فصل: باب كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*بَاب الْمُزَارَعَةِ مَعَ الْيَهُودِ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَى خَيْبَرَ الْيَهُودَ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا خَرَجَ مِنْهَا

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر المذكور قبل بباب، وعبد الله المذكور في الإسناد هو ابن المبارك، وعبيد الله بالتصغير هو ابن عمر العمري وقد تقدم ما فيه، وأراد بهذا الإشارة إلى أنه لا فرق في جواز هذه المعاملة ببن المسلمين وأهل الذمة‏.‏

*3*باب مَا يُكْرَهُ مِنْ الشُّرُوطِ فِي الْمُزَارَعَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من الشروط في المزارعة‏)‏ أورد فيه حديث رافع بن خديج، وسيأتي البحث فيه بعد خمسة أبواب، وأشار بهذه الترجمة إلى حمل النهي في حديث رافع على ما إذا تضمن العقد شرطا فيه جهالة أو يؤدي إلى غرر، وقوله فيه ‏"‏ حقلا ‏"‏ هو بفتح المهملة وسكون القاف، وأصل الحقل القراح الطيب، وقيل الزوع إذا تشعب ورقه من قبل أن يغلظ سوقه، ثم أطلق على الزرع، واشتق منه المحاقلة فأطلقت على المزارعة‏.‏

وقوله ‏"‏ذه ‏"‏ بكسر المعجمة وسكون الهاء إشارة إلى القطعة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ يَحْيَى سَمِعَ حَنْظَلَةَ الزُّرَقِيَّ عَنْ رَافِعٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كُنَّا أَكْثَرَ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَقْلًا وَكَانَ أَحَدُنَا يُكْرِي أَرْضَهُ فَيَقُولُ هَذِهِ الْقِطْعَةُ لِي وَهَذِهِ لَكَ فَرُبَّمَا أَخْرَجَتْ ذِهِ وَلَمْ تُخْرِجْ ذِهِ فَنَهَاهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما يكره من الشروط في المزارعة‏)‏ أورد فيه حديث رافع بن خديج، وسيأتي البحث فيه بعد خمسة أبواب، وأشار بهذه الترجمة إلى حمل النهي في حديث رافع على ما إذا تضمن العقد شرطا فيه جهالة أو يؤدي إلى غرر، وقوله فيه ‏"‏ حقلا ‏"‏ هو بفتح المهملة وسكون القاف، وأصل الحقل القراح الطيب، وقيل الزوع إذا تشعب ورقه من قبل أن يغلظ سوقه، ثم أطلق على الزرع، واشتق منه المحاقلة فأطلقت على المزارعة‏.‏

وقوله ‏"‏ذه ‏"‏ بكسر المعجمة وسكون الهاء إشارة إلى القطعة‏.‏

*3*باب إِذَا زَرَعَ بِمَالِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ وَكَانَ فِي ذَلِكَ صَلَاحٌ لَهُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا زرع بمال قوم بغير إذنهم، وكان في ذلك صلاح لهم‏)‏ أي لمن يكون الزرع‏؟‏ أورد فيه حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار، وسيأتي القول في شرحه في أحاديث الأنبياء، والمقصود منه هنا قول أحد الثلاثة ‏"‏ فعرضت عليه - أي على الأجير - حقه فرغب عنه، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا ورعاتها ‏"‏ فإن الظاهر أنه عين له أجرته فلما تركها بعد أن تعينت له ثم تصرف فيها المستأجر بعينها صارت من ضمانه، قال ابن المنير‏:‏ مطابقة الترجمة أنه قد عين له حقه ومكنه منه فبرئت ذمته بذلك فلما تركه وضع المستأجر يده عليه وضعا مستأنفا ثم تصرف فيه بطريق الإصلاح لا بطريق التضييع فاغتفر ذلك ولم يعد تعديا‏.‏

ولذلك توسل به إلى الله عز وجل وجعله من أفضل أعماله، وأقر على ذلك ووقعت له الإجابة، ومع ذلك فلو هلك الفرق لكان ضامنا له إذ لم يؤذن له في التصرف فيه، فمقصود الترجمة إنما هو خلاص الزارع من المعصية بهذا القصد، ولا يلزم من ذلك رفع الضمان‏.‏

ويحتمل أن يقال‏:‏‏:‏ إن توسله بذلك إنما كان لكونه أعطى الحق الذي عليه مضاعفا لا بتصرفه، كما أن الجلوس بين رجلي المرأة معصية، لكن التوسل لم يكن إلا بترك الزنا والمسامحة بالمال ونحوه، وقد تقدم شيء عن هذا في أواخر البيوع في ترجمة من اشترى شيئا لغيره بغير إذنه فرضي‏.‏

وقوله في هذه الرواية ‏"‏ فرق أرز ‏"‏ تقدم في البيوع بلفظ ‏"‏ فرق من ذرة ‏"‏ فيجمع بينهما بأن الفرق كان من الصنفين وأنهما لما كانا حبين متقاربين أطلق أحدهما على الأخر والأول أقرب، وقوله‏:‏ ‏"‏ فأبت حتى آتيها بمائة دينار ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فأبت علي‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ بَيْنَمَا ثَلَاثَةُ نَفَرٍ يَمْشُونَ أَخَذَهُمْ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِي جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنْ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْظُرُوا أَعْمَالًا عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ بِهَا لَعَلَّهُ يُفَرِّجُهَا عَنْكُمْ قَالَ أَحَدُهُمْ اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَلِي صِبْيَةٌ صِغَارٌ كُنْتُ أَرْعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا رُحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ أَسْقِيهِمَا قَبْلَ بَنِيَّ وَإِنِّي اسْتَأْخَرْتُ ذَاتَ يَوْمٍ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِيَ الصِّبْيَةَ وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا فَرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ فَفَرَجَ اللَّهُ فَرَأَوْا السَّمَاءَ وَقَالَ الْآخَرُ اللَّهُمَّ إِنَّهَا كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ أَحْبَبْتُهَا كَأَشَدِّ مَا يُحِبُّ الرِّجَالُ النِّسَاءَ فَطَلَبْتُ مِنْهَا فَأَبَتْ عَلَيَّ حَتَّى أَتَيْتُهَا بِمِائَةِ دِينَارٍ فَبَغَيْتُ حَتَّى جَمَعْتُهَا فَلَمَّا وَقَعْتُ بَيْنَ رِجْلَيْهَا قَالَتْ يَا عَبْدَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَفْتَحْ الْخَاتَمَ إِلَّا بِحَقِّهِ فَقُمْتُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُهُ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا فَرْجَةً فَفَرَجَ وَقَالَ الثَّالِثُ اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أَجِيرًا بِفَرَقِ أَرُزٍّ فَلَمَّا قَضَى عَمَلَهُ قَالَ أَعْطِنِي حَقِّي فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ فَرَغِبَ عَنْهُ فَلَمْ أَزَلْ أَزْرَعُهُ حَتَّى جَمَعْتُ مِنْهُ بَقَرًا وَرَاعِيَهَا فَجَاءَنِي فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ فَقُلْتُ اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الْبَقَرِ وَرُعَاتِهَا فَخُذْ فَقَالَ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تَسْتَهْزِئْ بِي فَقُلْتُ إِنِّي لَا أَسْتَهْزِئُ بِكَ فَخُذْ فَأَخَذَهُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ مَا بَقِيَ فَفَرَجَ اللَّهُ قَالَ أَبُو عَبْد اللَّهِ وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ فَسَعَيْتُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبغيت‏)‏ بالموحدة ثم المعجمة أي طلبت، وأكثر ما يستعمل في الشر‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏فوجدتهما ناما‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ نائمين‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ ورعاتها ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ وراعيها ‏"‏ على الإفراد‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في كلام الأول ‏"‏ اللهم إنه ‏"‏ والثاني ‏"‏ اللهم إنها ‏"‏ والثالث ‏"‏ إني ‏"‏ وهو من التفنن، والهاء في الأول ضمير الشان وفي الثاني للقصة، وناسب ذلك أن القصة في امرأة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة عن نافع فسعيت‏)‏ يعني أن إسماعيل المذكور رواه عن نافع كما رواه عمه موسى بن عقبة، إلا أنه خالفه في هذه اللفظة وهي قوله‏:‏ ‏"‏ فبغيت ‏"‏ فقالها‏:‏ ‏"‏ فسعيت ‏"‏ بالسين والعين المهملتين وهذا التعليق عن إسماعيل هذا وصله المؤلف في كتاب الأدب في ‏"‏ باب إجابة دعاء من بر والديه ‏"‏ وفيه هذه اللفظة قال الجياني‏:‏ وقع في رواية لأبي ذر ‏"‏ وقال إسماعيل عن ابن عقبة ‏"‏ وهو وهم والصواب إسماعيل بن عقبة وهو ابن إبراهيم بن عقبة ابن أخي موسى‏.‏

*3*باب أَوْقَافِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْضِ الْخَرَاجِ وَمُزَارَعَتِهِمْ وَمُعَامَلَتِهِمْ

وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ تَصَدَّقْ بِأَصْلِهِ لَا يُبَاعُ وَلَكِنْ يُنْفَقُ ثَمَرُهُ فَتَصَدَّقَ بِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب أوقاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وأرض الخراج ومزارعتهم ومعاملتهم‏)‏ ذكر فيه طرفا من حديث عمر في وقف أرض خيبر، وذكر قول عمر‏:‏ لولا آخر المسلمين ما فتحت قرية إلا قسمتها‏.‏

وأخذ المصنف صدر الترجمة من الحديث الأول ظاهر، ويؤخذ أيضا من الحديث الثاني لأن بقية الكلام محذوف تقديره‏:‏ لكن النظر لآخر المسلمين يقتضي أن لا أقسمها بل أجعلها وقفا على المسلمين‏.‏

وقد صنع ذلك عمر في أرض السواد‏.‏

وأما قوله‏:‏ ‏"‏ وأرض الخراج الخ ‏"‏ فيؤخذ من الحديث الثاني، فإن عمر لما وقف السواد ضرب على من به من أهل الذمة الخراج فزارعهم وعاملهم، فبهذا يظهر مراده من هذه الترجمة ودخولها في أبواب المزارعة‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ معنى هذه الترجمة أن الصحابة كانوا يزارعون أوقاف النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته على ما كان عامل عليه يهود خيبر‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر الخ ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ ذكر الداودي أن هذا اللفظ غير محفوظ، وإنما أمره أن يتصدق بثمره ويوقف أصله‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الذي رده هو معني ما ذكره البخاري، وقد وصل البخاري اللفظ الذي علقه هنا في كتاب الوصايا من طريق صخر بن جويرية عن نافع عن ابن عمر قال ‏"‏ تصدق عمر بمال له ‏"‏ فذكر الحديث وفيه ‏"‏ تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَوْلَا آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فَتَحْتُ قَرْيَةً إِلَّا قَسَمْتُهَا بَيْنَ أَهْلِهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْبَرَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الرحمن‏)‏ و ابن مهدي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن مالك‏)‏ وقع للإسماعيلي من طريق عن عبد الرحمن بن مهدي ‏"‏ حدثنا مالك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عمر‏)‏ في رواية عبد الله بن إدريس عن مالك عن الإسماعيلي ‏"‏ سمعت عمر يقول‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما فتحت‏)‏ بضم الفاء على البناء للمجهول و ‏(‏قرية‏)‏ بالرفع وبفتح الفاء ونصب قرية على المفعولية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلا قسمتها‏)‏ زاد ابن إدريس في روايته ‏"‏ ما افتتح المسلمون قرية من قرى الكفار إلا قسمتها سهمانا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كما قسم النبي صلى الله عليه وسلم خيبر‏)‏ زاد ابن إدريس في روايته ‏"‏ لكن أردت أن تكون جزية تجري عليهم ‏"‏ وسيأتي الكلام على هذه اللفظة في غزوة خيبر من كتاب المغازي‏.‏

وروى البيهقي من وجه آخر عن ابن وهب عن مالك في هذه القصة سبب قول عمر هذا ولفظه ‏"‏ لما فتح عمر الشام قام إليه بلال فقال‏:‏ لتقسمنها أو لنضاربن عليها بالسيف، فقال عمر ‏"‏ فذكره‏.‏

قال ابن التين‏:‏ تأول عمر قول الله تعالى‏:‏ ‏(‏والذين جاؤوا من بعدهم‏)‏ فرأى أن للآخرين أسوة بالأولين فخشي لو قسم ما يفتح أن تكمل الفتوح فلا يبقى لمن يجيء بعد ذلك حظ في الخراج، فرأى أن توقف الأرض المفتوحة عنوة ويضرب عليها خراجا يدوم نفعه للمسلمين‏.‏

وقد اختلف نظر العلماء في قسمة الأرض المفتوحة عنوة على قولين شهيرين، كذا قال‏.‏

وفي المسألة أقوال أشهرها ثلاثة‏:‏ فعن مالك تصير وقفا بنفس الفتح، وعن أبي حنيفة والثوري يتخير الإمام بين قسمتها ووقفيتها، وعن الشافعي يلزمه قسمتها إلا أن يرضى بوقفيتها من غنمها، وسيأتي بقية الكلام عليه في أواخر الجهاد إن شاء الله تعالى‏.‏

*3*باب مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَوَاتًا وَرَأَى ذَلِكَ عَلِيٌّ فِي أَرْضِ الْخَرَابِ بِالْكُوفَةِ مَوَاتٌ

وَقَالَ عُمَرُ مَنْ أَحْيَا أَرْضًا مَيِّتَةً فَهِيَ لَهُ وَيُرْوَى عَنْ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ فِي غَيْرِ حَقِّ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ لِعِرْقٍ ظَالِمٍ فِيهِ حَقٌّ وَيُرْوَى فِيهِ عَنْ جَابِرٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب من أحيا أرضا مواتا‏)‏ بفتح الميم والواو الخفيفة، قال القزاز‏:‏ الموات الأرض التي لم تعمر، شبهت العمارة بالحياة وتعطيلها بفقد الحياة، وإحياء الموات أن يعمد الشخص لأرض لا يعلم تقدم مالك عليها لأحد فيحييها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه سواء كانت فيما قرب من العمران أم بعد، سواء أذن له الإمام في ذلك أم لم يأذن، وهذا قول الجمهور، وعن أبي حنيفة لا بد من إذن للإمام مطلقا، وعن مالك فيما قرب، وضابط القرب ما بأهل العمران إليه حاجة من رعي ونحوه، واحتج الطحاوي للجمهور مع حديث الباب بالقياس على ماء البحر والنهر وما يصاد من طير وحيوان، فإنهم اتفقوا على أن من أخذه أو صاده يملكه سواء قرب أم بعد، سواء أذن الإمام أو لم يأذن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ورأى علي ذلك في أرض الخراب بالكوفة‏)‏ كذا وقع للأكثر‏.‏

وفي رواية النسفي ‏"‏ في أرض الكوفة مواتا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عمر من أحيا أرضا ميتة فهي له‏)‏ وصله مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه مثله، وروينا في ‏"‏ الخراج ليحيى بن آدم ‏"‏ سبب ذلك فقال‏:‏ ‏"‏ حدثنا سفيان عن الزهري عن سالم عن أبيه قال‏:‏ كان الناس يتحجرون - يعني الأرض - على عهد عمر، قال‏:‏ من أحيا أرضا فهي له قال يحيى‏:‏ كأنه لم يجعلها له بمجرد التحجير حتى يحييها‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويروى عن عمرو بن عوف عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ أي مثل حديث عمر هذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال فيه في غير حق مسلم، وليس لعرق ظالم حق‏)‏ وصله إسحاق بن راهويه قال‏:‏ ‏"‏ أخبرنا أبو عامر العقدي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف حدثني أبي أن أباه حدثه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ من أحيا أرضا مواتا من غير أن يكون فيها حق مسلم فهي له، وليس لعرق ظالم حق ‏"‏ وهو عند الطبراني ثم البيهقي، وكثير هذا ضعيف، وليس لجده عمرو بن عوف في البخاري سوى هذا الحديث، وهو غير عمرو بن عوف الأنصاري البدري الآتي حديثه في الجزية وغيرها، وليس له أيضا عنده غيره‏.‏

ووقع في بعض الروايات ‏"‏ وقال عمر وابن عوف ‏"‏ على أن الواو عاطفة وعمر بضم العين وهو تصحيف؛ وشرحه الكرماني ثم قال‏:‏ فعلى هذا يكون ذكر عمر مكررا، وأجاب بأن فيه فوائد كونه تعليقا بالجزم والآخر بالتمريض، وكونه بزيادة والآخر بدونها، وكونه مرفوعا والأول موقوف، ثم قال‏:‏ والصحيح أنه عمرو بفتح العين‏.‏

قلت‏:‏ فضاع ما تكلفه من التوجيه‏.‏

ولحديث عمرو بن عوف المعلق شاهد قوي أخرجه أبو داود من حديث سعيد بن زيد، وله من طريق ابن إسحاق عن يحيى بن عروة عن أبيه مثله مرسلا وزاد ‏"‏ قال عروة‏:‏ فلقد خبرني الذي حدثني بهذا الحديث أن رجلين اختصما إلى النبي صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها‏"‏‏.‏

وفي الباب عن عائشة أخرجه أبو داود الطيالسي، وعن سمرة عند أبي داود والبيهقي وعن عبادة وعبد الله بن عمرو عند الطبراني، وعن أبي أسيد عند يحيي بن آدم في ‏"‏ كتاب الخراج‏"‏‏.‏

وفي أسانيدها مقال، لكن يتقوى بعضها ببعض‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لعرق ظالم‏)‏ في رواية الأكثر بتنوين عرق وظالم نعت له، وهو راجع إلى صاحب العرق أي ليس لذي عرق ظالم، أو إلى العرق أي ليس لعرق ذي ظلم، ويروى بالإضافة ويكون الظالم صاحب العرق فيكون المراد بالعرق الأرض، وبالأول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم، وبالغ الخطابي فغلط رواية الإضافة، قال ربيعة‏:‏ العرق الظالم يكون ظاهرا ويكون باطنا فالباطن ما احتفره الرجل من الأبار أو استخرجه من المعادن والظاهر ما بناه أو غرسه‏.‏

وقال غيره الظالم من غرس أو زرع أو بنى أو حفر في أرض غيره بغير حق ولا شبهة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ويروى فيه‏)‏ أي في الباب أو الحكم ‏(‏عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏)‏ وصله أحمد قال‏:‏ ‏"‏ حدثنا عباد بن عباد حدثنا هشام عن عروة عن وهب بن كيسان عن جابر ‏"‏ فذكره ولفظه ‏"‏ من أحيا أرضا ميتة فله فيها أجر، وما أكلت العوافي منها فهو له صدقة ‏"‏ وأخرجه الترمذي من وجه آخر عن هشام بلفظ ‏"‏ من أحيا أرضا ميتة فهي له ‏"‏ وصححه‏.‏

وقد اختلف فيه على هشام فرواه عنه عباد هكذا، ورواه يحيى القطان وأبو ضمرة وغيرهما عنه عن أبي رافع عن جابر، ورواه أيوب عن هشام عن أبيه عن سعيد بن زيد، ورواه عبد الله بن إدريس عن هشام عن أبيه مرسلا‏.‏

واختلف فيه على عروة فرواه أيوب عن هشام موصولا، وخالفه أبو الأسود فقال عن عروة عن عائشة كما في هذا الباب، ورواه يحيي بن عروة عن أبيه مرسلا كما ذكرته من سنن أبي داود، ولعل هذا هو السر في ترك جزم البخاري به‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ استنبط ابن حبان من هذه الزيادة التي في حديث جابر وهي قوله‏:‏ ‏"‏ فله فيها أجر ‏"‏ أن الذمي لا يملك الموات بالإحياء، واحتج بأن الكافر لا أجر له، وتعقبه المحب الطبري بأن الكافر إذا تصدق يثاب عليه في الدنيا كما ورد به الحديث، فيحمل الأجر في حقه على ثواب الدنيا وفي حق المسلم على ما هو أعم من ذلك، وما قاله محتمل إلا أن الذي قاله ابن حبان أسعد بظاهر الحديث، ولا يتبادر إلى الفهم من إطلاق الأجر إلا الأخروي‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ أَعْمَرَ أَرْضًا لَيْسَتْ لِأَحَدٍ فَهُوَ أَحَقُّ قَالَ عُرْوَةُ قَضَى بِهِ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي خِلَافَتِهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبيد الله بن أبي جعفر‏)‏ هو المصري، ومحمد بن عبد الرحمن شيخه هو أبو الأسود يتيم عروة، ونصف الإسناد الأعلى مدنيون ونصفه الأخر مصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من أعمر‏)‏ بفتح الهمزة والميم من الرباعي قال عياض كذا وقع والصواب ‏"‏ عمر ‏"‏ ثلاثيا قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏وعمروها أكثر مما عمروها‏)‏ إلا أن يريد أنه جعل فيها عمارا، قال ابن بطال‏:‏ ويمكن أن يكون أصله من اعتمر أرضا أي اتخذها، وسقطت التاء من الأصل‏.‏

وقال غيره قد سمع فيه الرباعي، يقال أعمر الله بك منزلك فالمراد من أعمر أرضا بالإحياء فهو أحق به من غيره، وحذف متعلق أحق للعلم به‏.‏

ووقع في رواية أبي ذر ‏"‏ من أعمر ‏"‏ بضم الهمزة أي أعمره غيره، وكأن المراد بالغبر الإمام‏.‏

وذكره الحميدي في جمعه بلفظ ‏"‏ من عمر ‏"‏ من الثلاثي، وكذا هو عند الإسماعيلي من ووجه آخر عن يحيي بن بكير شيخ البخاري فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهو أحق‏)‏ زاد الإسماعيلي ‏"‏ فهو أحق بها ‏"‏ أي من غيره‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال عروة‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور إلى عروة، ولكن عروة عن عمر مرسلا، لأنه ولد في آخر خلافة عمر قاله خليفة، وهو قضية قول ابن أبي خيثمة أنه كان يوم الجمل ابن ثلاث عشرة سنة لأن الجمل كان سنة ست وثلاثين وقتل عمر كان سنة ثلاث وعشرين‏.‏

وروى أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه قال‏:‏ ‏"‏ رددت يوم الجمل، استصغرت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قضى به عمر في خلافته‏)‏ قد تقدم في أول الباب موصولا إلى عمر‏.‏

وروينا في ‏"‏ كتاب الخراج ليحيى بن آدم ‏"‏ من طريق محمد بن عبيد الله الثقفي قال‏:‏ كتب عمر بن الخطاب من أحيا مواتا من الأرض فهو أحق به‏.‏

وروى من وجه آخر عن عمرو بن شعيب أو غيره أن عمر قال‏:‏ ‏"‏ من عطل أرضا ثلاث سنين لم يعمرها فجاء غيره فعمرها فهي له‏"‏‏.‏

وكأن مراده بالتعطيل أن يتحجرها ولا يحوطها ببناء ولا غيره‏.‏

وأخرج الطحاوي الطريق الأولى أتم منه بالسند إلى الثقفي المذكور قال‏:‏ ‏"‏ خرج رجل من أهل البصرة يقال له أبو عبد الله إلى عمر فقال‏:‏ إن بأرض البصرة أرضا لا تضر بأحد من المسلمين وليست بأرض خراج، فإن شئت أن تقطعنيها أتخذها قضبا وزيتونا، فكتب عمر إلى أبي موسى‏:‏ إن كان كذلك فأقطعها إياه‏"‏‏.‏

*3*باب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَ وَهُوَ فِي مُعَرَّسِهِ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ فِي بَطْنِ الْوَادِي فَقِيلَ لَهُ إِنَّكَ بِبَطْحَاءَ مُبَارَكَةٍ فَقَالَ مُوسَى وَقَدْ أَنَاخَ بِنَا سَالِمٌ بِالْمُنَاخِ الَّذِي كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُنِيخُ بِهِ يَتَحَرَّى مُعَرَّسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أَسْفَلُ مِنْ الْمَسْجِدِ الَّذِي بِبَطْنِ الْوَادِي بَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّرِيقِ وَسَطٌ مِنْ ذَلِكَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا فيه بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله، وقد أورد فيه حديث ابن عمر ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم أري وهو في مغرسه بذي الحليفة‏:‏ إنك ببطحاء مباركة ‏"‏ وحديث عمر مرفوعا ‏"‏ أتاني آت من ربي أن صل في هذا الوادي المبارك ‏"‏ وقد تقدم الكلام على هذين الحديثين في الحج مستوفى، ولكن أشكل تعلقهما بالترجمة فقال المهلب‏:‏ حاول البخاري جعل موضع معرس النبي صلى الله عليه وسلم موقوفا أو متملكا له لصلاته فيه ونزوله به، وذلك لا يقوم على ساق لأنه قد ينزل في غير ملكه ويصلي فيه فلا يصير بذلك ملكه كما صلى في دار عتبان بن مالك وغيره‏.‏

وأجاب ابن بطال بأن البخاري أراد أن المعرس نسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم بنزوله فيه ولم يرد أنه يصير بذلك ملكه، ونفى ابن المنير وغيره أن يكون البخاري أراد ما ادعاه المهلب، وإنما أراد التنبيه على أن البطحاء التي وقع فيها التعريس والأمر بالصلاة فيها لا تدخل في الموات الذي يحيا ويملك إذ لم يقع فيها تحويط ونحوه من وجوه الإحياء، أو أراد أنها تلحق بحكم الإحياء لما ثبت لها من خصوصية التصرف فيها بذلك فصارت كأنها أرصدت للمسلمين كمنى مثلا، فليس لأحد أن يبني فيها ويتحجرها لتعلق حق المسلمين بها عموما‏.‏

قلت‏:‏ وحاصله أن الوادي المذكور وإن كان من جنس الموات لكن مكان التعريس منه مستثنى لكونه من الحقوق العامة فلا يصح احتجاره لأحد ولو عمل فيه بشروط الإحياء، ولا يختص ذلك بالبقعة التي نزل بها النبي صلى الله عليه وسلم بل كل ما وجد من ذلك فهو في معناه‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ المعرس بمهملات وفتح الراء موضع التعريس، وهو نزول آخر الليل للراحة‏.‏

*3*باب إِذَا قَالَ رَبُّ الْأَرْضِ أُقِرُّكَ مَا أَقَرَّكَ اللَّهُ وَلَمْ يَذْكُرْ أَجَلًا مَعْلُومًا فَهُمَا عَلَى تَرَاضِيهِمَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذا قال رب الأرض أقرك ما أقرك الله ولم يذكر أجلا معلوما فهما على تراضيهما‏)‏ ‏.‏

أورد فيه حديث ابن عمر في معاملة يهود خيبر، أورده موصولا من طريق الفضيل بن سليمان ومعلقا من طريق ابن جريج كلاهما عن موسى بن عقبة، وساقه على لفظ الرواية المعلقة، وقد وصل مسلم طريق ابن جريج، وأخرجها أحمد عن عبد الرزاق عنه بتمامها، وسيأتي لفظ فضيل بن سليمان في كتاب الخمس‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمِقْدَامِ حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى أَخْبَرَنَا نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَجْلَى الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى مِنْ أَرْضِ الْحِجَازِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا ظَهَرَ عَلَى خَيْبَرَ أَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا وَكَانَتْ الْأَرْضُ حِينَ ظَهَرَ عَلَيْهَا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلِلْمُسْلِمِينَ وَأَرَادَ إِخْرَاجَ الْيَهُودِ مِنْهَا فَسَأَلَتْ الْيَهُودُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُقِرَّهُمْ بِهَا أَنْ يَكْفُوا عَمَلَهَا وَلَهُمْ نِصْفُ الثَّمَرِ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نُقِرُّكُمْ بِهَا عَلَى ذَلِكَ مَا شِئْنَا فَقَرُّوا بِهَا حَتَّى أَجْلَاهُمْ عُمَرُ إِلَى تَيْمَاءَ وَأَرِيحَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز‏)‏ سيأتي سبب ذلك موصولا في كتاب الشروط، قال الهروي‏:‏ جلى القوم عن مواطنهم وأجلى بمعنى واحد والاسم الجلاء والإجلاء، وأرض الحجاز هي ما يفصل بين نجد وتهامة، قال الواقدي‏:‏ ما بين وجرة وغمس الطائف نجد، وما كان من وراء وجرة إلى البحر تهامة‏.‏

ووقع هنا للكرماني تفسير الحجاز بما فسروا به جزيرة العرب الآتي في ‏"‏ باب هل يستشفع بأهل الذمة ‏"‏ في كتاب الجهاد وهو خطأ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم الخ‏)‏ هو موصول لابن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله وللمسلمين‏)‏ في رواية فضيل بن سليمان الآتية ‏"‏ وكانت الأرض لما ظهر عليها لليهود وللرسول وللمسلمين ‏"‏ قال المهلب‏:‏ يجمع بين الروايتين بأن تحمل رواية ابن جريج على الحال التي آل إليها الأمر بعد الصلح ورواية فضيل على الحال التي كانت قبله، وذلك أن خيبر فتح بعضها صلحا وبعضها عنوة، فالذي فتح عنوة كان جميعه لله ولرسوله وللمسلمين، والذي فتح صلحا كان لليهود ثم صار للمسلمين بعقد الصلح، وسيأتي بيان ذلك في كتاب المغازي إن شاء الله تعالى‏.‏

وقوله في رواية ابن جريج ‏"‏ ليقرهم بها أن يكفوا عملها ‏"‏ وقع عند أحمد عن عبد الرزاق ‏"‏ أن يقرهم بها على أن يكفوا ‏"‏ وهو أوضح، ونحوه رواية ابن سليمان الآتية‏.‏

وقوله فيها ‏"‏ فقروا ‏"‏ بفتح القاف أي سكنوا‏.‏

وتيماء بفتح المثناة وسكون التحتانية والمد، وأريحاء بفتح الهمزة وكسر الراء بعدها تحتانية ساكنة ثم مهملة وبالمد أيضا، هما موضعان مشهوران بقرب بلاد طيئ على البحر في أول طريق الشام من المدينة، وقد ذكر البلاذري في ‏"‏ الفتوح ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم لما غلب على وادي القرى بلغ ذلك أهل تيماء فصالحوه على الجزية وأقرهم ببلدهم‏.‏

*3*باب مَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُوَاسِي بَعْضُهُمْ بَعْضًا فِي الزِّرَاعَةِ وَالثَّمَرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما كان من أصحاب النبي يواسي بعضهم بعضا في الزراعة والثمر‏)‏ المراد بالمواساة المشاركة في المال بغير مقابل‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ أَبِي النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ عَمِّهِ ظُهَيْرِ بْنِ رَافِعٍ قَالَ ظُهَيْرٌ لَقَدْ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أَمْرٍ كَانَ بِنَا رَافِقًا قُلْتُ مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهُوَ حَقٌّ قَالَ دَعَانِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا تَصْنَعُونَ بِمَحَاقِلِكُمْ قُلْتُ نُؤَاجِرُهَا عَلَى الرُّبُعِ وَعَلَى الْأَوْسُقِ مِنْ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ قَالَ لَا تَفْعَلُوا ازْرَعُوهَا أَوْ أَزْرِعُوهَا أَوْ أَمْسِكُوهَا قَالَ رَافِعٌ قُلْتُ سَمْعًا وَطَاعَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي النجاشي‏)‏ فتح النون وتخفيف الجيم وبعد الألف معجمة ثم ياء ثقيلة‏:‏ تابعي ثقة اسمه عطاء بن صهيب، وقد روى الأوزاعي أيضا في ثاني أحاديث الباب معنى الحديث عن عطاء عن جابر وهو عطاء بن أبي رباح، فكان الحديث عنده عن كل منهما بسنده‏.‏

ووقع في رواية ابن ماجة من وجه آخر إلى الأوزاعي ‏"‏ حدثني أبو النجاشي‏"‏، وقوله‏:‏ ‏"‏ سمعت رافع بن خديج ‏"‏ أخرجه البيهقي من وجه آخر عن الأوزاعي ‏"‏ حدثني أبو النجاشي قال‏:‏ صحبت رافع بن خديج ست سنين ‏"‏ وروى عكرمة بن عمار هذا الحديث عن أبي النجاشي عن رافع عن النبي صلى الله عليه وسلم ولم يقل ‏"‏ عن عمه ظهير ‏"‏ ذكره مسلم، وسيأتي من رواية حنظلة بن قيس عن رافع ‏"‏ حدثني عماي ‏"‏ وهو مما يقوي رواية الأوزاعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمه ظهير‏)‏ بالظاء المعجمة مصغرا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد نهانا‏)‏ قد ذكر في آخر الحديث صيغة النهي وهي قوله‏:‏ ‏"‏ لا تفعلوا ‏"‏ وبها يعرف المراد بالأمر الرافق، وقوله‏:‏ ‏"‏ رافقا ‏"‏ أي ذا رفق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بمحاقلكم‏)‏ أي بمزارعكم، والحقل الزرع وقيل ما دام أخضر، والمحاقلة المزارعة بجزء مما يخرج، وقيل هو بيع الزرع بالحنطة، وقيل غير ذلك كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏على الربيع‏)‏ بفتح الراء وكسر الموحدة وهي موافقة للرواية الأخيرة وهي قوله على الأربعاء، فإن الأربعاء جمع ربيع وهو النهر الصغير‏.‏

وفي رواية المستملي ‏"‏ الربيع ‏"‏ بالتصغير، ووقع للكشميهني ‏"‏ على الربع ‏"‏ بضمتين وهي موافقة لحديث جابر المذكور بعد، لكن المشهور في حديث رافع الأول، والمعنى أنهم كانوا يكرون الأرض ويشترطون لأنفسهم ما ينبت على الأنهار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعلى الأوسق‏)‏ الواو بمعني أو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ازرعوها أو أزرعوها‏)‏ الأول بكسر الألف وهي ألف وصل والراء مفتوحة، والثاني بألف قطع والراء مكسورة وأو للتخيير لا للشك، والمراد ازرعوها أنتم أو أعطوها لغيركم يزرعها بغير أجرة، وهو الموافق لقوله في حديث جابر ‏"‏ أو ليمنحها‏"‏‏.‏

‏(‏أو أمسكوها‏)‏ أي اتركوها معطلة‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏سمعا وطاعة‏)‏ بالنصب ويجوز الرفع، وقوله‏:‏ ‏(‏أو اتركوها‏)‏ أي بغير زرع، وسيأتي البحث في ذلك في هذا الباب‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع للإسماعيلي عن جابر إيراد حديث ظهير بن رافع في آخر الباب الذي قبله، ثم اعترض بأنه لا يدخل في هذا الباب، والذي وقع عند الجمهور إيراده في هذا الباب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَطَاءٍ عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ كَانُوا يَزْرَعُونَهَا بِالثُّلُثِ وَالرُّبُعِ وَالنِّصْفِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ وَقَالَ الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ أَبُو تَوْبَةَ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ لِيَمْنَحْهَا أَخَاهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عطاء‏)‏ في رواية ابن ماجة من وجه آخر عن الأوزاعي ‏"‏ حدثني عطاء سمعت جابرا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كانوا‏)‏ أي الصحابة في عصر النبي صلى الله عليه وسلم قوله ‏(‏بالثلث والربع والنصف‏)‏ الواو في الموضعين بمعني أو، أشار إليه التيمي، وقد تقدم له توجيه آخر في ‏"‏ باب المزارعة بالشطر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وليمنحها‏)‏ أي يجعلها منيحة أي عطية، والنون في يمنحها مفتوحة ويجوز كسرها، وقد رواه مسلم من طريق مطر الوراق عن عطاء عن جابر بلفظ ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض‏"‏، ومن وجه آخر عن مطر بلفظ ‏"‏ من كانت له أرض فليزرعها فإن عجز عنها فليمنحها أخاه المسلم ولا يؤاجرها ‏"‏ ورواية الأوزاعي التي اقتصر عليها المصنف مفسرة للمراد لذكرها للسبب الحامل على النهي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن لم يفعل فليمسك أرضه‏)‏ أي فلا يمنحها ولا يكريها، وقد استشكل بأن في إمساكها بغير زراعة تضييعا لمنفعتها فيكون من إضاعة المال، وقد ثبت النهي عنها، وأجيب بحمل النهي عن إضاعة عين المال أو منفعة لا تخلف، لأن الأرض إذا تركت بغير زرع لم تتعطل منفعتها فإنها قد تنبت من الكلأ والحطب والحشيش ما ينفع في الرعي وغيره، وعلى تقدير أن لا يحصل ذلك فقد يكون تأخير الزرع عن الأرض إصلاحا لها فتخلف في السنة التي تليها ما لعله فات في سنة الترك، وهذا كله إن حمل النهي عن الكراء على عمومه فأما لو حمل الكراء على ما كان مألوفا لهم من الكراء بجزء مما يخرج منها ولا سيما إذا كان غير معلوم فلا يستلزم ذلك تعطيل الانتفاع بها في الزراعة بل يكريها بالذهب أو الفضة كما تقرر ذلك‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الربيع بن نافع أبو توبة‏)‏ بفتح المثناة وسكون الواو بعدها موحدة هو الحلبي، ثقة ليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في الطلاق‏.‏

وقد وصل مسلم حديث الباب عن الحسن بن علي الحلواني عن أبي توبة‏.‏

وشيخه معاوية هو ابن سلام بتشديد اللام‏.‏

ويحيى هو ابن أبي كثير، وقد اختلف عليه في إسناده وكذا على شيخه أبي سلمة، وقد أطنب النسائي في جمع طرقه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ ذَكَرْتُهُ لِطَاوُسٍ فَقَالَ يُزْرِعُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَنْهَ عَنْهُ وَلَكِنْ قَالَ أَنْ يَمْنَحَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْخُذَ شَيْئًا مَعْلُومًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عمرو‏)‏ هو ابن دينار‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذكرته‏)‏ أي حديث رافع بن خديج ‏(‏لطاوس‏)‏ أي كما تقدم، وقد مضى شرحه بعد أبواب‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏لم ينه عنه‏)‏ أي لم يحرمه، وبها صرح الترمذي في روايته‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏إن يمنح‏)‏ بكسر الهمزة من إن على أنها شرطية، ولغير أبي ذر بفتحها وهو المشهور‏.‏

وفي رواية الترمذي ‏"‏ ولكن أراد أن يرفق بعضهم ببعض‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانَ يُكْرِي مَزَارِعَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَصَدْرًا مِنْ إِمَارَةِ مُعَاوِيَةَ ثُمَّ حُدِّثَ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَذَهَبَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى رَافِعٍ فَذَهَبْتُ مَعَهُ فَسَأَلَهُ فَقَالَ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّا كُنَّا نُكْرِي مَزَارِعَنَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا عَلَى الْأَرْبِعَاءِ وَبِشَيْءٍ مِنْ التِّبْنِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن ابن عمر كان يكرى‏)‏ بضم أوله من الرباعي يقال أكري أرضه يكريها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وصدرا من إمارة معاوية‏)‏ أي خلافته، وإنما لم يذكر ابن عمر خلافة علي لأنه لم يبايعه لوقوع الاختلاف عليه كما هو مشهور في صحيح الأخبار، وكان رأي أنه لا يبايع لمن لم يجتمع عليه الناس، ولهذا لم يبايع أيضا لابن الزبير ولا لعبد الملك في حال اختلافهما، وبايع ليزيد بن معاوية ثم لعبد الملك بن مروان بعد قتل ابن الزبير، ولعل في تلك المدة - أعني مدة خلافة علي - لم يؤاجر أرضه فلم يذكرها لذلك، وزاد مسلم في روايته‏:‏ حتى إذا كان في آخر خلافة معاوية وكان آخر خلافة معاوية في سنة ستين من الهجرة‏.‏

ووقع في رواية أحمد عن إسماعيل عن أيوب بهذا الإسناد نحو هذا السياق وزاد فيه ‏"‏ فتركها ابن عمر وكان لا يكريها، فإذا سئل يقول‏:‏ زعم رافع بن خديج ‏"‏ فذكره‏.‏

وقوله ‏(‏ثم حدث عن رافع‏)‏ بضم أوله على ما لم يسم فاعله للأكثر، وللكشميهني بفتح أوله وحذف ‏"‏ عن‏"‏‏.‏

ولابن ماجة عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ أنه كان يكري أرضه فأتاه إنسان فأخبره عن رافع ‏"‏ فذكره وزاد‏.‏

وقد استظهر البخاري لحديث رافع بحديث جابر وأبي هريرة رادا على من زعم أن حديث رافع فرد وأنه مضطرب، وأشار إلى صحة الطريقين عنه حيث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد روى عن عمه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأشار إلى أن روايته بغير واسطة مقتصرة على النهي عن كراء الأرض وروايته عن عمه مفسرة للمراد، وهو ما بينه ابن عباس في روايته من إرادة الرفق والتفضيل وأن النهي عن ذلك ليس للتحريم، وسأذكر مزيدا لذلك في الباب الذي بعده‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي سَالِمٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كُنْتُ أَعْلَمُ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْأَرْضَ تُكْرَى ثُمَّ خَشِيَ عَبْدُ اللَّهِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَحْدَثَ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهُ فَتَرَكَ كِرَاءَ الْأَرْضِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏قد كنت أعلم أن الأرض تكرى ثم خشي عبد الله‏)‏ هكذا أورده مختصرا، وقد أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي من طريق شعيب بن الليث عن أبيه مطولا وأوله ‏"‏ أن عبد الله كان يكري أرضه حتى بلغه أن رافع بن خديج ينهى عن كراء الأرض فلقيه فقال‏:‏ يا ابن خديج ما هذا‏؟‏ قال‏:‏ سمعت عمي وكانا قد شهدا بدرا يحدثان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء الأرض، فقال عبد الله‏:‏ قد كنت أعلم ‏"‏ فذكره‏.‏

*3*باب كِرَاءِ الْأَرْضِ بِالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ أَمْثَلَ مَا أَنْتُمْ صَانِعُونَ أَنْ تَسْتَأْجِرُوا الْأَرْضَ الْبَيْضَاءَ مِنْ السَّنَةِ إِلَى السَّنَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كراء الأرض بالذهب والفضة‏)‏ كأنه أراد بهذه الترجمة الإشارة إلى أن النهي الوارد عن كراء الأرض محمول على ما إذا أكريت بشيء مجهول وهو قول الجمهور، أو بشيء مما يخرج منها ولو كان معلوما، وليس المراد النهي عن كرائها بالذهب أو الفضة‏.‏

وبالغ ربيعة فقال‏:‏ لا يجوز كراؤها إلا بالذهب أو الفضة، وخالف في ذلك طاوس وطائفة قليلة فقالوا‏:‏ لا يجوز كراء الأرض مطلقا، وذهب إليه ابن حزم وقواه واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك، وحديث الباب دال على ما ذهب إليه الجمهور، وقد أطلق ابن المنذر أن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة، ونقل ابن بطال اتفاق فقهاء الأمصار عليه، وقد روى أبو داود عن سعد بن أبي وقاص قال‏:‏ ‏"‏ كان أصحاب المزارع يكرونها بما يكون على المساقي من الزرع، فاختصموا في ذلك، فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكروا بذلك وقال‏:‏ أكروا بالذهب والفضة ‏"‏ ورجاله ثقات، إلا أن محمد بن عكرمة المخزومي لم يرو عنه إلا إبراهيم بن سعد‏.‏

وأما ما رواه الترمذي من طريق مجاهد عن رافع بن خديج في النهي عن كراء الأرض ببعض خراجها أو بدراهم فقد أعله النسائي بأن مجاهدا لم يسمعه من رافع‏.‏

قلت‏:‏ وراويه أبو بكر بن عياش في حفظه مقال، وقد رواه أبو عوانة وهو أحفظ منه عن شيخه فيه فلم يذكر الدراهم‏.‏

وقد روى مسلم من طريق سليمان بن يسار عن رافع بن خديج في حديثه ‏"‏ ولم يكن يومئذ ذهب ولا فضة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس الخ‏)‏ وصله الثوري في جامعه قال‏:‏ أخبرني عبد الكريم هو الجزري عن سعيد بن جبير عنه ولفظه ‏"‏ إن أمثل ما أنتم صانعون أن تستأجروا الأرض البيضاء ليس فيها شجر ‏"‏ يعني من السنة إلى السنة وإسناده صحيح، وأخرجه البيهقي من طريق عبد الله بن الوليد العدني عن سفيان به‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ قَيْسٍ عَنْ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ قَالَ حَدَّثَنِي عَمَّايَ أَنَّهُمْ كَانُوا يُكْرُونَ الْأَرْضَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا يَنْبُتُ عَلَى الْأَرْبِعَاءِ أَوْ شَيْءٍ يَسْتَثْنِيهِ صَاحِبُ الْأَرْضِ فَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَقُلْتُ لِرَافِعٍ فَكَيْفَ هِيَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ فَقَالَ رَافِعٌ لَيْسَ بِهَا بَأْسٌ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَقَالَ اللَّيْثُ وَكَانَ الَّذِي نُهِيَ عَنْ ذَلِكَ مَا لَوْ نَظَرَ فِيهِ ذَوُو الْفَهْمِ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ لَمْ يُجِيزُوهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمُخَاطَرَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن حنظلة‏)‏ في رواية الأوزاعي عن مسلم عن ربيعة حدثني حنظلة لكن ليس عنده ذكر عمي رافع، وفي الإسناد تابعي عن مثله وصحابي عن مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني عماي‏)‏ هما ظهير بن رافع وقد تقدم حديثه في الباب قبله والآخر قال الكلابا لم أقف على اسمه، وذكر غيره أن اسمه مظهر وهو بضم الميم وفتح الظاء وتشديد الهاء المكسورة وضبطه عبد الغني وابن مأكولا، هكذا زعم بعض من صنف في المبهمات، ورأيت في ‏"‏ الصحابة لأبي القاسم البغوي ‏"‏ ولأبي علي بن السكن من طريق سعيد بن أبي عروبة عن يعلى بن حكيم عن سليمان بن يسار عن رافع بن خديج ‏"‏ أن بعض عمومته ‏"‏ قال سعيد زعم قتادة أن اسمه مهير فذكر الحديث، فهذا أولى أن يعتمد وهو بوزن أخيه ظهير كلاهما بالتصغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يستثنيه‏)‏ من الاستثناء كأنه يشير إلى استثناء الثلث أو الربع ليوافق الرواية الأخرى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال رافع ليس بها بأس بالدينار والدرهم‏)‏ يحتمل أن يكون ذلك قاله رافع باجتهاده، ويحتمل أن يكون علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه، أو علم أن النهي عن كراء الأرض ليس على إطلاقه بل بما إذا كان بشيء مجهول ونحو ذلك، فاستنبط من ذلك جواز الكراء بالذهب والفضة، ويرجح كونه مرفوعا ما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح من طريق سعيد بن المسيب عن رافع بن خديج قال‏:‏ ‏"‏ نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال‏:‏ إنما يزرع ثلاثة‏:‏ رجل له أرض، ورجل منح أرضا، ورجل اكترى أرضا بذهب أو فضة ‏"‏ لكن بين النسائي من وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام سعيد بن المسيب، وقد رواه مالك في ‏"‏ الموطأ ‏"‏ والشافعي عنه عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال الليث وكان الذي نهى عن ذلك‏)‏ كذا للأكثر عن الليث وهو موصل بالإسناد الأول إلى الليث، ووقع عند أبي ذر هنا‏:‏ قال أبو عبد الله يعني المصنف من هاهنا قال الليث أراه، وسقط هذا النقل عن الليث عند النسفي وابن شبويه، وكذا وقع في ‏"‏ مصابيح البغوي ‏"‏ فصار مدرجا عندهما في نفس الحديث والمعتمد في ذلك على رواية الأكثر، ولم يذكر النسفي ولا الإسماعيلي في روايتهما لهذا الحديث من طريق الليث هذه الزيادة، وقد قال التوربشتي شارح المصابيح‏:‏ لم يظهر لي هل هذه الزيادة من قول بعض الرواة أو من قول البخاري‏.‏

وقال البيضاوي‏:‏ الظاهر أنها من كلام رافع ا هـ‏.‏

وقد تبين برواية أكثر الطرق في البخاري أنها من كلام الليث، وقوله‏:‏ ‏(‏ذوو الفهم‏)‏ في رواية النسفي وابن شبويه ‏"‏ ذو الفهم ‏"‏ بلفظ المفرد لإرادة الجنس‏.‏

وقالا‏:‏ ‏"‏ لم يجزه‏"‏‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏المخاطرة‏)‏ أي الإشراف على الهلاك، وكلام الليث هذا موافق لما عليه الجمهور من حمل النهي عن كراء الأرض على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة لا عن كرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة‏.‏

ثم اختلف الجمهور في جواز كرائها بجزء مما يخرج منها فمن قال بالجواز حمل أحاديث النهي على التنزيه وعليه يدل قول ابن عباس الماضي قي الباب الذي قبله، حيث قال‏:‏ ‏"‏ ولكن أراد أن يرفق بعضهم ببعض ‏"‏ ومن لم يجز إجارتها بجزء مما يخرج منها قال‏:‏ النهي عن كرائها محمول على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها أو شرط ما ينبت على النهر لصاحب الأرض لما في كل ذلك من الغرر والجهالة‏.‏

وقال مالك‏:‏ النهي محمول على ما إذا وقع كراؤها بالطعام أو التمر لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام، قال ابن المنذر‏:‏ ينبغي أن يحمل ما قاله مالك على ما إذا كان المكري به من الطعام جزءا مما يخرج منها، فأما إذا اكتراها بطعام معلوم في ذمة المكتري أو بطعام حاضر يقبضه المالك فلا مانع من الجواز‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*باب

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ حَدَّثَنَا هِلَالٌ ح و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ هِلَالِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَوْمًا يُحَدِّثُ وَعِنْدَهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ اسْتَأْذَنَ رَبَّهُ فِي الزَّرْعِ فَقَالَ لَهُ أَلَسْتَ فِيمَا شِئْتَ قَالَ بَلَى وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْرَعَ قَالَ فَبَذَرَ فَبَادَرَ الطَّرْفَ نَبَاتُهُ وَاسْتِوَاؤُهُ وَاسْتِحْصَادُهُ فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ فَيَقُولُ اللَّهُ دُونَكَ يَا ابْنَ آدَمَ فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ فَقَالَ الْأَعْرَابِيُّ وَاللَّهِ لَا تَجِدُهُ إِلَّا قُرَشِيًّا أَوْ أَنْصَارِيًّا فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِ زَرْعٍ فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب‏)‏ كذا للجميع بغير ترجمة وهو كالفصل من الباب الذي قبله، ولم يذكر ابن بطال لفظ ‏"‏ باب ‏"‏ وكان مناسبته له من قول الرجل ‏"‏ فإنهم أصحاب زرع‏"‏، قال ابن المنير‏:‏ وجهه أنه نبه به على أن أحاديث النهي عن كراء الأرض إنما هي على التنزيه لا على الإيجاب، لأن العادة فيما يحرص عليه ابن آدم أنه يحب استمرار الانتفاع به، وبقاء حرص هذا الرجل على الزرع حتى في الجنة دليل على أنه مات على ذلك، ولو كان يعتقد تحريم كراء الأرض لفطم نفسه عن الحرص عليها حتى لا يثبت هذا القدر في ذهنه هذا الثبوت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هلال بن علي‏)‏ هو المعروف بابن أسامة، والإسناد العالي كلهم مدنيون إلا شيخ البخاري، وقد ساقه على لفظ الإسناد الثاني، وساقه في كتاب التوحيد على لفظ محمد بن سنان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعنده رجل من أهل البادية‏)‏ لم أقف على اسمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استأذن ربه في الزرع‏)‏ أي في أن يباشر الزراعة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال له ألست فيما شئت‏)‏ في رواية محمد بن سنان ‏"‏ أو لست ‏"‏ بزيادة واو‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فبذر‏)‏ أي ألقى البذر فنبت في الحال، وفي السياق حذف تقديره‏:‏ فأذن له فبذر ‏(‏فبادر‏)‏ في رواية محمد بن سنان ‏"‏ فأسرع فتبادر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الطرف‏)‏ بفتح الطاء وسكون الراء امتداد لحظ الإنسان إلى أقصى ما يراه، ويطلق أيضا على حركة جفن العين وكأنه المراد هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واستحصاده‏)‏ زاد في التوحيد ‏"‏ وتكويره ‏"‏ أي جمعه، وأصل الكور الجماعة الكثيرة من الإبل، والمراد أنه لما بذر لم يكن بين ذلك وبين استواء الزرع ونجاز أمره كله من القلع والحصد والتذرية والجمع والتكويم إلا قدر لمحة البصر‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏دونك‏)‏ بالنصب على الإغراء أي خذه‏.‏

قوله ‏(‏لا يشبعك شيء‏)‏ في رواية محمد بن سنان ‏"‏ لا يسعك ‏"‏ بفتح أوله والمهملة وضم العين وهو متحد المعنى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال الأعرابي‏)‏ بفتح الهمزة أي ذلك الرجل الذي من أهل البادية، وفي هذا الحديث من الفوائد أن كل ما اشتهي في الجنة من أمور الدنيا ممكن فيها قاله المهلب‏.‏

وفيه وصف الناس بغالب عاداتهم قاله ابن بطال‏.‏

وفيه أن النفوس جبلت على الاستكثار من الدنيا‏.‏

وفيه إشارة إلى فضل القناعة وذم الشر، وفيه الإخبار عن الأمر المحقق الآتي بلفظ الماضي‏.‏

*3*باب مَا جَاءَ فِي الْغَرْسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ما جاء في الغرس‏)‏ ذكر فيه حديث سهل بن سعد ‏"‏ إن كنا لنفرح بيوم الجمعة ‏"‏ الحديث، وقد تقدم شرحه مستوفى في كتاب الجمعة، وغرضه منه هنا قوله‏:‏ ‏"‏ كنا نغرسه في أربعائنا ‏"‏ وقد تقدم تفسير ‏"‏ الأربعاء‏"‏‏.‏

والسلق بكسر السين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ إِنَّا كُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ كَانَتْ لَنَا عَجُوزٌ تَأْخُذُ مِنْ أُصُولِ سِلْقٍ لَنَا كُنَّا نَغْرِسُهُ فِي أَرْبِعَائِنَا فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ لَهَا فَتَجْعَلُ فِيهِ حَبَّاتٍ مِنْ شَعِيرٍ لَا أَعْلَمُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ لَيْسَ فِيهِ شَحْمٌ وَلَا وَدَكٌ فَإِذَا صَلَّيْنَا الْجُمُعَةَ زُرْنَاهَا فَقَرَّبَتْهُ إِلَيْنَا فَكُنَّا نَفْرَحُ بِيَوْمِ الْجُمُعَةِ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَمَا كُنَّا نَتَغَدَّى وَلَا نَقِيلُ إِلَّا بَعْدَ الْجُمُعَةِ

الشرح‏:‏

وقوله‏:‏ ‏(‏لا أعلم إلا أنه قال ليس فيه شحم ولا ودك‏)‏ الودك بفتحتين دسم اللحم وهو من قول يعقوب‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ وَاللَّهُ الْمَوْعِدُ وَيَقُولُونَ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ لَا يُحَدِّثُونَ مِثْلَ أَحَادِيثِهِ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْمُهَاجِرِينَ كَانَ يَشْغَلُهُمْ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ وَإِنَّ إِخْوَتِي مِنْ الْأَنْصَارِ كَانَ يَشْغَلُهُمْ عَمَلُ أَمْوَالِهِمْ وَكُنْتُ امْرَأً مِسْكِينًا أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي فَأَحْضُرُ حِينَ يَغِيبُونَ وَأَعِي حِينَ يَنْسَوْنَ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا لَنْ يَبْسُطَ أَحَدٌ مِنْكُمْ ثَوْبَهُ حَتَّى أَقْضِيَ مَقَالَتِي هَذِهِ ثُمَّ يَجْمَعَهُ إِلَى صَدْرِهِ فَيَنْسَى مِنْ مَقَالَتِي شَيْئًا أَبَدًا فَبَسَطْتُ نَمِرَةً لَيْسَ عَلَيَّ ثَوْبٌ غَيْرُهَا حَتَّى قَضَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُ ثُمَّ جَمَعْتُهَا إِلَى صَدْرِي فَوَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ مَا نَسِيتُ مِنْ مَقَالَتِهِ تِلْكَ إِلَى يَوْمِي هَذَا وَاللَّهِ لَوْلَا آيَتَانِ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا أَبَدًا إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى إِلَى قَوْلِهِ الرَّحِيمُ

الشرح‏:‏

‏(‏يقولون إن أبا هريرة يكثر‏)‏ أي رواية الحديث‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والله الموعد‏)‏ بفتح الميم وفيه حذف تقديره وعند الله الموعد، لأن الموعد إما مصدر وإما ظرف زمان أو ظرف مكان وكل ذلك لا يخبر به عن الله تعالى، ومراده أن الله تعالى يحاسبني إن تعمدت كذبا ويحاسب من ظن بي طن السوء، وقد تقدم الكلام على بقية الحديث مستوفى في كتاب العلم، ويأتي منه شيء في كتاب الاعتصام إن شاء الله تعالى‏.‏

وغرضه منه هنا قوله‏:‏ ‏(‏وإن أخوتي من الأنصار كان يشغلهم عمل أموالهم‏)‏ فإن المراد بالعمل الشغل في الأراضي بالزراعة والغرس والله أعلم‏.‏

‏(‏خاتمة‏)‏ ‏:‏ اشتمل كتاب المزارعة وما أضيف إليه من إحياء الموات وغيره من الأحاديث المرفوعة على أربعين حديثا، المعلق منها تسعة والبقية موصولة، المكرر منها فيه وفيما مضى اثنان وعشرون حديثا، والخالص ثمانية عشر حديثا، وافقه مسلم على جميعها سوى حديث أبي أمامة في آلة الحرث، وحديث أبي هريرة في سؤال الأنصار القسمة، وحديث عمر ‏"‏ لولا آخر المسلمين‏"‏‏.‏

وحديث عمرو بن عوف وجابر وعائشة في إحياء الموات، وحديث أبي هريرة ‏"‏ أن رجلا من أهل الجنة استأذن ربه في الزرع‏"‏‏.‏

وفيه من الآثار عن الصحابة والتابعين تسعة وثلاثون أثرا‏.‏

والله سبحانه وتعالى أعلم‏.‏