فصل: باب مَا يُكْرَهُ مِنْ ذَبْحِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فِي الْمَغَانِمِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب التَّجَمُّلِ لِلْوُفُودِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب التجمل للوفد‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر في حلة عطارد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَجَدَ عُمَرُ حُلَّةَ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ فِي السُّوقِ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْتَعْ هَذِهِ الْحُلَّةَ فَتَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ وَلِلْوُفُودِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ أَوْ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ فَلَبِثَ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجُبَّةِ دِيبَاجٍ فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ حَتَّى أَتَى بِهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ أَوْ إِنَّمَا يَلْبَسُ هَذِهِ مَنْ لَا خَلَاقَ لَهُ ثُمَّ أَرْسَلْتَ إِلَيَّ بِهَذِهِ فَقَالَ تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا بَعْضَ حَاجَتِكَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في حلة عطارد، وسيأتي شرحه في اللباس‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ موضع الترجمة أنه ما أنكر عليه طلبه للتجمل للوفود ولما ذكر، وإنما أنكر التجمل بهذا الصنف المنهي عنه‏.‏

*3*باب كَيْفَ يُعْرَضُ الْإِسْلَامُ عَلَى الصَّبِيِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كيف يعرض الإسلام على الصبي‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر في قصة ابن صياد، وقد تقدم توجيه هذه الترجمة في ‏(‏باب هل يعرض الإسلام على الصبي‏)‏ في كتاب الجنائز، ووجه مشروعية عرض الإسلام على الصبي في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وسلم لابن صياد ‏"‏ أتشهد أني رسول الله ‏"‏ وكان إذ ذاك لم يحتلم، فإنه يدل على المدعي، ويدل على صحة إسلام الصبي، وأنه لو أقر لقبل لأنه فائدة العرض‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُمَرَ انْطَلَقَ فِي رَهْطٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِبَلَ ابْنِ صَيَّادٍ حَتَّى وَجَدُوهُ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ عِنْدَ أُطُمِ بَنِي مَغَالَةَ وَقَدْ قَارَبَ يَوْمَئِذٍ ابْنُ صَيَّادٍ يَحْتَلِمُ فَلَمْ يَشْعُرْ بِشَيْءٍ حَتَّى ضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ظَهْرَهُ بِيَدِهِ ثُمَّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ فَنَظَرَ إِلَيْهِ ابْنُ صَيَّادٍ فَقَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الْأُمِّيِّينَ فَقَالَ ابْنُ صَيَّادٍ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَشْهَدُ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاذَا تَرَى قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ يَأْتِينِي صَادِقٌ وَكَاذِبٌ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خُلِطَ عَلَيْكَ الْأَمْرُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنِّي قَدْ خَبَأْتُ لَكَ خَبِيئًا قَالَ ابْنُ صَيَّادٍ هُوَ الدُّخُّ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُوَ قَدْرَكَ قَالَ عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِيهِ أَضْرِبْ عُنُقَهُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنْ يَكُنْهُ فَلَنْ تُسَلَّطَ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْهُ فَلَا خَيْرَ لَكَ فِي قَتْلِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عمر انطلق إلخ‏)‏ هذا الحديث فيه ثلاث قصص أوردها المصنف تامة‏:‏ في الجنائز من طريق يونس، وهنا من طريق معمر، وفي الأدب من طريق شعيب، واقتصر في الشهادات على الثانية، وذكرها أيضا فيما مضى من الجهاد من وجه آخر، واقتصر في الفتن على الثالثة، وقد مضى شرح أكثر مفرداته في الجنائز‏.‏

وقوله ‏"‏قبل ابن صياد ‏"‏ بكسر القاف وفتح الموحدة أي إلى جهته، وقوله ‏(‏وقد قارب ابن صياد يومئذ يحتلم‏)‏ في رواية يونس وشعيب ‏"‏ وقد قارب ابن صياد الحلم ‏"‏ ولم يقع ذلك في رواية الإسماعيلي فاعترض به فقال‏:‏ لا يلزم من كونه غلاما أن يكون لم يحتلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أشهد أنك رسول الأميين‏)‏ فيه إشعار بأن اليهود الذين كان ابن صياد منهم كانوا معترفين ببعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن يدعون أنها مخصوصة بالعرب، وفساد حجتهم واضح جدا، لأنهم إذا أقروا بأنه رسول الله استحال أن يكذب على الله، فإذا ادعى أنه رسوله إلى العرب وإلى غيرها تعين صدقه، فوجب تصديقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال ابن صياد أتشهد أني رسول الله‏)‏ في حديث أبي سعيد عند الترمذي ‏"‏ فقال أتشهد أنت أني رسول الله‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال له النبي صلى الله عليه وسلم آمنت بالله ورسله‏)‏ وللمستملي ‏"‏ ورسوله ‏"‏ بالإفراد، وفي حديث أبي سعيد ‏"‏ آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ‏"‏ قال الزين بن المنير، إنما عرض النبي صلى الله عليه وسلم الإسلام على ابن صياد بناء على أنه ليس الدجال المحذر منه‏.‏

قلت‏:‏ ولا يتعين ذلك، بل الذي يظهر أن أمره كان محتملا فأراد اختباره بذلك فإن أجاب غلب ترجيح أنه ليس هو، وإن لم يجب تمادي الاحتمال، أو أراد باستنطاقه إظهار كذبه المنافي لدعوى النبوة، ولما كان ذلك هو المراد أجابه بجواب منصف فقال ‏"‏ آمنت بالله ورسله‏"‏‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ كان ابن صياد على طريقة الكهنة يخبر بالخبر فيصح تارة ويفسد أخرى، فشاع ذلك ولم ينزل في شأنه وحي، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم سلوك طريقة يختبر حاله بها، أي فهو السبب في انطلاق النبي صلى الله عليه وسلم إليه، وقد روى أحد من حديث جابر قال ‏"‏ ولدت امرأة من اليهود غلاما ممسوحة عينه، والأخرى طالعة ناتئة، فأشفق النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون هو الدجال‏"‏‏.‏

وللترمذي عن أبي بكرة مرفوعا ‏"‏ يمكث أبو الدجال وأمه ثلاثين عاما لا يولد لهما ثم يولد لهما غلام أضر شيء وأقله منفعة، قال ونعتهما فقال‏:‏ أما أبوه فطويل ضرب اللحم كأن أنفه منقار، وأما أمه ففرضاخة ‏"‏ أي بفاء مفتوحة وراء ساكنة وبمعجمتين، والمعنى أنها ضخمة طويلة اليدين ‏"‏ قال فسمعنا بمولود بتلك الصفة، فذهبت أنا والزبير بن العوام حتى دخلنا على أبويه - يعني ابن صياد - فإذا هما بتلك الصفة ‏"‏ ولأحمد والبزار من حديث أبي ذر قال ‏"‏ بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى أمه فقال‏:‏ سلها كم حملت به‏؟‏ فقالت حملت به اثني عشر شهرا، فلما وقع صاح صياح الصبي ابن شهر ‏"‏ انتهى، فكأن ذلك هو الأصل في إرادة استكشاف أمره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ماذا ترى قال ابن صياد يأتيني صادق وكاذب‏)‏ في حديث جابر عند الترمذي ونحوه لمسلم ‏"‏ فقال أرى حقا وباطلا، وأرى عرشا على الماء ‏"‏ وفي حديث أبي سعيد عنده ‏"‏ أرى صادقين وكاذبا ‏"‏ ولأحمد ‏"‏ أرى عرشا على البحر حوله الحيتان‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال لبس‏)‏ بضم اللام وتخفيف الموحدة المكسورة بعدها مهملة أي خلط، وفي حديث أبي الطفيل عند أحمد فقال ‏"‏ تعوذوا بالله من شر هذا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني قد خبأت لك خبئا‏)‏ بكسر المعجمة وبفتحها وسكون الموحدة بعدها همز، وبفتح المعجمة وكسر الموحدة بعدها تحتانية ساكنة ثم همز أي أخفيت لك شيئا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هو الدخ‏)‏ بضم المهملة بعدها معجمة، وحكى صاحب المحكم الفتح، ووقع عند الحاكم ‏"‏ الزخ ‏"‏ بفتح الزاي بدل الدال وفسره بالجماع، واتفق الأئمة على تغليظه في ذلك، ويرده ما وقع في حديث أبي ذر المذكور ‏"‏ فأراد أن يقول الدخان فلم يستطع فقال الدخ‏"‏، وللبزار والطبراني في ‏"‏ الأوسط ‏"‏ من حديث زيد ابن حارثة قال ‏"‏ كان النبي صلى الله عليه وسلم خبأ له سورة الدخان ‏"‏ وكأنه أطلق السورة وأراد بعضها، فإن عند أحمد عن عبد الرزاق في حديث الباب ‏"‏ وخبأت له‏:‏ يوم تأتي السماء بدخان مبين ‏"‏ وأما جواب ابن صياد بالدخ فقيل إنه اندهش فلم يقع من لفظ الدخان إلا على بعضه، وحكى الخطابي أن الآية حينئذ كانت مكتوبة في يد النبي صلى الله عليه وسلم فلم يهتد ابن صياد منها إلا لهذا القدر الناقص على طريقة الكهنة، ولهذا قال له النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ لن تعدو قدرك ‏"‏ أي قد مثلك من الكهان الذين يحفظون من إلقاء شياطينهم ما يحفظونه مختلطا صدقه بكذبه‏.‏

وحكى أبو موسى المديني أن السر في امتحان النبي صلى الله عليه وسلم له بهذه الآية الإشارة إلى أن عيسى بن مريم يقتل الدجال بجبل الدخان، فأراد التعريض، لابن الصياد بذلك واستبعد الخطابي ما تقدم وصوب أنه أخبأ له الدخ وهو نبت يكون بين البساتين، وسبب استبعاده له أن الدخان لا يخبأ في اليد ولا الكم‏.‏

ثم قال‏:‏ إلا أن يكون خبأ له اسم الدخان في ضميره، وعلى هذا فيقال‏:‏ كيف اطلع ابن صياد أو شيطانه على ما في الضمير‏؟‏ ويمكن أن يجاب باحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم تحدث مع نفسه أو أصحابه بذلك قبل أن يختبره فاسترق الشيطان ذلك أو بعضه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اخسأ‏)‏ سيأتي الكلام عليها في كتاب الأدب في باب مفرد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلن تعدو قدرك‏)‏ أي لن تجاوز ما قدر الله فيك أو مقدار أمثالك من الكهان‏.‏

قال العلماء‏:‏ استكشف النبي صلى الله عليه وسلم أمره ليبين لأصحابه تمويهه لئلا يلتبس حاله على ضعيف لم يتمكن في الإسلام ومحصل ما أجاب به النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال له على طريق الفرض والتنزل‏:‏ إن كنت صادقا في دعواك الرسالة ولم يختلط عليك الأمر آمنت بك‏.‏

وإن كنت كاذبا وخلط عليك الأمر فلا‏.‏

وقد ظهر كذبك والتباس الأمر عليك فلا تعدو قدرك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن يكن هو‏)‏ كذا للأكثر، وللكشميهني ‏"‏ إن يكنه ‏"‏ على وصل الضمير، واختار ابن مالك جوازه، ثم الضمير لغير مذكور لفظا، وقد وقع في حديث ابن مسعود عند أحمد ‏"‏ أن يكون هو الذي تخاف فلن تستطيعه ‏"‏ وفي مرسل عروة عند الحارث بن أبي أسامة ‏"‏ أن يكن هو الدجال‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلن تسلط عليه‏)‏ في حديث جابر ‏"‏ فلست بصاحبه، إنما صاحبه عيسى بن مريم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله‏)‏ قال الخطابي‏:‏ وإنما لم يأذن النبي صلى الله عليه وسلم في قتله مع ادعائه النبوة بحضرته لأنه كان غير بالغ، ولأنه كان من جملة أهل العهد، قلت‏:‏ الثاني هو المتعين، وقد جاء مصرحا به في حديث جابر عند أحمد، وفي مرسل عروة ‏"‏ فلا يحل لك قتله ‏"‏ ثم أن في السؤال عندي نظرا، لأنه لم يصرح بدعوى النبوة، وإنما أوهم أنه يدعي الرسالة، ولا يلزم من دعوى الرسالة دعوى النبوة، قال الله تعالى ‏(‏إنا أرسلنا الشياطين على الكافرين‏)‏ الآية‏.‏

الحديث‏:‏

قَالَ ابْنُ عُمَرَ انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ يَأْتِيَانِ النَّخْلَ الَّذِي فِيهِ ابْنُ صَيَّادٍ حَتَّى إِذَا دَخَلَ النَّخْلَ طَفِقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ وَهُوَ يَخْتِلُ ابْنَ صَيَّادٍ أَنْ يَسْمَعَ مِنْ ابْنِ صَيَّادٍ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَرَاهُ وَابْنُ صَيَّادٍ مُضْطَجِعٌ عَلَى فِرَاشِهِ فِي قَطِيفَةٍ لَهُ فِيهَا رَمْزَةٌ فَرَأَتْ أُمُّ ابْنِ صَيَّادٍ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَتَّقِي بِجُذُوعِ النَّخْلِ فَقَالَتْ لِابْنِ صَيَّادٍ أَيْ صَافِ وَهُوَ اسْمُهُ فَثَارَ ابْنُ صَيَّادٍ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَرَكَتْهُ بَيَّنَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عمر انطلق النبي صلى الله عليه وسلم هو وأبي بن كعب‏)‏ هذه هي القصة الثانية من هذا الحديث، وهو موصول بالإسناد الأول، وقد أفردها أحمد عن عبد الرزاق بإسناد حديث الباب، ووقع في حديث جابر ‏"‏ ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم ومعه أبو بكر وعمر ونفر من المهاجرين والأنصار وأنا معهم ‏"‏ ولأحمد من حديث أبي الطفيل أنه حضر ذلك أيضا، وقد تقدم في الجنائز شرح ما في هذا الفصل من المفردات وبيان اختلاف الرواة‏.‏

و قوله ‏"‏ طفق ‏"‏ أي جعل و ‏"‏ يتقي ‏"‏ أي يستتر و ‏"‏ يختل ‏"‏ أي يسمع في خفية‏.‏

ووقع في حديث جابر ‏"‏ رجاء أن يسمع من كلامه شيئا ليعلم أصادق هو أم كاذب‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏أي صاف‏)‏ بمهملة وفاء وزن باغ، زاد في رواية يونس ‏"‏ هذا محمد ‏"‏ وفي حديث جابر ‏"‏ فقالت يا عبد الله هذا أبو القاسم قد جاء ‏"‏ وكأن الراوي عبر باسمه الذي تسمى به في الإسلام، وأما اسمه الأول فهو صاف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لو تركته بين‏)‏ أي أظهر لنا من حاله ما نطلع به على حقيقته، والضمير لأم ابن صياد، أي لو لم تعلمه بمجيئنا لتمادى على ما كان فيه فسمعنا ما يستكشف به أمره‏.‏

وغفل بعض الشراح فجعل الضمير للزمزمة، أي لو لم يتكلم بها لفهمنا كلامه لكن عدم فهمنا لما يقول كونه يهمهم، كذا قال‏.‏

والأول هو المعتمد‏.‏

الحديث‏:‏

وَقَالَ سَالِمٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ ثُمَّ قَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ ذَكَرَ الدَّجَّالَ فَقَالَ إِنِّي أُنْذِرُكُمُوهُ وَمَا مِنْ نَبِيٍّ إِلَّا قَدْ أَنْذَرَهُ قَوْمَهُ لَقَدْ أَنْذَرَهُ نُوحٌ قَوْمَهُ وَلَكِنْ سَأَقُولُ لَكُمْ فِيهِ قَوْلًا لَمْ يَقُلْهُ نَبِيٌّ لِقَوْمِهِ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ أَعْوَرُ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سالم قال ابن عمر‏)‏ هذه هي القصة الثالثة وهي موصولة بالإسناد المذكور، وقد أفردها أحمد أيضا، وسيأتي الكلام عليها في الفتن‏.‏

وفي قصة ابن صياد اهتمام الإمام بالأمور التي يخشى منها الفساد والتنقيب عليها، وإظهار كذب المدعي الباطل وامتحانه بما يكشف حاله والتجسس على أهل الريب، وأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد فيما لم يوح إليه فيه‏.‏

وقد اختلف العلماء في أمر ابن صياد اختلافا كثيرا سأستوفيه إن شاء الله تعالى في الكلام على حديث جابر ‏"‏ أنه كان يحلف أن ابن صياد هو الدجال ‏"‏ حيث ذكره المصنف في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيه الرد على من يدعي الرجعة إلى الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم لعمر ‏"‏ إن يكن هو الذي تخاف منه فلن تستطيعه ‏"‏ لأنه لو جاز أن الميت يرجع إلى الدنيا لما كان بين قتل عمر له حينئذ وكون عيسى بن مريم هو الذي يقتله بعد ذلك منافاة‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْيَهُودِ أَسْلِمُوا تَسْلَمُوا

قَالَهُ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لليهود أسلموا تسلموا قاله المقبري عن أبي هريرة‏)‏ هو طرف من حديث سيأتي موصولا مع الكلام عليه في الجزية‏.‏

*3*باب إِذَا أَسْلَمَ قَوْمٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَهُمْ مَالٌ وَأَرَضُونَ فَهِيَ لَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم‏)‏ أشار بذلك إلى الرد على من قال من الحنفية إن الحربي إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله إلا أرضه وعقاره فإنها تكون فيئا للمسلمين، وقد خالفهم أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور، ويوافق الترجمة حديث أخرجه أحمد عن صخر بن العيلة البجلي قال ‏"‏ فر قوم من بني سلم عن أرضهم فأخذتها، فأسلموا وخاصموني إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فردها عليهم قال‏:‏ إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ تَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ قَالَ وَهَلْ تَرَكَ لَنَا عَقِيلٌ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ نَحْنُ نَازِلُونَ غَدًا بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ الْمُحَصَّبِ حَيْثُ قَاسَمَتْ قُرَيْشٌ عَلَى الْكُفْرِ وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي كِنَانَةَ حَالَفَتْ قُرَيْشًا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ أَنْ لَا يُبَايِعُوهُمْ وَلَا يُؤْوُوهُمْ قَالَ الزُّهْرِيُّ وَالْخَيْفُ الْوَادِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمود‏)‏ هو ابن غيلان، وقوله ‏"‏حدثنا عبد الله ‏"‏ هو ابن المبارك، وهذه رواية أبي ذر وحده وللباقين ‏"‏ عبد الرزاق ‏"‏ بدل عبد الله، وبه جزم الإسماعيلي وأبو نعيم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت يا رسول الله أين تنزل غدا‏)‏ الحديث ذكر مختصرا، وقد تقدم في ‏"‏ باب توريث دور مكة وشرائها ‏"‏ من كتاب الحج بتمامه وتقدم شرحه هناك، وفيه ما ترجم له هنا، لكنه مبني على أن مكة فتحت عنوة والمشهور عند الشافعية أنها فتحت صلحا، وسيأتي تحرير مباحث ذلك في غزوة الفتح من كتاب المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

ويمكن أن يقال‏:‏ لما أقر النبي صلى الله عليه وسلم عقيلا على تصرفه فيما كان لأخويه علي وجعفر وللنبي صلى الله عليه وسلم من الدور والرباع بالبيع وغيره ولم يغير النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ولا انتزعها ممن هي في يده لما ظفر كان في ذلك دلالة على تقرير من بيده دار أو أرض إذا أسلم وهي في يده بطريق الأولى‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ يحتمل أن يكون مراد البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم من على أهل مكة بأموالهم ودورهم من قبل أن يسلموا، فتقرير من أسلم يكون بطريق الأولى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وذلك أن بني كنانة حالفت قريشا على بني هاشم أن لا يبايعوهم ولا يؤووهم‏)‏ هكذا وقع هذا القدر معطوفا على حديث أسامة وذكر الخطيب أن هذا مدرج في رواية الزهري عن علي بن الحسين عن عمرو أبي عثمان عن أسامة، وإنما هو عند الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة، وذلك أن ابن وهب رواه عن يونس عن الزهري ففصل بين الحديثين‏.‏

وروى محمد بن أبي حفصة عن الزهري الحديث الأول فقط، وروى شعيب والنعمان بن راشد وإبراهيم بن سعد والأوزاعي عن الزهري الحديث الثاني فقط، لكن عن أبي سلمة عن أبي هريرة‏.‏

قلت‏:‏ أحاديث الجميع عند البخاري، وطريق ابن وهب عنده لحديث أسامة في الحج، ولحديث أبي هريرة في التوحيد، وأخرجهما مسلم معا في الحج وقد قدمت في الكلام عن حديث أسامة في الحج ما وقع فيه من إدراج أيضا والله المستعان‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَعْمَلَ مَوْلًى لَهُ يُدْعَى هُنَيًّا عَلَى الْحِمَى فَقَالَ يَا هُنَيُّ اضْمُمْ جَنَاحَكَ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ وَأَدْخِلْ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ وَإِيَّايَ وَنَعَمَ ابْنِ عَوْفٍ وَنَعَمَ ابْنِ عَفَّانَ فَإِنَّهُمَا إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَرْجِعَا إِلَى نَخْلٍ وَزَرْعٍ وَإِنَّ رَبَّ الصُّرَيْمَةِ وَرَبَّ الْغُنَيْمَةِ إِنْ تَهْلِكْ مَاشِيَتُهُمَا يَأْتِنِي بِبَنِيهِ فَيَقُولُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَفَتَارِكُهُمْ أَنَا لَا أَبَا لَكَ فَالْمَاءُ وَالْكَلَأُ أَيْسَرُ عَلَيَّ مِنْ الذَّهَبِ وَالْوَرِقِ وَايْمُ اللَّهِ إِنَّهُمْ لَيَرَوْنَ أَنِّي قَدْ ظَلَمْتُهُمْ إِنَّهَا لَبِلَادُهُمْ فَقَاتَلُوا عَلَيْهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَأَسْلَمُوا عَلَيْهَا فِي الْإِسْلَامِ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الْمَالُ الَّذِي أَحْمِلُ عَلَيْهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَا حَمَيْتُ عَلَيْهِمْ مِنْ بِلَادِهِمْ شِبْرًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن عمر بن الخطاب استعمل مولى له يدعى هنيا‏)‏ بالنون مصغر بغير همز وقد يهمز، وهذا المولى لم أر من ذكره في الصحابة مع إدراكه، وقد وجدت له رواية عن أبي بكر وعمر وعمرو بن العاص، روى عنه ابنه عمير وشيخ من الأنصار وغيرهما، وشهد صفين مع معاوية ثم تحول إلى علي لما قتل عمار، ثم وجدت في كتاب مكة لعمر بن شبة أن آل هني ينتسبون في همدان وهم موالى آل عمر، انتهى‏.‏

ولولا أنه كان من الفضلاء النبهاء الموثوق بهم لما استعمله عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على الحمى‏)‏ ، بين ابن سعد من طريق عمير بن هني عن أبيه أنه كان على حمى الربذة، وقد تقدم بعض ذلك في كتاب الشرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اضمم جناحك عن المسلمين‏)‏ أي اكفف يدك عن ظلمهم‏.‏

وفي رواية معن بن عيسى عن مالك عند الدار قطني في الغرائب ‏"‏ اضمم جناحك للناس ‏"‏ وعلى هذا فمعناه استرهم بجناحك، وهو كناية عن الرحمة والشفقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واتق دعوة المسلمين‏)‏ في رواية الإسماعيلي والدار قطني وأبي نعيم ‏"‏ دعوة المظلوم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأدخل‏)‏ بهمزة مفتوحة ومعجمة مكسورة، والصريمة بالمهملة مصغر وكذا الغنيمة أي صاحب القطعة القليلة من الإبل والغنم، ومتعلق الإدخال محذوف والمراد المرعى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإياي‏)‏ فيه تحذير المتكلم نفسه، وهو شاذ عند النحاة، كذا قيل، والذي يظهر أن الشذوذ في لفظه، وإلا فالمراد في التحقيق إنما هو تحذير المخاطب، وكأنه بتحذير نفسه حذره بطريق الأولى فيكون أبلغ، ونحوه نهى المرء نفسه ومراده نهي من يخاطبه كما سيأتي قريبا في باب الغلول‏.‏

وقوله فيه ‏"‏ ابن عوف ‏"‏ هو عبد الرحمن، وابن عفان هو عثمان، وخصهما بالذكر على طريق المثال لكثرة نعمهما لأنهما كانا من مياسير الصحابة، ولم يرد بذلك منعهما البتة، وإنما أراد أنه إذا لم يسع المرعى إلا نعم أحد الفريقين فنعم المقلين أولى، فنهاه عن إيثارهما على غيرهما أو تقديمهما قبل غيرهما، وقد بين حكمة ذلك في نفس الخبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ببيته‏)‏ كذا للأكثر بمثناة قبلها تحتانية ساكنة بلفظ مفرد البيت، وللكشميهني بنون قبل التحتانية بلفظ جمع البنين، والمعنى متقارب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يا أمير المؤمنين يا أمير المؤمنين‏)‏ حذف المقول لدلالة السياق عليه، ولأنه لا يتعين في لفظ، والتقدير يا أمير المؤمنين أنا فقير، يا أمير المؤمنين أنا أحق ونحو ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أفتاركهم أنا‏)‏ استفهام إنكار ومعناه لا أتركهم محتاجين، وقوله ‏"‏لا أبا لك ‏"‏ بفتح الهمزة والموحدة، وظاهره الدعاء عليه، لكنه على مجازه لا على حقيقته، وهو بغير تنوين لأنه صار شبيها بالمضاف وإلا فالأصل لا أبالك، والحاصل أنهم لو منعوا من الماء والكلأ لهلكت مواشيهم فاحتاج إلى تعويضهم بصرف الذهب والفضة لهم لسد خلتهم، وربما عارض ذلك الاحتياج إلى النقد في صرفه في مهم آخر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنهم ليرون‏)‏ بضم التحتانية أوله بمعنى الظن، وبفتحها بمعنى الاعتقاد‏.‏

و قوله ‏"‏ أني قد ظلمتهم ‏"‏ قال ابن التين يريد أرباب المواشي الكثيرة، كذا قال، والذي يظهر لي أنه أراد أرباب المواشي القليلة لأنهم المعظم والأكثر وهم أهل تلك البلاد من بوادي المدينة، ويدل على ذلك قول عمر ‏"‏ إنها لبلادهم ‏"‏ وإنما ساغ لعمر ذلك لأنه كان مواتا فحماه لنعم الصدقة لمصلحة عموم المسلمين‏.‏

وقد أخرج ابن سعد في الطبقات ‏"‏ عن معن بن عيسى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه ‏"‏ أن عمر أتاه رجل من أهل البادية فقال‏:‏ يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في الجاهلية وأسلمنا عليها في الإسلام، ثم تحمى علينا‏؟‏ فجعل عمر ينفخ ويفتل شاربه ‏"‏ وأخرجه الدار قطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ من طريق ابن وهب عن مالك بنحوه وزاد ‏"‏ فلما رأى الرجل ذلك ألح عليه، فلما أكثر عليه قال‏:‏ المال مال الله والعباد عباد الله، ما أنا بفاعل ‏"‏ وقال ابن المنير‏:‏ لم يدخل ابن عفان ولا ابن عوف في قوله ‏"‏ قاتلوا عليها في الجاهلية ‏"‏ فالكلام عائد على عموم أهل المدينة لا عليهما والله أعلم‏.‏

وقال المهلب‏:‏ إنما قال عمر ذلك لأن أهل المدينة أسلموا عفوا وكانت أموالهم لهم، ولهذا ساوم بني النجار بمكان مسجده، قال فاتفق العلماء على أن من أسلم من أهل الصلح فهو أحق بأرضه، ومن أسلم من أهل العنوة فأرضه فيء للمسلمين، لأن أهل العنوة غلبوا على بلادهم كما غلبوا على أموالهم بخلاف أهل الصلح في ذلك‏.‏

وفي نقل الاتفاق نظر لما بينا أول الباب، وهو ومن بعده حملوا الأرض على أرض أهل المدينة التي أسلم أهلها عليها وهي في ملكهم، وليس المراد ذلك هنا، وإنما حمى عمر بعض الموات مما فيه نبات من غير معالجة أحد وخص إبل الصدقة وخيول المجاهدين، وأذن لمن كان مقلا أن يرعى فيه مواشيه رفقا به، فلا حجة فيه للمخالف‏.‏

وأما قوله ‏"‏ يرون أني ظلمتهم ‏"‏ فأشار به إلى أنهم يدعون أنهم أولى به؛ لا أنهم منعوا حقهم الواجب لهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله‏)‏ أي من الإبل التي كان يحمل عليها من لا يجد ما يركب، وجاء عن مالك أن عدة ما كان في الحمى في عهد عمر بلغ أربعين ألفا من إبل وخيل وغيرها، وفي الحديث ما كان فيه عمر من القوة وجودة النظر والشفقة على المسلمين‏.‏

وهذا الحديث ليس في الموطأ قال الدار قطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ هو حديث غريب صحيح‏.‏

*3*باب كِتَابَةِ الْإِمَامِ النَّاسَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كتابة الإمام الناس‏)‏ أي من المقاتلة أو غيرهم، والمراد ما هو أعم من كتابته بنفسه أو بأمره‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اكْتُبُوا لِي مَنْ تَلَفَّظَ بِالْإِسْلَامِ مِنْ النَّاسِ فَكَتَبْنَا لَهُ أَلْفًا وَخَمْسَ مِائَةِ رَجُلٍ فَقُلْنَا نَخَافُ وَنَحْنُ أَلْفٌ وَخَمْسُ مِائَةٍ فَلَقَدْ رَأَيْتُنَا ابْتُلِينَا حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيُصَلِّي وَحْدَهُ وَهُوَ خَائِفٌ حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ فَوَجَدْنَاهُمْ خَمْسَ مِائَةٍ قَالَ أَبُو مُعَاوِيَةَ مَا بَيْنَ سِتِّ مِائَةٍ إِلَى سَبْعِ مِائَةٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا محمد بن يوسف‏)‏ هو الفريابي، وسفيان هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اكتبوا لي من تلفظ بالإسلام‏)‏ في رواية أبا معاوية عن الأعمش عند مسلم ‏"‏ احصوا ‏"‏ بدل اكتبوا، وهي أعم من اكتبوا، وقد يفسر احصوا باكتبوا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقلنا نخاف‏)‏ هو استفهام تعجب وحذفت منه أداة الاستفهام وهي مقدرة، وزاد أبو معاوية في روايته ‏"‏ فقال إنكم لا تدرون لعلكم أن تبتلوا ‏"‏ وكأن ذلك وقع عند ترقب ما يخاف منه، ولعله كان عند خروجهم إلى أحد أو غيرها‏.‏

ثم رأيت في شرح ابن التين الجزم بأن ذلك كان عند حفر الخندق‏.‏

وحكى الداودي احتمال أن ذلك وقع لما كانوا بالحديبية لأنه قد اختلف في عددهم هل كانوا ألفا وخمسمائة أو ألفا وأربعمائة أو غير ذلك مما سيأتي في مكانه وأما قول حذيفة ‏"‏ فلقد رأيتنا ابتلينا إلخ ‏"‏ فيشبه أن يكون أشار بذلك إلى ما وقع في أواخر خلافة عثمان من ولاية بعض أمراء الكوفة كالوليد بن عقبة حيث كان يؤخر الصلاة أو لا يقيمها على وجهها، وكان بعض الورعين يصلي وحده سرا ثم يصلي معه خشية من وقوع الفتنة، وقيل كان ذلك حين أتم عثمان الصلاة في السفر وكان بعضهم يقصر سرا وحده خشية الإنكار عليه، ووهم من قال إن ذلك كان أيام قتل عثمان لأن حذيفة لم يحضر ذلك، وفي ذلك علم من أعلام النبوة من الإخبار بالشيء قبل وقوعه، وقد وقع أشد من ذلك بعد حذيفة في زمن الحجاج وغيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبدان عن أبي حمزة عن الأعمش فوجدناهم خمسمائة‏)‏ يعني أن أبا حمزة خالف الثوري عن الأعمش في هذا الحديث بهذا السند فقال خمسمائة ولم يذكر الألف‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو معاوية ما بين ستمائة إلى سبعمائة‏)‏ أي أن أبا معاوية خالف الثوري أيضا عن الأعمش بهذا الإسناد في العدة، وطريق أبي معاوية هذه وصلها مسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه، وكأن رواية الثوري رجحت عند البخاري فلذلك اعتمدها لكونه أحفظهم مطلقا وزاد عليهم، وزيادة الثقة الحافظ مقدمة، وأبو معاوية وإن كان أحفظ أصحاب الأعمش بخصوصه ولذلك اقتصر مسلم على روايته لكنه لم يجزم بالعدد فقدم البخاري رواية الثوري لزيادتها بالنسبة لرواية الاثنين ولجزمها بالنسبة لرواية أبي معاوية، وأما ما ذكره الإسماعيلي أن يحيى بن سعيد الأموي وأبا بكر بن عياش وافقا أبا حمزة في قوله خمسمائة فتتعارض الأكثرية والأحفظية فلا يخفى بعد ذلك الترجيح بالزيادة، وبهذا يظهر رجحان نظر البخاري على غيره‏.‏

وسلك الداودي الشارح طريق الجمع فقال‏:‏ لعلهم كتبوا مرات في مواطن‏.‏

وجميع بعضهم بأن المراد بالألف وخمسمائة جميع من أسلم من رجل وامرأة وعبد وصبي، وبما بين الستمائة إلى السبعمائة الرجال خاصة وبالخمسمائة المقاتلة خاصة‏.‏

وهو أحسن من الجمع الأول وإن كان بعضهم أبطله بقوله في الرواية الأولى ألف وخمسمائة رجل لإمكان أن يكون الراوي أراد بقوله رجل نفس، وجمع بعضهم بأن المراد بالخمسمائة المقاتلة من أهل المدينة خاصة، وبما بين الستمائة إلى السبعمائة هم ومن ليس بمقاتل، وبالألف وخمسمائة هم ومن حولهم من أهل القرى والبوادي‏.‏

قلت‏:‏ ويخدش في وجوه هذه الاحتمالات كلها اتحاد مخرج الحديث ومداره على الأعمش بسنده واختلاف أصحابه عليه في العدد المذكور والله أعلم‏.‏

وفي الحديث مشروعية كتابة دواوين الجيوش، وقد يتعين ذلك عند الاحتياج إلى تمييز من يصلح للمقاتلة‏.‏

بمن لا يصلح، وفيه وقوع العقوبة على الإعجاب بالكثرة وهو نحو قوله تعالى ‏(‏ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم‏)‏ الآية‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل أن كتابة الجيش وإحصاء عدده يكون ذريعة لارتفاع البركة، بل الكتابة المأمور بها لمصلحة دينية، والمؤاخذة التي وقعت في حنين كانت من جهة الإعجاب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي كُتِبْتُ فِي غَزْوَةِ كَذَا وَكَذَا وَامْرَأَتِي حَاجَّةٌ قَالَ ارْجِعْ فَحُجَّ مَعَ امْرَأَتِكَ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس ‏"‏ قال رجل يا رسول الله إني اكتتبت في غزوة كذا ‏"‏ وهو يرجح الرواية الأولى بلفظ ‏"‏ اكتبوا ‏"‏ لأنها مشعرة بأنه كان من عادتهم كتابة من يتعين للخروج في المغازي، وقد تقدم شرح الحديث في الحج مستوفى‏.‏

*3*باب إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إن الله ليؤيد الدين بالرجل الفاجر‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة في قصة الرجل الذي قاتل وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إنه من أهل النار ‏"‏ وظهر بعد ذلك أنه قتل نفسه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ ح و حَدَّثَنِي مَحْمُودُ بْنُ غَيْلَانَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَهِدْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِمَّنْ يَدَّعِي الْإِسْلَامَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ قِتَالًا شَدِيدًا فَأَصَابَتْهُ جِرَاحَةٌ فَقِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الَّذِي قُلْتَ لَهُ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَإِنَّهُ قَدْ قَاتَلَ الْيَوْمَ قِتَالًا شَدِيدًا وَقَدْ مَاتَ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى النَّارِ قَالَ فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ أَنْ يَرْتَابَ فَبَيْنَمَا هُمْ عَلَى ذَلِكَ إِذْ قِيلَ إِنَّهُ لَمْ يَمُتْ وَلَكِنَّ بِهِ جِرَاحًا شَدِيدًا فَلَمَّا كَانَ مِنْ اللَّيْلِ لَمْ يَصْبِرْ عَلَى الْجِرَاحِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَأُخْبِرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ فَقَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ أَشْهَدُ أَنِّي عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ ثُمَّ أَمَرَ بِلَالًا فَنَادَى بِالنَّاسِ إِنَّهُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ وَإِنَّ اللَّهَ لَيُؤَيِّدُ هَذَا الدِّينَ بِالرَّجُلِ الْفَاجِرِ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في قصة الرجل الذي قاتل وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ إنه من أهل النار ‏"‏ وظهر بعد ذلك أنه قتل نفسه، وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي، وهو ظاهر فيما ترجم به، وساقه هنا على لفظ معمر وهذا هو السبب في عطفه لطريقه على طريق شعيب‏.‏

وقال المهلب وغيره‏:‏ لا يعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏لا نستعين بمشرك ‏"‏ لأنه إما خاص بذلك الوقت، وإما أن يكون المراد به الفاجر غير المشرك‏.‏

قلت‏:‏ الحديث أخرجه مسلم، وأجاب عنه الشافعي بالأول، وحجة النسخ شهود صفوان بن أمية حنينا مع النبي صلى الله عليه وسلم وهو مشرك وقصته مشهورة في المغازي، وأجاب غيره في الجمع بينهما بأوجه غير هذه‏:‏ منها أنه صلى الله عليه وسلم تفرس في الذي قال له ‏"‏ لا أستعين بمشرك ‏"‏ الرغبة في الإسلام فرده رجاء أن يسلم فصدق ظنه؛ ومنها أن الأمر فيه إلى رأي الإمام، وفي كل منهما نظر من جهة أنها نكرة في سياق النفي فيحتاج مدعي التخصيص إلى دليل‏.‏

وقال الطحاوي‏:‏ قصة صفوان لا تعارض قوله ‏"‏ لا أستعين بمشرك ‏"‏ لأن صفوان خرج مع النبي صلى الله عليه وسلم باختياره لا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، قلت‏:‏ وهي تفرقة لا دليل عليها ولا أثر لها؛ وبيان ذلك أن المخالف لا يقول به مع الإكراه، وأما الأمر فالتقرير يقوم مقامه‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ موضع الترجمة من الفقه أن لا يتخيل في الإمام إذا حمى حوزة الإسلام وكان غير عادل أنه يطرح النفع في الدين لفجوره فيجوز الخروج عليه، فأراد أن هذا التخيل مندفع بهذا النص، وأن الله قد يؤيد دينه بالفاجر، وفجوره على نفسه‏.‏

*3*باب مَنْ تَأَمَّرَ فِي الْحَرْبِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ إِذَا خَافَ الْعَدُوَّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من تأمر في الحرب من غير إمرة إذا خاف العدو‏)‏ أي جاز ذلك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ عَنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ فَفُتِحَ عَلَيْهِ وَمَا يَسُرُّنِي أَوْ قَالَ مَا يَسُرُّهُمْ أَنَّهُمْ عِنْدَنَا وَقَالَ وَإِنَّ عَيْنَيْهِ لَتَذْرِفَانِ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة أخذ خالد الراية في يوم مؤتة، وسيأتي شرحه في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى، وهو ظاهر فما ترجم له به أيضا‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ يؤخذ من حديث الباب أن من يعين لولاية وتعذرت مراجعة الإمام أن الولاية تثبت لذلك المعين شرعا وتجب طاعته حكما‏.‏

كذا قال، ولا يخفى أن محله ما إذا اتفق الحاضرون عليه‏.‏

قال‏:‏ ويستفاد منه صحة مذهب مالك في أن المرأة إذا لم يكن لها ولي إلا السلطان فتعذر إذن السلطان أن يزوجها الآحاد، وكذا إذا غاب إمام الجمعة قدم الناس لأنفسهم‏.‏

*3*باب الْعَوْنِ بِالْمَدَدِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب العون بالمدد‏)‏ بفتح الميم‏:‏ ما يمد به الأمير بعض العسكر من الرجال‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَسَهْلُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ وَعُصَيَّةُ وَبَنُو لَحْيَانَ فَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ أَسْلَمُوا وَاسْتَمَدُّوهُ عَلَى قَوْمِهِمْ فَأَمَدَّهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِسَبْعِينَ مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُسَمِّيهِمْ الْقُرَّاءَ يَحْطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ فَانْطَلَقُوا بِهِمْ حَتَّى بَلَغُوا بِئْرَ مَعُونَةَ غَدَرُوا بِهِمْ وَقَتَلُوهُمْ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ قَتَادَةُ وَحَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّهُمْ قَرَءُوا بِهِمْ قُرْآنًا أَلَا بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا بِأَنَّا قَدْ لَقِيَنَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا ثُمَّ رُفِعَ ذَلِكَ بَعْدُ

الشرح‏:‏

حديث أنس في قصة بئر معونة وسيأتي شرحه مستوفى في المغازي، وهو ظاهر فيما ترجم به أيضا‏.‏

قال ابن المنير‏:‏ وفيه أن الاجتهاد والعمل بالظاهر لا يضر صاحبه أن يقع التخلف ممن ظن به الوفاء‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏‏:‏ قال الدمياطي‏:‏ قوله في هذه الطريق ‏"‏ أتاه رعل وذكوان وعصية ولحيان ‏"‏ وهم، لأن هؤلاء ليسوا أصحاب بئر معونة وإنما هم أصحاب الرجيع، وهو كما قال، وسأبين ذلك واضحا في المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَنْ غَلَبَ الْعَدُوَّ فَأَقَامَ عَلَى عَرْصَتِهِمْ ثَلَاثًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من غلب العدو فأقام على عرصتهم ثلاثا‏)‏ العرصة بفتح المهلتين وسكون الراء بينهما‏:‏ هي البقعة الواسعة بغير بناء من دار وغيرها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلَاثَ لَيَالٍ تَابَعَهُ مُعَاذٌ وَعَبْدُ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكر لنا أنس بن مالك عن أبي طلحة‏)‏ كذا رواه قتادة، ورواه ثابت عن أنس بغير ذكر أبي طلحة، وهذه الطريق عن روح بن عبادة عن سعيد وهو ابن أبي عروبة مختصرة‏.‏

وقد أوردها المصنف في المغازي في غزوة بدر عن شيخ آخر عن روح بأتم من هذا السياق، ويأتي شرحه هناك إن شاء الله تعالى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه معاذ وعبد الأعلى عن قتادة إلخ‏)‏ أما متابعة معاذ وهو ابن معاذ العنبري فوصلها أصحاب السنن الثلاثة من طريقه ولفظه ‏"‏ أحب أن يقيم بالعرصة ثلاثا ‏"‏ وأما متابعة عبد الأعلى وهو ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة فوصلها أبو بكر بن أبي شيبة عنه ومن طريق الإسماعيلي‏.‏

وأخرجها مسلم عن يوسف بن حماد عنه، قال المهلب‏:‏ حكمة الإقامة لإراحة الظهر والأنفس، ولا يخفى أن محله إذا كان في أمن من عدو وطارق، والاقتصار على ثلاث يؤخذ منه أن الأربعة إقامة‏.‏

وقال ابن الجوزي‏:‏ إنما كان يقيم ليظهر تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام وقلة الاحتفال، فكأنه يقول‏:‏ من كانت فيه قوة منكم فليرجع إلينا‏.‏

وقال ابن المنير‏:‏ يحتمل أن يكون المراد أن تقع ضيافة الأرض التي وقعت فيها المعاصي بإيقاع الطاعة فيها بذكر الله وإظهار شعار المسلمين‏.‏

وإذا كان ذلك في حكم الضيافة ناسب أن يقيم عليها ثلاثا لأن الضيافة ثلاثة‏.‏

*3*باب مَنْ قَسَمَ الْغَنِيمَةَ فِي غَزْوِهِ وَسَفَرِهِ

وَقَالَ رَافِعٌ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَبْنَا غَنَمًا وَإِبِلًا فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من قسم الغنيمة في غزوه وسفره‏)‏ أشار بذلك إلى الرد على قول الكوفيين إن الغنائم لا تقسم في دار الحرب، واعتلوا بأن الملك لا يتم عليها إلا بالاستيلاء، ولا يتم الاستيلاء إلا بإحرازها في دار الإسلام‏.‏

وقال الجمهور‏:‏ هو راجع إلى نظر الإمام واجتهاده، وتمام الاستيلاء يحصل بإحرازها بأيدي المسلمين‏.‏

ويدل على ذلك أن الكفار لو أعتقوا حينئذ رقيقا لم ينفذ عتقهم، ولو أسلم عبد الحربي ولحق بالمسلمين صار حرا‏.‏

ثم ذكر طرفا من حديث رافع وهو ابن خديج معلقا، وسيأتي بتمامه موصولا مع شرحه في كتاب الذبائح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا أَخْبَرَهُ قَالَ اعْتَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ

الشرح‏:‏

حديث أنس ‏"‏ اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة حيث قسم غنائم حنين ‏"‏ وهو طرف من حديثه المتقدم في الحج بهذا الإسناد، وسيأتي في غزوة الحديبية أيضا بتمامه، وكلا الحديثين ظاهر فيما ترجم له‏.‏

*3*باب إِذَا غَنِمَ الْمُشْرِكُونَ مَالَ الْمُسْلِمِ ثُمَّ وَجَدَهُ الْمُسْلِمُ

قَالَ ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ذَهَبَ فَرَسٌ لَهُ فَأَخَذَهُ الْعَدُوُّ فَظَهَرَ عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ فَرُدَّ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَقَ عَبْدٌ لَهُ فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِمْ الْمُسْلِمُونَ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم‏)‏ أي هل يكون أحق به، أو يدخل الغنيمة‏؟‏ وهذا مما اختلف فيه، فقال الشافعي وجماعة‏:‏ لا يملك أهل الحرب بالغلبة شيئا من مال المسلم، ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها‏.‏

وعن علي والزهري وعمرو بن دينار والحسن‏:‏ لا يرد أصلا، ويختص به أهل المغانم‏.‏

وقال عمر وسليمان بن ربيعة وعطاء والليث ومالك وأحمد وآخرون، وهي رواية عن الحسن أيضا ونقلها ابن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء السبعة‏:‏ إن وجده صاحبه قبل القسمة فهو أحق به، وإن وجده بعد القسمة فلا يأخذه إلا بالقسمة، واحتجوا بحديث عن ابن عباس مرفوعا بهذا التفصيل أخرجه الدار قطني وإسناده ضعيف جدا، وعن أبي حنيفة كقول مالك إلا في الآبق فقال هو والثوري‏:‏ صاحبه أحق به مطلقا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن نمير‏)‏ يعني عبد الله، وطريقه هذه وصلها أبو داود وابن ماجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذهب وقوله فأخذه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ذهبت ‏"‏ وقال ‏"‏ فأخذها ‏"‏ والفرس اسم جنس يذكر ويؤنث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ كذا وقع في رواية ابن نمير أن قصة الفرس في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وقصة العبد بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وخالفه يحيى وهو القطان عن عبيد الله وهو العمري كما هي الرواية الثانية في الباب فجعلهما معا بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وكذا وقع في رواية موسى ابن عقبة عن نافع وهي الرواية الثالثة في الباب فصرح بأن قصة الفرس كانت في زمن أبي بكر، وقد وافق ابن نمير إسماعيل بن زكريا أخرجه الإسماعيلي من طريقه، وأخرجه من طريق ابن المبارك عن عبيد الله فلم يعين الزمان، لكن قال في روايته ‏"‏ إنه افتدى الغلام بروميين ‏"‏ وكأن هذا الاختلاف هو السبب في ترك المصنف الجزم في الترجمة بالحكم لتردد الرواة في رفعه ووقفه، لكن للقائل به أن يحتج بوقوع ذلك في زمن أبي بكر الصديق والصحابة متوافرون من غير نكير منهم‏.‏

وقوله في رواية موسى بن عقبة ‏"‏ يوم لقي المسلمون ‏"‏ كذا هنا بحذف المفعول، وبينه الإسماعيلي في روايته عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة وأبو نعيم من طريق أحمد ابن يحيى الحلواني كلاهما عن أحمد بن يونس شيخ البخاري فيه فقال فيه ‏"‏ يوم لقي المسلمون طيئا وأسدا ‏"‏ وزاد فيه سبب أخذ العدو لفرس ابن عمر ففيه ‏"‏ فاقتحم الفرس بعبد الله بن عمر جرفا فصرعه وسقط ابن عمر فعار الفرس ‏"‏ والباقي مثله، وروى عبد الرزاق أن العبد الذي أبق لابن عمر كان يوم اليرموك، أخرجه عن معمر عن أيوب عن نافع عنه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ أَنَّ عَبْدًا لِابْنِ عُمَرَ أَبَقَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ فَرَدَّهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَنَّ فَرَسًا لِابْنِ عُمَرَ عَارَ فَلَحِقَ بِالرُّومِ فَظَهَرَ عَلَيْهِ فَرَدُّوهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ عَارَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْعَيْرِ وَهُوَ حِمَارُ وَحْشٍ أَيْ هَرَبَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبد الله عار‏)‏ بمهملة وراء ‏(‏مشتق من العير وهو حمار وحش، أي هرب‏)‏ قال ابن التين‏:‏ أراد أنه فعل فعله في النفار‏.‏

وقال الخليل‏:‏ يقال عار الفرس والكلب عيارا أي أفلت وذهب‏.‏

وقال الطبري‏:‏ يقال ذلك للفرس إذا فعله مرة بعد مرة، ومنه قيل للبطال من الرجال الذي لا يثبت على طريقه‏:‏ عيار، ومنه سهم عاير إذا كان لا يدري من أين أتى‏.‏

*3*باب مَنْ تَكَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالرَّطَانَةِ

وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من تكلم بالفارسية‏)‏ أي بلسان الفرس، قيل إنهم ينتسبون إلى فارس بن كومرث، واختلف في كومرث قيل إنه من ذرية سام بن نوح وقيل من ذرية يافث بن نوح وقيل إنه ولد آدم لصلبه وقيل إنه آدم نفسه وقيل لهم الفرس لأن جدهم الأعلى ولد له سبعة عشر ولدا كان كل منهم شجاعا فارسا فسموا الفرس، وفيه نظر لأن الاشتقاق يختص باللسان العربي والمشهور أن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام أول من ذللت له الخيل، والفروسية ترجع إلى الفرس من الخيل وأمة الفرس كانت موجودة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والرطانة‏)‏ بكسر الراء ويجوز فتحها، هو كلام غير العربي، قالوا‏:‏ فقه هذا الباب يظهر في تأمين المسلمين لأهل الحرب بألسنتهم، وسيأتي مزيد لذلك في أواخر الجزية في ‏"‏ باب إذا قالوا صبأنا ولم يقولوا أسلمنا ‏"‏ وقال الكرماني‏:‏ الحديث الأول كان في غزوة الخندق والآخران بالتبعية، كذا قال، ولا يخفى بعده، والذي أشرت إليه أقرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقول الله عز وجل ‏(‏واختلاف ألسنتكم وألوانكم‏)‏ وقال ‏(‏وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه‏)‏‏)‏ كأنه أشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعرف الألسنة لأنه أرسل إلى الأمم كلها على اختلاف ألسنتهم فجميع الأمم قومه بالنسبة إلى عموم رسالته فاقتضى أن يعرف ألسنتهم ليفهم عنهم ويفهموا عنه، ويحتمل أن يقال‏:‏ لا يستلزم ذلك نطقه بجميع الألسنة لإمكان الترجمان الموثوق به عندهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا وَطَحَنْتُ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَتَعَالَ أَنْتَ وَنَفَرٌ فَصَاحَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا أَهْلَ الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا فَحَيَّ هَلًا بِكُمْ

الشرح‏:‏

حديث جابر في قصة بركة الطعام الذي صنعه بالخندق، وسيأتي بتمامه بهذا الإسناد مع شرحه في المغازي إن شاء الله تعالى، والغرض منه قوله ‏"‏ أن جابرا قد صنع سورا وهو بضم المهملة وسكون الواو قال الطبري‏:‏ السور بغير همز الصنيع من الطعام الذي يدعى إليه وقيل الطعام مطلقا، وهو بالفارسية وقيل بالحبشية، وبالهمز بقية الشيء والأول هو المراد هنا‏.‏

قال الإسماعيلي‏:‏ السور كلمة بالفارسية‏.‏

قيل له أليس هو الفضلة‏؟‏ قال لم يكن هناك شيء فضل ذلك منه، إنما هو بالفارسية من أتى دعوة‏.‏

وأشار المصنف إلى ضعف ما ورد من الأحاديث الواردة في كراهة الكلام بالفارسية كحديث ‏"‏ كلام أهل النار بالفارسية ‏"‏ وكحديث ‏"‏ من تكلم بالفارسية زادت في خبثه ونقصت من مروءته ‏"‏ أخرجه الحاكم في مستدركه وسنده واه‏.‏

وأخرج فيه أيضا عن عمر رفعه ‏"‏ من أحسن العربية فلا يتكلمن‏:‏ بالفارسية فإنه يورث النفاق ‏"‏ الحديث وسنده واه أيضا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أُمِّ خَالِدٍ بِنْتِ خَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ قَالَتْ أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ أَبِي وَعَلَيَّ قَمِيصٌ أَصْفَرُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَنَهْ سَنَهْ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ وَهِيَ بِالْحَبَشِيَّةِ حَسَنَةٌ قَالَتْ فَذَهَبْتُ أَلْعَبُ بِخَاتَمِ النُّبُوَّةِ فَزَبَرَنِي أَبِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْلِي وَأَخْلِفِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي ثُمَّ أَبْلِي وَأَخْلِفِي قَالَ عَبْدُ اللَّهِ فَبَقِيَتْ حَتَّى ذَكَرَ

الشرح‏:‏

حديث أم خالد بنت خالد، وسيأتي بهذا الإسناد في كتاب الأدب، ويأتي شرحه في اللباس، والغرض منه قوله ‏"‏ سنه سنه ‏"‏ وهو بفتح النون وسكون الهاء‏.‏

وفي رواية الكشميهني ‏"‏ سناه ‏"‏ بزيادة ألف والهاء فيهما للسكت وقد تحذف، قال ابن قرقول‏:‏ هو بفتح النون الخفيفة عند أبي ذر وشددها الباقون وهي بفتح أوله للجميع إلا القابسي فكسره‏.‏

قوله في آخره ‏(‏قال عبد الله فبقيت حتى ذكر‏)‏ أي ذكر الراوي من بقائها أمدا طويلا، وفي نسخة الصغاني وغيرها ‏"‏ حتى ذكرت ‏"‏ ولبعضهم ‏"‏ حتى دكن ‏"‏ بمهملة وآخره نون أي اتسخ، وسيأتي في كتاب الأدب‏.‏

ووقع في نسخة الصغاني هنا من الزيادة في آخر الباب ‏"‏ قال أبو عبد الله هو المصنف‏:‏ ‏(‏لم تعش امرأة مثل ما عاشت هذه يعني أم خالد‏)‏ ‏.‏

قلت‏:‏ وإدراك موسى بن عقبة دال على طول عمرها لأنه لم يلق من الصحابة غيرها‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ خالد بن سعيد المذكور في السند شيخ عبد الله وهو ابن المبارك هو خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص أخو إسحاق بن سعيد وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد، وقد كرره عنه كما نبهت عليه‏.‏

وفي طبقته خالد بن سعيد بن أبي مريم المدني لكن لم يخرج له البخاري ولا لابن المبارك عنه رواية، وأوهم الكرماني أن شيخ ابن المبارك هنا هو خالد بن الزبير بن العوام‏.‏

ولا أدري من أين له ذلك‏؟‏ بل لم أر لخالد بن الزبير رواية في شيء من الكتب الستة‏.‏

ثم راجعت كلامه فعلمت مراده فإنه قال‏:‏ لفظ خالد المذكور هنا ثلاث مرار، والثاني غير الأول، وهو خالد بن الزبير بن العوام، والثالث غير الثاني وهو خالد بن سعيد بن العاص، فقوله ‏"‏ والثاني ‏"‏ يوهم أن المراد خالد بن سعيد وإنما مراده خالد المذكور في كنية أم خالد، وكان يغني عن هذا التطويل أن يقول‏:‏ إن أم خالد سمت ولدها باسم والدها، وكان الزبير بن العوام تزوجها فولدت له خالد بن الزبير، فهذا يوضح المراد مع مزيد الفائدة‏.‏

والذي نبه عليه ليس تحته كبير أمر، فإن خالد بن سعيد الراوي عن أم خالد لا يظن أحد أنه أبوها إلا من يقف مع مجرد التجويز العقلي، فإن من المقطوع به عند المحدثين أن عبد الله بن المبارك ما أدركها فضلا عن أن يروي عن أبيها، وأبوها استشهد في خلافة أبي بكر أو عمر فانحصرت الفائدة في التنبيه على سبب كنية أم خالد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخَذَ تَمْرَةً مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ فَجَعَلَهَا فِي فِيهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْفَارِسِيَّةِ كِخْ كِخْ أَمَا تَعْرِفُ أَنَّا لَا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏(‏أن الحسن بن علي أخذ تمرة من تمر الصدقة‏)‏ الحديث والغرض منه قوله ‏"‏ كخ كخ ‏"‏ وهي كلمة زجر للصبي عما يريد فعله، وقد تقدم شرحه في أواخر كتاب الزكاة وقد نازع الكرماني في كون الألفاظ الثلاثة عجمية، لأن الأول يجوز أن يكون من توافق اللغتين، والثاني يجوز أن يكون أصله ‏"‏ حسنه ‏"‏ فحذف أوله إيجازا، والثالث من أسماء الأصوات وقد أجاب عن الأخير ابن المنير فقال‏:‏ وجه مناسبته أنه صلى الله عليه وسلم خاطبه بما يفهمه مما لا يتكلم به الرجل مع الرجل، فهو كمخاطبة العجمي بما يفهمه من لغته‏.‏

قلت‏:‏ وبهذا يجاب عن الباقي، ويزاد بأن تجويزه حذف أول حرف من الكلمة لا يعرف، وتشبيهه بقوله ‏"‏ كفى بالسيف شا ‏"‏ لا يتجه، لأن حذف الأخير معهود في الترخيم، والله أعلم‏.‏

*3*بَاب الْغُلُولِ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ أَبِي حَيَّانَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو زُرْعَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَامَ فِينَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ الْغُلُولَ فَعَظَّمَهُ وَعَظَّمَ أَمْرَهُ قَالَ لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ عَلَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ يَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَعَلَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ أَوْ عَلَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ فَيَقُولُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَغِثْنِي فَأَقُولُ لَا أَمْلِكُ لَكَ شَيْئًا قَدْ أَبْلَغْتُكَ وَقَالَ أَيُّوبُ عَنْ أَبِي حَيَّانَ فَرَسٌ لَهُ حَمْحَمَةٌ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏(‏قام فينا النبي صلى الله عليه وسلم فذكر الغلول فعظمه‏)‏ الحديث، ويحيى هو القطان، وأبو حيان هو يحيى بن سعيد التيمي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا ألفين‏)‏ بضم أوله وبالفاء أي لا أجد، هكذا الرواية للأكثر بلفظ النفي المؤكد والمراد به النهي وبالفاء وكذا عند الحموي والمستملي، لكن روى بفتح الهمزة وبالقاف من اللقاء وكذا لبعض رواة مسلم والمعنى قريب‏.‏

ومنهم من حذف الألف على أن اللام للقسم وفي توجيهه تكلف، والمعروف أنه بلفظ النفي المراد به النهي، وهو وإن كان من نهي المرء نفسه فليس المراد ظاهره، وإنما المراد نهي من يخاطبه عن ذلك وهو أبلغ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أحدكم يوم القيامة على رقبته‏)‏ في رواية مسلم ‏(‏يجئ يوم القيامة وعلى رقبته‏)‏ وهو حال من الضمير في يجئ، و ‏"‏ شاة ‏"‏ فاعل الظرف لاعتماده أي هي حالة شنيعة ولا ينبغي لكم أن أراكم عليها يوم القيامة‏.‏

وفي حديث عبادة بن الصامت في السنن ‏"‏ إياكم والغلول، فإنه عار على أهله يوم القيامة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شاة لها ثغاء‏)‏ بضم المثلثة وتخفيف المعجمة وبالمد صوت الشاة يقال ثغت تثغو، وقوله فرس له حمحمة يأتي في آخر الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا أملك لك شيئا‏)‏ أي من المغفرة، لأن الشفاعة أمرها إلى الله، وقوله ‏"‏قد بلغتك ‏"‏ أي فليس لك عذر بعد الإبلاغ، وكأنه صلى الله عليه وسلم أبرز هذا الوعيد في مقام الزجر والتغليظ وإلا فهو في القيامة صاحب الشفاعة في مذنبي الأمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بعير له رغاء‏)‏ بضم الراء وتخفيف المعجمة وبالمد صوت البعير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏صامت‏)‏ أي الذهب والفضة، وقيل ما لا روح فيه من أصناف المال‏.‏

وقوله ‏"‏رقاع تخفق ‏"‏ أي تتقعقع وتضطرب إذا حركتها الرياح، وقيل معناه تلمع والمراد بها الثياب قاله ابن الجوزي‏.‏

وقال الحميدي‏:‏ المراد بها ما عليه من الحقوق المكتوبة في الرقاع، واستبعده ابن الجوزي لأن الحديث سيق لذكر الغلول الحسي فحمله على الثياب أنسب، وزاد في رواية مسلم ‏"‏ نفس لها صياح ‏"‏ وكأنه أراد بالنفس ما يغله من الرقيق من امرأة أو صبي قال المهلب‏:‏ هذا الحديث وعيد لمن أنفذه الله عليه من أهل المعاصي، ويحتمل أن يكون الحمل المذكور لا بد منه عقوبة له بذلك ليفتضح على رءوس الأشهاد، وأما بعد ذلك فإلي الله الأمر في تعذيبه أو العفو عنه‏.‏

وقال غيره‏:‏ هذا الحديث يفسر قوله عز وجل ‏(‏يأت بما غل يوم القيامة‏)‏ أي يأت به حاملا له على رقبته، ولا يقال إن بعض ما يسرق من النقد أخف من البعير مثلا والبعير أرخص ثمنا فكيف يعاقب الأخف جناية بالأثقل وعكسه‏؟‏ لأن الجواب أن المراد بالعقوبة بذلك فضيحة الحامل على رءوس الأشهاد في ذلك الموقف العظيم لا بالثقل والخفة، قال بن المنير‏:‏ أظن الأمراء فهموا تجريس السارق ونحوه من هذا الحديث، وقد تقدم شرح بعض هذا الحديث في أوائل الزكاة‏.‏

‏(‏تكميل‏)‏ قال ابن المنذر‏:‏ أجمعوا على أن على الغال أن يعيد ما غل قبل القسمة، وأما بعدها فقال الثوري والأوزاعي والليث ومالك‏:‏ يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي، وكان الشافعي لا يرى بذلك ويقول إن كان ملكه فليس عليه أن يتصدق به، وإن كان لم يملكه فليس له الصدقة بمال غيره، قال‏:‏ والواجب أن يدفعه إلى الإمام كالأموال الضائعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أيوب عن أبي حيان فرس له حمحمة‏)‏ كذا للأكثر في الموضعين ‏"‏ فرس له حمحمة ‏"‏ بمهملتين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة ثم ميم قبل الهاء، وهو صوت الفرس عند العلف، وهو دون الصهيل‏.‏

ووقع في رواية الكشميهني في الرواية الأولى ‏(‏على رقبته له حمحمة‏)‏ بحذف لفظ فرس، وكذا هو في رواية النسفي وأبي علي بن شبويه فعلى هذا تكون فائدة ذكر طريق أيوب التنصيص على ذكر الفرس‏.‏

ولمسلم من أيوب وصلها مسلم من طريق حماد ومن طريق عبد الوارث جميعا عن أيوب عن أبي حيان عن أبي زرعة عن أبي هريرة ولم يسق لفظها، وقد رويناها في كتاب الزكاة ليوسف القاضي بالحديث بتمامه وفيه ‏"‏ ويجئ رجل على عنقه فرس له حمحمة ‏"‏ ورأيت في بعض النسخ في الرواية الأولى ‏"‏ فرس له حمحة بميم واحدة ولا معنى له، فإن كان مضبوطا فكأنه نبه بهذه الرواية المعلقة على وجه الصواب‏.‏

*3*باب الْقَلِيلِ مِنْ الْغُلُولِ

وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ حَرَّقَ مَتَاعَهُ وَهَذَا أَصَحُّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب القليل من الغلول‏)‏ أي هل يلتحق بالكثير في الحكم أم لا‏؟‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم يذكر عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه حرق متاعه‏)‏ يعني في حديثه الذي ساقه في الباب في قصة الذي غل العباءة و قوله ‏"‏ وهذا أصح ‏"‏ أشار إلى تضعيف ما روي عن عبد الله بن عمرو في الأمر بحرق رحل الغال، والإشارة بقوله هذا إلى الحديث الذي ساقه، والأمر بحرق رحل الغال أخرجه أبو داود من طريق صالح بن محمد بن زائدة الليثي المدني أحد الضعفاء قال ‏"‏ دخلت مع مسلمة ابن عبد الملك أرض الروم فأتى برجل قد غل، فسأل سالما - أي ابن عبد الله بن عمر - عنه فقال‏:‏ سمعت أبي يحدث عن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ إذا وجدتم الرجل قد غل فأحرقوا متاعه ‏"‏ ثم ساقه من وجه أخر عن سالم موقوفا، قال أبو داود‏:‏ هذا أصح‏.‏

وقال البخاري في التاريخ‏:‏ يحتجون بهذا الحديث في إحراق رحل الغال، وهو باطل ليس له أصل وراويه لا يعتمد عليه، وروى الترمذي عنه أيضا أنه قال‏:‏ صالح منكر الحديث‏.‏

وقد جاء في غير حديث ذكر الغال وليس فيه الأمر بحرق متاعه‏.‏

قلت‏:‏ وجاء من غير طريق صالح بن محمد أخرجه أبو داود أيضا من طريق زهير بن محمد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، ثم أخرجه من وجه آخر عن زهير عن عمرو بن شعيب موقوفا عليه وهو الراجح، وقد أخذ بظاهر هذا الحديث أحمد في رواية، وهو قول مكحول والأوزاعي، وعن الحسن‏:‏ يحرق متاعه كله إلا الحيوان والمصحف‏.‏

وقال الطحاوي‏:‏ لو صح الحديث لاحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ حكى بعض الشراح عن رواية الأصيلي أنه وقع فيها هنا ‏"‏ ويذكر عن عبد الله بن عمرو و الخ ‏"‏ بدل قوله ‏"‏ ولم يذكر عبد الله بن عمرو ‏"‏ فإن كان كما ذكر فقد عرف المراد بذلك ويكون قوله هذا أصح إشارة إلى أن حديث الباب الذي لم يذكر فيه التحريق أصح من الرواية التي ذكرها بصيغة التمريض وهي التي أشرت إليها من نسخة عمرو بن شعيب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ كَانَ عَلَى ثَقَلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ كِرْكِرَةُ فَمَاتَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ فِي النَّارِ فَذَهَبُوا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ فَوَجَدُوا عَبَاءَةً قَدْ غَلَّهَا قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ قَالَ ابْنُ سَلَامٍ كَرْكَرَةُ يَعْنِي بِفَتْحِ الْكَافِ وَهُوَ مَضْبُوطٌ كَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار، وكذا هو عند ابن ماجه عن هشام بن عمار عن سفيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على ثقل‏)‏ بمثلثة وقاف مفتوحتين‏:‏ العيال وما يثقل حمله من الأمتعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كركرة‏)‏ ذكر الواقدي أنه كان أسود يمسك دابة صلى الله عليه وسلم في القتال، وروى أبو سعيد النيسابوري في ‏"‏ شرف المصطفى ‏"‏ أنه كان نوبيا أهداه له هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة فأعتقه، وذكر البلاذري أنه مات في الرق أو اختلف في ضبطه فذكر عياض أنه يقال بفتح الكافين وبكسرهما‏.‏

وقال النووي إنما اختلف في كافه الأولى وأما الثانية فمكسورة اتفاقا، وقد أشار البخاري إلى الخلاف في ذلك بقوله في آخر الحديث ‏"‏ قال ابن سلام كركرة ‏"‏ وأراد بذلك أن شيخه محمد بن سلام رواه عن ابن عيينة بهذا الإسناد بفتح الكاف، وصرح بذلك الأصيلي في روايته فقال‏:‏ يعني بفتح الكاف والله أعلم‏.‏

قال عياض‏:‏ هو للأكثر بالفتح في رواية علي وبالكسر في رواية ابن سلام وعند الأصيلي بالكسر في الأول‏.‏

وقال القابسي‏:‏ لم يكن عند المروزي فيه ضبط إلا أني أعلم أن الأول خلاف الثاني‏.‏

وفي الحديث تحريم قليل الغلول وكثيره، و قوله ‏"‏ هو في النار ‏"‏ أي يعذب على معصيته، أو المراد هو في النار إن لم يعف الله عنه‏.‏

*3*باب مَا يُكْرَهُ مِنْ ذَبْحِ الْإِبِلِ وَالْغَنَمِ فِي الْمَغَانِمِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من ذبح الإبل والغنم في المغانم‏)‏ ذكر فيه حديث رافع بن خديج في ذبحهم الإبل التي أصابوها لأجل الجوع ونصبهم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ جَدِّهِ رَافِعٍ قَالَ كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ وَأَصَبْنَا إِبِلًا وَغَنَمًا وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ فَعَجِلُوا فَنَصَبُوا الْقُدُورَ فَأَمَرَ بِالْقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنْ الْغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ وَفِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَحَبَسَهُ اللَّهُ فَقَالَ هَذِهِ الْبَهَائِمُ لَهَا أَوَابِدُ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا نَدَّ عَلَيْكُمْ فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا فَقَالَ جَدِّي إِنَّا نَرْجُو أَوْ نَخَافُ أَنْ نَلْقَى الْعَدُوَّ غَدًا وَلَيْسَ مَعَنَا مُدًى أَفَنَذْبَحُ بِالْقَصَبِ فَقَالَ مَا أَنْهَرَ الدَّمَ وَذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ وَسَأُحَدِّثُكُمْ عَنْ ذَلِكَ أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الْحَبَشَةِ

الشرح‏:‏

حديث رافع بن خديج في ذبحهم الإبل التي أصابوها لأجل الجوع ونصبهم، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور، وفيه قصة البعير الذي ند، وفيه السؤال عن الذبح بالقصب وسيأتي الكلام على شرحه مستوفى في كتاب الذبائح، وقد مضى في الشركة وغيرها، وموضع الترجمة منه أمره صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور فإنه مشعر بكراهة ما صنعوا من الذبح بغير إذن‏.‏

وقال المهلب‏:‏ إنما أكفأ القدور ليعلم أن الغنيمة إنما يستحقونها بعد قسمته لها، وذلك أن القصة وقعت في دار الإسلام لقوله فيها ‏(‏بذي الحليفة‏)‏ وأجاب ابن المنير بأنه قد قيل إن الذبح إذا كان على طريق التعدي كان المذبوح ميتة، وكأن البخاري انتصر لهذا المذهب أو حمل الإكفاء على العقوبة بالمال وإن كان ذلك المال لا يختص بأولئك الذين ذبحوا، لكن لما تعلق به طمعهم‏.‏

كانت النكاية حاصلة لهم، قال‏:‏ وإذا جوزنا هذا النوع من العقوبة فعقوبة صاحب المال في ماله أولى، ومن ثم قال مالك‏:‏ يراق اللبن المغشوش ولا يترك لصاحبه وإن زعم أنه ينتفع به بغير البيع أدبا له، انتهى‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ المأمور بإكفائه إنما هو المرق عقوبة للذين تعجلوا، وأما نفس اللحم فلم يتلف، بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغانم لأن النهي عن إضاعة المال تقدم، والجناية بطبخه لم تقع من الجميع إذ من جملتهم أصحاب الخمس ومن الغانمين من لم يباشر ذلك، وإذا لم ينقل أنهم أحرقوه وأتلفوه تعين تأويله على رفق القواعد الشرعية، ولهذا قال في الحمر الأهلية لما أمر بإراقتها ‏"‏ أنها رجس ‏"‏ ولم يقل ذلك في هذه القصة، فدل على أن لحومها لم تترك بخلاف تلك والله أعلم‏.‏

وسيأتي بيان ما أبيح للغازي من الأكل من المغانم ما داموا في بلاد العدو في ‏(‏باب ما يصيب من الطعام في أرض الحرب في أواخر فرض الخمس‏)‏ ‏.‏