فصل: باب لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِلَى قَوْلِهِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا المستضعفين من الرجال والنساء الآية‏)‏ فيه معذرة من اتصف بالاستضعاف من المذكورين، وقد ذكروا في الآية الأخرى في سياق الحث على القتال عنهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ قَالَ كَانَتْ أُمِّي مِمَّنْ عَذَرَ اللَّهُ

الشرح‏:‏

وتقدم حديث ابن عباس المذكور والكلام عليه قبل ستة أبواب‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ فعسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفوا غفورا ‏"‏ كذا وقع عند أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ وهو خطأ من النساخ بدليل وقوعه على الصواب في رواية أبي ذر ‏(‏فأولئك عسى الله‏)‏ وهي التلاوة‏.‏

ووقع في ‏"‏ تنقيح الزركشي ‏"‏ هنا ‏"‏ وكان الله غفورا رحيما ‏"‏ قال وهو خطأ أيضا‏.‏

قلت‏:‏ لكن لم أقف عليه في رواية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي الْعِشَاءَ إِذْ قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ ثُمَّ قَالَ قَبْلَ أَنْ يَسْجُدَ اللَّهُمَّ نَجِّ عَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ نَجِّ سَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ اللَّهُمَّ نَجِّ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ اللَّهُمَّ نَجِّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في الدعاء للمستضعفين، وقد تقدم الكلام عليه في أول الاستسقاء‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، وله عن المستملي ‏"‏ باب قوله ولا جناح إلخ ‏"‏ وسقط لغيره ‏"‏ باب ‏"‏ وزادوا ‏(‏أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا حَجَّاجٌ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي يَعْلَى عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ وَكَانَ جَرِيحًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حجاج‏)‏ هو ابن محمد، ويعلى هو ابن مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى، قال عبد الرحمن بن عوف وكان جريحا‏)‏ في رواية ‏"‏ كان ‏"‏ بغير واو، كذا وقع عنده مختصرا، ومقول ابن عباس ما ذكر عن عبد الرحمن، وقوله ‏"‏كان جريحا ‏"‏ أي فنزلت الآية فيه‏.‏

وقال الكرماني‏:‏ يحتمل هذا ويحتمل أن التقدير قال ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف يقول من كان جريحا فحكمه كذلك فكان عطف الجريح على المريض إلحاقا به على سبيل القياس، أو لأن الجرح نوع من المرض فيكون كله مقول عبد الرحمن وهو مروي عن ابن عباس‏.‏

قلت‏:‏ وسياق ما أورده غير البخاري يدفع هذا الاحتمال، فقد وقع عند أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق إبراهيم بن سعيد الجوهري عن حجاج بن محمد قال‏:‏ كان عبد الرحمن بن عوف جريحا ‏"‏ وهو ظاهر في أن فاعل قال هو ابن عباس، وأنه لا رواية لابن عباس في هذا عن عبد الرحمن‏.‏

قوله في الآية الكريمة ‏(‏أن تضعوا أسلحتكم‏)‏ رخص لهم في وضع السلاح لثقلها عليهم بسبب ما ذكره من المطر أو المرض، ثم أمرهم بأخذ الحذر خشية أن يغفلوا فيهجم العدو عليهم‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ فِي يَتَامَى النِّسَاءِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء‏)‏ كذا لأبي ذر وله عن غير المستملي ‏"‏ باب يستفتونك ‏"‏ وسقط لغيره ‏"‏ باب ‏"‏ وقوله ‏"‏ يستفتونك ‏"‏ أي يطلبون الفتيا أو الفتوى وهما بمعنى واحد، أي جواب السؤال عن الحادثة التي تشكل على السائل وهي مشتقة من الفتى، ومنه الفتى وهو الشاب القوي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا يَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاءِ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ إِلَى قَوْلِهِ وَتَرْغَبُونَ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ قَالَتْ عَائِشَةُ هُوَ الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْيَتِيمَةُ هُوَ وَلِيُّهَا وَوَارِثُهَا فَأَشْرَكَتْهُ فِي مَالِهِ حَتَّى فِي الْعَذْقِ فَيَرْغَبُ أَنْ يَنْكِحَهَا وَيَكْرَهُ أَنْ يُزَوِّجَهَا رَجُلًا فَيَشْرَكُهُ فِي مَالِهِ بِمَا شَرِكَتْهُ فَيَعْضُلُهَا فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ

الشرح‏:‏

حديث عائشة في قصة الرجل يكون عنده اليتيمة فتشركه في ماله، وقد تقدم الكلام عليه في أوائل هذه السورة مستوفي، وروى ابن أبي حاتم من طريق السدي قال‏:‏ كان لجابر بنت عم دميمة ولها مال ورثته عن أبيها، وكان جابر يرغب عن نكاحها ولا ينكحها خشية أن يذهب الزوج بمالها، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فنزلت‏.‏

*3*باب وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ شِقَاقٌ تَفَاسُدٌ وَأُحْضِرَتْ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ هَوَاهُ فِي الشَّيْءِ يَحْرِصُ عَلَيْهِ كَالْمُعَلَّقَةِ لَا هِيَ أَيِّمٌ وَلَا ذَاتُ زَوْجٍ نُشُوزًا بُغْضًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا‏)‏ كذا للجميع بغير باب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ شقاق تفاسد‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏.‏

وقال غيره‏:‏ الشقاق العداوة لأن كلا من المتعاديين في شق خلاف شق صاحبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأحضرت الأنفس الشح، قال هواه في الشيء يحرص عليه‏)‏ وصله ابن أبي حاتم أيضا بهذا الإسناد عن ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كالمعلقة لا هي أيم ولا ذات زوج‏)‏ وصله ابن أبي حاتم بإسناد صحيح من طريق يزيد النحوي عن عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏فتذروها كالمعلقة‏)‏ ‏:‏ قال لا هي أيم ولا ذات زوج انتهى، والأيم بفتح الهمزة وتشديد التحتانية هي التي لا زوج لها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نشوزا بغضا‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا‏)‏ قال يعني البغض‏.‏

وقال الفراء‏:‏ النشوز يكون من قبل المرأة والرجل، وهو هنا من قبل الرجل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا قَالَتْ الرَّجُلُ تَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا فَتَقُولُ أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي ذَلِكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك قوله‏:‏ ‏(‏قالت‏:‏ الرجل تكون عنده المرأة ليس بمستكثر منها‏)‏ أي في المحبة والمعاشرة والملازمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتقول‏:‏ أجعلك من شأني في حل‏)‏ أي وتتركني من غير طلاق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنزلت في ذلك‏)‏ زاد أبو ذر عن غير المستملي ‏(‏وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا‏)‏ الآية، وعن علي ‏"‏ نزلت في المرأة تكون عند الرجل تكره مفارقته، فيصطلحان على أن يجيئها كل ثلاثة أيام أو أربعة ‏"‏ وروى الحاكم من طريق ابن المسيب عن رافع بن خديج ‏"‏ أنه كانت تحته امرأة، فتزوج عليها شابة، فآثر البكر عليها، فنازعته فطلقها ثم قال لها إن شئت راجعتك وصبرت، فقالت‏:‏ راجعني، فراجعها، ثم لم تصبر فطلقها ‏"‏ قال‏:‏ فذلك الصلح الذي بلغنا أن الله أنزل فيه هذه الآية‏.‏

وروى الترمذي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ خشيت سودة أن يطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله لا تطلقني، واجعل يومي لعائشة ففعل، ونزلت هذه الآية ‏"‏ وقال‏:‏ حسن غريب‏.‏

قلت‏:‏ وله شاهد في الصحيحين من حديث عائشة بدون ذكر نزول الآية‏.‏

*3*باب إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي اَلدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَسْفَلَ النَّارِ نَفَقًا سَرَبًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار‏)‏ كذا لأبي ذر، وسقط لغيره ‏"‏ باب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس أسفل النار‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال‏:‏ الدرك الأسفل أسفل النار‏.‏

قال العلماء‏:‏ عذاب المنافق أشد من عذاب الكافر لاستهزائه بالدين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نفقا سربا‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس به، وهذه الكلمة ليست من سورة النساء، وإنما هي من سورة الأنعام، ولعل مناسبة ذكرها هنا للإشارة إلى اشتقاق النفاق لأن النفاق إظهار غير ما يبطن، كذا وجهه الكرماني، وليس ببعيد مما قالوه في اشتقاق النفاق أنه من النافقاء وهو جحر اليربوع‏.‏

وقيل هو من النفق وهو السرب حكاه في النهاية‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ قَالَ حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنْ الْأَسْوَدِ قَالَ كُنَّا فِي حَلْقَةِ عَبْدِ اللَّهِ فَجَاءَ حُذَيْفَةُ حَتَّى قَامَ عَلَيْنَا فَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ خَيْرٍ مِنْكُمْ قَالَ الْأَسْوَدُ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي اَلدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنْ النَّارِ فَتَبَسَّمَ عَبْدُ اللَّهِ وَجَلَسَ حُذَيْفَةُ فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ فَتَفَرَّقَ أَصْحَابُهُ فَرَمَانِي بِالْحَصَا فَأَتَيْتُهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ عَجِبْتُ مِنْ ضَحِكِهِ وَقَدْ عَرَفَ مَا قُلْتُ لَقَدْ أُنْزِلَ النِّفَاقُ عَلَى قَوْمٍ كَانُوا خَيْرًا مِنْكُمْ ثُمَّ تَابُوا فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إبراهيم‏)‏ هو النخعي، والأسود خاله وهو ابن يزيد النخعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كنا في حلقة عبد الله‏)‏ يعني ابن مسعود‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجاء حذيفة‏)‏ هو ابن اليمان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد أنزل النفاق على قوم خير منكم‏)‏ أي ابتلوا به لأنهم كانوا من طبقة الصحابة فهم خير من طبقة التابعين، لكن الله ابتلاهم فارتدوا ونافقوا فذهبت الخيرية منهم، ومنهم من تاب فعادت له الخيرية، فكأن حذيفة حذر الذين خاطبهم وأشار لهم أن لا يغتروا فإن القلوب تتقلب، فحذرهم من الخروج من الإيمان لأن الأعمال بالخاتمة، وبين لهم أنهم وإن كانوا في غاية الوثوق بإيمانهم فلا ينبغي لهم أن يأمنوا مكر الله، فإن الطبقة الذين من قبلهم وهم الصحابة كانوا خيرا منهم، ومع ذلك وجد بينهم من ارتد ونافق، فالطبقة التي هي من بعدهم أمكن من الوقوع في مثل ذلك‏.‏

وقوله ‏"‏فتبسم عبد الله ‏"‏ كأنه تبسم تعجبا من صدق مقالته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فرماني‏)‏ أي حذيفة رمى الأسود يستدعيه إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عجبت من ضحكه‏)‏ أي من اقتصاره على ذلك، وقد عرف ما قلت أي فهم مرادي وعرف أنه الحق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم تابوا فتاب الله عليهم‏)‏ أي رجعوا عن النفاق‏.‏

ويستفاد من حديث حذيفة أن الكفر والإيمان والإخلاص والنفاق كل بخلق الله تعالى وتقديره وإرادته، ويستفاد من قوله تعالى ‏(‏إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله فأولئك مع المؤمنين‏)‏ صحة توبة الزنديق وقبولها على ما عليه الجمهور، فإنها مستثناة من المنافقين من قوله‏:‏ ‏(‏إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار‏)‏ وقد استدل بذلك جماعة منهم أبو بكر الرازي في أحكام القرآن، والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ إِلَى قَوْلِهِ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح - إلى قوله - ويونس وهارون وسليمان‏)‏ كذا لأبي ذر وزاد في رواية أبي الوقت ‏(‏والنبيين من بعده‏)‏ والباقي سواء لكن سقط لغير أبي ذر ‏"‏ باب‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ قَالَ حَدَّثَنِي الْأَعْمَشُ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما ينبغي لأحد‏)‏ في رواية المستملي والحموي ‏"‏ لعبد‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن يقول أنا خير من يونس‏)‏ يحتمل أن يكون المراد أن العبد القائل هو الذي لا ينبغي له أن يقول ذلك، ويحتمل أن يكون المراد بقوله ‏"‏ أنا ‏"‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم وقاله تواضعا، ودل حديث أبي هريرة ثاني حديثي الباب على أن الاحتمال الأول أولى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلَالٌ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْ يُونُسَ بْنِ مَتَّى فَقَدْ كَذَبَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد كذب‏)‏ أي إذا قال ذلك بغير توقيف، وقد تقدم شرح هذا الحديث في أحاديث الأنبياء بما أغنى عن إعادته هنا، والله المستعان‏.‏

*3*باب يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ

إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ وَهُوَ يَرِثُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا وَلَدٌ وَالْكَلَالَةُ مَنْ لَمْ يَرِثْهُ أَبٌ أَوْ ابْنٌ وَهُوَ مَصْدَرٌ مِنْ تَكَلَّلَهُ النَّسَبُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة‏)‏ ساقوا الآية إلى قوله‏:‏ ‏(‏إن لم يكن لها ولد‏)‏ وسقط ‏"‏ باب ‏"‏ لغير أبي ذر، والمراد بقوله‏:‏ ‏(‏يستفتونك‏)‏ أي عن مواريث الكلالة، وحذف لدلالة السياق عليه في قوله‏:‏ ‏(‏قل الله يفتيكم في الكلالة‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والكلالة من لم يرثه أب ولا ابن‏)‏ هو قول أبي بكر الصديق أخرجه ابن أبي شيبة عنه وجمهور العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وروى عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق عن عمرو بن شرحبيل قال‏:‏ ما رأيتهم إلا تواطئوا على ذلك وهذا إسناد صحيح، وعمرو بن شرحبيل هو أبو ميسرة وهو من كبار التابعين مشهور بكنيته أكثر من اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وهو مصدر من تكلله النسب‏)‏ أي تعطف النسب عليه، وزاد غيره‏:‏ كأنه أخذ طرفيه من جهة الولد والوالد وليس له منهما أحد، وهو قول البصريين، قالوا هو مأخوذ من الإكليل كأن الورثة أحاطوا به وليس له أب ولا ابن وقيل‏:‏ هو من كل يكل، يقال كلت الرحم إذا تباعدت وطال انتسابها‏.‏

وقيل الكلالة من سوى الولد، وزاد الداودي‏:‏ وولد الولد‏.‏

وقيل من سوى الوالد‏.‏

وقيل هم الإخوة‏.‏

وقيل من الأم‏.‏

وقال الأزهري‏:‏ سمي الميت الذي لا والد له ولا ولد كلالة، وسمي الوارث كلالة، وسمي كلالة‏.‏

وعن عطاء‏:‏ الكلالة هي المال، وقيل الفريضة، وقيل الورثة والمال، وقيل بنو العم ونحوهم، وقيل العصبات وإن بعدوا‏.‏

وقيل غير ذلك‏.‏

ولكثرة الاختلاف فيها صح عن عمر أنه قال‏:‏ لم أقل في الكلالة شيئا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ بَرَاءَةَ وَآخِرُ آيَةٍ نَزَلَتْ يَسْتَفْتُونَكَ قُلْ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة‏)‏ تقدم الكلام على الأخيرة في تفسير البقرة، وللترمذي من طريق أبي السفر عن البراء قال ‏"‏ آخر آية نزلت وآخر شيء نزل ‏"‏ فذكرها‏.‏

وفي النسائي من طريق أبي الزبير عن جابر قال ‏"‏ اشتكيت، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ يا رسول الله أوصى لأخواتي بالثلث‏؟‏ قال‏:‏ أحسن‏.‏

قلت‏:‏ بالشطر‏.‏

قال‏:‏ أحسن‏.‏

ثم خرج ثم دخل علي فقال‏:‏ لا أراك تموت من وجعك هذا، إن الله أنزل وبين ما لأخواتك وهو الثلثان ‏"‏ فكان جابر يقول‏:‏ نزلت هذه الآية في ‏(‏يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة‏)‏ ‏.‏

قلت‏:‏ وهذه قصة أخرى لجابر غير التي تقدمت في أول تفسير سورة النساء فيما يظهر لي، وقد قدمت المستند في ذلك واضحا في أوائل هذه السورة، والله أعلم‏.‏

قال الداودي‏:‏ في الآية دليل على أن الأخت ترث مع البنت، خلافا لابن عباس حيث قال‏:‏ لا ترث الأخت إلا إذا لم تكن بنت، لقوله تعالى ‏(‏إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت‏)‏ قال‏:‏ والحجة عليه في بقية الآية ‏(‏وهو يرثها إن لم يكن لها ولد‏)‏ كذا قال، وسأذكر البحث في ذلك واضحا في الفرائض

*3*سورة الْمَائِدَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏بسم الله الرحمن الرحيم - سورة المائدة‏)‏ سقطت البسملة لأبي ذر، والمائدة فاعلة بمعنى مفعولة أي ميد بها صاحبها، وقيل على بابها، وسيأتي ذكر ذلك مبينا بعد‏.‏

*3*باب حُرُمٌ

وَاحِدُهَا حَرَامٌ فَبِمَا نَقْضِهِمْ بِنَقْضِهِمْ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ جَعَلَ اللَّهُ تَبُوءُ تَحْمِلُ دَائِرَةٌ دَوْلَةٌ وَقَالَ غَيْرُهُ الْإِغْرَاءُ التَّسْلِيطُ أُجُورَهُنَّ مُهُورَهُنَّ قَالَ سُفْيَانُ مَا فِي الْقُرْآنِ آيَةٌ أَشَدُّ عَلَيَّ مِنْ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مَخْمَصَةٍ مَجَاعَةٍ مَنْ أَحْيَاهَا يَعْنِي مَنْ حَرَّمَ قَتْلَهَا إِلَّا بِحَقٍّ حَيِيَ النَّاسُ مِنْهُ جَمِيعًا شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا سَبِيلًا وَسُنَّةً الْمُهَيْمِنُ الْأَمِينُ الْقُرْآنُ أَمِينٌ عَلَى كُلِّ كِتَابٍ قَبْلَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنتم حرم واحدها حرام‏)‏ هو قول أبي عبيدة، وزاد‏:‏ حرام بمعنى محرم‏.‏

وقرأ الجمهور بضم الراء ويحيى بن وثاب بإسكانها وهي لغة كرسل ورسل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبما نقضهم ميثاقهم بنقضهم‏)‏ هو تفسير قتادة، أخرجه الطبري من طريقه، وكذا قال أبو عبيدة ‏(‏فبما نقضهم‏)‏ أي فبنقضهم قال‏:‏ والعرب تستعمل ما في كلامهم توكيدا، فإن كان الذي قبلها يجر أو يرفع أو ينصب عمل فيما بعدها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏التي كتب الله‏)‏ أي جعل الله، قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم‏)‏ أي جعل الله لكم وقضى، وعن ابن إسحاق‏:‏ كتب لكم أي وهب لكم أخرجه الطبري‏.‏

وأخرج من طريق السدي أن معناه أمر، قال الطبري‏:‏ والمراد أنه قدرها لسكنى بني إسرائيل في الجملة فلا يرد كون المخاطبين بذلك لم يسكنوها لأن المراد جنسهم بل قد سكنها بعض أولئك كيوشع وهو ممن خوطب بذلك قطعا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تبوء تحمل‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك‏)‏ أي تحمل إثمي وإثمك‏.‏

قال‏:‏ وله تفسير آخر تبوء أي تقر، وليس مرادا هنا‏.‏

وروى الطبري من طريق مجاهد قال‏:‏ إني أريد أن تبوء أن تكون عليك خطيئتك ودمي، قال‏:‏ والجمهور على أن المراد بقوله إثمي أي إثم قتلى، ويحتمل أن يكون على بابه من جهة أن القتل يمحو خطايا المقتول، وتحمل على القاتل إذا لم تكن له حسنات يوفي منها المقتول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره الإغراء التسليط‏)‏ هكذا وقع في النسخ التي وقفت عليها، ولم أعرف الغير ولا من عاد عليه الضمير لأنه لم يفصح بنقل ما تقدم عن أحد، نعم سقط ‏"‏ وقال غيره ‏"‏ من رواية النسفي، وكأنه أصوب، ويحتمل أن يكون المعنى‏:‏ وقال غير من فسر ما تقدم ذكره‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي عن الفربري بالإجازة وقال ابن عباس‏:‏ مخمصة مجاعة‏.‏

وقال غيره‏:‏ الإغراء التسليط‏.‏

وهذا أوجه‏.‏

تفسير المخمصة وقع في النسخ الأخرى بعد هذا، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وكذا فسره أبو عبيدة، والحاصل أن التقديم والتأخير في وضع هذه التفاسير وقع ممن نسخ كتاب البخاري كما قدمناه غير مرة، ولا يضر ذلك غالبا‏.‏

تفسير الإغراء بالتسليط يلازم معنى الإغراء حقيقة الإغراء كما قال أبو عبيدة التهنيج للإفساد، وقد روى ابن أبي حاتم من طريق مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏وأغرينا‏)‏ قال ألقينا، وهذا تفسير بما وقع في الآية الأخرى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أجورهن مهورهن‏)‏ هو تفسير أبي عبيدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المهيمن القرآن أمين على كل كتاب قبله‏)‏ أورد ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏ومهيمنا عليه‏)‏ قال القرآن أمين على كل كتاب كان قبله‏.‏

وروى عبد بن حميد من طريق أربدة التميمي عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏ومهيمنا عليه‏)‏ قال‏:‏ مؤتمنا عليه‏.‏

وقال ابن قتيبة وتبعه جماعة ‏(‏مهيمنا‏)‏ مفيعل من أيمن قلبت همزته هاء، وقد أنكر ذلك ثعلب فبالغ حتى نسب قائله إلى الكفر لأن المهيمن من الأسماء الحسنى وأسماء الله تعالى لا تصغر، والحق أنه أصل بنفسه ليس مبدلا من شيء، وأصل الهيمنة الحفظ والارتقاب تقول‏:‏ هيمن فلان على فلا إذا صار رقيبا عليه فهو مهيمن، قال أبو عبيدة‏.‏

لم يجيء في كلام العرب على هذا البناء إلا أربعة ألفاظ‏:‏ مبيطر ومسيطر ومهيمن ومبيقر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال سفيان‏:‏ ما في القرآن آية أشد علي من ‏(‏لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم‏)‏‏)‏ يعني أن من لم يعمل بما أنزل الله في كتابه فليس على شيء، ومقتضاه أن من أخل ببعض الفرائض فقد أخل بالجميع، ولأجل ذلك أطلق كونها أشد من غيرها، ويحتمل أن يكون هذا مما كان على أهل الكتاب من الإصر‏.‏

وقد روى ابن أبي حاتم أن الآية نزلت في سبب خاص، فأخرج بإسناد حسن من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ‏"‏ جاء مالك بن الصيف وجماعة من الأحبار فقالوا‏:‏ يا محمد ألست تزعم أنك على ملة إبراهيم، تؤمن بما في التوراة، تشهد أنها حق‏؟‏ قال‏:‏ بلى، ولكنكم كتمتم منها ما أمرتم ببيانه، فأنا أبرأ مما أحدثتموه‏.‏

قالوا‏:‏ فإنا نتمسك بما في أيدينا من الهدى والحق ولا نؤمن بك ولا بما جئت به، فأنزل الله هذه الآية‏.‏

وهذا يدل على أن المراد بما أنزل إليكم من ربكم أي القرآن‏.‏

ويؤيد هذا التفسير قوله تعالى في الآية التي قبلها ‏(‏ولو أن أهل الكتاب آمنوا واتقوا - إلى قوله - لأكلوا من فوقهم‏)‏ الآية ‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ سفيان المذكور وقع في بعض النسخ أنه الثوري، ولم يقع لي إلى الآن موصولا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أحياها يعني من حرم قتلها إلا بحق حيا الناس منه جميعا‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شرعة ومنهاجا سبيلا وسنة‏)‏ وقد تقدم في الإيمان‏.‏

وقال أبو عبيدة ‏(‏لكل جعلنا منكم شرعة‏)‏ أي سنة ‏(‏ومنهاجا‏)‏ أي سبيلا بينا واضحا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عثر ظهر الأوليان وأحدهما أولى‏)‏ أي أحق به طعامهم وذبائحهم، كذا ثبت في بعض النسخ هنا، وقد تقدم في الوصايا إلا الأخير فسيأتي في الذبائح‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله اليوم أكملت لكم دينكم‏)‏ سقط ‏"‏ باب ‏"‏ لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ مخمصة مجاعة‏)‏ كذا ثبت لغير أبي ذر هنا، وتقدم قريبا‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَتْ الْيَهُودُ لِعُمَرَ إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ آيَةً لَوْ نَزَلَتْ فِينَا لَاتَّخَذْنَاهَا عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ إِنِّي لَأَعْلَمُ حَيْثُ أُنْزِلَتْ وَأَيْنَ أُنْزِلَتْ وَأَيْنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أُنْزِلَتْ يَوْمَ عَرَفَةَ وَإِنَّا وَاللَّهِ بِعَرَفَةَ قَالَ سُفْيَانُ وَأَشُكُّ كَانَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَمْ لَا الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا عبد الرحمن‏)‏ هو ابن مهدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن قيس‏)‏ هو ابن مسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالت اليهود‏)‏ في رواية أبي العميس عن قيس في كتاب الإيمان ‏"‏ أن رجلا من اليهود ‏"‏ وقد تقدمت تسميته هناك وأنه كعب الأحبار، واحتمل أن يكون الراوي حيث أفرد السائل أراد تعيينه، وحيث جمع أراد باعتبار من كان معه على رأيه، وأطلق على كعب هذه الصفة إشارة إلى أن سؤاله عن ذلك وقع قبل إسلامه لأن إسلامه كان في خلافة عمر على المشهور، وأطلق عليه ذلك باعتبار ما مضى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني لأعلم‏)‏ وقع في هذه الرواية اختصار، وقد تقدم في الإيمان من وجه آخر عن قيس بن مسلم ‏"‏ فقال عمر أي آية إلخ‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حيث أنزلت وأين أنزلت‏)‏ في رواية أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي ‏"‏ حيث أنزلت وأي يوم أنزلت‏"‏‏.‏

وبها يظهر أن لا تكرار في قوله حيث وأين، بل أراد بإحداهما المكان وبالأخرى المكان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أنزلت يوم عرفة‏)‏ كذا لأبي ذر ولغيره ‏"‏ حين ‏"‏ بدل حيث‏.‏

وفي رواية أحمد ‏"‏ وأين رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أنزلت، أنزلت يوم عرفه ‏"‏ بتكرار ‏"‏ أنزلت ‏"‏ وهي أوضح، وكذا لمسلم عن محمد بن المثنى عن عبد الرحمن في الموضعين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإنا والله بعرفة‏)‏ كذا للجميع، وعند أحمد ‏"‏ ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة ‏"‏ وكذا لمسلم، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار وبندار شيخ البخاري فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال سفيان وأشك كان يوم الجمعة أم لا‏)‏ قد تقدم في الإيمان من وجه آخر عن قيس بن مسلم الجزم بأن ذلك كان يوم الجمعة، وسيأتي الجزم بذلك من رواية مسعر عن قيس في كتاب الاعتصام، وقد تقدم في كتاب الإيمان بيان مطابقة جواب عمر للسؤال لأنه سأله عن اتخاذه عيدا فأجاب بنزولها بعرفة يوم الجمعة، ومحصله أن في بعض الروايات ‏"‏ وكلاهما بحمد الله لنا عيد ‏"‏ قال الكرماني‏:‏ أجاب بأن النزول كان يوم عرفة، ومن المشهور أن اليوم الذي بعد عرفة هو عيد للمسلمين، فكأنه قال‏:‏ جعلناه عيدا بعد إدراكنا استحقاق ذلك اليوم للتعبد فيه، قال‏:‏ وإنما لم يجعله يوم النزول لأنه ثبت أن النزول كان بعد العصر، ولا يتحقق العيد إلا من أول النهار، ولهذا قال الفقهاء‏:‏ إن رؤية الهلال نهارا تكون لليلة المستقبلة انتهى‏.‏

والتنصيص على أن تسمية يوم عرفة يوم عيد يغني عن هذا التكلف‏.‏

فإن العيد مشتق من العود وقيل له ذلك لأنه يعود في كل عام‏.‏

وقد نقل الكرماني عن الزمخشري أن العيد هو السرور العائد وأقر ذلك، فالمعنى أن كل يوم شرع تعظيمه يسمى عيدا انتهى‏.‏

ويمكن أن يقال هو عيد لبعض الناس دون بعض وهو للحجاج خاصة ولهذا يكره لهم صومه، بخلاف غيرهم فيستحب، ويوم العيد لا يصام‏.‏

وقد تقدم في شرح هذا الحديث في كتاب الإيمان بيان من روى في حديث الباب أن الآية نزلت يوم عيد وأنه عند الترمذي من حديث ابن عباس، وأما تعليله لترك جعله عيدا بأن نزول الآية كان بعد العصر فلا يمنع أن يتخذ عيدا، ويعظم ذلك اليوم من أوله لوقوع موجب التعظيم في أثنائه، والتنظير الذي نظر به ليس بمستقيم، لأن مرجع ذلك من جهة سير الهلال، وإني لأتعجب من خفاء ذلك عليه‏.‏

وفي الحديث بيان ضعف ما أخرجه الطبري بسند فيه ابن لهيعة عن ابن عباس أن هذه الآية نزلت يوم الاثنين، وضعف ما أخرجه من طريق العوفي عن ابن عباس أن اليوم المذكور ليس بمعلوم، وعلى ما أخرجه البيهقي بسند منقطع أنها نزلت يوم التروية ورسول الله صلى الله عليه وسلم بفناء الكعبة فأمر الناس أن يروحوا إلى منى وصلى الظهر بها، قال البيهقي‏:‏ حديث عمر أولى، هو كما قال‏.‏

واستدل بهذا الحديث على مزية الوقوف بعرفة يوم الجمعة على غيره من الأيام، لأن الله تعال إنما يختار لرسوله الأفضل، وأن الأعمال تشرف بشرف الأزمنة كالأمكنة، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة مرفوعا ‏"‏ خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة ‏"‏ الحديث، ولأن في يوم الجمعة الساعة المستجاب فيها الدعاء ولا سيما على قول من قال إنها بعد العصر، وأما ما ذكره رزين في جامعه مرفوعا ‏"‏ خير يوم طلعت فيه الشمس يوم عرفة وافق يوم الجمعة، وهو أفضل من سبعين حجة من في غيرها ‏"‏ فهو حديث لا أعرف حاله لأنه لم يذكر صحابيه ولا من أخرجه بل أدرجه في حديث الموطأ الذي ذكره مرسلا عن طلحة بن عبد الله بن كريز، وليست الزيادة المذكورة في شيء من الموطآت فإن كان له أصل احتمل أن يراد بالسبعين التحديد أو المبالغة، وعلى كل منهما فثبتت المزية بذلك، والله أعلم

*3*باب قَوْلِهِ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا

تَيَمَّمُوا تَعَمَّدُوا آمِّينَ عَامِدِينَ أَمَّمْتُ وَتَيَمَّمْتُ وَاحِدٌ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَمَسْتُمْ وَ تَمَسُّوهُنَّ وَ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ وَالْإِفْضَاءُ النِّكَاحُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا‏)‏ كذا في الأصول، وزعم ابن التين وتبعه بعض الشراح المتأخرين أنه وقع هنا ‏"‏ فإن لم تجدوا ماء ‏"‏ ورد عليه بأن التلاوة ‏(‏فلم تجدوا ماء‏)‏ وهذا الذي أشار إليه إنما وقع في كتاب الطهارة، وهو في بعض الروايات دون بعض كما تقدم التنبيه عليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تيمموا تعمدوا، آمين عامدين، أممت وتيممت واحد‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏فتيمموا صعيدا‏)‏ أي فتعمدوا‏.‏

وقال في قوله تعالى ‏(‏ولا آمين البيت الحرام‏)‏ أي ولا عامدين، ويقال أممت، وبعضهم يقول تيممت، قال الشاعر‏:‏ إني كذاك إذا ما ساءني بلد يممت صدر بعيري غيره بلدا ‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قرأ الجمهور ‏(‏ولا آمين البيت‏)‏ بإثبات النون، وقرأ الأعمش بحذف النون مضافا كقوله محلى الصيد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس لمستم وتمسوهن، واللاتي دخلتم بهن، والإفصاء النكاح‏)‏ أما قوله ‏"‏ لمستم ‏"‏ فروى إسماعيل القاضي في ‏"‏ أحكام القرآن ‏"‏ من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏أو لامستم النساء‏)‏ قال‏:‏ هو الجماع‏.‏

وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن جبير بإسناد صحيح، وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن ابن عباس قال‏:‏ هو الجماع، ولكن الله يعفو ويكنى‏.‏

وأما قوله ‏"‏ تمسوهن ‏"‏ فروى ابن أبي حاتم من طريق عكرمة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏ما لم تمسوهن‏)‏ أي تنكحوهن‏.‏

وأما قوله ‏"‏ دخلتم بهن ‏"‏ فروى ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏اللاتي دخلتم بهن‏)‏ قال‏:‏ الدخول النكاح‏.‏

وأما قوله ‏"‏ والإفضاء ‏"‏ فروى ابن أبي حاتم من طريق بكر بن عبد الله المزني عن ابن عباس في قوله تعالى ‏(‏وقد أفضى بعضكم إلى بعض‏)‏ قال‏:‏ الإفضاء الجماع‏.‏

وروى عبد بن حميد من طريق عكرمة عن ابن عباس قال‏:‏ الملامسة والمباشرة والإفضاء والرفث والغشيان والجماع كله النكاح، ولكن الله يكنى‏.‏

وروى عبد الرزاق من طريق بكر المزني عن ابن عباس‏:‏ إن الله حيي كريم يكنى عما شاء، فذكر مثله‏.‏

لكن قال ‏"‏ التغشي ‏"‏ بدل الغشيان، وإسناده صحيح‏.‏

قال الإسماعيلي‏:‏ أراد بالتغشي قوله تعالى ‏(‏فلما تغشاها‏)‏ وسيأتي شيء من هذا في النكاح‏.‏

والذي يتعلق بالباب قوله ‏"‏ لمستم ‏"‏ وهي قراءة الكوفيين حمزة والكسائي والأعمش ويحيى بن وثاب، وخالفهم عاصم من الكوفيين فوافق أهل الحجاز فقرءوا ‏(‏أو لامستم‏)‏ بالألف ووافقهم أبو عمرو بن العلاء من البصريين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ حَتَّى إِذَا كُنَّا بِالْبَيْدَاءِ أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ انْقَطَعَ عِقْدٌ لِي فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْتِمَاسِهِ وَأَقَامَ النَّاسُ مَعَهُ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَأَتَى النَّاسُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالُوا أَلَا تَرَى مَا صَنَعَتْ عَائِشَةُ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِالنَّاسِ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ فَقَالَ حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالنَّاسَ وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ قَالَتْ عَائِشَةُ فَعَاتَبَنِي أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي وَلَا يَمْنَعُنِي مِنْ التَّحَرُّكِ إِلَّا مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى فَخِذِي فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ فَأَنْزَلَ اللَّهُ آيَةَ التَّيَمُّمِ فَتَيَمَّمُوا فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ فَإِذَا الْعِقْدُ تَحْتَهُ

الشرح‏:‏

ذكر المصنف حديث عائشة في سبب نزول الآية المذكورة من وجهين، وقد تقدم الكلام عليها مستوفي في كتاب‏.‏

التيمم، واستدل به على أن قيام الليل لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم، وتعقب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم صلى أول ما نزل ثم نام، وفيه نظر لأن التهجد القيام إلى الصلاة بعد هجعة، ثم يحتمل أنه هجع فلم ينتقض وضوءه لأن قلبه لا ينام، ثم قام فصلى ثم نام، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا سَقَطَتْ قِلَادَةٌ لِي بِالْبَيْدَاءِ وَنَحْنُ دَاخِلُونَ الْمَدِينَةَ فَأَنَاخَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنَزَلَ فَثَنَى رَأْسَهُ فِي حَجْرِي رَاقِدًا أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَكَزَنِي لَكْزَةً شَدِيدَةً وَقَالَ حَبَسْتِ النَّاسَ فِي قِلَادَةٍ فَبِي الْمَوْتُ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ أَوْجَعَنِي ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَيْقَظَ وَحَضَرَتْ الصُّبْحُ فَالْتُمِسَ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ فَنَزَلَتْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ الْآيَةَ فَقَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ لَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ لِلنَّاسِ فِيكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَرَكَةٌ لَهُمْ

الشرح‏:‏

ذكر المصنف حديث عائشة في سبب نزول الآية المذكورة من وجهين، وقد تقدم الكلام عليها مستوفي في كتاب‏.‏

التيمم، واستدل به على أن قيام الليل لم يكن واجبا عليه صلى الله عليه وسلم، وتعقب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وسلم صلى أول ما نزل ثم نام، وفيه نظر لأن التهجد القيام إلى الصلاة بعد هجعة، ثم يحتمل أنه هجع فلم ينتقض وضوءه لأن قلبه لا ينام، ثم قام فصلى ثم نام، والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون‏)‏ كذا للمستملي، ولغيره ‏"‏ باب فاذهب إلخ ‏"‏ وأغرب الداودي فقال‏:‏ مرادهم بقولهم ‏"‏ وربك ‏"‏ أخوه هارون لأنه كان أكبر منه سنا، وتعقبه ابن التين بأنه خلاف قول أهل التفسير كلهم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ شَهِدْتُ مِنْ الْمِقْدَادِ ح و حَدَّثَنِي حَمْدَانُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَدَّثَنَا الْأَشْجَعِيُّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ قَالَ الْمِقْدَادُ يَوْمَ بَدْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَا هُنَا قَاعِدُونَ وَلَكِنْ امْضِ وَنَحْنُ مَعَكَ فَكَأَنَّهُ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَوَاهُ وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقٍ أَنَّ الْمِقْدَادَ قَالَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وحدثني حمدان بن عمر‏)‏ هو أبو جعفر البغدادي واسمه أحمد وحمدان لقبه، وليس له في البخاري إلا هذا الموضع، وهو من صغار شيوخه وعاش بعد البخاري سنتين، وقد تقدم الكلام على الحديث في غزوة بدر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورواه وكيع عن سفيان إلخ‏)‏ يريد بذلك أن صورة سياقه أنه مرسل، بخلاف سياق الأشجعي، لكن استظهر المصنف لرواية الأشجعي الموصولة برواية إسرائيل التي ذكرها قبل‏.‏

وطريق وكيع هذه وصلها أحمد وإسحاق في مسنديهما عنه، وكذا أخرجها ابن أبي خيثمة من طريقه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع قوله ‏"‏ ورواه وكيع إلخ ‏"‏ مقدما في الباب على بقية ما فيه عند أبي ذر، مؤخرا عند الباقين، وهو أشبه بالصواب‏.‏

*3*باب إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا إِلَى قَوْلِهِ أَوْ يُنْفَوْا مِنْ الْأَرْضِ الْمُحَارَبَةُ لِلَّهِ الْكُفْرُ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا الآية‏)‏ كذا لأبي ذر وساقها غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏المحاربة لله الكفر به‏)‏ هو سعيد بن جبير والحسن، وصله ابن أبي حاتم عنهما، وفسره الجمهور هنا بالذي يقطع الطريق على الناس مسلما أو كافرا، وقيل نزلت في النفر العرنيين وقد تقدم في مكانه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ حَدَّثَنِي سَلْمَانُ أَبُو رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا خَلْفَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَذَكَرُوا وَذَكَرُوا فَقَالُوا وَقَالُوا قَدْ أَقَادَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ فَالْتَفَتَ إِلَى أَبِي قِلَابَةَ وَهْوَ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَقَالَ مَا تَقُولُ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ أَوْ قَالَ مَا تَقُولُ يَا أَبَا قِلَابَةَ قُلْتُ مَا عَلِمْتُ نَفْسًا حَلَّ قَتْلُهَا فِي الْإِسْلَامِ إِلَّا رَجُلٌ زَنَى بَعْدَ إِحْصَانٍ أَوْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ بِكَذَا وَكَذَا قُلْتُ إِيَّايَ حَدَّثَ أَنَسٌ قَالَ قَدِمَ قَوْمٌ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَلَّمُوهُ فَقَالُوا قَدْ اسْتَوْخَمْنَا هَذِهِ الْأَرْضَ فَقَالَ هَذِهِ نَعَمٌ لَنَا تَخْرُجُ فَاخْرُجُوا فِيهَا فَاشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَخَرَجُوا فِيهَا فَشَرِبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا وَاسْتَصَحُّوا وَمَالُوا عَلَى الرَّاعِي فَقَتَلُوهُ وَاطَّرَدُوا النَّعَمَ فَمَا يُسْتَبْطَأُ مِنْ هَؤُلَاءِ قَتَلُوا النَّفْسَ وَحَارَبُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَخَوَّفُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ فَقُلْتُ تَتَّهِمُنِي قَالَ حَدَّثَنَا بِهَذَا أَنَسٌ قَالَ وَقَالَ يَا أَهْلَ كَذَا إِنَّكُمْ لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا أُبْقِيَ هَذَا فِيكُمْ أَوْ مِثْلُ هَذَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن عبد الله‏)‏ هو ابن المديني، ومحمد بن عبد الله الأنصاري هو من كبار شيوخ البخاري وربما حدث عنه بواسطة كهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني سلمان‏)‏ كذا للأكثر بالسكون‏.‏

وفي رواية الكشميهني بالتصغير، وكذا ذكر أبو علي الجياني أنه وقع رواية القابسي عن أبي زيد المروزي قال‏:‏ والأول هو الصواب، وقوله ‏"‏هذه نعم لنا ‏"‏ مغاير لقوله في الطريق المتقدمة ‏"‏ اخرجوا إلى إبل الصدقة ‏"‏ ويجمع بأن في قوله ‏"‏ لنا ‏"‏ تجوزا سوغه أنه كان يحكم عليها، أو كانت له نعم ترعى مع إبل الصدقة، وفي سياق بعض طرقه ما يؤيد هذا الأخير حيث قال فيه ‏"‏ هذه نعم لنا تخرج فاخرجوا فيها ‏"‏ وكأن نعمه في ذلك الوقت كان يريد إرسالها إلى الموضع الذي ترعى فيه إبل الصدقة فخرجوا صحبة النعم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فذكروا وذكروا‏)‏ أي القسامة، وسيأتي ذلك واضحا في كتاب الديات مع بقية شرح الحديث، وقوله ‏"‏واستصحوا ‏"‏ بفتح الصاد المهملة وتشديد الحاء أي حصلت لهم الصحة، وقوله ‏"‏واطردوا ‏"‏ بتشديد الطاء أي أخرجوها طردا أي سوقا، وقوله ‏"‏فما يستبطأ ‏"‏ بضم أوله استفعال من البطء، وفي الرواية الأخرى بالقاف بدل الطاء، وقوله ‏"‏حدثنا أنس بكذا وكذا ‏"‏ أي بحديث العرنين، وقوله ‏"‏وقال يا أهل كذا ‏"‏ في الرواية الآتية عن ابن عون المنبه عليها في الديات ‏"‏ يا أهل الشام‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أبقى مثل هذا فيكم‏)‏ كذا للأكثر بضم الهمزة من ‏"‏ أبقى ‏"‏ وفي رواية الكشميهني ‏"‏ ما أبقى الله مثل هذا ‏"‏ فأبرز الفاعل

*3*باب قَوْلِهِ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله والجروح قصاص‏)‏ كذا للمستملي، ولغيره ‏"‏ باب والجروح قصاص‏"‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَسَرَتْ الرُّبَيِّعُ وَهْيَ عَمَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ فَطَلَبَ الْقَوْمُ الْقِصَاصَ فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ لَا وَاللَّهِ لَا تُكْسَرُ سِنُّهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا أَنَسُ كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الْأَرْشَ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ

الشرح‏:‏

وأورد فيه حديث أنس ‏"‏ أن الربيع ‏"‏ أي بالتشديد عمته ‏"‏ كسرت ثنية جارية ‏"‏ وسيأتي شرحه مستوفي في الديات‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الفزاري المذكور في هذا الإسناد هو مروان بن معاوية، ووهم من زعم أنه أبو إسحاق ‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ الفزاري المذكور في هذا الإسناد هو مروان بن معاوية، ووهم من زعم أنه أبو إسحاق

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَتَمَ شَيْئًا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَقَدْ كَذَبَ وَاللَّهُ يَقُولُ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْآيَةَ

الشرح‏:‏

حديث عائشة ‏"‏ من حدثك أن محمدا كتم شيئا مما أنزل الله عليه فقد كذب ‏"‏ وسيأتي بتمامه مع كمال شرحه في كتاب التوحيد إن شاء الله تعالى

*3*باب قَوْلِهِ لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم‏)‏ سقط ‏"‏ باب ‏"‏ قوله ‏"‏ لغير أبي ذر، وفسرت عائشة لغو اليمين بما يجري على لسان المكلف من غير قصد، وقيل هو الحلف على غلبة الظن، وقيل في الغضب، وقيل في المعصية، وفيه خلاف آخر سيأتي بيانه في الأيمان، والنذور إن شاء الله تعالى‏.‏

وقولها ‏"‏ لا والله وبلى والله ‏"‏ أي كل واحد منهما إذا قالها لغو، فلو أن رجلا قال الكلمتين معا فالأولى لغو والثانية منعقدة لأنها استدراك مقصودة، قاله الماوردي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَلَمَةَ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ سُعَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أُنْزِلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ فِي قَوْلِ الرَّجُلِ لَا وَاللَّهِ وَبَلَى وَاللَّهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا علي بن عبد الله‏)‏ كذا لأبي ذر عن الكشميهني والحموي، وله عن المستملي ‏"‏ حدثنا علي بن سلمة ‏"‏ وهي رواية الباقين إلا النسفي فقال ‏"‏ حدثنا علي ‏"‏ فلم ينسبه‏.‏

وعلي بن سلمة هذا يقال له اللبقي بفتح اللام والموحدة الخفيفة بعدها قاف خفيفة وهو ثقة من صغار شيوخ البخاري، ولم يقع له عنده ذكر إلا في هذا الموضع وقد نبهت على موضع آخر في الشفعة، ويأتي آخر في الدعوات‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا مالك بن سعير‏)‏ بمهملتين مصغر، ضعفه أبو داود‏.‏

وقال أبو حاتم وأبو زرعة والدار قطني‏:‏ صدوق وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الدعوات، وأبوه هو ابن الخمس بكسر الخاء المعجمة وسكون الميم وآخره مهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في قول الرجل لا والله وبلى والله‏)‏ وسيأتي البحث فيه في الأيمان والنذور، وكذلك الحديث الذي بعده وقوله ‏"‏ كان أبو بكر إلخ ‏"‏ أخرجه ابن حبان من طريق محمد بن عبد الرحمن الطفاوي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حلف على يمين لم يحنث إلخ ‏"‏ والمحفوظ ما وقع في الصحيحين أن ذلك فعل أبي بكر وقوله، والله أعلم‏.‏

وحكى ابن التين عن الداودي أن الحديث الثاني يفسر الأول، تعقبه‏.‏

والحق أن الأول في تفسير لغو اليمين، والثاني في تفسير عقد اليمين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ ابْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا النَّضْرُ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أَبَاهَا كَانَ لَا يَحْنَثُ فِي يَمِينٍ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَا أَرَى يَمِينًا أُرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا قَبِلْتُ رُخْصَةَ اللَّهِ وَفَعَلْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو بكر لا أرى يمينا أرى غيرها خيرا منها‏)‏ بفتح الهمزة في الموضعين من الرؤية بمعنى الاعتقاد، وفي الثاني بالضم بمعنى الظن، وقد أخرجه في أول الإيمان والنذور من رواية عبد الله بن المبارك عن هشام بلفظ ‏"‏ لا أحلف على يمين فرأيت غيرها خيرا منها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا قبلت رخصة الله‏)‏ أي في كفارة اليمين‏.‏

وفي رواية ابن المبارك ‏"‏ إلا أتيت الذي هو خير منه‏"‏

*3*باب قَوْلِهِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم‏)‏ سقط ‏"‏ باب قوله ‏"‏ لغير أبي ذر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَيْسَ مَعَنَا نِسَاءٌ فَقُلْنَا أَلَا نَخْتَصِي فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ فَرَخَّصَ لَنَا بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ نَتَزَوَّجَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ ثُمَّ قَرَأَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏خالد‏)‏ هو ابن عبد الله الطحان، وإسماعيل هو ابن أبي خالد، وقيس هو ابن أبي حازم، وعبد الله هو ابن مسعود‏.‏

وسيأتي شرح الحديث في كتاب النكاح وفي الترمذي محسنا من حديث ابن عباس ‏"‏ أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ يا رسول الله إذا أكلت من هذا اللحم انتشرت، وإني حرمت علي اللحم فنزلت ‏"‏ وروى ابن أبي حاتم من وجه آخر عن ابن عباس أنها نزلت في ناس قالوا ‏"‏ نترك شهوات الدنيا ونسيح في الأرض ‏"‏ الحديث‏.‏

وسيأتي ما يتعلق به أيضا في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْأَزْلَامُ الْقِدَاحُ يَقْتَسِمُونَ بِهَا فِي الْأُمُورِ وَالنُّصُبُ أَنْصَابٌ يَذْبَحُونَ عَلَيْهَا وَقَالَ غَيْرُهُ الزَّلَمُ الْقِدْحُ لَا رِيشَ لَهُ وَهُوَ وَاحِدُ الْأَزْلَامِ وَالِاسْتِقْسَامُ أَنْ يُجِيلَ الْقِدَاحَ فَإِنْ نَهَتْهُ انْتَهَى وَإِنْ أَمَرَتْهُ فَعَلَ مَا تَأْمُرُهُ بِهِ يُجِيلُ يُدِيرُ وَقَدْ أَعْلَمُوا الْقِدَاحَ أَعْلَامًا بِضُرُوبٍ يَسْتَقْسِمُونَ بِهَا وَفَعَلْتُ مِنْهُ قَسَمْتُ وَالْقُسُومُ الْمَصْدَرُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله إنما الخمر والميسر - ساق إلى - من عمل الشيطان‏)‏ وسقط ‏"‏ باب قوله ‏"‏ لغير أبي ذر، ووقع بينهم في سياق ما قبل الحديث المرفوع تقديم وتأخير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ الأزلام القداح يقتسمون بها في الأمور‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس مثله، وقد تقدم في حديث الهجرة قول سراقة بن مالك لما تتبع النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر قال ‏"‏ استقمت بالأزلام هل أضرهم أم لا‏؟‏ فخرج الذي أكره‏.‏

وقال ابن جرير‏:‏ كانوا في الجاهلية يعمدون إلى ثلاثة سهام على أحدها مكتوب ‏"‏ افعل ‏"‏ وعلى الثاني ‏"‏ لا تفعل ‏"‏ والثالث غفل‏.‏

وقال الفراء‏:‏ كان على الواحد ‏"‏ أمرني ربي ‏"‏ وعلى الثاني ‏"‏ نهاني ربي ‏"‏ وعلى الثالث غفل‏.‏

فإذا أراد أحدهم الأمر أخرج واحد فإن طلع الآمر فعل، أو الناهي ترك، أو الغفل أعاد‏.‏

وذكر ابن إسحاق أن أعظم أصنام قريش كان هبل وكان في جوف الكعبة، وكانت الأزلام عنده، يتحاكمون عنده فيما أشكل عليهم، فما خرج منها رجعوا إليه‏.‏

قلت‏:‏ وهذا لا يدفع أن يكون آحادهم يستعملونها منفردين كما في قصة سراقة‏.‏

وروى الطبري من طريق سعيد بن جبير قال‏:‏ الأزلام حصى بيض‏.‏

ومن طريق مجاهد قال‏:‏ حجارة مكتوب عليها‏.‏

وعنه كانوا يضربون بها لكل سفر وغزو وتجارة، وهذا محمول على غير التي كانت في الكعبة‏.‏

والذي تحصل من كلام أهل النقل أن الأزلام كانت عندهم على ثلاثة أنحاء‏:‏ أحدها لكل أحد، وهي ثلاثة كما تقدم‏.‏

وثانيها للأحكام، وهي التي عند الكعبة، وكان عند كل كاهن وحاكم للعرب مثل ذلك، وكانت سبعة مكتوب عليها‏:‏ فواحد عليه ‏"‏ منكم ‏"‏ وآخر ‏"‏ ملصق ‏"‏ وآخر ‏"‏ فيه العقول والديات ‏"‏ إلى غير ذلك من الأمور التي يكثر وقوعها‏.‏

وثالثها قداح الميسر وهي عشرة‏:‏ سبعة مخططة وثلاثة غفل، وكانوا يضربون بها مقامرة، وفي معناها كل ما يتقامر به كالنرد والكعاب وغيرها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والنصب أنصاب يذبحون عليها‏)‏ وصله ابن أبي حاتم أيضا من طريق عطاء عن ابن عباس‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ النصب واحد الأنصاب‏.‏

وفال ابن قتيبة‏:‏ هي حجارة كانوا ينصبونها ويذبحون عندها فينصب عليها دماء الذبائح‏.‏

والأنصاب أيضا جمع نصب بفتح أوله ثم سكون وهي الأصنام‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ الزلم القدح لا ريش له وهو واحد الأزلام‏)‏ قال أبو عبيدة‏:‏ واحد الأزلام زلم بفتحتين، وزلم بضم أوله وفتح ثانيه لغتان وهو القدح أي بكسر القاف وسكون الدال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والاستقسام أن يجيل القداح فإن نهته انتهى وإن أمرته فعل ما تأمره‏)‏ قال أبو عبيدة‏:‏ الاستقسام من قسمت أمري بأن أجيل القداح لتقسم لي أمري أأسافر أم أقيم وأغزو أم لا أغزو أو نحو ذلك فتكون هي التي تأمرني وتنهاني، ولكل ذلك قدح معروف، قال الشاعر‏:‏ ‏"‏ ولم أقسم فتحسبني القسوم ‏"‏ والحاصل أن الاستقسام استفعال من القسم بكسر القاف أي استدعاء ظهور القسم، كما أن الاستسقاء طلب وقوع السقي، قال الفراء‏:‏ الأزلام سهام كانت في الكعبة يقسمون بها في أمورهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يحيل يدير‏)‏ ثبت هذا لأبي ذر وحده وهو شرح لقوله يحيل القدح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقد أعملوا القدح أعلاما بضروب يستقسمون بها‏)‏ بين ذلك ابن إسحاق كما تقدم قريبا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وفعلت منه قسمت، والقسوم المصدر‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏وأن تستقسموا بالأزلام‏)‏ هو استفعلت من قسمت أمري‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَإِنَّ فِي الْمَدِينَةِ يَوْمَئِذٍ لَخَمْسَةَ أَشْرِبَةٍ مَا فِيهَا شَرَابُ الْعِنَبِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا إسحاق بن إبراهيم‏)‏ هو ابن راهويه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نزل تحريم الخمر وإن في المدينة يومئذ لخمسة أشربة، ما فيها شراب العنب‏)‏ يريد بذلك أن الخمر لا يختص بماء العنب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ قَالَ قَالَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا كَانَ لَنَا خَمْرٌ غَيْرُ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الْفَضِيخَ فَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ وَفُلَانًا وَفُلَانًا إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ وَهَلْ بَلَغَكُمْ الْخَبَرُ فَقَالُوا وَمَا ذَاكَ قَالَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ قَالُوا أَهْرِقْ هَذِهِ الْقِلَالَ يَا أَنَسُ قَالَ فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلَا رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ

الشرح‏:‏

أيد ذلك بقول أنس‏:‏ ما كان لنا خمر غير فضيخكم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ قَالَ صَبَّحَ أُنَاسٌ غَدَاةَ أُحُدٍ الْخَمْرَ فَقُتِلُوا مِنْ يَوْمِهِمْ جَمِيعًا شُهَدَاءَ وَذَلِكَ قَبْلَ تَحْرِيمِهَا

الشرح‏:‏

ذكر حديث جابر في الذين صبحوا الخمر ثم قتلوا بأحد وذلك قبل تحريمها، ويستفاد منه أنها كانت مباحة قبل التحريم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ أَخْبَرَنَا عِيسَى وَابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَمِعْتُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَمَّا بَعْدُ أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهْيَ مِنْ خَمْسَةٍ مِنْ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ

الشرح‏:‏

ذكر حديث عمر أنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة وذكر منها العنب، وظاهره يعارض حديث ابن عمر المذكور أول الباب، وسنذكر وجه الجمع بينهما في كتاب الأشربة مع شرح أحاديث الباب إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله في هذه الرواية ‏"‏ أهريقت ‏"‏ أنكره ابن التين وقال‏:‏ الصواب ‏"‏ هريقت ‏"‏ بالهاء بدل الهمزة ولا يجمع بينهما، وأثبت غيره من أئمة اللغة ما أنكره‏.‏

وقد أخرج أحمد ومسلم في سبب نزول هذه الآية عن سعد بن أبي وقاص قال ‏"‏ صنع رجل من الأنصار طعاما فدعانا فشربنا الخمر قبل أن تحرم حتى سكرنا، فتفاخرنا، إلى أن قال‏:‏ فنزلت إنما الخمر والميسر - إلى قوله - فهل أنتم منتهون‏"‏‏.‏

*3*باب لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِلَى قَوْلِهِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا الآية‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ إلى قوله والله يحب المحسنين ‏"‏ وذكر في حديث أنس ‏"‏ أن الخمر التي هريقت الفضيخ ‏"‏ وسيأتي شرحه الأشربة‏.‏

وقوله ‏"‏وزادني محمد البيكندي عن أبي النعمان ‏"‏ كذا ثبت لأبي ذر وسقط لغيره البيكندي، ومراده أن البيكندي سمعه من شيخهما أبي النعمان بالإسناد المذكور فزاده فيه زيادة‏.‏

والحاصل أن البخاري سمع الحديث من أبي النعمان مختصرا ومن محمد بن سلام البيكندي عن أبي النعمان مطولا، وتصرف الزركشي فيه غافلا عن زيادة أبي ذر فقال‏:‏ القائل ‏"‏ وزادني ‏"‏ هو الفربري، ومحمد هو البخاري‏.‏

وليس كما ظن رحمه الله وإنما هو كما قدمته‏.‏

قوله ‏"‏فنزلت تحريم الخمر فأمر مناديا ‏"‏ الآمر بذلك هو النبي صلى الله عليه وسلم، والمنادي لم أر التصريح باسمه، والوقت الذي وقع ذلك فيه زعم الواحدي أنه عقب قول حمزة ‏"‏ إنما أنتم عبيد لأبي ‏"‏ وحديث جابر يرد عليه‏.‏

والذي يظهر أن تحريمها كان عام الفتح سنة ثمان، لما روى أحمد من طريق عبد الرحمن بن وعلة قال ‏"‏ سألت ابن عباس عن بيع الخمر فقال ‏"‏ كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صديق من ثقيف أو دوس فلقيه يوم الفتح براوية خمر يهديها إليه، فقال‏:‏ يا فلان أما علمت أن الله حرمها‏؟‏ فأقبل الرجل على غلامه فقال‏:‏ بعها‏.‏

فقال‏:‏ إن الذي حرم شربها حرم بيعها‏"‏‏.‏

وأخرجه مسلم من وجه آخر عن أبي وعلة نحوه، ولكن ليس فيه تعيين الوقت‏.‏

وروى أحمد من طريق نافع بن كيسان الثقفي عن أبيه ‏"‏ أنه كان يتجر في الخمر، وأنه أقبل من الشام فقال‏:‏ يا رسول الله إني جئتك بشراب جيد، فقال‏:‏ يا كيسان إنها حرمت بعدك، قال‏:‏ فأبيعها‏؟‏ قال، إنها حرمت وحرم ثمنها ‏"‏ وروى أحمد وأبو يعلى من حديث تميم الداري أنه كان يهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كل عام رواية خمر، فلما كان عام حرمت جاء براوية فقال‏:‏ أشعرت أنها قد حرمت بعدك‏؟‏ قال‏:‏ أفلا أبيعها وأنتفع بثمنها‏؟‏ فنهاه‏.‏

ويستفاد من حديث كيسان تسمية المبهم في حديث ابن عباس، ومن حديث تميم تأييد الوقت المذكور فإن إسلام تميم كان بعد الفتح، وقوله ‏"‏فقال بعض القوم قتل قوم وهي في بطونهم، فأنزل الله تعالى إلخ ‏"‏ لم أقف على اسم القائل‏.‏

‏(‏فائدة‏)‏ ‏:‏ في رواية الإسماعيلي عن ابن ناجية عن أحمد بن عبيدة ومحمد بن موسى عن حماد في آخر هذا الحديث ‏"‏ قال حماد فلا أدري هذا في الحديث - أي عن أنس - أو قاله ثابت ‏"‏ أي مرسلا يعني قوله ‏"‏ فقال بعض القوم ‏"‏ إلى آخر الحديث‏.‏

وكذا عند مسلم عن أبي الربيع الزهراني عن حماد نحو هذا‏.‏

وتقدم للمصنف في المظالم عن أنس بطوله من طريق عفان عن حماد كما وقع عنده في هذا الباب فالله أعلم‏.‏

وأخرجه ابن مردويه من طريق قتادة عن أنس بطوله وفيه الزيادة المذكورة‏.‏

وروى النسائي والبيهقي من طريق ابن عباس قال ‏"‏ نزل تحريم الخمر في ناس شربوا، فلما ثملوا وعبثوا، فلما صحوا جعل بعضهم يرى الأثر بوجه الآخر فنزلت، فقال ناس من المكلفين هي رجس وهي في بطن فلان وقد قتل بأحد، فزلت ‏(‏ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح‏)‏ إلى آخرها‏.‏

وروى البزار من حديث جابر أن الذين قالوا ذلك كانوا من اليهود، وروى أصحاب السنن من طريق أبي ميسرة عن عمر أنه قال‏:‏ اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا فنزلت الآية التي في البقرة ‏(‏قل فيهما إثم كبير‏)‏ فقرئت عليه، فقال‏:‏ اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت التي في النساء ‏(‏لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى‏)‏ فقرئت عليه، فقال‏:‏ اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا، فنزلت التي في المائدة ‏(‏فاجتنبوه - إلى قوله - منتهون‏)‏ فقال عمر‏:‏ انتهينا انتهينا ‏"‏ وصححه علي بن المديني والترمذي‏.‏

وأخرج أحمد من حديث أبي هريرة نحوه دون قصة عمر، لكن قال عند نزول آية البقرة ‏"‏ فقال الناس‏:‏ ما حرم علينا، فكانوا يشربون، حتى أم رجل أصحابه في المغرب فخلط في قراءته فنزلت الآية التي في النساء، فكانوا يشربون ولا يقرب الرجل الصلاة حتى يفيق، ثم نزلت آية المائدة فقالوا‏:‏ يا رسول الله ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فرشهم وكانوا يشربونها، فأنزل الله تعالى ‏(‏ليس على الذين أمنوا وعملوا الصالحات جناح‏)‏ الآية‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ لو حرم عليهم لتركوه كما تركتموه ‏"‏ وفي مسند الطيالسي من حديث ابن عمر نحوه‏.‏

وقال ‏"‏في الآية الأولى قيل حرمت الخمر، فقالوا دعنا يا رسول الله ننتفع بها، وفي الثانية فقيل حرمت الخمر، فقالوا لا أنا لا نشربها قرب الصلاة‏.‏

وقال في الثالثة فقالوا يا رسول الله حرمت الخمر ‏"‏ قال ابن التين وغيره‏:‏ في حديث أنس وجوب قبول خبر الواحد والعمل به في النسخ وغيره، وفيه عدم مشروعية تخليل الخمر، لأنه لو جاز لما أراقوها، وسيأتي مزيد لذلك في الأشربة إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ في رواية عبد العزيز بن صهيب ‏"‏ أن رجلا أخبرهم أن الخمر حرمت فقالوا‏:‏ أرق يا أنس ‏"‏ وفي رواية ثابت عن أنس ‏"‏ أنهم سمعوا المنادي فقال أبو طلحة‏:‏ أخرج يا أنس فانظر ما هذا الصوت ‏"‏ وظاهرهما التعارض لأن الأول يشعر بأن المنادي بذلك شافههم، والثاني يشعر بأن الذي نقل لهم ذلك غير أنس، فنقل ابن التين عن الداودي أنه قال لا اختلاف بين الروايتين، لأن الآتي أخبر أنسا وأنس أخبر القوم‏.‏

وتعقبه ابن التين بأن نص الرواية الأولى أن الآتي أخبر القوم مشافهة بذلك‏.‏

قلت‏:‏ فيمكن الجمع بوجه آخر، وهو أن المنادي غير الذي أخبرهم، أو أن أنسا لما أخبرهم عن المنادي جاء المنادي أيضا في أثره فشافههم‏.‏