فصل: باب قَوْلِهِ أَمَنَةً نُعَاسًا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ لَا خَيْرَ أَلِيمٌ مُؤْلِمٌ مُوجِعٌ مِنْ الْأَلَمِ وَهْوَ فِي مَوْضِعِ مُفْعِلٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم، لا خير‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏من خلاق‏)‏ أي نصيب من خير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أليم مؤلم موجع، من الألم، وهو في موضع مفعل‏)‏ هو كلام أبي عبيدة أيضا، واستشهد بقول ذي الرمة ‏"‏ يصيبك وجهها وهج أليم ‏"‏ ثم ذكر حديث ابن مسعود ‏"‏ من حلف يمين صبر ‏"‏ وفيه قول الأشعث إن قوله تعالى ‏(‏إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا‏)‏ ‏:‏ نزلت فيه وفي خصمة حين تحاكما في البئر، وحديث عبد الله بن أبي أوفى أنها نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد أعطى بها ما لم يعطه، وقد تقدما جميعا في الشهادات، وأنه لا منافاة بينهما، ويحمل على أن النزول كان بالسببين جميعا، ولفظ الآية أعم من ذلك، ولهذا، وقع في صدر حديث ابن مسعود ما يقتضي ذلك‏.‏

وذكر الطبري من طريق عكرمة أن الآية نزلت في حيي بن أخطب وكعب بن الأشرف وغيرهما من اليهود الذين كتموا ما أنزل الله في التوراة من شأن النبي صلى الله عليه وسلم وقالوا وحلفوا أنه من عند الله، وقص الكلبي في تفسيره في ذلك قصة طويلة وهي محتملة أيضا لكن المعتمد في ذلك ما ثبت في الصحيح‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ يَمِينَ صَبْرٍ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَا خَلَاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ فَدَخَلَ الْأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ قُلْنَا كَذَا وَكَذَا قَالَ فِيَّ أُنْزِلَتْ كَانَتْ لِي بِئْرٌ فِي أَرْضِ ابْنِ عَمٍّ لِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيِّنَتُكَ أَوْ يَمِينُهُ فَقُلْتُ إِذًا يَحْلِفَ يَا رَسُولَ اللَّهِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ يَقْتَطِعُ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانٌ

الشرح‏:‏

سنذكر ما يتعلق بحكم اليمين في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيٌّ هُوَ ابْنُ أَبِي هَاشِمٍ سَمِعَ هُشَيْمًا أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَجُلًا أَقَامَ سِلْعَةً فِي السُّوقِ فَحَلَفَ فِيهَا لَقَدْ أَعْطَى بِهَا مَا لَمْ يُعْطِهِ لِيُوقِعَ فِيهَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَنَزَلَتْ إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا إِلَى آخِرِ الْآيَةِ

الشرح‏:‏

سنذكر ما يتعلق بحكم اليمين في كتاب الأيمان والنذور إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا نَصْرُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ امْرَأَتَيْنِ كَانَتَا تَخْرِزَانِ فِي بَيْتٍ أَوْ فِي الْحُجْرَةِ فَخَرَجَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَدْ أُنْفِذَ بِإِشْفَى فِي كَفِّهَا فَادَّعَتْ عَلَى الْأُخْرَى فَرُفِعَ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ يُعْطَى النَّاسُ بِدَعْوَاهُمْ لذَهَبَ دِمَاءُ قَوْمٍ وَأَمْوَالُهُمْ ذَكِّرُوهَا بِاللَّهِ وَاقْرَءُوا عَلَيْهَا إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ فَذَكَّرُوهَا فَاعْتَرَفَتْ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا نصر بن علي‏)‏ هو الجهضمي بجيم ومعجمة، وعبد الله بن داود هو الخريبي بمعجمة وموحدة مصغر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أن امرأتين‏)‏ سيأتي تسميتهما في كتاب الأيمان والنذور مع شرح الحديث، وإنما أورده هنا لقول ابن عباس ‏"‏ اقرءوا عليها ‏(‏إن الذين يشترون بعهد الله‏)‏ الآية ‏"‏ فإن فيه الإشارة إلى العمل بما دل عليه عموم الآية لا خصوص سبب نزولها، وفيه أن الذي تتوجه عليه اليمين بهذه الآية ونحوها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏في بيت وفي الحجرة‏)‏ كذا للأكثر بواو العطف، وللأصلي وحده ‏"‏ في بيت أو في الحجرة ‏"‏ بأو، والأول هو الصواب، وسبب الخطأ في رواية الأصيلي أن في السياق حذفا بينه ابن السكن حيث جاء فيها ‏"‏ في بيت وفي الحجرة حداث ‏"‏ فالواو عاطفة، أو الجملة حالية لكن المبتدأ محذوف، وحداث بضم المهملة والتشديد وآخره مثلثة أي ناس يتحدثون‏.‏

وحاصله أن المرأتين كانتا في البيت وكان في الحجرة المجاورة للبيت ناس يتحدثون، فسقط المبتدأ من الرواية فصار مشكلا فعدل الراوي عن الواو إلى أو التي للترديد فرارا من استحالة كون المرأتين في البيت وفي الحجرة معا‏.‏

على أن دعوى الاستحالة مردودة لأن له وجها ويكون من عطف الخاص على العام، لأن الحجرة أخص من البيت‏.‏

لكن رواية ابن السكن أفصحت عن المراد فأغنت عن التقدير، كذا ثبت مثله في رواية الإسماعيلي، والله أعلم‏.‏

*3*باب قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ سَوَاءٍ قَصْدٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى ‏(‏قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أن لا نعبد إلا الله‏)‏ كذا للأكثر، ولأبي ذر ‏"‏ وبينكم الآية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سواء قصدا‏)‏ كذا لأبي ذر بالنصب، ولغيره بالجر فيهما وهو أظهر على الحكاية، لأنه يفسر قوله ‏(‏إلى كلمة سواء‏)‏ وقد قرئ في الشواذ بالنصب وهي قراءة الحسن البصري قال الحوفي‏:‏ أنتصب على المصدر، أي استوت استواء‏.‏

والقصد بفتح القاف وسكون المهملة‏:‏ الوسط المعتدل‏.‏

قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏إلى كلمة سواء‏)‏ أي عدل‏.‏

وكذا أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق الربيع بن أنس‏.‏

وأخرج الطبري عن قتادة مثله، ونسبها الفراء إلى قراءة ابن مسعود‏.‏

وأخرج عن أبي العالية أن المراد بالكلمة لا إله إلا الله، وعلى ذلك يدل سياق الآية الذي تضمنه قوله‏:‏ ‏(‏أن لا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله‏)‏ فإن جميع ذلك داخل تحت كلمة الحق وهي لا إله إلا الله، والكلمة على هذا بمعنى الكلام، وذلك سائغ في اللغة، فتطلق الكلمة على الكلمات لأن بعضها ارتبط ببعض فصارت في قوة الكلمة الواحدة، بخلاف اصطلاح النحاة في تفريقهم بين الكلمة والكلام‏.‏

ثم ذكر المصنف حديث أبي سفيان في قصة هرقل بطوله، وقد شرحته في بدء الوحي، وأحلت بقية شرحه على الجهاد فلم يقدر إيراده هناك‏.‏

فأوردته هنا‏.‏

وهشام في أول الإسناد هو ابن يوسف الصنعاني‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى عَنْ هِشَامٍ عَنْ مَعْمَرٍ ح و حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو سُفْيَانَ مِنْ فِيهِ إِلَى فِيَّ قَالَ انْطَلَقْتُ فِي الْمُدَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَيْنِي وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فَبَيْنَا أَنَا بِالشَّأْمِ إِذْ جِيءَ بِكِتَابٍ مِنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى هِرَقْلَ قَالَ وَكَانَ دَحْيَةُ الْكَلْبِيُّ جَاءَ بِهِ فَدَفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى فَدَفَعَهُ عَظِيمُ بُصْرَى إِلَى هِرَقْلَ قَالَ فَقَالَ هِرَقْلُ هَلْ هَا هُنَا أَحَدٌ مِنْ قَوْمِ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالُوا نَعَمْ قَالَ فَدُعِيتُ فِي نَفَرٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَدَخَلْنَا عَلَى هِرَقْلَ فَأُجْلِسْنَا بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ أَيُّكُمْ أَقْرَبُ نَسَبًا مِنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ فَقُلْتُ أَنَا فَأَجْلَسُونِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَجْلَسُوا أَصْحَابِي خَلْفِي ثُمَّ دَعَا بِتَرْجُمَانِهِ فَقَالَ قُلْ لَهُمْ إِنِّي سَائِلٌ هَذَا عَنْ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ فَإِنْ كَذَبَنِي فَكَذِّبُوهُ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ وَايْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنْ يُؤْثِرُوا عَلَيَّ الْكَذِبَ لَكَذَبْتُ ثُمَّ قَالَ لِتَرْجُمَانِهِ سَلْهُ كَيْفَ حَسَبُهُ فِيكُمْ قَالَ قُلْتُ هُوَ فِينَا ذُو حَسَبٍ قَالَ فَهَلْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ أَيَتَّبِعُهُ أَشْرَافُ النَّاسِ أَمْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ قُلْتُ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ قَالَ يَزِيدُونَ أَوْ يَنْقُصُونَ قَالَ قُلْتُ لَا بَلْ يَزِيدُونَ

قَالَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ قَالَ قُلْتُ لَا قَالَ فَهَلْ قَاتَلْتُمُوهُ قَالَ قُلْتُ نَعَمْ قَالَ فَكَيْفَ كَانَ قِتَالُكُمْ إِيَّاهُ قَالَ قُلْتُ تَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ سِجَالًا يُصِيبُ مِنَّا وَنُصِيبُ مِنْهُ قَالَ فَهَلْ يَغْدِرُ قَالَ قُلْتُ لَا وَنَحْنُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْمُدَّةِ لَا نَدْرِي مَا هُوَ صَانِعٌ فِيهَا قَالَ وَاللَّهِ مَا أَمْكَنَنِي مِنْ كَلِمَةٍ أُدْخِلُ فِيهَا شَيْئًا غَيْرَ هَذِهِ قَالَ فَهَلْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ قُلْتُ لَا ثُمَّ قَالَ لِتُرْجُمَانِهِ قُلْ لَهُ إِنِّي سَأَلْتُكَ عَنْ حَسَبِهِ فِيكُمْ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ فِيكُمْ ذُو حَسَبٍ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْعَثُ فِي أَحْسَابِ قَوْمِهَا وَسَأَلْتُكَ هَلْ كَانَ فِي آبَائِهِ مَلِكٌ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ مِنْ آبَائِهِ مَلِكٌ قُلْتُ رَجُلٌ يَطْلُبُ مُلْكَ آبَائِهِ وَسَأَلْتُكَ عَنْ أَتْبَاعِهِ أَضُعَفَاؤُهُمْ أَمْ أَشْرَافُهُمْ فَقُلْتَ بَلْ ضُعَفَاؤُهُمْ وَهُمْ أَتْبَاعُ الرُّسُلِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ كُنْتُمْ تَتَّهِمُونَهُ بِالْكَذِبِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ مَا قَالَ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَ الْكَذِبَ عَلَى النَّاسِ ثُمَّ يَذْهَبَ فَيَكْذِبَ عَلَى اللَّهِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَرْتَدُّ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَنْ دِينِهِ بَعْدَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ سَخْطَةً لَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ إِذَا خَالَطَ بَشَاشَةَ الْقُلُوبِ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَزِيدُونَ أَمْ يَنْقُصُونَ فَزَعَمْتَ أَنَّهُمْ يُزِيدُونَ وَكَذَلِكَ الْإِيمَانُ حَتَّى يَتِمَّ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَاتَلْتُمُوهُ فَزَعَمْتَ أَنَّكُمْ قَاتَلْتُمُوهُ فَتَكُونُ الْحَرْبُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ سِجَالًا يَنَالُ مِنْكُمْ وَتَنَالُونَ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ تُبْتَلَى ثُمَّ تَكُونُ لَهُمْ الْعَاقِبَةُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ يَغْدِرُ فَزَعَمْتَ أَنَّهُ لَا يَغْدِرُ وَكَذَلِكَ الرُّسُلُ لَا تَغْدِرُ وَسَأَلْتُكَ هَلْ قَالَ أَحَدٌ هَذَا الْقَوْلَ قَبْلَهُ فَزَعَمْتَ أَنْ لَا فَقُلْتُ لَوْ كَانَ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ أَحَدٌ قَبْلَهُ قُلْتُ رَجُلٌ ائْتَمَّ بِقَوْلٍ قِيلَ قَبْلَهُ قَالَ ثُمَّ قَالَ بِمَ يَأْمُرُكُمْ قَالَ قُلْتُ يَأْمُرُنَا بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالصِّلَةِ وَالْعَفَافِ قَالَ إِنْ يَكُ مَا تَقُولُ فِيهِ حَقًّا فَإِنَّهُ نَبِيٌّ وَقَدْ كُنْتُ أَعْلَمُ أَنَّهُ خَارِجٌ وَلَمْ أَكُ أَظُنُّهُ مِنْكُمْ وَلَوْ أَنِّي أَعْلَمُ أَنِّي أَخْلُصُ إِلَيْهِ لَأَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ وَلَوْ كُنْتُ عِنْدَهُ لَغَسَلْتُ عَنْ قَدَمَيْهِ وَلَيَبْلُغَنَّ مُلْكُهُ مَا تَحْتَ قَدَمَيَّ

قَالَ ثُمَّ دَعَا بِكِتَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَرَأَهُ فَإِذَا فِيهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنْ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ سَلَامٌ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْهُدَى أَمَّا بَعْدُ فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الْإِسْلَامِ أَسْلِمْ تَسْلَمْ وَأَسْلِمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الْأَرِيسِيِّينَ وَ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَنْ لَا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ إِلَى قَوْلِهِ اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ الْكِتَابِ ارْتَفَعَتْ الْأَصْوَاتُ عِنْدَهُ وَكَثُرَ اللَّغَطُ وَأُمِرَ بِنَا فَأُخْرِجْنَا قَالَ فَقُلْتُ لِأَصْحَابِي حِينَ خَرَجْنَا لَقَدْ أَمِرَ أَمْرُ ابْنِ أَبِي كَبْشَةَ إِنَّهُ لَيَخَافُهُ مَلِكُ بَنِي الْأَصْفَرِ فَمَا زِلْتُ مُوقِنًا بِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَيَظْهَرُ حَتَّى أَدْخَلَ اللَّهُ عَلَيَّ الْإِسْلَامَ قَالَ الزُّهْرِيُّ فَدَعَا هِرَقْلُ عُظَمَاءَ الرُّومِ فَجَمَعَهُمْ فِي دَارٍ لَهُ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الرُّومِ هَلْ لَكُمْ فِي الْفَلَاحِ وَالرَّشَدِ آخِرَ الْأَبَدِ وَأَنْ يَثْبُتَ لَكُمْ مُلْكُكُمْ قَالَ فَحَاصُوا حَيْصَةَ حُمُرِ الْوَحْشِ إِلَى الْأَبْوَابِ فَوَجَدُوهَا قَدْ غُلِّقَتْ فَقَالَ عَلَيَّ بِهِمْ فَدَعَا بِهِمْ فَقَالَ إِنِّي إِنَّمَا اخْتَبَرْتُ شِدَّتَكُمْ عَلَى دِينِكُمْ فَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكُمْ الَّذِي أَحْبَبْتُ فَسَجَدُوا لَهُ وَرَضُوا عَنْهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني أبو سفيان من فيه إلى في‏)‏ إنما لم يقل إلى أذني يشير إلى أنه كان متمكنا من الإصغاء إليه بحيث يجيبه إذا احتاج إلى الجواب، فلذلك جعل التحديث متعلقا بفمه، وهو في الحقيقة إنما يتعلق بأذنه‏.‏

واتفق أكثر الروايات على أن الحديث كله من رواية ابن عباس عن أبي سفيان إلا ما وقع من رواية صالح بن كيسان عن الزهري في الجهاد فإنه ذكر أول الحديث عن ابن عباس إلى قوله ‏"‏ فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه التمسوا لي هاهنا أحدا من قومه لأسألهم عنه، قال ابن عباس فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام ‏"‏ الحديث‏.‏

كذا وقع عند أبي يعلى من رواية الوليد بن محمد عن الزهري، وهذه الرواية المفصلة تشعر بأن فاعل ‏"‏ قال ‏"‏ الذي وقع هنا من قوله ‏"‏ قال وكان دحية إلخ ‏"‏ هو ابن عباس لا أبو سفيان، وفاعل ‏"‏ قال وقال هرقل هل هنا أحد ‏"‏ هو أبو سفيان‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هرقل‏)‏ بكسر الهاء وفتح الراء وسكون القاف على المشهور في الروايات، وحكى الجوهري وغير واحد من أهل اللغة سكون الراء وكسر القاف، وهو اسم غير عربي فلا ينصرف للعلمية والعجمة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدعيت في نفر من قريش فدخلنا على هرقل‏)‏ فيه حذف تقديره‏:‏ فجاءنا رسوله، فتوجهنا معه، فاستأذن لنا فأذن فدخلنا‏.‏

وهذه الفاء تسمى الفصيحة، وهي الدالة على محذوف قبلها هو سبب لما بعدها، سميت فصيحة لإفصاحها عما قبلها‏.‏

وقيل لأنها تدل على فصاحة المتكلم بها فوصفت بالفصاحة على الإسناد المجازي، ولهذا لا تقع إلا في كلام بليغ‏.‏

ثم إن ظاهر السياق أن هرقل أرسل إليه بعينه، وليس كذلك، وإنما كان المطلوب من يوجد من قريش‏.‏

ووقع في الجهاد ‏"‏ قال أبو سفيان‏:‏ فوجدنا رسول قيصر ببعض الشام، فانطلق بي وبأصحابي حتى قدمنا إلى إيلياء ‏"‏ وتقدم في بدء الوحي أن المراد بالبعض غزة، وقيصر هو هرقل وهرقل اسمه وقيصر لقبه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدخلنا على هرقل‏)‏ تقدم في بدء الوحي بلفظ ‏"‏ فأتوه وهو بإيلياء‏.‏

وفي رواية هناك ‏"‏ وهم بإيلياء ‏"‏ واستشكلت ووجهت أن المراد الروم مع ملكهم، والأول أصوب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأجلسنا بين يديه فقال‏:‏ أيكم أقرب نسبا من هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي‏؟‏ فقال أبو سفيان‏:‏ فقلت أنا‏.‏

فأجلسوني بين يديه وأجلسوا أصحابي خلفي، ثم دعا بترجمانه‏)‏ وهذا يقتضي أن هرقل خاطبهم أولا بغير ترجمان، ثم دعا بالترجمان، لكن وقع في الجهاد بلفظ ‏"‏ فقال لترجمانه‏:‏ سلهم أيهم أقرب نسبا إلخ ‏"‏ فيجمع بين هذا الاختلاف بأن قوله ‏"‏ ثم دعا بترجمانه ‏"‏ أي فأجلسه إلى جنب أبي سفيان، لا أن المراد أنه كان غائبا فأرسل في طلبه فحضر، وكأن الترجمان كان واقفا في المجلس كما جرت به عادة ملوك الأعاجم، فخاطبهم هرقل بالسؤال الأول، فلما تحرر له حال الذي أراد أن يخاطبه من بين الجماعة أمر الترجمان بالجلوس إليه ليعبر عنه بما أراد، والترجمان من يفسر لغة بلغة فعلى هذا لا يقال ذلك لمن فسر كلمة غريبة بكلمة واضحة، فإن اقتضى معنى الترجمان ذلك فليعرف أنه الذي يفسر لفظا بلفظ‏.‏

وقد اختلف هل هو عربي أو معرب‏؟‏ والثاني أشهر، وعلى الأول فنونه زائدة اتفاقا‏.‏

ثم قيل هو من ترجيم الظن، وقيل من الرجم، فعلى الثاني تكون التاء أيضا زائدة، ويوجب كونه من الرجم أن الذي يلقي الكلام كأنه يرجم الذي يلقيه إليه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أقرب نسبا من هذا الرجل‏)‏ من كأنها ابتدائية والتقدير ‏"‏ أيكم أقرب نسبا مبدؤه من هذا الرجل ‏"‏ أو هي بمعنى الباء ويؤيده أن في الرواية التي في بدء الوحي ‏"‏ بهذا الرجل ‏"‏ وفي رواية الجهاد ‏"‏ إلى هذا الرجل ‏"‏ ولا إشكال فيه فإن أقرب يتعدى بإلى، قال الله تعالى ‏(‏ونحن أقرب إليه من حبل الوريد‏)‏ والمفضل عليه محذوف تقديره من غيره، ويحتمل أن يكون في رواية الباب بمعنى الغاية فقد ثبت ورودها للغاية مع قلة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأجلسوا أصحابي خلفي‏)‏ في رواية الجهاد ‏"‏ عند كتفي ‏"‏ وهي أخص، وعند الواقدي ‏"‏ فقال لترجمانه‏:‏ قل لأصحابه إنما جعلتكم عن كتفيه لتردوا عليه كذبا إن قاله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن هذا الرجل‏)‏ أشار إليه إشارة القرب لقرب العهد بذكره، أو لأنه معهود في أذهانهم لاشتراك الجميع في معاداته‏.‏

ووقع عند ابن إسحاق من الزيادة في هذه القصة ‏"‏ قال أبو سفيان‏:‏ فجعلت أزهده في شأنه وأصغر أمره وأقول‏:‏ إن شأنه دون ما بلغك، فجعل لا يلتفت إلى ذلك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإن كذبني‏)‏ بالتخفيف ‏(‏فكذبوه‏)‏ بالتشديد، أي قال لترجمانه‏:‏ يقول لكم ذلك‏.‏

ولما جرت العادة أن مجالس الأكابر لا يواجه أحد فيها بالتكذيب احتراما لهم، أذن لهم هرقل في ذلك للمصلحة التي هذه آية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يصيب منا ونصيب منه‏)‏ وقعت المقاتلة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش قبل هذه القصة في ثلاثة مواطن‏:‏ بدر واحد والخندق، فأصاب المسلمون من المشركين في بدر وعكسه في أحد، وأصيب من الطائفتين ناس قليل في الخندق، فصح قول أبي سفيان يصيب منا ونصيب منه، ولم يصب من تعقب كلامه وأن فيه دسيسة لم ينبه عليها كما نبه على قوله ‏"‏ ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها ‏"‏ والحق أنه لم يدس في هذه القصة شيئا وقد ثبت مثل كلامه هذا من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم كما أشرت إليه في بدء الوحي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إني سألتك عن حسبه فيكم‏)‏ ذكر الأسئلة والأجوبة على ترتيب ما وقعت، وأجاب عن كل جواب بما يقتضيه الحال، وحاصل الجميع ثبوت علامات النبوة في الجميع‏:‏ فالبعض مما تلقفه من الكتب، والبعض مما استقرأه بالعادة، ووقع في بدء الوحي إعادة الأجوبة مشوشة الترتيب، وهو من الراوي، بدليل أنه حذف منها واحدة وهي قوله ‏"‏ هل قاتلتموه إلخ ‏"‏ ووقع في رواية الجهاد شيء خالفت فيه ما في الموضعين، فإنه أضاف قوله ‏"‏ بم يأمركم ‏"‏ إلى بقية الأسئلة فكملت بها عشرة، وأما هنا فإنه أخر قوله ‏"‏ بم يأمركم ‏"‏ إلى ما بعد إعادة الأسئلة والأجوبة وما رتب عليها وقوله ‏"‏ قال لترجمانه قل له - أي قل لأبي سفيان - إني سألتك ‏"‏ أي قل له حاكيا عن هرقل إني سألتك، أو المراد إني سألتك على لسان هرقل، لأن الترجمان يعيد كلام هرقل ويعيد لهرقل كلام أبي سفيان، ولا يبعد أن يكون هرقل كان يفقه بالعربية ويأنف من التكلم بغير لسان قومه كما جرت به عادة الملوك من الأعاجم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت لو كان من آبائه‏)‏ أي قلت في نفسي، وأطلق على حديث النفس قولا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ملك أبيه‏)‏ أفرده ليكون أعذر في طلب الملك، بخلاف ما لو قال ملك آبائه، أو المراد بالأب ما هو أعم من حقيقته ومجازه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكذلك الإيمان إذا خالط‏)‏ يرجح أن الرواية التي في بدء الوحي بلفظ ‏"‏ حتى يخالط ‏"‏ وهم والصواب ‏"‏ حين ‏"‏ كما للأكثر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قلت يأمرنا بالصلاة إلخ‏)‏ في بدء الوحي ‏"‏ فقلت يقول اعبدوا الله إلخ ‏"‏ واستدل به على إطلاق الأمر على صيغة افعل وعلى عكسه، وفيه نظر لأن الظاهر أنه من تصرف الرواة، ويستفاد منه أن المأمورات كلها كانت معروفة عند هرقل ولهذا لم يستفسره عن حقائقها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن يك ما تقول فيه حقا فإنه نبي‏)‏ وقع في رواية الجهاد ‏"‏ وهذه صفة نبي ‏"‏ وفي مرسل سعيد بن المسيب عند ابن أبي شيبة ‏"‏ فقال هو نبي ‏"‏ ووقع في ‏"‏ أمالي المحاملي ‏"‏ رواية الأصبهانيين من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن أبي سفيان أن صاحب بصري أخذه وناسا معه وهم في تجارة فذكر القصة مختصرة دون الكتاب وما فيه وزاد في آخرها ‏"‏ قال فأخبرني هل تعرف صورته إذا رأيتها‏؟‏ قلت‏:‏ نعم، فأدخلت كنيسة لهم فيها الصور فلم أره، ثم أدخلت أخرى فإذا أنا بصورة محمد وصورة أبي بكر إلا أنه دونه‏.‏

وفي دلائل النبوة لأبي نعيم ‏"‏ بإسناد ضعيف ‏"‏ إن هرقل أخرج لهم سفطا من ذهب عليه قفل من ذهب فأخرج منه حريرة مطوية فيها صور فعرضها عليهم إلى أن كان آخرها صورة محمد، فقلنا بأجمعنا‏:‏ هذه صورة محمد، فذكر لهم أنها صور الأنبياء وأنه خاتمهم صلى الله عليه وسلم‏.‏

أرادها‏.‏

قال محمد بن إسماعيل التيمي‏:‏ كذب بالتخفيف يتعدى إلى مفعولين مثل صدق، تقول كذبني الحديث وصدقني الحديث، قال الله تعالى ‏(‏لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق‏)‏ وكذب بالتشديد يتعدى إلى مفعول واحد، وهما من غرائب الألفاظ لمخالفتهما الغالب لأن الزيادة تناسب الزيادة وبالعكس، والأمر هنا بالعكس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأيم الله‏)‏ بالهمزة وبغير الهمزة وفيها لغات أخرى تقدمت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يؤثر‏)‏ بفتح المثلثة أي ينقل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كيف حسبه‏)‏ كذا هنا، وفي غيرها ‏"‏ كيف نسبه ‏"‏‏؟‏ والنسب الوجه الذي يحصل به الأدلاء من جهة الآباء، والحسب ما يعده المرء من مفاخر آبائه وقوله ‏"‏ هو فينا ذو حسب ‏"‏ في غيرها ‏"‏ ذو نسب ‏"‏ واستشكل الجواب لأنه لم يزد على ما في السؤال لأن السؤال تضمن أن له نسبا أو حسبا، والجواب كذلك‏.‏

وأجيب بأن التنوين يدل على التعظيم كأنه قال‏:‏ هو فينا ذو نسب كبير أو حسب رفيع‏.‏

ووقع في رواية ابن إسحاق ‏"‏ كيف نسبه فيكم‏؟‏ قال في الذروة ‏"‏ وهي بكسر المعجمة وسكون الراء أعلى ما في البعير من السنام، فكأنه قال هو من أعلانا نسبا‏.‏

وفي حديث دحية عند البزار ‏"‏ حدثني عن هذا الذي خرج بأرضكم ما هو‏؟‏ قال‏:‏ شاب‏.‏

قال‏:‏ كيف حسبه فيكم‏؟‏ قال هو في حسب ما لا يفضل عليه أحد‏.‏

قال‏:‏ هذه آية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏هل كان في آبائه ملك‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ من آبائه ‏"‏ وملك هنا بالتنوين وهي تؤيد أن الرواية السابقة في بدء الوحي بلفظ ‏"‏ من ملك ‏"‏ ليست بلفظ الفعل الماضي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال يزيدون أم ينقصون‏)‏ كذا فيه بإسقاط همزة الاستفهام، وقد جزم ابن مالك بجوازه مطلقا خلافا لمن خصه بالشعر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال هل يرتد إلخ‏)‏ إنما لم يستغن هرقل بقوله بل يزيدون عن هذا السؤال لأنه لا ملازمة بين الارتداد والنقص، فقد يرتد بعضهم ولا يظهر فيهم النقص باعتبار كثرة من يدخل وقلة من يرتد مثلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سخطة له‏)‏ يريد أن من دخل في الشيء على بصيرة يبعد رجوعه عنه، بخلاف من لم يكن ذلك من صميم قلبه فإنه يتزلزل بسرعة، وعلى هذا يحمل حال من ارتد من قريش، ولهذا لم يعرج أبو سفيان على ذكرهم، وفيهم صهره زوج ابنته أم حبيبة وهو عبيد الله بن جحش، فإنه كان أسلم وهاجر إلى الحبشة بزوجته ثم تنصر بالحبشة ومات على نصرانيته، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بعده، وكأنه ممن لم يكن دخل في الإسلام على بصيرة، وكان أبو سفيان وغيره من قريش يعرفون ذلك منه ولذلك لم يعرج عليه خشية أن يكذبوه، ويحتمل أن يكونوا عرفوه بما وقع له من التنصر وفيه بعد، أو المراد بالارتداد الرجوع إلى الدين الأول، ولم يقع ذلك لعبيد الله بن جحش، ولم يطلع أبو سفيان على من وقع له ذلك‏.‏

زاد في حديث دحية ‏"‏ أرأيت من خرج من أصحابه إليكم هل يرجعون إليه‏؟‏ قال نعم‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فهل قاتلتموه‏)‏ نسب ابتداء القتال إليهم ولم يقل قاتلكم فينسب ابتداء القتال إليه محافظة على احترامه، أو لاطلاعه على أن النبي لا يبدأ قومه بالقتال حتى يقاتلوه، أو لما عرفه من العادة من حمية من يدعي إلى الرجوع عن دينه‏.‏

وفي حديث دحية ‏"‏ هل ينكب إذا قاتلكم‏؟‏ قال‏:‏ قد قاتله قوم فهزمهم وهزموه، قال‏:‏ قوله‏:‏ ‏(‏وقد كنت أعلم أنه خارج، ولم أك أظنه منكم‏)‏ أي أعلم أن نبيا سيبعث في هذا الزمان، لكن لم أعلم تعيين جنسه‏.‏

وزعم بعض الشراح أنه كان يظن أنه من بني إسرائيل لكثرة الأنبياء فيهم، وفيه نظر لأن اعتماد هرقل في ذلك كان على ما اطلع عليه من الإسرائيليات، وهي طافحة بأن النبي الذي في آخر الزمان من ولد إسماعيل، فيحمل قوله ‏"‏ لم أكن أظن أنه منكم ‏"‏ أي من قريش‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لأحببت لقاءه‏)‏ في بدء الوحي ‏"‏ لتجشمت ‏"‏ بجيم ومعجمة أي تكلفت، ورجحها عياض لكن نسبها لرواية مسلم خاصة، وهي عند البخاري أيضا‏.‏

وقال النووي‏:‏ قوله ‏"‏ لتجشمت لقاءه ‏"‏ أي تكلفت الوصول إليه وارتكبت المشقة في ذلك، ولكني أخاف أن أقتطع دونه‏.‏

قال ولا عذر له في هذا لأنه عرف صفة النبي، لكنه شح بملكه ورغب في بقاء رياسته فآثرها‏.‏

وقد جاء مصرحا به في صحيح البخاري، قال شيخنا شيخ الإسلام‏:‏ كذا قال، ولم أر في شيء من طرق الحديث في البخاري ما يدل على ذلك‏.‏

قلت‏:‏ والذي يظهر لي أن النووي عنى ما وقع في آخر الحديث عند البخاري دون مسلم من القصة التي حكاها ابن الناطور، وأن في آخرها في بدء الوحي أن هرقل قال ‏"‏ إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت ‏"‏ وزاد في آخر حديث الباب ‏"‏ فقد رأيت الذي أحببت ‏"‏ فكأن النووي أشار إلى هذا والله أعلم‏.‏

وقد وقع التعبير بقوله ‏"‏ شح بملكه ‏"‏ في الحديث الذي أخرجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه‏)‏ ظاهره أن هرقل هو الذي قرأ الكتاب، ويحتمل أن يكون الترجمان قرأه ونسبت قراءته إلى هرقل مجازا لكونه الآمر به، وقد تقدم في رواية الجهاد بلفظ ‏"‏ ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ ‏"‏ وفي مرسل محمد بن كعب القرظي عند الواقدي في هذه القصة ‏"‏ فدعا الترجمان الذي يقرأ بالعربية فقرأه ‏"‏ ووقع في رواية الجهاد ما ظاهره أن قراءة الكتاب وقعت مرتين، فإن في أوله ‏"‏ فلما جاء قيصر كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأه‏:‏ التمسوا لي هاهنا أحدا من قومه لأسألهم عنه، قال ابن عباس‏:‏ فأخبرني أبو سفيان أنه كان بالشام في رجال من قريش ‏"‏ فذكر القصة إلى أن قال ‏"‏ ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرئ ‏"‏ والذي يظهر لي أن هرقل قرأه بنفسه أولا ثم لما جمع قومه وأحضر أبا سفيان ومن معه وسأله وأجابه أمر بقراءة الكتاب على الجميع، ويحتمل أن يكون المراد بقوله أولا ‏"‏ فقال حين قرأه ‏"‏ أي قرأ عنوان الكتاب لأن كتاب النبي صلى الله عليه وسلم كان مختوما بختمه وختمه محمد رسول الله، ولهذا قال إنه يسأل عن هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي، ويؤيد هذا الاحتمال أن من جملة الأسئلة قول هرقل ‏"‏ بم يأمركم‏؟‏ فقال أبو سفيان‏:‏ يقول اعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ‏"‏ وهذا بعينه في الكتاب، فلو كان هرقل قرأه أولا ما احتاج إلى السؤال عنه ثانيا، نعم يحتمل أن يكون سأل عن ثانيا مبالغة في تقريره، قال النووي‏:‏ في هذه القصة فوائد، منها جواز مكاتبة الكفار ودعاؤهم إلى الإسلام قبل القتال، وفيه تفصيل‏:‏ فمن بلغته الدعوة وجب إنذارهم قبل قتالهم، وإلا استحب‏.‏

ومنها وجوب العمل بخبر الواحد وإلا لم يكن في بعث الكتاب مع دحية وحده فائدة‏.‏

ومنها وجوب العمل بالخط إذا قامت القرائن بصدقه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم‏)‏ قال النووي‏:‏ فيه استحباب تصدير الكتب ببسم الله الرحمن الرحيم وإن كان المبعوث إليه كافرا، ويحمل قوله في حديث أبي هريرة ‏"‏ كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ‏"‏ أي بذكر الله كما جاء في رواية أخرى فإنه روى على أوجه بذكر الله ببسم الله بحمد الله‏.‏

قال‏:‏ وهذا الكتاب كان ذا بال من المهمات العظام ولم يبدأ فيه بلفظ الحمد بل بالبسملة انتهى والحديث الذي أشار إليه أخرجه أبو عوانة في صحيحه وصححه ابن حبان أيضا وفي إسناده مقال وعلى تقدير صحته فالرواية المشهورة فيه بلفظ حمد الله، وما عدا ذلك من الألفاظ التي ذكرها النووي وردت في بعض طرق الحديث بأسانيد واهية‏.‏

ثم اللفظ وإن كان عاما لكن أريد به الخصوص وهي الأمور التي تحتاج إلى تقدم الخطبة، وأما المراسلات فلم تجر العادة الشرعية ولا العرفية بابتدائها بذلك، وهو نظير الحديث الذي أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة أيضا بلفظ ‏"‏ كل خطبة ليس فيها شهادة فهي كاليد الجذماء ‏"‏ فالابتداء بالحمد واشتراط التشهد خاص بالخطبة، بخلاف بقية الأمور المهمة فبعضها يبدأ فيه بالبسملة تامة كالمراسلات، وبعضها ببسم الله فقط كما في أول الجماع والذبيحة، وبعضها بلفظ من الذكر مخصوص كالتكبير، وقد جمعت كتب النبي صلى الله عليه وسلم إلى الملوك وغيرهم فلم يقع في واحد منها البداءة بالحمد بل بالبسملة، وهو يؤيد ما قررته والله أعلم‏.‏

وقد تقدم في الحيض استدلال المصنف بهذا الكتاب على جواز قراءة الجنب القرآن وما يرد عليه، وكذا في الجهاد الاستدلال به على جواز السفر بالقرآن إلى أرض العدو وما يرد عليه بما أغنى عن الإعادة ووقع في مرسل سعيد بن المسيب عند ابن أبي شيبة ‏"‏ أن هرقل لما قرأ الكتاب قال‏:‏ هذا كتاب لم أسمعه بعد سليمان عليه السلام كأنه يريد الابتداء ببسم الله الرحمن الرحيم، وهذا يؤيد ما قدمناه أنه كان عالما بأخبار أهل الكتاب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ وقع في بدء الوحي وفي الجهاد ‏"‏ من محمد بن عبد الله ورسوله ‏"‏ وفيه إشارة إلى أن رسل الله وإن كانوا أكرم الخلق على الله فهم مع ذلك مقرون بأنهم عبيد الله، وكأن فيه إشارة إلى بطلان ما تدعيه النصارى في عيسى عليه السلام‏.‏

وذكر المدائني أن القارئ لما قرأ من محمد رسول الله إلى عظيم الروم غضب أخو هرقل واجتذب الكتاب، فقال له هرقل‏:‏ مالك‏؟‏ فقال‏:‏ بدأ بنفسه وسماك صاحب الروم فقال هرقل‏:‏ إنك لضعيف الرأي، أتريد أن أرمي بكتاب قبل أن أعلم ما فيه‏؟‏ لئن كان رسول الله إنه لأحق أن يبدأ بنفسه، ولقد صدق أنا صاحب الروم، والله مالكي ومالكهم‏.‏

وأخرج الحسن بن سفيان في مسنده من طريق عبد الله بن شداد عن دحية ‏"‏ بعثني النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب إلى هرقل، فقدمت عليه فأعطيته الكتاب ‏"‏ وعنده ابن أخ له أحمر أزرق سبط الرأس، فلما قرأ الكتاب نخر ابن أخيه نخرة فقال‏:‏ لا تقرأ، فقال قيصر‏:‏ لم‏؟‏ قال‏:‏ لأنه بدأ بنفسه وقال‏:‏ صاحب الروم ولم يقل ملك الروم‏.‏

قال‏:‏ اقرأ فقرأ الكتاب‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إلى هرقل عظيم الروم‏)‏ عظيم بالجر على البدل ويجوز الرفع على القطع والنصب على الاختصاص، والمراد من تعظمه الروم وتقدمه للرياسة عليها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أما بعد‏)‏ تقدم في كتاب الجمعة في ‏"‏ باب من قال في الخطبة بعد الثناء أما بعد ‏"‏ الإشارة إلى عدد من روى من الصحابة هذه الكلمة وتوجيهها، ونقلت هناك أن سيبويه قال‏:‏ إن معنى أما بعد مهما يكن من شيء‏.‏

وأقول هنا‏:‏ سيبويه لا يخص ذلك بقولنا أما بعد بل كل كلام أوله أما وفيه معنى الجزاء قاله في مثل فأين القسيم‏؟‏ ثم أجاب بأن التقدير أما الابتداء فهو بسم الله، وأما المكتوب فهو من محمد إلخ، وأما المكتوب به فهو ما ذكر في الحديث‏.‏

وهو توجيه مقبول، لكنه لا يطرد في كل موضع، ومعناها الفصل بين الكلامين‏.‏

واختلف في أول من قالها فقيل‏:‏ داود عليه السلام، وقبل يعرب بن قحطان، وقيل كعب بن لؤي، وقيل قس بن ساعدة، وقيل سحبان‏.‏

وفي ‏"‏ غرائب مالك للدار قطني ‏"‏ أن يعقوب عليه السلام قالها، فإن ثبت وقلنا إن قحطان من ذرية إسماعيل فيعقوب أول من قالها مطلقا، وإن قلنا إن قحطان قبل إبراهيم عليه السلام فيعرب أول من قالها، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أسلم تسلم‏)‏ فيه بشارة لمن دخل في الإسلام أنه يسلم من الآفات اعتبارا بأن ذلك لا يختص بهرقل، كما أنه لا يختص بالحكم الآخر وهو قوله أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، لأن ذلك عام في حق من كان مؤمنا بنبيه ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأسلم يؤتك‏)‏ فيه تقوية لأحد الاحتمالين المتقدمين في بدء الوحي، وأنه أعاد أسلم تأكيدا، ويحتمل أن يكون قوله أسلم أولا أي لا تعتقد في المسيح ما تعتقده النصارى، وأسلم ثانيا أي ادخل في دين الإسلام، فلذلك قال بعد ذلك ‏"‏ يؤتك الله أجرك مرتين‏"‏‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يصرح في الكتاب بدعائه إلى الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، لكن ذلك منطو في قوله ‏"‏ والسلام على من اتبع الهدى ‏"‏ وفي قوله ‏"‏ أدعوك بدعاية الإسلام ‏"‏ وفي قوله ‏"‏ أسلم ‏"‏ فإن جميع ذلك يتضمن الإقرار بالشهادتين‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إثم الأريسيين‏)‏ تقدم ضبطه وشرحه في بدء الوحي، ووجدته هناك في أصل معتمد بتشديد الراء، وحكى هذه الرواية أيضا صاحب ‏"‏ المشارق ‏"‏ وغيره، وفي أخرى ‏"‏ الأريسين ‏"‏ بتحتانية واحدة، قال ابن الأعرابي‏:‏ أرس يأرس بالتخفيف فهو أريس، وأرس بالتشديد يؤرس فهو إريس‏.‏

وقال الأزهري‏:‏ بالتخفيف وبالتشديد الأكار لغة شامية، وكان أهل السواد أهل فلاحة وكانوا مجوسا، وأهل الروم أهل صناعة فأعلموا بأنهم وإن كانوا أهل كتاب فإن عليهم إن لم يؤمنوا من الإثم إثم المجوس انتهى‏.‏

وهذا توجيه آخر لم يتقدم ذكره‏.‏

وحكى غيره أن الأريسيين ينسبون إلى عبد الله بن أريس رجل كان تعظمه النصارى ابتدع في دينهم أشياء مخالفة لدين عيسى، وقيل إنه من قوم بعث إليهم نبي فقتلوه، فالتقدير على هذا‏:‏ فإن عليك مثل إثم الأريسيين‏.‏

وذكر ابن حزم أن أتباع عبد الله بن أريس كانوا أهل مملكة هرقل، ورده بعضهم بأن الأريسيين كانوا قليلا وما كانوا يظهرون رأيهم، فإنهم كانوا ينكرون التثليث‏.‏

وما أظن قول ابن حزم إلا عن أصل، فإنه لا يجازف في النقل‏.‏

ووقع في رواية الأصيلي اليريسين بتحتانية في أوله، وكأنه بتسهيل الهمزة‏.‏

وقال ابن سيده في ‏"‏ المحكم ‏"‏‏:‏ الأريس الأكار عند ثعلب، والأمين عند كراع، فكأنه من الأضداد، أي يقال للتابع والمتبوع، والمعنى في الحديث صالح على الرأيين، فإن كان المراد التابع فالمعنى إن عليك مثل إثم التابع لك على ترك الدخول في الإسلام، وإن كان المراد المتبوع فكأنه قال فإن عليك إثم المتبوعين، وإثم المتبوعين يضاعف باعتبار ما وقع لهم من عدم الإذعان إلى الحق من إضلال أتباعهم‏.‏

وقال النووي‏:‏ نبه بذكر الفلاحين على بقية الرعية لأنهم الأغلب، ولأنهم أسرع انقيادا‏.‏

وتعقب بأن من الرعايا غير الفلاحين من له صرامة وقوة وعشيرة، فلا يلزم من دخول الفلاحين في الإسلام دخول بقية الرعايا حتى يصح أنه نبه بذكرهم على الباقين، كذا تعقبه شيخنا شيخ الإسلام‏.‏

والذي يظهر أن مراد النووي أنه نبه طائفة من الطوائف على بقية الطوائف كأنه يقول إذا امتنعت كان عليك إثم كل من امتنع بامتناعك وكان يطيع لو أطعت الفلاحين، فلا وجه للتعقب عليه‏.‏

نعم قول أبي عبيد في ‏"‏ كتاب الأموال ‏"‏ ليس المراد بالفلاحين الزراعين فقط بل المراد به جميع أهل المملكة، إن أراد به على التقرير الذي قررت به كلام النووي فلا اعتراض عليه، وإلا فهو معترض‏.‏

وحكى أبو عبيد أيضا أن الأريسيين هم الخول والخدم، وهذا أخص من الذي قبله، إلا أن يريد بالخول ما هو أعم بالنسبة إلى من يحكم الملك عليه‏.‏

وحكى الأزهري أيضا أن الأريسيين قوم من المجوس كانوا يعبدون النار ويحرمون الزنا وصناعتهم الحراثة ويخرجون العشر مما يزرعون، لكنهم يأكلون الموقوذة‏.‏

وهذا أثبت فمعنى الحديث فإن عليك مثل إثم الأريسيين كما تقدم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما فرغ‏)‏ أي القارئ، ويحتمل أن يريد هرقل ونسب إليه ذلك مجازا لكونه الآمر به، ويؤيده قوله بعده ‏"‏ عنده ‏"‏ فإن الضمير فيه وفيما بعده لهرقل جزما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط‏)‏ ووقع في الجهاد ‏"‏ فلما أن قضى مقالته علت أصوات الذين حوله من عظماء الروم وكثر لغطهم، فلا أدري ما قالوا ‏"‏ لكن يعرف من قرائن الحال أن اللغط كان لما فهموه من هرقل من ميله إلى التصديق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لقد أمر ابن أبي كبشة‏)‏ تقدم ضبطه في بدء الوحي وأن ‏"‏ أمر ‏"‏ الأول بفتح الهمزة وكسر الميم، والثاني بفتح الهمزة وسكون الميم، وحكى ابن التين أنه روى بكسر الميم أيضا‏.‏

وقد قال كراع في ‏"‏ المجرد ‏"‏ ورع أمر بفتح ثم كسر أي كثير فحينئذ يصير المعنى لقد كثر كثير ابن أبي كبشة وفيه قلق، وفي كلام الزمخشري ما يشعر بأن الثاني بفتح الميم فإنه قال أمرة على وزن بركة الزيادة، ومنه قول أبي سفيان ‏"‏ لقد أمر أمر محمد ‏"‏ انتهى‏.‏

هكذا أشار إليه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين في شرحه ورده، والذي يظهر لي أن الزمخشري إنما أراد تفسير اللفظة الأولى وهي أمر بفتح ثم كسر وأن مصدرها أمر بفتحتين والأمر بفتحتين الكثرة والعظم والزيادة، ولم يرد ضبط اللفظة الثانية والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الزهري فدعا هرقل عظماء الروم فجمعهم إلخ‏)‏ هذه قطعة من الرواية التي وقعت في بدء الوحي عقب القصة التي حكاها ابن الناطور، وقد بين هناك أن هرقل دعاهم في دسكرة له بحمص وذلك بعد أن رجع هذا من بيت المقدس وكاتب صاحبه الذي برومية فجاءه جوابه يوافقه على خروج النبي صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فالفاء في قوله ‏"‏ فدعا ‏"‏ فصيحة، والتقدير قال الزهري فسار هرقل إلى حمص فكتب إلى صاحبه برومية فجاءه جوابه فدعا الروم ‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في ‏"‏ سيرة ابن إسحاق ‏"‏ من روايته عن الزهري بإسناد حديث الباب إلى أبي سفيان بعض القصة التي حكاها الزهري عن ابن الناطور، والذي يظهر لي أنه دخل عليه حديث في حديث، ويؤيده أنه حكى قصة الكتاب عن الزهري قال ‏"‏ حدثني أسقف من النصارى قد أدرك ذلك الزمان ‏"‏ قلت‏:‏ وهذا هو ابن الناطور، وقصة الكتاب إنما ذكرها الزهري من طريق أبي سفيان، وقد فصل شعيب بن أبي حمزة عن الزهري الحديث تفصيلا واضحا، وهو أوثق من ابن إسحاق وأتقن، فروايته هي المحفوظة ورواية ابن إسحاق شاذة، ومحل هذا التنبيه أن يذكر في الكلام على الحديث في بدء الوحي، لكن فات ذكره هناك فاستدركته هنا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فجمعهم في دار له فقال‏)‏ تقدم في بدء الوحي أنه جمعهم في مكان وكان هو في أعلاه فاطلع وصنع ذلك خوفا على نفسه أن ينكروا مقالته فيبادروا إلى قتله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آخر الأبد‏)‏ أي يدوم ملككم إلى آخر الزمان‏.‏

لأنه عرف من الكتب أن لا أمة بعد هذه الأمة ولا دين بعد دينها، وأن من دخل فيه آمن على نفسه فقال لهم ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقال علي بهم، فدعا بهم فقال‏)‏ فيه حذف تقديره فردوهم فقال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقد رأيت منكم الذي أحببت‏)‏ يفسرها ما وقع مختصرا في بدء الوحي مقتصرا على قوله ‏"‏ فقد رأيت ‏"‏ واكتفى بذلك عما بعده‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فسجدوا له ورضوا عنه‏)‏ يشعر بأنه كان من عائدهم السجود لملوكهم، ويحتمل أن يكون ذلك إشارة إلى تقبيلهم الأرض حقيقة‏.‏

فإن الذي يفعل ذلك ربما صار غالبا كهيئة الساجد، وأطلق أنهم رضوا عنه بناء على رجوعهم عما كانوا هموا به عند تفرقهم عنه من الخروج والله أعلم‏.‏

وفي الحديث من الفوائد غير ما تقدم‏:‏ البداءة باسم الكاتب قبل المكتوب إليه، وقد أخرج أحمد وأبو داود عن العلاء بن الحضرمي أنه كتب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان عامله على البحرين فبدأ بنفسه ‏"‏ من العلاء إلى محمد رسول الله ‏"‏ وقال ميمون‏:‏ كانت عادة ملوك العجم إذا كتبوا إلى ملوكهم بدعوا باسم ملوكهم فتبعتهم بنو أمية‏.‏

قلت‏:‏ وسيأتي في الأحكام أن ابن عمر كتب إلى معاوية فبدأ باسم معاوية، وإلى عبد الملك كذلك، وكذا جاء عن يزيد بن ثابت إلى معاوية، عند البزار بسند ضعيف عن حنظلة الكاتب أن النبي صلى الله عليه وسلم وجه عليا وخالد بن الوليد فكتب إليه خالد فبدأ بنفسه وكتب إليه علي فبدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يعب واحد منهما، وقد تقدم الكلام على ‏"‏ أما بعد ‏"‏ في كتاب الجمعة‏.‏

*3*باب لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ إِلَى بِهِ عَلِيمٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون الآية‏)‏ كذا لأبي ذر‏.‏

ولغيره ‏"‏ إلى به عليم ‏"‏ ثم ذكر المصنف حديث أنس في قصة بيرحاء، وقد تقدم ضبطها في الزكاة، وشرح الحديث في الوقف‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ كَانَ أَبُو طَلْحَةَ أَكْثَرَ أَنْصَارِيٍّ بِالْمَدِينَةِ نَخْلًا وَكَانَ أَحَبَّ أَمْوَالِهِ إِلَيْهِ بَيْرُحَاءَ وَكَانَتْ مُسْتَقْبِلَةَ الْمَسْجِدِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَاءٍ فِيهَا طَيِّبٍ فَلَمَّا أُنْزِلَتْ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قَامَ أَبُو طَلْحَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَإِنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إِلَيَّ بَيْرُحَاءَ وَإِنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ أَرْجُو بِرَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللَّهِ فَضَعْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَيْثُ أَرَاكَ اللَّهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَخْ ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ ذَلِكَ مَالٌ رَايِحٌ وَقَدْ سَمِعْتُ مَا قُلْتَ وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا فِي الْأَقْرَبِينَ قَالَ أَبُو طَلْحَةَ أَفْعَلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ فِي أَقَارِبِهِ وَفِي بَنِي عَمِّهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ ذَلِكَ مَالٌ رَابِحٌ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَحْيَى قَالَ قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ مَالٌ رَايِحٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ ثُمَامَةَ عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ فَجَعَلَهَا لِحَسَّانَ وَأُبَيٍّ وَأَنَا أَقْرَبُ إِلَيْهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لِي مِنْهَا شَيْئًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال عبد الله بن يوسف وروح بن عبادة عن مالك قال رابح‏)‏ يعني أن المذكورين رويا الحديث عن مالك بإسناده فوافقا فيه إلا في هذه اللفظة، فأما رواية عبد الله بن يوسف فوصلها المؤلف في الوقف عنه، ووقع عند المزي أنه أوردها في التفسير موصولة عن عبد الله بن يوسف أيضا، وأما رواية روح بن عبادة فتقدم في الوكالة أن أحمد وصلها عنه، وذكرت هناك ما وقع للرواة عن مالك في ضبط هذه اللفظة وهل هي رايح بالموحدة أو التحتانية مع الشرح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك رايح‏)‏ كذا اختصره، وكان قد ساقه بتمامه من هذا الوجه في كتاب الوكالة‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع هنا لغير أبي ذر ‏"‏ حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري حدثني أبي عن ثمامة عن أنس قال‏:‏ فجعلها لحسان وأبي بن كعب، وأنا أقرب إليه منهما، ولم يجعل لي منها شيئا ‏"‏ وهذا طرف من الحديث، وقد تقدم بتمامه في الوقف مع شرحه، وأغفل المزي التنبيه على هذا الطريق هنا، وممن عمل بالآية ابن عمر فروى البزار من طريقه أنه قرأها، قال فلم أجد شيئا أحب إلي من مرجانة جارية لي رومية فقلت‏:‏ هي حرة لوجه الله، فلولا أني لا أعود في شيء جعلته لله لتزوجتها‏.‏

*3*باب قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عمر في قصة اليهوديين اللذين زنيا وسيأتي شرحه في الحدود‏.‏

وقوله في هذه الرواية ‏"‏ كيف تفعلون ‏"‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ كيف تعملون ‏"‏ وقوله ‏"‏ نحممهما ‏"‏ بمهملة ثم ميم مثقلة أي نسكب عليهما الماء الحميم، وقيل نجعل في وجوهما الحمة بمهملة وميم خفيفة أي السواد، وسيأتي ما في ذلك عند شرح الحديث‏.‏

وقوله ‏"‏فوضع مدراسها ‏"‏ بكسر أوله كذا للكشميهني‏.‏

ولغيره ‏"‏ مدارسها ‏"‏ بضم أوله وتقديم الألف بوزن المفاعلة من الدراسة، والأول أوجه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ قَدْ زَنَيَا فَقَالَ لَهُمْ كَيْفَ تَفْعَلُونَ بِمَنْ زَنَى مِنْكُمْ قَالُوا نُحَمِّمُهُمَا وَنَضْرِبُهُمَا فَقَالَ لَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ الرَّجْمَ فَقَالُوا لَا نَجِدُ فِيهَا شَيْئًا فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ كَذَبْتُمْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَوَضَعَ مِدْرَاسُهَا الَّذِي يُدَرِّسُهَا مِنْهُمْ كَفَّهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ فَطَفِقَ يَقْرَأُ مَا دُونَ يَدِهِ وَمَا وَرَاءَهَا وَلَا يَقْرَأُ آيَةَ الرَّجْمِ فَنَزَعَ يَدَهُ عَنْ آيَةِ الرَّجْمِ فَقَالَ مَا هَذِهِ فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَالُوا هِيَ آيَةُ الرَّجْمِ فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ حَيْثُ مَوْضِعُ الْجَنَائِزِ عِنْدَ الْمَسْجِدِ فَرَأَيْتُ صَاحِبَهَا يَحْنِي عَلَيْهَا يَقِيهَا الْحِجَارَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلما رأوا ذلك قالوا‏)‏ في رواية الكشميهني بالإفراد فيهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يجنأ‏)‏ بجيم ساكنة ثم نون مفتوحة ثم همزة، وللكشميهني ‏"‏ يجني ‏"‏ بالمهملة وكسر النون بغير همز

*3*باب كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب كنتم خير أمة أخرجت للناس‏)‏ ذكر فيه حديث أبي هريرة في تفسيرها غير مرفوع، وقد تقدم في أواخر الجهاد من وجه آخر مرفوعا، وهو يرد قول من تعقب البخاري فقال‏:‏ هذا موقوف لا معنى لإدخاله في المسند‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَيْسَرَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ قَالَ خَيْرَ النَّاسِ لِلنَّاسِ تَأْتُونَ بِهِمْ فِي السَّلَاسِلِ فِي أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى يَدْخُلُوا فِي الْإِسْلَامِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏سفيان‏)‏ هو الثوري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ميسرة‏)‏ هو ابن عمار الأشجعي كوفي ثقة، ما له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر تقدم في بدء الخلق، ويأتي في النكاح، وشيخه أبو حازم بمهملة ثم زاي هو سلمان الأشجعي‏.‏

وقوله ‏"‏خير الناس للناس‏:‏ أي خير بعض الناس لبعضهم أي أنفعهم لهم، وإنما كان ذلك لكونهم كانوا سببا في إسلامهم، وبهذا التقرير يندفع من زعم بأن التفسير المذكور ليس بصحيح‏.‏

وروى ابن أبي حاتم والطبري من طريق السدي قال ‏"‏ قال عمر‏:‏ لو شاء الله لقال أنتم خير أمة فكنا كلنا، ولكن قال‏:‏ كنتم فهي خاصة لأصحاب محمد ومن صنع مثل صنيعهم ‏"‏ وهذا منقطع‏.‏

وروى عبد الرزاق وأحمد والنسائي والحاكم من حديث ابن عباس بإسناد جيد قال ‏"‏ هم الذين هاجروا مع النبي صلى الله عليه وسلم ‏"‏ وهذا أخص من الذي قبله‏.‏

وللطبراني من طريق ابن جريج عن عكرمة قال‏:‏ نزلت في ابن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل‏.‏

وهذا موقوف فيه انقطاع، وهو أخص مما قبله‏.‏

وروى الطبري من طريق مجاهد قال‏:‏ معناه على الشرط المذكور تأمرون بالمعروف إلخ‏.‏

وهذا أعم وهو نحو الأول‏.‏

وجاء في سبب هذا الحديث ما أخرجه الطبري وابن أبي حاتم من طريق عكرمة قال‏:‏ كان من قبلكم لا يأمن هذا في بلاد هذا ولا هذا في بلاد هذا، فلما كنتم أنتم أمن من فيكم الأحمر والأسود‏.‏

ومن وجه آخر عنه قال‏:‏ لم تكن أمة دخل فيها من أصناف الناس مثل هذه الأمة‏.‏

وعن أبي بن كعب قال‏:‏ لم تكن أمة أكثر استجابة في الإسلام من هذه الأمة‏.‏

أخرجه الطبري بإسناد حسن عنه‏.‏

وهذا كله يقتضي حملها على عموم الأمة، وبه جزم الفراء واستشهد بقوله‏:‏ ‏(‏واذكروا إذ أنتم قليل‏)‏ وقوله‏:‏ ‏(‏واذكروا إذ كنتم قليلا‏)‏ قال‏:‏ وحذف كان في مثل هذا وإظهارها سواء‏.‏

وقال غيره‏:‏ المراد بقوله‏:‏ ‏(‏كنتم‏)‏ في اللوح المحفوظ أو في علم الله تعالى‏.‏

ورجح الطبري أيضا حمل الآية على عموم الأمة، وأيد ذلك بحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده ‏"‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في هذه الآية ‏(‏كنتم خير أمة أخرجت للناس‏)‏ قال‏:‏ أنتم متمون سبعين أمة أنتم خيرها وأكرمها على الله ‏"‏ وهو حديث حسن صحيح أخرجه الترمذي وابن ماجه والحاكم وصححه، وله شاهد مرسل عن قتادة عند الطبري رجاله ثقات‏.‏

وفي حديث على عند أحمد بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏"‏ وجعلت أمتي خير الأمم‏"‏‏.‏

*3*باب إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا‏)‏ ذكر فيه حديث جابر، وقد تقدم مشروحا في غزوة أحد‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ قَالَ عَمْرٌو سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يَقُولُ فِينَا نَزَلَتْ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلَا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا قَالَ نَحْنُ الطَّائِفَتَانِ بَنُو حَارِثَةَ وَبَنُو سَلِمَةَ وَمَا نُحِبُّ وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً وَمَا يَسُرُّنِي أَنَّهَا لَمْ تُنْزَلْ لِقَوْلِ اللَّهِ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا

الشرح‏:‏

وقوله‏:‏ ‏(‏والله وليهما‏)‏ ذكر الفراء أن في قراءة ابن مسعود ‏"‏ والله وليهم ‏"‏ قال‏:‏ وهو كقوله‏:‏ ‏(‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏)‏ ‏.‏

ذكر الفراء أن في قراءة ابن مسعود ‏"‏ والله وليهم ‏"‏ قال‏:‏ وهو كقوله‏:‏ ‏(‏وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا‏)‏ ‏.‏

*3*باب لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ليس لك من الأمر شيء‏)‏ سقط ‏"‏ باب ‏"‏ لغير أبي ذر‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا حِبَّانُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الرَّكْعَةِ الْآخِرَةِ مِنْ الْفَجْرِ يَقُولُ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا وَفُلَانًا بَعْدَ مَا يَقُولُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ إِلَى قَوْلِهِ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ رَاشِدٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فلانا وفلانا وفلانا‏)‏ تقدمت تسميتهم في غزوة أحد من رواية مرسلة أوردها المصنف عقب هذا الحديث بعينه عن حنظلة بن أبي سفيان عن سالم بن عبد الله بن عمر قال ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على صفوان بن أمية وسهيل ابن عمير والحارث بن هشام، فنزلت ‏"‏ وأخرج أحمد والترمذي هذا الحديث موصولا من رواية عمرو بن حمزة عن سالم عن أبيه فسماهم وزاد في آخر الحديث ‏"‏ فتيب عليهم كلهم ‏"‏ وأشار بذلك إلى قوله في بقية الآية ‏(‏أو يتوب عليهم‏)‏ ولأحمد أيضا من طريق محمد بن عجلان عن نافع عن ابن عمر ‏"‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو على أربعة، فنزلت، قال‏:‏ وهداهم الله للإسلام ‏"‏ وكان الرابع عمرو ابن العاصي، فقد عزاه السهيلي لرواية الترمذي لكن لم أره فيه‏.‏

والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رواه إسحاق بن راشد عن الزهري‏)‏ أي بإسناد المذكور، وهو موصول عند الطبراني في ‏"‏ المعجم الكبير ‏"‏ من طريقه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَى أَحَدٍ أَوْ يَدْعُوَ لِأَحَدٍ قَنَتَ بَعْدَ الرُّكُوعِ فَرُبَّمَا قَالَ إِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَكَ الْحَمْدُ اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ وَاجْعَلْهَا سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ يَجْهَرُ بِذَلِكَ وَكَانَ يَقُولُ فِي بَعْضِ صَلَاتِهِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلَانًا وَفُلَانًا لِأَحْيَاءٍ مِنْ الْعَرَبِ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ لَيْسَ لَكَ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏كان إذا أراد أن يدعو أحد أو يدعو لأحد‏)‏ أي في صلاته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قنت بعد الركوع‏)‏ تمسك بمفهومه من زعم أن القنوت قبل الركوع، قال‏:‏ وإنما يكون بعد الركوع عند إرادة الدعاء على قوم أو لقوم‏.‏

وتعقب باحتمال أن مفهومه أن القنوت لم يقع إلا في هذه الحالة‏.‏

ويؤيده ما أخرجه ابن خزيمة بإسناد صحيح عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقنت إلا إذا دعا لقوم أو دعا على قوم ‏"‏ وقد تقدم بيان الاختلاف في القنوت وفي محله في آخر ‏"‏ باب الوتر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏الوليد بن الوليد‏)‏ أي ابن المغيرة وهو أخو خالد بن الوليد وكان ممن شهد بدرا مع المشركين وأسر وفدى نفسه ثم أسلم فحبس بمكة ثم تواعد هو وسلمة وعياش المذكورين معه وهربوا من المشركين، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم بمخرجهم فدعا لهم، أخرجه عبد الرزاق بسند مرسل، ومات الوليد المذكور لما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم، روينا ذلك في ‏"‏ فوائد الزيادات ‏"‏ من حديث الحافظ أبي بكر بن زياد النيسابوري بسند عن جابر قال ‏"‏ رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الأخيرة من صلاة الصبح صبيحة خمس عشرة من رمضان فقال‏:‏ اللهم أنج الوليد بن الوليد ‏"‏ الحديث، وفيه ‏"‏ فدعا بذلك خمسة عشر يوما، حتى إذا كان صبيحة يوم الفطر ترك الدعاء، فسأله عمر فقال‏:‏ أو ما علمت أنهم قدموا‏؟‏ قال بينما هو يذكرهم انفتح عليهم الطريق يسوق بهم الوليد بن الوليد قد نكت إصبعه بالحرة وساق بهم ثلاثا على قدميه فنهج بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم حتى قضى، فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ هذا الشهيد، أنا على هذا شهيد ‏"‏ ورثته أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم بأبيات مشهورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسلمة بن هشام‏)‏ أي ابن المغيرة وهو ابن عم الذي قبله، وهو أخو أبي جهل، وكان من السابقين إلى الإسلام‏.‏

واستشهد في خلافة أبي بكر بالشام سنة أربع عشرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وعياش‏)‏ هو بالتحتانية ثم المعجمة وأبوه أبو ربيعة اسمه عمرو بن المغيرة فهو عم الذي قبله أيضا، وكان من السابقين إلى الإسلام أيضا وهاجر الهجرتين، ثم خدعه أبو جهل فرجع إلى مكة فحبسه، ثم فر مع رفيقيه المذكورين وعاش إلى خلافة عمر فمات كان سنة خمس عشرة وقيل قبل ذلك، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان يقول في بعض صلاته في صلاة الفجر‏)‏ كأنه يشير إلى أنه لا يداوم على ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اللهم العن فلانا وفلانا لأحياء من العرب‏)‏ وقع تسميتهم في رواية يونس عن الزهري عند مسلم بلفظ ‏"‏ اللهم العن رعلا وذكوان وعصية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حتى أنزل الله‏:‏ ليس لك من الأمر شيء‏)‏ تقدم استشكاله في غزوة أحد، وأن قصة رعل وذكوان كانت عند أحد، ونزول ‏(‏ليس لك من الأمر شيء‏)‏ كان في قصة أحد فكيف يتأخر السبب عن النزول‏؟‏ ثم ظهر لي علة الخبر وأن فيه إدراجا، وأن قوله ‏"‏ حتى أنزل الله ‏"‏ منقطع من رواية الزهري عمن بلغه، بين ذلك مسلم في رواية يونس المذكورة فقال هنا قال يعني الزهري ثم بلغنا أنه ترك ذلك لما نزلت ‏"‏ وهذا البلاغ لا يصح لم ذكرته، وقد ورد في سبب نزول الآية شيء آخر لكنه لا ينافي ما تقدم، بخلاف قصة رعل وذكوان، فعند أحمد ومسلم من حديث أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم كسرت رباعيته يوم أحد وشج وجهه حتى سال الدم على وجهه فقال‏:‏ كيف يفلح قوم فعلوا هذا بنبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم، فأنزل الله تعالى ‏(‏ليس لك من الأمر شيء‏)‏ الآية‏.‏

وطريق الجمع بينه وبين حديث ابن عمر أنه صلى الله عليه وسلم دعا على المذكورين بعد ذلك في صلاته فنزلت الآية في الأمرين معا، فيما وقع له من الأمر المذكور وفيما نشأ عنه من الدعاء عليهم، وذلك كله في أحد، بخلاف قصة رعل وذكوان فإنها أجنبية، ويحتمل أن يقال إن قصتهم كانت عقب ذلك وتأخر نزول الآية عن سببها قليلا، ثم نزلت في جميع ذلك، والله أعلم‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ وَهْوَ تَأْنِيثُ آخِرِكُمْ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ فَتْحًا أَوْ شَهَادَةً

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى ‏(‏والرسول يدعوكم في أخراكم‏)‏ وهو تأنيث آخركم‏)‏ كذا وقع فيه، وهو تابع لأبي عبيدة فإنه قال‏:‏ أخراكم آخركم، وفيه نظر لأن أخرى تأنيث آخر بفتح الخاء لا كسرها، وقد حكى الفراء أن من العرب من يقول في أخراتكم بزيادة المثناة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال ابن عباس‏:‏ إحدى الحسنيين فتحا أو شهادة‏)‏ كذا وقع هذا التعليق بهذه الصورة؛ ومحله في سورة براءة ولعله أورده هنا للإشارة إلى أن إحدى الحسنيين وقعت في أحد وهي الشهادة، وقد وصله ابن أبي حاتم من طريق علي بن طلحة عن ابن عباس مثله‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمْ الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ وَلَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا

الشرح‏:‏

حديث البراء في قصة الرماة يوم أحد، وقد تقدم بتمامه مع شرحه في المغازي‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ أَمَنَةً نُعَاسًا

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله أمنة نعاسا‏)‏ ‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ غَشِيَنَا النُّعَاسُ وَنَحْنُ فِي مَصَافِّنَا يَوْمَ أُحُدٍ قَالَ فَجَعَلَ سَيْفِي يَسْقُطُ مِنْ يَدِي وَآخُذُهُ وَيَسْقُطُ وَآخُذُهُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثني إسحاق بن إبراهيم بن عبد الرحمن أبو يعقوب‏)‏ هو بغدادي لقبه لؤلؤ، ويقال يؤيؤ بتحتانيتين، وهو ابن عم أحمد بن منيع، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخر في كتاب الرقاق، وهو ثقة باتفاق، وعاش بعد البخاري ثلاث سنين، مات سنة تسع وخمسين‏.‏

ثم ذكر حديث أبي طلحة في النعاس يوم أحد، وقد تقدم في المغازي من وجه آخر عن قتادة مع شرحه‏.‏

*3*باب قَوْلِهِ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمْ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ الْقَرْحُ الْجِرَاحُ اسْتَجَابُوا أَجَابُوا يَسْتَجِيبُ يُجِيبُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح‏)‏ ساق الآية إلى ‏(‏عظيم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏القرح الجراح‏)‏ هو تفسير أبي عبيدة، وكذا أخرجه ابن جرير من طريق سعيد بن جبير مثله، وروى سعيد بن منصور بإسناد جيد عن ابن مسعود أنه قرأ ‏"‏ القرح ‏"‏ بالضم‏.‏

قلت‏:‏ وهي قراءة أهل الكوفة‏.‏

وذكر أبو عبيد عن عائشة أنها قالت أقرأها بالفتح لا بالضم ‏"‏ قال الأخفش‏:‏ القرح بالضم وبالفتح المصدر، فالضم لغة أهل الحجاز والفتح لغة غيرهم كالضعف والضعف، وحكى الفراء أنه بالضم الجرح وبالفتح ألمه‏.‏

وقال الراغب‏:‏ القرح بالفتح أثر الجراحة وبالضم أثرها من داخل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏استجابوا أجابوا، ويستجيب يجيب‏)‏ هو قول أبي عبيدة، قال في قوله تعالى ‏(‏فاستجاب لهم‏)‏ أي أجابهم، تقول العرب‏:‏ استجبتك أي أجبتك، قال كعب الغنوي‏:‏ وداع دعا يا من يجيب إلى الندى فلم يستجبه عند ذاك مجيب وقال في قوله تعالى ‏(‏ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات‏)‏ أي يجيب الذين آمنوا، وهذه في سورة الشورى وإنما أوردها المصنف استشهادا للآية الأخرى‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ لم يسق البخاري في هذا الباب حديثا؛ وكأنه بيض له، واللائق به حديث عائشة أنها قالت لعروة في هذه الآية ‏"‏ يا ابن أختي كان أبواك منهم‏:‏ الزبير وأبو بكر ‏"‏ وقد تقدم في المغازي مع شرحه‏.‏

وروى ابن عيينة عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال ‏"‏ لما رجع المشركون عن أحد قالوا‏:‏ لا محمدا قتلتم، ولا الكواعب ردفتم، بئسما صنعتم، فرجعوا، فندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانتدبوا حتى بلغ حمراء الأسد، فبلغ المشركين فقالوا‏:‏ نرجع من قابل، فأنزل الله تعالى ‏(‏الذين استجابوا لله والرسول‏)‏ الآية ‏"‏ أخرجه النسائي وابن مردويه ورجاله رجال الصحيح، إلا أن المحفوظ إرساله عن عكرمة ليس فيه ابن عباس ومن الطريق المرسلة أخرجه ابن أبي حاتم وغيره‏.‏

*3*باب إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ الْآيَةَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم‏)‏ في رواية أبي ذر ‏"‏ باب إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم ‏"‏ وزاد غيره ‏"‏ الآية‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ أُرَاهُ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَام حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ قَالُوا إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن يونس أراه قال حدثنا أبو بكر‏)‏ كذا وقع، القائل ‏"‏ أراه ‏"‏ هو البخاري، وهو بضم الهمزة بمعنى أظنه، وكأنه عرض له شك في اسم شيخ شيخه، وقد أخرجه الحاكم من طريق أحمد بن إسحاق ‏"‏ عن أحمد بن يونس حدثنا أبو بكر بن عياش ‏"‏ بإسناده المذكور بغير شك، لكن وهم الحاكم في استدراكه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي حصين‏)‏ بفتح المهملة واسمه عثمان بن عاصم، ولأبي بكر بن عياش في هذا الحديث إسناد آخر أخرجه ابن مردويه من وجه آخر عنه عن أنس ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فنزلت هذه الآية‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن أبي الضحى‏)‏ اسمه مسلم بن صبيح بالتصغير‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالها إبراهيم عليه السلام حين ألقي في النار‏)‏ في الرواية التي بعدها ‏"‏ إن ذلك آخر ما قال ‏"‏ وكذا وقع في رواية الحاكم المذكورة، ووقع عند النسائي من طريق يحيى بن أبي بكير عن أبي بكر كذلك، وعند أبي نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ من طريق عبيد الله بن موسى عن إسرائيل بهذا الإسناد ‏"‏ أنها أول ما قال ‏"‏ فيمكن أن يكون أول شيء وآخر شيء قال، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حين قالوا إن الناس قد جمعوا لكم‏)‏ فيه إشارة إلى ما أخرجه ابن إسحاق مطولا في هذه القصة، وأن أبا سفيان رجع بقريش بعد أن توجه من أحد فلقيه معبد الخزاعي فأخبره أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في جمع كثير، وقد اجتمع معه من كان تخلف عن أحد وندموا، فثنى ذلك أبا سفيان وأصحابه فرجعوا، وأرسل أبو سفيان ناسا فأخبروا النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان وأصحابه يقصدونهم فقال‏:‏ حسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏

ورواه الطبري من طريق السدي نحوه ولم يسم معبدا قال ‏"‏ أعرابيا ‏"‏ ومن طريق ابن عباس موصولا لكن بإسناد لين قال ‏"‏ استقبل أبو سفيان عيرا واردة المدينة ‏"‏ ومن طريق مجاهد أن ذلك كان من أبي سفيان في العام المقبل بعد أحد، وهي غزوة بدر الموعد، ورجح الطبري الأول‏.‏

ويقال إن الرسول بذلك نعيم بن مسعود الأشجعي، ثم أسلم نعيم فحسن إسلامه‏.‏

قيل إطلاق الناس على الواحد لكونه من جنسهم كما قال فلان يركب الخيل وليس له إذ ذاك إلا فرس واحد‏.‏

قلت‏:‏ وفي صحة هذا المثال نظر‏.‏

*3*باب وَلَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ

بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ سَيُطَوَّقُونَ كَقَوْلِكَ طَوَّقْتُهُ بِطَوْقٍ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية‏)‏ ساق غير أبي ذر إلى قوله ‏(‏خبير‏)‏ قال الواحدي‏:‏ أجمع المفسرون على أنها نزلت في مانعي الزكاة، وفي صحة هذا النقل نظر، فقد قيل إنها نزلت في اليهود الذين كتموا صفة محمد، قاله ابن جريج، واختاره الزجاج‏:‏ وقيل فيمن يبخل بالنفقة في الجهاد، وقيل على العيال وذي الرحم المحتاج، نعم الأول هو الراجح وإليه أشار البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سيطوقون، كقولك طوقته بطوق‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة‏)‏ أي يلزمون، كقولك طوقته بالطوق‏.‏

وروى عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي بإسناد جيد في هذه الآية ‏(‏سيطوقون‏)‏ قال‏:‏ بطوق من النار‏.‏

ثم ذكر حديث أبي هريرة فيمن لم يؤد الزكاة، وقد تقدم مع شرحه في أوائل كتاب الزكاة، وكذا الاختلاف في التطويق المذكور هل يكون حسيا أو معنويا‏.‏

وروى أحمد والترمذي والنسائي وصححه ابن خزيمة من طريق أبي وائل عن عبد الله مرفوعا ‏"‏ لا يمنع عبد زكاة ماله إلا جعل له شجاعا أقرع يطوق في عنقه‏"‏‏.‏

ثم قرأ مصداقه في كتاب الله ‏(‏سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة‏)‏ وقد قيل إن الآية نزلت في اليهود الذين سئلوا أن يخبروا بصفة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم فبخلوا بذلك وكتموه، ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏سيطوقون ما بخلوا‏)‏ أي بإثمه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ أَبَا النَّضْرِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ شُجَاعًا أَقْرَعَ لَهُ زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَلَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمْ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله الآية‏)‏ ساق غير أبي ذر إلى قوله ‏(‏خبير‏)‏ قال الواحدي‏:‏ أجمع المفسرون على أنها نزلت في مانعي الزكاة، وفي صحة هذا النقل نظر، فقد قيل إنها نزلت في اليهود الذين كتموا صفة محمد، قاله ابن جريج، واختاره الزجاج‏:‏ وقيل فيمن يبخل بالنفقة في الجهاد، وقيل على العيال وذي الرحم المحتاج، نعم الأول هو الراجح وإليه أشار البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سيطوقون، كقولك طوقته بطوق‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله تعالى ‏(‏سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة‏)‏ أي يلزمون، كقولك طوقته بالطوق‏.‏

وروى عبد الرزاق وسعيد بن منصور من طريق إبراهيم النخعي بإسناد جيد في هذه الآية ‏(‏سيطوقون‏)‏ قال‏:‏ بطوق من النار‏.‏

ثم ذكر حديث أبي هريرة فيمن لم يؤد الزكاة، وقد تقدم مع شرحه في أوائل كتاب الزكاة، وكذا الاختلاف في التطويق المذكور هل يكون حسيا أو معنويا‏.‏

وروى أحمد والترمذي والنسائي وصححه ابن خزيمة من طريق أبي وائل عن عبد الله مرفوعا ‏"‏ لا يمنع عبد زكاة ماله إلا جعل له شجاعا أقرع يطوق في عنقه‏"‏‏.‏

ثم قرأ مصداقه في كتاب الله ‏(‏سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة‏)‏ وقد قيل إن الآية نزلت في اليهود الذين سئلوا أن يخبروا بصفة محمد صلى الله عليه وسلم عندهم فبخلوا بذلك وكتموه، ومعنى قوله‏:‏ ‏(‏سيطوقون ما بخلوا‏)‏ أي بإثمه‏.‏