فصل: باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب يَبْدَأُ الرَّجُلُ بِالتَّلَاعُنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب يبدأ الرجل بالتلاعن‏)‏ ذكر فيه حديث ابن عباس في قصة هلال بن أمية مختصرا وكأنه أخذ الترجمة من قوله ‏"‏ ثم قامت فشهدت ‏"‏ فإنه ظاهر في أن الرجل يقدم قبل المرأة في الملاعنة، وقد ورد ذلك صريحا من حديث ابن عمر كما سأذكره في ‏"‏ باب صداق الملاعنة ‏"‏ وبه قال الشافعي ومن تبعه وأشهب من المالكية ورجحه ابن العربي وقال ابن القاسم لو ابتدأت به المرأة صح واعتد به وهو قول أبي حنيفة، واحتجوا بأن الله عطفه بالواو وهي لا تقتضي الترتيب‏.‏

واحتج للأولين بأن اللعان شرع لدفع الحد عن الرجل، ويؤيده قوله صلى الله عليه وسلم لهلال ‏"‏ البينة وإلا حد في ظهرك‏"‏، فلو بدئ بالمرأة لكان دفعا لأمر لم يثبت، وبأن الرجل يمكنه أن يرجع بعد أن يلتعن كما تقدم فيندفع عن المرأة، بخلاف ما لو بدأت به المرأة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَجَاءَ فَشَهِدَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ثُمَّ قَامَتْ فَشَهِدَتْ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن عكرمة عن ابن عباس‏)‏ كذا وصله هشام بن حسان عن عكرمة، وتابعه عباد بن منصور عن عكرمة أخرجه أبو داود في السنن، وساقه أبو داود الطيالسي في مسنده مطولا، واختلف على أيوب‏:‏ فرواه جرير ابن حازم عنه موصولا أخرجه الحاكم والبيهقي في ‏"‏ الخلافيات ‏"‏ وغيرها وكذا أخرجه النسائي وابن أبي حاتم وابن المنذر وابن مردويه من رواية حماد بن زيد عن أيوب موصولا، وأخرجه الطبري من طريق حماد مرسلا، قال الترمذي سألت محمدا عن هذا الاختلاف فقال‏:‏ حديث عكرمة عن ابن عباس في هذا محفوظ‏.‏

قوله ‏(‏إن هلال بن أمية قذف امرأته فجاء فشهد‏)‏ كذا أورده هنا مختصرا، وتقدم في تفسير النور مطولا، وفيه شرح قوله ‏"‏ البينة أو حد في ظهرك ‏"‏ وفيه قول هلال ‏"‏ لينزلن الله ما يبرئ ظهري من الجلد فنزلت ‏"‏ ووقع فيه أنه اتهمهما بشريك بن سحماء، ووقع في رواية مسلم من حديث أنس ‏"‏ إن شريك بن سحماء كان أخا البراء بن مالك لأمه ‏"‏ وهو مشكل فإن أم البراء هي أم أنس بن مالك وهي أم سليم ولم تكن سحماء ولا تسمى سحماء فلعل شريكا كان أخاه من الرضاعة‏.‏

وقد وقع عند البيهقي في الخلافيات من مرسل محمد بن سيرين ‏"‏ أن شريكا كان يأوي إلى منزل هلال ‏"‏ وفي تفسير مقاتل‏:‏ أن والدة شريك التي يقال لها سحماء كانت حبشية وقيل كانت يمانية، وعند الحاكم من مرسل ابن سيرين ‏"‏ كانت أمة سوداء ‏"‏ واسم والد شريك عبدة بن مغيث بن الجد بن العجلان، وحكى عبد الغني بن سعيد وأبو نعيم في الصحابة أن لفظ شريك صفة لا اسم، وأنه كان شريكا لرجل يهودي يقال له ابن سحماء، وحكى البيهقي في ‏"‏ المعرفة ‏"‏ عن الشافعي أن شريك بن سحماء كان يهوديا، وأشار عياض إلى بطلان هذا القول وجزم بذلك النووي تبعا له وقال‏:‏ كان صحابيا، وكذا عده جمع في الصحابة فيجوز أن يكون أسلم بعد ذلك‏.‏

ويعكر على هذا قول ابن الكلبي‏:‏ أنه شهد أحدا؛ وكذا قول غيره أن أباه شهد بدرا وأحدا؛ فالله أعلم‏.‏

قوله في هذه الرواية ‏(‏فجاء فشهد والنبي صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ الله يعلم أن أحد كما كاذب‏)‏ ظاهره أن هذا الكلام صدر منه صلى الله عليه وسلم في حال ملاعنتهما، بخلاف من زعم أنه قاله بعد فراغهما، وزاد في تفسير النور من هذا الوجه بعد قوله فشهدت ‏"‏ فلما كان عند الخامسة وقفوها وقالوا‏:‏ إنها موجبة ‏"‏ ووقع عند النسائي في هذه القصة ‏"‏ فأمر رجلا أن يضع يده عند الخامسة على فيه، ثم على فيها‏.‏

وقال‏:‏ إنها موجبة ‏"‏ قال ابن عباس ‏"‏ فتلكأت ونكصت حتى قلنا إنها ترجع، ثم قالت‏:‏ لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت ‏"‏ وفيه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏أبصروها فإن جاءت إلخ ‏"‏ وسأذكر شرحه في ‏"‏ باب التلاعن في المسجد‏"‏

*3*باب اللِّعَانِ وَمَنْ طَلَّقَ بَعْدَ اللِّعَانِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب اللعان‏)‏ تقدم معنى اللعان قبل، وهو ينقسم إلى واجب ومكروه وحرام، فالأول أن يراها تزني أو أقرت بالزنا فصدقها، وذلك في طهر لم يجامعها فيه ثم اعتزلها مدة العدة فأتت بولد لزمه قذفها لنفي الولد لئلا يلحقه فيترتب عليه المفاسد‏.‏

الثاني أن يرى أجنبيا يدخل عليها بحيث يغلب على ظنه أنه زنى بها فيجوز له أن يلاعن، لكن لو ترك لكان أولى للستر لأنه يمكنه فراقها بالطلاق الثالث ما عدا ذلك، لكن لو استفاض فوجهان لأصحاب الشافعي وأحمد، فمن أجار تمسك بحديث ‏"‏ انظروا فإن جاءت به ‏"‏ فجعل الشبه دالا على نفيه منه، ولا حجة فيه لأنه سبق اللعان في الصورة المذكورة كما سيأتي، ومن تمسك بحديث الذي أنكر شبه ولده به‏.‏

قوله ‏(‏ومن طلق‏)‏ أي بعد أن لاعن، في هذه الترجمة إشارة إلى الخلاف هل تقع الفرقة في اللعان بنفس اللعان أو بإيقاع الحاكم بعد الفراغ أو بإيقاع الزوج، فذهب مالك والشافعي ومن تبعهما إلى أن الفرقة نقع بنفس اللعان، قال مالك وغالب أصحابه‏:‏ بعد فراغ المرأة‏.‏

وقال الشافعي وأتباعه وسحنون من المالكية‏:‏ بعد فراغ الزوج، واعتل بأن التعان المرأة إنما شرع لدفع الحد عنها بخلاف الرجل فإنه يزيد على ذلك في حقه نفي النسب ولحاق الولد وزوال الفراش، وتظهر فائدة الخلاف في التوارث لو مات أحدهما عقب فراع الرجل، وفيما إذا علق طلاقه امرأة بفراق أخرى ثم لاعن الأخرى‏.‏

وقال الثوري وأبو حنيفة وأتباعهما لا تقع الفرقة حتى يوقعها عليهما الحاكم، واحتجوا بظاهر ما وقع في أحاديث اللعان كما سيأتي بيانه، وعن أحمد روايتان، وسيأتي مزيد بحث في ذلك بعد خمسة أبواب، وذهب عثمان البتي أنه لا تقع الفرقة حتى يوقعها الزوج، واعتل بأن الفرقة لم تذكر في القرآن، ولأن ظاهر الأحاديث أن الزوج هو الذي طلق ابتداء، ويقال إن عثمان تفرد بذلك لكن نقل الطبري عن أبي الشعثاء جابر بن زيد البصري أحد أصحاب ابن عباس، من فقهاء التابعين نحوه، ومقابله قول أبي عبيد‏:‏ أن الفرقة بين الزوجين تقع بنفس القذف ولو لم يقع اللعان، وكأنه مفرع على وجوب اللعان على من تحقق ذلك من المرأة، فإذا أخل به عوقب بالفرقة تغليطا عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ السَّاعِدِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُوَيْمِرًا الْعَجْلَانِيَّ جَاءَ إِلَى عَاصِمِ بْنِ عَدِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ فَقَالَ لَهُ يَا عَاصِمُ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ سَلْ لِي يَا عَاصِمُ عَنْ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَ عَاصِمٌ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا حَتَّى كَبُرَ عَلَى عَاصِمٍ مَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَجَعَ عَاصِمٌ إِلَى أَهْلِهِ جَاءَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ يَا عَاصِمُ مَاذَا قَالَ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَاصِمٌ لِعُوَيْمِرٍ لَمْ تَأْتِنِي بِخَيْرٍ قَدْ كَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسْأَلَةَ الَّتِي سَأَلْتُهُ عَنْهَا فَقَالَ عُوَيْمِرٌ وَاللَّهِ لَا أَنْتَهِي حَتَّى أَسْأَلَهُ عَنْهَا فَأَقْبَلَ عُوَيْمِرٌ حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَطَ النَّاسِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُنْزِلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ تَلَاعُنِهِمَا قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن ابن شهاب‏)‏ في رواية الشافعي عن مالك ‏"‏ حدثني ابن شهاب‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏إن عويمرا العجلاني‏)‏ في رواية القعنبي عن مالك ‏"‏ عويمر بن أشقر ‏"‏ وكذا أخرجه أبو داود وأبو عوانة من طريق عياض بن عبد الله الفهري عن الزهري، ووقع في ‏"‏ الاستيعاب ‏"‏ عويمر بن أبيض، وعند الخطيب في ‏"‏ المبهمات ‏"‏ عويمر بن الحارث، وهذا هو المعتمد فإن الطبري نسبه في ‏"‏ تهذيب الآثار ‏"‏ فقال‏:‏ هو عويمر بن الحارث بن زيد بن الجد بن عجلان، فلعل أباه كان يلقب أشقر أو أبيض، وفي الصحابة ابن أشقر آخر وهو مازني أخرج له ابن ماجه‏.‏

واتفقت الروايات عن ابن شهاب على أنه في مسند سهل إلا ما أخرجه النسائي من طريق عبد العزيز بن أبي سلمة وإبراهيم بن سعد كلاهما عن الزهري فقال فيه ‏"‏ عن سهل عن عاصم بن عدي قال‏:‏ كان عويمر رجلا من بنى العجلان، فقال ‏"‏ أي عاصم فذكر الحديث، والمحفوظ الأول، وسيأتي عن سهل أنه حضر القصة، فستأتي في الحدود من رواية سفيان بن عيينة عن الزهري قال ‏"‏ قال سهل بن سعيد شهدت المتلاعن وأنا ابن خمس عشرة سنة ‏"‏ ووقع في نسخة أبي اليمان عن شعيب عن الزهري عن سهل بن سعد قال ‏"‏ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة ‏"‏ فهذا يدل على أن قصة اللعان كانت في السنة الأخيرة من زمان النبي صلى الله عليه وسلم، لكن جزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان بأن اللعان كان في شعبان سنة تسع، وجزم به غير واحد من المتأخرين، ووقع في حديث عبد الله بن جعفر عند الدار قطني أن قصة اللعان كانت بمنصرف النبي صلى الله عليه وسلم من تبوك، وهو قريب من قول الطبري، ومن وافقه، لكن في إسناده الواقدي فلا بد من تأويل أحد القولين، فإن أمكن وإلا فطريق شعيب أصح‏.‏

ومما يوهن رواية الواقدي ما اتفق عليه أهل السير أن التوجه إلى تبوك كان في رجب، وما ثبت في الصحيحين أن هلال بن أمية أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، وفي قصته أن امرأته استأذنت له النبي صلى الله عليه وسلم أن تخدمه فأذن لها بشرط أن لا يقربها فقالت‏:‏ إنه لا حراك به، وفيه أن ذلك كان بعد أن مضى لهم أربعون يوما، فكيف تقع قصة اللعان في الشهر الذي انصرفوا فيه من تبوك ويقع لهلال مع كونه فيما ذكر من الشغل بنفسه وهجران الناس له وغير ذلك، وقد ثبت في حديث ابن عباس أن آية اللعان نزلت في حقه، وكذا عند مسلم من حديث أنس أنه أول من لاعن في الإسلام، ووقع في رواية عباد بن منصور في حديث ابن عباس عند أبي داود وأحمد ‏"‏ حتى جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم فوجد عند أهله رجلا ‏"‏ الحديث، فهذا يدل على أن قصة اللعان تأخرت عن قصة تبوك والذي يظهر أن القصة كانت متأخرة، ولعلها كانت في شعبان سنة عشر لا تسع، وكانت الوفاة النبوية في شهر ربيع الأول سنة إحدى عشرة باتفاق، فيلتئم حينئذ مع حديث سهل بن سعد، ووقع عند مسلم من حديث ابن مسعود ‏"‏ كنا ليلة جمعة في المسجد إذ جاء رجل من الأنصار ‏"‏ فذكر القصة في اللعان باختصار، فعين اليوم لكن لم يعين الشهر ولا السنة‏.‏

قوله ‏(‏جاء إلى عاصم بن عدي‏)‏ أي ابن الجد بن العجلان العجلاني، وهو ابن عم والد عويمر‏.‏

وفي رواية الأوزاعي عن الزهري التي مضت في التفسير ‏"‏ وكان عاصم سيد بني عجلان ‏"‏ والجد بفتح الجيم وتشديد الدال والعجلان بفتح المهملة وسكون الجيم هو ابن حارثة بن ضبيعة من بني بلى بن عمرو بن الحاف بن قضاعة، وكان العجلان حالف بني عمرو بن عوف بن مالك بن الأوس من الأنصار في الجاهلية وسكن المدينة فدخلوا في الأنصار‏.‏

وقد ذكر ابن الكلبي أن امرأة عويمر هي بنت عاصم المذكور وأن اسمها خولة‏.‏

وقال ابن منده في ‏"‏ كتاب الصحابة ‏"‏ خولة بنت عاصم التي‏.‏

قذفها زوجها فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما، لها ذكر ولا تعرف لها رواية، وتبعه أبو نعيم، ولم يذكرا سلفهما في ذلك وكأنه ابن الكلبي، وذكر مقاتل بن سليمان فيما حكاه القرطبي أنها خولة بنت قيس، وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم، فأخرج من طريق الحكم عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ‏"‏ أن عاصم بن عدي لما نزلت ‏(‏والذين يرمون المحصنات‏)‏ قال‏:‏ يا رسول الله أين لأحدنا أربعة شهداء‏؟‏ فابتلى به في بنت أخيه ‏"‏ وفي سنده مع إرساله ضعف‏.‏

وأخرج ابن أبي حاتم في التفسير عن مقاتل بن حيان قال ‏"‏ لما سأل عاصم عن ذلك ابتلى به في أهل بيته، فأتاه ابن عمه تحته ابنة عمه رماها بابن عمة المرأة والزوج والحليل ثلاثتهم بنو عم عاصم ‏"‏ وعن ابن مردويه في مرسل ابن أبي ليلى المذكور أن الرجل الذي رمي عويمر امرأته به هو شريك بن سحماء‏.‏

وهو يشهد لصحة هذه الرواية لأنه ابن عم عويمر كما بينت نسبه في الباب الماضي، وكذا في مرسل مقاتل بن حيان عند أبي حاتم، فقال الزوج لعاصم‏:‏ يا ابن عم أقسم بالله لقد رأيت شريك بن سحماء على بطنها وإنها لحبلى وما قربتها منذ أربعة أشهر، وفي حديث عبد الله بن جعفر عند الدار قطني ‏"‏ لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته، فأنكر حملها الذي في بطنها وقال‏:‏ هو لابن سحماء ‏"‏ ولا يمتنع أن يتهم شريك بن سحماء بالمرأتين معا‏.‏

وأما قول ابن الصباغ في ‏"‏ الشامل ‏"‏ أن المزني ذكر في ‏"‏ المختصر ‏"‏ أن العجلاني قذف زوجته بشريك بن سحماء وهو سهو في النقل، وإنما القاذف بشريك هلال بن أمية، فكأنه لم يعرف مستند المزني في ذلك وإذا جاء الخبر من طرق متعددة فإن بعضها يعضد بعضا، والجمع ممكن فيتعين المصير إليه فهو أولى من التغليط‏.‏

قوله ‏(‏أرأيت رجلا‏)‏ أي أخبرني عن حكم‏.‏

رجل‏.‏

قوله ‏(‏وجد مع امرأته رجلا‏)‏ كذا اقتصر على قوله ‏"‏ مع ‏"‏ فاستعمل الكناية، فإن مراده معية خاصة، ومراده أن يكون وجده عند الرؤية‏.‏

قوله ‏(‏أيقتله فتقتلونه‏)‏ أي قصاصا لتقدم علمه بحكم القصاص لعموم قوله تعالى ‏(‏النفس بالنفس‏)‏ لكن في طرقه احتمال أن يخص من ذلك ما يقع بالسبب الذي لا يقدر على الصبر عليه غالبا من الغيرة التي في طبع البشر، ولأجل هذا قال ‏"‏ أم كيف يفعل ‏"‏‏؟‏ وقد تقدم في أول ‏"‏ باب الغيرة ‏"‏ استشكال سعد بن عبادة مثل ذلك وقوله ‏"‏ لو رأيته لضربته بالسيف غير مصفح ‏"‏ وتقدم في تفسير النور قول النبي صلى الله عليه وسلم لهلال ابن أمية لما سأله عن مثل ذلك ‏"‏ البينة، وإلا حد في ظهرك ‏"‏ وذلك كله قبل أن ينزل اللعان‏.‏

وقد اختلف العلماء فيمن وجد مع امرأته رجلا فتحقق الأمر فقتله هل يقتل به‏؟‏ فمنع الجمهور الإقدام وقالوا‏:‏ يقتص منه إلا أن يأتي ببينة الزنا أو على المقتول بالاعتراف أو يعترف به ورثته فلا يقتل القاتل به بشرط أن يكون المقتول محصنا، وقيل بل يقتل به لأنه ليس له أن يقيم الحد بغير إذن الإمام‏.‏

وقال بعض السلف‏:‏ بل لا يقتل أصلا ويعزر فيما فعله إذا ظهرت أمارات صدقه، وشرط أحمد وإسحاق ومن تبعهما أن يأتي بشاهدين أنه قتله بسبب ذلك، ووافقهم ابن القاسم وابن حبيب من المالكية، لكن زاد أن يكون المقتول قد أحصن، قال القرطبي‏:‏ ظاهر تقرير عويمر على ما قال يؤيد قولهم، كذا قال والله أعلم‏.‏

وقوله ‏"‏أم كيف يفعل ‏"‏‏؟‏ يحتمل أن تكون ‏"‏ أم ‏"‏ متصلة والتقدير‏:‏ أم يصبر على ما به من المضض، ويحتمل أن تكون منقطعة بمعنى الإضراب أي بل هناك حكم آخر لا يعرفه ويريد أن يطلع عليه، فلذلك قال‏:‏ سل لي يا عاصم‏.‏

وإنما خص عاصما بذلك لما تقدم من أنه كان كبير قومه وصهره على ابنته أو ابنة أخيه، ولعله كان اطلع على مخايل ما سأل عنه لكن لم يتحققه فلذلك لم يفصح به، أو اطلع حقيقة لكن خشي إذا صرح به من العقوبة التي تضمنها من رمي المحصنة بغير بينة، أشار إلى ذلك ابن العربي قال‏:‏ ويحتمل أن يكون لم يقع له شيء من ذلك لكن اتفق أنه وقع في نفسه إرادة الاطلاع على الحكم فابتلى به كما يقال البلاء موكل بالمنطق، ومن ثم قال‏:‏ إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به‏.‏

وقد وقع في حديث ابن عمر عند مسلم في قصة العجلاني ‏"‏ فقال‏:‏ أرأيت إن وجد رجل مع امرأته رجلا، فإن تكلم به تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك‏"‏‏.‏

وفي حديث ابن مسعود عنده أيضا ‏"‏ إن تكلم جلدتموه، أو قتل قتلتموه، وإن سكت سكت على غيظ ‏"‏ وهذه أتم الروايات في هذا المعنى‏.‏

قوله ‏(‏فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل وعابها حتى كبر‏)‏ بفتح الكاف وضم الموحدة أي عظم وزنا ومعنى، وسببه أن الحامل لعاصم على السؤال غيره فأختص هو بالإنكار عليه، ولهذا قال لعويمر لما رجع فاستفهمه عن الجواب‏:‏ لم تأبني بخير‏.‏

‏(‏تنبيهات‏)‏ ‏:‏ الأول تقدم في تفسير النور أن النووي نقل عن الواحدي أن عاصما أحد من لاعن، وتقدم إنكار ذلك‏.‏

ثم وقفت على مستنده وهو مذكور في ‏"‏ معاني القرآن للفراء ‏"‏ لكنه غلط‏.‏

الثاني وقع في السيرة لابن حبال في حوادث سنة تسع ‏"‏ ثم لاعن بين عويمر بن الحارث العجلاني وهو الذي يقال له عاصم وبين امرأته بعد العصر في المسجد ‏"‏ وقد أنكر بعض شيوخنا قوله ‏"‏ وهو الذي يقال له عاصم ‏"‏ والذي يظهر لي أنه تحريف، وكأنه كان في الأصل ‏"‏ الذي سأل له عاصم ‏"‏ والله أعلم‏.‏

وسبب كراهة ذلك ما قال الشافعي‏:‏ كانت المسائل فيما لم ينزل فيه حكم زمن نزول الوحي ممنوعة لئلا ينزل الوحي بالتحريم فيما لم يكن قبل ذلك محرما فيحرم، ويشهد له الحديث المخرج في الصحيح ‏"‏ أعظم الناس جرما من سأل عن شيء لم يحرم فحرم من أجل مسألته ‏"‏ وقال النووي‏:‏ المراد كراهة المسائل التي لا يحتاج إليها، لا سيما ما كان فيه هتك ستر مسلم أو إشاعة فاحشة أو شناعة عليه، وليس المراد المسائل المحتاج إليها إذا وقعت، فقد كان المسلمون يسألون عن النوازل فيجيبهم صلى الله عليه وسلم بغير كراهة، فلما كان في سؤال عاصم شناعة ويترتب عليه تسليط اليهود والمنافقين على أعراض المسلمين كره مسألته، وربما كان في المسألة تضييق، وكان صلى الله عليه وسلم يحب التيسير على أمته وشواهد ذلك في الأحاديث كثيرة، وفي حديث جابر ‏"‏ ما نزلت آية اللعان إلا لكثرة السؤال ‏"‏ أخرجه الخطيب في ‏"‏ المبهمات ‏"‏ من طريق مجالد عن عامر عنه‏.‏

قوله ‏(‏فقال عويمر‏:‏ والله لا انتهي‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ ما انتهى ‏"‏ أي ما أرجع عن السؤال ولو نهيت عنه، زاد ابن أبي ذئب في روايته عن ابن شهاب في هذا الحديث كما سيأتي الاعتصام ‏"‏ فأنزل الله القرآن خلف عاصم ‏"‏ أي بعد أن رجع من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي رواية ابن جريج في الباب الذي بعد هذا ‏"‏ فأنزل الله في شأنه ما ذكر في القرآن من أمر الملاعنة ‏"‏ وفي رواية إبراهيم بن سعد ‏"‏ فأتاه فوجده قد أنزل الله عليه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فأقبل عويمر حتى جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ بالنصب ‏(‏وسط الناس‏)‏ بفتح السين وبسكونها‏.‏

قوله ‏(‏فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك‏)‏ ظاهر هذا السياق أنه كان تقدم منه إشارة إلى خصوص ما وقع له مع امرأته، فيترجح أحد الاحتمالات التي أشار إليها ابن العربي، لكن ظهر لي من بقية الطرق أن في السياق اختصارا، ويوضح ذلك ما وقع في حديث ابن عمر في قصة العجلاني بعد قوله ‏"‏ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك ‏"‏ فسكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال‏:‏ إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به، فدل على أنه لم يذكر امرأته إلا بعد أن انصرف ثم عاد‏.‏

ووقع في حديث ابن مسعود ‏"‏ إن الرجل لما قال‏:‏ وإن سكت سكت على غيظ، قال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اللهم افتح، وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان ‏"‏ وهذا ظاهره أن الآية نزلت عقب السؤال، لكن يحتمل أن يتخلل بين الدعاء والنزول زمن بحيث يذهب عاصم ويعود عويمر، وهذا كله ظاهر جدا في أن القصة نزلت بسبب عويمر، ويعارضه ما تقدم في تفسير النور من حديث ابن عباس ‏"‏ أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ البينة أو حد في ظهرك‏.‏

فقال هلال‏:‏ والذي بعثك بالحق إنني لصادق، ولينزلن الله في ما يبرئ ظهري من الحد، فنزل جبريل فأنزل عليه‏:‏ والذين يرمون أزواجهم ‏"‏ الحديث‏.‏

وفي رواية عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس في هذا الحديث عند أبي داود ‏"‏ فقال هلال‏:‏ وإني لأرجو أن يجعل الله لي فرجا‏.‏

قال فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك إذ نزل عليه الوحي ‏"‏ وفي حديث أنس عند مسلم ‏"‏ أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك لأمه، وكان أول رجل لاعن في الإسلام ‏"‏ فهذا يدل على أن الآية نزلت بسبب هلال، وقد قدمت اختلاف أهل العلم في الراجح من ذلك، وبينت كيفية الجمع بينهما في تفسير سورة النور بأن يكون هلال سأل أولا ثم سأل عويمر فنزلت في شأنهما معا، وظهر لي الآن احتمال أن يكون عاصم سأل قبل النزول ثم جاء هلال بعده فنزلت عند سؤاله، فجاء عويمر في المرة الثانية التي قال فيها ‏"‏ إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به ‏"‏ فوجد الآية نزلت في شأن هلال، فأعلمه صلى الله عليه وسلم بأنها نزلت فيه، يعني أنها نزلت في كل من وقع له ذلك، لأن ذلك لا يختص بهلال‏.‏

وكذا يجاب على سياق حديث ابن مسعود يحتمل أنه لما شرع يدعو بعد توجه العجلاني جاء هلال فذكر قصته فنزلت، فجاء عويمر فقال‏:‏ قد نزل فيك وفي صاحبتك‏.‏

قوله ‏(‏فاذهب فأت بها‏)‏ يعني فذهب فأتي بها‏.‏

واستدل به على أن اللعان يكون عند الحاكم وبأمره، فلو تراضيا بمن يلاعن بينهما فلاعن لم يصح، لأن في اللعان من التغليظ ما يقتضي أن يختص به الحكام‏.‏

وفي حديث ابن عمر ‏"‏ فتلاهن عليه ‏"‏ أي الأياب التي في سورة النور ووعظه وذكره، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، قال‏:‏ لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها‏.‏

ثم دعاها فوعظها وذكرها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة قالت‏:‏ والذي بعثك بالحق إنه لكاذب‏.‏

قوله ‏(‏قال سهل‏)‏ هو موصول بالإسناد المبدأ به‏.‏

قوله ‏(‏فتلاعنا‏)‏ فيه حذف تقديره فذهب فأتى بها فسألها فأنكرت؛ فأمر باللعان فتلاعنا‏.‏

قوله ‏(‏وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ زاد ابن جريج كما في الباب الذي بعده ‏"‏ في المسجد ‏"‏ وزاد ابن إسحاق روايته عن ابن شهاب في هذا الحديث ‏"‏ بعد العصر ‏"‏ أخرجه أحمد‏.‏

وفي حديث عبد الله بن جعفر ‏"‏ بعد العصر عند المنبر ‏"‏ وسنده ضعيف، واستدل بمجموع ذلك على أن اللعان يكون بحضرة الحكام وبمجمع من الناس، وهو أحد أنواع التغليظ‏.‏

ثانيها الزمان‏.‏

ثالثها المكان‏.‏

وهذا التغليظ مستحب وقيل واجب‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ لم أر في شيء من طرق حديث سهل صفة تلاعنهما إلا ما في رواية الأوزاعي الماضية في التفسير فإنه قال ‏"‏ فأمرهما بالملاعنة بما سمى في كتابه ‏"‏ وظاهره أنهما لم يزيدا على ما في الآية، وحديث ابن عمر عند مسلم صريح في ذلك فإن فيه ‏"‏ فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة ‏"‏ الحديث‏.‏

وحديث ابن مسعود نحوه لكن زاد فيه ‏"‏ فذهبت لتلتعن فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ مه، فأبت، فالتعنت ‏"‏ وفي حديث أنس عند أبي يعلى وأصله في مسلم ‏"‏ فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ أتشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنا‏؟‏ فشهد بذلك أربعا ثم قال له في الخامسة‏:‏ ولعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين‏؟‏ ففعل، ثم دعاها فذكر نحوه، فلما كان في الخامسة سكتت سكتة حتى ظنوا أنها ستعترف، ثم قالت‏:‏ لا أفضح قومي سائر اليوم، فمضت على القول‏"‏‏.‏

وفي حديث ابن عباس من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عنه عند أبي داود والنسائي وابن أبي حاتم ‏"‏ فدعا الرجل، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين، فأمر به فأمسك على فيه، فوعظه فقال‏:‏ كل شيء أهون عليك من لعنة الله‏.‏

ثم أرسله فقال‏:‏ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين‏.‏

وقال في المرأة نحو ذلك ‏"‏ وهذه الطريق لم يسم فيها الزوج ولا الزوجة، بخلاف حديث أنس فصرح فيه بأنها في قصة هلال بن أمية، فإن كانت القصة واحدة وقع الوهم في تسمية الملاعن كما جزم به غير واحد ممن ذكرته في التفسير‏.‏

فهذه زيادة من ثقة فتعتمد، وإن كانت متعددة فقد ثبت بعضها في قصه امرأة هلال كما ذكرته في آخر ‏"‏ باب يبدأ الرجل بالتلاعن‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فلما فرغا من تلاعنهما قال عويمر‏:‏ كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ إن حبستها فقد ظلمتها‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فطلقها ثلاثا‏)‏ في رواية ابن إسحاق ‏"‏ ظلمتها إن أمسكتها فهي الطلاق فهي الطلاق ‏"‏ وقد تفرد بهذه الزيادة ولم يتابع عليها، وكأنه رواه بالمعنى لاعتقاده منع جمع الطلقات الثلاث بكلمة واحدة، وقد تقدم البحث فيه من قبل في أوائل الطلاق، واستدل بقوله ‏"‏ طلقها ثلاثا ‏"‏ أن الفرقة بين المتلاعنين تتوقف على تطليق الرجل كما تقدم نقله عن عثمان البتي، وأجيب بقوله في حديث ابن عمر ‏"‏ فرق النبي صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين ‏"‏ فإن حديث سهل وحديث ابن عمر في قصة واحدة، وظاهر حديث ابن عمر أن الفرقة وقعت بتفريق النبي صلى الله عليه وسلم، وقد وقع في ‏"‏ شرح مسلم للنووي ‏"‏ قوله ‏"‏ كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها ‏"‏ هو كلام مستقل، وقوله ‏"‏فطلقها ‏"‏ أي ثم عقب قوله ذلك بطلاقها وذلك لأنه ظن أن اللعان لا يحرمها عليه، فأراد تحريمها بالطلاق فقال ‏"‏ هي طالق ثلاثا‏.‏

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم لا سبيل لك عليها ‏"‏ أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك انتهى‏.‏

وهو يوهم أن قوله ‏"‏ لا سبيل لك عليها ‏"‏ وقع منه صلى الله عليه وسلم عقب قول الملاعن هي طالق ثلاثا وأنه موجود كذلك في حديث سهل بن سعد الذي شرحه، وليس كذلك فإن قوله لا سبيل لك عليها لم يقع في حديث سهل، وإنما وقع في حديث ابن عمر عقب قوله ‏"‏ الله يعلم أن أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها ‏"‏ وفيه ‏"‏ قال يا رسول الله مالي ‏"‏ الحديث كذا في الصحيحين، وظهر من ذلك أن قوله ‏"‏ لا سبيل لك عليها ‏"‏ إنما استدل من استدل به من أصحابنا لوقوع الفرقة بنفس الطلاق من عموم لفظه لا من خصوص السياق والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين‏)‏ زاد أبو داود عن القعنبي عن مالك ‏"‏ فكانت تلك وهي إشارة إلى الفرقة‏.‏

وفي رواية ابن جريج في الباب بعده ‏"‏ فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم حين فرغا من التلاعن، ففارقها عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ ذلك تفريق بين كل متلاعنين ‏"‏ كذا للمستملي، وللباقين ‏"‏ فكان ذلك تفريقا، وللكشميهني ‏"‏ فصار ‏"‏ بدل ‏"‏ فكان ‏"‏ وأخرجه مسلم من طريق ابن جريج بلفظ ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ذلك التفريق بين كل متلاعنين ‏"‏ وهو يؤيد رواية المستملي، ومن طريق يونس عن ابن شهاب قال بمثل حديث مالك، قال مسلم‏:‏ لكن أدرج قوله ‏"‏ وكان فراقه إياها بعد سنة بين المتلاعنين ‏"‏ وكذا ذكر الدار قطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏ اختلاف الرواة على ابن شهاب ثم على مالك في تعيين من قال ‏"‏ فكان فراقها سنة ‏"‏ هل هو من قول سهل أو من قول ابن شهاب، وذكر ذلك الشافعي وأشار إلى أن نسبته إلى ابن شهاب لا تمنع نسبته إلى سهل، ويؤيده ما وقع عند أبي داود من طريق عياض بن عبد الله الفهري عن ابن شهاب عن سهل قال ‏"‏ فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ما صنع عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة ‏"‏ قال سهل ‏"‏ حضرت هذا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا ‏"‏ فقوله ‏"‏ فمضت السنة ‏"‏ ظاهر في أنه من تمام قول سهل، ويحتمل أنه من قول ابن شهاب، ويؤيده أن ابن جريج كما في الباب الذي بعده أورد قول ابن شهاب في ذلك بعد ذكر حديث سهل فقال بعد قوله ذلك تفريق بين كل متلاعنين‏:‏ قال ابن جريج قال ابن شهاب كانت السنة بعدها أن يفرق بين المتلاعنين، ثم وجدت في نسخة الصغاني آخر الحديث‏.‏

قال أبو عبد الله‏:‏ قوله ‏"‏ ذلك تفريق بين المتلاعنين ‏"‏ من قول الزهري وليس من الحديث‏.‏

انتهى، وهو خلاف ظاهر سياق ابن جريج فكأن المصنف رأى أنه مدرج فنبه عليه‏.‏

*3*باب التَّلَاعُنِ فِي الْمَسْجِدِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب التلاعن في المسجد‏)‏ أشار بهذه الترجمة إلى خلاف الحنفية أن اللعان لا يتعين في المسجد وإنما يكون حيث كان الإمام أو حيث شاء‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا يَحْيَى أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ الْمُلَاعَنَةِ وَعَنْ السُّنَّةِ فِيهَا عَنْ حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَخِي بَنِي سَاعِدَةَ أَنَّ رَجُلًا مِنْ الْأَنْصَارِ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ أَمْ كَيْفَ يَفْعَلُ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي شَأْنِهِ مَا ذَكَرَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ أَمْرِ الْمُتَلَاعِنَيْنِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ قَضَى اللَّهُ فِيكَ وَفِي امْرَأَتِكَ قَالَ فَتَلَاعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا شَاهِدٌ فَلَمَّا فَرَغَا قَالَ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ فَرَغَا مِنْ التَّلَاعُنِ فَفَارَقَهَا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ذَاكَ تَفْرِيقٌ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَكَانَتْ السُّنَّةُ بَعْدَهُمَا أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَكَانَتْ حَامِلًا وَكَانَ ابْنُهَا يُدْعَى لِأُمِّهِ قَالَ ثُمَّ جَرَتْ السُّنَّةُ فِي مِيرَاثِهَا أَنَّهَا تَرِثُهُ وَيَرِثُ مِنْهَا مَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنْ جَاءَتْ بِهِ أَحْمَرَ قَصِيرًا كَأَنَّهُ وَحَرَةٌ فَلَا أُرَاهَا إِلَّا قَدْ صَدَقَتْ وَكَذَبَ عَلَيْهَا وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَسْوَدَ أَعْيَنَ ذَا أَلْيَتَيْنِ فَلَا أُرَاهُ إِلَّا قَدْ صَدَقَ عَلَيْهَا فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ ذَلِكَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏حدثنا يحيى‏)‏ هو ابن جعفر‏.‏

قوله ‏(‏أخبرني ابن شهاب عن الملاعنة وعن السنة فيها عن حديث سهل بن سعد أخي بني ساعدة‏)‏ وقع عند الطبري في أول الإسناد زيادة، فإنه أخرج من طريق حجاج بن محمد عن ابن جريج عن عكرمة في هذه الآية ‏(‏والذين يرمون أزواجهم‏)‏ نزلت في هلال بن أمية فذكره مختصرا، قال ابن جريج‏:‏ وأخبرني ابن شهاب فذكره، فكأن ابن جريج أشار إلى بيان الاختلاف في الذي نزل ذلك فيه، وقد ذكرت ما في رواية ابن جريج من الفائدة في الباب الذي قبله‏.‏

قوله ‏(‏قال وكانت حاملا وكان ابنها يدعي لأمه، قال‏:‏ ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله لها‏)‏ هذه الأقوال كلها أقوال ابن شهاب، وهو موصول إليه بالسند المبدأ به، وقد وصله سويد بن سعيد عن مالك عن ابن شهاب عن سهل بن سعد، قال الدار قطني في ‏"‏ غرائب مالك ‏"‏‏:‏ لا أعلم أحدا رواه عن مالك غيره‏.‏

قلت‏:‏ وقد تقدم في التفسير من طريق فليح بن سليمان عن الزهري عن سهل، فذكر قصة المتلاعنين مختصرة وفيه ‏"‏ ففارقها، فكانت سنة أن يفرق بين المتلاعنين، وكانت حاملا - إلى قوله - ما فرض الله لها‏"‏، وظاهر أنه من قول سهل مع احتمال أن يكون من قول ابن شهاب كما تقدم، وهذا صريح في أن اللعان بينهما وقع وهي حامل، ويتأيد بما في رواية العباس بن سهل بن سعد عن أبيه عند أبي داود ‏"‏ فقال النبي صلى الله عليه وسلم لعاصم بن عدي‏:‏ أمسك المرأة عندك حتى تلد‏"‏، وتقدم في أثناء الباب الذي قبله من مرسل مقاتل ابن حيان ومن حديث عبد الله بن جعفر أيضا التصريح بذلك‏.‏

قوله ‏(‏قال ابن جريج عن ابن شهاب عن سهل ابن سعد الساعدي في هذا الحديث‏)‏ هو موصول بالسند المبدأ به‏.‏

قوله ‏(‏إن جاءت به أحمر‏)‏ في رواية أبي داود من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب ‏"‏ أحيمر ‏"‏ بالتصغير، وفي مرسل سعيد بن المسيب عند الشافعي ‏"‏ أشقر ‏"‏ قال ثعلب المراد بالأحمر الأبيض، لأن الحمرة إنما تبدو في البياض، قال‏:‏ والعرب لا تطلق الأبيض لا اللون وإنما تقوله في نعت الطاهر والنقي والكريم ونحو ذلك‏.‏

قوله ‏(‏قصيرا كأنه وحرة‏)‏ بفتح الواو والمهملة‏:‏ دويبة تترامى على الطعام واللحم فتفسده، وهي من نوع الوزغ‏.‏

قوله ‏(‏فلا أراها إلا صدقت‏)‏ في رواية عباس بن سهل عن أبيه عند أبي داود فهو لأبيه الذي انتفى منه‏.‏

قوله ‏(‏وإن جاءت به أسود أعين ذا أليتين‏)‏ أي عظيمتين، ويوضحه ما في رواية أبي داود المذكورة من طريق إبراهيم بن سعد ‏"‏ أدعج العينين عظيم الأليتين ‏"‏ ومثله في رواية الأوزاعي الماضية في التفسير وزاد ‏"‏ خدلج الساقين ‏"‏ والدعج شدة سواد الحدقة والأعين الكبير العين‏.‏

وفي رواية عباس بن سهل المذكورة ‏"‏ وإن ولدته قطط الشعر أسود اللسان فهو لابن سحماء ‏"‏ والقطط تفلفل الشعر‏.‏

قوله ‏(‏فجاءت به على المكروه من ذلك‏)‏ في رواية الأوزاعي ‏"‏ فجاءت به على النعت الذي نعت به رسول الله صلى الله عليه وسلم من تصديق عويمر ‏"‏ وفي رواية عباس المذكورة ‏"‏ قال عاصم‏:‏ فلما وقع أخذته إلى فإذا رأسه مثل فروة الحمل الصغير، ثم أخذت بفقميه فإذا هو مثل النبعة، واستقبلني لسانه أسود مثل الثمرة فقلت‏:‏ صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم‏"‏، والحمل بفتح المهملة والميم ولد الضأن، والنبعة واحدة النبع بفتح النون وسكون الموحدة بعدها مهملة، وهو شجر يتخذ منه القسي والسهام، ولون قشره أحمر إلى الصفرة

*3*باب قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ كُنْتُ رَاجِمًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب قول النبي صلى الله عليه وسلم لو كنت راجما بغير بينة‏)‏ أي من أنكر، وإلا فالمعترف أيضا يرجم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنِي اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ ذُكِرَ التَّلَاعُنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ عَدِيٍّ فِي ذَلِكَ قَوْلًا ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَتَاهُ رَجُلٌ مِنْ قَوْمِهِ يَشْكُو إِلَيْهِ أَنَّهُ قَدْ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا فَقَالَ عَاصِمٌ مَا ابْتُلِيتُ بِهَذَا الْأَمْرِ إِلَّا لِقَوْلِي فَذَهَبَ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِالَّذِي وَجَدَ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ وَكَانَ ذَلِكَ الرَّجُلُ مُصْفَرًّا قَلِيلَ اللَّحْمِ سَبْطَ الشَّعَرِ وَكَانَ الَّذِي ادَّعَى عَلَيْهِ أَنَّهُ وَجَدَهُ عِنْدَ أَهْلِهِ خَدْلًا آدَمَ كَثِيرَ اللَّحْمِ

فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ بَيِّنْ فَجَاءَتْ شَبِيهًا بِالرَّجُلِ الَّذِي ذَكَرَ زَوْجُهَا أَنَّهُ وَجَدَهُ فَلَاعَنَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُمَا قَالَ رَجُلٌ لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي الْمَجْلِسِ هِيَ الَّتِي قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بِغَيْرِ بَيِّنَةٍ رَجَمْتُ هَذِهِ فَقَالَ لَا تِلْكَ امْرَأَةٌ كَانَتْ تُظْهِرُ فِي الْإِسْلَامِ السُّوءَ قَالَ أَبُو صَالِحٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ آدَمَ خَدِلًا

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏عن يحيى بن سعد‏)‏ هو الأنصاري‏.‏

قوله ‏(‏عن عبد الرحمن بن القاسم‏)‏ في رواية سليمان بن بلال عن يحيى بن سعيد ‏"‏ أخبرني عبد الرحمن بن القاسم ‏"‏ وسيأتي بعد ستة أبواب‏.‏

قوله ‏(‏عن القاسم بن محمد‏)‏ أي ابن أبي بكر الصديق وهو والد عبد الرحمن راويه عنه، ووقع في رواية النسائي ‏"‏ عن أبيه‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏عن ابن عباس أنه ذكر التلاعن‏)‏ يعني أنه قال ذكر فحذف لفظ ‏"‏ قال ‏"‏ وصرح بذلك في رواية سليمان الآتية، وقوله ‏"‏ذكر ‏"‏ بضم أوله على البناء للمجهول، وقوله ‏"‏التلاعن ‏"‏ وقع في رواية سليمان ‏"‏ المتلاعنان ‏"‏ والمراد ذكر حكم الرجل يرمي امرأته بالزنا فعبر عنه بالتلاعن باعتبار ما آل إليه الأمر بعد نزول الآية‏.‏

قوله ‏(‏فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ثم انصرف‏)‏ قال الكرماني‏:‏ معنى قوله ‏"‏ قولا ‏"‏ أي كلاما لا يليق به كعجب النفس والنخوة والمبالغة في الغيرة وعدم المرد إلى إرادة الله وقدرته‏.‏

قلت‏:‏ وكل ذلك بمعزل عن الواقع، وإنما المراد بقول عاصم ما تقدم في حديث سهل بن سعد أنه سأل عن الحكم الذي أمره عويمر أن يسأل له عنه‏.‏

وإنما جزمت بذلك لأنه تبين لي أن حديثي سهل بن سعد وابن عباس من رواية القاسم بن محمد عنه في قصة واحدة، بخلاف رواية عكرمة عن ابن عباس فإنها في قصة أخرى كما تقدم في تفسير النور عن ابن عبد البر أن القاسم روي قصة اللعان عن ابن عباس كما رواه سهل بن سعد وغيره في أن الملاعن، وبينت هناك توجيهه، وعلى هذا فالقول المبهم عن عاصم في رواية القاسم هذه هو قوله ‏"‏ أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه ‏"‏‏؟‏ الحديث، ولا مانع أن يروى ابن عباس القصتين معا، ويؤيد التعدد اختلاف السياقين وخلو أحدهما عما وقع في الآخر وما وقع بين القصتين من المغايرة كما أبينه‏.‏

قوله ‏(‏فأتاه رجل من قومه‏)‏ هو عويمر كما تقدم، ولا يمكن تفسيره بهلال بن أمية لأنه لا قرابة بينه وبين عاصم، لأنه هلال بن أمية بن عامر بن عبد قيس من بني واقف، وهو مالك بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس، فلا يجتمع مع بني عمرو بن عوف الذي ينتهي عاصم إلى حلفهم إلا في مالك بن الأوس لأن عمرو بن عوف هو ابن مالك‏.‏

قوله ‏(‏فقال عاصم ما ابتليت بهذا إلا لقولي‏)‏ تقدم بيان المراد من ذلك، لأن عويمر بن عمرو كانت تحته بنت عاصم أو بنت أخيه فلذلك أضاف ذلك إلى نفسه بقوله ‏"‏ ما ابتليت ‏"‏ وقوله ‏"‏ إلا بقولي ‏"‏ أي بسؤالي عما لم يقع، كأنه قال فعوقبت بوقوع ذلك في آل بيتي، وزعم الداودي أن معناه أنه قال مثلا لو وجدت أحدا يفعل ذلك لقتلته، أو عير أحدا بذلك فابتلى به، وكلامه أيضا بمعزل عن الواقع، فقد وقع في مرسل مقاتل بن حيان عند ابن أبي حاتم ‏"‏ فقال عاصم‏:‏ إنا لله وإنا إليه راجعون، هذا والله بسؤالي عن هذا الأمر بين الناس فابتليت به ‏"‏ والذي كان قال ‏"‏ لو رأيته لضربته بالسيف ‏"‏ هو سعد بن عبادة كما تقدم في ‏"‏ باب الغيرة ‏"‏ وقد أورد الطبري من طريق أيوب عن عكرمة مرسلا، ووصله ابن مردويه بذكر ابن عباس قال ‏"‏ لما نزلت ‏(‏والذين يرمون المحصنات‏)‏ قال سعد بن عبادة‏:‏ إن أنا رأيت لكاع يفجر بها رجل ‏"‏ فذكر القصة وفيه ‏"‏ فوالله ما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية فذكر قصته، وهو عند أبي داود في رواية عباد بن منصور عن عكرمة عن ابن عباس، فوضح أن قول عاصم كان في قصة عويمر وقول سعد بن عبادة كان في قصة هلال، فالكلامان مختلفان، وهو مما يؤيد تعدد القصة، ويؤيد التعدد أيضا أنه وقع في آخر حديث ابن عباس عند الحاكم ‏"‏ قال ابن عباس‏:‏ فما كان بالمدينة أكثر غاشية منه ‏"‏ وعند أبي داود وغيره ‏"‏ قال عكرمة‏:‏ فكان بعد ذلك أميرا على مصر وما يدعى لأب ‏"‏ فهذا يدل على أن ولد الملاعنة عاش بعد النبي صلى الله عليه وسلم زمانا، وقوله ‏"‏على مصر ‏"‏ أي من الأمصار، وظن بعض شيوخنا أنه أراد مصر البلد المشهور فقال‏:‏ فيه نظر، لأن أمراء مصر معروفون معدودون ليس فيهم هذا، ووقع في حديث عبد الله بن جعفر عند ابن سعد في ‏"‏ الطبقات ‏"‏ أن ولد الملاعنة عاش بعد ذلك سنتين ومات، فهذا أيضا مما يقوي التعدد والله أعلم‏.‏

قوله ‏(‏وكان ذلك الرجل‏)‏ أي الذي رمى امرأته‏.‏

قوله ‏(‏مصفرا‏)‏ بضم أوله وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وتشديد الراء، أي قوي الصفرة، وهذا لا يخالف قوله في حديث سهل أنه كان أحمر أو أشقر لأن ذاك لونه الأصلي والصفرة عارضة، وقوله قليل اللحم أي نحيف الجسم، وقوله سبط الشعر بفتح المهملة وكسر الموحدة هو ضد الجعودة‏.‏

قوله ‏(‏وكان الذي ادعى عليه أنه وجده عند أهله آدم‏)‏ بالمد أي لونه قريب من السواد‏.‏

قوله ‏(‏خدلا‏)‏ بفتح المعجمة ثم المهملة وتشديد اللام أي ممتلئ الساقين‏.‏

وقال أبو الحسين بن فارس ‏"‏ ممتلئ الأعضاء‏"‏‏.‏

وقال الطبري‏:‏ لا يكون إلا مع غلظ العظم مع اللحم‏.‏

قوله ‏(‏كثير اللحم‏)‏ أي في جميع جسده‏.‏

يحتمل أن تكون صفة شارحة لقوله ‏"‏ خدلا ‏"‏ بناء على أن الخدل الممتلئ البدن، وأما على قول من قال أنه المملئ الساق فيكون فيه تعميم بعد تخصيص، وزاد في رواية سليمان بن بلال الآتية ‏"‏ جعدا قططا ‏"‏ وقد تقدم تفسيره في شرح حديث سهل قريبا، وهذه الصفة موافقة للتي في حديث سهل بن سعد حيث فيه ‏"‏ عظيم الأليتين خدلج الساقين إلخ‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ اللهم بين‏)‏ يأتي الكلام عليه بعد أربعة أبواب‏.‏

قوله ‏(‏فجاءت‏)‏ في رواية سليمان بن بلال ‏"‏ فوضعت‏"‏‏.‏

قوله ‏(‏فلاعن النبي صلى الله عليه وسلم بينهما‏)‏ هذا ظاهره أن الملاعنة بينهما تأخرت حتى وضعت فيحمل على أن قوله ‏"‏ فلاعن ‏"‏ معقب بقوله فذهب به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته، واعترض قوله ‏"‏ وكان ذلك الرجل إلخ ‏"‏ والحامل على ذلك ما قدمناه من الأدلة على أن رواية القاسم هذه موافقة لحديث سهل بن سعد‏.‏

قوله ‏(‏لو كنت راجما بغير بينة‏)‏ تمسك به من قال إن نكول المرأة عن اللعان لا يوجب عليها الحد، وهو قول الأوزاعي وأصحاب الرأي، واحتجوا بأن الحدود لا تثبت بالنكول، وبأن قوله صلى الله عليه وسلم لو كنت راجما لم يقع بسبب اللعان فقط‏.‏

وقال أحمد‏:‏ إذا امتنعت تحبس، وأهاب أن أقول ترجم، لأنها لو أقرت صريحا ثم رجعت لم ترجم فكيف ترجم إذا أبت الالتعان‏.‏

قوله ‏(‏فقال رجل لابن عباس في المجلس‏)‏ يأتي بيانه في ‏"‏ باب قول الإمام اللهم بين ‏"‏ قريبا‏.‏

قوله ‏(‏قال أبو صالح وعبد الله بن يوسف‏:‏ آدم خدلا‏)‏ يعني بسكون الدال ويقال بفتحها مخففا في الوجهين وبالسكون ذكره أهل اللغة‏.‏

وأبو صالح هذا هو عبد الله بن صالح كاتب الليث، وقد وقع في بعض النسخ عن أبي ذر ‏"‏ وقال لنا أبو صالح ‏"‏ ورواية عبد الله بن يوسف وصلها المؤلف في الحدود

*3*باب صَدَاقِ الْمُلَاعَنَةِ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏باب صداق الملاعنة‏)‏ أي بيان الحكم فيه، وقد انعقد الإجماع على أن المدخول بها تستحق جميعه، واختلف في غير المدخول بها‏:‏ فالجمهور على أن لها النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول، وقيل بل لها جميعه قاله أبو الزناد والحكم وحماد، وقيل لا شيء لها أصلا قاله الزهري وروى عن مالك‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ رَجُلٌ قَذَفَ امْرَأَتَهُ فَقَالَ فَرَّقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ أَخَوَيْ بَنِي الْعَجْلَانِ وَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ فَأَبَيَا وَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ فَأَبَيَا فَقَالَ اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ فَأَبَيَا فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَيُّوبُ فَقَالَ لِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ إِنَّ فِي الْحَدِيثِ شَيْئًا لَا أَرَاكَ تُحَدِّثُهُ قَالَ قَالَ الرَّجُلُ مَالِي قَالَ قِيلَ لَا مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا فَقَدْ دَخَلْتَ بِهَا وَإِنْ كُنْتَ كَاذِبًا فَهُوَ أَبْعَدُ مِنْكَ

الشرح‏:‏

قوله ‏(‏أخبرنا إسماعيل‏)‏ هو المعروف بابن علية‏.‏

قوله ‏(‏قلت لابن عمر‏:‏ رجل قذف امرأته‏)‏ أي ما الحكم فيه‏؟‏ وقد أورده مسلم من وجه آخر عن سعيد ابن جبير فزاد في أوله ‏"‏ قال لم يفرق المصعب - يعني ابن الزبير - بين المتلاعنين، أي حيث كان أميرا على العراق، قال سعد فذكرت ذلك لابن عمر‏.‏

ومن وجه آخر عن سعيد ‏"‏ سئلت عن المتلاعنين في امرأة مصعب ابن الزبير فما دريت ما أقول، فمضيت إلى منزل ابن عمر بمكة ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ فقلت يا أبا عبد الرحمن، المتلاعنان أيفرق بينهما‏؟‏ قال‏:‏ سبحان الله، نعم، إن أول من سأل عن ذلك فلان ابن فلان، وعرف من قوله بمكة أن في الرواية التي قبلها حذفا تقديره فسافرت إلى مكة فذكرت ذلك لابن عمر، ووقع في رواية عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن سعيد بن جبير قال ‏"‏ كنا بالكوفة نختلف في الملاعنة، يقول بعضنا يفرق بينهما ويقول بعضنا لا يفرق ‏"‏ ويؤخذ منه أن الخلاف في ذلك كان قديما، وقد استمر عثمان البتي من فقهاء البصرة على أن اللعان لا يقتضي الفرقة كما تقدم نقله عنه‏.‏

وكأنه لم يبلغه حديث ابن عمر‏.‏

قوله ‏(‏فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أخوي بني العجلان‏)‏ سيأتي البحث فيه بعد باب، وتقدمت تسميتهما في حديث سهل بن سعد، ووقع في رواية أبي أحمد الجرجاني ‏"‏ بين أحد بني العجلان ‏"‏ بحاء ودال مهملتين وهو تصحيف‏.‏

قوله ‏(‏وقال‏:‏ الله يعلم أن أحدكما لكاذب‏)‏ كذا للمستملي وسقطت اللام لغيره‏.‏

قوله ‏(‏فهل منكما تائب‏؟‏ فأبيا‏)‏ ظاهره أن ذلك كان قبل صدور اللعان بينهما، وسيأتي أيضا‏.‏

قوله ‏(‏قال أيوب‏)‏ هو موصول بالسند المبدأ به‏.‏

قوله ‏(‏فقال لي عمرو بن دينار أن في الحديث شيئا لا أراك تحدثه، قال قال الرجل‏:‏ مالي، قال قيل لا مال لك إلى آخره‏)‏ حاصله أن عمرو بن دينار وأيوب سمعا الحديث جميعا من سعيد بن جبير فحفظ فيه عمرو ما لم يحفظه أيوب، وقد بين ذلك سفيان بن عيينة حيث رواه عنهما جميعا في الباب الذي بعد هذا، فوقع في روايته عن عمرو بسنده قال النبي صلى الله عليه وسلم للمتلاعنين‏:‏ حسابكما على الله، أحدكما كاذب، لا سبيل لك عليها‏.‏

قال‏:‏ مالي قال لا مال لك ‏"‏ أما معنى قوله ‏"‏ لا سبيل لك ‏"‏ أي لا تسليط، وأما قوله ‏"‏ مالي ‏"‏ فإنه فاعل فعل محذوف، كأنه لما سمع لا سبيل لك عليها قال‏:‏ أيذهب مالي‏؟‏ والمراد به الصداق‏.‏

قال ابن العربي‏:‏ قوله ‏"‏ مالي ‏"‏ أي الصداق الذي دفعته إليها، فأجيب بأنك استوفيته بدخولك عليها، وتمكينها لك من نفسها‏.‏

ثم أوضح له ذلك بتقسيم مستوعب فقال‏:‏ إن كنت صادقا فيما ادعيته عليها فقد استوفيت حقك منها قبل ذلك، وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك من مطالبتها لئلا تجمع عليها الظلم في عرضها ومطالبتها بمال قبضته منك قبضا صحيحا تستحقه‏.‏

وعرف من هذه الرواية اسم القائل ‏"‏ لا مال لك ‏"‏ حيث أبهم في حديث الباب بلفظ ‏"‏ قيل لا مال لك ‏"‏ مع أن النسائي رواه عن زياد بن أيوب عن ابن علية بلفظ ‏"‏ قال لا مال لك ‏"‏ وقوله ‏"‏ فقد دخلت بها ‏"‏ فسره في رواية سفيان بلفظ ‏"‏ فهو بما استحللت من فرجها ‏"‏ وقوله ‏"‏ فهو أبعد منك ‏"‏ كذا عند النسائي أيضا، ووقع عند الإسماعيلي من رواية عثمان بن أبي شيبة عن ابن علية ‏"‏ فهو أبعد لك ‏"‏ وسيأتي قبل كتاب النفقات سواء من طريق عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير بلفظ ‏"‏ فذلك أبعد وأبعد لك منها ‏"‏ وكرر لفظ أبعد تأكيدا، قوله ‏"‏ ذلك ‏"‏ الإشارة إلى الكذب، لأنه مع الصدق يبعد عليه استحقاق إعادة المال ففي الكذب أبعد، ويستفاد من قوله ‏"‏ فهو بما استحللت من فرجها ‏"‏ أن الملاعنة لو أكذبت نفسها بعد اللعان وأقرت بالزنا وجب عليها الحد، لكن لا يسقط مهرها‏.‏