فصل: باب قَوْلِ اللَّهِ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **


*3*باب قَوْلُهُ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ

وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ كَلِمَتُهُ كُنْ فَكَانَ وَقَالَ غَيْرُهُ وَرُوحٌ مِنْهُ أَحْيَاهُ فَجَعَلَهُ رُوحًا وَلَا تَقُولُوا ثَلَاثَةٌ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قوله تعالى‏:‏ يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم - إلى - وكيلا‏)‏ قال عياض‏:‏ وقع في رواية الأصيلي ‏(‏قل يا أهل الكتاب‏)‏ ولغيره بحذف ‏"‏ قل ‏"‏ وهو الصواب‏.‏

قلت‏.‏

هذا هو الصواب في هذه الآية التي هي من سورة النساء لكن قد ثبت ‏"‏ قل ‏"‏ في الآية الأخرى في سورة المائدة ‏(‏قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحق‏)‏ الآية، ولكن مراد المصنف آية سورة النساء بدليل إيراده لتفسير بعض ما وقع فيها فالاعتراض متجه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو عبيد كلمته كن فكان‏)‏ هكذا في جميع الأصول، والمراد به أبو عبيد القاسم بن سلام، ووقع نظيره في كلام أبي عبيدة معمر بن المثنى، وفي تفسير عبد الرزاق عن معمر عن قتادة مثله‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره‏:‏ وروح منه أحياه فجعله روحا‏)‏ هو قول أبي عبيدة، قال في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏وكلمته ألقاها إلى مريم‏)‏ قوله كن فكان، وروح منه الله تبارك وتعالى أحياه فجعله روحا ولا تقولوا ثلاثة‏:‏ أي لا تقولوا هم ثلاثة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولا تقولوا ثلاثة‏)‏ هو بقية الآية التي فسرها أبو عبيدة‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ عَنْ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ حَدَّثَنِي جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ شَهِدَ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ الْعَمَلِ قَالَ الْوَلِيدُ حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ عَنْ عُمَيْرٍ عَنْ جُنَادَةَ وَزَادَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ أَيَّهَا شَاءَ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن الأوزاعي‏)‏ في رواية الإسماعيلي من طريق علي بن المديني عن الوليد ‏"‏ حدثنا الأوزاعي‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن عبادة‏)‏ هو ابن الصامت، في رواية ابن المديني المذكورة ‏"‏ حدثني عبادة ‏"‏ وفي رواية مسلم عن جنادة ‏"‏ حدثنا عبادة بن الصامت‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأن عيسى عبد الله ورسوله‏)‏ زاد ابن المديني في روايته ‏"‏ وابن أمته ‏"‏ قال القرطبي‏:‏ مقصود هذا الحديث التنبيه على ما وقع للنصارى من الضلال في عيسى وأمه، ويستفاد منه ما يلقنه النصراني إذا أسلم، قال النووي‏:‏ هذا حديث عظيم الموقع، وهو من أجمع الأحاديث المشتملة على العقائد؛ فإنه جمع فيه ما يخرج عنه جميع ملل الكفر على اختلاف عقائدهم وتباعدهم‏.‏

وقال غيره‏:‏ في ذكر عيسى تعريض بالنصارى وإيذان بأن إيمانهم مع قولهم بالتثليث شرك محض، وكذا قوله‏:‏ ‏"‏ عبده ‏"‏ وفي ذكر ‏"‏ رسوله ‏"‏ تعريض باليهود في إنكارهم رسالته وقذفه بما هو منزه عنه وكذا أمه‏.‏

وفي قوله‏:‏ ‏"‏ وابن أمته ‏"‏ تشريف له، وكذا تسميته بالروح ووصفه بأنه ‏"‏ منه ‏"‏ كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وسخر لكم ما في الأرض جميعا منه‏)‏ فالمعنى أنه كائن منه كما أن معنى الآية الأخرى أنه سخر هذه الأشياء كائنة منه، أي أنه مكون كل ذلك وموجده بقدرته وحكمته‏.‏

وقوله‏:‏ ‏(‏وكلمته‏)‏ إشارة إلى أنه حجة الله على عباده أبدعه من غير أب وأنطقه في غير أوانه وأحيى الموتى على يده، وقيل‏:‏ سمي كلمة الله لأنه أوجده بقوله كن، فلما كان بكلامه سمي به كما يقال سيف الله وأسد الله، وقيل‏:‏ لما قال في صغره إني عبد الله، وأما تسميته بالروح فلما كان أقدره عليه من إحياء الموتى، وقيل‏:‏ لكونه ذا روح وجد من غير جزء من ذي روح‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ أدخله الله الجنة من أي أبواب الجنة شاء ‏"‏ يقتضي دخوله الجنة وتخييره في الدخول من أبوابها، وهو بخلاف ظاهر حديث أبي هريرة الماضي في بدء الخلق فإنه يقتضي أن لكل داخل الجنة بابا معينا يدخل منه، قال‏:‏ ويجمع بينهما بأنه في الأصل مخير، لكنه يرى أن الذي يختص به أفضل في حقه فيختاره فيدخله مختارا لا مجبورا ولا ممنوعا من الدخول من غيره‏.‏

قلت‏:‏ ويحتمل أن يكون فاعل شاء هو الله، والمعنى أن الله يوفقه لعمل يدخله برحمة الله من الباب المعد لعامل ذلك العمل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الوليد‏)‏ هو ابن مسلم، وهو موصول بالإسناد المذكور، وقد أخرجه مسلم عن داود بن رشيد عن الوليد بن مسلم عن ابن جابر وحده به ولم يذكر الأوزاعي، وأخرجه من وجه آخر عن الأوزاعي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن جنادة وزاد‏)‏ أي عن جنادة عن عبادة بالحديث المذكور وزاد في آخره، وكذا أخرجه مسلم بالزيادة ولفظه ‏"‏ أدخله الله من أي أبواب الجنة الثمانية شاء ‏"‏ وقد تقدمت الإشارة إليه في صفة الجنة من بدء الخلق، وقد تقدم الكلام على ما يتعلق بدخول جميع الموحدين الجنة في كتاب الإيمان بما أغنى عن إعادته‏.‏

ومعنى قوله‏:‏ ‏"‏ على ما كان من العمل ‏"‏ أي من صلاح أو فساد، لكن أهل التوحيد لا بد لهم من دخول الجنة، ويحتمل أن يكون معنى قوله‏:‏ ‏"‏ على ما كان من العمل ‏"‏ أي يدخل أهل الجنة الجنة على حسب أعمال كل منهم في الدرجات‏.‏

‏(‏تنبيه‏)‏ ‏:‏ وقع في رواية الأوزاعي وحده فقال في آخره‏:‏ ‏"‏ أدخله الله الجنة على ما كان عليه من العمل ‏"‏ بدل قوله في رواية ابن جابر‏:‏ ‏"‏ من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء ‏"‏ وبينه مسلم في روايته‏.‏

وأخرج مسلم من هذا الحديث قطعة من طريق الصنابحي عن عبادة ‏"‏ من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسوله حرم الله عليه النار ‏"‏ وهو يؤيد ما سيأتي ذكره في الرقاق في شرح حديث أبي ذر أن بعض الرواة يختصر الحديث، وأن المتعين عل من يتكلم على الأحاديث أن يجمع طرقها ثم يجمع ألفاظ المتون إذا صحت الطرق ويشرحها على أنه حديث واحد، فإن الحديث أولى ما فسر بالحديث‏.‏

قال البيضاوي في قوله ‏"‏ على ما كان عليه من العمل ‏"‏ دليل على المعتزلة من وجهين‏:‏ دعواهم أن العاصي يخلد في النار وأن من لم يتب يجب دخوله في النار، لأن قوله‏:‏ ‏"‏ على ما كان من العمل ‏"‏ حال من قوله‏:‏ ‏"‏ أدخله الله الجنة ‏"‏ والعمل حينئذ غير حاصل، ولا يتصور ذلك في حق من مات قبل التوبة إلا إذا أدخل الجنة قبل العقوبة‏.‏

وأما ما ثبت من لازم أحاديث الشفاعة أن بعض العصاة يعذب ثم يخرج فيخص به هذا العموم، وإلا فالجميع تحت الرجاء، كما أنهم تحت الخوف‏.‏

وهذا معنى قول أهل السنة‏:‏ إنهم في خطر المشيئة‏.‏

*3*باب قَوْلِ اللَّهِ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا

نَبَذْنَاهُ أَلْقَيْنَاهُ اعْتَزَلَتْ شَرْقِيًّا مِمَّا يَلِي الشَّرْقَ فَأَجَاءَهَا أَفْعَلْتُ مِنْ جِئْتُ وَيُقَالُ أَلْجَأَهَا اضْطَرَّهَا تَسَّاقَطْ تَسْقُطْ قَصِيًّا قَاصِيًا فَرِيًّا عَظِيمًا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نِسْيًا لَمْ أَكُنْ شَيْئًا وَقَالَ غَيْرُهُ النِّسْيُ الْحَقِيرُ وَقَالَ أَبُو وَائِلٍ عَلِمَتْ مَرْيَمُ أَنَّ التَّقِيَّ ذُو نُهْيَةٍ حِينَ قَالَتْ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا قَالَ وَكِيعٌ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ الْبَرَاءِ سَرِيًّا نَهَرٌ صَغِيرٌ بِالسُّرْيَانِيَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏باب قول الله تعالى‏:‏ واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها‏)‏ هذا الباب معقود لأخبار عيسى عليه السلام، والأبواب التي قبله لأخبار أمه مريم، وقد روى الطبري من طريق السدي قال‏:‏ أصاب مريم حيض فخرجت من المسجد فأقامت شرقي المحراب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فنبذناه‏:‏ ألقيناه‏)‏ وصله الطبري من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏(‏فنبذناه‏)‏ قال‏:‏ ألقيناه‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏إذ انتبذت‏)‏ أي اعتزلت وتنحت‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏اعتزلت شرقيا مما يلي الشرق‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏مكانا شرقيا‏)‏ مما يلي الشرق، وهو عند العرب خير من الغربي الذي يلي الغرب‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأجاءها‏:‏ أفعلت من جئت ويقال ألجأها اضطرها‏)‏ قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏فأجاءها المخاض‏)‏ مجازه أفعلها من جاءت، وأجاءها غيرها إليه، يعني فهو من مزيد جاء، قال زهير‏:‏ وجاء وسار معتمدا إليكم أجاءته المخافة والـرجاء والمعنى ألجأته‏.‏

وقال الزمخشري‏:‏ إن أجاء منقول من جاء، إلا أن استعماله تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تساقط‏:‏ تسقط‏)‏ هو قول أبي عبيدة، وضبط تسقط بضم أوله من الرباعي والفاعل النخلة عند من قرأها بالمثناة، أو الجذع عند من قرأها بالتحتانية‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قصيا‏:‏ قاصيا‏)‏ هو تفسير مجاهد أخرجه الطبري عنه‏.‏

وقال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏مكانا قصيا‏)‏ أي بعيدا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فريا عظيما‏)‏ هو تفسير مجاهد وصله الطبري من طريق ابن أبي نجيح عنه، ومن طريق سعيد عن قتادة كذلك، قال أبو عبيدة في قوله‏:‏ ‏(‏لقد جئت شيئا فريا‏)‏ أي عجبا فائقا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال ابن عباس‏:‏ نسيا لم أكن شيئا‏)‏ وصله ابن جرير من طريق ابن جريج ‏"‏ أخبرني عطاء عن ابن عباس في قوله‏:‏ ‏(‏يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا‏)‏ أي لم أخلق ولم أكن شيئا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال غيره النسي الحقير‏)‏ هو قول السدي، وقيل‏:‏ هو ما سقط في منازل المرتحلين من رذالة أمتعتهم، وروى الطبري من طريق سعيد عن قتادة قال في قوله‏:‏ ‏"‏ وكنت نسيا ‏"‏‏:‏ أي شيئا لا يذكر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال أبو وائل‏:‏ علمت مريم أن التقي ذو نهية حين قالت إن كنت تقيا‏)‏ وصله عبد بن حميد من طريق عاصم قال‏:‏ قرأ أبو وائل ‏(‏إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا‏)‏ قال‏:‏ لقد علمت مريم أن التقي ذو نهية، وقوله نهية‏:‏ بضم النون وسكون الهاء أي ذو عقل وانتهاء عن فعل القبيح وأغرب من قال إنه اسم رجل يقال له تقي كان مشهورا بالفساد فاستعاذت منه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال وكيع عن إسرائيل إلخ‏)‏ ذكر خلف في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ أن البخاري وصله عن يحيى عن وكيع، وأن ذلك وقع في التفسير، ولم نقف عليه في شيء من النسخ، فلعله في رواية حماد بن شاكر عن البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سريا‏:‏ نهر صغير بالسريانية‏)‏ كذا ذكره موقوفا من حديث البراء معلقا، وأورده الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ وابن أبي حاتم من طريق الثوري والطبري من طريق شعبة كلاهما عن أبي إسحاق مثله، وأخرجه ابن مردويه من طريق آدم عن إسرائيل به لكن لم يقل بالسريانية وإنما قال البراء‏:‏ السري الجدول وهو النهر الصغير، وقد ذكر أبو عبيدة أن السري النهر الصغير بالعربية أيضا وأنشد للبيد بن ربيعة‏:‏ فرمى بها عرض السري فغـادرا مسجورة متجـاوز أقلامها والعرض بالضم الناحية، وروى الطبري من طريق حصين عن عمرو بن ميمون قال‏:‏ السري الجدول، ومن طريق الحسن البصري قال‏:‏ السري هو عيسى، وهذا شاذ‏.‏

وقد روى ابن مردويه في تفسيره من حديث ابن عمر مرفوعا ‏"‏ السري في هذه الآية نهر أخرجه الله لمريم لتشرب منه‏"‏‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى وَكَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ جُرَيْجٌ كَانَ يُصَلِّي جَاءَتْهُ أُمُّهُ فَدَعَتْهُ فَقَالَ أُجِيبُهَا أَوْ أُصَلِّي فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهُ وُجُوهَ الْمُومِسَاتِ وَكَانَ جُرَيْجٌ فِي صَوْمَعَتِهِ فَتَعَرَّضَتْ لَهُ امْرَأَةٌ وَكَلَّمَتْهُ فَأَبَى فَأَتَتْ رَاعِيًا فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوَلَدَتْ غُلَامًا فَقَالَتْ مِنْ جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَكَسَرُوا صَوْمَعَتَهُ وَأَنْزَلُوهُ وَسَبُّوهُ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى ثُمَّ أَتَى الْغُلَامَ فَقَالَ مَنْ أَبُوكَ يَا غُلَامُ قَالَ الرَّاعِي قَالُوا نَبْنِي صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ قَالَ لَا إِلَّا مِنْ طِينٍ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ تُرْضِعُ ابْنًا لَهَا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ رَاكِبٌ ذُو شَارَةٍ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ اجْعَلْ ابْنِي مِثْلَهُ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا وَأَقْبَلَ عَلَى الرَّاكِبِ فَقَالَ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْنِي مِثْلَهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى ثَدْيِهَا يَمَصُّهُ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمَصُّ إِصْبَعَهُ ثُمَّ مُرَّ بِأَمَةٍ فَقَالَتْ اللَّهُمَّ لَا تَجْعَلْ ابْنِي مِثْلَ هَذِهِ فَتَرَكَ ثَدْيَهَا فَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا فَقَالَتْ لِمَ ذَاكَ فَقَالَ الرَّاكِبُ جَبَّارٌ مِنْ الْجَبَابِرَةِ وَهَذِهِ الْأَمَةُ يَقُولُونَ سَرَقْتِ زَنَيْتِ وَلَمْ تَفْعَلْ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في قصة جريج الراهب وغيره، والغرض منه ذكر الذين تكلموا في المهد، وأورده في ترجمة عيسى أنه أولهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة‏)‏ قال القرطبي‏:‏ في هذا الحصر نظر، إلا أن يحمل على أنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل أن يعلم الزيادة على ذلك، وفيه بعد، ويحتمل أن يكون كلام الثلاثة المذكورين مقيدا بالمهد وكلام غيرهم من الأطفال بغير مهد، لكنه يعكر عليه أن في رواية ابن قتيبة أن الصبي الذي طرحته أمه في الأخدود كان ابن سبعة أشهر، وصرح بالمهد في حديث أبي هريرة، وفيه نعقب على النووي في قوله‏:‏ إن صاحب الأخدود لم يكن في المهد، والسبب في قوله هذا ما وقع في حديث ابن عباس عند أحمد والبزار وابن حبان والحاكم ‏"‏ لم يتكلم في المهد إلا أربعة ‏"‏ فلم يذكر الثالث الذي هنا وذكر شاهد يوسف والصبي الرضيع الذي قال لأمه وهي ماشطة بنت فرعون لما أراد فرعون إلقاء أمه في النار ‏"‏ اصبري يا أمه فإنا على الحق‏"‏‏.‏

وأخرج الحاكم نحوه من حديث أبي هريرة، فيجتمع من هذا خمسة‏.‏

ووقع ذكر شاهد يوسف أيضا في حديث عمران بن حصين لكنه موقوف، وروى ابن أبي شيبة من مرسل هلال بن يساف مثل حديث ابن عباس إلا أنه لم يذكر ابن الماشطة‏.‏

وفي صحيح مسلم من حديث صهيب في قصة أصحاب الأخدود ‏"‏ أن امرأة جيء بها لتلقى في النار أو لتكفر، ومعها صبي يرضع، فتقاعست، فقال لها‏:‏ يا أمه اصبري فإنك على الحق ‏"‏ وزعم الضحاك في تفسره أن يحيى تكلم في المهد أخرجه الثعلبي‏.‏

فإن ثبت صاروا سبعة‏.‏

وذكر البغوي في تفسيره أن إبراهيم الخليل تكلم في المهد‏.‏

وفي ‏"‏ سير الواقدي ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم تكلم أوائل ما ولد‏.‏

وقد تكلم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم مبارك اليمامة وقصته في ‏"‏ دلائل النبوة للبيهقي ‏"‏ من حديث معرض بالضاد المعجمة، والله أعلم‏.‏

على أنه اختلف في شاهد يوسف‏:‏ فقيل كان صغيرا، وهذا أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس وسنده ضعيف، وبه قال الحسن وسعيد بن جبير‏.‏

وأخرج عن ابن عباس أيضا ومجاهد أنه كان ذا لحية‏.‏

وعن قتادة والحسن أيضا كان حكيما من أهلها‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكان في بني إسرائيل رجل يقال له جريج‏)‏ بجيمين مصغر، وقد روى حديثه عن أبي هريرة محمد بن سيرين كما هنا، وتقدم في المظالم من طريقه بهذا الإسناد، والأعرج كما تقدم في أواخر الصلاة، وأبو رافع وهو عند مسلم وأحمد، وأبو سلمة وهو عند أحمد، ورواه عن النبي صلى الله عليه وسلم مع أبي هريرة عمران بن حصين، وسأذكر ما في رواية كل منهم من الفائدة‏.‏

وأول حديث أبي سلمة ‏"‏ كان رجل في بني إسرائيل تاجرا، وكان ينقص مرة ويزيد أخرى‏.‏

فقال‏:‏ ما في هذه التجارة خير، لألتمسن تجارة هي خير من هذه، فبنى صومعة وترهب فيها، وكان يقال له جريج ‏"‏ فذكر الحديث، ودل ذلك على أنه كان بعد عيسى ابن مريم، وأنه كان من أتباعه لأنهم الذين ابتدعوا الترهب وحبس النفس في الصوامع‏.‏

والصومعة بفتح المهملة وسكون الواو هي البناء المرتفع المحدد أعلاه، ووزنها فوعلة من صمعت إذا دققت لأنها دقيقة الرأس‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏جاءت أمه‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ فجاءته أمه ‏"‏ وفي رواية أبي رافع ‏"‏ كان جريج يتعبد في صومعته فأتته أمه ‏"‏ ولم أقف في شيء من الطرق على اسمها‏.‏

وفي حديث عمران بن حصين ‏"‏ وكانت أمه تأتيه فتناديه فيشرف عليها فيكلمها، فأتته يوما وهو في صلاته ‏"‏ وفي رواية أبي رافع عند أحمد ‏"‏ فأتته أمه ذات يوم فنادته قالت‏:‏ أي جريج أشرف علي أكلمك، أنا أمك‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فدعته فقال أجيبها أو أصلي‏)‏ زاد المصنف في المظالم بالإسناد الذي ذكره هنا ‏"‏ فأبى أن يجيبهما ‏"‏ ومعنى قوله أمي وصلاتي أي اجتمع عليه إجابة أمي وإتمام صلاتي فوفقني لأفضلهما‏.‏

وفي رواية أبي رافع ‏"‏ فصادفته يصلي، فوضعت يدها على حاجبها فقالت‏:‏ يا جريج، فقال‏:‏ يا رب أمي وصلاتي، فاختار صلاته، فرجعت‏.‏

ثم أتته فصادفته يصلي فقالت‏:‏ يا جريج أنا أمك فكلمني، فقال مثله ‏"‏ فذكره‏.‏

وفي حديث عمران بن حصين أنها جاءته ثلاث مرات تناديه في كل مرة ثلاث مرات‏.‏

وفي رواية الأعرج عند الإسماعيلي ‏"‏ فقال أمي وصلاتي لربي، أوثر صلاتي على أمي، ذكره ثلاثا ‏"‏ وكل ذلك محمول على أنه قاله في نفسه لا أنه نطق به، ويحتمل أن يكون نطق به على ظاهره لأن الكلام كان مباحا عندهم، وكذلك كان في صدر الإسلام، وقد قدمت في أواخر الصلاة ذكر حديث يزيد بن حوشب عن أبيه رفعه ‏"‏ لو كان جريج عالما لعلم أن إجابة أمه أولى من صلاته‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت‏:‏ اللهم لا تمته حتى تريه وجوه المومسات‏)‏ في رواية الأعرج ‏"‏ حتى ينظر في وجوه المياميس ‏"‏ ومثله في رواية أبي سلمة وفي رواية أبي رافع ‏"‏ حتى تريه المومسة ‏"‏ بالإفراد، وفي حديث عمران بن حصين ‏"‏ فغضبت فقالت‏:‏ اللهم لا يموتن جريج حتى ينظر في وجوه المومسات ‏"‏ والمومسات جمع مومسة بضم الميم وسكون الواو وكسر الميم بعدها مهملة وهي الزانية وتجمع على مواميس بالواو، وجمع في الطريق المذكورة بالتحتانية، وأنكره ابن الخشاب أيضا ووجهه غيره كما تقدم في أواخر الصلاة وجوز صاحب ‏"‏ المطالع ‏"‏ فيه الهمزة بدل الياء بل أثبتها رواية، ووقع في رواية الأعرج ‏"‏ فقالت أبيت أن تطلع إلى وجهك، لا أماتك الله حتى تنظر في وجهك زواني المدينة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتعرضت له امرأة فكلمته فأبى، فأتت راعيا فأمكنته من نفسها‏)‏ في رواية وهب بن جرير بن حازم عن أبيه عند أحمد ‏"‏ فذكر بنو إسرائيل عبادة جريج، فقالت بغي منهم‏:‏ إن شئتم لأفتننه، قالوا قد شئنا‏.‏

فأتته فتعرضت له فلم يلتفت إليها، فأمكنت نفسها من راع كان يؤوي غنمه إلى أصل صومعة جريج ‏"‏ ولم أقف على اسم هذه المرأة، لكن في حديث عمران بن حصين أنها كانت بنت ملك القرية‏.‏

وفي رواية الأعرج ‏"‏ وكانت تأوي إلى صومعته راعية ترعى الغنم ‏"‏ ونحوه في رواية أبي رافع عند أحمد‏.‏

وفي رواية أبي سلمة ‏"‏ وكان عند صومعته راعي ضأن وراعية معزى ‏"‏ ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأنها خرجت من دار أبيها بغير علم أهلها متنكرة وكانت تعمل الفساد إلى أن ادعت أنها تستطيع أن تفتن جريجا فاحتالت بأن خرجت في صورة راعية ليمكنها أن تأوي إلى ظل صومعته لتتوصل بذلك إلى فتنته‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فولدت غلاما‏)‏ فيه حذف تقديره فحملت حتى انقضت أيامها فولدت، وكذا قوله‏:‏ ‏"‏ فقالت من جريج ‏"‏ فيه حذف تقديره فسئلت ممن هذا‏؟‏ فقالت من جريج‏.‏

وفي رواية أبي رافع التصريح بذلك ولفظه ‏"‏ فقيل لها ممن هذا‏؟‏ فقالت هو من صاحب الدير ‏"‏ وزاد في رواية أحمد ‏"‏ فأخذت، وكان من زنى منهم قتل فقيل لها ممن هذا‏؟‏ قالت هو من صاحب الصومعة ‏"‏ زاد الأعرج ‏"‏ نزل إلي من صومعته ‏"‏ وفي رواية الأعرج ‏"‏ فقيل لها من صاحبك‏؟‏ قالت جريج الراهب، نزل إلي فأصابني ‏"‏ زاد أبو سلمة في روايته ‏"‏ فذهبوا إلى الملك فأخبروه، قال‏:‏ أدركوه فأتوني به‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فأتوه فكسروا صومعته وأنزلوه‏)‏ ‏.‏

وفي رواية أبي رافع ‏"‏ فأقبلوا بفؤوسهم ومساحيهم إلى الدير فنادوه فلم يكلمهم، فأقبلوا يهدمون ديره ‏"‏ وفي حديث عمران ‏"‏ فما شعر حتى سمع بالفئوس في أصل صومعته فجعل يسألهم‏:‏ ويلكم ما لكم‏؟‏ فلم يجيبوه، فلما رأى ذلك أخذ الحبل فتدلى‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وسبوه‏)‏ زاد أحمد عن وهب ابن جرير ‏"‏ وضربوه، فقال‏:‏ ما شأنكم‏؟‏ قالوا‏:‏ إنك زنيت بهذه ‏"‏ وفي رواية أبي رافع عنده ‏"‏ فقالوا أي جريج انزل، فأبى يقبل على صلاته، فأخذوا في هدم صومعته، فلما رأى ذلك نزل فجعلوا في عنقه وعنقها حبلا وجعلوا يطوفون بهما في الناس‏"‏‏.‏

وفي رواية أبي سلمة ‏"‏ فقال له الملك‏:‏ ويحك يا جريج، كنا نراك خير الناس فأحبلت هذه، اذهبوا به فاصلبوه ‏"‏ وفي حديث عمران ‏"‏ فجعلوا يضربونه ويقولون‏:‏ مراء تخادع الناس بعملك ‏"‏ وفي رواية الأعرج ‏"‏ فلما مروا به نحو بيت الزواني خرجن ينظرن فتبسم، فقالوا‏:‏ لم يضحك، حتى مر بالزواني‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فتوضأ وصلى‏)‏ وفي رواية وهب بن جرير ‏"‏ فقام وصلى ودعا ‏"‏ وفي حديث عمران ‏"‏ قال فتولوا عني، فتولوا عنه فصلى ركعتين‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم أتى الغلام فقال‏:‏ من أبوك يا غلام‏؟‏ فقال‏:‏ الراعي‏)‏ زاد في رواية وهب بن جرير ‏"‏ فطعنه بإصبعه فقال‏:‏ بالله يا غلام من أبوك‏؟‏ فقال‏:‏ أنا ابن الراعي ‏"‏ وفي مرسل الحسن عند ابن المبارك في ‏"‏ البر والصلة ‏"‏ أنه ‏"‏ سألهم أن ينظروه فأنظروه، فرأى في المنام من أمره أن يطعن في بطن المرأة فيقول‏:‏ أيتها السخلة من أبوك‏؟‏ ففعل، فقال‏:‏ راعي الغنم ‏"‏ وفي رواية أبي رافع ‏"‏ ثم مسح رأس الصبي فقال‏:‏ من أبوك‏؟‏ قال راعي الضأن ‏"‏ وفي روايته عند أحمد ‏"‏ فوضع إصبعه على بطنها ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة ‏"‏ فأتي بالمرأة والصبي وفمه في ثديها فقال له جريج‏:‏ يا غلام من أبوك‏؟‏ فنزع الغلام فاه من الثدي وقال أبي راعي الضأن ‏"‏ وفي رواية الأعرج ‏"‏ فلما أدخل على ملكهم قال جريج‏:‏ أين الصبي الذي ولدته‏؟‏ فأتي به فقال من أبوك‏؟‏ قال‏:‏ فلان، سمى أباه‏"‏‏.‏

قلت ولم أقف على اسم الراعي، ويقال إن اسمه صهيب، وأما الابن فتقدم في أواخر الصلاة بلفظ ‏"‏ فقال يا أبا بوس ‏"‏ وتقدم شرحه أواخر الصلاة وأنه ليس اسمه كما زعم الداودي وإنما المراد به الصغير، وفي حديث عمران ‏"‏ ثم انتهى إلى شجرة فأخذ منها غصنا ثم أتي الغلام وهو في مهده فضربه بذلك الغصن فقال‏:‏ من أبوك ‏"‏ ووقع في ‏"‏ التنبيه لأبي الليث السمرقندي ‏"‏ بغير إسناد أنه قال للمرأة‏:‏ أين أصبتك‏؟‏ قالت‏:‏ تحت شجرة، فأتى تلك الشجرة فقال‏:‏ يا شجرة أسألك بالذي خلقك من زنى بهذه المرأة‏؟‏ فقال كل غصن منها‏:‏ راعي الغنم‏.‏

ويجمع بين هذا الاختلاف بوقوع جميع ما ذكر بأنه مسح رأس الصبي، ووضع إصبعه على بطن أمه، وطعنه بإصبعه، وضربه بطرف العصا التي كانت معه‏.‏

وأبعد من جمع بينها بتعدد القصة وأنه استنطقه وهو في بطنها مرة قبل أن تلد ثم استنطقه بعد أن ولد، زاد في رواية وهب بن جرير ‏"‏ فوثبوا إلى جريج فجعلوا يقبلونه ‏"‏ وزاد الأعرج في روايته ‏"‏ فأبرأ الله جريجا وأعظم الناس أمر جريج ‏"‏ وفي رواية أبي سلمة ‏"‏ فسبح الناس وعجبوا‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قالوا نبني صومعتك من ذهب، قال‏:‏ لا إلا من طين‏)‏ وفي رواية وهب بن جرير ‏"‏ ابنوها من طين كما كانت ‏"‏ وفي رواية أبي رافع ‏"‏ فقالوا نبني ما هدمنا من ديرك بالذهب والفضة، قال‏:‏ لا ولكن أعيدوه كما كان، ففعلوا ‏"‏ وفي نقل أبي الليث ‏"‏ فقال له الملك نبنيها من ذهب، قال‏:‏ لا‏.‏

قال من فضة‏.‏

قال‏:‏ لا إلا من طين ‏"‏ زاد في رواية أبي سلمة ‏"‏ فردوها فرجع في صومعته، فقالوا له‏:‏ بالله مم ضحكت‏؟‏ فقال ما ضحكت إلا من دعوة دعتها علي أمي ‏"‏ وفي الحديث إيثار إجابة الأم على صلاة التطوع لأن الاستمرار فيها نافلة وإجابة الأم وبرها واجب، قال النووي وغيره‏:‏ إنما دعت عليه فأجيبت لأنه كان يمكنه أن يخفف ويجيبها، لكن لعله خشي أن تدعوه إلى مفارقة صومعته والعود إلى الدنيا وتعلقاتها، كذا قال النووي، وفيه نظر لما تقدم من أنها كانت تأتيه فيكلمها، والظاهر أنها كانت تشتاق إليه فتزوره وتقتنع برؤيته وتكليمه، وكأنه إنما لم يخفف ثم يجيبها لأنه خشي أن ينقطع خشوعه‏.‏

وقد تقدم في أواخر الصلاة من حديث يزيد بن حوشب عن أبيه ‏"‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ لو كان جريج فقيها لعلم أن إجابة أمه أولى من عبادة ربه ‏"‏ أخرجه الحسن بن سفيان، وهذا إذا حمل على إطلاقه استفيد منه جواز قطع الصلاة مطلقا لإجابة نداء الأم نفلا كانت أو فرضا، وهو وجه في مذهب الشافعي حكاه الروياني‏.‏

وقال النووي تبعا لغيره‏:‏ هذا محمود على أنه كان مباحا في شرعهم، وفيه نظر قدمته في أواخر الصلاة، والأصح عند الشافعية أن الصلاة إن كانت نفلا وعلم تأذي الوالد بالترك وجبت الإجابة وإلا فلا، وإن كانت فرضا وضاق الوقت لم تجب الإجابة، وإن لم يضق وجب عند إمام الحرمين‏.‏

وخالفه غيره لأنها تلزم بالشروع، وعند المالكية أن إجابة الوالد في النافلة أفضل من التمادي فيها، وحكى القاضي أبو الوليد أن ذلك يختص بالأم دون الأب، وعند ابن أبي شيبة من مرسل محمد بن المنكدر ما يشهد له وقال به مكحول، وقيل إنه لم يقل به من السلف غيره‏.‏

وفي الحديث أيضا عظم بر الوالدين وإجابة دعائهما ولو كان الولد معذورا؛ لكن يختلف الحال في ذلك بحسب المقاصد‏.‏

وفيه الرفق بالتابع إذا جرى منه ما يقتضي التأديب لأن أم جريج مع غضبها منه لم تدع عليه إلا بما دعت به خاصة، ولولا طلبها الرفق به لدعت عليه بوقوع الفاحشة أو القتل‏.‏

وفيه أن صاحب الصدق مع الله لا تضره الفتن‏.‏

وفيه قوة يقين جريج المذكور وصحة رجائه، لأنه استنطق المولود مع كون العادة أنه لا ينطق؛ ولولا صحة رجائه بنطقه ما استنطقه‏.‏

وفيه أن الأمرين إذا تعارضا بدئ بأهمهما، وأن الله يجعل لأوليائه عند ابتلائهم مخارج، وإنما يتأخر ذلك عن بعضهم في بعض الأوقات تهذيبا وزيادة لهم في الثواب‏.‏

وفيه إثبات كرامات الأولياء، ووقوع الكرامة لهم باختيارهم وطلبهم‏.‏

وقال ابن بطال‏:‏ يحتمل أن يكون جريج كان نبيا فتكون معجزة، كذا قال، وهذا الاحتمال لا يتأتى في حق المرأة التي كلمها ولدها المرضع كما في بقية الحديث‏.‏

وفيه جواز الأخذ بالأشد في العبادة لمن علم من نفسه قوة على ذلك‏.‏

واستدل به بعضهم على أن بني إسرائيل كان من شرعهم أن المرأة تصدق فيما تدعيه على الرجال من الوطء ويلحق به الولد، وأنه لا ينفعه جحد ذلك إلا بحجة تدفع قولها‏.‏

وفيه أن مرتكب الفاحشة لا تبقى له حرمة، وأن المفزع في الأمور المهمة إلى الله يكون بالتوجه إليه في الصلاة‏.‏

واستدل بعض المالكية بقول جريج ‏"‏ من أبوك يا غلام ‏"‏ بأن من زنى بامرأة فولدت بنتا لا يحل له التزوج بتلك البنت خلافا للشافعية ولابن الماجشون من المالكية‏.‏

ووجه الدلالة أن جريجا نسب ابن الزنا للزاني وصدق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق المولود بشهادته له بذلك، وقوله أبي فلان الراعي، فكانت تلك النسبة صحيحة فيلزم أن يجري بينهما أحكام الأبوة والبنوة، خرج التوارث والولاء بدليل فبقي ما عدا ذلك على حكمه‏.‏

وفيه أن الوضوء لا يختص بهذه الأمة خلافا لمن زعم ذلك، وإنما الذي يختص بها الغرة والتحجيل في الآخرة، وقد تقدم في قصة إبراهيم أيضا مثل ذلك في خبر سارة مع الجبار والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكانت امرأة‏)‏ بالرفع، ولم أقف على اسمها ولا على اسم ابنها ولا على اسم أحد ممن ذكر في القصة المذكورة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذ مر بها راكب‏)‏ وفي رواية خلاس عن أبي هريرة عند أحمد ‏"‏ فارس متكبر‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ذو شارة‏)‏ بالشين المعجمة أي صاحب حسن وقيل‏:‏ صاحب هيئة ومنظر وملبس حسن يتعجب منه ويشار إليه‏.‏

وفي رواية خلاس ‏"‏ ذو شارة حسنة‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال أبو هريرة كأني أنظر‏)‏ هو موصول بالإسناد المذكور، وفيه المبالغة في إيضاح الخبر بتمثيله بالفعل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ثم مر‏)‏ بضم الميم على البناء للمجهول‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بأمة‏)‏ زاد أحمد عن وهب بن جرير ‏"‏ تضرب ‏"‏ وفي رواية الأعرج عن أبي هريرة الآتية في ذكر بني إسرائيل ‏"‏ تجرر ويلعب بها ‏"‏ وهي بجيم مفتوحة بعدها راء ثقيلة ثم راء أخرى‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏فقالت له ذلك‏)‏ أي سألت الأم ابنها عن سبب كلامه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الراكب جبار‏)‏ في رواية أحمد ‏"‏ فقال يا أمتاه، أما الراكب ذو الشارة فجبار من الجبابرة ‏"‏ وفي رواية الأعرج فإنه كافر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يقولون سرقت زنيت‏)‏ بكسر المثناة فيهما على المخاطبة وبسكونها على الخبر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ولم تفعل‏)‏ في رواية أحمد ‏"‏ يقولون سرقت ولم تسرق، زنيت ولم تزن، وهي تقول حسبي الله ‏"‏ وفي رواية الأعرج ‏"‏ يقولون لها تزني وتقول حسبي الله، ويقولون لها تسرق وتقول حسبي الله ‏"‏ ووقع في رواية خلاس المذكورة أنها كانت حبشية أو زنجية وأنها ماتت فجروها حتى ألقوها، وهذا معنى قوله في رواية الأعرج ‏"‏ تجرر‏"‏‏.‏

وفي الحديث أن نفوس أهل الدنيا تقف مع الخيال الظاهر فتخاف سوء الحال، بخلاف أهل التحقيق فوقوفهم مع الحقيقة الباطنة فلا يبالون بذلك مع حسن السريرة كما قال تعالى حكاية عن أصحاب قارون حيث خرج عليهم ‏(‏يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير‏)‏ ‏.‏

وفيه أن البشر طبعوا على إيثار الأولاد على الأنفس بالخير لطلب المرأة الخير لابنها ودفع الشر عنه ولم تذكر نفسها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ لَقِيتُ مُوسَى قَالَ فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ قَالَ وَلَقِيتُ عِيسَى فَنَعَتَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ رَبْعَةٌ أَحْمَرُ كَأَنَّمَا خَرَجَ مِنْ دِيمَاسٍ يَعْنِي الْحَمَّامَ وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ وَأَنَا أَشْبَهُ وَلَدِهِ بِهِ قَالَ وَأُتِيتُ بِإِنَاءَيْنِ أَحَدُهُمَا لَبَنٌ وَالْآخَرُ فِيهِ خَمْرٌ فَقِيلَ لِي خُذْ أَيَّهُمَا شِئْتَ فَأَخَذْتُ اللَّبَنَ فَشَرِبْتُهُ فَقِيلَ لِي هُدِيتَ الْفِطْرَةَ أَوْ أَصَبْتَ الْفِطْرَةَ أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في ذكر موسى وعيسى وقد تقدم في قصة موسى من هذا الوجه، لكن زاد هنا إسنادا آخر فقال ‏"‏ حدثنا محمود وهو ابن غيلان عن عبد الرزاق ‏"‏ وساقه على لفظه، وكان ساقه هناك على لفظ هشام بن يوسف، وقوله في هذه الرواية ‏"‏ فإذا رجل حسبته قال مضطرب ‏"‏ القائل ‏"‏ حسبته ‏"‏ هو عبد الرزاق، والمضطرب الطويل غير الشديد، وقيل الخفيف اللحم، وتقدم في رواية هشام بلفظ ‏"‏ ضرب ‏"‏ وفسر بالنحيف، ولا منافاة بينهما‏.‏

وقال ابن التين‏:‏ هذا الوصف مغاير لقوله بعد هذا ‏"‏ إنه جسيم ‏"‏ يعني في الرواية التي بعد هذه‏.‏

وقال‏:‏ والذي وقع نعته بأنه جسيم إنما هو الدجال‏.‏

وقال عياض‏:‏ رواية من قال ‏"‏ ضرب ‏"‏ أصح من رواية من قال ‏"‏ مضطرب ‏"‏ لما فيها من الشك، قال وقد وقع في الرواية الأخرى ‏"‏ جسيم ‏"‏ وهو ضد الضرب، إلا أن يراد بالجسيم الزيادة في الطول‏.‏

وقال التيمي‏:‏ لعل بعض لفظ هذا الحديث دخل في بعض، لأن الجسيم إنما ورد في صفة الدجال لا في صفة موسى انتهى‏.‏

والذي يتعين المصير إليه ما جوزه عياض أن المراد بالجسيم في صفة موسى الزيادة في الطول، ويؤيده قوله في الرواية التي بعد هذه ‏"‏ كأنه من رجال الزط ‏"‏ وهم طوال غير غلاظ، ووقع في حديث الإسراء وهو في بدء الخلق ‏"‏ رأيت موسى جعدا طوالا ‏"‏ واستنكره الداودي فقال‏:‏ لا أراه محفوظا لأن الطويل لا يوصف بالجعد وتعقب بأنهما لا يتنافيان‏.‏

وقال النووي‏:‏ الجعودة في صفة موسى جعودة الجسم وهو اكتنازه واجتماعه لا جعودة الشعر لأنه جاء أنه كان رجل الشعر‏.‏

قوله في صفة عيسى‏:‏ ‏(‏ربعة‏)‏ هو بفتح الراء وسكون الموحدة ويجوز فتحها وهو المربوع، والمراد أنه ليس بطويل جدا ولا قصير جدا بل وسط، وقوله‏:‏ ‏"‏ من ديماس ‏"‏ هو بكسر المهملة وسكون التحتانية وآخره مهملة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يعني الحمام‏)‏ هو تفسير عبد الرزاق، ولم يقع ذلك في رواية هشام، والديماس في اللغة السرب، ويطلق أيضا على الكن، والحمام من جملة الكن‏.‏

المراد من ذلك وصفه بصفاء اللون ونضارة الجسم وكثرة ماء الوجه حتى كأنه كان في موضع كن فخرج منه وهو عرقان، وسيأتي في رواية ابن عمر بعد هذا ‏"‏ ينطف رأسه ماء ‏"‏ وهو محتمل لأن يراد الحقيقة، وأنه عرق حتى قطر الماء من رأسه، ويحتمل أن يكون كناية عن مزيد نضارة وجهه، ويؤيده أن في رواية عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود ‏"‏ يقطر رأسه ماء وإن لم يصبه بلل‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأتيت بإناءين‏)‏ يأتي الكلام عليه في الكلام على الإسراء في السيرة النبوية إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَيْتُ عِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عثمان بن المغيرة‏)‏ هو الثقفي مولاهم الكوفي ويقال له عثمان بن أبي زرعة، وهو ثقة من صغار التابعين، وليس له في البخاري غير هذا الحديث الواحد‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ كذا وقع في جميع الروايات التي وقعت لنا من نسخ البخاري، وقد تعقبه أبو ذر في روايته فقال‏:‏ كذا وقع في جميع الروايات المسموعة عن الفربري ‏"‏ مجاهد عن ابن عمر‏"‏‏.‏

قال‏:‏ ولا أدري أهكذا حدث به البخاري أو غلط فيه الفربري لأني رأيته في جميع الطرق عن محمد بن كثير وغيره عن مجاهد عن ابن عباس، ثم ساقه بإسناده إلى حنبل بن إسحاق قال‏:‏ حدثنا محمد بن كثير‏.‏

وقال فيه ابن عباس‏.‏

قال‏:‏ وكذا رواه عثمان بن سعيد الدارمي عن محمد بن كثير قال‏:‏ وتابعه نصر بن علي عن أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل، وكذا رواه يحيى بن زكريا بن أبي زائدة عن إسرائيل انتهى‏.‏

وأخرجه أبو نعيم في ‏"‏ المستخرج ‏"‏ عن الطبراني عن أحمد بن مسلم الخزاعي عن محمد بن كثير وقال‏:‏ رواه البخاري عن محمد بن كثير فقال مجاهد عن ابن عمر، ثم ساقه من طريق نصر بن علي عن أبي أحمد الزبيري عن إسرائيل فقال ابن عباس انتهى‏.‏

وأخرجه ابن منده في ‏"‏ كتاب الإيمان ‏"‏ من طريق محمد بن أيوب بن الضريس وموسى بن سعيد الدنداني كلاهما عن محمد بن كثير فقال فيه ابن عباس ثم قال‏:‏ قال البخاري عن محمد بن كثير عن ابن عمر والصواب عن ابن عباس‏.‏

وقال أبو مسعود في ‏"‏ الأطراف ‏"‏ إنما رواه الناس عن محمد بن كثير فقال مجاهد عن ابن عباس، ووقع في البخاري في سائر النسخ مجاهد عن ابن عمر وهو غلط، قال‏:‏ وقد رواه أصحاب إسرائيل منهم يحيى بن أبي زائدة وإسحاق بن منصور والنضر بن شميل وآدم بن أبي إياس وغيرهم عن إسرائيل فقالوا ابن عباس قال‏:‏ وكذلك رواه ابن عون عن مجاهد عن ابن عباس انتهى‏.‏

ورواية ابن عون تقدمت في ترجمة إبراهيم عليه السلام، ولكن لا ذكر لعيسى عليه السلام فيها‏.‏

وأخرجها مسلم عن شيخ البخاري فيها وليس فيها لعيسى ذكر إنما فيها ذكر إبراهيم وموسى حسب‏.‏

وقال محمد بن إسماعيل التيمي‏:‏ ويقع في خاطري أن الوهم فيه من غير البخاري فإن الإسماعيلي أخرجه من طريق نصر بن علي عن أبي أحمد وقال فيه عن ابن عباس ولم ينبه على أن البخاري قال فيه عن ابن عمر، فلو كان وقع كذلك لنبه عليه كعادته، والذي يرجع أن الحديث لابن عباس لا لابن عمر ما سيأتي من إنكار ابن عمر على من قال إن عيسى أحمر وحلفه على ذلك‏.‏

وفي رواية مجاهد هذه ‏"‏ فأما عيسى فأحمر جعد ‏"‏ فهذا يؤيد أن الحديث لمجاهد عن ابن عباس لا عن ابن عمر، والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سبط‏)‏ بفتح المهملة وكسر الموحدة أي ليس بجعد، وهذا نعت لشعر رأسه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأنه من رجال الزط‏)‏ بضم الزاي وتشديد المهملة جنس من السودان، وقيل‏:‏ هم نوع من الهنود وهم طوال الأجسام مع نحافة فيها، وقد زعم ابن التين أن قوله في صفة موسى ‏"‏ جسيم‏"‏، مخالف لقوله في الرواية الأخرى في ترجمته ‏"‏ ضرب من الرجال ‏"‏ أي خفيف اللحم قال فلعل راوي الحديث دخل له بعض لفظه في بعض، لأن الجسيم ورد في صفة الدجال‏.‏

وأجيب بأنه لا مانع أن يكون مع كونه خفيف اللحم جسيما بالنسبة لطوله، فلو كان غير طويل لاجتمع لحمه وكان جسيما‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ نَافِعٍ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا بَيْنَ ظَهْرَيْ النَّاسِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَقَالَ إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ أَلَا إِنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ وَأَرَانِي اللَّيْلَةَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ فِي الْمَنَامِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ كَأَحْسَنِ مَا يُرَى مِنْ أُدْمِ الرِّجَالِ تَضْرِبُ لِمَّتُهُ بَيْنَ مَنْكِبَيْهِ رَجِلُ الشَّعَرِ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلَيْنِ وَهُوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا فَقَالُوا هَذَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ ثُمَّ رَأَيْتُ رَجُلًا وَرَاءَهُ جَعْدًا قَطِطًا أَعْوَرَ الْعَيْنِ الْيُمْنَى كَأَشْبَهِ مَنْ رَأَيْتُ بِابْنِ قَطَنٍ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى مَنْكِبَيْ رَجُلٍ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ تَابَعَهُ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ

الشرح‏:‏

حديث ابن عمر في ذكر عيسى والدجال، أورده من طريق نافع عنه من وجهين موصولة ومعلقة، ومن طريق سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا موسى‏)‏ هو ابن عقبة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بين ظهراني‏)‏ بفتح الظاء المعجمة وسكون الهاء بلفظ التثنية أي جالسا في وسط الناس، والمراد أنه جلس بينهم مستظهرا لا مستخفيا، وزيدت فيه الألف والنون تأكيدا، أو معناه أن ظهرا منه قدامه وظهرا خلفه وكأنهم حفوا به من جانبيه فهذا أصله، ثم كثر حتى استعمل في الإقامة بين قوم مطلقا، ولهذا زعم بعضهم أن لفظة ظهراني في هذا الموضع زائدة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ألا أن المسيح الدجال أعور العين اليمنى كأنه عينه عنبة طافية‏)‏ أي بارزة، وهو من طفا الشيء يطفا بغير همز إذا علا على غيره وشبهها بالعنبة التي تقع في العنقود بارزة عن نظائرها، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الفتن‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأراني‏)‏ بفتح الهمزة، ذكر بلفظ المضارعة مبالغة في استحضار صورة الحال‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏آدم‏)‏ بالمد أي أسمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأحسن ما يرى‏)‏ في رواية مالك عن نافع الآتية في كتاب اللباس ‏"‏ كأحسن ما أنت راء‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تضرب لمته‏)‏ بكسر اللام أي شعر رأسه، ويقال له إذا جاوز شحمة الأذنين وألم بالمنكبين لمة، وإذا جاوزت المنكبين فهي جمة وإذا قصرت عنهما فهي وفرة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏رجل الشعر‏)‏ بكسر الجيم أي قد سرحه ودهنه‏.‏

وفي رواية مالك ‏"‏ له لمة قد رجلها فهي تقطر ماء ‏"‏ وقد تقدم أنه يحتمل أن يريد أنها تقطر من الماء الذي سرحها به أو أن المراد الاستنارة وكني بذلك عن مزيد النظافة والنضارة، ووقع في رواية سالم الآتية في نعت عيسى ‏"‏ أنه آدم سبط الشعر ‏"‏ وفي الحديث الذي قبله في نعت عيسى ‏"‏ أنه جعد ‏"‏ والجعد ضد السبط فيمكن أن يجمع بينهما بأنه سبط الشعر ووصفه لجعودة في جسمه لا شعره والمراد بذلك اجتماعه واكتنازه، وهذا الاختلاف نظير الاختلاف في كونه آدم أو أحمر، والأحمر عند العرب الشديد البياض مع الحمرة، والآدم الأسمر، ويمكن الجمع بين الوصفين بأنه احمر لونه بسبب كالتعب وهو في الأصل أسمر، وقد وافق أبو هريرة على أن عيسى أحمر فظهر أن ابن عمر أنكر شيئا حفظه غيره، وأما قول الداودي أن رواية من قال ‏"‏ آدم ‏"‏ أثبت فلا أدري من أين وقع له ذلك مع اتفاق أبي هريرة وابن عباس على مخالفة ابن عمر‏.‏

وقد وقع في رواية عبد الرحمن بن آدم عن أبي هريرة في نعت عيسى ‏"‏ أنه مربوع إلى الحمرة والبياض ‏"‏ والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏واضعا يديه على منكبي رجلين‏)‏ لم أقف على اسمهما‏.‏

وفي رواية مالك متكئا على عواتق رجلين والعواتق جمع عاتق وهو ما بين المنكب والعنق‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قططا‏)‏ بفتح القاف والمهملة بعدها مثلها هذا هو المشهور، وقد تكسر الطاء الأولى، والمراد به شدة جعودة الشعر، ويطلق في وصف الرجل ويراد به الذم يقال جعد اليدين وجعد الأصابع أي بخيل، ويطلق على القصير أيضا، وأما إذا أطلق في الشعر فيحتمل الذم والمدح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأشبه من رأيت بابن قطن‏)‏ بفتح القاف والمهملة يأتي في الطريق التي تلي هذه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏تابعه عبيد الله‏)‏ يعني ابن عمر العمري ‏(‏عن نافع‏)‏ أي عن ابن عمر، وروايته وصلها أحمد ومسلم من طريق أبي أسامة ومحمد بن بشر جميعا عن عبد الله بن عمر في ذكر المسيح الدجال فقط إلى قوله ‏"‏ عنبة طافية ‏"‏ ولم يذكر ما بعده، وهذا يشعر بأنه يطلق المتابعة ويريد أصل الحديث لا جميع ما اشتمل عليه‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ قَالَ سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ قَالَ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ لَا وَاللَّهِ مَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعِيسَى أَحْمَرُ وَلَكِنْ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ أَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ فَإِذَا رَجُلٌ آدَمُ سَبْطُ الشَّعَرِ يُهَادَى بَيْنَ رَجُلَيْنِ يَنْطِفُ رَأْسُهُ مَاءً أَوْ يُهَرَاقُ رَأْسُهُ مَاءً فَقُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا ابْنُ مَرْيَمَ فَذَهَبْتُ أَلْتَفِتُ فَإِذَا رَجُلٌ أَحْمَرُ جَسِيمٌ جَعْدُ الرَّأْسِ أَعْوَرُ عَيْنِهِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذَا الدَّجَّالُ وَأَقْرَبُ النَّاسِ بِهِ شَبَهًا ابْنُ قَطَنٍ قَالَ الزُّهْرِيُّ رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ هَلَكَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏حدثنا أحمد بن محمد المكي‏)‏ هو الأزرقي واسم جده الوليد بن عقبة، ووهم من قال أنه القواس واسم جد القواس عون‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏عن سالم‏)‏ هو ابن عبد الله بن عمر‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا والله ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعيسى أحمر‏)‏ اللام في قوله ‏"‏ لعيسى ‏"‏ بمعنى عن وهي كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه‏)‏ وقد تقدم بيان الجمع بين ما أنكره ابن عمر وأثبته غيره، وفيه جواز اليمين على غلبة الظن لأن ابن عمر ظن أن الوصف اشتبه على الراوي وأن الموصوف بكونه أحمر إنما هو الدجال لا عيسى، وقرب ذلك أن كلا منهما يقال له المسيح وهي صفة مدح لعيسى وصفة ذم للدجال كما تقدم، وكأن ابن عمر قد سمع سماعا جزما في وصف عيسى أنه آدم فساغ له الحلف على ذلك لما غلب على ظنه أن من وصفه بأنه أحمر واهم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏بينا أنا نائم أطوف بالكعبة‏)‏ هذا يدل على أن رؤيته للأنبياء في هذه المرة غير المرة التي تقدمت في حديث أبي هريرة، فإن تلك كانت ليلة الإسراء وإن كان قد قيل في الإسراء إن جميعه منام، لكن الصحيح أنه كان في اليقظة، وقيل‏:‏ كان مرتين أو مرارا كما سيأتي في مكانه، ومثله ما أخرجه أحمد من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ ليلة أسري بي وضعت قدمي حيث يضع الأنبياء أقدامهم من بيت المقدس، فعرض علي عيسى ابن مريم ‏"‏ الحديث، قال عياض‏:‏ رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء على ما ذكر في هذه الأحاديث إن كان مناما فلا إشكال فيه، وإن كان في اليقظة ففيه إشكال‏.‏

وقد تقدم في الحج ويأتي في اللباس من رواية ابن عون عن مجاهد عن ابن عباس في حديث الباب من الزيادة ‏"‏ وأما موسى فرجل آدم جعد على جمل أحمر مخطوم بخلبة، كأني أنظر إليه إذا انحدر في الوادي ‏"‏ وهذا مما يزيد الإشكال‏.‏

وقد قيل عن ذلك أجوبة‏:‏ أحدها أن الأنبياء أفضل من الشهداء والشهداء أحياء عند ربهم فكذلك الأنبياء فلا يبعد أن يصلوا ويحجوا ويتقربوا إلى الله بما استطاعوا ما دامت الدنيا وهي دار تكليف باقية‏.‏

ثانيها‏:‏ أنه صلى الله عليه وسلم أري حالهم التي كانوا في حياتهم عليها فمثلوا له كيف كانوا وكيف كان حجهم وتلبيتهم، ولهذا قال أيضا في رواية أبي العالية عن ابن عباس عند مسلم ‏"‏ كأني أنظر إلى موسى، وكأني أنظر إلى يونس‏"‏‏.‏

ثالثها‏:‏ أن يكون أخبر عما أوحي إليه صلى الله عليه وسلم من أمرهم وما كان منهم‏.‏

فلهذا أدخل حرف التشبيه في الرواية، وحيث أطلقها فهي محمولة على ذلك والله أعلم‏.‏

وقد جمع البيهقي كتابا لطيفا في حياة الأنبياء في قبورهم أورد فيه حديث أنس ‏"‏ الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ‏"‏ أخرجه من طريق يحيى بن أبي كثير وهو من رجال الصحيح عن المستلم بن سعيد، وقد وثقه أحمد وابن حبان عن الحجاج الأسود وهو ابن أبي زياد البصري وقد وثقه أحمد وابن معين عن ثابت عنه، وأخرجه أيضا أبو يعلى في مسنده من هذا الوجه وأخرجه البزار لكن وقع عنده عن حجاج الصواف وهو وهم والصواب الحجاج الأسود كما وقع التصريح به في رواية البيهقي وصححه البيهقي‏.‏

وأخرجه أيضا من طريق الحسن بن قتيبة عن المستلم، وكذلك أخرجه البزار وابن عدي، والحسن بن قتيبة ضعيف‏.‏

وأخرجه البيهقي أيضا من رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أحد فقهاء الكوفة عن ثابت بلفظ آخر قال‏:‏ ‏"‏ إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور ‏"‏ ومحمد سيئ الحفظ‏.‏

وذكر الغزالي ثم الرافعي حديثا مرفوعا ‏"‏ أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث ولا أصلي له ‏"‏ إلا إن أخذ من رواية ابن أبي ليلى هذه وليس الأخذ بجيد لأن رواية ابن أبي ليلى قابلة للتأويل، قال البيهقي‏:‏ إن صح فالمراد أنهم لا يتركون يصلون إلا هذا المقدار ثم يكونون مصلين بين يدي الله، قال البيهقي‏:‏ وشاهد الحديث الأول ما ثبت في صحيح مسلم من رواية حماد بن سلمة عن أنس رفعه ‏"‏ مررت بموسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره ‏"‏ وأخرجه أيضا من وجه آخر عن أنس، فإن قيل هذا خاص بموسى قلنا قد وجدنا له شاهدا من حديث أبي هريرة أخرجه مسلم أيضا من طريق عبد الله بن الفضل عن أبي سلمة عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ لقد رأيتني في الحجر وقريش تسألني عن مسراي ‏"‏ الحديث وفيه ‏"‏ وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي، فإذا رجل ضرب كأنه صلى الله عليه وسلم وفيه‏:‏ وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي أقرب الناس به شبها عروة بن مسعود، وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم، فحانت الصلاة فأممتهم ‏"‏ قال البيهقي‏:‏ وفي حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أنه لقيهم ببيت المقدس فحضرت الصلاة فأمهم نبينا صلى الله عليه وسلم ثم اجتمعوا في بيت المقدس‏.‏

وفي حديث أبي ذر ومالك بن صعصعة في قصة الإسراء أنه لقيهم بالسموات، وطرق ذلك صحيحة، فيحمل على أنه رأى موسى قائما يصلي في قبره، ثم عرج به هو ومن ذكر من الأنبياء إلى السماوات فلقيهم النبي صلى الله عليه وسلم، ثم اجتمعوا في بيت المقدس فحضرت الصلاة فأمهم نبينا صلى الله عليه وسلم‏.‏

قال‏:‏ وصلاتهم في أوقات مختلفة وفي أماكن مختلفة لا يرده العقل، وقد ثبت به النقل، فدل ذلك على حياتهم‏.‏

قلت‏:‏ وإذا ثبت أنهم أحياء من حيث النقل فإنه يقويه من حيث النظر كون الشهداء أحياء بنص القرآن، والأنبياء أفضل من الشهداء‏.‏

ومن شواهد الحديث ما أخرجه أبو داود من حديث أبي هريرة رفعه وقال فيه‏:‏ ‏"‏ وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيث كنتم ‏"‏ سنده صحيح، وأخرجه أبو الشيخ في ‏"‏ كتاب الثواب ‏"‏ بسند جيد بلفظ ‏"‏ من صلى علي عند قبري سمعته، ومن صلى علي نائيا بلغته ‏"‏ وعند أبي داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره عن أوس بن أوس رفعه في فضل يوم الجمعة ‏"‏ فأكثروا علي من الصلاة فيه فإن صلاتكم معروضة علي‏.‏

قالوا يا رسول الله وكيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت‏؟‏ قال‏:‏ إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء ‏"‏ ومما يشكل على ما تقدم ما أخرجه أبو داود من وجه آخر عن أبي هريرة رفعه ‏"‏ ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ‏"‏ ورواته ثقات‏.‏

ووجه الإشكال فيه أن ظاهره أن عود الروح إلى الجسد يقتضي انفصالها عنه وهو الموت، وقد أجاب العلماء عن ذلك بأجوبة‏:‏ أحدها‏:‏ أن المراد بقوله‏:‏ ‏"‏ رد الله علي روحي ‏"‏ أن رد روحه كانت سابقة عقب دفنه لا أنها تعاد ثم تنزع ثم تعاد‏.‏

الثاني‏:‏ سلمنا، لكن ليس هو نزع موت بل لا مشقة فيه‏.‏

الثالث‏:‏ أن المراد بالروح الملك الموكل بذلك‏.‏

الرابع‏:‏ المراد بالروح النطق فتجوز فيه من جهة خطابنا بما نفهمه‏.‏

الخامس‏:‏ أنه يستغرق في أمور الملأ الأعلى، فإذا سلم عليه رجع إليه فهمه ليجيب من سلم عليه‏.‏

وقد استشكل ذلك من جهة أخرى، وهو أنه يستلزم استغراق الزمان كله في ذلك لاتصال الصلاة والسلام عليه في أقطار الأرض ممن لا يحصى كثرة، وأجيب بأن أمور الآخرة لا تدرك بالعقل، وأحوال البرزخ أشبه بأحوال الآخرة والله أعلم‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏سبط الشعر‏)‏ تقدم ما فيه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏يهادى‏)‏ أي يمشي متمايلا بينهما‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ينطف‏)‏ بكسر الطاء المهملة أي يقطر ومنه النطفة؛ كذا قال الداودي‏.‏

وقال غيره النطفة الماء الصافي‏.‏

وقوله‏:‏ ‏"‏ أو يهراق ‏"‏ هو شك من الراوي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أعور عينه اليمنى‏)‏ كذا هو بالإضافة وعينه بالجر للأكثر وهو من إضافة الموصوف إلى صفته وهو جائز عند الكوفيين وتقديره عند البصريين عين صفحة وجهه اليمنى، ورواه الأصيلي ‏"‏ عينه ‏"‏ بالرفع كأنه وقف على وصفه أنه أعور وابتدأ الخبر عن صفة عينه فقال‏:‏ ‏"‏ عينه كأنها كذا ‏"‏ وأبرز الضمير‏.‏

وفيه نظر لأنه يصير كأنه قال عينه كأن عينه، ويحتمل أن يكون رفع على البدل من الضمير في أعور الراجع على الموصوف وهو بدل بعض من كل‏.‏

وقال السهيلي‏:‏ لا يجوز أن يرتفع بالصفة كما ترفع الصفة المشبهة باسم الفاعل لأن أعور لا يكون نعتا إلا لمذكر، ويجوز أن تكون عينه مرتفعة بالابتداء وما بعدها الخبر، وقوله‏:‏ ‏"‏ كأن عنبة طافية ‏"‏ بالنصب على اسم كأن والخبر محذوف تقديره كأن في وجهه، وشاهده قول الشاعر إن محلا وإن مرتحلا أي إن لنا محلا وإن لنا مرتحلا‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كأن عنبة طافية‏)‏ كذا للكشميهني ولغيره ‏"‏ كأن عينه عنبة طافية ‏"‏ وقد تقدم ضبطه قبل‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وأقرب الناس به شبها ابن قطن، قال الزهري‏)‏ أي بالإسناد المذكور ‏(‏رجل‏)‏ أي ابن قطن ‏(‏من خزاعة هلك في الجاهلية‏)‏ ‏.‏

قلت‏:‏ اسمه عبد العزى بن قطن بن عمرو بن جندب بن سعيد بن عائذ بن مالك بن المصطلق، وأمه هالة بنت خويلد، أفاده الدمياطي قال‏:‏ وقال ذلك أيضا عن أكثم بن أبي الجون وأنه قال‏:‏ ‏"‏ يا رسول الله هل يضرني شبهه‏؟‏ قال‏:‏ لا، أنت مسلم وهو كافر ‏"‏ حكاه عن ابن سعد، والمعروف في الذي شبه به صلى الله عليه وسلم أكثم بن عمرو بن لحي جد خزاعة لا الدجال؛ كذلك أخرجه أحمد وغيره، وفيه دلالة على أن قوله صلى الله عليه وسلم ‏"‏إن الدجال لا يدخل المدينة ولا مكة ‏"‏ أي في زمن خروجه، ولم يرد بذلك نفي دخوله في الزمن الماضي، والله أعلم‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِابْنِ مَرْيَمَ وَالْأَنْبِيَاءُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِيٌّ

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة في ذكر عيسى ابن مريم، أورده من ثلاثة طرق‏:‏ طريقين موصولين وطريقة معلقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏أنا أولى الناس بابن مريم‏)‏ في رواية عبد الرحمن بن أبي عمرة عن أبي هريرة ‏"‏ بعيسى ابن مريم في الدنيا والآخرة ‏"‏ أي أخص الناس به وأقربهم إليه لأنه بشر بأنه يأتي من بعده‏.‏

قال الكرماني التوفيق بين هذا الحديث وبين قوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن أولى الناس بإبراهيم الذين اتبعوه وهذا النبي‏)‏ إن الحديث وارد في كونه صلى الله عليه وسلم متبوعا والآية واردة في كونه تابعا، كذا قال‏.‏

ومساق الحديث كمساق الآية فلا دليل على هذه التفرقة‏.‏

والحق أنه لا منافاة ليحتاج إلى الجمع، فكما أنه أولى الناس بإبراهيم كذلك هو أولى الناس بعيسى، ذاك من جهة قوة الاقتداء به وهذا من جهة قوة قرب العهد به قوله‏:‏ ‏(‏والأنبياء أولاد علات‏)‏ في رواية عبد الرحمن المذكورة ‏"‏ والأنبياء إخوة لعلات ‏"‏ والعلات بفتح المهملة الضرائر، وأصله أن من تزوج امرأة ثم تزوج أخرى كأنه عل منها، والعلل الشرب بعد الشرب، وأولاد العلات الإخوة من الأب وأمهاتهم شتى، وقد بينه في رواية عبد الرحمن فقال‏:‏ ‏"‏ أمهاتهم شتى ودينهم واحد ‏"‏ وهو من باب التفسير كقوله تعالى‏:‏ ‏(‏إن الإنسان خلق هلوعا، إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا‏)‏ ومعنى الحديث أن أصل دينهم واحد وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع، وقيل المراد أن أزمنتهم مختلفة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏ليس بيني وبينه نبي‏)‏ هذا أورده كالشاهد لقوله إنه أقرب الناس إليه‏.‏

ووقع في رواية عبد الرحمن بن آدم ‏"‏ وأنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني وبينه نبي‏"‏، واستدل به على أنه لم يبعث بعد عيسى أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وفيه نظر لأنه ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى، وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين وكانا بعد عيسى، والجواب أن هذا الحديث يضعف ما ورد من ذلك فإنه صحيح بلا تردد وفي غيره مقال، أو المراد أنه لم يبعث بعد عيسى نبي بشريعة مستقلة، وإنما بعث بعده من بعث بتقرير شريعة عيسى، وقصة خالد بن سنان أخرجها الحاكم في ‏"‏ المستدرك ‏"‏ من حديث ابن عباس، ولها طرق جمعتها في ترجمته في كتابي في الصحابة‏.‏

الحديث‏:‏

وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ و حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ رَأَى عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَجُلًا يَسْرِقُ فَقَالَ لَهُ أَسَرَقْتَ قَالَ كَلَّا وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَقَالَ عِيسَى آمَنْتُ بِاللَّهِ وَكَذَّبْتُ عَيْنِي

الشرح‏:‏

حديث أبي هريرة ‏"‏ رأى عيسى رجلا يسرق ‏"‏ الحديث أورده من طريقين موصولة ومعلقة‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وقال إبراهيم بن طهمان إلخ‏)‏ وصله النسائي عن أحمد بن حفص بن عبد الله النيسابوري عن أبيه عن إبراهيم، وأحمد من شيوخ البخاري‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كلا والذي لا اله إلا الله‏)‏ في رواية الكشميهني ‏"‏ إلا هو ‏"‏ وفي رواية ابن طهمان عند النسائي ‏"‏ فقال لا والذي لا إله إلا هو‏"‏‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وكذبت عيني‏)‏ بالتشديد على التثنية، ولبعضهم بالإفراد‏.‏

وفي رواية المستملي ‏"‏ كذبت ‏"‏ بالتخفيف وفتح الموحدة و ‏"‏ عيني ‏"‏ بالإفراد في محل رفع، وقع في رواية مسلم ‏"‏ وكذبت نفسي ‏"‏ وفي رواية ابن طهمان ‏"‏ وكذبت بصري ‏"‏ قال ابن التين‏:‏ قال عيسى ذلك على المبالغة في تصديق الحالف‏.‏

وأما قوله ‏"‏ وكذبت عيني ‏"‏ فلم يرد حقيقة التكذيب، وإنما أراد كذبت عيني في غير هذا، قاله ابن الجوزي، وفيه بعد‏.‏

وقيل‏:‏ إنه أراد بالتصديق والتكذيب ظاهر الحكم لا باطن الأمر وإلا فالمشاهدة أعلى اليقين فكيف يكذب عينه ويصدق قول المدعي‏؟‏ ويحتمل أن يكون رآه مد يده إلى الشيء فظن أنه تناوله، فلما حلف له رجع عن ظنه‏.‏

وقال القرطبي‏:‏ ظاهر قول عيسى للرجل ‏"‏ سرقت ‏"‏ أنه خبر جازم عما فعل الرجل من السرقة لكونه رآه أخذ مالا من حرز في خفية‏.‏

وقول الرجل كلا نفي لذلك ثم أكده باليمين، وقول عيسى‏:‏ ‏"‏ آمنت بالله وكذبت عيني ‏"‏ أي صدقت من حلف بالله وكذبت ما ظهر لي من كون الأخذ المذكور سرقة فإنه يحتمل أن يكون الرجل أخذ ما له فيه حق، أو ما أذن له صاحبه في أخذه، أو أخذه ليقلبه وينظر فيه ولم يقصد الغصب والاستيلاء‏.‏

قال‏:‏ ويحتمل أن يكون عيسى كان غير جازم بذلك، وإنما أراد استفهامه بقوله سرقت‏؟‏ وتكون أداة الاستفهام محذوفة وهو سائغ كثير انتهى‏.‏

واحتمال الاستفهام بعيد مع جزمه صلى الله عليه وسلم بأن عيسى رأى رجلا يسرق، واحتمال كونه يحل له الأخذ بعيد أيضا بهذا الجزم بعينه، والأول مأخوذ من كلام القاضي عياض، وقد تعقبه ابن القيم في كتابه ‏"‏ إغاثة اللهفان ‏"‏ فقال‏:‏ هذا تأويل متكلف، والحق أن الله كان في قلبه أجل من أن يحلف به أحد كاذبا، فدار الأمر بين تهمة الحالف وتهمة بصره فرد التهمة إلى بصره، كما ظن آدم صدق إبليس لما حلف له أنه له ناصح‏.‏

قلت‏:‏ وليس بدون تأويل القاضي في التكلف، والتشبيه غير مطابق والله أعلم‏.‏

واستدل به على درء الحد بالشبهة، وعلى منع القضاء بالعلم، والراجح عند المالكية والحنابلة منعه مطلقا، وعند الشافعية جوازه إلا في الحدود وهذه الصورة من ذلك، وسيأتي بسطه في كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى الْمِنْبَرِ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لَا تُطْرُونِي كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس عن عمر، هو من رواية الصحابي عن الصحابي‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏لا تطروني‏)‏ بضم أوله، والإطراء المدح بالباطل تقول أطريت فلانا مدحته فأفرطت في مدحه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏كما أطرت النصارى ابن مريم‏)‏ أي في دعواهم فيه الإلهية وغير ذلك، وهذا الحديث طرف من حديث السقيفة، وقد ساقه المصنف مطولا في كتاب المحاربين، وذكر منه قطعا متفرقة فيما مضى ويأتي التنبيه عليها في مكانها‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ حَيٍّ أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ خُرَاسَانَ قَالَ لِلشَّعْبِيِّ فَقَالَ الشَّعْبِيُّ أَخْبَرَنِي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَدَّبَ الرَّجُلُ أَمَتَهُ فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَعَلَّمَهَا فَأَحْسَنَ تَعْلِيمَهَا ثُمَّ أَعْتَقَهَا فَتَزَوَّجَهَا كَانَ لَهُ أَجْرَانِ وَإِذَا آمَنَ بِعِيسَى ثُمَّ آمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ وَالْعَبْدُ إِذَا اتَّقَى رَبَّهُ وَأَطَاعَ مَوَالِيَهُ فَلَهُ أَجْرَانِ

الشرح‏:‏

قوله‏:‏ ‏(‏أخبرنا عبد الله‏)‏ هو ابن المبارك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إن رجلا من أهل خراسان قال للشعبي، فقال الشعبي‏)‏ حذف السؤال وقد بينه في رواية حبان بن موسى عن ابن المبارك فقال‏:‏ ‏"‏ إن رجلا من أهل خراسان قال للشعبي‏:‏ إنا نقول عندنا إن الرجل إذا أعتق أم ولده ثم تزوجها فهو كالراكب بدنته، فقال الشعبي ‏"‏ فذكره، أخرجه الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عنه‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏إذا أدب الرجل أمته‏)‏ يأتي الكلام عليه في النكاح‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏وإذا آمن الرجل بعيسى ثم آمن بي فله أجران‏)‏ تقدم مباحث ذلك في كتاب العلم مستوفاة، وفيه إشارة إلى أنه لم يكن بين عيسى وبين نبينا صلى الله عليه وسلم نبي، وقد تقدم البحث في ذلك‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏والعبد إذا اتقى ربه إلخ‏)‏ تقدمت الإشارة إليه في كتاب العتق‏.‏

الحديث‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْمُغِيرَةِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تُحْشَرُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلًا ثُمَّ قَرَأَ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ فَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى إِبْرَاهِيمُ ثُمَّ يُؤْخَذُ بِرِجَالٍ مِنْ أَصْحَابِي ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ فَأَقُولُ أَصْحَابِي فَيُقَالُ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا مُرْتَدِّينَ عَلَى أَعْقَابِهِمْ مُنْذُ فَارَقْتَهُمْ فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الْفَرَبْرِيُّ ذُكِرَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَنْ قَبِيصَةَ قَالَ هُمْ الْمُرْتَدُّونَ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ فَقَاتَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

الشرح‏:‏

حديث ابن عباس ‏"‏ إنكم محشورون إلى الله حفاة ‏"‏ الحديث وسيأتي البحث فيه في أواخر الرقاق، والغرض منه ذكر عيسى ابن مريم في قوله‏:‏ ‏(‏وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم‏)‏ ‏.‏

قوله‏:‏ ‏(‏قال الفربري ذكر عن أبي عبد الله‏)‏ هو البخاري ‏(‏عن قبيصة‏)‏ هو ابن عقبة أحد شيوخ البخاري، أي أنه حمل قوله‏:‏ ‏"‏ من أصحابي ‏"‏ أي باعتبار ما كان قبل الردة لا أنهم ماتوا على ذلك، ولا شك أن من ارتد سلب اسم الصحبة لأنها نسبة شريفة إسلامية فلا يستحقها من ارتد بعد أن اتصف بها، وقد أخرج الإسماعيلي الحديث المذكور عن إبراهيم بن موسى عن إسحاق من قبيصة عن سفيان الثوري به‏.‏