فصل: باب قَوْلِهِ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلِهِ رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ

الشرح‏:‏

قوله في الباب الثاني ‏(‏عن مسروق قال دخلت على عبد الله‏)‏ أي ابن مسعود‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ مِنْ الْعِلْمِ أَنْ تَقُولَ لِمَا لَا تَعْلَمُ اللَّهُ أَعْلَمُ إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنَّ قُرَيْشًا لَمَّا غَلَبُوا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ قَالَ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ سَنَةٌ أَكَلُوا فِيهَا الْعِظَامَ وَالْمَيْتَةَ مِنْ الْجَهْدِ حَتَّى جَعَلَ أَحَدُهُمْ يَرَى مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ مِنْ الْجُوعِ قَالُوا رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ فَقِيلَ لَهُ إِنْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَادُوا فَدَعَا رَبَّهُ فَكَشَفَ عَنْهُمْ فَعَادُوا فَانْتَقَمَ اللَّهُ مِنْهُمْ يَوْمَ بَدْرٍ فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ إِلَى قَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ إِنَّا مُنْتَقِمُونَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن من العلم أن تقول لما لا تعلم‏:‏ الله أعلم‏)‏ تقدم سبب قول ابن مسعود هذا في سورة الروم من وجه آخر عن الأعمش ولفظه ‏"‏ عن مسروق قال‏:‏ بينما رجل يحدث في كندة فقال‏:‏ يجيء دخان يوم القيامة فيأخذ بأسماع المنافقين وأبصارهم ويأخذ المؤمن كهيئة الزكام، ففزعنا، فأتيت ابن مسعود وكان متكئا فغضب فجلس فقال‏:‏ من علم فليقل، ومن لم يعلم فليقل‏:‏ الله أعلم‏.‏

وقد جرى البخاري على عادته في إيثار الخفي على الواضح، فإن هذه السورة كانت أولى بإيراد هذا السياق من سورة الروم لما تضمنته من ذكر الدخان، لكن هذه طريقته يذكر الحديث في موضع ثم يذكره في الموضع اللائق به عاريا عن الزيادة اكتفاء بذكرها في الموضع الآخر، شحذا للأذهان وبعثا على مزيد الاستحضار، وهذا الذي أنكره ابن مسعود قد جاء عن علي، فأخرج عبد الرزاق وابن أبي حاتم من طريق الحارث عن علي قال ‏"‏ آية الدخان لم تمض بعد، يأخذ المؤمن كهيئة الزكام، وينفح الكافر حتى ينفد‏"‏‏.‏

ثم أخرج عبد الرزاق من طريق ابن أبي مليكة قال ‏"‏ دخلت على ابن عباس يوما فقال لي‏:‏ لم أنم البارحة حتى أصبحت، قالوا طلع الكوكب ذو الذنب فخشينا الدخان قد خرج ‏"‏ وهذا أخشى أن يكون تصحيفا وإنما هو الدجال بالجيم الثقيلة واللام، ويؤيد كون آيه الدخان لم تمض ما أخرجه مسلم من حديث أبي شريحة رفعه ‏"‏ لا تقوم الساعة حتى تروا عشر آيات‏:‏ طلوع الشمس من مغربها، الدخان، والدابة ‏"‏ الحديث‏.‏

وروى الطبري من حديث ربعي عن حذيفة مرفوعا في خروج الآيات والدخان ‏"‏ قال حذيفة‏:‏ يا رسول الله وما الدخان‏؟‏ فتلا هذه الآية قال‏:‏ أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة الزكمة، وأما الكافر فيخرج من منخريه وأذنيه ودبره ‏"‏ وإسناده ضعيف أيضا‏.‏

وروى ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد نحوه وإسناده ضعيف أيضا، وأخرجه مرفوعا بإسناد أصلح منه، وللطبري من حديث أبي مالك الأشعري رفعه ‏"‏ إن ربكم أنذركم ثلاثا‏:‏ الدخان يأخذ المؤمن كالزكمة ‏"‏ الحديث، ومن حديث ابن عمر نحوه وإسنادهما ضعيف أيضا، لكن تضافر هذه الأحاديث يدل على أن لذلك أصلا، ولو ثبت طريق حديث حذيفة لاحتمل أن يكون هو القاص المراد في حديث ابن مسعود‏.‏

*3*باب أَنَّى لَهُمْ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ الذِّكْرُ وَالذِّكْرَى وَاحِدٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏الذكرى‏)‏ هو والذكر سواء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ دَخَلْتُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا دَعَا قُرَيْشًا كَذَّبُوهُ وَاسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَصَابَتْهُمْ سَنَةٌ حَصَّتْ يَعْنِي كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى كَانُوا يَأْكُلُونَ الْمَيْتَةَ فَكَانَ يَقُومُ أَحَدُهُمْ فَكَانَ يَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّمَاءِ مِثْلَ الدُّخَانِ مِنْ الْجَهْدِ وَالْجُوعِ ثُمَّ قَرَأَ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ حَتَّى بَلَغَ إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ أَفَيُكْشَفُ عَنْهُمْ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ وَالْبَطْشَةُ الْكُبْرَى يَوْمَ بَدْرٍ

الشرح‏:‏

قوله في الرواية الأخيرة ‏(‏أخبرنا محمد‏)‏ هو ابن جعفر غندر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سليمان‏)‏ هو الأعمش، ومنصور هو ابن المعتمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى حصت‏)‏ بمهملتين أي جردت وأذهبت، يقال سنة حصاء أي جرداء لا غيث فيها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال أحدهم‏)‏ كذا قاله في موضعين أي أحد الرواة، ولم يتقدم في سياق السدوسي موضع واحد فيه اثنان سليمان ومنصور، فحق العبارة أن يقول قال أحدهما لكن تحمل على تلك اللغة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وجعل يخرج من الأرض كهيئة الدخان‏)‏ وقع في الرواية التي قبلها ‏"‏ فكان يرى بينه وبين السماء مثل الدخان من الجوع ‏"‏ ولا تدافع بينهما لأنه يحمل على أنه كان مبدؤه من الأرض ومنتهاه ما بين السماء والأرض، ولا معارضة أيضا بين قوله ‏"‏ يخرج من الأرض ‏"‏ وبين قوله ‏"‏ كهيئة الدخان ‏"‏ لاحتمال وجود الأمرين بأن يخرج من الأرض بخار كهيئة الدخان من شدة حرارة الأرض ووهجها من عدم الغيث، وكانوا يرون بينهم وبين السماء مثل الدخان من فرط حرارة الجوع، والذي كان يخرج من الأرض بحسب تخيلهم ذلك من غشاوة أبصارهم من فرط الجوع، أو لفظ ‏"‏ من - الجوع ‏"‏ صفة الدخان أي يرون مثل الدخان الكائن من الجوع‏.‏

*3*بَاب ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ وَمَنْصُورٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَى قُرَيْشًا اسْتَعْصَوْا عَلَيْهِ فَقَالَ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَيْهِمْ بِسَبْعٍ كَسَبْعِ يُوسُفَ فَأَخَذَتْهُمْ السَّنَةُ حَتَّى حَصَّتْ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَكَلُوا الْعِظَامَ وَالْجُلُودَ فَقَالَ أَحَدُهُمْ حَتَّى أَكَلُوا الْجُلُودَ وَالْمَيْتَةَ وَجَعَلَ يَخْرُجُ مِنْ الْأَرْضِ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ فَأَتَاهُ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ أَيْ مُحَمَّدُ إِنَّ قَوْمَكَ قَدْ هَلَكُوا فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يَكْشِفَ عَنْهُمْ فَدَعَا ثُمَّ قَالَ تَعُودُونَ بَعْدَ هَذَا فِي حَدِيثِ مَنْصُورٍ ثُمَّ قَرَأَ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ إِلَى عَائِدُونَ أَنَكْشِفُ عَنْهُمْ عَذَابَ الْآخِرَةِ فَقَدْ مَضَى الدُّخَانُ وَالْبَطْشَةُ وَاللِّزَامُ وَقَالَ أَحَدُهُمْ الْقَمَرُ وَقَالَ الْآخَرُ وَالرُّومُ

الشرح‏:‏

‏(‏لا يوجد شرح لهذا الحديث‏)‏ ‏.‏

*3*بَاب يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَمْسٌ قَدْ مَضَيْنَ اللِّزَامُ وَالرُّومُ وَالْبَطْشَةُ وَالْقَمَرُ وَالدُّخَانُ

الشرح‏:‏

‏(‏لا يوجد شرح لهذا الحديث‏)‏ ‏.‏

*3*سورة حم الْجَاثِيَةِ

مُسْتَوْفِزِينَ عَلَى الرُّكَبِ وَقَالَ مُجَاهِدٌ نَسْتَنْسِخُ نَكْتُبُ نَنْسَاكُمْ نَتْرُكُكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة حم الجاثية‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره ‏"‏ الجاثية ‏"‏ حسب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاثية مستوفزين على الركب‏)‏ كذا لهم، وهو قول مجاهد وصله الطبري من طريقه‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله ‏"‏ جاثية ‏"‏ قال على الركب‏.‏

ويقال استوفز في قعدته إذا قعد منتصبا قعودا غير مطمئن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏نستنسخ نكتب‏)‏ كذا لأبي ذر، ولغيره‏:‏ وقال مجاهد فذكر‏.‏

وقد أخرج ابن أبي حاتم معناه عن مجاهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ننساكم نترككم‏)‏ هو قول أبي عبيدة، وقد وصله عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏فاليوم ننساكم كما نسيتم‏)‏ قال‏:‏ اليوم نترككم كما تركتم‏.‏

وأخرجه ابن المنذر من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أيضا، وهو من إطلاق الملزوم وإرادة اللازم، لأن من نسى فقد ترك بغير عكس‏.‏

*3*بَاب وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ الْآيَةَ

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏يؤذيني ابن آدم‏)‏ كذا أورده مختصرا، وقد أخرجه الطبري عن أبي كريب عن ابن عيينة بهذا الإسناد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ كان أهل الجاهلية يقولون إنما يهلكنا الليل والنهار، هو الذي يميتنا ويحيينا، فقال الله في كتابه ‏(‏وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا‏)‏ الآية، قال فيسبون الدهر، قال الله تبارك وتعالى‏:‏ يؤذيني ابن آدم ‏"‏ فذكره‏.‏

قال القرطبي‏:‏ معناه يخاطبني من القول بما يتأذى من يجوز في حقه التأذي، والله منزه عن أن يصل إليه الأذى، وإنما هذا من التوسع في الكلام‏.‏

والمراد أن من وقع ذلك منه تعرض لسخط الله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأنا الدهر‏)‏ قال الخطابي‏:‏ معناه أنا صاحب الدهر ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر، فمن سب الدهر من أجل أنه فاعل هذه الأمور عاد سبه إلى ربه الذي هو فاعلها، وإنما الدهر زمان جعل ظرفا لمواقع الأمور‏.‏

وكانت عادتهم إذا أصابهم مكروه أضافوه إلى الدهر فقالوا‏:‏ بؤسا للدهر، وتبا للدهر‏.‏

وقال النووي‏:‏ قوله ‏"‏ أنا الدهر ‏"‏ بالرفع في ضبط الأكثرين والمحققين، ويقال بالنصب على الظرف أي أنا باق أبدا، والموافق لقوله ‏"‏ إن الله هو الدهر ‏"‏ الرفع وهو مجاز، وذلك أن العرب كانوا يسبون الدهر عند الحوادث فقال‏:‏ لا تسبوه فإن فاعلها هو الله، فكأنه قال‏:‏ لا تسبوا الفاعل فإنكم إذا سببتموه سببتموني‏.‏

أو الدهر هنا بمعنى الداهر، فقد حكى الراغب أن الدهر في قوله ‏"‏ إن الله هو الدهر ‏"‏ غير الدهر في قوله ‏"‏ يسب الدهر ‏"‏ قال‏:‏ والدهر الأول الزمان والثاني المدبر المصرف لما يحدث، ثم استضعف هذا القول لعدم الدليل عليه‏.‏

ثم قال‏:‏ لو كان كذلك لعد الدهر من أسماء الله تعالى انتهى‏.‏

وكذا قال محمد بن داود محتجا لما ذهب إليه من أنه بفتح الراء فكان يقول‏:‏ لو كان بضمها لكان الدهر من أسماء الله تعالى‏.‏

وتعقب بأن ذلك ليس بلازم، ولا سيما مع روايته ‏"‏ فإن الله هو الدهر ‏"‏ قال ابن الجوزي‏:‏ يصوب ضم الراء من أوجه‏:‏ أحدها أن المضبوط عند المحدثين بالضم، ثانيها لو كان بالنصب يصير التقدير فأنا الدهر أقلبه، فلا تكون علة النهي عن سبه مذكورة لأنه تعالى يقلب الخير والشر فلا يستلزم ذلك منع الذم، ثالثها الرواية التي فيها ‏"‏ فإن الله هو الدهر ‏"‏ انتهى‏.‏

وهذه الأخيرة لا تعين الرفع لأن للمخالف أن يقول‏:‏ التقدير فإن الله هو الدهر يقلب، فترجع للرواية الأخرى، وكذا ترك ذكر علة النبي لا يعين الرفع لأنها تعرف من السياق، أي لا ذنب له فلا تسبوه‏.‏

*3*سورة حم الْأَحْقَافِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ تُفِيضُونَ تَقُولُونَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ أَثَرَةٍ وَأُثْرَةٍ وَأَثَارَةٍ بَقِيَّةٌ مِنْ عِلْمٍ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِدْعًا مِنْ الرُّسُلِ لَسْتُ بِأَوَّلِ الرُّسُلِ وَقَالَ غَيْرُهُ أَرَأَيْتُمْ هَذِهِ الْأَلِفُ إِنَّمَا هِيَ تَوَعُّدٌ إِنْ صَحَّ مَا تَدَّعُونَ لَا يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَلَيْسَ قَوْلُهُ أَرَأَيْتُمْ بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ إِنَّمَا هُوَ أَتَعْلَمُونَ أَبَلَغَكُمْ أَنَّ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ خَلَقُوا شَيْئًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة حم الأحقاف‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال بعضهم أثرة وأثرة وأثارة من علم‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏أو أثارة من علم‏)‏ أي بقية من علم، ومن قال أثرة أي بفتحتين فهو مصدر أثره يأثره فذكره‏.‏

قال الطبري‏:‏ قرأ الجمهور ‏(‏أو أثارة‏)‏ بالألف، وعن أبي عبد الرحمن السلمي ‏"‏ أو أثرة ‏"‏ بمعنى أو خاصة من علم أوتيتموه وأوثرتم به على غيركم‏.‏

قلت‏:‏ وبهذا فسره الحسن وقتادة، قال عبد الرزاق عن معمر عن الحسن في قوله‏:‏ ‏(‏أو أثرة من علم‏)‏ قال‏:‏ أثرة شيء يستخرجه فيثيره‏.‏

قال وقال قتادة‏:‏ أو خاصة من علم‏.‏

وأخرج الطبري من طريق أبي سلمة عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏أو أثارة من علم‏)‏ قال‏:‏ خط كانت تخطه العرب في الأرض‏.‏

وأخرجه أحمد والحاكم وإسناده صحيح‏.‏

ويروى عن ابن عباس‏:‏ جودة الخط، وليس بثابت‏.‏

وحمل بعض المالكية الخط هنا على المكتوب، وزعم أنه أراد الشهادة على الخط إذا عرفه، والأول هو الذي عليه الجمهور، وتمسك به بعضهم في تجويد الخط، ولا حجة فيه لأنه إنما جاء على ما كانوا يعتمدونه، فالأمر فيه ليس هو لإباحته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس ‏(‏بدعا من الرسل‏)‏ ما كنت بأول الرسل‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي ابن أبي طلحة عن ابن عباس، وللطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله‏.‏

وقال أبو عبيدة مثله قال‏:‏ ويقال ما هذا مني ببدع أي ببديع‏.‏

وللطبري من طريق سعيد عن قتادة قال‏:‏ إن الرسل قد كانت قبلي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تفيضون تقولون‏)‏ كذا لأبي ذر، وذكره غيره في أول السورة عن مجاهد، وقد وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره أرأيتم هذه الألف إنما هي توعد إن صح ما تدعون لا يستحق أن يعبد، وليس قوله أرأيتم برؤية العين إنما هو أتعلمون أبلغكم أن ما تدعون من دون الله خلقوا شيئا‏)‏ هذا كله سقط لأبي ذر‏.‏

*3*باب وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا

أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِنْ قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج - إلى قوله - أساطير الأولين‏)‏ كذا لأبي ذر، وساق غيره الآية إلى آخرها، وأف قرأها الجمهور بالكسر، لكن نونها نافع وحفص عن عاصم، وقرأ ابن كثير وابن عامر وابن محيصن - وهي رواية عن عاصم - بفتح الفاء بغير تنوين‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ قَالَ كَانَ مَرْوَانُ عَلَى الْحِجَازِ اسْتَعْمَلَهُ مُعَاوِيَةُ فَخَطَبَ فَجَعَلَ يَذْكُرُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ لِكَيْ يُبَايَعَ لَهُ بَعْدَ أَبِيهِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ شَيْئًا فَقَالَ خُذُوهُ فَدَخَلَ بَيْتَ عَائِشَةَ فَلَمْ يَقْدِرُوا فَقَالَ مَرْوَانُ إِنَّ هَذَا الَّذِي أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَكُمَا أَتَعِدَانِنِي فَقَالَتْ عَائِشَةُ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِينَا شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ عُذْرِي

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن يوسف بن ماهك‏)‏ بفتح الهاء وبكسرها ومعناه القمير تصغير القمر، ويجوز صرفه وعدمه كما سيأتي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان مروان على الحجاز‏)‏ أي أميرا على المدينة من قبل معاوية‏.‏

وأخرج الإسماعيلي والنسائي من طريق محمد بن زياد هو الجمحي قال ‏"‏ كان مروان عاملا على المدينة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استعمله معاوية، فخطب فجعل يذكر يزيد بن معاوية لكي يبايع له‏)‏ في رواية الإسماعيلي من الطريق المذكورة ‏"‏ فأراد معاوية أن يستخلف يزيد - يعني ابنه - فكتب إلى مروان بذلك، فجمع مروان الناس فخطبهم، فذكر يزيد، ودعا إلى بيعته وقال‏:‏ إن الله أرى أمير المؤمنين في يزيد رأيا حسنا، وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال له عبد الرحمن بن أبي بكر شيئا‏)‏ قيل قال له‏:‏ بيننا وبينكم ثلاث، مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر ولم يعهدوا‏.‏

كذا قال بعض الشراح وقد اختصره فأفسده، والذي في رواية الإسماعيلي‏:‏ فقال عبد الرحمن ما هي إلا هرقلية‏.‏

وله من طريق شعبة عن محمد بن زياد‏:‏ فقال مروان سنة أبي بكر وعمر‏.‏

فقال عبد الرحمن‏:‏ سنة هرقل وقيصر‏.‏

ولابن المنذر من هذا الوجه‏:‏ أجئتم بها هرقلية تبايعون لأبنائكم‏؟‏ ولأبي يعلى وابن أبي حاتم من طريق إسماعيل بن أبي خالد ‏"‏ حدثني عبد الله المدني قال‏:‏ كنت في المسجد حين خطب مروان فقال‏:‏ إن الله قد أرى أمير المؤمنين رأيا حسنا في يزيد، وإن يستخلفه فقد استخلف أبو بكر وعمر، فقال عبد الرحمن‏:‏ هرقلية‏.‏

إن أبا بكر والله ما جعلها في أحد من ولده ولا في أهل بيته، وما جعلها معاوية إلا كرامة لولده‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال خذوه، فدخل بيت عائشة فلم يقدروا‏)‏ أي امتنعوا من الدخول خلفه إعظاما لعائشة‏.‏

وفي رواية أبي يعلى ‏"‏ فنزل مروان عن المنبر حتى أتى باب عائشة فجعل يكلمها وتكلمه ثم انصرف‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال مروان إن هذا الذي أنزل الله فيه‏)‏ في رواية أبي يعلى ‏"‏ قال مروان‏:‏ اسكت، ألست الذي قال الله فيه‏.‏

فذكر الآية، فقال عبد الرحمن‏:‏ ألست ابن اللعين الذي لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت عائشة‏)‏ في رواية محمد بن زياد‏:‏ فقالت كذب مروان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ما أنزل الله فينا شيئا من القرآن إلا أن الله أنزل عذري‏)‏ أي الآية التي في سورة النور في قصة أهل الإفك وبراءتها مما رموها به‏.‏

وفي رواية الإسماعيلي‏:‏ فقالت عائشة كذب والله ما نزلت فيه‏.‏

وفي رواية له‏:‏ والله ما أنزلت إلا في فلان ابن فلان الفلاني‏.‏

وفي رواية له‏:‏ لو شئت أن أسميه لسميته، ولكن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن أبا مروان ومروان في صلبه‏.‏

وأخرج عبد الرزاق من طريق ميناء أنه سمع عائشة تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر وقالت‏:‏ إنما نزلت في فلان ابن فلان سمت رجلا‏.‏

وقد شغب بعض الرافضة فقال‏:‏ هذا يدل على أن قوله‏:‏ ‏(‏ثاني اثنين‏)‏ ليس هو أبا بكر، وليس كما فهم هذا الرافضي، بل المراد بقول عائشة فينا أي في بني أبي بكر، ثم الاستثناء من عموم النفي وإلا فالمقام يخصص، والآيات التي في عذرها في غاية المدح لها، والمراد نفي إنزال ما يحصل به الذم كما في قصة قوله‏:‏ ‏(‏والذي قال لوالديه‏)‏ إلى آخره‏.‏

والعجب مما أورده الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال‏:‏ نزلت هذه الآية في عبد الرحمن بن أبي بكر‏.‏

وقد تعقبه الزجاج فقال‏:‏ الصحيح أنها نزلت في الكافر العاق، وإلا فعبد الرحمن قد أسلم فحسن إسلامه وصار من خيار المسلمين‏.‏

وقد قال الله في هذه الآية ‏(‏أولئك الذين حق عليهم القول‏)‏ إلى آخر الآية فلا يناسب ذلك عبد الرحمن وأجاب المهدوي عن ذلك بأن الإشارة بأولئك للقوم الذين أشار إليهم المذكور بقوله‏:‏ ‏(‏وقد خلت القرون من قبلي‏)‏ فلا يمتنع أن يقع ذلك من عبد الرحمن قبل إسلامه ثم يسلم بعد ذلك، وقد أخرج ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن مجاهد قال‏:‏ نزلت في عبد الله بن أبي بكر الصديق، قال ابن جريج‏:‏ وقال آخرون في عبد الرحمن بن أبي بكر‏.‏

قلت‏:‏ والقول في عبد الله كالقول في عبد الرحمن فإنه أيضا أسلم وحسن إسلامه‏.‏

ومن طريق أسباط عن السدي قال‏:‏ نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر، قال لأبويه - وهما أبو بكر وأم رومان - وكانا قد أسلما وأبى هو أن يسلم، فكانا يأمرانه بالإسلام فكان يرد عليهما ويكذبهما ويقول‏:‏ فأين فلان وأين فلان يعني مشايخ قريش ممن قد مات، فأسلم بعد فحسن إسلامه، فنزلت توبته في هذه الآية ‏(‏ولكل درجات مما عملوا‏)‏ ‏.‏

قلت‏:‏ لكن نفي عائشة أن تكون نزلت في عبد الرحمن وآل بيته أصح إسنادا وأولى بالقبول‏.‏

وجزم مقاتل في تفسيره أنها نزلت في عبد الرحمن‏.‏

وأن قوله‏:‏ ‏(‏أولئك الذين حق عليهم القول‏)‏ نزلت في ثلاثة من كفار قريش، والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَارِضٌ السَّحَابُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ‏(‏فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم‏)‏ الآية‏)‏ ساقها غير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ عارض السحاب‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عنه‏.‏

وأخرج الطبري من طريق العوفي عن ابن عباس قال‏:‏ الريح إذا أثارت سحابا قالوا هذا عارض‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَاحِكًا حَتَّى أَرَى مِنْهُ لَهَوَاتِهِ إِنَّمَا كَانَ يَتَبَسَّمُ قَالَتْ وَكَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوْا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ فَقَالَ يَا عَائِشَةُ مَا يُؤْمِنِّي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد‏)‏ كذا لهم‏.‏

وفي رواية أبي ذر ‏"‏ حدثنا أحمد بن عيسى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عمرو‏)‏ هو ابن الحارث، وأبو النضر هو سالم المدني، ونصف هذا الإسناد الأعلى مدنيون والأدنى مصريون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى أرى منه لهواته‏)‏ بالتحريك جمع لهاة وهي اللحمة المتعلقة في أعلى الحنك، ويجمع أيضا على لهي بفتح اللام مقصور‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إنما كان يتبسم‏)‏ لا ينافي هذا ما جاء في الحديث الآخر ‏"‏ أنه ضحك حتى بدت نواجذه ‏"‏ لأن ظهور النواجذ - وهي الأسنان التي في مقدمة الفم أو الأنياب - لا يستلزم ظهور اللهاة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عرفت الكراهية في وجهه‏)‏ عبرت عن الشيء الظاهر في الوجه بالكراهة لأنه ثمرتها‏.‏

ووقع في رواية عطاء عن عائشة في أول هذا الحديث ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال‏:‏ اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به‏.‏

وإذا تخيلت السماء تغير لونه وخرج ودخل وأقبل وأدبر، فإذا أمطرت سرى عنه ‏"‏ الحديث أخرجه مسلم بطوله، وتقدم في بدء الخلق من قوله ‏"‏ كان إذا رأى مخيلة أقبل وأدبر ‏"‏ وقد تقدم لهذا الدعاء شواهد من حديث أنس وغيره في أواخر الاستسقاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عذب قوم بالريح، وقد رأى قوم العذاب فقالوا‏:‏ هذا عارض‏)‏ ظاهر هذا أن الذين عذبوا بالريح غير الذين قالوا ذلك، لما تقرر أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأول، لكن ظاهر آية الباب على أن الذين عذبوا بالريح هم الذين قالوا هذا عارض، ففي هذه السورة ‏(‏واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف‏)‏ الآيات وفيها ‏(‏فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا، بل هو ما استعجلتم به، ريح فيها عذاب أليم‏)‏ وقد أجاب الكرماني عن الإشكال بأن هذه القاعدة المذكورة إنما تطرد إذا لم يكن في السياق قرينة تدل على أنها عين الأول، فإن كان هناك قرينة كما في قوله تعالى ‏(‏وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله‏)‏ فلا‏.‏

ثم قال‏:‏ ويحتمل أن عادا قومان قوم بالأحقاف وهم أصحاب العارض وقوم غيرهم، قلت‏:‏ ولا يخفى بعده‏.‏

لكنه محتمل، فقد قال تعالى في سورة النجم ‏(‏وأنه أهلك عادا الأولى‏)‏ فإنه يشعر بأن ثم عادا أخرى‏.‏

وقد أخرج قصة عاد الثانية أحمد بإسناد حسن عن الحارث بن حسان البكري قال ‏"‏ خرجت أنا والعلاء بن الحضرمي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث - وفيه - فقلت‏:‏ أعوذ بالله وبرسوله أن أكون كوافد عاد، قال‏:‏ وما وافد عاد‏؟‏ وهو أعلم بالحديث ولكنه يستطعمه، فقلت‏:‏ إن عادا قحطوا، فبعثوا قيل بن عنز إلى معاوية بن بكر بمكة يستسقى لهم، فمكث شهرا في ضيافته تغنيه الجرادتان، فلما كان بعد شهر خرج لهم فاستسقى لهم، فمرت بهم سحابات فاختار السوداء منها، فنودي‏:‏ خذها رمادا رمدا، لا تبق من عاد أحدا ‏"‏ وأخرج الترمذي والنسائي وابن ماجه بعضه، والظاهر أنه في قصة عاد الأخيرة لذكر مكة فيه، وإنما بنيت بعد إبراهيم حين أسكن هاجر وإسماعيل بواد غير ذي زرع، فالذين ذكروا في سورة الأحقاف هم عاد الأخيرة ويلزم عليه أن المراد بقوله تعالى ‏(‏أخا عاد‏)‏ نبي آخر غير هود‏.‏

والله أعلم‏.‏

*3*سورة مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

أَوْزَارَهَا آثَامَهَا حَتَّى لَا يَبْقَى إِلَّا مُسْلِمٌ عَرَّفَهَا بَيَّنَهَا وَقَالَ مُجَاهِدٌ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَلِيُّهُمْ فَإِذَا عَزَمَ الْأَمْرُ أَيْ جَدَّ الْأَمْرُ فَلَا تَهِنُوا لَا تَضْعُفُوا وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَضْغَانَهُمْ حَسَدَهُمْ آسِنٍ مُتَغَيِّرٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة محمد صلى الله عليه وسلم بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ كذا لابن ذر، ولغيره ‏(‏الذين كفروا‏)‏ حسب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أوزارها آثامها حتى لا يبقى إلا مسلم‏)‏ قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏حتى تضع الحرب أوزارها‏)‏ قال‏:‏ حتى لا يكون شرك، قال‏:‏ والحرب من كان يقاتله، سماهم حربا‏.‏

قال ابن التين‏:‏ لم يقل هذا أحد غير البخاري‏.‏

والمعروف أن المراد بأوزارها السلاح، وقيل حتى ينزل عيسى بن مريم انتهى‏.‏

وما نفاه قد علمه غيره؛ قال ابن قرقول‏:‏ هذا التفسير يحتاج إلى تفسير، وذلك لأن الحرب لا آثام لها، فلعله كما قال الفراء آثام أهلها، ثم حذف وأبقى المضاف إليه، أو كما قال النحاس‏:‏ حتى تضع أهل الآثام فلا يبقى مشرك انتهى‏.‏

ولفظ الفراء الهاء في أوزارها لأهل الحرب أي آثامهم، ويحتمل أن يعود على الحرب والمراد بأوزارها سلاحها انتهى‏.‏

فجعل ما ادعى ابن التين أنه المشهور احتمالا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عرفها‏:‏ بينها‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏عرفها لهم‏)‏ بينها لهم وعرفهم منازلهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ مولى الذين آمنوا وليهم‏)‏ كذا لغير أبي ذر وسقط له، وقد وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا عزم الأمر أي جد الأمر‏)‏ وصله الفريابي من طريق ابن أبي نجيح عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلا تهنوا‏:‏ فلا تضعفوا‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريقه كذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ أضغانهم حسدهم‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏أن لن يخرج الله أضغانهم‏)‏ قال‏:‏ أعمالهم، خبثهم والحسد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آسن متغير‏)‏ كذا لغير أبي ذر هنا، وسيأتي في أواخر السورة‏.‏

*3*باب وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب وتقطعوا أرحامكم‏)‏ قرأ الجمهور بالتشديد ويعقوب بالتخفيف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي مُزَرِّدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ خَلَقَ اللَّهُ الْخَلْقَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهُ قَامَتْ الرَّحِمُ فَأَخَذَتْ بِحَقْوِ الرَّحْمَنِ فَقَالَ لَهُ مَهْ قَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنْ الْقَطِيعَةِ قَالَ أَلَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى يَا رَبِّ قَالَ فَذَاكِ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي أَبُو الْحُبَابِ سَعِيدُ بْنُ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِهَذَا ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي الْمُزَرَّدِ بِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ فَهَلْ عَسَيْتُمْ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏خلق الله الخلق فلما فرغ منه‏)‏ أي قضاه وأتمه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قامت الرحم‏)‏ يحتمل أن يكون على الحقيقة، والأعراض يجوز أن تتجسد وتتكلم بإذن الله، ويجوز أن يكون على حذف أي قام ملك فتكلم على لسانها، ويحتمل أن يكون ذلك على طريق ضرب المثل والاستعارة والمراد تعظيم شأنها وفضل واصلها وإثم قاطعها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأخذت‏)‏ كذا للأكثر بحذف مفعول أخذت‏.‏

وفي رواية ابن السكن ‏"‏ فأخذت بحقو الرحمن ‏"‏ وفي رواية الطبري ‏"‏ بحقوى الرحمن ‏"‏ بالتثنية، قال القابسي أبي أبو زيد المرزوي أن يقرأ لنا هذا الحرف لإشكاله، ومشى بعض الشراح على الحذف فقال‏:‏ أخذت بقائمة من قوائم العرش‏.‏

وقال عياض‏:‏ الحقو معقد الإزار، وهو الموضع الذي يستجار به ويحتزم به على عادة العرب، لأنه من أحق ما يحامى عنه ويدفع، كما قالوا نمنعه مما نمنع منه أزرنا، فاستعير ذلك مجازا للرحم في استعاذتها بالله من القطيعة انتهى‏.‏

وقد يطلق الحقو على الإزار نفسه كما في حديث أم عطية ‏"‏ فأعطاها حقوه فقال‏:‏ أشعرنها إياه ‏"‏ يعني إزاره وهو المراد هنا، وهو الذي جرت العادة بالتمسك به عند الإلحاح في الاستجارة والطلب، والمعنى على هذا صحيح مع اعتقاد تنزيه الله عن الجارحة‏.‏

قال الطيبي‏:‏ هذا القول مبني على الاستعارة التمثيلية كأنه شبه حالة الرحم وما هي عليه من الافتقار إلى الصلة والذب عنها بحال مستجير يأخذ بحقو المستجار به، ثم أسند على سبيل الاستعارة التخييلية ما هو لازم للمشبه به من القيام فيكون قرينة مانعة من إرادة الحقيقة، ثم رشحت الاستعارة بالقول والأخذ وبلفظ الحقو فهو استعارة أخرى، والتثنية فيه للتأكيد لأن الأخذ باليدين آكد في الاستجارة من الأخذ بيد واحدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال له مه‏)‏ هو اسم فعل معناه الزجر أي اكفف‏.‏

وقال ابن، مالك‏:‏ هي هنا ‏"‏ ما ‏"‏ الاستفهامية حذفت ألفها ووقف عليها بهاء السكت، والشائع أن لا يفعل ذلك إلا وهي مجرورة، لكن قد سمع مثل ذلك فجاء عن أبي ذؤيب الهذلي قال‏:‏ قدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء كضجيح الحجيج، فقلت مه‏؟‏ فقالوا‏.‏

قبص‏.‏

رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله في الإسناد ‏(‏حدثنا سليمان‏)‏ هو ابن بلال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هذا مقام العائد بك من القطيعة‏)‏ هذه الإشارة إلى المقام أي قيامي في هذا مقام العائذ بك، وسيأتي مزيد بيان لما يتعلق بقطيعة الرحم في أوائل كتاب الأدب إن شاء الله تعالى‏.‏

ووقع في رواية الطبري ‏"‏ هذا مقام عائذ من القطيعة ‏"‏ والعائذ المستعيذ، وهو المعتصم بالشيء المستجير به‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو هريرة‏:‏ اقرءوا إن شئتم‏:‏ فهل عسيتم‏)‏ هذا ظاهره أن الاستشهاد موقوف، وسيأتي بيان من رفعه وكذا في رواية الطبري من طريق سعيد بن أبي مريم عن سليمان بن بلال ومحمد بن جعفر بن أبي كثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا حاتم‏)‏ هو ابن إسماعيل الكوفي نزيل المدينة، ومعاوية هو ابن أبي مزرد المذكور في الذي قبله وبعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بهذا‏)‏ يعني الحديث الذي قبله، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريقين عن حاتم بن إسماعيل بلفظ ‏"‏ فلما فرغ منه قامت الرحم فقالت‏:‏ هذا مقام العائذ ‏"‏ ولم يذكر الزيادة‏.‏

وزاد بعد قوله قالت بلى يا رب ‏"‏ قال فذلك لك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرءوا إن شئتم‏)‏ حاصله أن الذي وقفه سليمان بن بلال على أبي هريرة رفعه حاتم بن إسماعيل، وكذا وقع في رواية الإسماعيلي المذكورة‏.‏

قول ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك قول ‏(‏بهذا‏)‏ أي بهذا الإسناد والمتن، ووافق حاتما على رفع هذا الكلام الأخير، وكذا أخرجه الإسماعيلي من طريق حبان بن موسى عن عبد الله بن المبارك‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ اختلف في تأويل قوله‏:‏ ‏(‏إن توليتم‏)‏ فالأكثر على أنها من الولاية والمعنى إن وليتم الحكم، وقيل بمعنى الإعراض، والمعنى لعلكم إن أعرضتم عن قبول الحكم أن يقع منكم ما ذكر، والأول أشهر، ويشهد له ما أخرج الطبري في تهذيبه من حديث عبد الله بن مغفل قال ‏"‏ سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‏(‏فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض‏)‏ قال هم هذا الحي من قريش، أخذ الله عليهم إن ولوا الناس أن لا يفسدوا في الأرض ولا يقطعوا أرحامهم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آسن متغير‏)‏ وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‏.‏

وقال أبو عبيدة مثله‏.‏

وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة غير منتن‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم من طريق مرسل من رواية أبي معاذ البصري ‏"‏ أن عليا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم - فذكر حديثا طويلا مرفوعا فيه ذكر الجنة قال - وأنهار من ماء غير آسن ‏"‏ قال صاف‏:‏ لا كدر فيه، والله أعلم

*3*سورة الْفَتْحِ

وَقَالَ مُجَاهِدٌ بُورًا هَالِكِينَ سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ السَّحْنَةُ وَقَالَ مَنْصُورٌ عَنْ مُجَاهِدٍ التَّوَاضُعُ شَطْأَهُ فِرَاخَهُ فَاسْتَغْلَظَ غَلُظَ سُوقِهِ السَّاقُ حَامِلَةُ الشَّجَرَةِ وَيُقَالُ دَائِرَةُ السَّوْءِ كَقَوْلِكَ رَجُلُ السَّوْءِ وَدَائِرَةُ السُّوءِ الْعَذَابُ تُعَزِّرُوهُ تَنْصُرُوهُ شَطْأَهُ شَطْءُ السُّنْبُلِ تُنْبِتُ الْحَبَّةُ عَشْرًا أَوْ ثَمَانِيًا وَسَبْعًا فَيَقْوَى بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَذَاكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فَآزَرَهُ قَوَّاهُ وَلَوْ كَانَتْ وَاحِدَةً لَمْ تَقُمْ عَلَى سَاقٍ وَهُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ خَرَجَ وَحْدَهُ ثُمَّ قَوَّاهُ بِأَصْحَابِهِ كَمَا قَوَّى الْحَبَّةَ بِمَا يُنْبِتُ مِنْهَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سورة الفتح‏.‏

بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ سقطت البسملة لغير أبي ذر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال مجاهد‏:‏ بورا هالكين‏)‏ وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بهذا، وسقط لغير أبي ذر‏.‏

وقال أبو عبيدة‏:‏ ويقال بار الطعام أي هلك، ومنه قول عبد الله بن الزبعرى‏:‏ يا رسول الله المليك إن لساني رائق ما فتقت إذ أنا بور أي هالك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سيماهم في وجوههم‏:‏ السحنة‏)‏ وفي رواية المستملي والكشميهني والقابسي ‏"‏ السجدة ‏"‏ والأول أولى، فقد وصله ابن أبي حاتم من طريق الحاكم عن مجاهد كذلك، والسحنة بالسين وسكون الحاء المهملتين وقيده ابن السكن والأصيلي بفتحهما قال عياض وهو الصواب عند أهل اللغة، وهو لين البشرة والنعمة، وقيل الهيئة، وقيل الحال انتهى‏.‏

وجزم ابن قتيبة بفتح الحاء أيضا وأنكر السكون وقد أثبته الكسائي والفراء‏.‏

وقال العكبري‏:‏ السحنة بفتح أوله وسكون ثانية لون الوجه‏.‏

ولرواية المستملي ومن وافقه توجيه لأنه يريد بالسجدة أثرها في الوجه يقال لأثر السجود في الوجه سجدة وسجادة، ووقع في رواية النسفي ‏"‏ المسحة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال منصور عن مجاهد‏:‏ التواضع‏)‏ وصله علي بن المديني عن جرير عن منصور، ورويناه في ‏"‏ الزهد ‏"‏ لابن المبارك وفي ‏"‏ تفسير عبد بن حميد ‏"‏ وابن أبي حاتم عن سفيان وزائدة كلاهما عن منصور عن مجاهد قال‏:‏ هو الخشوع، زاد في رواية زائدة ‏"‏ قلت ما كنت أراه إلا هذا الأثر الذي في الوجه، فقال‏:‏ ربما كان بين عيني من هو أقسى قلبا من فرعون‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شطأه فراخه، فاستغلظ غلظ، سوقه الساق حاملة الشجرة‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏كزرع أخرج شطأه‏)‏ أخرج فراخه، يقال قد أشطأه الزرع فآزره ساواه صار مثل الأم، فاستغلظ غلظ، فاستوى على سوقه الساق حاملة الشجر‏.‏

وأخرج عبد بن حميد من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله‏:‏ ‏(‏كزرع أخرج شطأه‏)‏ قال‏:‏ ما يخرج بجنب الحقلة فيتم وينمى، وبه في قوله‏:‏ ‏(‏على سوقه‏)‏ قال‏:‏ على أصوله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏شطأه شطء السنبل تنبت الحبة عشرا أو ثمانيا وسبعا فيقوى بعضه ببعض فذاك قوله تعالى ‏(‏فآزره‏)‏ قواه، ولو كانت واحدة لم تقم على ساق، وهو مثل ضربه الله للنبي صلى الله عليه وسلم إذ خرج وحده ثم قواه بأصحابه كما قوى الحبة بما ينبت منها‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏دائرة السوء كقولك رجل السوء، ودائرة السوء العذاب‏)‏ هو قول أبي عبيدة قال المعنى تدور عليهم‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ قرأ الجمهور السوء بفتح السين في الموضعين، وضمها أبو عمرو وابن كثير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعزروه ينصروه‏)‏ قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة في قوله‏:‏ ‏(‏ويعزروه‏)‏ قال‏:‏ ينصروه، وقد تقدم في الأعراف ‏(‏فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه‏)‏ وهذه ينبغي تفسيرها بالتوقير فرارا من التكرار، والتعزير يأتي بمعنى التعظيم والإعانة والمنع من الأعداء، ومن هنا يجيء التعزير بمعنى التأديب لأنه يمنع الجاني من الوقوع في الجناية، وهذا التفسير على قراءة الجمهور، وجاء في الشواذ عن ابن عباس ‏"‏ يعزروه ‏"‏ بزاءين من العزة‏.‏

ثم ذكر في الباب خمسة أحاديث‏:‏ الحديث الأول‏:‏