فصل: باب مَنْ كَلَّمَ مَوَالِيَ الْعَبْدِ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب هَلْ يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ مِنْ مُشْرِكٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب هل يؤاجر الرجل نفسه من مشرك في أرض الحرب‏)‏ أورد فيه حديث خباب - وهو إذ ذاك مسلم - في عمله للعاص بن وائل وهو مشرك، وكان ذلك بمكة وهي إذ ذاك دار حرب، واطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك وأقره، ولم يجزم المصنف بالحكم لاحتمال أن يكون الجواز مقيدا بالضرورة، أو أن جواز ذلك كان قبل الإذن في قتال المشركين ومنابذتهم وقبل الأمر بعدم إذلال المؤمن نفسه‏.‏

وقال المهلب‏:‏ كره أهل العلم ذلك إلا لضرورة بشرطين‏:‏ أحدهما أن يكون عمله فيما يحل للمسلم فعله، والآخر أن لا يعينه على ما يعود ضرره على المسلمين‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ استقرت المذاهب على أن الصناع في حوانيتهم يجوز لهم العمل لأهل الذمة ولا يعد ذلك من الذلة، بخلاف أن يخدمه في منزله وبطريق التبعية له والله أعلم‏.‏

وقد تقدم حديث خباب في البيوع، ويأتي بقية شرحه في تفسير سورة مريم‏.‏

*3*باب مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَةِ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ وَقَالَ الشَّعْبِيُّ لَا يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ إِلَّا أَنْ يُعْطَى شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ وَقَالَ الْحَكَمُ لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ وَأَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا وَقَالَ كَانَ يُقَالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ وَكَانُوا يُعْطَوْنَ عَلَى الْخَرْصِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب‏)‏ كذا ثبت هذه الترجمة للجميع، والأحياء بالفتح جمع حي والمراد به طائفة من العرب مخصوصة، قال الهمداني في ‏"‏ الأنساب ‏"‏‏:‏ الشعب والحي بمعنى، وسمي الشعب لأن القبيلة تتشعب منه‏.‏

وقد اعترض على المصنف بأن الحكم لا يختلف باختلاف الأمكنة ولا باختلاف الأجناس، وتقييده في الترجمة بأحياء العرب يشعر بحصره فيه، ويمكن الجواب بأنه ترجم بالواقع ولم يتعرض لنفي غيره، وقد ترجم عليه في الطب ‏"‏ الشروط في الرقية بقطيع من الغنم ‏"‏ ولم يقيده بشيء، وترجم فيه أيضا ‏"‏ الرقيا بفاتحة الكتاب ‏"‏ والرقية كلام يستشفى به من كل عارض أشار إلى ذلك ابن درستويه، وسيأتي تحقيق ذلك في كتاب الطب إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله‏)‏ هذا طرف من حديث وصله المؤلف رحمه الله في الطب، واستدل به للجمهور في جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وخالف الحنفية فمنعوه في التعليم وأجازوه في الرقى كالدواء، قالوا لأن تعليم القرآن عبادة والأجر فيه على الله، وهو القيام في الرقى إلا أنهم أجازوه فيها لهذا الخبر، وحمل بعضهم الأجر في هذا الحديث على الثواب، وسياق القصة التي في الحديث يأبى هذا التأويل‏.‏

وادعى بعضهم نسخه بالأحاديث الواردة في الوعيد على أخذ الأجرة على تعليم القرآن وقد رواها أبو داود وغيره، وتعقب بأنه إثبات للنسخ بالاحتمال وهو مردود، وبأن الأحاديث ليس فيها تصريح بالمنع على الإطلاق بل هي وقائع أحوال محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب، وبأن الأحاديث المذكورة أيضا ليس فيها ما تقوم به الحجة فلا تعارض الأحاديث الصحيحة، وسيكون لنا عودة إلى البحث في ذلك في كتاب النكاح في ‏"‏ باب التزويج على تعليم القرآن‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الشعبي‏:‏ لا يشترط المعلم، إلا أن يعطى شيئا فليقبله‏.‏

وقال الحكم‏:‏ لم أسمع أحدا كره أجر المعلم، وأعطى الحسن دراهم عشرة‏)‏ أما قول الشعبي فوصله ابن أبي شيبة بلفظ ‏"‏ وإن أعطى شيئا فليقبله ‏"‏ وأما قول الحكم فوصله البغوي في ‏"‏ الجعديات ‏"‏ حدثنا علي بن الجعد عن شعبة سألت معاوية ابن قرة عن أجر المعلم فقال‏.‏

أرى له أجرا، وسألت الحكم فقال‏:‏ ما سمعت فقيها يكرهه‏.‏

وأما قول الحسن فوصله ابن سعد في ‏"‏ الطبقات ‏"‏ من طريق يحيى بن سعيد بن أبي الحسن قال‏:‏ لما حذقت قلت لعمي يا عماه إن المعلم يريد شيئا، قال‏:‏ ما كانوا يأخذون شيئا ثم قال‏:‏ أعطه خمسة دراهم، فلم أزل به حتى قال‏:‏ أعطه عشرة دراهم‏.‏

وروى ابن أبي شيبة من طريق أخرى عن الحسن قال‏:‏ لا بأس أن يأخذ على الكتابة أجرا وكره الشرط‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم ير ابن سيرين بأجر القسام باسا‏.‏

وقال‏:‏ كان يقال السحت الرشوة في الحكم‏)‏ أما قوله في أجرة القسام فاختلفت الروايات عنه، فروى عبد بن حميد في تفسيره من طريق يحيى بن عتيق عن محمد وهو ابن سيرين أنه كان يكره أجور القسام ويقول‏:‏ كان يقال السحت الرشوة على الحكم، وأرى هذا حكما يؤخذ عليه الأجرة‏.‏

وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة قال قلت لابن المسيب‏:‏ ما ترى في كسب القسام‏؟‏ فكرهه‏.‏

وكان الحسن يكره كسبه‏.‏

وقال ابن سيرين إن لم يكن حسنا فلا أدري ما هو‏.‏

وجاءت عنه رواية يجمع بها بين هذا الاختلاف قال ابن سعد‏:‏ حدثنا عارم حدثنا حماد عن يحيى عن محمد هو ابن سيرين أنه كان يكره أن يشارط القسام، وكأنه يكره له أخذ الأجرة على سبيل المشارطة، ولا يكرهها إذا كانت بغير اشتراط كما تقدم عن الشعبي‏.‏

وظهر بما أخرجه ابن أبي شيبة أن قول البخاري ‏"‏ وكان يقال السحت الرشوة ‏"‏ بقية كلام ابن سيرين، وأشار ابن سيرين بذلك إلى ما جاء عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت من قولهم في تفسير السحت ‏"‏ إنه الرشوة في الحكم ‏"‏ أخرجه ابن جرير بأسانيده عنهم، ورواه من وجه آخر مرفوعا ورجاله ثقات، ولكنه مرسل ولفظه ‏"‏ كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به، قيل يا رسول الله وما السحت‏؟‏ قال‏:‏ الرشوة في الحكم‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ القسام بفتح القاف فعال من القسم بفتح القاف وهو القاسم، وشرحه الكرماني على أنه بضم القاف جمع قاسم‏.‏

والسحت بضم السين وسكون الحاء المهملتين وحكي ضم الحاء وهو شاذ، وضبطه بعضهم بما يلزم من أكله العار فهو أعم من الحرام‏.‏

والرشوة بفتح الراء وقد تكسر وتضم وقيل بالفتح المصدر وبالكسر الاسم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانوا يعطون على الخرص‏)‏ هو بفتح المعجمة وسكون الراء ثم صاد مهملة هو الحزر وزنا ومعنى، وقد تقدم تفسيره في البيوع، أي كانوا يعطون أجرة الخارص، وفي ذلك دلالة على جواز أجرة القسام لاشتراكهما في أن كلا منهما يفصل التنازع بين المتخاصمين، ولأن الخرص يقصد للقسمة‏.‏

ومناسبة ذكر القسام والخارص للترجمة الاشتراك في أن جنسهما وجنس تعليم القرآن والرقية واحد، ومن ثم كره مالك أخذ الأجرة على عقد الوثائق لكونها من فروض الكفايات، وكره أيضا أجرة القسام، وقيل إنما كرهها لأنه كان يرزق من بيت المال فكره له أن يأخذ أجرة أخرى، وأشار سحنون إلى الجواز عند فساد أمور بيت المال‏.‏

وقال عبد الرزاق أخبرنا معمر عن قتادة‏:‏ أحدث الناس ثلاثة أشياء لم يكن يؤخذ عليهن أجر ضراب الفحل وقسمة الأموال والتعليم ا هـ‏.‏

وهذا مرسل، وهو يشعر بأنهم كانوا قبل ذلك يتبرعون بها فلما فشا الشح طلبوا الأجرة فعد ذلك من غير مكارم الأخلاق فتحمل كراهة من كرهها على التنزيه والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَيٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَيِّ فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ شَيْءٌ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلَاءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَيْءٌ فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَا يَنْفَعُهُ فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَيْءٍ فَقَالَ بَعْضُهُمْ نَعَمْ وَاللَّهِ إِنِّي لَأَرْقِي وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدْ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضَيِّفُونَا فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلًا فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنْ الْغَنَمِ فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ قَالَ فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمْ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اقْسِمُوا فَقَالَ الَّذِي رَقَى لَا تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرُوا لَهُ فَقَالَ وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ ثُمَّ قَالَ قَدْ أَصَبْتُمْ اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ بِهَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي بشر‏)‏ هو جعفر بن أبي وحشية مشهور بكنيته أكثر من اسمه كأبيه اسمه إياس وهو مشهور بكنيته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي المتوكل‏)‏ هو الناجي، وقد ذكر المصنف في آخر الباب تصريح أبي بشر بالسماع منه، وتابع أبا عوانة على هذا الإسناد شعبة كما في آخر الباب، وهشيم كما أخرجه مسلم والنسائي وخالفهم الأعمش فرواه عن جعفر بن أبي وحشية عن أبي نضرة عن أبي سعيد جعل بدل أبي المتوكل أبا نضرة أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة من طريقه، فأما الترمذي فقال‏:‏ طريق شعبة أصح من طريق الأعمش‏.‏

وقال ابن ماجة إنها الصواب، ورجحها الدار قطني في ‏"‏ العلل ‏"‏ ولم يرجح في ‏"‏ السنن ‏"‏ شيئا وكذا النسائي، والذي يترجح في نقدي أن الطريقين محفوظان لاشتمال طريق الأعمش على زيادات في المتن ليست في رواية شعبة ومن تابعه، فكأنه كان عند أبي بشر عن شيخين فحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا ولم يصب ابن العربي في دعواه أن هذا الحديث مضطرب فقد رواه عن أبي سعيد أيضا معبد بن سيرين كما سيأتي في فضائل القرآن، وسليمان بن قتة وهو بفتح القاف وتشديد المثناة كما أخرجه أحمد والدار قطني، وسأذكر ما في رواياتهم من الفوائد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏انطلق نفر‏)‏ لم أقف على اسم أحد منهم سوى أبي سعيد، وليس في سياق هذه الطريق ما يشعر بأن السفر كان في جهاد، لكن في رواية الأعمش ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم بعثهم ‏"‏ وفي رواية سليمان ابن قتة عند أحمد ‏"‏ بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثا ‏"‏ زاد الدار قطني فيه ‏"‏ بعث سرية عليها أبو سعيد ‏"‏ ولم أقف على تعيين هذه السرية في شيء من كتب المغازي، بل لم يتعرض لذكرها أحد منهم، وهي واردة عليهم، ولم أقف على تعيين الحي الذين نزلوا بهم من أي القبائل هم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فاستضافوهم‏)‏ أي طلبوا منهم الضيافة‏.‏

وفي رواية الأعمش عند غير الترمذي ‏"‏ بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثين رجلا فنزلنا بقوم ليلا فسألناهم القري ‏"‏ فأفادت عدد السرية ووقت النزول كما أفادت رواية الدار قطني تعيين أمير السرية، والقري بكسر القاف مقصور‏:‏ الضيافة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأبوا أن يضيفوهم‏)‏ بالتشديد للأكثر وبكسر الضاد المعجمة مخففا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلدغ‏)‏ بضم اللام على البناء للمجهول، واللدغ بالدال المهملة والغين المعجمة وهو اللسع وزنا ومعنى، وأما اللذع بالذال المعجمة والعين المهملة فهو الإحراق الخفيف، واللدغ المذكور في الحديث هو ضرب ذات الحمة من حية أو عقرب وغيرهما، وأكثر ما يستعمل في العقرب‏.‏

وقد أفادت رواية الأعمش تعيين العقرب، وأما ما وقع في رواية هشيم عند النسائي أنه مصاب في عقله أو لديغ فشك من هشيم، وقد رواه الباقون فلم يشكوا في أنه لديغ، ولا سيما تصريح الأعمش بالعقرب، وكذلك ما سيأتي في فضائل القرآن من طريق معبد بن سيرين عن أبي سعيد بلفظ ‏"‏ إن سيد الحي سليم ‏"‏ وكذا في الطب من حديث ابن عباس ‏"‏ أن سيد الحي سليم والسليم هو اللديغ ‏"‏ نعم وقعت للصحابة قصة أخرى في رجل مصاب بعقله فقرأ عليه بعضهم فاتحة الكتاب فبرأ أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق خارجة بن الصلت عن عمه أنه ‏"‏ مر بقوم وعندهم رجل مجنون موثق في الحديد فقالوا إنك جئت من عند هذا الرجل بخير، فارق لنا هذا الرجل ‏"‏ الحديث‏.‏

فالذي يظهر أنهما قصتان، لكن الواقع في قصة أبي سعيد أنه لديغ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسعوا له بكل شيء‏)‏ أي مما جرت به العادة أن يتداوى به من لدغة العقرب، كذا للأكثر من السعي أي طلبوا له ما يداويه، وللكشميهني فشفوا بالمعجمة والفاء وعليه شرح الخطابي فقال‏:‏ معناه طلبوا الشفاء تقول شفى الله مريضي أي أبرأه وشفى له الطبيب أي عالجه بما يشفيه أو وصف له ما فيه الشفاء، لكن ادعى ابن التين أنها تصحيف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو أتيتم هؤلاء الرهط‏)‏ قال ابن التين قال تارة نفرا وتارة رهطا، والنفر ما بين العشرة والثلاثة والرهط ما دون العشرة وقيل يصل إلى الأربعين، قلت‏:‏ وهذا الحديث يدل له‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتوهم‏)‏ في رواية معبد بن سيرين أن الذي جاء في هذه الرسالة جارية منهم، فيحمل على أنه كان معها غيرها، زاد البزار في حديث جابر ‏"‏ فقالوا لهم قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشفاء، قالوا نعم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسعينا‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وشفينا ‏"‏ بالمعجمة والفاء وقد تقدم ما فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهل عند أحد منكم من شيء‏)‏ زاد أبو داود في روايته من هذا الوجه ‏"‏ ينفع صاحبنا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعضهم‏)‏ في رواية أبي داود ‏"‏ فقال رجل من القوم‏:‏ نعم والله إني لأرقي ‏"‏ بكسر القاف، وبين الأعمش أن الذي قال ذلك هو أبو سعيد راوي الخبر ولفظه ‏"‏ قلت نعم أنا‏.‏

ولكن لا أرقيه حتى تعطونا غنما ‏"‏ فأفاد بيان جنس الجعل وهو بضم الجيم وسكون المهملة ما يعطى على عمل، وقد استشكل كون الراقي هو أبو سعيد راوي الخبر مع ما وقع في رواية معبد بن سيرين ‏"‏ فقام معها رجل ما كنا نظنه يحسن رقية ‏"‏ وأخرجه مسلم، وسيأتي للمصنف في فضائل القرآن بلفظ آخر وفيه ‏"‏ فلما رجع قلنا له‏:‏ أكنت تحسن رقية ‏"‏ ففي ذلك إشعار بأنه غيره، والجواب أنه لا مانع من أن يكني الرجل عن نفسه فلعل أبا سعيد صرح تارة وكنى أخرى ولم ينفرد الأعمش بتعيينه، وقد وقع أيضا في رواية سليمان بن قتة بلفظ ‏"‏ فأتيته فرقيته بفاتحة الكتاب ‏"‏ وفي حديث جابر عند البزار ‏"‏ فقال رجل من الأنصار أنا أرقيه ‏"‏ وهو مما يقوي رواية الأعمش فإن أبا سعيد أنصاري، وأما حمل بعض الشارحين ذلك على تعدد القصة وأن أبا سعيد روى قصتين كان في إحداهما راقيا وفي الأخرى كان الراقي غيره فبعيد جدا، ولا سيما مع اتحاد المخرج والسياق والسبب، ويكفي في رد ذلك أن الأصل عدم التعدد ولا حامل عليه فإن الجمع بين الروايتين ممكن بدونه، وهذا بخلاف ما قدمته من حديث خارجة بن الصلت عن عمه فإن السياقين مختلفان، وكذا السبب، فكان الحمل على التعدد فيه قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فصالحوهم‏)‏ أي وافقوهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على قطيع من الغنم‏)‏ قال ابن التين‏:‏ القطيع هو الطائفة من الغنم، وتعقب بأن القطيع هو الشيء المقتطع من غنم كان أو غيرها، وقد صرح بذلك ابن قرقول وغيره، وزاد بعضهم أن الغالب استعماله فيما بين العشرة والأربعين؛ ووقع في رواية الأعمش ‏"‏ فقالوا إنا نعطيكم ثلاثين شاة ‏"‏ وكذا ثبت ذكر عدد الشياه في رواية معبد بن سيرين وهو مناسب لعدد السرية كما تقدم في أول الحديث وكأنهم اعتبروا عددهم فجعلوا الجعل بإزائه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فانطلق يتفل‏)‏ بضم الفاء وبكسرها وهو نفخ معه قليل بزاق، وقد تقدم البحث فيه في أوائل كتاب الصلاة‏.‏

قال ابن أبي حمزة‏:‏ محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصيل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق فتحصل البركة في الريق الذي يتفله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويقرأ الحمد لله رب العالمين‏)‏ في رواية شعبة ‏"‏ فجعل يقرأ عليها بفاتحة الكتاب ‏"‏ وكذا في حديث جابر‏.‏

وفي رواية الأعمش ‏"‏ فقرأت عليه الحمد لله ‏"‏ ويستفاد منه تسمية الفاتحة الحمد والحمد لله رب العالمين، ولم يذكر في هذه الطريق عدد ما قرأ الفاتحة، لكنه بينه في رواية الأعمش وأنه سبع مرات، ووقع في حديث جابر ثلاث مرات، والحكم للزائد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فكأنما نشط‏)‏ كذا للجميع بضم النون وكسر المعجمة من الثلاثي، قال الخطابي‏:‏ وهو لغة، والمشهور نشط إذا عقد وأنشط إذا حل، وأصله الأنشوطة بضم الهمزة والمعجمة بينهما نون ساكنة وهي الحبل‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ حكى بعضهم أن معنى أنشط‏:‏ حل ومعنى نشط‏:‏ أقيم بسرعة، ومنه قولهم رجل نشيط‏.‏

ويحتمل أن يكون معنى نشط فزع، ولو قرئ بالتشديد لكان له وجه أي حل شيئا فشيئا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من عقال‏)‏ بكسر المهملة بعدها قاف هو الحبل الذي يشد به ذراع البهيمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما به قلبة‏)‏ بحركات أي علة، وقيل للعلة قلبة لأن الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء قاله ابن الأعرابي، ومنه قول الشاعر‏:‏ ‏"‏ وقد برئت فما في الصدر من قلبة ‏"‏ وفي نسخة الدمياطي بخطه‏:‏ قال ابن الأعرابي القلبة داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيألم قلبه فيموت من يومه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال بعضهم اقسموا‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال الذي رقى‏)‏ بفتح القاف وفي رواية الأعمش ‏"‏ فلما قبضنا الغنم عرض في أنفسنا منها شيء ‏"‏ وفي رواية معبد بن سيرين ‏"‏ فأمر لنا بثلاثين شاة وسقانا لبنا ‏"‏ وفي رواية سليمان بن قتة ‏"‏ فبعث إلينا بالشياه والنزل فأكلنا الطعام، وأبوا أن يأكلوا الغنم حتى أتينا المدينة ‏"‏ وبين في هذه الرواية أن الذي منعهم من تناولها هو الراقي، وأما في باقي الروايات فأبهمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فننطر ما يأمرنا‏)‏ أي فنتبعه، ولم يريدوا أنهم يخيرون في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وما يدريك أنها رقية‏)‏ قال الداودي‏:‏ معناه وما أدراك، وقد روي كذلك، ولعله هو المحفوظ لأن ابن عيينة قال‏:‏ إذا قال وما يدريك فلم يعلم، وإذا قال وما أدراك فقد أعلم، وتعقبه ابن التين بأن ابن عيينة إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن كما تقدم في أواخر الصيام وإلا فلا فرق بينهما في اللغة أي في نفي الدراية، وقد وقع في رواية هشيم ‏"‏ وما أدراك ‏"‏ ونحوه في رواية الأعمش‏.‏

وفي رواية معبد بن سيرين ‏"‏ وما كان يدريه ‏"‏ وهي كلمة تقال عند التعجب من الشيء وتستعمل في تعظيم الشيء أيضا وهو لائق هنا، زاد شعبة في روايته ‏"‏ ولم يذكر منه نهيا ‏"‏ أي من النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وزاد سليمان بن قتة في روايته بعد قوله وما يدريك أنها رقية ‏"‏ قلت ألقي في روعي ‏"‏ وللدار قطني من هذا الوجه ‏"‏ فقلت يا رسول الله شيء ألقي في روعي ‏"‏ وهو ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقى بالفاتحة، ولهذا قال له أصحابه لما رجع ‏"‏ ما كنت تحسن رقية ‏"‏ كما وقع في رواية معبد بن سيرين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال قد أصبتم‏)‏ يحتمل أن يكون صوب فعلهم في الرقية، ويحتمل أن ذلك في توقفهم عن التصرف في الجعل حتى استأذنوه، ويحتمل أعم من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وضربوا لي معكم سهما‏)‏ أي اجعلوا لي منه نصيبا، وكأنه أراد المبالغة في تأنيسهم كما وقع له في قصة الحمار الوحشي وغير ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال شعبة حدثنا أبو بشر سمعت أبا المتوكل‏)‏ هذه الطريق بهذه الصيغة وصلها الترمذي، وقد أخرجه المصنف في الطب من طريق شعبة لكن بالعنعنة، وهذا هو السر في عزوه إلى الترمذي مع كونه في البخاري، وغفل بعض الشراح عن ذلك فعاب على من نسبه إلى الترمذي‏.‏

وفي الحديث جواز الرقية بكتاب الله، ويلتحق به ما كان بالذكر والدعاء المأثور، وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور، وأما الرقى بما سوى ذلك فليس في الحديث ما يثبته ولا ما ينفيه وسيأتي حكم ذلك مبسوطا في كتاب الطب‏.‏

وفيه مشروعية الضيافة على أهل البوادي والنزول على مياه العرب وطلب ما عندهم على سبيل القري أو الشراء، وفيه مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنيعه لما صنعه الصحابي من الامتناع من الرقية في مقابلة امتناع أولئك من ضيافتهم، وهذه طريق موسى عليه السلام في قوله تعالى ‏(‏لو شئت لاتخذت عليه أجرا‏)‏ ولم يعتذر الخضر عن ذلك إلا بأمر خارجي‏.‏

وفيه إمضاء ما يلتزمه المرء على نفسه لأن أبا سعيد التزم أن يرقي وأن يكون الجعل له ولأصحابه وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بذلك‏.‏

وفيه الاشتراك في الموهوب إذا كان أصله معلوما، وجواز طلب الهدية ممن يعلم رغبته في ذلك وإجابته إليه‏.‏

وفيه جواز قبض الشيء الذي ظاهره الحل وترك التصرف فيه إذا عرضت فيه شبهة‏.‏

وفيه الاجتهاد عند فقد النص وعظمة القرآن في صدور الصحابة خصوصا الفاتحة، وفيه أن الرزق المقسوم لا يستطيع من هو في يده منعه ممن قسم له لأن أولئك منعوا الضيافة وكان الله قسم للصحابة في مالهم نصيبا فمنعوهم فسبب لهم لدغ العقرب حتى سيق لهم ما قسم لهم‏.‏

وفيه الحكمة البالغة حيث اختص بالعقاب من كان رأسا في المنع، لأن من عادة الناس الائتمار بأمر كبيرهم، فلما كان رأسهم في المنع اختص بالعقوبة دونهم جزاء وفاقا، وكأن الحكمة فيه أيضا إرادة الإجابة إلى ما يلتمسه المطلوب منه الشفاء ولو كثر، لأن الملدوغ لو كان من آحاد الناس لعله لم يكن يقدر على القدر المطلوب منهم‏.‏

*3*باب ضَرِيبَةِ الْعَبْدِ وَتَعَاهُدِ ضَرَائِبِ الْإِمَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ضريبة العبد وتعاهد ضرائب الإماء‏)‏ الضريبة بفتح المعجمة فعيلة بمعنى مفعولة‏:‏ ما يقدره السيد على عبده في كل يوم، وضرائب جمعها، ويقال لها خراج وغلة بالغين المعجمة وأجر، وقد وقع جميع ذلك في الحديث‏.‏

ثم أورد المصنف فيه حديث أنس ‏"‏ أن أبا طيبة حجم النبي صلى الله عليه وسلم وكلم مواليه فخففوا عنه من ضريبته ‏"‏ ودلالته على الترجمة ظاهرة، فإن المراد بها بيان حكم ذلك، وفي تقرير النبي صلى الله عليه وسلم له دلالة على الجواز، وسأذكر كم كان قدر الضريبة بعد باب‏.‏

وأما ضرائب الإماء فتؤخذ منه بطريق الإلحاق واختصاصها بالتعاهد لكونها مظنة تطرق الفساد في الأغلب، وإلا فكما يخشى من اكتساب الأمة بفرجها يخشى من اكتساب العبد بالسرقة مثلا، ولعله أشار بالترجمة إلى ما أخرجه هو في تاريخه من طريق أبي داود الأحمري قال ‏"‏ خطبنا حذيفة حين قدم المدائن فقال‏:‏ تعاهدوا ضرائب إمائكم ‏"‏ وهو عند أبي نعيم في ‏"‏ الحلية ‏"‏ بلفظ ‏"‏ ضرائب غلمانكم ‏"‏ واسم الأحمري هذا مالك‏.‏

وأورده سعيد ابن منصور في السنن مطولا من طريق شداد بن الفرات قال ‏"‏ حدثنا أبو داود شيخ من أهل المدائن قال‏:‏ كنت تحت منبر حذيفة وهو يخطب ‏"‏ ولأبي داود من حديث رافع بن خديج مرفوعا ‏"‏ نهي عن كسب الأمة حتى يعلم من أين هو ‏"‏ وقد تقدم ذكر ذلك في أواخر البيوع‏.‏

وقال ابن المنير في الحاشية‏:‏ كأنه أراد بالتعاهد التفقد لمقدار ضريبة الأمة لاحتمال أن تكون ثقيلة فتحتاج إلى التكسب بالفجور، ودلالته من الحديث أمره عليه الصلاة والسلام بتخفيف ضريبة الحجام، فلزوم ذلك في حق الأمة أقعد وأولى لأجل الغائلة الخاصة بها‏.‏

*3*باب خَرَاجِ الْحَجَّامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب خراج الحجام‏)‏ أورد فيه حديث ابن عباس‏.‏

‏"‏ احتجم النبي صلى الله عليه وسلم وأعطى الحجام أجره ‏"‏ وزاد من وجه آخر ‏"‏ ولو علم كراهية لم يعطه ‏"‏ وهو ظاهر في الجواز، وتقدم في البيوع بلفظ ‏"‏ ولو كان حراما لم يعطه وعرف به أن المراد بالكراهة هنا كراهة التحريم‏.‏

وكأن ابن عباس أشار بذلك إلى الرد على من قال إن كسب الحجام حرام‏.‏

واختلف العلماء بعد ذلك في هذه المسألة فذهب الجمهور إلى أنه حلال واحتجوا بهذا الحديث وقالوا‏:‏ هو كسب فيه دناءة وليس بمحرم، فحملوا الزجر عنه على التنزيه‏.‏

ومنهم من ادعى النسخ وأنه كان حراما ثم أبيح وجنح إلى ذلك الطحاوي، والنسخ لا يثبت بالاحتمال‏.‏

وذهب أحمد وجماعة إلى الفرق بين الحر والعبد فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة، ويحرم عليه الإنفاق على نفسه منها ويجوز له الإنفاق على الرقيق والدواب منها وأباحوها للعبد مطلقا، وعمدتهم حديث محيصة أنه ‏"‏ سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن كسب الحجام فنهاه، فذكر له الحاجة فقال‏:‏ اعلفه نواضحك ‏"‏ أخرجه مالك وأحمد وأصحاب السنن ورجاله ثقات، وذكر ابن الجوزي أن أجر الحجام إنما كره لأنه من الأشياء التي تجب للمسلم على المسلم إعانة له عند الاحتياج له، فما كان ينبغي له أن يأخذ على ذلك أجرا‏.‏

وجمع ابن العربي بين قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏كسب الحجام خبيث ‏"‏ وبين إعطائه الحجام أجرته بأن محل الجواز ما إذا كانت الأجرة على عمل معلوم، ويحمل الزجر على ما إذا كان على عمل مجهول‏.‏

وفي الحديث إباحة الحجامة، ويلتحق به ما يتداوى من إخراج الدم وغيره، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الطب‏.‏

وفيه الأجرة على المعالجة بالطب، والشفاعة إلى أصحاب الحقوق أن يخففوا منها، وجواز مخارجة السيد لعبده كأن يقول له أذنت لك أن تكتسب على أن تعطيني كل يوم كذا وما زاد فهو لك‏.‏

وفيه استعمال العبد بغير إذن سيده الخاص إذا كان قد تضمن تمكينه من العمل إذنه العام‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَجِمُ وَلَمْ يَكُنْ يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو بن عامر‏)‏ هو الأنصاري وليست له رواية في البخاري إلا عن أنس، وقد تقدم له حديث في الطهارة وآخر في الصلاة وهذا، وهو جميع ما له عنده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان النبي صلى الله عليه وسلم يحتجم‏)‏ فيه إشعار بالمواظبة بخلاف الأول‏.‏

و قوله‏:‏ ‏(‏ولم يكن يظلم أحدا أجره‏)‏ فيه إثبات إعطائه أجرة الحجام بطريق الاستنباط، بخلاف الرواية التي قبلها ففيها الجزم بذلك على طريق التنصيص‏.‏

*3*باب مَنْ كَلَّمَ مَوَالِيَ الْعَبْدِ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من كلم موالي العبد أن يخففوا عنه من خراجه‏)‏ أي على سبيل التفضل منهم لا على سبيل الإلزام لهم، ويحتمل أن يكون على الإلزام إذا كان لا يطيق ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامًا حَجَّامًا فَحَجَمَهُ وَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّيْنِ وَكَلَّمَ فِيهِ فَخُفِّفَ مِنْ ضَرِيبَتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حميد الطويل عن أنس‏)‏ في رواية الإسماعيلي من هذا الوجه ‏"‏ عن حميد سمعت أنسا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دعا النبي صلى الله عليه وسلم غلاما‏)‏ هو أبو طيبة كما تقدم قبل باب، واسم أبي طيبة نافع على الصحيح، فقد روى أحمد وابن السكن والطبراني من حديث محيصة بن مسعود أنه ‏"‏ كان له غلام حجام يقال له نافع أبو طيبة فانطلق إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن خراجه ‏"‏ الحديث، وحكى ابن عبد البر في اسم أبي طيبة أنه دينار، ووهموه في ذلك لأن دينارا الحجام تابعي روى عن أبي طيبة لا أنه اسم أبي طيبة، أخرج حديثه ابن منده من طريق بسام الحجام عن دينار الحجام عن أبي طيبة الحجام قال ‏"‏ حجمت النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ الحديث، وبذلك جزم أبو أحمد الحاكم في الكنى أن دينارا الحجام يروي عن أبي طيبة لا أنه أبو طيبة نفسه، وذكر البغوي في الصحابة بإسناد ضعيف أن اسم أبي طيبة ميسرة، وأما العسكري فقال‏:‏ الصحيح أنه لا يعرف اسمه، وذكر ابن الحذاء في رجال ‏"‏ الموطأ ‏"‏ أنه عاس مائة وثلاثا وأربعين سنة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بصاع أو صاعين أو مد أو مدين‏)‏ شك من شعبة، وقد تقدم في رواية سفيان صاعا أو صاعين على الشك أيضا ولم يتعرض لذكر المد، وقد تقدم في البيوع من رواية مالك عن حميد ‏"‏ فأمر له بصاع من تمر ‏"‏ ولم يشك، وأفاد تعيين ما في الصاع ‏"‏ وأخرج الترمذي وابن ماجة من حديث علي قال ‏"‏ أمرني النبي صلى الله عليه وسلم فأعطيت الحجام أجره ‏"‏ فأفاد تعيين من باشر العطية‏.‏

ولابن أبي شيبة من هذا الوجه ‏"‏ أنه صلى الله عليه وسلم قال للحجام كم خراجك‏؟‏ قال صاعان، قال فوضع عنه صاعا ‏"‏ وكأن هذا هو السبب في الشك الماضي‏.‏

وهذه الرواية تجمع الخلاف، وفي حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة أن خراجه كان ثلاثة آصع، وكذا لأبي يعلى عن جابر، فإن صح جمع بينهما بأنه كان صاعين وزيادة فمن قال صاعين ألغى الكسر ومن قال ثلاثة جبره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكلم فيه‏)‏ لم يذكر المفعول وقد ذكره قبل بباب من وجه آخر عن حميد فقال ‏"‏ كلم مواليه ‏"‏ ومواليه هم بنو حارثة على الصحيح، ومولاه منهم محيصة بن مسعود كما تراه هنا، وإنما جمع الموالي مجازا كما يقال بنو فلان قتلوا رجلا ويكون القاتل منهم واحدا، وأما ما وقع في حديث جابر أنه مولى بني بياضة فهو وهم، فإن مولى بني بياضة آخر يقال له أبو هند‏.‏

*3*باب كَسْبِ الْبَغِيِّ وَالْإِمَاءِ

وَكَرِهَ إِبْرَاهِيمُ أَجْرَ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ فَتَيَاتِكُمْ إِمَاءَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كسب البغي والإماء‏)‏ بين البغي والإماء خصوص وعموم وجهي، فقد تكون البغي أمة وقد تكون حرة، والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد الياء بوزن فعيل بمعنى فاعلة أو مفعولة وهي الزانية ولم يصرح المصنف بالحكم كأنه نبه على أن الممنوع كسب الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكره إبراهيم‏)‏ أي النخعي ‏(‏أجر النائحة والمغنية‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق أبي هاشم عنه وزاد ‏"‏ والكاهن‏"‏، وكأن البخاري أشار بهذا الأثر إلى أن النهي في حديث أبي هريرة محمول على ما كانت الحرفة فيه ممنوعة أو تجر إلى أمر ممنوع شرعا لجامع ما بينهما من ارتكاب المعصية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل ‏(‏ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء‏)‏ إلى آخر الآية قال مجاهد‏:‏ فتياتكم إماءكم‏)‏ وقع هذا في رواية المستملي، وقد روى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله‏:‏ ‏(‏ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء‏)‏ قال‏:‏ لا تكرهوا إماءكم على الزنا، وأخرجه هو وعبد بن حميد والطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد قال في قوله‏:‏ ‏(‏ولا تكرهوا فتياتكم‏)‏ قال إماءكم على الزنا، وزاد أن عبد الله بن أبي ‏"‏ أمر أمة له بالزنا فزنت فجاءت ببرد، فقال ارجعي فازني على آخر، فقالت‏:‏ والله ما أنا براجعة فنزلت ‏"‏ وهذا أخرجه مسلم من طريق أبي سفيان عن جابر مرفوعا، وسماها الزهري عن عمرو بن ثابت معاذة، وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلا في قصة طويلة ‏"‏ وكذا أخرجه ابن أبي حاتم من طريق عكرمة مرسلا واتفقوا على تسميتها معاذة، وروى أبو داود والنسائي من طريق أبي الزبير أنه سمع جابرا قال ‏"‏ جاءت مسيكة أمة لبعض الأنصار فقالت‏:‏ إن سيدي يكرهني على البغاء فنزلت ‏"‏ فالظاهر أنها نزلت فيهما، وزعم مقاتل أنهما معا كانتا أمتين لعبد الله بن أبي وزاد معهن غيرهن، وقوله تعالى ‏(‏إن أردن تحصنا‏)‏ لا مفهوم له بل خرج مخرج الغالب، ويحتمل أن يقال لا يتصور الإكراه إذا لم يردن التعفف لأنهن حينئذ في مقام الاختيار، وقوله ‏"‏وقال مجاهد فتياتكم إماءكم ‏"‏ وقع هذا في رواية المستملي، وذكره النسفي لكن لم ينسبه لمجاهد ولفظه ‏"‏ قال فتياتكم الإماء ‏"‏ وهو في تفسير الفريابي عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى ‏(‏ولا تكرهوا فتياتكم‏)‏ يقول‏:‏ إماءكم ‏(‏على البغاء‏)‏ على الزنا‏.‏

ثم أورد المصنف حديث أبي مسعود في النهي عن مهر البغي وغيره، وحديث أبي هريرة في النهي عن كسب الإماء، وقد تقدم في أواخر البيوع وفي الباب الذي قبله من شرحهما ما فيه مزيد كفاية‏.‏

*3*باب عَسْبِ الْفَحْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب عسب الفحل‏)‏ أورد فيه حديث ابن عمر في النهي عنه، والعسب بفتح العين وإسكان السين المهملتين وفي آخره موحدة ويقال له العسيب أيضا، والفحل‏:‏ الذكر من كل حيوان فرسا كان أو جملا أو تيسا أو غير ذلك، وقد روى النسائي من حديث أبي هريرة ‏"‏ نهى عن عسب التيس ‏"‏ واختلف فيه فقيل هو ممن ماء الفحل وقيل أجرة الجماع، وعلى الأخير جرى المصنف‏.‏

ويؤيد الأول حديث جابر عند مسلم ‏"‏ نهى عن بيع ضراب الجمل ‏"‏ وليس بصريح في عدم الحمل على الإجارة لأن الإجارة بيع منفعة، ويؤيد الحمل على الإجارة لا الثمن ما تقدم عن قتادة قبل أربعة أبواب أنهم كانوا يكرهون أجر ضراب الجمل‏.‏

وقال صاحب ‏"‏ الأفعال ‏"‏‏:‏ أعسب الرجل عسيبا اكترى منه فحلا ينزيه‏.‏

وعلى كل تقدير فبيعه وإجارته حرام لأنه غير متقوم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه، وفي وجه للشافعية والحنابلة تجوز الإجارة مدة معلومة، وهو قول الحسن وابن سيرين ورواية عن مالك قواها الأبهري وغيره، وحمل النهي على ما إذا وقع لأمد مجهول، وأما إذا استأجره مدة معلومة فلا بأس كما يجوز الاستئجار لتلقيح النخل، وتعقب بالفرق لأن المقصود هنا ماء الفحل وصاحبه عاجز عن تسليمه بخلاف التلقيح، ثم النهي عن الشراء والكراء إنما صدر لما فيه من الغرر، وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه، فإن أهدى للمعير هدية من المستعير بغير شرط جاز‏.‏

وللترمذي من حديث أنس ‏"‏ أن رجلا من كلاب سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن عسب الفحل فنهاه، فقال‏:‏ يا رسول الله إنا نطرق الفحل فنكرم، فرخص له في الكرامة ‏"‏ ولابن حبان في صحيحه من حديث أبي كبشة مرفوعا ‏"‏ من أطرق فرسا فأعقب كان له كأجر سبعين فرسا‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن علي بن الحكم‏)‏ هو البناني بضم الموحدة بعدها نون خفيفة بصرى ثقة عند الجميع، ولينه أبو الفتح الأزدي بلا مستند، وليس في البخاري سوى هذا الحديث‏.‏

وقد أخرج الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ هذا الحديث عن مسدد شيخ البخاري فيه وقال‏:‏ علي بن الحكم ثقة من أعز البصريين حديثا انتهى‏.‏

وقد وهم في استدراكه، وهو في البخاري كما ترى، وكأنه لما لم يره في كتاب البيوع توهم أن البخاري لم يخرجه‏.‏

*3*باب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا

وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَيْسَ لِأَهْلِهِ أَنْ يُخْرِجُوهُ إِلَى تَمَامِ الْأَجَلِ وَقَالَ الْحَكَمُ وَالْحَسَنُ وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ تُمْضَى الْإِجَارَةُ إِلَى أَجَلِهَا وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ أَعْطَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلَافَةِ عُمَرَ وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ جَدَّدَا الْإِجَارَةَ بَعْدَمَا قُبِضَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا استأجر أرضا فمات أحدهما‏)‏ أي هل تفسخ الإجارة أم لا‏؟‏ والجمهور على عدم الفسخ‏.‏

وذهب الكوفيون والليث إلى الفسخ، واحتجوا بأن الوارث ملك الرقبة والمنفعة تبع لها فارتفعت يد المستأجر عنها بموت الذي آجره، وتعقب بأن المنفعة قد تنفك عن الرقبة كما يجوز بيع مسلوب المنفعة، فحينئذ ملك المنفعة باق للمستأجر بمقتضى العقد‏.‏

وقد اتفقوا على أن الإجارة لا تنفسخ بموت ناظر الوقف فكذلك هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن سيرين ليس لأهله‏)‏ أي أهل الميت ‏(‏أن يخرجوه‏)‏ أي يخرجوا المستأجر ‏(‏إلى تمام الأجل‏.‏

وقال الحسن والحكم وإياس بن معاوية‏:‏ تمضي الإجارة إلى أجلها‏)‏ وصله ابن أبي شيبة من طريق حميد عن الحسن وإياس بن معاوية ومن طريق أيوب عن ابن سيرين نحوه‏.‏

ثم أورد المصنف حديث ابن عمر ‏"‏ أعطى النبي صلى الله عليه وسلم خيبر اليهود على أن يعملوها ‏"‏ وسيأتي الكلام عليه مستوفى في المزارعة وكذلك في الطريق المعلقة آخر الباب وهي قوله ‏"‏ وقال عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر حتى أجلاهم عمر ‏"‏ يريد أن عبيد الله حدث بهذا الحديث عن نافع كما حدث به جويرية عن نافع وزاد في آخره ‏"‏ حتى أجلاهم عمر ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ القائل ‏"‏ وقال عبيد الله ‏"‏ هو موسى بن إسماعيل الراوي عن جويرية وهو من تتمة حديثه، وبه تحصل الترجمة‏.‏

فأما قوله إنه موسى فغلط واضح لأن موسى لا رواية له عن عبيد الله ابن عمر أصلا والقائل ‏"‏ وقال عبيد الله ‏"‏ هو البخاري، وهو تعليق سيأتي بيانه، وقد وصله مسلم من طرق عن نافع وقال في آخرها ‏"‏ حتى أجلاهم إلى تيماء وأريحاء ‏"‏ وأما قوله ‏"‏ وهو من تتمة حديثه ‏"‏ إن كان أراد به أنه حدث به فقد بينت أنه غلط، وإن أراد أنه من تتمته لكن من رواية غيره فصحيح، وكذا قوله ‏"‏ وبه تحصل الترجمة ‏"‏ والغرض منه هنا الاستدلال على عدم فسخ الإجارة بموت أحد المتآجرين، وهو ظاهر في ذلك، وقد أشار إليه بقوله ‏"‏ ولم يذكر أبا بكر جدد الإجارة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وذكر فيه حديث ابن عمر في كراء المزارع وحديث رافع ابن خديج في النهي عنه وسيأتي شرحهما في المزارعة أيضا إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب الإجارة من الأحاديث المرفوعة على ثلاثين حديثا، المعلق منها خمسة والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضي ستة عشر حديثا والبقية خالصة، وافقه مسلم على تخريجها سوى حديث أبي هريرة في رعي الغنم، وحديث ‏"‏ المسلمون عند شروطهم ‏"‏ وحديث ابن عباس ‏"‏ أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله‏"‏، وحديث ابن عمر في النهي عن عسب الفحل‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين ثمانية عشر أثرا‏.‏

والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏