فصل: باب مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ وَقَالَ عِكْرِمَةُ جَبْرَ وَمِيكَ وَسَرَافِ عَبْدٌ إِيلْ اللَّهُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ وَقَالَ عِكْرِمَةُ جَبْرَ وَمِيكَ وَسَرَافِ عَبْدٌ إِيلْ اللَّهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من كان عدوا لجبريل‏)‏ كذا لأبي ذر ولغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من كان عدوا لجبريل‏)‏ قيل سبب عداوة اليهود لجبريل أنه أمر باستمرار النبوة فيهم فنقلها لغيرهم، وقيل لكونه يطلع على أسرارهم‏.‏

قلت‏:‏ وأصح منهما ما سيأتي بعد قليل لكونه الذي ينزل عليهم بالعذاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عكرمة‏:‏ جبر وميك وسراف‏:‏ عبد، إيل‏:‏ الله‏)‏ وصله الطبري في طريق عاصم عنه قال‏:‏ جبريل عبد الله، وميكائيل عبد الله، إيل‏:‏ الله‏.‏

ومن وجه آخر عن عكرمة‏:‏ جبر عبد، وميك عبد، وإيل الله‏.‏

ومن طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس نحو الأول وزاد‏:‏ وكل اسم فيه إيل فهو الله‏.‏

ومن طريق عبد الله بن الحارث البصري أحد التابعين قال‏.‏

أيل الله بالعبرانية‏.‏

ومن طريق علي بن الحسين قال‏:‏ اسم جبريل عبد الله وميكائيل عبيد الله يعني بالتصغير وإسرافيل عبد الرحمن وكل اسم فيه إيل فهو معبد لله‏.‏

وذكر عكس هذا وهو أن إيل معناه عبد وما قبله معناه اسم لله كما تقول عبد الله وعبد الرحمن وعبد الرحيم فلفظ عبد لا يتغير وما بعده يتغير لفظه وإن كان المعنى واحدا، ويؤيده أن الاسم المضاف في لغة غير العرب غالبا يتقدم فيه المضاف إليه على المضاف‏.‏

وقال الطبري وغيره‏:‏ في جبريل لغات، فأهل الحجاز يقولون بكسر الجيم بغير همز وعلى ذلك عامة القراء وبنو أسد مثله لكن آخره نون، وبعض أهل نجد وتميم وقيس يقولون جبرئيل بفتح الجيم والراء بعدها همزة وهي قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر وخلف واختيار أبي عبيد، وقراءة يحيى بن وثاب وعلقمة مثله لكن بزيادة ألف، وقراءة يحيى بن آدم مثله لكن بغير ياء، وذكر عن الحسن وابن كثير أنهما قرآ كالأول لكن بفتح الجيم، وهذا الوزن ليس في كلام العرب فزعم بعضهم أنه اسم أعجمي وعن يحيى بن يعمر جبرئيل بفتح الجيم والراء بعدها همزة مكسورة وتشديد اللام‏.‏

ثم ذكر حديث أنس في قصة عبد الله بن سلام وقد تقدمت قبيل كتاب المغازي، وتقدم معظم شرحها هناك‏.‏

وقوله ذاك عدو اليهود في الملائكة فقرأ هذه الآية ‏(‏من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك‏)‏ ظاهر السياق أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي قرأ الآية ردا لقول اليهود‏.‏

ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ وهذا هو المعتمد، فقد روى أحمد والترمذي والنسائي في سبب نزول الآية قصة غير قصة عبد الله بن سلام، فأخرجوا من طريق بكير بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ‏"‏ أقبلت يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا‏:‏ يا أبا القاسم‏.‏

إنا نسألك عن خمسة أشياء‏.‏

فإن أنبأتنا بها عرفنا أنك نبي واتبعناك - فذكر الحديث وفيه - أنهم سألوه عما حرم إسرائيل على نفسه، وعن علامة النبوة، وعن الرعد وصوته وكيف تذكر المرأة وتؤنث، وعمن يأتيه بالخبر من السماء فأخذ عليهم ما أخذ إسرائيل على بنيه ‏"‏ وفي رواية لأحمد والطبري من طريق شهر بن حوشب عن ابن عباس ‏"‏ عليكم عهد الله لئن أنا أنبأتكم لتبايعني‏؟‏ فأعطوه ما شاء من عهد وميثاق ‏"‏ فذكر الحديث لكن ليس فيه السؤال عن الرعد‏.‏

وفي رواية شهر بن حوشب ‏"‏ لما سألوه عمن يأتيه من الملائكة قال‏:‏ جبريل، قال‏:‏ ولم يبعث الله نبيا قط إلا وهو وليه‏.‏

فقالوا‏:‏ فعندها نفارقك، لو كان وليك سواه من الملائكة لبايعناك وصدقناك‏.‏

قال فما منعكم أن تصدقوه‏؟‏ قالوا‏:‏ إنه عدونا، فنزلت ‏"‏ وفي رواية بكير بن شهاب ‏"‏ قالوا جبريل ينزل بالحرب والقتل والعذاب، لو كان ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر ‏"‏ فنزلت وروى الطبري من طريق الشعبي ‏"‏ أن عمر كان يأتي اليهود فيسمع من التوراة فيتعجب كيف تصدق ما في القرآن، قال فمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقلت نشدتكم بالله أتعلمون أنه رسول الله‏؟‏ فقال له عالمهم‏:‏ نعم نعلم أنه رسول الله‏.‏

قال‏:‏ فلم لا تتبعونه‏؟‏ قالوا‏:‏ إن لنا عدوا من الملائكة وسلما، وإنه قرن بنبوته من الملائكة عدونا ‏"‏ فذكر الحديث وأنه لحق النبي صلى الله عليه وسلم فتلا عليه الآية‏.‏

وأورده‏.‏

من طريق قتادة عن عمر نحوه‏.‏

وأورد ابن أبي حاتم والطبري أيضا من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى ‏"‏ أن يهوديا لقي عمر فقال‏:‏ إن جبريل الذي يذكره صاحبكم عدو لنا‏.‏

فقال عمر‏:‏ من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين‏.‏

فنزلت على وفق ما قال ‏"‏ وهذه طرق يقوى بعضها بعضا، ويدل على أن سبب نزول الآية قول اليهودي المذكور لا قصة عبد الله ابن سلام، وكان النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له عبد الله بن سلام‏:‏ إن جبريل عدو اليهود، تلا عليه الآية مذكرا له سبب نزولها والله أعلم‏.‏

وحكى الثعلبي من ابن عباس أن سبب عداوة اليهود لجبريل أن نبيهم أخبرهم أن بختنصر سيخرب بيت المقدس، فبعثوا رجلا ليقتله فوجده شابا ضعيفا فمنعه جبريل من قتله وقال له‏:‏ إن كان الله أراد هلاككم على يده فلن تسلط عليه‏.‏

وإن كان غيره فعلى أي حق تقتله‏؟‏ فتركه، فكبر بختنصر وغزا بيت المقدس فقتلهم وخربه، فصاروا يكرهون جبريل لذلك، وذكر أن الذي خاطب النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك هو عبد الله بن صوريا‏.‏

وقوله ‏"‏أما أول أشراط الساعة فنار ‏"‏ يأتي شرح ذلك في أواخر كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بَكْرٍ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ قَالَ سَمِعَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ بِقُدُومِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهْوَ فِي أَرْضٍ يَخْتَرِفُ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ فَمَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَمَا يَنْزِعُ الْوَلَدُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي بِهِنَّ جِبْرِيلُ آنِفًا قَالَ جِبْرِيلُ قَالَ نَعَمْ قَالَ ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنْ الْمَلَائِكَةِ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنْ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ مَاءَ الْمَرْأَةِ نَزَعَ الْوَلَدَ وَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَتْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهُتٌ وَإِنَّهُمْ إِنْ يَعْلَمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ يَبْهَتُونِي فَجَاءَتْ الْيَهُودُ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ قَالُوا خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا قَالَ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ فَقَالُوا أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ فَقَالُوا شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا وَانْتَقَصُوهُ قَالَ فَهَذَا الَّذِي كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ

الشرح‏:‏

وقوله ‏"‏أما أول أشراط الساعة فنار ‏"‏ يأتي شرح ذلك في أواخر كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى‏:‏ ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها‏)‏ كذا لأبي ذر ننسها بضم أوله كسر السين بغير همز، ولغيره ‏"‏ ننسأها ‏"‏ والأول قراءة الأكثر واختارها أبو عبيدة وعليه أكثر المفسرين، والثانية قراءة ابن كثير وأبي عمرو وطائفة، وسأذكر توجيههما، وفيها قراءات أخرى في الشواذ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَقْرَؤُنَا أُبَيٌّ وَأَقْضَانَا عَلِيٌّ وَإِنَّا لَنَدَعُ مِنْ قَوْلِ أُبَيٍّ وَذَاكَ أَنَّ أُبَيًّا يَقُولُ لَا أَدَعُ شَيْئًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو القطان، وسفيان هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حبيب‏)‏ هو ابن أبي ثابت، وورد منسوبا في رواية صدقة ابن الفضل عن يحيى القطان في فضائل القرآن‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي من طريق ابن خلاد ‏"‏ عن يحيى بن سعيد عن سفيان حدثنا حبيب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عمر أقرؤنا أبي وأقضانا علي‏)‏ كذا أخرجه موقوفا، وقد أخرجه الترمذي وغيره من طريق أبي قلابة عن أنس مرفوعا في ذكر أبي وفيه ذكر جماعة وأوله ‏"‏ أرحم أمتي بأمتي أبو بكر - وفيه - وأقرؤهم لكتاب الله أبي بن كعب ‏"‏ الحديث وصححه، لكن قال غيره‏:‏ إن الصواب إرساله، وأما قوله ‏"‏ وأقضانا علي ‏"‏ فورد في حديث مرفوع أيضا عن أنس رفعه ‏"‏ أقضي أمتي على بن أبي طالب ‏"‏ أخرجه البغوي، وعن عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلا ‏"‏ أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وأقضاهم علي ‏"‏ الحديث ورويناه موصولا في ‏"‏ فوائد أبي بكر محمد بن العباس بن نجيح ‏"‏ من حديث أبي سعيد الخدري مثله، وروى البزار من حديث ابن مسعود قال ‏"‏ كنا نتحدث أن أقضي أهل المدينة على بن أبي طالب رضي الله عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإنا لندع من قول أبي‏)‏ في رواية صدقة ‏"‏ من لحن أبي ‏"‏ واللحن اللغة‏.‏

وفي رواية ابن خلاد ‏"‏ وإنا لنترك كثيرا من قراءة أبي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ في رواية صدقة ‏"‏ أخذته من في رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أتركه لشيء ‏"‏ لأنه بسماعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم يحصل له العلم القطعي به، فإذا أخبره غيره عنه بخلافه لم ينتهض معارضا له حتى يتصل إلى درجة العلم القطعي، وقد لا يحصل ذلك غالبا‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ هذا الإسناد فيه ثلاثة من الصحابة في نسق‏:‏ ابن عباس عن عمر عن أبي بن كعب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد قال الله تعالى إلخ‏)‏ هو مقول عمر محتجا به على أبي بن كعب ومشيرا إلى أنه ربما قرأ ما نسخت تلاوته لكونه لم يبلغه النسخ، واحتج عمر لجواز وقوع ذلك بهذه الآية‏.‏

وقد أخرج ابن أبي حاتم من وجه آخر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ خطبنا عمر فقال‏:‏ إن الله يقول ‏(‏ما ننسخ من آية أو ننسأها‏)‏ أي نؤخرها ‏"‏ وهذا يرجح رواية من قرأ بفتح أوله وبالهمز، وأما قراءة من قرأ بضم أوله فمن النسيان، وكذلك كان سعيد بن المسيب يقرؤها فأنكر عليه سعد بن أبي وقاص أخرجه النسائي وصححه الحاكم، وكانت قراءة سعد ‏"‏ أو ننساها ‏"‏ بفتح المثناة خطابا للنبي صلى الله عليه وسلم واستدل بقوله تعالى ‏(‏سنقرئك فلا تنسى‏)‏ وروى ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ ربما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم الوحي بالليل ونسيه بالنهار فنزلت ‏"‏ واستدل بالآية المذكورة على وقوع النسخ خلافا لمن شذ فمنعه، وتعقب بأنها قضية شرطية لا تستلزم الوقوع، وأجيب بأن السياق وسبب النزول كان في ذلك لأنها نزلت جوابا لمن أنكر ذلك‏.‏

*3*باب وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وقالوا اتخذ الله ولدا سبحانه‏)‏ كذا للجميع وهي قراءة الجمهور، وقرأ ابن عامر ‏"‏ قالوا ‏"‏ بحذف الواو، واتفقوا على أن الآية نزلت فيمن زعم أن لله ولدا من يهود خيبر ونصارى نجران ومن قال من مشركي العرب الملائكة بنات الله فرد الله تعالى عليهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَزَعَمَ أَنِّي لَا أَقْدِرُ أَنْ أُعِيدَهُ كَمَا كَانَ وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَوْلُهُ لِي وَلَدٌ فَسُبْحَانِي أَنْ أَتَّخِذَ صَاحِبَةً أَوْ وَلَدًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الله تعالى‏)‏ هذا من الأحاديث القدسية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأما شتمه إياي فقوله لي ولد‏)‏ إنما سماه شتما لما فيه من التنقيص لأن الولد إنما يكون عن والدة تحمله ثم تضعه ويستلزم ذلك سبق النكاح، والنكاح يستدعى باعثا له على ذلك‏.‏

والله سبحانه منزه عن جميع ذلك، ويأتي شرحه في تفسير سورة الإخلاص‏.‏

*3*باب وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى مَثَابَةً يَثُوبُونَ يَرْجِعُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى‏)‏ كذا لهم، والجمهور على كسر الخاء من قوله‏:‏ ‏(‏واتخذوا‏)‏ بصيغة الأمر، وقرأ نافع وابن عامر بفتح الخاء بصيغة الخبر، والمراد في اتبع إبراهيم‏.‏

وهو معطوف على قوله ‏(‏جعلنا‏)‏ فالكلام جملة واحدة، وقيل على ‏"‏ وإذ جعلنا ‏"‏ فيحتاج إلى تقدير ‏"‏ إذ ‏"‏ ويكون الكلام جملتين، وقيل على محذوف تقديره فثابوا أي رجعوا واتخذوا، وتوجيه قراءة الجمهور أنه معطوف على ما تضمنه قوله ‏(‏مثابة‏)‏ كأنه قال ثوبوا واتخذوا، أو معمول لمحذوف أي وقلنا اتخذوا، ويحتمل أن يكون الواو للاستئناف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏مثابة يثوبون‏:‏ يرجعون‏)‏ قال أبو عبيدة‏:‏ قوله تعالى ‏(‏مثابة‏)‏ مصدر يثوبون أي يصيرون إليه، ومراده بالمصدر اسم المصدر‏.‏

وقال غيره‏:‏ هو اسم مكان‏.‏

وروى الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏مثابة‏)‏ قال‏:‏ يأتونه ثم يرجعون إلى أهليهم ثم يعودون إليه لا يقضون منه وطرا‏.‏

قال القراء‏:‏ المثابة بمعنى واحد كالمقام والمقامة‏.‏

وقال البصريون‏:‏ الهاء للمبالغة لما كثر من يثوب إليه، كما قالوا سيارة لمن يكثر السير، والأصل في مثاب مثوبة فأعل بالنقل والقلب‏.‏

ثم ذكر المصنف حديث أنس عن عمر قال ‏"‏ وافقت ربي في ثلاث ‏"‏ وقد تقدم في أوائل الصلاة، وتأتي قصة الحجاب في تفسير الأحزاب، والتخيير في تفسير التحريم‏.‏

وقوله في الحديث ‏"‏ فانتهيت إلى إحداهن ‏"‏ يأتي الكلام عليه ‏"‏ باب غيرة النساء ‏"‏ من أواخر كتاب النكاح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ اللَّهَ فِي ثَلَاثٍ أَوْ وَافَقَنِي رَبِّي فِي ثَلَاثٍ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ اتَّخَذْتَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَدْخُلُ عَلَيْكَ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ فَلَوْ أَمَرْتَ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْحِجَابِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ الْحِجَابِ قَالَ وَبَلَغَنِي مُعَاتَبَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْضَ نِسَائِهِ فَدَخَلْتُ عَلَيْهِنَّ قُلْتُ إِنْ انْتَهَيْتُنَّ أَوْ لَيُبَدِّلَنَّ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرًا مِنْكُنَّ حَتَّى أَتَيْتُ إِحْدَى نِسَائِهِ قَالَتْ يَا عُمَرُ أَمَا فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَعِظُ نِسَاءَهُ حَتَّى تَعِظَهُنَّ أَنْتَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ الْآيَةَ وَقَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعْتُ أَنَسًا عَنْ عُمَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن أبي مريم إلخ‏)‏ تقدم أيضا في الصلاة، وروى أبو نعيم في ‏"‏ الدلائل ‏"‏ من حديث ابن عمر ‏"‏ أخذ النبي صلى الله عليه وسلم بيد عمر فمر به على المقام فقال له‏:‏ هذا مقام إبراهيم، قال‏:‏ يا نبي الله ألا تتخذه مصلى‏؟‏ فنزلت ‏"‏ تكملة‏:‏ قال ابن الجوزي‏:‏ إنما طلب عمر الاستنان بإبراهيم عليه السلام مع النهي عن النظر في كتاب التوراة لأنه سمع قول الله تعالى في حق إبراهيم ‏(‏إني جاعلك للناس إماما‏)‏ وقوله تعالى ‏(‏أن اتبع ملة إبراهيم‏)‏ فعلم أن الائتمام بإبراهيم من هذه الشريعة، ولكون البيت مضافا إليه وأن أثر قدميه في المقام كرقم الباني في البناء ليذكر به بعد موته، فرأى الصلاة عند المقام كقراءة الطائف بالبيت اسم من بناه‏.‏

انتهى وهي مناسبة لطيفة‏.‏

ثم قال‏:‏ ولم تزل آثار قدمي إبراهيم حاضرة في المقام معروفة عند أهل الحرم، حتى قال أبو طالب في قصيدته المشهورة‏:‏ وموطئ إبراهيم في الصخر رطبة قدميه حافيا غير ناعل وفي ‏"‏ موطأ ابن وهب ‏"‏ عن يونس عن ابن شهاب عن أنس قال‏:‏ رأيت المقام فيه أصابع إبراهيم وأخمص قدميه غير أنه أذهبه مسح الناس بأيديهم وأخرج الطبري في تفسيره من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة في هذه الآية‏:‏ إنما أمروا أن يصلوا عنده ولم يؤمروا بمسحه‏.‏

قال‏:‏ ولقد ذكر لنا من رأى أثر عقبه وأصابعه فيها فما زالوا يمسحونه حتى اخلولق وانمحى‏.‏

وكان المقام من عهد إبراهيم لزق البيت إلى أن أخره عمر رضي الله عنه إلى المكان الذي هو فيه الآن‏.‏

أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح عن عطاء وغيره وعن مجاهد أيضا‏.‏

وأخرج البيهقي عن عائشة مثله بسند قوي ولفظه ‏"‏ أن المقام كان في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفي زمن أبي بكر ملتصقا بالبيت ثم أخره عمر‏.‏

وأخرج ابن مردويه بسند ضعيف عن مجاهد أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حوله، والأول أصح‏.‏

وقد أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عيينة قال‏:‏ كان المقام في سقع البيت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

فحوله عمر، فجاء سيل فذهب به فرده عمر إليه‏.‏

قال سفيان‏:‏ لا أدري أكان لاصقا بالبيت أم لا‏:‏ انتهى‏.‏

ولم تنكر الصحابة فعل عمر ولا من جاء بعدهم فصار إجماعا‏.‏

وكان عمر رأى أن إبقاءه يلزم منه التضييق على الطائفين أو على المصلين فوضعه في مكان يرتفع به الحرج، وتهيأ له ذلك لأنه الذي كان أشار باتخاذه مصلى، وأول من عمل عليه المقصورة الموجودة الآن‏.‏

*3*باب وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ

رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الْقَوَاعِدُ أَسَاسُهُ وَاحِدَتُهَا قَاعِدَةٌ وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ وَاحِدُهَا قَاعِدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت‏)‏ ساق إلى - العليم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏القواعد أساسه‏.‏

واحدتها قاعدة‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت‏)‏ قال‏:‏ قواعده أساسه‏.‏

وقال الفراء‏:‏ يقال القواعد أساس البيت‏.‏

قال الطبري‏:‏ اختلفوا في القواعد التي رفعها إبراهيم وإسماعيل أهما أحدثاها أم كانت قبلهما ثم روى بسند صحيح عن ابن عباس قال ‏"‏ كانت قواعد البيت قبل ذلك ‏"‏ ومن طريق عطاء قال‏:‏ قال آدم أي رب لا أسمع أصوات الملائكة، قال‏:‏ ابن لي بيتا ثم أحفف به كما رأيت الملائكة تحف ببيتي الذي في السماء‏.‏

فيزعم الناس أنه بناه من خمسة أجبل حتى بناه إبراهيم بعد، وقد تقدم بزيادة فيه في قصة إبراهيم عليه السلام من أحاديث الأنبياء عليهم الصلاة والسلام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والقواعد من النساء واحدتها قاعد‏)‏ أراد الإشارة إلى أن لفظ الجمع مشترك، وتظهر التفرقة بالواحد، فجمع النساء اللواتي قعدن عن الحيض والاستمتاع قاعد بلا هاء ولولا تخصيصهن بذلك لثبت الهاء نحو قاعدة من القعود المعروف‏.‏

ثم ذكر المصنف حديث عائشة في بناء قريش البيت، وقد سبق بسطه في كتاب الحج‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخْبَرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَمْ تَرَيْ أَنْ قَوْمَكِ بَنَوْا الْكَعْبَةَ وَاقْتَصَرُوا عَنْ قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ بِالْكُفْرِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُرَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الْحِجْرَ إِلَّا أَنَّ الْبَيْتَ لَمْ يُتَمَّمْ عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في بناء قريش البيت، وقد سبق بسطه في كتاب الحج‏.‏

*3*باب قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قولوا آمنا بالله‏)‏ سقط لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ لغير أبي ذر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَيُفَسِّرُونَهَا بِالْعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الْكِتَابِ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان أهل الكتاب‏)‏ أي اليهود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم‏)‏ أي إذا كان ما يخبرونكم به محتملا لئلا يكون في نفس الأمر صدقا فتكذبوه‏.‏

أو كذبا فتصدقوه فتقعوا في الحرج‏.‏

ولم يرد النهي عن تكذيبهم فيما ورد بخلافه‏.‏

ولا عن تصديقهم فيما ورد شرعنا بوفائه‏.‏

نبه على ذلك الشافعي رحمه الله ويؤخذ من هذا الحديث التوقف عن الخوض في المشكلات والجزم فيها بما يقع في الظن، وعلى هذا يحمل ما جاء عن السلف من ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا الآية‏)‏ زاد في الاعتصام ‏(‏وما أنزل إليكم‏)‏ وزاد الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن محمد بن المثنى عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد ‏(‏وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون‏)‏ ‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ تَعَالَى سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ

مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى ‏(‏سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم‏)‏ الآية كذا لأبي ذر، وساق غيره إلى قوله‏:‏ ‏(‏مستقيم‏)‏ والسفهاء جمع سفيه وهو خفيف العقل، وأصله من قولهم ثوب سفيه أي خفيف النسج، واختلف في المراد بالسفهاء فقال البراء في حديث الباب وابن عباس ومجاهد‏:‏ هم اليهود‏.‏

وأخرج ذلك الطبري عنهم بأسانيد صحيحة، وروي من طريق السدي قال‏:‏ هم المنافقون، والمراد بالسفهاء الكفار وأهل النفاق واليهود، أما الكفار فقالوا لما حولت القبلة‏:‏ رجع محمد إلى قبلتنا وسيرجع إلى ديننا فإنه علم أنا على الحق، وأما أهل النفاق فقالوا، إن كان أولا على الحق فالذي انتقل إليه باطل وكذلك بالعكس، وأما اليهود فقالوا‏:‏ خالف قبلة الأنبياء ولو كان نبيا لما خالف، فلما كثرت أقاويل هؤلاء السفهاء أنزلت هذه الآيات من قوله تعالى ‏(‏ما ننسخ من آية - إلى قوله تعالى - فلا تخشوهم واخشوني‏)‏ الآية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ سَمِعَ زُهَيْرًا عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا وَكَانَ يُعْجِبُهُ أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ الْبَيْتِ وَأَنَّهُ صَلَّى أَوْ صَلَّاهَا صَلَاةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَهُ فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ رَاكِعُونَ قَالَ أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ وَكَانَ الَّذِي مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ستة عشر شهرا أو سبعة عشر شهرا‏)‏ تقدم الكلام عليه وعلى شرح الحديث في كتاب الإيمان‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ تَعَالَى وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى‏:‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية إلى ‏(‏مستقيم‏)‏ وسيأتي الكلام على الآية في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ وَأَبُو أُسَامَةَ وَاللَّفْظُ لِجَرِيرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُدْعَى نُوحٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ يَا رَبِّ فَيَقُولُ هَلْ بَلَّغْتَ فَيَقُولُ نَعَمْ فَيُقَالُ لِأُمَّتِهِ هَلْ بَلَّغَكُمْ فَيَقُولُونَ مَا أَتَانَا مِنْ نَذِيرٍ فَيَقُولُ مَنْ يَشْهَدُ لَكَ فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ وَأُمَّتُهُ فَتَشْهَدُونَ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا فَذَلِكَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَالْوَسَطُ الْعَدْلُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا قتيبة حدثنا جرير وأبو أسامة واللفظ لجرير‏)‏ أي لفظ المتن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو أسامة حدثنا أبو صالح‏)‏ يعني قال أبو أسامة عن الأعمش حدثنا أبو صالح‏.‏

فأفاد تصريح الأعمش بالتحديث، وقد أخرجه في الاعتصام من وجه آخر عن أبي أسامة وصرح في روايته أيضا بالتحديث، وسيأتي في رواية أبي أسامة مفردة في الاعتصام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يدعى نوح يوم القيامة فيقول‏:‏ لبيك وسعديك يا رب، فيقول‏:‏ هل بلغت‏؟‏ فيقول‏:‏ نعم‏)‏ زاد في الاعتصام ‏"‏ نعم يا رب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيقول من يشهد لك‏)‏ في الاعتصام فيقول ‏"‏ من شهودك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيشهدون‏)‏ في الاعتصام ‏"‏ فجاء بكم فتشهدون ‏"‏ وقد روى هذا الحديث أبو معاوية عن الأعمش بهذا الإسناد أتم من سياق وأشمل ولفظه ‏"‏ يجيء النبي يوم القيامة ومعه الرجل، ويجيء النبي ومعه الرجلان، ويجيء النبي ومعه أكثر من ذلك، قال فيقال لهم‏:‏ أبلغكم هذا‏؟‏ فيقولون‏:‏ لا، فيقال للنبي‏:‏ أبلغتهم‏؟‏ فيقول‏:‏ نعم، فيقال‏:‏ له‏:‏ من يشهد لك‏؟‏ ‏"‏ الحديث أخرجه أحمد عنه والنسائي وابن ماجه والإسماعيلي من طريق أبي معاوية أيضا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فيشهدون أنه قد بلغ‏)‏ زاد أبو معاوية ‏"‏ فيقال وما علمكم‏؟‏ فيقولون‏:‏ أخبرنا نبينا أن الرسل قد بلغوا فصدقناه ‏"‏ ويؤخذ من حديث أبي بن كعب تعميم ذلك، فأخرج ابن أبي حاتم بسند جيد عن أبي العالية عن أبي بن كعب في هذه الآية قال ‏(‏لتكونوا شهداء‏)‏ وكانوا شهداء على الناس يوم القيامة، كانوا شهداء على قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم شعيب وغيرهم أن رسلهم بلغتهم وأنهم كذبوا رسلهم، قال أبو العالية‏.‏

وهي قراءة أبي ‏"‏ لتكونوا شهداء على الناس يوم القيامة ‏"‏ ومن حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ ما من رجل من الأمم إلا ود أنه منا أيتها الأمة، ما من نبي كذبه قومه إلا ونحن شهداؤه يوم القيامة أن قد بلغ رسالة الله ونصح لهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذلك قوله عز وجل‏:‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطا‏)‏ في الاعتصام ‏"‏ ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والوسط العدل‏)‏ هو مرفوع من نفس الخبر، وليس بمدرج من قول بعض الرواة كما وهم فيه بعضهم، وسيأتي في الاعتصام بلفظ ‏"‏ وكذلك جعلناكم أمة وسطا عدلا ‏"‏ وأخرج الإسماعيلي من طريق حفص ابن غياث عن الأعمش بهذا السند في قوله‏:‏ ‏(‏وسطا‏)‏ قال‏:‏ عدلا، كذا أورده مختصرا مرفوعا، وأخرجه الطبري من هذا الوجه مختصرا مرفوعا، ومن طريق وكيع عن الأعمش بلفظ ‏"‏ والوسط العدل ‏"‏ مختصرا مرفوعا، ومن طريق أبي معاوية عن الأعمش مثله، وكذا أخرجه الترمذي والنسائي من هذا الوجه، وأخرجه الطبري من طريق جعفر ابن عون عن الأعمش مثله، وأخرجه عن جماعة من التابعين كمجاهد وعطاء وقتادة، ومن طريق العوفي عن ابن عباس مثله، قال الطبري‏:‏ الوسط في كلام العرب الخيار، يقولون فلان وسط في قومه وواسط إذا أرادوا الرفع في حسبه‏.‏

قال‏:‏ والذي أرى أن معنى الوسط في الآية الجزء الذي بين الطرفين، والمعنى أنهم وسط لتوسطهم في الدين فلم يغلوا كغلو النصارى ولم يقصروا كتقصير اليهود، ولكنهم أهل وسط واعتدال، قلت‏:‏ لا يلزم من كون الوسط في الآية صالحا لمعنى التوسط أن لا يكون أريد به معناه الآخر كما نص عليه الحديث، فلا مغايرة بين الحديث وبين ما دل عليه معنى الآية والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ

وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى ‏(‏وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول‏)‏ الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره إلى قوله‏:‏ ‏(‏رءوف رحيم‏)‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَيْنَا النَّاسُ يُصَلُّونَ الصُّبْحَ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ إِذْ جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا فَتَوَجَّهُوا إِلَى الْكَعْبَةِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في تحويل القبلة، أورده مختصرا، وقد تقدم شرحه في أوائل الصلاة مستوفى‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى عَمَّا تَعْمَلُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى ‏(‏قد نرى تقلب وجهك في السماء‏)‏ الآية‏)‏ وفي رواية كريمة إلى ‏(‏عما تعملون‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمْ يَبْقَ مِمَّنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ غَيْرِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أنس‏)‏ صرح في رواية الإسماعيلي وأبي نعيم بسماع سليمان له من أنس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يبق ممن صلى القبلتين غيري‏)‏ يعني الصلاة إلى بيت المقدس وإلى الكعبة، وفي هذا إشارة إلى أن أنسا آخر من مات ممن صلى إلى القبلتين، والظاهر أن أنسا قال ذلك وبعض الصحابة ممن تأخر إسلامه موجود، ثم تأخر أنس إلى أن كان آخر من مات بالبصرة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله علي بن المديني والبزار وغيرهما‏.‏

بل قال ابن عبد البر‏:‏ هو آخر الصحابة موتا مطلقا، لم يبق بعده غيره أبي الطفيل، كذا قال وقيه نظر، فقد ثبت لجماعة ممن سكن البوادي من الصحابة تأخرهم عن أنس وكانت وفاة أنس سنة تسعين أو إحدى أو ثلاث وهو أصح ما قيل، وله مائة وثلاث سنين على الأصح أيضا، وقيل أكثر من ذلك، وقيل أقل‏.‏

وقوله تعالى ‏(‏فلنولينك قبلة ترضاها‏)‏ هي الكعبة وروى الحاكم من حديث ابن عمر في قوله ‏(‏فلنولينك قبلة ترضاها‏)‏ قال‏:‏ نحو ميزاب الكعبة، وإنما قال ذلك لأن تلك الجهة قبلة أهل المدينة‏.‏

*3*باب وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ إِلَى قَوْلِهِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنْ الظَّالِمِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ‏(‏ولئن أتيت الذين أوتوا الكتاب بكل آية ما تبعوا قبلتك‏)‏ الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره إلى ‏(‏لمن الظالمين‏)‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بَيْنَمَا النَّاسُ فِي الصُّبْحِ بِقُبَاءٍ جَاءَهُمْ رَجُلٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ وَأُمِرَ أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ أَلَا فَاسْتَقْبِلُوهَا وَكَانَ وَجْهُ النَّاسِ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا بِوُجُوهِهِمْ إِلَى الْكَعْبَةِ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر المشار إليه قبل باب من وجه آخر‏.‏