏:‏ لما خصت الجمعة بطلب تحسين الظاهر من الغسل والتنظيف والتطيب ناسب ذلك تطيب الفم الذي هو محل الذكر والمناجاة، وإزالة ما يضر الملائكة وبني آدم‏.‏

ثاني الموصولة حديث أنس ‏"‏ أكثرت عليكم في السواك ‏"‏ قال ابن رشيد مناسبته للذي قبله من جهة أن سبب منعه من إيجاب السواك واحتياجه إلى الاعتذار عن إكثاره عليهم فيه وجود المشقة، ولا مشقة في فعل ذلك في يوم واحد وهو يوم الجمعة‏.‏

ثالث الموصولة حديث حذيفة ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا قام من الليل يشوص فاه ‏"‏ ووجه‏.‏

مناسبته أنه شرع في الليل لتجمل الباطن فيكون في الجمعة أحرى لأنه شرع لها التجمل في الباطن والظاهر، وقد تقدم الكلام على حديث حذيفة في آخر كتاب الوضوء وأما حديث أبي هريرة فلم يختلف على مالك في إسناده وإن كان له في أصل الحديث إسناد آخر بلفظ آخر سيأتي الكلام عليه في كتاب الصيام إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَوْلَا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلَاةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أو لولا أن أشق على الناس‏)‏ هو شك من الراوي، ولم أقف عليه بهذا اللفظ في شيء من الروايات عن مالك ولا عن غيره، وقد أخرجه الدار قطني في الموطآت من طريق الموطأ لعبد الله بن يوسف شيخ البخاري فيه بهذا الإسناد بلفظ ‏"‏ أو على الناس ‏"‏ لم يعد قوله ‏"‏ لولا أن أشق ‏"‏ وكذا رواه كثير من رواة الموطأ ورواه أكثرهم بلفظ ‏"‏ المؤمنين ‏"‏ بدل ‏"‏ أمتي ‏"‏ ورواه يحيى بن يحيى الليثي بلفظ ‏"‏ على أمتي ‏"‏ دون الشك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأمرتهم بالسواك‏)‏ أي باستعمال السواك، لأن السواك هو الآلة، وقد قيل إنه يطلق على الفعل أيضا‏.‏

فعلى هذا لا تقدير‏.‏

والسواك مذكر على الصحيح، وحكى في الحكم تأنيثه، وأنكر ذلك الأزهري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مع كل صلاة‏)‏ لم أرها أيضا في شيء من روايات الموطأ إلا عن معن بن عيسى لكن بلفظ ‏"‏ عند كل صلاة ‏"‏ وكذا النسائي عن قتيبة عن مالك، وكذا رواه مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد، وخالفه سعيد بن أبي هلال عن الأعرج فقال ‏"‏ مع الوضوء ‏"‏ بدل الصلاة أخرجه أحمد من طريقه، قال القاضي البيضاوي‏:‏ ‏"‏ لولا ‏"‏ كلمة تدل على انتقاء الشيء لثبوت غيره، والحق أنها مركبة من ‏"‏ لو ‏"‏ الدالة على انتفاء الشيء لانتفاء غيره و ‏"‏ لا ‏"‏ النافية، فدل الحديث على انتفاء الأمر لثبوت المشقة لأن انتفاء النفي ثبوت فيكون الأمر منفيا لثبوت المشقة، وفيه دليل على أن الأمر للوجوب من وجهين‏:‏ أحدهما أنه نفي الأمر مع ثبوت الندبية، ولو كان للندب لما جاز النفي، ثانيهما أنه جعل الأمر مشقة عليهم وذلك إنما يتحقق إذا كان الأمر للوجوب، إذ الندب لا مشقة فيه لأنه جائز الترك‏.‏

وقال الشيخ أبو إسحاق في ‏"‏ اللمع ‏"‏ في هذا الحديث دليل على أن الاستدعاء على جهة الندب ليس بأمر حقيقة لأن السواك عند كل صلاة مندوب إليه، وقد أخبر الشارع أنه لم يأمر به ا هـ‏.‏

ويؤكده قوله في رواية سعيد المقبري عن أبي هريرة عند النسائي بلفظ ‏"‏ لفرضت عليهم ‏"‏ بدل لأمرتهم‏.‏

وقال الشافعي‏:‏ فيه دليل على أن السواك ليس بواجب لأنه لو كان واجبا لأمرهم شق عليهم به أو لم يشق ا هـ‏.‏

وإلى القول بعدم وجوبه صار أكثر أهل العلم، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكى الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه قال‏:‏ هو واجب لكل صلاة، فمن تركه عامدا بطلت صلاته‏.‏

وعن داود أنه قال‏:‏ وهو واجب لكن ليس شرطا‏.‏

واحتج من قال بوجوبه بورود الأمر به، فعند ابن ماجه من حديث أبي أمامة مرفوعا ‏"‏ تسوكوا ‏"‏ ولأحمد نحوه من حديث العباس، وفي الموطأ في أثناء حديث ‏"‏ عليكم بالسواك ‏"‏ ولا يثبت شيء منها، وعلى تقدير الصحة فالمنفي في مفهوم حديث الباب الأمر به مقيدا بكل صلاة لا مطلق الأمر، ولا يلزم من نفي المقيد نفي المطلق ولا من ثبوت المطلق التكرار كما سيأتي‏.‏

واستدل بقوله ‏"‏ كل صلاة ‏"‏ على استحبابه للفرائض والنوافل، ويحتمل أن يكون المراد الصلوات المكتوبة وما ضاهاها من النوافل التي ليست تبعا لغيرها كصلاة العيد، وهذا اختاره أبو شامة، ويتأيد بقوله في حديث أم حبيبة عند أحمد بلفظ ‏"‏ لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة كما يتوضئون ‏"‏ وله من طريق أبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ ‏"‏ لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم عند كل صلاة بوضوء، ومع كل وضوء بسواك ‏"‏ فسوى بينهما‏.‏

وكما أن الوضوء لا يندب للراتبة التي بعد الفريضة إلا إن طال الفصل مثلا، فكذلك السواك‏.‏

ويمكن أن يفرق بينهما بأن الوضوء أشق من السواك، ويتأيد بما رواه ابن ماجه من حديث ابن عباس قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ركعتين، ثم ينصرف فيستاك ‏"‏ وإسناده صحيح، لكنه مختصر من حديث طويل أورده أبو داود، وبين فيه أنه تخلل بين الانصراف والسواك نوم‏.‏

وأصل الحديث في مسلم مبينا أيضا‏.‏

واستدل به على أن الأمر يقتضي التكرار، لأن الحديث دل على كون المشقة هي المانعة من الأمر بالسواك، ولا مشقة في وجوبه مرة، وإنما المشقة في وجوب التكرار‏.‏

وفي هذا البحث نظر، لأن التكرار لم يؤخذ هنا من مجرد الأمر، وإنما أخذ من تقييده بكل صلاة‏.‏

وقال المهلب‏:‏ فيه أن المندوبات ترتفع إذا خشي منها الحرج‏.‏

وفيه ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من الشفقة على أمته‏.‏

وفيه جواز الاجتهاد منه فيما لم ينزل عليه فيه نص، لكونه جعل المشقة سببا لعدم أمره، فلو كان الحكم متوقفا على النص لكان سبب انتفاء الوجوب عدم ورود النص لا وجود المشقة‏.‏

قال ابن دقيق العيد‏:‏ وفيه بحث، وهو كما قال، ووجهه أنه يجوز أن يكون إخبارا منه صلى الله عليه وسلم بأن سبب عدم ورود النص وجود المشقة، فيكون معنى قوله ‏"‏ لأمرتهم ‏"‏ أي عن الله بأنه واجب‏.‏

واستدل به النسائي على استحباب السواك للصائم بعد الزوال، لعموم قوله ‏"‏ كل صلاة‏"‏، وسيأتي البحث فيه في كتاب الصيام‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ قال ابن دقيق العيد‏:‏ الحكمة في استحباب السواك عند القيام إلى الصلاة كونها حالا رب إلى الله، فاقتضى أن تكون حال كمال ونظافة إظهارا لشرف العبادة، وقد ورد من حديث علي عند البزار ما يدل على أنه لأمر يتعلق بالملك الذي يستمع القرآن من المصلي، فلا يزال يدنو منه حتى يضع فاه على فيه، لكنه لا ينافي ما تقدم‏.‏

وأما حديث أنس فرجال إسناده بصريون، وقوله ‏"‏أكثرت ‏"‏ وقع في رواية الإسماعيلي ‏"‏ لقد أكثرت الخ ‏"‏ أي بالغت في تكرير طلبه منكم، أو في إيراد الأخبار في الترغيب فيه‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ معناه أكثرت عليكم، وحقيق أن أفعل، وحقيق أن تطيعوا‏.‏

وحكى الكرماني أنه روى بضم أوله أي بولغت من عند الله بطلبه منكم‏.‏ولم أقف على هذه الرواية إلى الآن صريحة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ذكره ابن المنير بلفظ ‏"‏ عليكم بالسواك ‏"‏ ولم يقع ذلك في شيء من الروايات في صحيح البخاري، وقد تعقبه ابن رشيد‏.‏

واللفظ المذكور وقع في الموطأ عن الزهري عن عبيد بن السباق مرسلا، وهو في أثناء حديث وصله ابن ماجه من طريق صالح بن أبي الأخضر عن الزهري يذكر ابن عباس فيه، وسبق الكلام عليه في آخر ‏"‏ باب الدهن للجمعة ‏"‏ ورواه معمر عن الزهري قال ‏"‏ أخبرني من لا أتهم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أنهم سمعوه يقول ذلك‏"‏‏.‏

*3*باب مَنْ تَسَوَّكَ بِسِوَاكِ غَيْرِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من تسوك بسواك غيره‏)‏ أورد فيه حديث عائشة في قصة دخول عبد الرحمن بن أبي بكر على النبي صلى الله عليه وسلم ومعه سواك، وأنها أخذته منه فاستاك به النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن مضغته‏.‏

وهو مطابق لما ترجم له، والكلام عليه يذكر مستوفى إن شاء الله تعالى في أواخر المغازي عند ذكر وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإن القصة كانت في مرض موته‏.‏

وقولها فيه ‏"‏ فقصمته ‏"‏ بقاف وصاد مهملة للأكثر، أي كسرته، وفي رواية كريمة وابن السكن بضاد معجمة، والقضم بالمعجمة الأكل بأطراف الأسنان، قال ابن الجوزي‏:‏ وهو أصح‏.‏

قلت‏:‏ ويحمل الكسر على كسر موضع الاستياك، فلا ينافي الثاني، والله أعلم‏.‏

وقد أورد الزين بن المنير على مطابقة الترجمة بأن تعيين عائشة موضع الاستياك بالقطع، وأجاب أن استعماله بعد أن مضغته واف بالمقصود‏.‏

وتعقب بأنه إطلاق في موضع التقييد، فينبغي تقييد الغير بأن يكون ممن لا يعاف أثر فمه، إذ لولا ذلك ما غيرته عائشة‏.‏

ولا يقال لم يتقدم فيه استعمال، لأن في نفس الخبر يستن به، وفيه دلالة على تأكد أمر السواك لكونه صلى الله عليه وسلم لم يخل به مع ما هو فيه من شاغل المرض‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ رجال الإسناد مدنيون، وإسماعيل شيخ البخاري هو ابن أبي أويس، ولم أره في شيء من الروايات من غير طريق البخاري عنه بهذا الإسناد، وقد ضاق على الإسماعيلي مخرجه فاستخرجه من طريق البخاري نفسه عن إسماعيل، وكأن إسماعيل تفرد به أيضا فإنني لم أره من رواية غيره عن سليمان ابن بلال، إلا أن أبا نعيم أورده في المستخرج من طريق محمد بن الحسن المدني عن سليمان، ومحمد ضعيف جدا‏.‏

فكان ما صنعه الإسماعيلي أولى‏.‏

وقد سمع إسماعيل من سليمان ويروى عنه أيضا بواسطة كثيرا‏.‏

*3*باب مَا يُقْرَأُ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يقرأ‏)‏ بضم الياء - ويجوز فتحها أي الرجل - ولم يقع قوله‏:‏ ‏(‏يوم الجمعة‏)‏ في أكثر الروايات في الترجمة‏.‏

وهو مراد‏.‏

قال الزين بن المنير ‏"‏ ما ‏"‏ في قوله ‏"‏ ما يقرأ ‏"‏ الظاهر أنها موصولة لا استفهامية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ هُرْمُزَ الْأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةَ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنْ الدَّهْرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أبو نعيم‏)‏ في نسخة من رواية كريمة ‏"‏ حدثنا محمد بن يوسف ‏"‏ أي الفريابي، وذكرا في بعض النسخ جميعا‏.‏

وسفيان هو الثوري‏.‏

وسعد بن إبراهيم أي ابن عبد الرحمن بن عوف نسبه النسائي من طريق عبد الرحمن بن مهدي وغيره عن الثوري‏.‏

وهو تابعي صغير، وشيخه تابعي كبير، وهما معا مدنيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في الفجر يوم الجمعة‏)‏ في رواية كريمة والأصيلي ‏"‏ في الجمعة في صلاة الفجر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الم تنزيل‏)‏ بضم اللام على الحكاية، زاد في رواية كريمة ‏"‏ السجدة ‏"‏ وهو بالنصب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهل أتى على الإنسان‏)‏ زاد الأصيلي في روايته ‏"‏ حين من الدهر ‏"‏ والمراد أن يقرأ في كل ركعة بسورة، وكذا بينه مسلم من طريق إبراهيم بن سعد بن إبراهيم عن أبيه بلفظ ‏"‏ الم تنزيل، في الركعة الأولى، وفي الثانية‏:‏ هل أتى على الإنسان ‏"‏ وفيه دليل على استحباب قراءة هاتين السورتين في هذه الصلاة من هذا اليوم لما تشعر الصيغة به من مواظبته صلى الله عليه وسلم على ذلك أو إكثاره منه، بل ورد من حديث ابن مسعود التصريح بمداومته صلى الله عليه وسلم على ذلك، أخرجه الطبراني ولفظه ‏"‏ يديم ذلك ‏"‏ وأصله في ابن ماجه بدون هذه الزيادة ورجاله ثقات، لكن صوب أبو حاتم إرساله‏.‏

وكأن ابن دقيق العيد لم يقف عليه فقال في الكلام على حديث الباب‏:‏ ليس في الحديث ما يقتضي فعل ذلك دائما اقتضاء قويا، وهو كما قال بالنسبة لحديث الباب، فإن الصيغة ليست نصا في المداومة لكن الزيادة التي ذكرناها نص في ذلك‏.‏

وقد أشار أبو الوليد الباجي في رجال البخاري إلى الطعن في سعد بن إبراهيم لروايته لهذا الحديث، وأن مالكا امتنع من الرواية عنه لأجله، وأن الناس تركوا العمل به لا سيما أهل المدينة ا هـ‏.‏

وليس كما قال، فإن سعدا لم ينفرد به مطلقا، فقد أخرجه مسلم من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس مثله، وكذا ابن ماجه والطبراني من حديث ابن مسعود، وابن ماجه من حديث سعد بن أبي وقاص، والطبراني في الأوسط من حديث علي‏.‏

وأما دعواه أن الناس تركوا العمل به فباطلة، لأن أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين قد قالوا به كما نقله ابن المنذر وغيره، حتى إنه ثابت عن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف والد سعد وهو من كبار التابعين من أهل المدينة أنه أم الناس بالمدينة بهما في الفجر يوم الجمعة، أخرجه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وكلام ابن العربي يشعر بأن ترك ذلك أمر طرأ على أهل المدينة لأنه قال‏:‏ وهو أمر لم يعلم بالمدينة، فالله أعلم بمن قطعه كما قطع غيره ا هـ‏.‏

وأما امتناع مالك من الرواية عن سعد فليس لأجل هذا الحديث، بل لكونه طعن في نسب مالك، كذا حكاه ابن البرقي عن يحيى بن معين، وحكى أبو حاتم عن علي بن المديني قال‏:‏ كان سعد بن إبراهيم لا يحدث بالمدينة فلذلك لم يكتب عنه أهلها‏.‏

وقال الساجي‏:‏ أجمع أهل العلم على صدقه‏.‏

وقد روى مالك عن عبد الله بن إدريس عن شعبة عنه، فصح أنه حجة باتفاقهم‏.‏

قال‏:‏ ومالك إنما لم يرو عنه لمعنى معروف، فأما أن يكون تكلم فيه فلا أحفظ ذلك ا هـ‏.‏

وقد اختلف تعليل المالكية بكراهة قراءة السجدة في الصلاة، فقيل لكونها تشتمل على زيادة سجود في الفرض، قال القرطبي‏:‏ وهو تعليل فاسد بشهادة هذا الحديث‏.‏

وقيل لخشية التخليط على المصلين، ومن ثم فرق بعضهم بين الجهرية والسرية لأن الجهرية يؤمن معها التخليط، لكن صح من حديث ابن عمر صلى الله عليه وسلم أنه صلى الله عليه وسلم قرأ سورة فيها سجدة في صلاة الظهر فسجد بهم فيها، أخرجه أبو داود والحاكم‏.‏

فبطلت التفرقة‏.‏

ومنهم من علل الكراهة بخشية اعتقاد العوام أنها فرض، قال ابن دقيق العيد‏:‏ أما القول بالكراهة مطلقا فيأباه الحديث، لكن إذا انتهى الحال إلى وقوع هذه المفسدة فينبغي أن تترك أحيانا لتندفع، فإن المستحب قد يترك لدفع المفسدة المتوقعة، وهو يحصل بالترك في بعض الأوقات ا هـ‏.‏

وإلى ذلك أشار ابن العربي بقوله‏:‏ ينبغي أن يفعل ذلك في الأغلب للقدرة‏.‏

ويقطع أحيانا لئلا تظنه العامة سنة ا هـ‏.‏

وهذا على قاعدتهم في التفرقة بين السنة والمستحب‏.‏

وقال صاحب المحيط من الحنفية‏:‏ يستحب قراءة هاتين السورتين في صبح يوم الجمعه بشرط أن يقرأ غير ذلك أحيانا لئلا يظن الجاهل أنه لا يجزئ غيره‏.‏

وأما صاحب الهداية منهم فذكر أن علة الكراهة هجران الباقي وإيهام التفضيل‏.‏

وقول الطحاوي يناسب قول صاحب المحيط، فإنه خص الكراهة بمن يراه حتما لا يجزئ غيره أو يرى القراءة بغيره مكروهة‏.‏

‏(‏فائدتان‏)‏ الأولى‏.‏

لم أر في شيء من الطرق التصريح بأنه صلى الله عليه وسلم سجد لما قرأ سورة تنزيل السجدة في هذا المحل إلا في كتاب الشريعة لابن أبي داود من طريق أخرى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ غدوت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة في صلاة الفجر فقرأ سورة فيها سجدة فسجد ‏"‏ الحديث، وفي إسناده من ينظر في حاله‏.‏

وللطبراني في الصغير من حديث علي ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في صلاة الصبح في تنزيل السجدة ‏"‏ لكن في إسناده ضعف‏.‏

الثانية‏:‏ قيل الحكمة في اختصاص يوم الجمعة بقراءة سورة السجدة قصد السجود الزائد حتى أنه يستحب لمن لم يقرأ هذه السورة بعينها أن يقرأ سورة غيرها فيها سجدة، وقد عاب ذلك على فاعله غير واحد من العلماء، ونسبهم صاحب الهدى إلى قلة العلم ونقص المعرفة، لكن عند ابن أبي شيبة بإسناد قوي عن إبراهيم النخعي أنه قال‏:‏ يستحب أن يقرأ في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة‏.‏

وعنده من طريقه أيضا أنه فعل ذلك فقرأ سورة مريم‏.‏

ومن طريق ابن عون قال‏:‏ كانوا يقرؤون في الصبح يوم الجمعة بسورة فيها سجدة‏.‏

وعنده من طريقه أيضا قال‏:‏ وسألت محمدا - يعني ابن سيرين - عنه فقال لا أعلم به بأسا ا هـ‏.‏

فهذا قد ثبت عن بعض علماء الكوفة والبصرة فلا ينبغي القطع بتزييفه‏.‏

وقد ذكر النووي في زيادات الروضة هذه المسألة وقال‏:‏ لم أر فيها كلاما لأصحابنا، ثم قال‏:‏ وقياس مذهبنا أنه يكره في صلاة إذا قصده ا هـ‏.‏

وقد أفتى ابن عبد السلام قبله بالمنع وببطلان الصلاة بقصد ذلك، قال صاحب المهمات‏:‏ مقتضى كلام القاضي حسين الجواز‏.‏

وقال الفارقي في فوائد المهذب‏:‏ لا تستحب قراءة سجدة غير تنزيل، فإن ضاق الوقت عن قراءتها قرأ بما أمكن منها ولو بآية السجدة منها‏.‏

ووافقه ابن أبي عصرون في كتاب الانتصار وفيه نظر‏.‏

‏(‏تكملة‏)‏ ‏:‏ قال الزين بن المنير‏:‏ مناسبة ترجمة الباب لما قبلها أن ذلك من جملة ما يتعلق بفضل يوم الجمعة لاختصاص صبحها بالمواظبة على قراءة هاتين السورتين‏.‏

وقيل‏:‏ إن الحكمة في هاتين السورتين الإشارة إلى ما فيهما من ذكر خلق آدم وأحوال يوم القيامة، لأن ذلك كان وسيقع يوم الجمعة، ذكره ابن دحية في العلم المشهور وقرره تقريرا حسنا‏.‏